المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 415882
يتصفح الموقع حاليا : 203

البحث

البحث

عرض المادة

المــــــــــورمــــــــــــون

المــــــــــورمــــــــــــون
Mormons (Latter-Day Saints)
«المورمون» حركة دينية شبه مسيحية، مركزها الرئيسي مدينة سولت ليك في ولاية أوتاه، واسمها الحقيقي هو «كنيسة المسيح عيسى، قديس آخر الأيام». وهي حركة ذات طابع حلولي كموني واضح. وتوجد مجموعات متفرقة منفصلة من المورمون في مدينة إندبندانس في ولاية ميسوري ومدينة بيرليختون في ولاية ويسكونسين.


والخلفية الاجتماعية والتاريخية لنشوء حركة المورمون مهمة لفهم عقائدهم، فقد بدأت في عشرينيات القرن الماضي وهي فترة توسُّع اقتصادي ضخم في الولايات المتحدة الأمر الذي خلق ردة فعل لدى ضحايا التقدم وتزايدت الدعوات الإنجيلية.

وقد نشأ جوزيف سميث (1805 ـ 1844) مؤسس الحركة في أسرة تبحث عن الحراك الاجتماعي استقرت في نيويورك لهذا السبب. وفي هذا الجو الذي يتسم بالسيولة بدأ سميث بحثه عن الكنيسة الحقيقية أو الصحيحة. وفي ربيع 1820، في سن الرابعة عشرة، تَلقَّى وحياً من الرب من خلال ملاك يُدعَى موروني (ومن هنا التسمية التي اشتهروا بها) بألا ينضم لأيٍّ من الكنائس القائمة لأنها كلها "خاطئة". ثم تَلقَّى وحياً آخر بأن الرب اختاره ليكون أداته لاستعادة الكنيسة الحقيقية أو الصحيحة بعد أن أفسدها أفراد لا عصمة لهم انحدروا إلى الشر والفساد. فقد هداه الملاك إلى أن يذهب إلى تل على مقربة من مزرعة أبويه حيث عثر على صحائف ذهبية فترجمها ونشرها عام 1830 تحت عنوان كتاب المورمون وهو التاريخ المقدَّس لثلاث قبائل هاجرت إلى أمريكا الشمالية (600 ق.م) أي قبل صول كولومبوس، وبعد حروب طويلة انقسمت القبائل إلى قسمين: النفايت (Nephite) واللامانايت (Lamanite) وهم أسلاف الهنود الحمر. وحسبما جاء في كتاب المورمون زار المسيح أمريكا بعد صلبه وعلمهم الإنجيل وأسَّس كنيسة لإقناع اليهود والأغيار أن عيسى هو المسيح، الإله الخالد الذي يكشف عن نفسه لكـل الأمم (وهكـذا تصـبح الولايات المتحـدة موضـع الحلول والكمون).

وقد أعلن سميث أن كتاب المورمون هو كتاب مُكمِّل للإنجيل وليس بديلاً له. ومع هذا فإن المورمون ينظرون إليه باعتباره كتاباً مقدَّساً.

وقد كان سميث يرى أن الكتب المقدَّسة ليست كافية في حد ذاتها لاستعادة الحقيقة المطلقة فالجنس البشري يحتاج إلى سلطة إلهية (شرعية إلهية) وقد اختفت مثل هذه السلطة بعد الأيام الأولى للمسيحية. ولكنها ظهرت مرة أخرى عام 1829 في شـخص سـميث ومسـاعده أوليفر كودري. وهكذا عادت الكنيسة الحقيقية الصحيحة التي يقودها مجموعة من الكهنة ذوي الصلاحية الإلهية الذين يتمتعون بقدر عال من العصمة. وفي عام 1833 طوَّر سميث العقيدة المورمونية بعد نشر كتاب الوصايا والعقائد والمواثيق وقد طلب من القديسين (أعضاء الكنيسة) أن يتجمعوا في جماعات وبنوا هيكلاً هو المركز الحرفي والمجازي المقدَّس للجماعة. وحسب ادعاءات الجماعة ظهر عيسى وموسى وإلياس وإلياهو لسميث وكوردي في المعبد عام 1836 وبدأ تأسيس مملكة الرب التي لا تُفرِّق بين المقدَّس والنسبي ويحكمها الكهنة (تماماً كما هو الحال في مملكة يسرائيل القديمة) وقد حقق سميث نجاحات كثيرة في حركته التبشيرية وفكَّر في ترشيح نفسه لرئاسة الجمهورية.

وبدأت تتبلور بعض العقائد التي تبتعد في جوهرها عن المسيحية ومن هذه العقائد إيمان المورمون بأن الإله ليس ثالوثاً مقدَّساً (كما يؤمن المسيحيون) وإنما ثلاثة آلهة، وأن الإله الأب كان في يوم من الأيام إنساناً وصل إلى الألوهية. وكما يقول لورنزو سنو (أحد "أنبياء المورمون" عام 1901) و"كما هو الإنسان الآن، كان الإله يوماً، وكما هو الإله الآن سيصبح الإنسان"، وهي عبارة لا تختلف كثيراً عن عبارة فتشينو الهرمسي إن الإله قد أصبح إنساناً كي يصبـح الإنسـان إلهاً (ولذا فكـل من يتزوج زواجـاً توافـق عليه الكنيسة، سيصبح إلهاً في العالم الآخر) وكل من يتبع المورمونية في نهاية الأمر سيصبح هو الآخر إلهاً. ومن الواضح أن المنظومة المورمونية منظومة حلولية كمونية متطرفة لا تفرق بين الخالق والمخلوق. وهنا نجد ما سماه أحد الدارسين «ميتافيزيقا المادية»، أي عدم الاعتراف بالخلق من العدم، أي أن الإله خَلَق العالم من مادة قديمة (على عكس الديانات التوحيدية التي تصر دائماً على الإيمان بالخلق من العدم) وهم يؤمنون بنوع من الوجود الروحي قبل الميلاد (وليـس بتناسـخ الأرواح) إذ يوجد ما يُســمَّى الإنسان الأزلي أو الأول، وهو إنسان وُجد قبل الخلق كجزء من الخالق، بل إنه هو نفسه الخالق (تماماً كما هو الحال في النظم الغنوصية). وينقسم العالم الآخر إلى ثلاثة أقسام (كما هو الحال في الكاثوليكية) قسم أعلى يحتله المؤمنون والثاني لغير المؤمنين والثالث للشيطان وأتباعه. وأعضاء المورمون ممن يودون أن يدخل أسلافهم الجنة يمكنهم تعميدهم بأثر رجعي، ولذا يهتم المورمون بالسلالات وشجرة العائلة.

ويُلاحَظ أن النزعة المشيحانية تحوي داخلها تيارين متناقضين: نزعة عميقة وواحدية معادية للحداثة ونزعة لا تقل عمقاً أو واحدية مؤيدة لها، وهو تناقض يوجد داخل المشيحانية المورمونية. ولكن هذا الصراع حُسم عام 1890 لصالح التحديث إذ أصدر الرئيس الثالث للجماعة (ويلفورد وودروف) مانفستو بمنع تعدُّد الزوجات إذ كان هذا يعني التخلي عن فكرة الكنيسة الصحيحة ودخول التيار الأمريكي الذي يقبل التعددية النسبية. وبدأ المورمون تأكيد عناصر أخرى هي مصدر للتماسك مثل عدم شرب الكحول والشاي والقهوة وارتداء أزياء معينة والابتعاد عن الممارسات الجنسية الإباحية، كما أكدوا الإيمان بالتقدم اللانهائي للإنسان (ونهاية التقدم أن يصبح الإنسان إلهاً). وهذه القيم هي عبارة عن بعث الأخلاقيات والقيم البروتستانتية التي هي عبارة عن زهد داخل الدنيا يساعد على الانضباط وتوحيد حياة الإنسان وتكثيف طاقتها وتوجيهها بشكل رشيد حتى يمكن غزو العالم، كل هذا يعني في واقع الأمر التكيف مع مرحلة الرأسمالية التنافسية في الولايات المتحدة.

ورغم أن سميث كان يرى أن الولايات المتحدة موضع الكمون والحلول إلا أنه لم يكن يحصره فيها، فقد كان يرى أن فلسطين هي الأخرى موضع حلول وكمون ولذا كان يرى أن ثمة ضرورة لتجميع اليهود في فلسطين باعتبارها أرض إسرائيل، وذلك من أجل تحقيق الوعد للمؤمـنين الجـدد الذين يجب عليهم التجمُّع في أرض الميعاد الجديدة، مورمون في أمريكا ويهود في فلسطين. وقد كان اهتمام سـميث بفكرة عـودة اليهـود كبيراً لدرجة أنه أنشـأ مع أتباعه، عام 1836، مدرسة لتعليم اللغة العبرية بدون معلم لدراسة التوراة بلغتها الأصلية وأيضاً للتبشير بين اليهود بلغتهم الأصلية من أجل إرسالهم لفلسطين. وقد أرسل سميث أحد أنصاره (أرسون هايد) في رحلة تبشيرية دينية لأوربا وفلسطين لنشر دعوة المورمون في الأوساط اليهودية الأوربية عام 1841. وقد قوبلت دعوة هايد بالرفض من قبَل حاخام هولندا. وأرسل هايد لسميث رسالة يخبره فيها بضرورة استخدام القوة السياسية والضغوط الحكومية لإعادة الشعب اليهودي إلى أرضه، وأن إنجلترا مُقدَّر لها أن تلعب هذا الدور لتحقيق هذا المشروع العظيم. وأعرب هايد عن تفاؤله لأن هذه الأرض المباركة ستصير خصبة وعامرة عندما يمتلكها أصحابها الحقيقيون.

وبعد مقتل سميث عام 1844 (على يد بعض أتباعه ممن رفضوا آراءه المتطرفة)، تصاعدت النزعة الصهيونية بين المورمون كما هو الحال مع الصهاينة وغيرهم من ذوي الديباجة المسيحية فبعد أن قضت الدول الغربية على تجربة محمد علي في التجديد الحضاري عام 1840، ساد الإحساس بأن سقوط الدولة العثمانية يبدو وشيكاً وأن اليهود أصبـح مقـدراً لهم أن يلعـبوا دوراً في الشـرق العــربي الإسلامي. وقد أصدر خليفة سميث بريجهام يونج ومجلس الحكماء الإثنى عشر بياناً لكل ملوك العالم ورئيس الولايات المتحدة الأمريكية، ولكل حكام الأرض وشعوبها، يدعون فيه إلى إصدار أمر باسم المسيح لليهود المشتتين بين كل شعوب الأرض بإعداد أنفسهم للعودة إلى القدس (فلسطين) وبإعادة بناء هذه المدينة والهيكل المكرس للإله، وكذلك تنظيم وإقامة دولتهم الخاصة وحكومتهم وذلك تحت إدارة قضاتهم وحكامهم ومشرعيهم في هذا البلد: "وليكن معلوماً لليهود أننا نحمل مفاتيح القداسة والمملكة التي سيعودون قريباً إليها، ولذا فإن عليهم أيضاً أن يندموا ويتوبوا ويُعِّدوا أنفسهم لإطاعة أحكام الرب".

وقد لعب المورمون في الولايات المتحدة دوراً مهماً في التبشير بالعقائد الصهيونية وبأفكار عودة اليهود وتجميعهم في فلسطين. وعبَّر ويلفورد وودروف عن إيمانه باقتراب الزمان الذي يقوم فيه أثرياء اليهود باستخدام ثرواتهم لتجميع الشعب المشتت وشراء أراضي أجدادهم في القدس وإعادة بناء المدينة المقدَّسة والهيكل. وفي عام 1899، وبعد المؤتمرين الصهيونيين الأول والثاني (1897، 1898)، نشر د. تانر عميد كلية الزراعة بجامعة ولاية يوتاه مقالة افتتاحية طويلة في جريدة المورمون يحث فيها أغنياء اليهود على رعاية الحركة الناشئة لأن المشكلة الاقتصادية ستطل برأسها لا محالة والاعتبارات العملية ينبغي عدم إغفالها. ويؤكد تانر أن العديد من اليهود لن ينتظروا قرار السلطان التركي.

ومع صدور وعد بلفور، أعرب المورمون عن فرحهم الشديد لتحقيق الوعد وجَمْع شمل اليهود في فلسطين وذلك لتحقيق ملكوت السموات. وقد سافر اثنان من قادة المورمون إلى فلسطين بمناسبة الذكرى الرابعة لصدور وعد بلفور، وعبَّرا عن دهشتهما مما شاهداه من مظاهر الرفض المسيحي والإسلامي لحركة الاستيطان اليهودي، كما أعلنا أن الأمريكيين يحبذون عودة اليهود لفلسطين لأنهم مسيحيون مخلصون!

وثمة تَشابُه بنيوي ملحوظ بين حركة المورمون والحركة الصهيونية، فكلتا الحركتين تقومان على فكرة حلول الإله في شعب أو جماعة، سواء كانت هذه الجماعة هي اليهود في حالة الصهيونية أو الأوربيين البيض الشقر في حالة المورمون. وكلتا الجماعتين تؤمن بفكرة العودة المقدَّسة أو بأن ثمة شعباً تائهاً مشتتاً يبحث عن أرض الميعاد. وفي حالة المورمون، كانت هـذه الأرض هي ولاية يوتـاه حيث تنـص تعاليم سمـيث، نبي الحركة، على أن أمريكا هي صهيون الحقيقية كما رأينا. ومن ثم، فإن رؤية المورمون تفترض غياب السكان الأصليين. ومعنى ذلك أنها رؤيـة إبـادية تُغيِّب الآخر، تماماً مثل الرؤية الصهيونيـة للفلسطينيين. وقد أفلت الفلسطينيون من الإبادة لأسباب كثيرة من بينها أنهم ينتمون لتشكيل حضاري مُركَّب ويتمتعون بمستوى تعليمي عال وكثافة سكانية. ولهذا، فإن الصهاينة لم يستطيعوا سوى طردهم من فلسطين، أما قبائل الساليش التي كانت تقطن يوتاه فلم تفلت من هذا المصير إذ أبيد معظمهم. ويتبدَّى التشابه البنيوي بين المورمون والصهاينة في أجلى صوره في عملية اختيار المورمون ليوتاه والبحيرة المالحة لبناء مدينتهم ومستوطَنهم، فلقد وجدوا في هذه البقعة بحيرة مالحة يغذيها نهر حلو وينبع النهر من بحيرة أخرى. وعلى الفور، رأوا التشابه الشكلي مع الأردن والبحر الميت وبحـيرة طبرية، حتى أنهـم سـموا النهر باسـم الأردن.

ويمكن القول بأن الأفكار المشيحانية التي تُوجِّه حركة المورمون تقود لا محالة إلى تأييد الفكر الصهيوني من منطلق احتقار اليهود، وحوسلتهم باعتبارهم جزءاً من متتالية الخلاص المسيحية، ومن هنا الرغبة في تنصيرهم وإبادة جرثومة الشر الموجودة في العالم إيذاناً بحلول السلام ونهاية التاريخ.

وفي إحدى أدبيات المورمون نقرأ أن "ثمة غريزة موروثة تقود اليهود نحو هذا الهدف [أي الذهاب إلى فلسطين] بيد أنهم لا يعرفون سبب هذا فهم وسيلة وليسوا غاية". ولكن السبب واضح لنا، فهم سيذهبون "للإعداد وللترحيب بعودة ابن الرب وملك الملوك وسيد الأسـياد وأمير السـلام الذي سـيضع قدمه على الجبل فيقسمه شطرين". وعلاقة المورمون بالحركة الصهيونية تُذكِّرنا بأولئك الصهاينة غير اليهود الذين يودون جمع اليهود في مكان واحد ليَسهُل إفناؤهم أو تنصيرهم. فموقف المورمون المتعاطف مع الصهاينة يعبِّر عن رغبة عميقة في التخلص من اليهود.

وإذا كان صهاينة أوربا مــن غير اليهود يفكرون في التخلص من اليهـود باعتبــارهم عنــصراً بشــرياً فائضــاً يهدد الأمــن الاجتماعي ويمكن نَقْله خارج أوربا وتوظيفه لصالحها، فإن موقف المورمون من اليهود كان أكثر جذرية. فالمورمون أصحاب رؤية حلولية كمونية يدورون في إطار ثالوث مقدَّس: إله يحل في المورمون (ومن ثم فهُم شعب مختار) وفي أرضهم (أمريكا، أرض الميعاد).

وجماعة المورمون لها حركة تبشيرية قوية إذ أن أعضاء الكنيسة من الذكور لابد أن يقوموا بخدمة تبشيرية تصل أحياناً لمدة عام (ويبلغ عدد المبشِّرين المورمون 48 ألفاً) ولذا ارتفعت عضوية الكنيسة من 5.6 مليون عام 1984 إلى 9 مليون. ويعيش منهم 4.6 مليون في الولايات المتحدة وكندا. ولكن قصة نجاح المورمون الحقيقية في أمريكا اللاتينية (2.7 مليون). وتبلغ ميزانية الكنيسة 8 مليون دولار.

وقد حاول المورمون مؤخراً أن يؤسسوا جامعة في إسرائيل لتكون مركزاً للتبشير برسالة المورمون وعقيدتهم، وقد اعترض على ذلك كثير من أعضاء المؤسسة الدينية اليهودية في إسرائيل ولكن المورمون نجحوا في نهاية الأمر، من خلال ضغوط مارسوها على الكونجرس الأمريكي.

ويرى الناقد الأدبي الأمريكي اليهودي هارولد بلوم أن حركة المورمون حركة دينية غنوصية، وأنها تعبِّر عن جميع العقائد الدينية السائدة في الولايات المتحدة، أي أنها العقيدة الدينية النماذجية الأمريكية، عقيدة الإنسان المتأله.

  • الاحد AM 09:59
    2021-05-02
  • 978
Powered by: GateGold