المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413307
يتصفح الموقع حاليا : 289

البحث

البحث

عرض المادة

اللوبــي اليهـودي والصهيــوني: لم ازدهـرت الأسـطورة؟

اللوبــي اليهـودي والصهيــوني: لم ازدهـرت الأسـطورة؟
Jewish and Zionist Lobby: Why has the Myth Prospered?
يمكننا القول بأن تضخيم قوة اللوبي والإعلام الصهيوني وجعلهما مسئولين عن كل ما يحدث في الغرب هي أسطورة قد يكون لها علاقة ما بالواقع، ولكنها ذات مقدرة تفسيرية ضعيفة لعدم إحاطتها بهذا الواقع ولعجزها عن التمييز بين ما هو جوهري وما هو فرعي فيه. بل يمكن القول بأن هذه الأطروحة الشائعة في أشكالها المتطرفة، هي امتداد للرؤية التآمرية الاختزالية البروتوكولية (نسبة إلى بروتوكولات حكماء صهيون)، التي تجعل اليهود مسئولين عن كل شيء وتجعل الغرب ضحية للتلاعب اليهـودي الصهيوني. وهذا تبسـيط للأمـور يعـمي الأبصار، فهل يمكن أن يتصور أحد أن التشكيل الاستعماري الغربي الذي حوَّل العالم بأسره إلى ساحة لنشاطه من خلال جيوشه ومخابراته (والآن من خلال عملائه ومخابراته) والذي أسس تشكيلاً حضارياً وبنية اجتماعية ونظاماً سياسياً يهدف إلى استغلال المصادر البشرية والطبيعية للكون بأسره وتوظيفها لصالحه، نقول هل يمكن أن تُحدَّد سياسات هذا الكيان نتيجة تدخُّل قوة سياسية مثل اللوبي اليهودي الصهيوني، هل لو أن اليهود اختفوا تماماً ولم يَعُد لهم من أثر، ولو أن إسرائيل اختفت من على خريطة العالم، هل ستتغير سياسة الولايات المتحدة وتصبح قوة مسالمة تتصالح مع القوى القومية والداعية للسلام والبناء، أو أنها كانت ستبحث عن عملاء آخرين وعن أشكال أخرى من التدخل؟ هذا هو السؤال الذي وجهته مرة للسناتور الأمريكي السابق جيمس أبو رزق (من أصل عربي) وكان رده أنه لا يمكن تخيُّل العالم بدون يهود أو الشرق الأوسط بدون إسرائيل! والإجابة لا تدل على عجز السـناتور أبو رزق عن التخـيل بقدر ما تدل على كفاءته النادرة في المراوغة.


ورغم ضعف المقدرة التفسيرية لأسطورة نفوذ اللوبي الصهـيوني إلا أنهـا تزدهر وتترعرع لعـدة أسـباب نورد بعضها فيما يلي:

1 ـ يروِّج الصهاينة أنفسهم لأسطورة اللوبي ويرسخونها في الأذهان. فكان وايزمان يتصور أن وعد بلفور قد مُنح لليهود بسبب اكتشاف الأسيتون، وكان اليهود يتصورن أن أول مندوب سامي بريطاني في فلسطين بعد فرض الانتداب، سير هربرت صمويل، هو أول ملك يهودي لفلسطين بعد هدم الهيكل! وقد ألقى أحد الحاخامات في معبد يهودي في واشنطن مؤخراً موعظة بدأها بالعبارة التالية: "الولايات المتحدة لم تَعُد حكومة للأغيار (أي غير اليهود) بل هي إدارة يشـارك فيهـا اليهود بشـكل كامل على كل المستويات". ولا شك في أن الصهاينة يستفيدون من مثل هذه الشائعات والأساطير، فهي تضفي عليهم أهمية لا يستحقونها، وتنسب لهم قوة تزيد وزنهم وهو ما يُحسِّن وضعهم التفاوضي. وقد عششت أسطورة اللوبي اليهودي والصهيوني في رؤوس بعض أعضاء النخب الحاكمة العربية، حتى أنهم يُحدِّدون سياساتهم انطلاقاً منها وتأسيساً عليها.

2 ـ نجحت الدولة الصهيونية الوظيفية في إنجاز مهمتها باعتبارها قاعدة عسـكرية رخيصة وحارساً للمنطقـة العربية، وقد دعَّم هذا من رواج أسطورة اللوبي. ويمكن القول بأن ثمة علاقة طردية بين قوة اللوبي الصهيوني وضعف العرب، فكلما ازداد العرب ضعفاً وغياباً ازداد اللوبي الصهيوني قوة وحضوراً وزاد تلاحم المصالح الغربية والمصالح الصهيونية. ولكن لو زادت تكلفة إسرائيل (من خـلال المقـاومة والمقاطعة والجهاد) لأعادت الولايات المتحدة حساباتها، ولأصبحت هذه الحسابات أكثر رشداً ( من وجهة نظرنا) ولما استمرت الولايات المتحدة في انحيازها، ولما ازداد منحنى التحيز انحناءً لصالح إسرائيل.

3 ـ تروِّج الحكومة الأمريكية ذاتها لمثل هذه المزاعم البروتوكولية عن اللوبي الصهيوني للإيحاء بأنها ترغب في اتخاذ مواقف أكثر اعتدالاً تجـاه القضـايا العـربية ولكنها لا تسـتطيع ذلك بسـبب اللوبي الصهيوني، وبذا يصبح الدعم الأمريكي السخي والمستمر لإسرائيل أمراً يتم رغم إرادة الولايات المتحدة وضد رغبتها، وتصبح هذه القوة العظمى الباطشة مجرد ضحية للنفـوذ اليهـودي وألعوبة في يد القوة الصهـيونية التي لا تُقهَر. وهو يُحــسِّن صورتها أمـام زبائنها من العرب.

4 ـ تستفيد النظم العربية من أسطورة اللوبي اليهودي والصهيوني. فهي تبرر الهزيمة العربية إذ تجعلها شيئاً متوقَّعاً ومفهوماً، كما أن ساحة القتال تنتقل من فلسطين إلى غرف الكونجرس وشوارع واشنطن وباريس حتى يتسنى لهذه الأنظمة العربية ممارسة ضغط يشبه الضغط اليهودي!

إن توافق المصالح، وتوافق الإدراك الغربي والصهيوني، هو سر نجاح إسرائيل الإعلامي ومصدر قوة اللوبي الصهيوني وليس العكس، وهي العوامل التي تحدد في نهاية الأمر السلوك الغربي. فالإعلام واللوبي الصهيوني لا يستمدان قوتهما من كفاءة الصهاينة وإنما من أن إسرائيل وجدت لنفسها مكاناً داخل الإستراتيجية الغربية، ولأنها جعلت نفسها أداة طيعة رخيصة كفئاً لتحقيق هذه الإستراتيجية. وتحديد القضية على هذا النحو يعني أننا لا نقلِّل من أهمية اللوبي الصهيوني أو من مقدرته على تعبئة الرأي العام الأمريكي لصالح إسرائيل أو من فعاليته في التأثير على صانع القرار الأمريكي (وبخاصة في أمور الشرق الأوسط والصراع العربي ـ الإسرائيلي). ولكـننا مع هـذا لا نفـسر كل سـلوك الغرب على أساسه، إذ تظل الأولويات الإستراتيجية التي حددها صانع القرار الغربي هي التي تفسر سلوكه. وإدراكنا لهذه الحقيقة سيُعمِّق إدراكنا للواقع وحركياته ويزيد مقدرتنا على التنبؤ والتصدي. إن النموذج التفسيري الذي نطرحه ليس مجرد تمرين أكاديمي، وإنما هو أمر أساسي في تحديد إستراتيجية التصدي لإسرائيل، وفي تحديد الأولويات.

وقد ركز الإعلام العربي أثناء إحدى انتخابات الرئاسة الأمريكية على مسألة أن كيتي دوكاكيس زوجة المرشح الديموقراطي آنذاك يهودية، وأن هذا سيؤدي إلى تزايد نفوذ اللوبي الصهيوني. ولابد أن هذا الموقف شارك فيه بعض صانعي القرار العربي. ويقف هذا على الطرف النقيض من الموقف التركي، فحين سُئل المتحدث الرسمي التركي عن رأيه في مسألة ترشيح دوكاكيس للرئاسة، وهو من أصل يوناني، ومدى تأثير ذلك في الموقف الأمريكي من تركيا إن تم انتخابه، قال ببساطة إن الولايات المتحدة لها مصالح إستراتيجية ثابتة سيتمسك بها الرئيس المنتخب أياً كان أصله. فهذه المصالح الثابتة هي السبب الحقيقي الكامن وراء دعم الولايات المتحدة لتركيا وهي أيضاً وراء تأييد الولايات المتحدة للدولة الصهيونية، ولا يمكن تصوُّر أن كيتي دوكاكيس ستؤثر في ذلك الموقف بشكل جوهري! وهذه مقولة غير مريحة بالنسبة لمن استناموا لمقولة أخطبوطية اللوبي الصهيوني، إذ أنها تعني أن عدونا ليس الأفعى اليهودية الخيالية الميتافيزيقية التي لا يمكن الإمساك بها لأنها خفية رغم أنها في كل مكان (وهذه دعوة مقنعة للاستسلام) وإنما هو العالم الغربي الذي يدافع عن مصالحه الإستراتيجية التي يمكن تعريفها والتصدي لها ومحاربتها في كل مكان.

  • الاحد PM 11:54
    2021-05-09
  • 1038
Powered by: GateGold