المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 409083
يتصفح الموقع حاليا : 273

البحث

البحث

عرض المادة

أهارون جوردون (1856-1922)

أهارون جوردون (1856-1922)
Aharon Gordon
أحد مفكري الصهيونية العمالية وأحد أعمدة الاستيطان الصهيوني في فلسطين. وُلد في بودوليا (روسيا) في بيئة زراعية تركت أثرها العميق فيه، وقد تلقَّى تعليماً دينياً ثم علمانياً، وعمل محاسباً حتى عام 1903. وفي تلك الفترة، فَقَد إيمانه باليهودية وبحركة التنوير، وتأثر بأفكار تولستوي والحركة الشعبوية الروسية، وتبنَّى رؤية آحاد هعام الصهيونية ووثنيته اللادينية. وتعرَّف خلال ذلك إلى جماعة أحباء صهيون وأصبح من أتباعها المتحمسين. وحينما بيعت الضيعة التي كان يعيش ويعمل فيها عام 1904، هاجر إلى فلسطين حيث اشتغل عاملاً زراعياً يدوياً في المستوطنات اليهودية هناك (وكان عمره آنذاك 48 سنة على عكس الأكثرية الساحقة من مهاجري الهجرة الثانية). أنجب جوردون سبعة أطفال لم يبق منهم سوى اثنين. وقد حاولت أسرته أن تُثنيه عن عزمه على الاستيطان ولكنه نجح في إحضارها إلى فلسطين إلا ابنه الأكبر الذي عاد إلى حظيرة الدين اليهودي وانفصل عن أبيه. وفي عام 1909، نشر جوردون في مجلة العامل الفتي مجموعة من المقالات يشرح فيها أفكاره وهي مجلة جماعة عمالية معارضة لجماعتي عمال صهيون واتحاد العمل.


ينطلق جوردون من نقد عميق للجماعات اليهودية ولليهودية التي قضت تاريخها معزولة عن الطبيعة، مسجونةً داخل أسوار المدينة، ففقدت حب العمل. فالتلمود يقول إنه عندما ينفذ اليهود إرادة الإله سيقوم الآخرون بتنفيذ أعمالهم نيابةً عنهم، وهكذا تحوَّل اليهود إلى شعب طفيلي ميت. وإلى جانب هذا، فَقَد اليهود أيضاً مقومات الشخصية القومية المستقلة. فهم طفيليون لا في العمل المادي وحسب وإنما في المنتجات الثقافية كذلك، فهم يعتمدون على الآخرين مادياً وروحياً. إن الجماعات اليهودية في العالم سلبية في تَلقِّيها واستهلاكها حضارة الآخرين، فكل الشعوب تعيش من ثمرة عملها إلا اليهود. والحضارة كما يرى نتاج عملية تَطوُّر طبيعية لم يساهم فيها اليهود. ولذا، فإن اليهود المندمجين في حضارة غير يهودية سيكتسبون هوية غير يهودية جديدة ويتحولون بذلك إلى أشخاص غير طبيعيين ناقصين ومنشطرين داخلياً.

والحل الذي يطرحه جوردون هو الحل الصهيوني، أي إسقاط اليهودية كدين وتحويل اليهود إلى مادة استيطانية، ولكنه يضيف إلى هذا المشروع ديباجته الخاصة. يذهب جوردون إلى أن اليهود يوجد أمامهم طريقان لا ثالث لهما: إما الاستمرار في حياة المنفى المريضة أو الخوض في طريق الحياة القومية الصحيحة، والواقع أن اختيار أحدهما يعني استبعاد الآخر. ولذا، يقترح جوردون على الرواد الصهاينة في فلسطين أن يكونوا آخر اليهود وأن يصبحوا رواد أمة عبرانية جـديدة تتكـون من رجــال ونساء تربطهم علاقة جديدة بالطبيعة. وهو يدعو إلى تصفية الدياسبورا (الجماعات اليهودية) تماماً. وإن تم الاحتفاظ بهم، فيجب أن يكونوا بمنزلة المستعمرات في علاقتهم بالوطن الأم، يزودونه بالمادة البشرية المطلوبة والدعم المالي والسياسي.

وينطلق جوردون من إيمان بالواحدية المادية الكونية، ولذا فهو يرى أن ثمة وحدة كونية بل تماثلاً كاملاً بين الإنسان والطبيعة. غير أنه إذا كان الإنسان مجرد جزء عضوي من الطبيعة، فإن العقل الإنساني يفقد أهمـيته (فالعقل مركز الذاكرة ووسيلتنا للوصول إلى المعرفة التاريخية). بل إن العقل ـ حسب تصوُّر جوردون ـ يصبح حينئذ مصدر اغتراب الإنسان عن مصادر حياته، لأن المعرفة العقلية تقف على طرف النقيض من الحياة الكونية (وهنا يتضح تأثير نيتشه العميق). وإذا كان العقل هو مصدر اغتراب الإنسان، فإن المعرفة الحدسية هي التي تقلِّل غربته، وهي التي تجعله قادراً على الامتزاج بالطبيعة وبالقوة الكونية. إن حياة الإنسان مرتبطة بالحياة الخفية للكون (كما كان يزعم القبَّاليون). لكن الإنسان الذي ينبغي أن يعود جزءاً من الطبيعة عليه أن يتخلى عن العقل وعن أية حدود تفصل بينه وبين الطبيعة والقوة الكونية التي تسري فيها وفيه، وعليه أن ينغمس في تجربة دينية صوفية حلولية. وهنا نجد أن الدين لا يعلو على الطبيعة وإنما هو جزء لا يتجزأ منها. ونحن، هنا، نجد الثالوث الحلولي وقد تحوَّل إلى ثالوث عضوي: فمن الإله والإنسان والطبيعة ننتقل إلى قوة الكون التي تسري في كلٍّ من الإنسان والطبيعة وتُوحِّدهما.

هذا الحديث الرومانسي عن الطبيعة والكون يُخفي كل المفاهيم الصهيونية الأساسية، فهو يعني أولاً رفض الدين اليهودي، فالحياة الطبيعية الجديدة هي بالنسبة لجوردون بمنزلة الدين لليهودي الورع المخلص، أي أنه سيُسقط المثل الدينية ويتبنَّى المثل الإثنية المطلقة المكتفية بذاتها، أي أنها حلولية موت الإله حيث تصبح الذات الإثنية هي العبد والمعبود والمعبد. ويقول في تعريفه العامل الكوني: إنه الانتماء العرْقي، وهو مجموعة من القوى العقلية والجسدية التي تؤثر في شخصية كل فرد من أفراد مجموعة هذا الجنس. والواقع أن هذا التعريف هو نفسه الفكرة الجرمانية والسلافية للشعب العضوي. ولذا، فهو يؤكد أن هذا العنصر الكوني لا يمكن أن يتحقق بالنسبة لليهود إلا في فلسطين حيث يرتبط الدم بالتربة، أما في المنفى "فالذات العرْقية تنكمش على نفسها بدون أي مصدر للحياة".

ثم نأتي أخيراً للمفهوم المحوري، مفهوم دين العمل، وهي فكرة تستند إلى بعض أفكار الشعبويين الروس، كما أن لها جذوراً في الفكر الحسـيدي وتراث القبَّالاه وبالوضع الاقتصادي في منطقة الاستيطان، وقد أضفى جوردون عليها غلالة عصرية لتصبح إطاراً جيداً للمشروع الصهيوني. إن دين العمل عند جوردون إن هو إلا وسيلة من وسائل العودة للطبيعة الكونية والاتحاد بها، فعن طريق العمل اليدوي يُنشئ الإنسان علاقة عضوية مع الطبيعة (مثل علاقة الرسام بالصورة وليس علاقة المشتري بها) ويصبح العمل الزراعي (وحَرْث الأرض بالذات) عـملاً روحـانياً وقيمـة أخــلاقية في حد ذاته. ولكن الأساسات الصهيونية توجد وراء الحديث الكوني، إذ يقول جوردون إن حياة الإنسان الإبداعية والأخلاقية لا يمكن أن تتم على نحو فردي، بل لابد أن تتم على نحو قومي. فالقومية هي العنصر الكوني فينا، والطبيعة خلقت الشعب كحلقة وصل بين الكون والفرد، إذ أن الشعب هو جماعة طبيعية تُجسِّد علاقات كونية حية. والبعث القومي، حسب تصوُّر جوردون، لا يمكن أن يتم عن طريق إعادة التنظيم الاجتماعي ولا من خلال الحركات الجماهيرية وإنما من خلال جماعة متحدة بشكل عضوي وذات علاقة عضوية بالطبيعة. فالصهاينة لم يأتوا للصراع الطبقي وكُره الطبقات ولا من أجل الاشـتراكية أو باسـمها وإنما أتوا باسـم الشعب العضوي اليهودي. ولذا، فإن مضمون الصراع قومي صرف، بالمعنى العضـوي للكلمة الذي يسـتبعد الآخرين تماماً. وإن كان ثمة اشتراكية، فهي اشتراكية عضوية (إن صح التعبير) مقصورة على اليهود وحدهم. لكل هذا، يرى جوردون أن البعث القومي اليهودي لن يتم إلا عن طريق دين العمل الجماعي على الأرض المملوكة ملكية جماعية حيث يعود الشباب اليهودي للأرض المقدَّسة ليحرثوها ويزرعوها بأنفسهم دون أن يسمحوا لأي عامل عربي بأن يدخلها لأن العامل اليهودي أو العبري سيعمل بشكل ذاتي في مزارعه أو مصانعه الخاصة. أما إذا عاد ليعمل في مصانع أو مزارع الآخرين دون استقلالية، فإنه سيفشل في تحقيق أهداف المشروع الصهيوني. والعمال اليهود، إلى جانب ذلك، لن يعيدوا بَعْث أنفسهم وتطبيعها وغَسْل أدران المنفى عنها إن لم يعملوا بأنفسهم، فالشخصيـة اليهـودية التي أحضـروها معـهم لابد أن يتم التخلص منهـا.

وإن لم يعمل اليهود بأنفسهم، فإنهم لن يحلوا محل الغريب. ولو حصل الصهاينة على كل سندات ملكية الأرض التي يطالب بها الصهاينة الدبلوماسيون (الاستعماريون)، أو براءة الاستيطان الدولية التي يطالب بها الصهاينة السياسيون، فإن البلد مع هذا سيظل في يد من يعمل فيه، أي في يد العرب. ولذا، لا ينبغي الاكتفاء بشراء الأراضي من العرب وإنما يجب إحلال اليهود محلهم، فبدون العمل العبري سيظل المُستوطَن الصهيوني في أيديهم. ولهذا، يرى جوردون أن الطبقة العاملة اليهودية هي عماد المشروع الصهيوني. ولا شك في أن منطق جوردون الرومانسي في مجال تأليه العمل لعب دوراً كبيراً في تجنيد شباب اليهود الثائرين في أوربا، ولكن جوردون في مَعرض مواجهته مع العرب لا يكتفي بالمنطق الرومانسي وإنما يتحدث كذلك عن حق اليهود الأبدي في الأرض الفلسطينية، وهو حق ينسخ كل الحقوق الأخرى، ثم يضيف: وخصوصاً أن العرب لم يخلقوا أي شيء طوال فترة استيلائهم على الأرض المقدَّسة، أي أنه ينظر إلى العربي من خلال مقولة العربي المتخلف كي يبرر الاستيلاء الصهيوني على الأرض.

وقد كان جوردون من أوائل من نظَّموا الإضرابات ضد المزارع اليهودية التي استأجرت عرباً، وكان من بين سكان مستوطنة داجانيا التي نظـمت إضـراباً وطـلبت عزل المــدير الذي عينته المنظمة الصهيونية. وقد استجابت المنظمة لمطالب المضربين وتمت إدارة المزرعة على أساس تعاوني وأخذت الحياة فيها شكلاً جماعياً، وكانت هذه بداية الحركة الكيبوتسية. وقد قضى جوردون آخر أيامه في داجانيا. وبرغم أنه لم يشغل أي منصب رسمي في الحركة الصهيونية، إلا أنه أثَّر فيها تأثيراً عميقاً.

جُمعت آثار جوردون في عدة مجلدات تحت عنوان كتبي . وقد أُطلق اسمـه على المتحـف الإقليمي للطـبيعة والزراعـة في داجانيا، كما سُمِّيت باسمه حركة جوردونيا للشباب التي تنتمي لحركة العامل الفتي والتي نشطت بين الحربين العالميتين.

  • الاحد PM 03:58
    2021-05-09
  • 754
Powered by: GateGold