المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 408983
يتصفح الموقع حاليا : 385

البحث

البحث

عرض المادة

أحباء صهيون

أحباء صهيون
Hibbat Zion
«أحباء صهيون» اسم يُطلَق على مجموعة من الجمعيات الصغيرة في روسيا (التي كانت تضم أكبر جماعة يهودية) وبولندا ورومانيا، والإمبراطورية النمساوية المجرية وألمانيا وإنجلترا والولايات المتحدة. وكانت جمعيات أحباء صهيون في غرب أوربا تضم أساساً اليهود والمهاجرين من شرق أوربا وبعض العناصر المحلية القلقة من هذه الهجرة اليهودية، وكان لهذه الجمعيات أسماء كثيرة تحمل معنى حب صهيون أو الرغبة في العودة، كما كان هناك جمـعيات تحمـل أسـماء مثل البيلو وقديما وجمعية بني موسى (السرية). وكان أهم هذه الجماعات جماعة زروبابل في أوديسا التي كان يترأسها بنسكر وليلينبلوم أهم مفكري الحركة (ويمكن أن نضيف إليهما سمولنسكين)


ورغم تعدُّد الأسماء والجمعيات، إلا أن هذا يجب ألا يؤدي إلى تصوُّر أن أحباء صهيون كانت حركة جماهيرية اكتسحت يهود شرق أوربا، فهي قد ظلت حتى النهاية تنظيمات صغيرة من المثقفين والبورجوازيين الصغار، وكانت كل جمعية تضم حوالي 100 إلى 150 عضواً، وكان عددها 12 جمعية عام 1882 ووصل إلى 138 جمعية بين عامي 1889 و1890، وتراوحت العضوية بين تسعة آلاف وأربعة عشرة ألفاً عام 1885 من مجموع يهود العالم البالغ حينذاك عشرة ملايين تقريباً، وقد آثر ما يقرب من مليونين منهم الهجرة إلى الولايات المتحدة، ولعل هذا يفسر أن هرتزل كان غير مدرك لوجودهم، وحينما أدرك وجودهم فإنه لم يعاملهم باحترام شديد وقرر توظيفهم في مخططه.

ويعود ظهور هذه الجمعيات إلى تعثُّر عملية التحديث في روسيا وشرق أوربا، وإلى تناقُص فرص الحراك الطبقي أمام بعض قطاعات اليهود هناك. وتصدُر هذه الجمعيات عن الصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة بعد تهويدها من خلال بعض المفاهيم اليهودية أو شبه اليهودية، مثل: رَفْض الاندماج، والإيمان بأن معاداة اليهود ظاهرة أزلية، ورَفْض الانتظار السلبي للماشيَّح، وكذلك حل المسألة اليهودية، هنا في الأرض وفي هذه الأيام وليس هناك في السماء أو في آخر الأيام.

وقد اكتشف أعضاء أحباء صهيون أن الحل ليس في الأرض بشكل عام وإنما في العالم الغربي وبين أثرياء اليهود هناك على وجه التحديد. وكانت هذه الجمعيات تسعى إلى حل مشكلة يهود شرق أوربا عن طريق ما يُسمَّى "جهودهم الذاتية"، أي دون الاعتماد على الدول الغربية، وذلك لتهجـير من يريد منـهم إلى أية بقعة في العالم وتوطينه فيها، ثم استقر الاختيار على فلسطين.

وحركة أحباء صهيون هي أهم ممثلي التيار الصهيوني التسللي (الذي يُسمَّى «العملي») والذي تصدَّى لهرتزل. وقد دعي بنسكر وليلينبلوم و34 شخصية يهودية إلى اجتماع في منزل بنسكر في أكتوبر 1883. ولعل وظائف المدعوين تعطي صورة عن التكوين الطبقي للجمعية فحوالي النصف كانوا من التجار، وكان هناك أيضاً صاحب بنك وسمسار في البورصة وأربعة أطباء وصيدلي وكبير حاخامات أوديسا، وكان المجتمعون يعرفون أن أثرياء اليهود في شرق أوربا سيعارضونهم (إذ أنهم كانوا من دعاة الاندماج). ولذا قرروا أن يكون التوجه للطبقة الوسطى.

وقد عقدت جمعية أحباء صهيون أول مؤتمر لها في كاتوفيتش عام 1884، وألقى بنسكر خطاباً تحدَّث فيه عن مساعدة المستوطنين اليهود "أينما كانوا"، وطالب بإنشاء جمعية مونتفيوري لتطوير الزراعة بصورة خاصة بين المستوطنين في فلسطين. وقد بذل بنسكر قصارى جهده للابتعاد عن أية ديباجة قومية حتى لا يخيف يهود الغرب الذين كان يطلب عونهم: "ففكرة الدولة اليهودية... لا تزال بالضرورة بعيدة المنال، وهي تحتاج لجهد يفوق طاقة جيلنا، وهــو جهــد صعب بشـكلٍّ خاص في البلاد المتحضرة [أي بلاد غرب أوربا] التي تحدد الإيقاع في أوربا بأسرها". ولعله كان يخشى أيضاً خَلْـق جـو من التــوتر بين الدولة العثمانية والمستوطنين الصهاينة.

ثم عُقد مؤتمر آخر في دروسكينكي 1887 حيث ظهر الخلاف بين المتدينين والعلمانيين، وقد فشل الفريق الأول في عزل بنسكر ولكنهم نجحوا في تعيين ثلاثة حاخامات في اللجنة التنفيذية، ولم تختلف قرارات هذا المؤتمر عن سابقه. وقد ازدادت الخلافات بين الفريقين اتساعاً عام 1888/1889 لأنه عام سبتي لا يُباح فيه لليهود زراعة الأرض، ولكن المستوطنين مع هذا استمروا في زراعتها. وعُقد مؤتمر ثالث عام 1889 في فلنا وزاد النفوذ الصهيوني الديني فيه الأمر الذي اضطر العلمانيين إلى تأسيس جماعة بني موسى السرية (على غرار المحافل الماسونية)

وعُقد المؤتمر الرابع في أوديسا عام 1890 بعد اعتراف النظام القيصري بالجمعية. وقد حصلوا على الاعتراف من خلال بارون روسي يهودي توسَّط لهم لدى الحكومة، وسُـمِّيت الجمعية رسمياً باسم «جمعية تقديم المساعدات للمستوطنين اليهود الزراعيين وأصحاب الحرف اليدوية في سوريا وفلسطين». وبعد أن رفعت السلطات العثمانية الحظر عن الاستيطان اليهودي في فلسطين تم فتح مكتب في يافا. وقد وقع انقسام وخلاف بين القيادة في روسيا واللجان المحلية في فلسطين، فكان شراء حصان على سبيل المثال يتطلب مناقشة لجان عديدة والحصول على الموافقة من روسيا. ولم تفهم لجنة أوديسا الطبيعة الخاصة للزراعة الاستيطانية، والعلاقة مع العرب. وقد تملَّك المستوطنين إحساس بالعجز التام أمام العثمانيين وبأن الباب العالي لن يعطيهم أية تنازلات. وقد أُغلق مكتب يافا عام 1891 بعد أن أصيب بخسائر مالية فادحة، وبعد أن نجح العرب في إيصال معارضتهم للأستانة. وتوقفت الحركة عن إنشاء مستوطنات جديدة، وقصرت جهودها على مساعدة المدارس العبرية والمستوطنات القائمة بالفعل.

ومع هذا، قامت الجمعية بالإشراف على وضع بذور الاستعمار الاستيطاني الصهيوني. فقامت بشراء قطعة أرض عام 1882 على ساحل البحر (الطبيعة الاستيطانية). وبالقرب من أراضي البدو التي يمكن شراؤها في المستقبل (الطبيعة التوسعية). وحينما لم تتم الصفقة بسبب معارضة الوالي، تدخَّل نائب قنصل بريطانيا في يافا فاشترى الأرض وسجَّلها باسمه (القوة الإمبراطورية الراعية) وسُميت مستعمرة «ريشون لتسيون» وهي عبارة توراتية تعني «الأول أو الطليعي في صهيون» (تهويد الصيغة الصهيونية الأساسية). وفي العام نفسه، قام مبعوث من جمعيات أحباء صهيون بشراء أراض وتأسيس مستوطنة روش بينا (رأس أو حجر الزاوية). وفي العام نفسه أيضاً، تم شراء أراض مملوكة لمواطن فرنسي وذلك بمساعدة إميل فرانك، وهو يهودي فرنسي يعمل وكيلاً في المواني السورية لإحدى شركات السفن البريطانية ويشغل في الوقت نفسه منصب نائب قنصل ألمانيا والنمسا في الإسكندرية. وأُسِّست المستوطنة الثالثة التي سُمِّيت «زخرون يعقوب» تخليداً لذكرى والد البارون روتشيلد بعد أن تعهَّد بتقديم المعونة المالية للمستوطنة (الصهيونية التوطينية). وقد استمرت عملية شراء الأراضي بمساعدة قناصل الدول الغربية، ومن خلال استخدام النفوذ الغربي والامتيازات الممنوحة لرعايا الدول الغربية.

وكما تقدَّم، لم تكن حركة أحباء صهيون حركة جماهيرية، ولذا فإنها لم تنجح إلا في تهجير بضع مئات من اليهود وبتكاليف باهظة (في الوقت الذي هاجر فيه الملايين إلى الولايات المتحدة)، وكانت مواردها المالية ضعيفة فقد كانت ميزانية الجمعية 50 ألف روبل (في السنة على أحسن تقدير) (يعادل خمسة آلاف جنيه إسترليني). وكانت تكاليف توطين الأسرة الواحدة ثلاثة آلاف روبل أي أن الجمعية بكل فروعها لم يكن في إمكانها أن توطن سوى عشرين أسرة في السنة، وقد كان هذا راجعاً إلى خلل أساسي في أحباء صهيون وهو افتقارهم لآليات وَضْع المشروع الصهيوني موضع التنفيذ: الدعم الإمبريالي، وهو خلل كانت تعاني منه أيضاً الحركة الصهيونية فيما بعد وقامت بالتغلب عليه عن طريق وعد بلفور. أما أحباء صهيون ـ على عادة التسلليين ـ فقد لجأوا إلى روتشيلد الذي أنفق في فترة عشرين سنة ما مقداره 1.600.000 جنيه إسترليني ـ في حين أنهم لم ينفقوا سوى 87 ألفاً فقط. ولذا، لم يكن من المستغرب أن يفرض المليونير الفرنسي هيمنته بالتدريج على مستوطناتهم ليتحوَّلوا إلى مرتزقة يعيشون عالة عليه يحاولون اعتصاره ويعتمدون على العمالة العربية الرخيصة ـ وتتجه أفكارهم لجمع المزيد من المال والهجرة إلى أمريكا (الصهيونية النفعية). لكل هذا كان المستوطنون من أحباء صهيون في مقدمة مؤيدي مشروع شرق أفريقيا.

وحينما عُقد المؤتمر الصهيوني الأول (1897)، انضم إليه معـظم جماعات أحــباء صهيون وتحوَّلت إلى ما يُسمَّى «التيار العملي».

واستمرت الحركة موجودة بشكل مستقل تحت قيادة أوسيشكين من عام 1906 إلى عام 1919 حيث تم التوصل للصيغة الصهيونية التـوفيقية التي جعلـت التعايــش مع الخلافات ممكناً. وفي عام 1920، قامت الحكومة الشيوعية في روسيا بحل الحركة.

وبشكل عام، فإن تاريخ حركة أحباء صهيون هو تاريخ مصغر للصهيونية ككل. ولعل الاختلاف الأساسي هو إدراك الحركة الصهيونية بعد هرتزل حتمية الاعتماد على الإمبريالية الغربية لوضع المشروع الصهيوني موضع التنفيذ، في الوقت الذي سقط فيه أحباء صهيون في وَهْم الاعتماد الذاتي. ويُلاحَظ وجود عدة تيارات داخل الحركة أصبحت من أهم التيارات في الحركة الصهيونية: تيار عام يتزعمه ليلينبلوم يدعو إلى إنشاء المستوطنات وحسب دون الإصرار على أية ديباجات، ثم تياران يمثلان الخطاب الإثني أولهما التيار الإثني العلماني ويمثله آحاد هعام، وتيار إثني ديني يتزعمه موهيليفر. ويُلاحَظ أن هذين التيارين، رغم تعارضهما الظاهري، استمرا يعملان جنباً إلى جنب.

  • الاحد AM 01:10
    2021-05-09
  • 1260
Powered by: GateGold