المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 415837
يتصفح الموقع حاليا : 153

البحث

البحث

عرض المادة

فرســان الهيــكل

فرســان الهيــكل
Knight Templars
جمعية استيطانية صهيونية ذات ديباجة مسيحية. واشتقت الجمعية اسمها من جماعة فرسان الهيكل الأولى، وهم جماعة من الفرسان الرهبان ظهروا في فلسطين عام 1118 بعد وصول حملات الفرنجة لأرض الشام بما لا يزيد على عشرين عاماً، وكوَّنوا جماعة وظيفية قتالية استيطانية في العالم الإسلامي، وجماعة وظيفية مالية وسيطة في العالم الغربي. وقد كانت العلاقة بين العالم المسيحي في العصور الوسطى وجماعة فرسان الهيكل علاقة نفعية. وقد دخل الفرسان صراعاً مع كل من الكنيسة والسلطة الزمنية، لكن كلاًّ منهما تَحمَّل استقلالية الفرسان على مضض طالما كانت ثمة وظيفة لهم. وبانتفاء الغرض الذي قامت من أجله جماعة فرسان الهيكل، ومع فقدانها وظيفتها بعد سقوط عكا في يد المسلمين عام 1292، لم يَعُد هناك مجال للاستمرار في العلاقة فهجمت السلطة الزمنية (بتشجيع من الكنيسة) على الفرسان واتهمتهم بالهرطقة وقامت بتعذيبهم ومصادرة أموالهم وتشريدهم وقُتل رئيسهم جاك دي مولاي عام 1312 بأمر من فيليب الجميل ملك فرنسا وبمباركة من البابا كلمنت الخامس، واستولى فيليب الجميل على ثروة فرسان الهيكل وتمكَّن من إضعاف سلطة النبلاء وتقوية الدولة.


وتعود جمعية فرسان الهيكل الحديثة إلى حركة الأتقياء التي ظهرت في ألمانيا في القرن السابع عشر كحركة إصلاحية في الكنيسة الإنجيلية أكدت دراسة الكتاب المقدَّس وأكدت الإلهام الديني المباشر والذاتي. وقد استمرت هذه الحركة حتى القرن 19 وتركزت حول تيوزوفن بنجل الذي بشَّر بقيام مملكة الرب وعودة المسيح إلى الأرض في أعقاب كوارث مريعة سببها الابتعاد عن الروح المسيحية. وتَوقَّع بنجل عودة المسيح عـام 1836 بعد ظهور المسـيح الدجال متمثلاً في شخص نابليون بونابرت. وعندما حلت مجاعة بمملكة فورتمبرج عام 1817، دعا بنجل أتباعه إلى الهجرة إلى الشرق، فهاجر آلاف الفلاحين من هذه المملكة إلى جنوب روسيا حيث رحب بهم قيصر روسيا ألكسندر الأول.

وقد رأت مملكة فورتمبرج في هجرة مواطنيها خطراً يتهددها، ولذا لجـأت إلى إنشاء جمـعيات خاصـة للمـــتدينين ذات استقلال ذاتي. وكانت أولى تلك الجمعيات تحت رئاسة جوتليب هوفمان والد كريستوف هوفمان مؤسس جمعية الهيكل الألمانية، الذي وجد أن ازدياد نفوذ الاتجاهات الليبرالية والثورية في البرلمان القائم في فرانكفورت دليل قاطع على سيطرة الاتجاهات الشيطانية بسبب فشل الكنيسة الإنجيلية في رسالتها. ولذا، دعا هوفمان إلى إقامة كنيسة جديدة مستقلة، وساعده في هذا صديقاه جورج ديفيد هارديج وعمانويل باولوس.

ومع اندلاع حرب القرم عام 1853، اعتقد هوفمان أن الوقت قد حان لإقامة مملكة الرب وسَلْخ أرض الميعاد في فلسطين عن الإمبراطورية العثمانية المتداعية وجَعْلها موطناً لشعب الله المختار تنفيذاً للوعود التوراتية. وقد فسَّر هوفمان هذه الوعود بأنها ليست لليهود ولكن للشعب المسيحي الإنجيلي.

ومن ثم، شكَّل هوفمان جمعية تحت اسم «أصدقاء القدس» عام 1854 دعـت إلى اتخاذ الوسـائل والتـدابير لوضع مشــروعه موضع التنفيذ. وطرح هارديج فكرة السعي لدى البرلمان الألماني في فرانكفورت من أجل التأثير على السلطان العثماني للسماح للألمان باستيطان فلسطين واستعمارها من أجل إيجاد عمل للمتعطلين من الألمان، وكان شعاره هو "ينبغي إيجاد عمل للشعب الألماني" (أي أنه اكتشـف الحـل الاســتعماري لمشاكل أوربا، وهو تصديرها للشرق). وقد تبنت الجمعية اقتراح هارديج بالإجماع.

وبناءً على ذلك، كتب هوفمان مشروع دستور للجمعية الجديدة أسماه «مشروع دستور شعب الله» وسُمِّيت الجمعية «جمعية تجميع شعب الإله في القدس». ثم قام هوفمان وهارديج برحلات عديدة في أوربا للدعوة لهذه الجمعية حيث لاقت دعوتهم بعض القبول وتبرعت بعض الأسر الثرية بالأموال لشراء الأراضي لتكون مواضع لتجميع شعب الإله قبل الانطلاق لاستعمار فلسطين. وقد أدَّت المجاعة التي أصابت فورتمبرج إلى انضمام العديد من الأنصار إلى الجمعية.

ومع انتهاء حرب القرم عام 1856 وعدم انهيار الإمبراطورية العثمانية كما تَوقَّع هوفمان، شنت الكنيسة الإنجيلية حملة شديدة على الجمعيـة، الأمـر الذي أدَّى إلى تَقلُّص عـدد أعضـائها تدريجـياً.

وقد دخل هوفمان وأنصاره، نتيجة هذا الهجوم الشرس، معركة كبرى مع الكنيسة الإنجيلية، وهو ما أدَّى إلى طردهم منها عام 1859. ولهذا، فقد أنشأوا طائفة دينية خاصة بهم دعاها هوفمان «الهيكل الروحي». وقد أدَّى انشقاق الجماعة إلى اشتداد الحملة الكنسية عليها الأمر الذي أدَّى إلى انفضاض الأتباع عنها. لكنها استطاعت أن تستمر وتحافظ على كينونتها، بفضل وجود أتباع كثيرين لها بين المهاجرين الألمان في أمريكا الشمالية وجنوب روسيا.

وقد أُعيد تنظيم الجماعة عام 1861 تحت اسم «جماعة الهيكل الألمانية» وكان شعارها "من أجل تجديد الحياة الدينية والاجتماعية لشعب الإله". وكان من الطبيعي أن تتم عملية التجديد هذه من خلال صيغة صهيونية واضحة: خروج الشعب المختار، أو البقية الصالحة، من أرض السبي والمنفى (أوربا التي تسودها الآثام الأخلاقية والبطالة) ـ دخول أرض الميعاد أو صهيون (استعمار فلسطين) ـ قيام مجتمع مثالي (صهيوني) يتسم بصفتين: أن يكون طابعه ألمانياً فاقعاً وسُمِّيت إحدى المستعمرات «فالهالا»، أي قاعة الآلهة التيوتون التي يقيمون فيها الولائم بعد أن يقضوا يومهم في الحرب والقتال، كما سُمِّيت مستوطنة أخرى «فيلهلما»، أي «الوليامية» (نسبة إلى فلهلم أو وليام قيصر ألمانيا)، وأن يتسم المجتمع المثالي الجديد أيضاً بأنه مستقل عن المحيط العربي، فيكون مجتمعاً صهيونياً استيطانياً وربما إحلالياً غير يهودي. وسيقوم المجتمـع الجديد بتمثيل مصـالح ألمانيا في الشـرق، وسـتقوم هي بحمايته، أي أن المجتمع الجديد دولة وظيفية.

وقد أنشأت الجمعية علاقات وثيقة مع جمعيات صهيونية غير يهودية مماثلة في أوربا بغرض استعمار فلسطين، من أهمها العلاقة بين هارديج وهنري دوتان السويسري مؤسس الصليب الأحمر والذي أسَّس جمعية تحت اسم "جمعية العمل الدولي من أجل تجديد فلسطين" وكانت تدعو إلى هيمنة المسيحيين (أي الاستعمار الغربي) على فلسطين عن طريق الاستيطان السلمي (أي التسلل). ولهذا، فقد سعى دوتان لدى السفير العثماني في باريس (جمال باشا) ولدى الوزير الفرنسي المفوض في إستنبول (المسيو بوريه) من أجل الضغط على الباب العالي للسماح للمستعمرين الألمان من جمعية فرسان الهيكل بشراء الأراضي في فلسطين والاستقرار بها. وقد أدَّت ضغوط دوتان إلى موافقة الباب العالي على هذا عام 1868، وقام دوتان بإبلاغ هارديج بهذا الانتصار. ومن ثم، سافر هوفمان وهارديج مع أسرتيهما إلى فلسطين والتقيا في الطريق مع العديد من الدبلوماسيين الأوربيين الذين زودوهما بنصائح عن كيفية التعامل مع الباب العالي وبينوا لهما ضرورة عدم التجنس بالجنسية العثمانية حتى يتمتعوا بالحماية الأوربية (كما فعل المستوطنون الصهاينة اليهود بعدهم). وكان أحد الأسباب التي شجعت هوفمان وهارديج على البدء بمشروعهما الاستيطاني هو القانون العثماني الذي صدر في 1867 مبيحاً للأجانب حق تملك الأرض في المدن والريف في الولايات العثمانية كافة.

وعند وصولهما إلى حيفا عام 1868، قام هوفمان وهارديج بالتحايل على رفض الباب العالي الموافقة لهما على شراء الأراضي في حيفا عن طريق وسيط عثماني، وبدأ عام 1869 في بناء أول مستعمرة ألمانية في فلسطين من البحر حتى سفح جبل الكرمل (افتُتحت رسمياً عام 1870).
وقد حرص هوفمان وأتباعه على بناء المستعمرة على النسق الأوربي مع المحافظة على علاقاتهم بالوطن الأم في ألمانيا. وقد نمت تلك المستعمرة حتى وصل عدد سكانها عام 1914 إلى 750 نسمة.

وقد أنشأ فرسان الهيكل الألمان مستعمرات أخرى مثل: مستعمرة يافا (1869) ومستعمرة سارونا على طريق تل أبيب ـ يافا (1871)، ومستعمرة ريفايم (1872) التي صارت مقر إدارة الجمعية (1878)، ومستعمرة فالهالا (1892)، ومستعمرة فيلهلما (1902). وقد كان نشـاط المسـتعمرات زراعياً بالدرجة الأولى في بداية الأمـر، ولكن المستوطنين اتجهوا بالتدريج نحو التجارة والصناعة وانصرفوا عن الزراعة، فأنشأوا العديد من الورش والمعامل حتى أصبحوا محور الحياة الاقتصادية في حيفا وأدخلوا أنشطة ثقافية متعددة مثل الأمسيات الموسيقية والمسرح والنوادي الرياضية وأوجه الثقافة الأوربية كافة.

وكانت علاقة المستوطنات بالوطن الأم علاقة شد وجذب. وثمة عوامل كانت تضغط على ألمانيا باتجاه تقديم العون للمستعمرين الألمان في فلسطين: الرأي العام الألماني، والبلاط القيصري ، ووزارة خارجية فورتمبرج، والبحرية الألمانية. ولكن العوامل الأقوى هنا هي التي أدَّت إلى ابتعاد الوطن الأم عن المستوطنات. فمصالح الوطن الأم عادةً ما تكون ذات نطاق عالمي، فمسرح نشاطها هو العالم بأسره أما المستوطنات فتدور في إطار مصالحها الضيقة المباشرة. فمع عام 1871، وبعد تحقُّق الوحدة الألمانية التي تلت انتصار ألمانيا على فرنسا، تحولت ألمانيا إلى دولة عظمى في أوربا وبدأ الاهتمام بالحصول على مستعمرات أفريقية، واتجهت السياسة الألمانية إلى التحالف مع العثمانيين في مواجهة الإنجليز والروس، ولذا لم تحاول ألمانيا دَعْم فرسان الهيكل كثيراً. ومن ثم، أخذت الدعوة للهجرة من ألمانيا تتوقف، وخصوصاً بعد تَحسُّن الأحوال الاقتصادية في ألمانيا نفسها، وانتهت تماماً بحلول عام 1875. وقد أدرك المستوطنون هذا وتوقفوا عن السعي لتحقيق غايتهم المنشودة وهي تجميع شعب الإله في القدس وإقامة مملكة الرب، وتَركَّز اهتمامهم على تحسين أحوالهم المعيشية.

ودبت الخلافات بين المؤسسين حتى انفصل هارديج عام 1874 وشكَّل رابطة الهيكل. وكانت العلاقة بين المستوطنين وبين السكان العرب متوترة (كما هو الحال دائماً بين أي مستوطنين غربيين وأصحاب الأرض الأصليين). وقد حدثت مشادة بين عربي ومستوطن ألماني، فقتل المُستوطنُ العربي، وانتقم أهله له، وهو ما دعا المستوطنين إلى طلب حماية ألمانيا التي سارعت بإرسال بارجة حربية لشواطئ فلسطين في سابقة لم تحدث من قبل. ولكن التوتر بين المستوطنين والسكان الأصليين أدَّى إلى مزيد من تقليص الدعم الألماني للمستوطنين، وذلك نظراً لأن ألمانيا كانت تود تحسين علاقاتها مع الباب العالي. وقد صدرت تعليمات مشددة من الخارجية الألمانية باعتبار المستوطنين ليسوا ألماناً، ما لم يرسلوا أبناءهم لأداء الخدمة العسكرية. وبعدئذ، حاول المستوطنون الألمان، أكثر من مرة، لفت نظر الحكومة الألمانية إلى أهمية فلسطين وإلى الضرر الذي قد يلحق بألمانيا إن وقعت فلسطين تحت السيطرة الفرنسـية، بيد أن موقـف الحكومة الألمانية كان مخيباً لآمال المسـتوطنين. وقد اتخذت جماعة فرسان الهيكل موقفاً معادياً من المستوطنين اليهود لاعتبارات عدة دينية وسياسية واقتصادية. فمن الناحية الدينية، رفض هوفمان اعتبار اليهود شعب الإله لأنهم غارقون في الدنس، ومن الناحية الاقتصادية اعتبرهم فرسان الهيكل منافسين خطرين، ومن الناحية السياسية خشي فرسان الهيكل من سيطرة اليهود على مقدرات الحياة في فلسطين لحُسْن تنظيمهم وقدراتهم المالية.

وفي المقابل، استفاد الصهاينة من تجربة فرسان الهيكل في كيفية بناء المستوطنات والتنظيم على النسق الأوربي وطالبتهم الجرائد الصهيونية باتخاذ موقف متسامح ومتفهم للمصالح المشتركة بين اليهود والألمان. وقد ساعد على تحسُّن العلاقة، ولو لفترة قصيرة جداً، أن الحركة الصهيونية قبل وعد بلفور كانت تتطور في ألمانيا والتزم فرسان الهيكل بالسياسة الألمانية الرسمية في دَعْم الصهاينة في محاولة منهم للتقرب من الحكومة الألمانية. ولكن الحرب العالمية الأولى جاءت واتجه الصهاينة إلى الحلفاء ضد دول الوسط، وبعدئذ سقطت فلسطين في أيدي الإنجليز لتُنهي كل علاقة طيبة بين فرسان الهيكل والصهاينة، بل لتنهي المستعمرات الألمانية في فلسطين .

ومن الأمور التي قد تكون طريفة ودالة في آن واحد أن بقايا فرسان الهيكل قد أصبحوا نواة الحزب النازي في فلسطين في الثلاثينيات واختفوا تماماً مع سقوط النازية.
وأهمية جمعية فرسان الهيكل تَكمُن في أنها تُبلوِّر النموذج الصهيوني بشكل لم يتحقق من قبل ربما لن يتحقق من بعد (بسبب صغر حجم التجربة).

1 ـ فكما بيَّنا، يدور فرسان الهيكل داخل الصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة: خروج من أوربا ـ دخول في فلسطين ـ توظيف المادة البشرية المنقولة ـ إنشاء الدولة الوظيفية ـ دولة راعية تقوم الدولة الوظيفية على خدمتها.

2 ـ تتشابه الديباجات بين تجربة الصهاينة وتجربة فرسان الهيكل بشكل مدهش فهي ديباجات حلولية كمونية يتداخل فيها المقدَّس والنسبي والتوراتي والعسكري بشكل شبه كامل.

3 ـ كلتا التجربتين الصهيونية اليهودية والصهيونية الألمانية ترى نفسها استمراراً لتجربة الفرنجة.

4 ـ العنف العسكري هو آلية حتمية لكلتا التجربتين لأن السكان الأصليين رفضوا المستوطنين.

5 ـ العلاقة بين المستوطنين (الهيكليين والصهاينة) والدولة الراعية هي علاقة نفعية هي علاقة المرتزق بولي نعمته.

6 ـ التجربة الصهيونية الألمانية (غير اليهودية) تسبق التجربة الصهيونية اليهودية (وهي في هذا تعبير عن أسبقية الصهيونية ذات الديباجات المسيحية وصهيونية غير اليهود العلمانية على الصهيونية ذات الديباجة اليهودية).

7 ـ من الأمور التي تستحق التأمل التشابه الكامل بين الصهيونيتين رغم اختلاف الشخصيات التي قامت بتنفيذ كل منهما: ففرسان الهيكل "مسيحيون" والصهاينة "يهود". ولعل هذا يعود إلى أن إشكالية الصهيونية هي إشكالية كامنة على المستوى الحضاري والمعرفي في الحضارة الغربية، ولذا فهي نموذج نهائي قادر على التهام أشكال الخطاب الديني المختلفة (يهودياً كان أم مسيحياً) لتعيد إنتاجه على هيئة مشروع لا ديني يستخدم ديباجات دينية.

  • الاحد AM 09:58
    2021-05-02
  • 1331
Powered by: GateGold