المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412227
يتصفح الموقع حاليا : 347

البحث

البحث

عرض المادة

مركزيــــة إســـرائيل في حيـــاة الدياســـبورا

مركزيــــة إســـرائيل في حيـــاة الدياســـبورا
Centrality of Israel in the Life of the Diaspora
«مركزية إسرائيل في حياة الدياسبورا» عبارة تعني أن مركز الحياة اليهودية في العالم بأسره هو إسرائيل (فلسطين). وتضفي الرؤية اليهودية الدينية على إرتس يسرائيل صفة محورية في حياة اليهود، فكان على اليهودي أن يحج ثلاث مرات في العام لتقديم القرابين للإله في الهيكل القائم في القدس. وقد قام الصهاينة بعلمنة هذه العقيدة فنادوا بضرورة أن تصبح الدولة الصهيونية مركز حركية الجماعات اليهودية في العالم، وأن تكون الدولة الصهيونية الملجأ الوحيد لليهود، وبأن تقوم وحدها بالدفاع عنهم، وقالوا إن الحروب التي يخوضها المستوطنون الصهاينة إنما تهدف إلى الدفاع عن كل يهود العالم. ويرى الصهاينة أن الدولة الصهيونية هي التي تساعد يهود العالم في الحرب ضد خطر الاندماج وفي الحفاظ على الهوية اليهودية، وأنها هي التي تضمن استمرار التراث اليهودي وتطوُّره، وتحسن صورة اليهود أمام الأغيار، فبدلاً من صورة اليهودي التاجر والمرابي والجبان تأكدت صورة اليهودي باعتباره المقاتل الشرس وبذا يستعيد اليهودي احترامه لنفسه بعد أن فقده بسبب آلاف السنين من النفي. وتقوم المنظمة الصهيونية بإشاعة هذه الرؤية فتبيِّن مدى مشاركة الجماعات اليهودية في بناء إسرائيل ودعمها والالتفاف حولها، ومدى تَحمُّسهم أثناء الحروب الإسرائيلية المتتالية، وذلك حتى يشعروا بأنهم جزء من إسرائيل وحتى يتعمق لديهم الإحساس بازدواج الولاء.


وفكرة مركزية إسرائيل عند بعض الصهاينة الأوائل من دعاة الصهيونية السياسية كانت تعني ضرورة تَساقُط الأطراف تماماً (أي تصفية الدياسبورا). ولكن دعاة الصهيونية الإثنية، الدينية والعلمانية، يذهبون إلى أن مركزية إسرائيل هي مركزية ثقافية بالدرجة الأولى. ولكن دبنـوف، وبعـده دعاة ما يُسـمَّى «قومية الدياسبورا» (أو القومية اليديشية)، عارض هذه الفكرة طارحاً بدلاً منها فكرة المركز الثقافي المتنقل من عاصمة إلى أخرى بحسب مدى ازدهار الجماعات اليهودية حضارياً وثقافياً، فالمكان الأكثر حضارة وثقافة هو الذي يشكل المركز. ولكن هذا المكان ليس بالضرورة فلسطين أو إرتس يسرائيل (فقد يكون الأندلس أو بابل أو روسيا أو الولايات المتحدة)، غير أن الصهيونية تحارب مثل هذه التعددية .

وقد ازداد مفهوم مركزية إسرائيل أهميةً بعد ظهور الصهيونية التوطينية التي تُسمَّى «صهيونية الدياسبورا». وبعد إحجام الجماهير اليهودية عن الهجرة إلى أرض الميعاد، يصبح الإيمان بمركزية إسرائيل بديلاً للاستيطان الفعلي، فهو يُشبع الحنين اليهودي إلى صهيون دون أن تُترجَم هذه العاطفة إلى سلوك أو فعل. وقد أصبح تأكيد مركزية إسرائيل حجر الأساس الآن في البرنامج الصهيوني في الولايات المتحدة .

وتفترض مركزية إسرائيل هامشية أعضاء الجماعات، وضرورة تصفيتها، أو على الأقل تحويلهم إلى أداة تُستخدَم. ولكن واقع أعضاء الجماعات اليهودية في العالم يُثبت زيف هذا المفهوم، كما يثبت أن هذا المفهوم ينتمي إلى عالم الأحلام والأماني وربما الأوهام، إذ أن الدولة الصهيونية لا تؤثر كثيراً في الحياة الثقافية أو حتى الدينية للأمريكيين اليهود. والواقع أن أعضاء الجماعات اليهودية قد يتحدثون قولاً عن مركزية إسرائيل، ولكنهم يسـلكون حسـبما تمليه مصلحتهم ورؤيتهم علىهـم. وغني عن القول أن الدولة الصهيونية لا يمكنها أن تدافع عن أعضاء الجماعات اليهودية ولا أن تُحسِّن صورتهم العامة، إذ أن ما يحدد هذه الصورة هو أداؤهم داخل مجتمعاتهم. بل إن الدولة الصهيونية، بسبب مركزيتها التي تزعمها لنفسها ومرجعيتها اليهودية التي تدعيها لنفسها، تُلحق الأذى والضرر باليهود كما حدث أثناء حادثة الجاسوس جوناثان بولارد وكما يَحدُث حالياً في مواجهة الانتفاضة حيث يظهر جنود الدولة اليهودية وهم يكسرون أذرع الأطفال.

ولو كان القول الصهيوني بشأن مركزية هذه الدولة في حياة أعضاء الجماعات اليهودية حقيقة يمكن أن يقبلها المرء، لكان من حقه أن يرى سلوكها الشرس تعبيراً عن السلوك اليهودي بشكل عام، ولكان من حقه أيضاً أن يرى أن غزوات الصهيونية وصولاتها وجولاتها إنما تعبِّر عن طموحات اليهود أينما كانوا. ومن هنا، يحرص كثير من أعضاء الجماعات الآن على الاحتفاظ بمسافة بينهم وبين الدولة الصهيونية ، بل على تأكيد مركزية الدياسبورا.

أسبقية (أو أولوية) إسرائيل في حياة الدياسبورا
Primacy of Israel in the Life of the Diaspora
«أسبقية (أو أولوية) إسرائيل في حياة الدياسبورا» مصطلح صهيوني جديد تم سكه مؤخراً ليحل محل مصطلح «مركزية إسرائيل في حياة الدياسبورا»، وهو مصطلح أقل جذرية من سابقه، وهذا ما يدل على أن الصهيونية الاستيطانية في فلسطين قد بدأت تشعر بضعفها في مواجهتها مع الجماعات اليهودية (في الولايات المتحدة) ومع الصهيونية التوطينية بشكل عام. ولذا، بدلاً من الإصرار على مركزية إسرائيل (وهو ما يعني تبعية الأطراف للمركز)، يكتفي الفكر الصهيوني بتأكيد أسبقيتها أو أولويتها. وهذه العبارة مثل جيد على الخطاب الصهيوني المراوغ وعلى محاولة إخفاء طبيعة الخطاب وأهدافه. فالأسبقية أو الأولوية تعني مرة أخرى مركزاً وأطرافاً. ومهما يكن الأمر، فإن ظهور المصطلح هو في حد ذاته دليل على التغيُّرات العميقة التي طرأت على علاقة إسرائيل بالجماعات اليهودية في العالم، وعلى تغيُّر موازين القوى لصالح الأخيرة.


نفــــــي الدياســــــبورا
Negation of the Diaspora
«نفي الدياسبورا» ترجمة عربية حرفية وشائعة للمصطلح الصهيوني «نجيشن أوف ذي دياسبورا negation of the diaspora» (وهو بدوره ترجمة للمصطلح العبري «شليلات هجولاه»)، ونفضل التعبير عنه باصطلاح «تصفية الدياسبورا واستغلالها».


تصفية الدياسبورا واستغلالها
Liquidation of the Diaspora
«تصفية الدياسبورا واستغلالها» عبارة تعني أن وجود الجماعات اليهودية في العالم هو وجود مؤقت، هامشي ومرضي، يجب تصفيته، وأنه إن لم يتسن تصفيته يمكن على الأقل توظيفه في خدمة الدولة الصهيونية انطلاقاً من الإيمان بمركزية إسرائيل في حياة الدياسبورا. والصهيونية تفترض أن أعضاء الجماعات اليهودية لا يحيون حياة يهودية كاملة لأنهم يعيشون خارج وطنهم القومي، كما أنهم يعانون من شذوذ الشخصية وهامشية الحياة إذ لا جذور لهم في الحضارات المختلفة لأنهم شعب عضوي لا تستطيع حضارة الآخر أن تعبِّر عن جوهره المتميِّز. والسبيل الوحيد إلى التعبير عن هذا الجوهر هو الوطن القومي والتربية القومية. فالصهيونية، بحسب تصوُّر كلاتزكين، هي «رفض الدياسبورا» لأنها "لا تستحق البقاء". وهذه النغمة الصهيونية من أكثر النغمات تكراراً؛ فالحاخام موردخاي بيرون، كبير حاخامات الجيش الإسرائيلي، وصف الشتات بأنه «لعنة إلى الأبد.. لعنة دائمة»، ولم يستثن من ذلك حتى العصور الذهبية المختلفة ليهود الشتات. كما أشار بن جوريون إلى الشتات على أنه «غبار إنساني متناثر»، ووصفه كلاتزكين بأنه «دمار وانحلال وضعف أبدي».


وانطلاقاً من ذلك ينظر الصهاينة إلى موروثات أعضاء الجماعات على أنها بلا قيمة ولا تستحق الحفاظ علىها، بل تجب تصفيتها لأنها تجسِّد هامشية اليهود وشذوذهم وقيمهم غير القومية (غير العضوية) التي يجب التخلص منها. ومن ثم، فإننا نجد إشارات إلى أعضاء الجماعات اليهودية باعتبارهم من عَبَدة الإله الكنعاني بعل. يعيشون في بابل عبيداً لشهواتهم المادية الرخيصة (قدور اللحم)، ومن هنا الحديث عن ضرورة غزو الجماعات .

ولكن المشكلة الأساسية هي أن التراث اليهودي هو أساساً مجموعة من موروثات الجماعات اليهـودية المختلفة، وبدونهـا لا توجد هويات يهودية من أي نوع. بل إن هذه الموروثات قد وجدت طريقها إلى الوطن القومي، والإسرائيليون لا يزالون يجدون هويتهم من خلالها. وبعد أربعين عاماً من إعلان الدولة، بدأ كثير من جيل الصابرا يبحث عن جذوره في تراث يهود اليديشية أو في تراث إسبانيا وليس في التراث اليهودي الخالص الذي لا وجود له إلا في كتابات الصهاينة .

وثمة صيغ صهيونية أقل حدة ترى أن الموروث الثقافي لأعضاء الجماعات قد تكون له أهمية، ولكنها أهمية ثانوية بالقياس إلى إنجازات اليهود الحضارية في فلسطين تحت حكم دولة مستقلة. وانطلاقاً من هذا، يمكن استغلال أعضاء الجماعات اليهودية بدلاً من تصفيتهم، ويمكن توظيفهم في خدمة الدولة الصهيونية بدلاً من نفيهم. بل إن المفكر الصهيوني العمالي أهاردن ديفيد جوردون اقترح أن تكون علاقة يهود العالم بالدولة الصهيونية مثل علاقة الدول الاستعمارية بالمستعمرات، أي علاقة يستفيد منها طرف واحد ويدفع الآخر الثمن. فالجماعات اليهودية، من هذا المنظور، هي مجرد وسيلة تستخدم للوصول إلى الغاية الصهيونية، أو جسر يُستخدَم للعبور إلى أرض الميعاد، أو لبنة تُستخدَم في بناء الدولة الصهيونية .

وقد كانت الصيغة الأولى الجذرية (أي التصفية الكاملة) هي السائدة حتى عهد قريب. وفي إطار ذلك، كانت الدعوة إلى اللغة العبرية ورفض اليديشية، وفي نهاية الأمر القضاء علىها. كما تم التعاون مع النازيين وإبرام معاهدة الهعفراه معهم، ووُجِّهت الدعوة إلى يهود العالم للهجرة بأعداد كبيرة إلى المركز اليهودي. وقد تم بالفعل تصفية (نفي) كل الجماعات اليهودية في العالمين العربي والإسلامي، ولم يبق سوي جماعات يهودية صغيرة في أوربا وجماعة واحدة كبيرة في الولايات المتحدة. ورغم المحاولات الدائبة من قبَل الصهاينة لتصفية الجماعات اليهودية في الغرب، إلا أن إنجاز هذه العملية لم يكن ثمرة جهود الصهاينة وإنما كان في واقع الأمر نتيجـة ظـاهرة تاريخية عـالمية واسعة هي الاستعمار الاستيطاني الغربي، إذ كانت كل العناصر اليهودية المهاجرة تتجه إلى الدول الاستيطانية الجديدة، وخصوصاً الولايات المتحدة، واتجهت قلة منهم إلى فلسطين التي تم الاستيطان فيها من خلال آليات الاستعمار الاستـيطاني الغـربي، ولم تكن الصهـيونية أو اليهــودية سوى الديباجة.

وقد ظلت الدعوة إلى نفي الدياسبورا واستغلالها قائمة حتى عام 1948. ولكن بعد إنشاء الدولة وتزايد اعتمادها على الولايات المتحدة وعلى يهود العالم تخلَّى الصهاينة عن الصيغة المتطرفة وتم تبنِّي صيغة معدَّلة مقلَّصة، ومن ثم أصبحت الدولة الصهيونية لا تهدف إلى نفي الجماعات وتصفيتها وإنما تنظر إلىها باعتبارها مصدر دعم مادي وسياسي ومعنوي، أي قبلت ما نسميه «الصهيونية التوطينية». ولذا، فإن الآلة الصهيونية تركز كل همها على جمع التبرعات. وقد زوَّد أعضاء الجماعات اليهودية الدولة الصهيونية بنحو 25% من كل مواردها المالية في السنين الأولى. ولكن، مع زيادة حجم الميزانية الإسرائيلية، ومع التضخم، نجد أن أعضاء الجماعات لا يزودونها إلا بـ 3% من مواردها. كما أن جمع الأموال أصبح يسبب نوعاً من الجفاء تجاه الصهيونية ونوعاً من الضيق بالكيان الصهيوني. بل إن المنظمات الصهيونية في الخارج تحتفظ بقـدر كبير من الأموال التي تجمعـها لتمويل نشاطاتها هي. كما أن أعضاء الجماعات بدأوا يثيرون قضايا مثل كيفية إنفاق هذه التبرعات، فيصر كثير منهم على إنفاقها في الرفاه الاجتماعي وليس في الحرب، على حين أن فريقاً منهم يرفض أن تُنفَق أية تبرعات على المُستوطَنات في الضفة الغربية. وقد طُرحَت مؤخراً صيغة جديدة للتعاون بين الصهيونية وأعضاء الجماعات اليهودية، تشكل تراجعاً صهيونياً. فهذا المشروع يركز على القدرات المهنية والفكرية لأعضاء الجماعات انطلاقاً من القول بأن العقول هي رأسمال عصر العلم، تماماً كما كانت النقود رأسمال عصر الصناعة. ولذا، فإن هذا المشروع يهدف إلى أن تكون إسرائيل أول المجتمعات في عصر الفضاء وأكثرها تركيباً من الناحية التكنولوجية والعلمية والثقافية، وتتحول بذلك إلى قوة عظمى صغيرة تُنتج التكنولوجيا وتُصدِّرها، فتحل مشكلة ميزان المدفوعات وترفع مستوى مواطنيها، وتسد الهوة الاجتماعية الإثنية داخل المجتمع الصهيوني، ثم تضمن في النهاية استمرار وجود الهوة الكيفية بينها وبين جيرانها.

ولذا، لن يُطلَب من أعضاء الجماعات اليهودية أن يهاجروا وإنما سيُطلَب منهم إقامة مشاريع ذات طابع كيفي متميِّز في إسرائيل. وسيكون بوسع المساهمين في هذه المشاريع قضاء أوقات أطول في إسرائيل والمسـاهمة بكفاءتهم العلمـية والتكنولوجية دون أن يهاجروا بالفعل. كما يمكنهم أيضاً المساهمة في استيراد وتسويق السلع الإسرائيلية. بل يمكن أن يتحولوا إلى وكلاء يتقاضون عمولة كبيرة تستخدم لتمويل المشاريع المختلفة. وغني عن القول أن هذه مهمة يمكن أن يقوم بها أيضاً أي إنسان يطمع في تحقيق الربح، فهي لا تتصل بالضرورة بالهوية اليهودية أو بوحدة الشعب اليهودي كما لا تتصل بالعلاقة الخاصة بين دياسبورا يهودية في المنفى ومركز يهودي في فلسطين!

غزو الدياسبورا
Conquest of the Communities (Diaspora)
«غزو الدياسبورا» مصطلح صهيوني يعني ضرورة الهيمنة الصهيونية على كل الجماعات اليهودية في العالم شاءت أم أبت، وذلك باعتبار أن الدولة الصهيونية هي المركز والجماعات اليهودية هي الأطراف، وهذا ما يُطلَق علىه «مركزية إسرائيل في حياة الدياسبورا». وبناءً على نصيحة ماكس نوردو، أعلن هرتزل في المؤتمر الصهيوني الثاني (1898) ضرورة غزو الحركة الصهيونية للجماعات اليهودية. والواقع أن الحركة الصهيونية لا تهدف إلى تهجير العرب من فلسطين إلى المنفى وحسب، وإنما تهدف أيضاً إلى تهجير اليهود من المنفى إلى فلسطين. ولكن حينما أعلنت الحركة الصهيونية برنامجها بشأن الوطن القومي وتجميع اليهود، أي تهجيرهم، قوبلت الدعوة بالرفض من جانب جميع المنظمات اليهودية في العالم. ووجد الصهاينة أنفسهم معزولين في جزيرة صغيرة، وذلك على حد قول وايزمان أثناء محادثاته مع الحكومة الإنجليزية لإصدار وعد بلفور، أي أنهم وجدوا أنفسهم مفتقرين إلى قاعدة جماهيرية. ولحل هذا الوضع، تبنَّى الصهاينة إستراتيجية حل المشكلة من أعلى (أي من ناحية المصالح الإمبريالية) وليس من أسفل (من ناحية الجماهير اليهودية). ومعنى هذا أنهم قرَّروا غزو الجماعات من خلال القوى الاستعمارية العظمى. فقدموا أنفسهم منذ البداية باعتبار أن بإمكانهم لعب دور الوسيط بين القوى الاستعمارية من جهة واليهود من جهة أخرى، وذلك لتجنيدهم وتوطينهم في الموقع الجغرافي الذي يهم تلك القوى. وقد أخبر هرتزل القس هشلر (الذي كان يساعده في جهوده الصهيونية) بأنه لا يمكنه فرض شروطه على اليهود إلا إذا نال قسطاً من الشرعية من إحدى الدول العظمى حتى يَقبَله اليهود. وبالفعل، فحالما وافقت إنجلترا على المشروع الصهيوني (1917) اكتسبت الصهيونية شرعية هائلة أمام الجماهير اليهودية في الغرب فاضطرت إلى الاعتراف بها. وهذا ما حدث أيضاً في الولايات المتحدة حيث اتجه النظام الأمريكي اتجاهاً ممالئاً للصهيونية برغم معارضة اليهود، فاكتسبت المنظمة الصهيونية الشرعية التي تحتاج إليها وفرضت هيمنتها في نهاية الأمر على الجماعة اليهودية. ومن ثم، يصر الصهاينة على أن يُنظَر إلى المشروع الصهيوني في ضوء المصالح الإمبريالية ، وكان القاضي الأمريكي اليهودي برانديز يؤكد لليهود أن صهيونية اليهودي الأمريكي لا تتعارض البتة مع أمريكيته. وبذا حقَّقت الصهيونية أولى خطوات عملية غزو الجماعات. ويُلاحَظ أن ثمة تماثلاً بين الطـريقة التي إتبعـتها الحـركة الصـهيونية في غـزو الجماعات اليهودية وبين طريقتها في غزو فلسطين، أي الاعتماد على القوى الاستعمارية الخـارجية. وقد قال الزعـيم الصهيوني أهارون جوردون: إن الأقليات في الخارج يجب أن تكون بمنزلة مستعمرات للوطن الأم.


وقد أخذت محاولات فرض مركزية إسرائيل أشكالاً مختلفة أكثر دهـاء أو أكثر إرهابية (حــسبما تمليه الظروف). فبعد عام 1948، أعلنت الدولة الصهيونية نفسها دولة للشعب اليهودي بأسره، داخـل حدودها وخارجـها، بكل ما يُفهَم من هذا من مركزية. ويصدر المسئولون الصهيونيون والإسرائيليون من التصريحات ما يفترض مركزية إسرائيل في حياة الدياسبورا وارتباطهما العضوي. فيصرح مندوب إسرائيل في هيئة الأمم بأن مستقبل يهود إسرائيل ويهود أمريكا لا ينفصلان. وكتب بن جوريون عن "وجود رابطة لا تنفصم عراها بين دولة إسرائيل والشعب اليهودي... رابطة الحياة والموت... ووحدة المصير والغاية". بل إن بن جوريون يدَّعي أنه عندما يقول يهودي ليهودي آخر "حكومتنا" فإن ذلك يعني حكومة إسرائيل وأن "عامة اليهود في مختلف الدول ينظرون إلى الشعب الإسرائيلي باعتبار أنه يقوم بتمثيلهم".

وتأخذ محاولات فرض مركزية إسرائيل شكلاً عنيفاً صريحاً كما حدث في العراق حينما زرع عملاء صهاينة متفجرات في المعبد اليهودي في بغداد حتى يفر يهود العراق إلى المركز الإسرائيلي. وقد حدث شيء مماثل عام 1990 حينما نجح الصهاينة في إقناع الولايات المتحدة بأن توصد أبوابها دون المهاجرين اليهود السوفييت حتى يضطروا إلى الهجرة للمركز الإسرائيلي الذي اتضح انصرافهم عنه، وعدم إقبالهم عليه (انظر: «التهجير [الترانسفير] الصهيوني لأعضاء الجماعات اليهودية»)

ولا تتوقف عملية غزو الجماعات على الهيمنة على الجماعات اليهودية نفسها، إذ أخذت الصهيونية (وهي عقيدة سياسية لا دينية) تَقرن نفسها باليهودية (وهي عقيدة سماوية) وتتوحد بها، كما تمت صهينة العقيدة اليهودية بشكل تام (هي في جوهرها عملية علمنة). وقد تم إنجاز هذه العملية بكفاءة عالية جداً حتى أن معظم أعضاء الجماعات، وخصوصاً من الأجيال الجديدة، يتصوَّرون الآن أن الصهيونية هي اليهودية ولا فرق بينهما.

ويهيمن الآن الجهاز الصهيوني على معظم المؤسسات اليهودية في العالم، إذ تغلغلت في النشاط الخيري والتربوي وفي أوجه الحياة كافة. وتحاول الصهيونية قصارى جهدها أن تُوظِّف إمكانات أعضاء الجماعات لصالحها، مالية كانت أو علمية أو سياسية لتحوِّلهم إلى أداة لها.

وقد اختفي المصطلح تقريباً في الأدبيات الصهيونية مع أنه مفهوم كامن فيها، ويرجع هذا إلى عدة أسباب من بينها إذعان أعضاء الجماعات اليهودية واستبطانهم المصطلح الصهيوني بشكل شبه تام. كما ظهر عقد صامت بين الدولة الصهيونية ويهود العالم تم بمقتضاه تقسيم العمل بين الصهيونية التوطينية أو صهيونية الخارج (صهيونية الدعم والضغط السياسي) والصهيونية الاستيطانية أو صهيونية الداخل (صهيونية الاستيطان والقتال). ولكن الأهم من هذا أن الاعتراف الغربي بالصهيونية دعم مركز الصهيونية بين يهود الغرب المندمجين، وبدأت المعارضة الصريحة للصهيونية تبدو وكأنها معارضة لسياسات الحرب العالمية الأولى التي اتبعتها الحكومات الغربية.

 والواقع أن الشرعية الاستعمارية التي اكتسبتها الصهيونية أدَّت إلى حسم قضية ازدواج الولاء بالنسبة لليهودي الغربي، وحينما يؤيد المواطن الأمريكي اليهودي الصهيونية، فهو إنما يساند المصالح الإستراتيجية لبلاده، ومن ثم فلا يوجد فرق كبير بينه وبين المواطن الأمريكي غير اليهودي الذي يؤيد المشروع الصهيوني إلا في الدرجة والشكل.

ومع هذا، نجد أن أعضاء الجماعات اليهودية يقاومون هذا الغزو إما بالرفض الصريح وهذه هي الأقلية، وإما بالتملص عن طريق إعلان الولاء للدولة الصهيونية ودفع التبرعات لها ورفض الهجرة إليها. والرد الصهيوني على ذلك يأخذ أشكالاً حادة، كأن يُتَّهم اليهود والرافضون للصهيونية بأنهم معادون لليهود كارهون لأنفسهم، أو أن يُفرَض عليهم الخلاص الجبري. ولا يمكن إدراك المعنى الكامل لمفهوم غزو الجماعات إلا في إطار مفاهيم صهيونية أخرى مثل نفي الدياسبورا وهامشيتها.

هذا ويُلاحَظ، بعد الانتفاضة واهتزاز الشرعية الصهيونية، وكذلك قيام إسرائيل بدور الخفير في المنطقة، أن الجماعات اليهودية بدأت تفصح عن معارضتها لإسرائيل والصهيونية، وزاد الحديث عن مركزية الدياسبورا بدلاً من مركزية إسرائيل.

  • الاثنين AM 12:44
    2021-05-10
  • 1020
Powered by: GateGold