المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 416053
يتصفح الموقع حاليا : 319

البحث

البحث

عرض المادة

تاريـــخ الصهيونيــة في إنجـلترا

تاريـــخ الصهيونيــة في إنجـلترا
History of Zionism in England
ارتبطت حركة أعضاء الجماعات اليهودية وهجرتهم بالتشكيل الاستعماري الاستيطاني الغربي (وخصوصاً الإنجليزي). ويُلاحَظ أن الفكر الصهيوني قد وُلد في البداية في الأوساط الإنجليزية البروتستانتية قبل أن يصل إلى أعضاء الجماعات اليهودية. فمفكرون مثل شافتسبري وأوليفانت، كانوا قد توصلوا إلى كل الأطروحات الصهيونية قبل بنسكر وهرتزل بعشرات السنين. كما أن أوليفانت وغيره كانوا قد بدأوا بوضع مشروعهم الصهيوني موضع التنفيذ. ومقابل ذلك، كان هناك معارضة للصهيونية بين يهود إنجلترا المندمجين. ولم تبدأ الأفكار الصهيونية في الظهور إلا مع هجرة يهود اليديشية في أواخر القرن التاسع عشر.


ويمكن تقسيم تاريخ الحركة الصهيونية في إنجلترا إلى أربع مراحل:

المرحلة الأولى: منذ نشأة الحركة حتى 1914:
اتسمت علاقة الحركة الصهيونية باليهود البريطانيين بالمعاداة أو اللامبالاة حيث اعتبرها معظم الرموز اليهودية في إنجلترا حركة خرافية خيالية تضر بمصالح اليهود، وكان الأنصار الأساسيون للحركة الصهيونية في بريطانيا هم الساسة غير اليهود الذين وجدوا فيها وسيلة جيدة لتحقيق الأطماع البريطانية الاستعمارية في الشرق العربي.


وكانت لندن أول العواصم الأوربية التي عبَّر فيها هرتزل عن فكرته الصهيونية في النادي المكابي في عام 1895 ونشر برنامجه الصهيوني لتوطين اليهود في فلسطين في جريدة جويش كرونيكل (يناير 1896) قبل نشره كتاب دولة اليهود . وكما هو متوقَّع أخذت الصهيونية في بريطانيا الشكل التوطيني. وعندما وصل هرتزل إلى لندن عام 1896، لم يُقابَل اقتراحه بحماس كبير بين اليهود الإنجليز المندمجين. وتخبرنا موسوعة إسرائيل والصهيونية بأن "موجة الحماس التي نتجت عن ظهور هرتزل لم تتعد المهاجرين قط" (بعبارة أخرى: المادة البشرية من شرق أوربا).

وقد أثارت كلمة هرتزل مخاوف جماعة أحباء صهيون اللندنية برئاسة الكولونيل ألبرت جولد سميد من أن تثير خطته السلطات التركية فتمنع إقامة المستوطنات اليهودية في فلسطين، وهو ما حدا بالجماعة إلى رفض دعوة هرتزل لها لحضور المؤتمر الصهيوني الأول (1897) الذى حضره ثمانية مندوبين بريطانيين (من بينهم إسرائيل زانجويل) معظمهم ليسوا من أصل بريطاني بل مهاجرون من أصول شرق ووسط أوربية. وقد تعرَّضت الحركة الصهيونية في بدايتها لانتقادات ومعارضة شديدة من قبَل اليهود البريطانيين حتى أن الحاخام الأعظم الدكتور هرمان أدلر أصدر مرسوماً يحذر فيه من "الأفكار الخرافية والخيالية حول الأمة اليهودية والدولة اليهودية". وقد تطلَّب الأمر من هرتزل، الذي كان يطمح إلى الحصول على تأييد بريطاني لمشروعه، أن يعمل جاهداً على ضم حركة أحباء صهيون. وبحلول المؤتمر الصهيوني الثاني (1898)، كان عدد الجمعيات الصهيونية في بريطانيا 26 جمعية، ومَثل تلك الجمعيات في بازل 15 مندوباً. وفي عام 1899، تَشكَّل اتحاد صهيوني برئاسة السير فرانسيس مونتفيوري وهو ابن أخى السير موسى مونتفيوري (الداعية اليهودي الشهير). وفي العام نفسه، نجح هرتزل في تسجيل الصندوق اليهودي الاستعماري، وهو أول أداة مالية صهيونية لتمويل المشروع التوطيني في لندن، كشركة بريطانية. وقد أدَّى هذا إلى القضاء تماماً على جمعية أحباء صهيون كجماعة مستقلة حيث اشترك أغلب أعضائها البارزين في الصندوق وبالتالي في الاتحاد الصهيوني.

وقد عُقد في لندن المؤتمر الصهيوني الرابع (1900) وحضره 28 مندوباً يمثلون 38 جمعية أعضاء في الاتحاد الصهيوني الإنجليزي. وفي محاولة من المؤتمر لكسب الرأي العام السياسي البريطاني للفكرة الصهيونية، وزَّع المؤتمر على النواب البريطانيين في مجلس العموم دوريات تشرح أغراض الصهيونية وتدعوهم إلى الرد وإبداء آرائهم حول هذا الموضوع. وقد وصف هرتزل هذا الفعل بأنه "أذكى فعل قامت به حركتنا منذ فترة بعيدة". وقد أيَّد الصهاينة البريطانيون مشاريع الاستيطان الصهيونية خارج فلسطين، سواء مشروع أوغندا أو مشروع العريش أو غيرهما من المشاريع.

المرحلة الثانية: 1904 ـ 1939:
اتسمت تلك المرحلة بازدياد أهمية لندن كمركز للحركة الصهيونية وتلاشي دور برلين الصهيوني، وازدادت العلاقات بين الحكومة البريطانية وبين الصهاينة توثقاً، وشهدت مرحلة صدور وعد بلفور ومن ثم أصبح بإمكان الحركة أن تتغلغل سريعاً وسط اليهود البريطانيين. وقد مثَّل عام 1904 نقطة تحوُّل مهمة في تاريخ الحركة الصهيونية البريطانية والحركة الصهيونية ككل، إذ مات هرتزل وانتقلت القيادة إلى ولفسون. وعارضت جماعة من البريطانيين هذه القيادة الجديدة الموالية لألمانيا، كما أن موت هرتزل أضعف التوجهات الألمانية للحركة. كما ساعد على تقوية التوجهات البريطانية ظهور وايزمان وتشكُّل ما عُرف باسم «جماعة مانشستر»، وهي جماعة من المثقفين اليهود الشبان من بينهم إسرائيل موسى سيف وسيمون ماركس وهاري ليون سيمون. وكانت تربط هذه الجماعة علاقة قوية بشخصيات إعلامية بريطانية مثل تشارلز سكوت رئيس تحرير وصاحب جريدة جارديان مانشستر. وعن طريق هذه الوسائل ازدادت أهمية جماعة مانشستر وزادت أهمية وايزمان كقائد جديد للحركة الصهيونية، وخصوصاً من خلال دعوته الملحة للتركيز على التأثير في بريطانيا العظمى والتخلي عن فكرة "الدبلوماسية التركية الألمانية" التي كان هرتزل يتبناها وكذلك فكرته حول العمل على زيادة عدد المهاجرين اليهود إلى فلسطين لخلق تجمُّع يهودي استيطاني قوي يُوظَّف لصالح بريطانيا. وقد أدَّت هذه العوامل إلى أن يُنتخب وايزمان عام 1914 نائباً لرئيس الاتحاد الصهيوني البريطاني.


ومما زاد من أهمية الحركة الصهيونية في بريطانيا، ازدياد اهتمام حكومة بريطانيا بمنطقة الشرق العربي ليس فقط جغرافياً، بل اقتصادياً، مع ظهور البترول وازدياد أهميته كمصدر للطاقة. ومع نشوب الحرب العالمية الأولى، أصبح الاتحاد الصهيوني البريطاني الذي كان يضم في هذا الوقت حوالي 50 جمعية في موقع رئيسي حيث فقدت اللجنة التنفيذية دورها القيادي لأنها تقع في برلين وبالتالي انعزلت فعلاً وقولاً عن العالم كله. وقام ناحوم سوكولوف عضو اللجنة التنفيذية بالانضمام إلى وايزمان، ومن ثم أصبحت اتصالات وايزمان بالساسة البريطانيين أكثر رسمية. ومما ساعد على تقوية موقع وايزمان، تأييد لويس برانديز رئيس اللجنة التنفيذية المؤقتة في نيويورك. وفي الوقت نفسه، عمل هربرت صمويل، وهو عضو في الوزارة البريطانية، على أن يحصل على وعد من الحكومة بإقامة دولة يهودية في فلسطين. وفي يناير عام 1916، كُوِّنت لجنة استشارية من ناحوم سوكولوف وياحيل تشيلينوف وموسى جاستر وحاييم وايزمان وغيرهم. بيد أن عمل اللجنة انتهى عام 1917 بعد استقالة هربرت بنتويتش منها لإتاحة الفرصة لوايزمان ليصير رئيساً للاتحاد الصهيوني الذي كان يخوض معركة شرسة على جانبين: الأول مع اللجنة التنفيذية العالمية ذات الاتجاه الألماني، والثاني ضد قادة التجمع اليهودي البريطاني من غير الصهاينة الذين كانوا يرفضون الصهيونية بعنف، حتى أن مؤيدي الصهاينة وبرنامج بازل لم يتعدوا 5% من جملة يهود بريطانيا في هذا الوقت.

ومع صدور وعد بلفور وتَواجُد العديد من القادة الصهاينة في لندن أثناء الحرب مثل أحاد هعام وجابوتنسكي، ازدادت قوة الاتحاد الصهيوني سواء عددياً أو من حيث تأثيره وسط الجماعة اليهودية. ومن الواضح أن الاعتراف الرسمي من قبَل الحكومة البريطانية بالحركة الصهيونية وتبنيها موقفاً صهيونياً حَسَم الموقف لصالح المنظمة الصهيونية وسط الجماعة اليهودية. ومع تبعية المشروع الاستيطاني الصهيوني للمشروع البريطاني الاستعماري، صار الفكر الصهيوني مكملاً للروح الاندماجية وغير متناقض معها، بمعنى أنه أصبح من السهل أن يكون المواطن الإنجليزي اليهودي يهودياً وصهيونياً في آن واحد، بعد أن كان الموقف مختلفاً قبل أشهر قليلة.

وقد عُقد مؤتمر صهيوني في عام 1920 قام بانتخاب وايزمان رئيساً للمنظمة الصهيونية العالمية، وسوكولوف رئيساً للجنة التنفيذية. وبمعنى آخر، كرس هذا المؤتمر سيطرة الاتجاه البريطاني وأنهى تماماً الاتجاه الألماني. وحظي الاتحاد الصهيوني بتأييد سياسيين بريطانيين كبار من أمثال لويد جورج ولورد ملنر ونشرت الصحف البريطانية الصهيونية مقالات تؤيد وضع فلسطين تحت حكم الانتداب.

وقد أنشأ المؤتمر الصهيوني في لندن (1920) الصندوق التأسيسي الفلسطيني (الكيرين هايسود)، وأصبحت لندن مقره الرئيسي حتى عام 1926 عندما انتقل إلى فلسطين. وهي خطوة ارتبطت بتنامي قوة الاستيطانيين وتأسيس مؤسسات خاصة. ثم انتقلت اللجنة التنفيذية إلى لندن وبقيت بها حتى عام 1936، ومنها انتقلت إلى القدس. ويتبدَّى تنامي نفوذ الصهاينة وسط اليهود البريطانيين، وبكل وضوح، في تكـوين الوكالة اليهودية الموسـعة التي كانت تحت سيطرة الصهاينة تماماً.

المرحلة الثالثة (1939 ـ 1948(:
اتسمت تلك المرحلة بسيطرة الحركة الصهيونية تماماً على حياة ومقدرات اليهود في بريطانيا وكذلك سياسة الشد والجذب بين الصهاينة والحكومة البريطانية، ويمكن أن نعزو هذا لازدياد أهمية الولايات المتحدة الأمريكية وسط القوى الإمبريالية العالمية وازدياد ارتباط الصهاينة بالولايات المتحدة.


وكتعبير آخر عن محورية الدور البريطاني في الشئون الصهيونية في ذلك الوقت، استقر جابوتنسكي في لندن (منذ 1936) لإدارة أعمال المنظمة الصهيونية الجديدة التي أنشأها. وكالعادة، وفرت النازية للصهاينة التوطينيين البريطانيين المادة البشرية (الخام) الضرورية للعمل التوطيني. وتم تأسيس الصندوق البريطاني المركزي لمساعدة اليهود الألمان، وكان الغرض الأساسي منه هو تهجير اليهود من ألمانيا وتوطينهم في فلسطين. وكما ساعدت تلك المادة على تقوية الدور الصهيوني التوطيني، فقد ساعدت أيضاً الاستيطانيين على زيادة نفوذهم وسط الحركة الصهيونية العالمية بتزويدهم بمادة خام بشرية وأيضاً بإظهار قدرات الاستيطانيين الكبيرة على الاستيعاب، وبالتالي تخليص التوطينيين من مشاكل التعامل المباشر مع المادة البشرية. وقد ظهرت هذه الآثار في تحوَّل الاتحاد الصهيوني البريطاني إلى أقوى المنظمات تأثيراً وسط اليهود البريطانيين كما تخرَّج من تنظيمه الشبابي العديد من القيادات الإسرائيلية فيما بعد، مثل أبا إيبان وإفرام هرمان. وقد ساعدت النازية أيضاً على إثارة مخاوف بعض القطاعات بين الجماعة اليهودية في بريطانيا، وهو ما شجع على ذهاب بعض منهم إلى فلسطين. ونقل هؤلاء عند عودتهم آراء المستوطنين الصهاينة في فلسطين وكيفية التعامل مع العرب. ومع الانتفاضة العربية عام 1936، وقبل ذلك مع ثورات أعوام 1921 ـ 1929، كانت بريطانيا تلجأ لإصـدار الكـتب البيضـاء من أجـل إدخال الطمأنينة على قلوب العرب، وخصوصاً أعضاء النخب العربية المرتبطة بإنجلترا، وكان هذا يثير حفيظة الاستيطانيين الذين بدأوا في التفكير في أن الاعتماد الكامل على بريطانيا الإمبريالية غير ممكن، ومن هنا كانت زياراتهم المتكررة للندن بهدف الضغط على الدولة البريطانية عن طريق التأثير المباشر في الاتحاد الصهيوني.

وقد خلقت الحرب العالمية الثانية وضعاً صعباً لليهود الإنجليز، فمع اشتداد الأزمة في بريطانيا، اعتبرت الحكومة البريطانية كل اليهود الألمان الموجودين في بريطانيا جواسيس ممثلين للعدو، أي أنها نظرت إليهم النظرة التقليدية على أساس أن اليهودي هو دائماً الخائن/الجاسوس/المرابي الأبدي، أي الجماعة الوظيفية التي تعمل دائماً في خدمة من يدفع لها أجرها، ولم تقم الجماعات الصهيونية في بريطانيا بمعارضة هذا العمل.

وقد شهد عام 1942 تطوراً مهماً في تركيبة الاتحاد الصهيوني البريطاني، فقد انضمت إليه حركة عمال صهيون ذات الصلات القوية بحزب العمال البريطاني. وتجدر الإشارة إلى أن هذا يُعدُّ مؤشراً على ازدياد أهمية الاستيطانيين وغالبيتهم من حركة عمال صهيون وأيضاً على توثيق الصلة بين الصهاينة في بريطانيا وبين القوى السياسية المختلفة، فقد كانت حكومة كلمنت إتلي العمالية هي التي وصلت إلى الحكم عام 1945 قبل نهاية الحرب العالمية وانتهى في عهدها الصدام المسلح بين الاستيطانيين والبريطانيين على أرض فلسطين. وقبيل تقسيم فلسطين عام 1948، وأثناء انعقاد مؤتمر حزب العمال البريطاني عام 1947، طالب مندوب حركة عمال صهيون في كلمته الموجهة للمؤتمر (الذي حضره كمراقب زائر) باتخاذ قرار بصدد قضية فلسطين يراعي روح وعود الحزب قبل الانتخابات البرلمانية، أي الإقرار بحق اليهود في كامل فلسطين.

المرحلة الرابعة (1948 ـ (:
وتتسم المرحلة الحالية بضعف الحركة الصهيونية نسبياً وانشغالها بأمور ثقافية وشكلية طقوسية. ويعود هذا بالطبع لتضاؤل أهمية بريطانيا في السياسة الدولية وزيادة أهمية الولايات المتحدة بشكل ضخم واعتماد إسرائيل الكامل عليها.


وبعد إنشاء دولة إسرائيل، استمر الصهاينة البريطانيون في عملهم الدعائي وفي خلق مؤسسات لرعاية مهاجري اليهود إلى فلسطين، وقد مثلت المنظمة الصهيونية جسراً بين إسرائيل وأوربا. وساهمت الحركة الصهيونية في دعم إسرائيل مادياً بمبلغ يزيد على 17000.000 جنيه إسترليني خلال الأيام الأولى لحرب 1967. وكل هذه المساعدات تأتي في الإطار التوطيني. ويتضح الطابع التوطيني للصهيونية البريطانية في المساهمة الفعلية في الهجرة لإسرائيل حيث نقرأ في موسوعة إسرائيل والصهيونية أن "عدد اليهود البريطانيين الذين استقروا فعلاً في إسرائيل كان عدداً قليلاً". لقد صارت إسرائيل بالنسبة للصهاينة البريطانيين مركزاً روحياً أو بقعة مقدَّسة يتطهر فيها يهود المنفى مما علق بهم من أدران. ويتبدَّى هذا فيما يُسمَّى برنامج "عام العمل" الذي تبنته منظمة اتحاد الشباب الصهيوني عام 1950 والقاضي بأن يسافر الشباب اليهودي من بريطانيا لقضاء سنة من العمل التطوعي في إسرائيل، وهو تعبير عن تقبُّل كامل لحالة الدياسبورا باعتبارها حالة نهائية.

  • الجمعة AM 08:26
    2021-04-30
  • 1400
Powered by: GateGold