المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 409070
يتصفح الموقع حاليا : 341

البحث

البحث

عرض المادة

تعريف الصــهيونية الاســــتيطانية

الصــهيونية الاســــتيطانية: تعــريف
Settler Colonial Zionism: Definition

«الصهيونية الاستيطانية» مصطلح نستخدمه للإشارة إلى الصهيونية التي يؤمن أصحابها بأن الجانب الاستيطاني في الصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة لابد أن يوضع موضع التنفيذ، وأنهم على استعداد للاضطلاع بهذه الوظيفة. والاستيطان جوهر الصهيونية. والاستعمار الصهيوني هو استعمار استيطاني إحلالي لا يأخذ شكل جيش يقهر أمة ويحتل أرضها ليستغل إمكاناتها الاقتصادية والبشرية لصالح البلد الغازي وحسب وإنما يأخذ شكل انتقال الفائض البشري اليهودي من أوطان مختلفة إلى فلسطين للاستيلاء عليها وطرد سكانها الأصليين والحلول محلهم.

ونحن نُميِّز في هذه الموسوعة بين «الصهيونية التوطينية» و«الصهيونية الاستيطانية»، فالصهيونية التوطينية هي صهيونية يهود العالم الذين يشجعون استيطان اليهود في فلسطين لسبب أو آخر ولكنهم هم أنفسهم لا يهاجرون إليها قط، أما الصهيونية الاستيطانية فهي صهيونية من يستوطن في فلسطين بالفعل.

وقد ظهرت الصهيونية الاستيطانية بعد الصهيونية التوطينية إذ أن المادة البشرية المُستهدَفة، أي يهود شرق أوربا، لم يتبنوا الصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة إلا بعد قرون من تبنِّي الأوساط المسيحية البروتستانتية والأوساط الاستعمارية العلمانية للصيغة الصهيونية.

وقد كان ما نطلق عليه «الصهيونية التسللية» أول أنواع الصهيونية الاستيطانية، ثم أعلن بعد ذلك وعد بلفور واستمر الاستيطان وتصاعدت وتيرته تحت رايات الاستعمار البريطاني، في الهجرات الصهيونية الاسـتيطانية المختلفـة (انظر: «الهجرة الصهيـونية الاسـتيطانية [تاريخ[»(

والصهيونية الاستيطانية هي الصهيونية التي تعمل في فلسطين فتنشئ المؤسسات الاستيطانية (الاقتصادية والعسكرية) وتنظم المستوطنين داخل التنظيمات الزراعية العسكرية، وتتعاون مع الدولة الراعية، وتضع الخطط الكفيلة بالقضاء على مقاومة السكان الأصليين بل سَحْقها تماماً، وتقوم بالمهام التي توكلها إليها الدولة الراعية. ولا يتدخل الصهاينة الاستيطانيون، ما وسعهم عدم التدخل، في شئون صهاينة الخارج التوطينيين، ما دام الدعم المالي والسياسي مستمراً وما دام صهاينة الخارج لا يتدخلون بدورهم في شئون المُستوطَن.

والصهيونية الاستيطانية، شأنها شأن الصهيونية التوطينية، قادرة على امتصاص أيِّ مضمون سياسي أو ديني. فهناك مؤسسات استيطانية ذات ديباجات اشتراكية إلحادية، وأخرى ذات ديباجات دينية أو ليبرالية أو فاشية. ولكن يمكن القول بأن الصهيونية العمالية هي التي قامت بتجنيد أعضاء الفائض اليهودي من شرق أوربا وزودتهم بإطار نظري، ثم زرعتهم في فلسطين، وقادت عمليات الإرهاب ضد العرب، إلى أن طردت غالبيتهم. وكانت مؤسساتها الاستيطانية المختلفة وتنظيماتها الثقافية والعسكرية هي المهيمنة تماماً على عملية الاستيطان. وكانت مشاركة الأحزاب الأخرى ـ مثل الأحزاب الدينية والأحزاب الصهيونية ذات الديباجة الليبرالية (الصهاينة العموميون) أو الفاشية (حيروت) ـ مشاركة ضئيلة بالقياس إلى ما أنجزه العماليون. وبعد إعلان الدولة، ظل العماليون مسيطرين على الصهيونية الاستيطانية، إلى أن استولى الليكود على الحكم وقاد المُستوطَن الصهيوني وبدأ يشارك مشاركة أكيدة وفعالة في صياغة سياساته وتوجهاته.

وبعد تأسيس الدولة الصهيونية، نشب صراع بين الصهاينة التوطينيين والصهاينة الاستيطانيين إذ ظن التوطينيون أنهم سيستمرون في الإشراف على الدولة والاشتراك في توجيه سياساتها (أوليسوا هم أيضاً أعضاء في الشعب اليهودي وجزءاً من قياداته؟ أوليست الدولة مدينة بوجودها لهم ولجهودهم؟). ولكنهم لم يدركوا أن الدور القيادي الذي لعبوه كان دوراً مؤقتاً بسبب وجودهم في الغرب (راعي المشروع الصهيوني) وتمتُّعهم بحرية الحركة، وبسبب انشغال الاستيطانيين بعمليات تأسيس المؤسسات الاستيطانية وإرهاب العرب. وكان الصهاينة الاستيطانيون يرون من البداية أن الجماعات اليهودية في الخارج بمنزلة كوبري (جسر) للوطن القومي، أو لبنات في بنائه، أو حتى مستعمرات تُوظَّف في خدمته. وانطلاقاً من هذه الرؤية، وصف بن جوريون المنظمة الصهيونية بأنها كالسقالة التي استُخدمت لبناء الدولة. ولذا، لم يَعُد هناك أي مبرر لوجودها بعد إعلان الدولة، أي أنه عرَّف المنظمة الصهيونية كمجرد أداة وعرَّف علاقة الدولة بالمنظمة على أنها علاقة نفعية مالية وليست عضوية. فالسقالة ليست جزءاً عضوياً من البناء، ولذا يمكن الاستغناء عنها بعد الانتهاء من عملية البناء. وقد كسب الصهاينة الاستيطانيون هذه المعركة وتحوَّلت المنظمة الصهيونية إلى سـقالة دائمة؛ خادم خاضع قانع بدور الأداة الطيعة في يد صاحبها الذي يستخدمها في ابتزاز يهود العالم وامتصاص أموالهم.

ومن أهم قادة الصهاينة الاستيطانيين قبل عام 1948 جوزيف ترومبلدور وبن جوريون، أما بعدها فقيادات الاستيطان هم قيادات المستوطن الصهيوني.

الصهيونية العملية
Practical Zionism
«الصهيونية العملية» اصطلاح يُطلَق على أحد الاتجاهات الصهيونية في فترة ما قبل هرتزل وبلفور، وهو مصطلح غير دقيق، وسنسميه «الصهيونية العملية التسللية» أو «الصهيونية التسللية» وحسب. والواقع أن كل الحركات الصهيونية حركات عملية مغرقة في العملية، لكن تسللية هذا الاتجاه (مقابل إمبريالية الاتجاهات الأخرى) هو ما يميِّزها.


المشاريع الاستيطانية الصهيونية الخيالية
Zionist Utopias
ظهرت في العقود الأخيرة من القرن التاسع عشر مجموعة من الأعمال الأدبية أو شبه الأدبية التي كتبها مؤلفون يهود تتناول بشكل روائي خيالي المجتمع الصهيوني أو الدولة الصهيونية حيث يتم حل كل مشكلات اليهود. ولم يكن ثمة حد فاصل بين الخيال والواقع في هذه الكتابات، كما أنها لم تكن فريدة في هذا المجال وإنما كانت تعبِّر عن اتجاه أساسي داخل الحضارة الغربية في ذلك الوقت.


1 ـ فهي، ابتداءً، حضارة تَصدُر عن مفهوم التقدم اللا متناهي وعن الإيمان بإمكانية التحكم في كل شيء والتوصل لحل نهائي لكل المشاكل وإقامة الفردوس الأرضي في نهاية التاريخ.

2 ـ ساعد التقدم العلمي المذهل في هذه المرحلة على تدعيم هذا الوهم حتى أصبحت نهاية التـاريخ في اعتـقاد الكثيرين توجـد على بُـعْد خطوات.

3 ـ ويمكن القول بأن انتصار الإمبريالية الغربية وتقسيمها للعالم قد عمَّق إحساس الإنسان الغربي بأنه قادر على حل كل مشاكله الاجتماعية عن طريق تصديرها، وكان الاستعمار الاستيطاني الآلية الكبرى لذلك، فكانت المستعمرات تقام لتوطين المتطرفين دينياً وسياسياً البيوريتان والفوضويين (أمريكا الشمالية) والمجرمين (أستراليا) والذين فشلوا في تحقيق الحراك الاجتماعي في مجتمعاتهم (معظم الجيوب الاستيطانية) والفائض البشري اليهودي (الدولة الصهيونية)

4 ـ سادت التفسيرات الحرفية والمشيحانية للعهد القديم، سواءٌ في الأوساط المسيحية البروتستانتية أو في الأوساط اليهودية، مع تصاعد الثورة العلمية وزيادة معدلات الترشيد والعلمنة في المجتمع (وهي مرتبطة بتصاعُد الحلولية التي تسد الثغرة بين الدال والمدلول وبين الظاهر والباطن بحيث لا يُقبَل سوى التفسير الحرفي المباشر وتُرفَض التفسيرات الرمزية أو المجازية). ويظهر هذا أكثر ما يظهر في موقف الوجدان الغربي (المسيحي واليهودي) من إرتس يسرائيل إذ بدأت تتحول من مكان روحي يتطلع إليه المؤمن ليؤسس فيه مملكة الرب في آخر الأيام (ليخرج منها النور للعالمين) إلى بقعة ذات أهمية إستراتيجية يلقى فيها بالفائض اليهودي وتخرج منها الجيوش التي تؤدب الدول المجاورة.

5 ـ يُلاحَظ أن هذه الأعمال شبه الأدبية تتسم بنهاياتها السعيدة ووصولها إلى نهاية التاريخ، وهي بهذا تنتمي إلى الكتابات الطوباوية المماثلة في القرن التاسع عشر والتي كانت لا تزال تدور في إطار الرؤية السطحية التفاؤلية التي طرحها فكر الاستنارة والتي تَصدُر عن إيمان تافه بحتمية التقدم (والحتميات المختلفة) وإمكان تغيير كل شيء، بما في ذلك الطبيعة البشرية نفسها، بما يتفق مع متطلبات العلم الحديث! فهي رؤية ترى إمكانية أن يتجسد المثل الأعلى على هيئة حقيقة اجتماعية في التاريخ. هذا على عكس الطوباويات الأوربية والغربية التي ظهرت في أواخر القرن التاسع عشر وفي القرن العشرين والتي تغلب عليها الروح التشاؤمية نظراً لتعمق الرؤية البشرية وإدراكها أن التحكم الكامل في الكون أمر مستحيل، وأنه لو تحقق بالفعل لكانت الكارثة.

وفي هذا الإطار، تمت كتابة هذه الأعمال الأدبية التي لا تتمتع بقيمة أدبية كبيرة، فهي ذات قيمة تاريخية أو حتى ذات قيمة تأريخية محضة، وتصف المشاريع الاستيطانية الصهيونية بشكل خيالي. وتسـمي المراجع الصهيونية هذه الأعمال باليوتوبيات (جمع «يوتوبيا» أي المدينة الفاضلة) وهي اسم على غير مسمَّى للأسباب التالية:

1 ـ تأخذ العديد من تلك الكتابات شكل البرنامج التفصيلي العملي المحدد، فهي مشروع استيطاني لا يختلف كثيراً عن تلك المشاريع التي تم وضعها موضع التنفيذ بالفعل، أما العنصر الخيالي فهو ينصرف إلى بعض التفاصيل وحسب. ولعل هذا هو الذي دفع هرتزل لأن يقول: "أستطيع أن أؤكد أن ما نراه ليس يوتوبيا. لقد ظهرت العديد من اليوتوبيات قبل بعد توماس مور، لكن لم يفكر أي شخص عقلاني منطقي في وضع هذه الأفكار موضع التنفيذ، إنها أفكار مسلية لكنها ليست عملية". وقد وضع هرتزل يده على جانب مهم من الحقـيقة، وهو حـرفية ما يُسمَّى باليوتوبيات الصهيونية، إذ أدرك أن هذه اليوتوبيات لا علاقة لها بعالم الحلم المتجاوز وإنما تضرب بجذورها في أرض المشروعات المادية الصلبة. أما الجانب الذي فشل هرتزل في إدراكه، فهو أن يوتوبيا سير توماس مور ليست مسلية وإنما هي عمل فني واع بمثاليته المتجاوزة، واع بأن المدينة الفاضلة بطبيعتها يستحيل تنفيذها، وإنما هي صورة مجازية، شكل من أشكال المجاز، يحاول الكاتب عن طريقها التعبير عن تطلُّع إنساني إلى عالم من المثاليات يتجاوز عالم المادة والحسابات الضيقة والتي يعرف الكاتب مسبقاً أنها مثاليات. ومن هنا نبرته المتهكمة أحياناً، ومن هنا إصراره على تقديم هذا العالم باعتباره عالماً مثالياً، فهو ليس فردوساً أرضياً، وإنما فردوس قلبي يعبِّر عن شيء أزلي في الإنسان، وهذا ما فشل هرتزل (الصحفي النمساوي من الدرجة الثانية) في أن يدركه.

2 ـ تلتزم هذه الأعمال شبه الأدبية الخيالية الصمت الكامل حيال كثير من المشاكل مثل: ماذا لو رفض اليهود الانتقال إلى المدينة الفاضلة المزعومة؟ والأهم من هذا، ماذا سيحدث لسكان الأرض التي ستقام عليها المدينة الفاضلة؟ هل سيمتد العدل ليشـملهم أم أن السـكين تنتظرهم؟ ويمكن الاحتجاج بالقول بأن الأعمال الأدبية الخيالية لا تتعرض لمثل هذه التفاصيل ولا تتناولها بالسلب أو الإيجاب. ولكن الرد على مثل هذا القول هو أن هذه الأعمال الصهيونية تتوجه إلى كثير من التفاصيل، كما أن الخطاب الصهيوني الهلامي المراوغ قد لجأ إلى الحيلة نفسها فيما بعد، وهو عدم ذكر السكان الأصليين من قريب أو بعيد وتغييبهم تماماً.

ومن القصص الطوباوية الصهيونية الأولى قصة صورة العودة لإدموند أيسلر (1850 ـ 1942) وهو يهودي سلوفاكي كتب قصته عام 1882 ونشرها بدون اسم عام 1885. وتتحدث القصة عن هجرة جماعية لليهود من أوربا بسبب اضطهاد عام وجماعي لليهود فيها. وتقوم تلك الجماعة المهاجرة بإقامة دولة في فلسطين يحكمها ملك هو ألفريد (وهو اسم غير يهودي) الذي تنبأ بهذه الهجرة. وتدخل هذه الدولة حروباً مستمرة مع جيرانها وتنتصر عليهم جميعاً ثم يستقر السلام بعد ذلك.

وقد ألهمت هذه القصة تيودور هرتزل كتابة قصته الأرض القديمة الجديدة (التنيولاند) . يتصور هرتزل أن اليهود سيؤسسون مجتمعاً مثالياً عام 1923 في الأرض المقدَّسة. وسيدير المجتمع الجديد مؤسسة تعاونية. وستبدأ التجربة الجديدة بتأسيس شركة استعمارية استيطانية تقوم بنقل اليهود من أوربا ومن أماكن أخرى إلى أرض خاصة بهم. وستحصل الشركة (المساهمة) على ميثاق من السـلطات التركية (فهي شـركة ذات براءة) تعـطي اليهـود الحكم الذاتي، وسيتلقى الأتراك مقابل ذلك مبلغ مليوني جنيه إسترليني كل سنة، وربع الريع الذي تحققه الشركة الاستعمارية، وتظل السيادة القومية في يد الأتراك ثم تقوم الشركة بعد الحصول على الميثاق بحملة دعائية ضخمة بين اليهود وتتفاوض مع الحكومات المختلفة لضمان خروج اليهود بأمن من أوطانهم وتصفية ممتلكاتهم. وسيكون شكل الحكومة ديموقراطياً وتُؤسَّس الدولة الجديدة على أسس تكنولوجية متقدمة ونظام كفء للري. وستزدهر مدن كثيرة، وتصبح القدس على هيئة متحف. وإلى جانب التكنولوجيا، يوجد الاقتصاد التعاوني حيث تختلط الأشكال الرأسمالية وحرية الملكية بالأشكال الاشتراكية التي تضع بعض الحدود على حركة رأس المال. ورغم أن المجتمع الجديد مجتمع يضم أغلبية يهودية، إلا أنه لا يستبعد غير اليهود، فهو مجتمع غربي، حضارته أوربية يعتمد على التعددية اللغوية، وليس له أية ملامح يهودية خاصة (فهو صهيون بلا صهيونية). وهذا يتفق تماماً مع رؤية هرتزل، فهو صهيوني يهودي غير يهودي. وقد هاجم آحاد هعام هذه الرواية لخلوها من المضمون اليهودي.

ورواية الأرض القديمة الجديدة لا تختلف كثيراً عن دولة اليهود، فهي مكتوبة بالطريقة المراوغــة نفسـها التي تسـم الخطــاب الصهيــوني . بل يمكن القــول بأن المراوغــة في الروايــة (وخصوصاً بالنسبة للسكان الأصليين) أكثر صقلاً وعمقاً، فبينما يكتـب هرتـزل عن اشتراك السكان الأصليين في المجتمع الجديد وعدم استبعادهم، كان يدوَّن في مذكراته الطرق التي سيتم بها طردهم. ولكن الرواية كانت للنشر الواسع، بينما كانت المذكرات مُستودَع الأفكار الحقيقية والأمنيات التي تعبِّر عن الرؤية.

وقد تأثرت معظم الكتابات الطوباوية الصهيونية بمؤلَّف الكاتب الأمريكي إدوارد بيلامي (1850 ـ 1898) المسمَّى النظر للخلف 1887 ـ 2000 الذي يضع يوتوبيا اشتراكية. ومن الكُتَّاب الصهاينة الذين تأثروا بهذا الكتاب ماكس أوستربرج فيراكوف ـ وهو كاتب من أصل يهودي، كتب قصة اسمها الدولة اليهودية عام 6000 (2441) ونشرها عام 1893. والقصة تتحدث عن إقامة دولة يهودية في فلسطين وعلاقتها بالدول الخارجية التي اضطهدت اليهود، وعلاقة اليهود في تلك الدولة بيهود الشتات. وقد تأثر الحاخام الإنجليزي الأمريكي هنري منديس برواية بيلامي وألَّف على منوالها قصته النظر للأمام (1899) ـ حيث تصوَّر الدولة اليهودية وعاصمتها القدس كمركز لسلام العالم وكمدرسة لتعليم البشرية كيفية التصرف السليم. وهي تتصور أيضاً حركة طرد/هجرة يهودية جماعية من أوربا إلى فلسطين.

ومن القصص الطوباوية الطريفة في هذا الصدد قصة معاداة الأغيار في صهيون لليهودي الجزائري جاك باهار عام 1898. وقد كان الكاتب ممثلاً للجماعة اليهودية الجزائرية في المؤتمر الصهيوني الأول (1897). يتخيل الكاتب وجود دولة تتم فيها محاكمة شخص غير يهودي بتهمة تماثل تهمة دريفوس في فرنسا، ويؤكد الطابع المتسامح للدولة اليهودية على عكس الدولة الكاثوليكية في فرنسا.

وثمة قصتان مهمتان أيضاً، الأولى للكاتب البولندي اليهودي إسحق فرنهوف (1868 ـ 1919) حيث تصوَّر (في رواية تُسمَّى فكر) دولة يهودية في فلسطين تحمل اسم دولة إسرائيل كفكرة خيالية تعارض واقع اليهـود البائس الذي عـايشه الكاتب في بولنـدا وأوكرانيا. أما القصة الثانية فهي قصة لم تكتمل نُشرت مسلسلة في مجلة اللحظة اليديشية، واسم القصة هو في دولة إسرائيل عام 2000، وكتبها المؤلف والصحفي اليهودي البولندي هيليل زيتلين (1871 ـ 1942) بدأ نشرها عام 1919 تحت تأثير النشوة التي حدثت وسط الجماعات اليهودية والمتعاطفين مع الصهاينة نتيجة وعد بلفور. وهذا العمل يتحدث عن دولة يهودية ويصف دستورها ومؤسساتها. والكاتب من أسرة حسيدية وقد أهتم في صباه بآراء إسبينوزا ونيتشه ثم تحوَّل من العلمنة الكاملة إلى الصوفية الحلولية في اليهودية، ومن ثم فهو يبدي تعاطفاً واضحاً مع الجانب الغنوصي في اليهودية.

وقد ظهرت بعض المؤلفات التي تدور حول المشاريع الاستيطانية والخيالية بالعبرية أثناء فترة الانتداب البريطاني تحدثت عن دور العمل الصهيوني والكفاح ضد الانتداب وما إلى ذلك من أفكار الصهاينة الاستيطانيين. ومن بين هذه المؤلفات قصة النحات بوريس شلتر (1924) التي تتحدث عن مشاكل المستوطنين وتتوقع حلها مع إقامة الدولة التي ستلغي كل القوانين الظالمة. ونلاحظ تنوُّع اللغات التي كُتبت بها هـذه المؤلفـات: الألمانية واليديشـية والفرنســية والعبرية. لكن معظم هذه القصــص كُتبت كـرد فعل لأحـداث محليـة، مثل مذابح كشينيف في روسيا التي كانت المحرك الأول لقصة أيسلر، وقضية دريفوس التي كانت المحرك الأول والنموذج المثالي لقصة باهار.

  • الاحد AM 01:08
    2021-05-09
  • 946
Powered by: GateGold