المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 416142
يتصفح الموقع حاليا : 279

البحث

البحث

عرض المادة

صلاة الجمعة

صلاة الجمعة

 

 يشترط الشيعة لصلاة الجمعة ألا يقل العدد عن خمسة ، وقيل سبعة .

وهذا خلاف يسير ، فإذا كان العدد كذلك فالصلاة صحيحة على مذهبهم ومذهب الحنفية ، وإذا كان أقل من ذلك فلا جمعة لهم فى رأي الشيعة والمالكية والشافعية والحنابلة ([1][253])، فهم إذن لا ينفردون بقول فى كلتا الحالتين .

 أما الخلاف الأكبر هنا فهو أنهم يشترطون السلطان العادل أو نائبه ، ([2][254]) ويقصدون بالسلطان العادل النبى عليه الصلاة والسلام  ، أو أحد أئمتهم الذين يقولون بعصمتهم ([3][255])، ويشترطون فى النائب أن يكون مؤمنا ، قالوا : " والإيمان إنما يتحقق بالاعتراف بإمامة الأئمة الاثنى عشر عليهم السلام ، إلا من مات فى عهد أحدهم ، فلا يشترط في إيمانه إلا معرفة إمام زمانه ومن قبله " ([4][256]).

 وبعضهم يرى أن هذا شرط فى ماهية الجمعة ومشروعيتها ، والكثيرون منهم يرونه شرطاً فى وجوبها ، وآخرون ينكرون اشتراط هذا الشرط من أصله ([5][257]).

 وفى زمن غيبة إمامهم الثانى عشر ـ كما يعتقدون ـ اختلفوا حول هذا الشرط اختلافا بلغ إلى أربعة أقوال : ([6][258])

 الأول : أنها واجبة عينا .

 الثانى : أنها حرام .

 الثالث : أنها واجبة تخييراً ([7][259]) مع الفقيه الجامع لشرائط الافتاء .

 الرابع : أنها واجبة كذلك ، لكن لا يشترط فى إمامها إلا شروط إمام الجماعة.

 وكان من الممكن أن نترك الشيعة الرافضة وما اشترطوا ، لأنا لا نعدم أن نجد من يوافق أهل السنة ، وكان من الممكن أيضاً لوانحصر فى زمن الأئمة أن نبين خطأ هذا الشرط ، ونمر مرورا سريعاً ، حيث ينتفى ضرره الآن ، ولكن الواقع المؤلم هو أن شيعة اليوم لا يصلون الجمعة إلا قليلا منهم ، مثال ذلك ما أخبرنا به السيد كاظم الكفائى فى حديثه قال : " فى العراق الآن الشيعة لا يصلون الجمعة إلا الشيخ الخالصى فى المسجد الصفوى فى الصحن الكاظمى " ([8][260]) .

 فهذا موضوع جد خطير ، لذا رأيت أن أبحث عن الدوافع التى دفعتهم إلى ترك فريضة من فرائض الله ، وأن أناقش أدلتهم .

 وأحب هنا أن أوضح موقف الحنفية ، فهم وحدهم ـ من المذاهب الأربعة ـ الذين اشترطوا السلطان عادلاً كان أم جائراً ([9][261]) .

 استدل الحنفية بحديث جابر رضي الله عنه قال : خطبنا رسول الله r فقال " أيها الناس ، توبوا إلى ربكم قبل أن تموتوا ، وتقربوا إلى الله بالأعمال الصالحة قبل أن تشغلوا ، وتحببوا إلى الله بالصدقة فى السر والعلانية تجبروا وتنصروا وترزقوا ، واعلموا أن الله تعالى كتب عليكم الجمعة فى يومى هذا ، فى شهرى  هذا ، فى مقامى هذا ، فمن تركها تهاوناً بها ، واستخفافاً بحقها ، وله إمام جائر أو عادل ، فلا جمع الله شمله ، ألا فلا صلاة له ، ألا فلا صوم له ، إلا أن توب ، فإن تاب تاب الله عليه " ([10][262]) .

 وقالوا أيضاً : جاء فى الأثر : أربع إلى الولاة منها الجمعة ، لأن الناس يتركون الجماعات لإقامة الجمعة ، ولو لم يشترط فيها السلطان أدى إلى الفتنة ، لأنه يسبق بعض الناس إلى الجامع ، فيقيمونها لغرض لهم ، وتفوت على غيرهم ، وفيه من الفتنة ما لا يخفى  ، فيجعل مفوضاً إلى الإمام الذى فوض إليه أحوال الناس والعدل بينهم ، لأنه أقرب إلى تسكين الفتنة ([11][263]) .

 ومعنى هذا أن الحنفية خافوا الفتنة عند ما لا يجتمع الناس على رأي ، يسىء بعضهم إلى بعض ، فاشترطوا إذن السلطان كائناً من كان ، ولهذا قالوا : إذا صلى رجل الجمعة بالناس بغير إذن الإمام ، أو خليفته ، أو صاحب الشرط ، أو   القاضى ، لم يجزئهم . وقالوا أيضاً : لو مات من يصلى الجمعة بالناس فاجتمعوا على رجل فصلى بهم الجمعة أجزأهم ، لأن عثمان رحمه الله تعالى لما حصر اجتمع الناس على علي رضي الله عنه ، فصلى بهم الجمعة ، ولأن الخليفة إنما أمر بذلك نظراً منه لهم ، فإذا نظروا لأنفسهم ، واتفقوا عليه ، كان ذلك بمنزلة أمـر الخليفـة إيـاه ([12][264]).

 فالحنفية ، وإن كانوا قد خالفوا باقى المذاهب الأربعة ، غير أنهم لا يسقطون الجمعة إلا حين تخشى الفتنة ، ولذا أجازوا الإذن حتى من صاحب الشرط ، وأسقطوا هذا الشرط عند تعذره ، واجتماع الناس على رجل يصلى بهم ، وبهذا يتبين لنا أن الحنفية ما كانوا ليسقطوا فرضا من فرائض الله ، فلننظر بعد ذلك فيما ذهب إليه الشيعة الاثنا عشرية .

 إن اشتراطهم الإمام أو نائبه فى زمن الحضور مستند أساساً إلى إجماعهم ، فهم يرون أن هذا للإمام كحقه فى الخلافة ، ولذا يروون " الجمعة والحكومة لإمام المسلمين " ([13][265]) فكما أنهم ينظرون إلى من تولى الحكم من غير المعصومين ـ فى اعتقادهم ـ نظرة من اغتصب حق الأئمة ، فكذلك الجمعة ، وهذا هو الذى دفعهم إلى هذا الاشتراط ، حتى أن بعضهم رأي إسقاط الجمعة فى زمن الغيبة تحرزاً عن غصب منصب الإمام ([14][266]) .

 ولقد ناقشنا من قبل إجماعهم ، وبينا عدم جدواه ([15][267]) . ثم إن هذا الإجماع محل نظر ، حيث إن الشيعة أنفسهم منهم من لم يشترط هذا الشرط كما ذكرنا ، وهو كذلك معارض بإجماع باقى المسلمين كافة ، وهذا الموقف يعيد إلى الأذهان المأساة من جديد ، فهم ينظرون إلى الخلفاء الراشدين الثلاثة : أبى بكر وعمر وعثمان ـ رضي الله تعالى عنهم ـ على أنهم اغتصبوا الجمعة فيما اغتصبوا ، ويرون أن الجمعة ليست واجبة على المسلمين فى زمنهم ، لأنها ليست بإذن من الإمام المعصوم ، فخير جيل بعد الرسول الكريم لم يكن ـ بناء على هذا الرأي الضال ـ يعرف أحكام دينه ، حتى أنه فرض على نفسه فرضاً لم تفرضه  الشريعة ، وصلى الجمعة بإذن من غير المعصوم .

 وإذا كان هؤلاء الأكرمون لا يعرفون فمن ذا الذى يعرف من بعدهم ؟ فياله من افتئات ! ويالها من مأساة !

 وإذا كان الرافضة قد ارتكنوا إلى الإجماع فيما ذهبوا إليه سابقاً ، فإن الخلاف قد ظهر بينهم فى زمن الغيبة حيث افتقدوا هذا السند الذى يسلمون به تسليمهم بالقرآن الكريم ، بل إنهم يرون أن هذا الكتاب المجيد قرآن صامت ، وأن الإمام ـ حجة الإجماع عندهم ـ قرآن ناطق . ولذا قال بعضهم : " لولا دعوى الأصحاب الإجماع على عدم الوجوب علينا لكان القول به فى غاية القوة " ([16][268]) .

 وهم فى خلافهم هنا يصلون إلى مرتبة لم نرها من قبل ، حيث يؤدى بهم الخلاف إلى أن يصم بعضهم بعضا بالقصور والغرور ، والجهل والغفلة ، أو التجاهل والتغافل ([17][269]) .

 والقائلون بالوجوب عينا فى زمن الغيبة عدد كبير ، لهم مكانتهم عند الشيعة، منهم مثلا : الشيخ الصدوق صاحب كتاب " من لا يحضره الفقيه " أحد كتب الحديث الأربعة ، وشيخ الطائفة فى زمانه الإمام الطوسى ، صاحب كتابين من تلك الكتب ، هما " التهذيب والاستبصار " والحر العاملى مؤلف كتاب " وسائـل الشـيعة "، وغيرهم كثير حتى أن بعضهم نسب هذا القول إلى أكثر المتقدمين ([18][270]). بل إننا إذا نظرنا في أدلة الشيعة القائلين بعدم اشتراط الإمام المعصوم أصلاً نجدهم يحتجون فيما يحتجون بأقوال الأئمة ، فهم يقولون ([19][271]) ، بأن الأصل والظاهر فيما ثبت وجوبه عينا عمومه لكافة المكلفين فى جميع الأزمان والأصقاع ، إلا أن يدل دليل على التخصيص أو النسخ ، وقد ثبت وجوب عقد الجمعة والاجتماع إليها عيناً بالإجماع والنصوص من الكتاب والسنة ، ولم يعذر فيها سوى غير المكلفين والمرأة والمسافر وغيرهم ممن ذكروه فى الأخبار ، ولم يذكر فيها ولا فى غيرها معذورية من لم يكن عنده الإمام أو من نصبه ، وهي لإطلاقها إذن من الشارع فى فعلها ، إيجاب لها على كل مكلف كان عنده الإمام أو منصوبه أو لم يكن ، فلا حاجة إلى إذنه لواحد أو جماعة بخصوصهم ، ونصبه لهم لخصوص الجمعة كسائر العبادات إلى أن يقوم دليل على امتيازها من سائر العبادات بافتقارها إلى هذا الإذن .

 أما الكتاب فقوله تعالى :  "" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ  "" .

 وأما السنة ([20][272]) فمنها ما روى عن الإمام أبى جعفر الباقر : تجب الجمعة على سبعة نفر من المسلمين ، ولا جمعة لأقل من خمسة من المسلمين أحدهم الإمام ، فإذا اجتمع سبعة ولم يخافوا أمهم بعضهم وخطبهم ، وقوله : من ترك الجمعة ثلاث جمع متواليات طبع الله على قلبه .

 وعن عبد الملك عن أبى جعفر قال : مثلك يهلك ولم يصل فريضة فرضها الله تعالى . قال : كيف أصنع ؟ قال : صلوا جماعة . يعنى صلاة الجمعة .

 وعن الإمام الصادق قال : يجمع القوم يوم الجمعة إذا كانوا خمسة إلى أن قال: والجمعة واجبة على كل أحد . وقال زرارة : حثنا أبو عبد الله على صلاة الجمعة حتى ظننت أنه يريد أن نأتيه ، فقلت : نغدو عليك فقال : لا .إنما عنيت عندكم .

 وروى عن النبي r أنه قال : " إن الله تعالى قد فرض عليكم الجمعة ، فمن تركها في حياتي أو بعد موتى استخفافاً بها . أو جحوداً فلا جمع الله شمله " .

 وهذه الأدلة كما نرى صريحة الدلالة في وجوب الجمعة دون اشتراط الإمام المعصوم ، ولكن القائلين بالمنع يردونها بأنها تنصرف إلى الجمعة الصحيحة بشرائطها ، ولا تصح الجمعة بدون إذن الإمام أو نائبه ، واستدلوا على ذلك بالسنة والعقل ([21][273]) .

 أما السنة فرووا عن النبي r أنه قال : " اعلموا أن الله تعالى قد افترض عليكم فرض الجمعة ، فمن تركها في حياتي أو بعد مماتي ، وله إمام عادل استخفافاً بها أو جحوداً لها ، فلا جمع الله شمله ، ولا بارك له في أمره ، ألا ولا صلاة له ، ألا ولا زكاة له ، ألا ولا حج له ، ألا ولا صوم له ، ألا ولا بركة له حتى يتوب " . وقال " أربع للولاة : الفىء والحدود والجمعة والصدقات " . وقال كذلك : " الجمعة والحكومة لإمام المسلمين " . وقالوا بأن النبى r كان يعين لإمامة الجمعة كما يعين للقضاء ، فكما لا يصح أن ينصب الإنسان نفسه قاضيا من دون إذن الإمام ، فكذلك إمامة الجمعة .

 ومما رووه عن أئمتهم أن الإمام الصادق سئل عن الصلاة يوم الجمعة فقال : أما مع الإمام فركعتان ، وأما لمن صلى وحده فهي أربع ركعات بمنزلة الظهر ، يعنى إذا كان إمام يخطب فإن لم يكن إمام يخطب فهي أربع ركعات وإن صلوا جماعة . وقال الإمام أبو جعفر : صلاة الجمعة فريضة ، والاجتماع إليها فريضة مع الإمام .  ورووا عن الإمام على رضي الله عنه أنه قال : " لا جمعة إلا فى مصر يقام فيه الحد " قال بعضهم : " ومن المعلوم أن المصر الذى يقام فيه الحد هو مصر الإمام أو نائبه ، فيكون هذا التعبير كناية عن لزوم كونها مع الإمام أو نائبه " ([22][274]) .

 وأما الاستدلال بالعقل ففى قولهم : أن اشتراط عدل الإمام فلأن الاجتماع مظنة النزاع ومثار الفتن ، فيجب أن يكون هناك حاكم عادل غير محتاج إلى مسدد، يرتدع بوجوده غيره ، ويكون وجوده حاسماً لمادة النزاع ، وقاطعاً لمثار الفتن .

 وهذه الأدلة لا تصل بهم إلى ما يريدون ، فالحديث الأول روى عن طريقهم دون ذكر للإمام ، وعن طريق أهل السنة وفيه . " وله إمام جائر أو عادل " وهو ما استدل به الحنفية كما ذكرنا من قبل . وهذا الحديث الشريف فيه من التهديد والوعيد ما يثير النفوس المؤمنة الزاكية . والحديثان الآخران لو صحا يدلان على أن الحكام عامة ينظمون إقامة الجمع فيما ينظمون ، وليس معنى هذا أنهم محصورون فى الأئمة الاثنى عشر ، وإنما هو يعنى حكام المسلمين إلى يوم  القيامة ، وكذلك ما روى من فعله عليه الصلاة والسلام . على أن ذلك لو سلمنا بصحته لكان دليلا على جواز ما وقع لا على تحريم غيره ، كالحج يتولاه أئمة المسلمين وليس بشرط فيه ([23][275]) . وفرق بين إمام الجمعة الذى يصلى بالناس ، وبين القاضى الذى يحتاج إلى سلطة مستمدة من الإمام لتنفيذ أحكامه .

 وأما روايات الأئمة فإنها لا تزيد عن اشتراط الإمام الذى يخطب الناس يوم الجمعة ، والأول نص على ذلك ، وتفسير رواية الإمام على تحملها فوق ما تحتمل، ثم إنهم لا يشترطون للجمعة المصر ، ولذا رفضوا الأخذ بهذه الرواية ، وحملوها على التقية ([24][276]) .

 هذه الروايات إذن لا تنهض دليلاً على ما يزعمون ، ولذا قال مؤلف " الروضة البهية " الذى تحدثنا عنه فى المقدة بأن إطلاق القرآن الكريم بالحث العظيم المؤكد بوجوه كثيرة ، يضاف إليه النصوص المتضافرة على وجوب الجمعة بغير الشرط المذكور ، بل فى بعضها ما يدل على عدمه ([25][277]) .

 واستدلالهم بالعقل لا يعنى وجوب الإمام المعصوم ، بل إن أبا الأئمة نفسه لم يستطع أن يحسم مادة النزاع بين المسلمين ، ويقطع ثائرة الفتنة ، فكيف بمن جاءوا بعده ولا حول لهم ولا قوة ؟ وهم لا يشترطون ذلك فى الحج ، فأيهما أكثر مظنة للنزاع ومثاراً للفتن : اجتماع العدد القليل فى الجمعة ، أم الجم الغفير فى موسم الحج ؟ ثم إن هذا مبنى على الظن ، وإن الظن لا يغنى عن الحق شيئا ، ولا يقف دليلاً أمام نصوص القرآن الكريم ، ولا الأحاديث الشريفة .

 وقد ورد عن طريق أهل السنة أحاديث كثيرة ([26][278]) ، منها أن النبى r قال :  " الجمعة على من سمع النداء " ، وقال : " رواح الجمعة واجب على كل محتلم " ، وقال أيضاً : " الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة إلا أربعة : عبد مملوك، أو امرأة ، أو صبى ، أو مريض " وغير ذلك من الأحاديث الشريفة التى تؤيد روايات الشيعة القائلين بوجوبها ، دون اشتراط الإمام ، فالقرآن الكريم والسنة الشريفة صريحان بإيجاب الجمعة دون هذا الشرط ، بل إن روايات الأئمة تصرح بذلك كما ذكر من قبل ، ولم ينقل أحد عن الأئمة أنهم كانوا ينصبون للناس إماماً للجمعة بالخصوص ([27][279]) . فالشيعة الذين أسقطوا الجمعة قد خالفوا كتاب الله ، وسنة رسوله .

 وقد أثار ذلك الشيخ الخالصى الذى انفرد بإقامتها ([28][280]) دون سائر شيعة  العراق ، فألف كتاباً أسماه " الجمعة " ليثبت أنها واجبة عيناً فى جميع الأزمنة ، وقد استطاع أن يثبت ذلك بما لا يدع لأي شيعى مجالاً للتردد فى إقامتها ، إن كان يريد أن يطيع الله ورسوله .

 ذكر قول الله تعالى فى سورة الجمعة : "" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ . فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ  وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ "".

وقال : اشتملت هذه الآيات على ضروب من التأكيدات ، ووجوه من   الدلالات ، جعلتها نصاً على الوجوب التعيينى فى جميع الأزمنة ([29][281]) . وأخذ يبين هذه التأكيدات والدلالات ، ومما ذكره أن :

 " الأحكام الواردة بعد الخطابات العامة فى القرآن كلها تشمل جميع المكلفين ، وقد أوضحت ذلك السنة بقولها ( حلاله حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة ) ومن جملتها حكم صلاة الجمعة . فما الذى خصصه بزمان النبى والأئمة عليهم السلام ، وأي شيىء أسقطه عمن كان فى زمن الغيبة ؟ وما الذى استثناه من سائر الأحكام الخطابية حتى شملت المعدومين دونه ؟

 ومن جملة ضروب التأكيد توحيد الخطاب بالنداء إلى الذين آمنوا ، إيماء إلى أن صلاة الجمعة من لوازم الإيمان ، وإلا لم يبق فرق بين قوله :  "" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا "" وقوله : "" يَا أَيُّهَا النَّاسُ ""   والذين آمنوا لفظ يشمل جميع المؤمنين ، إذ ليس الخطاب بمقصود كأمر ، فما الذى أسقطها عن مؤمنى زمان الغيبة ؟

 ولو كان لها بدل فى زمان لما كان فعلها من لوازم الإيمان ، إذ تركها حينئذ إلى بدل يكون جائزاً للمؤمنين .

 ومن جملتها " إذا " لفظ عام ، وهو يدل على تحقق الجزاء عند تحقق   الشرط ، فالأمر بالسعى حاصل كلما تحقق النداء ، فما الذى سوغ لأهل زمان الغيبة عدم امتثال أمر الله عند النداء ؟

ومنها أن لفظ ( نودى ) فعل مبنى للمفعول ، وترك فيه الفاعل ليدل على وجوب السعى عند أي مناد من غير اعتبار شرط فيه من عصمة أو غيرها ، لأن حذف المتعلق دليل العموم كما تقرر فى البيان والأصول ، ولو كان إذن الإمام شرطا لما كان بحذف المتعلق وجه .

 ومنها أن لفظ الصلاة عام ، وذكرها تأكيدا لبيان اشتمال صلاة الجمعة على كل ما اشتملت عليه الصلاة من المصالح التى ذكرت لها : كالنهي عن الفحشاء والمنكر ، وغير ذلك .

إن وجوبها متعين على المكلفين بدون شرط إذن الامام كما هو كذلك فى ساير الصلوات ، لأنها صلاة مثلها ، فكيف أبيح تركها لأهل زمان الغيبة ولو إلى بدل ؟ أو جعلت حراماً عليهم مع أنها صلاة بنص الكتاب ؟

 "" أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهي عَبْدًا إِذَا صَلَّى ""  ([30][282]) .

واستمر فى ذكر مثل هذه الدلالات ثم قال :

 وعلى كل حال فكيف يناسب هذا الاهتمام الشديد فى الكتاب المجيد سقوط الجمعة عن المسلمين فى زمان الغيبة ، بل بعد خلافة الحسن بن على عليهما السلام، لأن الأئمة كانوا ممنوعين عن إقامتها ، فلم تكن واجبة إلا عشر سنين زمن النبى ، وأربع سنين زمن خلافة على والحسن عليهما السلام ([31][283]) .

 .. ولو قلنا إن الآيات تدل على الوجوب التعيينى المطلق فى كل زمان ، والخبر الدال على سقوطه عن أهل زمان الغيبة ، مخصص لها ، فالأمر يكون أشكل ، لأن ذلك يكون من باب النسخ ، والقول بنسخ الكتاب بالخبر الواحد ، ولا سيما غير النبوى ، جرأة على الله ورسوله ، والمدعى دلالته من الأخبار على السقوط ليس من الأخبار النبوية .

 على أن هذا مناف لكون حلال محمد حلالاً إلى يوم القيامة ، وحرامه حراماً إلى يوم القيامة ، ومستلزم لنزول الوحي على المهدى ، لأنهم متفقون على وجود صلاة الجمعة زمانه ، ولا دليل عليه ، إذ الآيات مخصصة بزمان الغيبة ، فلا يعود الحكم بغير الوحي ، والقول بذلك ينافى الإيمان ، فلا يتم القول بالسقوط إلا بادعاء شرطية الإذن للوجوب أو الصحة ، وهو مخالف لنص الكتاب .

 فنحن فى غنى عن مراجعة الأخبار والبحث فى سندها ودلالتها ، بعد قيام الحجة علينا فى وجوبها علينا بكتاب الله ، ونحن ندينه ونتقرب إليه بإقامتها ، ونسأله التوفيق لذلك ، ولكل ما يرضيه عنا ، وإنه أرحم الراحمين .

 هذا على سبيل التنزل ، وفرض أن يكون فى الأحاديث ما يدل على السقوط عن أهل زمان الغيبة ، وهذا الفرض مخالف للواقع ، إذ السنة نطقت بما نطق به الكتاب ، ونصت على ما نص عليه ، وليس فى الأحاديث ما يدل على شرطية الإمام أو إذنه ، أو الحرمة أو التخيير فى زمن الغيبة ، وقد تواترت الأحاديث بوجوبها التعيينى على كل مكلف ، سواء فى زمن الغيبة أو الحضور ([32][284]) .

 وهذا بعض ما أورده الشيخ الخالصى فى كتابه ([33][285]) .

 ومن قبله آخرون ارتأوا هذا الرأي ، واستدلوا عليه ، منهم الشيخ ملا محسن المعروف بالفيض الكاشانى ، ألف كتابا أسماه " الشهاب الثاقب فى تحقيق صلاة الجمعة ووجوبها العينى " .

 قال فى مقدمة كتابه : " هذه رسالة فى رفع الشبهة التى وقعت لبعض متأخرى أصحابنا فى حتمية وجوب صلاة الجمعة فى زمان الغيبة ابتغيت بتأليفها وجه الله سبحانه لما رأيت أنه قد ابتلى بالبلية أهل الإيمان فى هذا الزمان ، وخذلهم بحده وعداوته الشيطان ، حتى هدمت أعظم قواعد الدين بالشبهة لا بالبرهان ، وحرمت أهم العبادات بالجهل والخذلان " ([34][286]) .

 وقال كذلك : " إن جميع علماء الإسلام طبقة بعد طبقة قاطعون بأن النبى  r استمر يفعلها على الوجوب العينى طول حياته المقدسة ، وأن النسخ لا يكون بعده r .

 ولم يذهب إلى اشتراط وجوبها بشرط يوجب سقوطها فى بعض الأزمان ، إلا رجل واحد أو رجلان من متأخرى فقهائنا الذين هم أصحاب الرأي والاجتهاد ، دون القدماء الذين لا يتجاوزون مدلول ألفاظ الكتاب والسنة ، وأخبار أهل البيت صلوات الله عليهم فإنه لا خلاف بينهم فى وجوبها الحتمى " ([35][287]).

 ثم استدل بعد ذلك بكلام الله تعالى ، وبالأحاديث المروية عن النبى r ، وبكلام الأئمة ، وبالإجماع وبالوجوه العقلية .

 والسيد هبة الدين الحسينى ، المعروف بآية الله الشهرستانى ، فى كتيبه " وجوب صلاة الجمعة " استدل على هذا الوجوب ، وذكر أسماء سبعة وأربعين من فقهاء الإمامية القائلين بالوجوب ([36][288]).

 وفى كل هذا غنى وكفاية ، فما الذى دعا معظم شيعة اليوم إلى ترك هذه الفريضة ؟ وما الذى يخشونه لو استجابوا لنداء الله تعالى ، ولم يضيعوا الجمعة التى تعد عيداً إسلامياً باعترافهم ([37][289]).

 ولمَ لم يقيموها حتى فى مناطق تجمعهم ؟ أرى أنهم فى ذلك على ضربين : ففريق منهم رأوا أنهم إن صلوا الجمعة قاموا مقام الإمام المعصوم ، وأخذوا منصبه من غير إذنه ، وجعلوا إمامهم من اغتصب هذا المنصب ([38][290]).

 وهؤلاء فيما يظنونه خاصاً بالإمام يتعصبون تعصباً جاهلاً كل الجهل ، ولهذا رأينا بعضهم يضع الجمعة في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويعتبر الجمعة منكراً ([39][291]).

 والفريق الآخر : نظر إلى الجمعة نظرة دنيوية لا دينية ، فقد نقل أحد علمائهم المعاصرين ([40][292])عن صاحب الجواهر قوله : قيل " إن بعضهم كان يبالغ فى حرمتها ـ أي الجمعة ـ حال قصور يده ، ولما ظهرت له كلمة بالغ فى وجوبها ، ولولا خوف الملل لنقلنا أكثر كلماتهم فى هذه الوسائل ، وأوقفنا على ما فيها من الفضائح والغرائب " .

 وعقب على ذلك بقوله : " ولا أدرى ماذا كان يسجل صاحب الجواهر لو رأي قضاة الشرع اليوم ، الذين أعرضوا عن كتاب الله ، وسنة نبيه ، وإجماع العلماء والعقل والحياء ، واتخذوا من شهواتهم وأهوائهم مقياسا للدين والشرعية ، واستعاضوا عن مصادرها بالرشوات ، وإغراء السيدات من ربات الحاجات ، وبالشفاعات والوساطات ، ووجاهة الوجهاء وأبناء الدنيا " . ا . هـ .

 وقد أردت من ذكر هذا قبيل توضيح الرأي أن أبين أن هذا الفريق يحكم الهوى والمصلحة الدنيوية ، غير عابئ بأحكام الشرع المقدسة ، ولهذا نظروا إلى   " الخمس " ([41][293]) الذى يأخذ أئمة المساجد منه الآن النصيب الأوفى ، ورأوا أنهم لو أقاموا الجمعة فسيقيمها في كل بلدة إمام واحد لاشتراط المسافة ، وضرورة   التجمع ، ومعنى ذلك أن الأخماس ستنهال عليه دون الآخرين ، فقنع كل بإقامة الظهر فى مسجده ، واستغنوا عن العيد الإسلامي بمتاع دنيوي .

 هذا ما بدا لي ، والله سبحانه أعلم بالصواب .

 

 ([1][253]) يشترط الإمام أبو حنيفة ألا يقل العدد عن أربعة ، وقال أبو يوسف : تصح بثلاثة ، والشافعية والحنابلة يشترطون أربعين ، والإمام مالك رأي أنها تنعقد بمن يمكن أن تتقرى بهم قرية ، وذلك ممكن بما دون الأربعين ، لكنه غير ممكن بالثلاثة والأربعة .

   انظر المبسوط 2 / 24 ـ 25 ، المدونة 1 / 152 ـ 153 ، بداية : 1 / 161 ، 162 ، الأم 1 / 169 ، المغنى 2 / 172 ـ 173 .

 ([2][254]) فى صلاة الجمعة خلف من لا يرضونه يرون تقديم الظهر عليها ، أو الصلاة خلفه بنية الظهر ، ثم القيام ـ بعد ركعتى الإمام ـ لإتمام الظهر ، على خلاف بينهم فى أفضلية التقديم أو الإتمام ( انظر : مفتاح الكرامة كتاب الصلاة 2 / 170 ـ 171 ) . وهم فى كلتا الحالتين مسقطون للجمعة ، غير معتدين بها ، يتظاهرون بصلاتها تقية .

 ([3][255]) انظر : مفتاح الكرامة ـ كتاب الصلاة  2 / 56 ـ 57 .

 ([4][256]) المرجع السابق ص 80 .

 ([5][257]) انظر المرجع السابق ص 56 .

 ([6][258]) نفس المرجع . انظر ص 56 .

 ([7][259]) يقصدون بذلك استحباب الاجتماع ـ انظر المرجع السابق ص 59 .

 ([8][260]) انظر حديثه بآخر هذا الجزء .*

  *وقد ذهبت إلى الكاظمية لألتقى بالشيخ الخالصى ، ولكن سفره حال دون الملتقى .

  والعجيب أن سفره أيضاً منع إقامة الجمعة ، وكأن أحداً لا يصلح لإقامتها !

  وفى الكويت لا يقيم الجمعة إلا الشيخ إبراهيم جمال الدين مرجع الإخباريين هناك .

 ([9][261]) انظر : المبسوط 2 / 25 ، المدونة 1 / 152 ـ 153 ، الأم 1 / 170 ،  المغنى 2 / 173 - 174 .

 ([10][262]) المبسوط 2 / 21 - 22 .

 ([11][263]) انظر المرجع السابق ص 25 .

 ([12][264]) انظر نفس المرجع ص 34 ـ 35 .

 ([13][265]) مفتاح الكرامة ـ كتاب الصلاة ـ 2 / 69 .

 ([14][266]) انظر نفس المرجع ص 67 .

 ([15][267]) انظر الفصل الثالث من الباب الأول من هذا الجزء .

 ([16][268]) مفتاح الكرامة ـ كتاب الصلاة 2 / 60 .

 ([17][269]) المرجع السابق ص 72 ، وانظر كذلك : جواهر الكلام للشيخ محمد حسن النجفى         11 / 178 ـ 179 .

 ([18][270]) انظر مفتاح الكرامة ـ كتاب الصلاة 2 / 57 .

 ([19][271]) انظر أدلتهم فى المرجع السابق 72 .

 ([20][272]) أقوال الأئمة عندهم يعدونها من السنة  ـ انظر الجزء الثالث من هذا الكتاب .

 ([21][273]) انظر أدلتهم في : مفتاح الكرامة ـ كتاب الصلاة 2 / 72 ـ 78 ، وكنز العرفان   78 ـ  79 ، والنور الساطع للشيخ على كاشف الغطاء 1 / 547 ـ 551 ، والمعتبر 202 .

 ([22][274]) النور الساطع 1 / 548 .

 ([23][275]) انظر : المغنى 2 / 173 ـ 174 .

 ([24][276]) انظر : الاستبصار 1 / 420 .

 ([25][277]) انظر ص 89 ـ جـ 1 من الكتاب المذكور .

 ([26][278]) انظر : نيل الأوطار جـ 3 : باب من تجب عليه ومن لا تجب ص 276 ، وراجع ما يتصل بالجمعة فى الصحيحين ، وكتب السنن .

 ([27][279]) انظر : فقه الإمام جعفر الصادق ص 267 .

 ([28][280]) ومن بعده ابنه ، ويقال له أيضاً : الشيخ الخالصى ، ومحمد اسم كل منهما .

 ([29][281]) ص 4 من الكتاب المذكور .

 ([30][282]) انظر ما سبق فى ص 5 ـ 7 .

 ([31][283]) انظر ما سبق فى ص 9 .

 ([32][284]) انظر ما سبق فى ص 17 ـ 18 .

 ([33][285]) أورد بعد ذلك الأحاديث الموجبة للجمعة ( ص 18 ـ 54 ) وذكر فيها أن أئمتهم كانوا أشد الناس مواظبة على صلاة الجمعة ، وكانوا يصلونها مع الجائرين ، ثم نفى التعارض بين الكتاب الكريم والأخبار فى أحكام الجمعة ( ص 80 ـ 84 ) ورد على الشبهات التى تمسك بها القائلون بالوجوب التخييرى فى ( ص 85 ـ 167 ) وكذلك على شبهات القائلين بحرمة الجمعة زمن الغيبة ( ص 167 ـ 172 ) .

 ([34][286]) ص 15 من الكتاب المذكور .

 ([35][287]) نفس الكتاب ص 15 ـ 16 .

 ([36][288]) انظر الكتيب ص 16 ـ 22 . 

 ([37][289]) انظر : مفتاح الكرامة 2 / 70 كتاب الصلاة . وانظر كذلك : جواهر الكلام ( 11 / 131) حيث يقول مؤلفه عن يوم الجمعة : " ليس للمسلمين عيد ـ بعد يوم غدير خم ـ أولى منه ، بل هو أعظم عند الله من يومى الفطر والأضحى " فهو يقدمه على العيدين ولكن الناحية المذهبية جعلته يضع كل هذه الأعياد بعد يوم الغدير !

 ([38][290]) انظر مفتاح الكرامة ـ كتاب الصلاة 2 / 67 .

 ([39][291]) انظر نفس المرجع ص 60 .

 ([40][292]) هو الشيخ محمد جواد مغنية ـ انظر كتابه فقه الإمام جعفر الصادق ص 268 وانظر كذلك كتاب " جواهر الكلام " 11 / 178 ، 179 .

 ([41][293]) يرى الشيعة إيجاب الخمس فى الغنائم والكنائز ، وأرباح التجارات ، وغيرها ، ونصف هذا الخمس يعطى للإمام ، واختلفوا فى زمن الغيبة لمن يعطى ؟ وكثير منهم يعطيه أئمة المساجد .

  • الاربعاء AM 07:44
    2021-04-28
  • 1166
Powered by: GateGold