المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 416200
يتصفح الموقع حاليا : 383

البحث

البحث

عرض المادة

التكلم في الصلاة

التكلم في الصلاة

 

 اتفق الشيعة مع المذاهب الأربعة على منع التكلم فى أثناء الصلاة ، ولكنهم اختلفوا فى نقاط ثلاث ، فقد أجاز الشيعة تشميت العاطس وأوجبوا رد السلام ، وحرموا قول آمين آخر الحمد على خلاف بينهم ؛ فالكثرة الغالبة تذهب إلى القول بالتحريم وبطلان الصلاة ، وذهب بعضهم إلى الحرمة دون البطلان ، وقيل بالكراهية فقط ([1][238]) .

 أما المذاهب الأربعة فقد منعوا رد السلام ، وتشميت العاطس واستحبوا قول آمين ، إلا أن الإمام مالكا جعل التأمين للمأموم دون الإمام ([2][239]).

 واستدل الشيعة على وجوب رد السلام بقوله تعالى : "" وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا "" ([3][240]) .

 قال صاحب كنز العرفان : " إذا سلم أحد على المصلى وجب عليه الرد ، لإطلاق الأمر بالرد المتبادل لحال الصلاة وغيرها ، وليس هو من كلام الآدميين فيدخل تحت النهي ، لأن هذه الصيغة وردت فى القرآن " ([4][241]) .

 واستدلوا كذلك بروايات عن أئمتهم ، كرواية عثمان بن عيسى عن الإمام الصادق قال : " سألته عن الرجل يسلم عليه فى الصلاة ، قال : يرد بقوله : سلام عليكم ، ولا يقول : عليكم السلام ، فإن رسول الله r كان قائما يصلى ، فمر به عمار بن ياسر ، فسلم عليه ، فرد عليه النبى r وهكذا " ([5][242]).

 وعن محمد بن مسلم قال : " دخلت على أبى جعفر u وهو فى الصلاة ، فقلت : السلام عليك . فقال : السلام عليك . قلت : كيف أصبحت ؟ فسكت . فلما انصرف قلت له : أيرد السلام وهو فى الصلاة ؟ قال : نعم مثل ما قيل له " ([6][243]) .

 وأجازوا تشميت العاطس ، مستندين إلى روايات عن أئمتهم ، مثل ما روى عن أبى بصير : " قلت له ( أي للإمام الصادق ) : أسمع العطسة ، فأحمد الله ، وأصلى على النبى وأنا فى الصلاة ؟ قال نعم ولو كان بينك وبين صاحبـك البحـر "([7][244]) .

 أما قول آمين فقد اعتبروه من الكلام المنهي عنه فى الصلاة ، واحتجوا بما روى عن أئمتهم ، كقول الإمام الصادق : " إذا كنت خلف إمام فقرأ الحمد ، وفرغ من قراءتها ، فقل أنت : الحمد لله رب العالمين ، ولا تقل آمين ([8][245]) .

 ونلاحظ فيما سبق أن استدلالهم بالآية الكريمة يصح إذا لم يكن لها ما يخصصها ، وأن آراءهم تتعلق بمدى صحة رواياتهم ، والأخذ بها ، وإلا فلا يمكن أن يكون التأمين كلاما منهيا عنه فى الصلاة ، على حين يجوز تشميت العاطس ، فالمسألة إذن تتعلق بالأدلة النقلية .

ومن المعروف أن التكلم كان مباحا فى الصلاة ، ثم نهي المسلمون عنه ، فقد ثبت ما يفيد ذلك ، كرواية زيد بن أرقم قال : كنا نتكلم فى الصلاة ، يكلم الرجل منا صاحبه وهو إلى جنبه فى الصلاة ، حتى نزلت ( وقوموا لله قانتين ) فأمرنا بالسكوت ، ونهينا عن الكلام " . رواه الجماعة إلا ابن ماجه ([9][246]).

 وينطبق هذا على رد السلام ، وتشميت العاطس ، فقد ثبت النهي عنهما ، فعن ابن مسعود قال : " كنا نسلم على النبى r وهو فى الصلاة ، فيرد علينا ، فلما رجعنا من عند النجاشى ، سلمنا عليه فلم يرد علينا ، فقلنا : يا رسول الله ، كنا نسلم عليك فى الصلاة فترد علينا ، فقال : " إن فى الصلاة لشغلا " متفق عليه . وفى رواية : " كنا نسلم على النبى r إذ كنا بمكة قبل أن نأتى أرض الحبشة ، فلما قدمنا من أرض الحبشة أتيناه ، فسلمنا عليه ، فلم يرد ، فأخذنى ما قرب وما بعد حتى قضوا الصلاة ، فسألته ، فقال : إن الله يحدث من أمره ما يشاء ، وإنه قد أحدث من أمره أن لا نتكلم فى الصلاة " رواه أحمد والنسائى وأبو داود وابن حبان فى صحيحه ([10][247]) .

 وعن معاوية بن الحكم السلمى قال : " بينما أنا أصلى مع رسول الله  r ، إذ عطس رجل من القوم ، فقلت : يرحمك الله ، فرمانى القوم بأبصارهم ، فقلت : واثكل أماه ! ما شأنكم تنظرون إلى ؟ فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم ، فلما رأيتهم يصمتوننى لكنى سكت ، فلما صلى رسول الله r ، فبأبى وأمى ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه ، فو الله ما كهرنى ، ولا ضربنى ، ولا شتمنى ، قال : إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيىء من كلام الناس ، إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن " . رواه أحمد ومسلم والنسائى وأبو داود ، وأخرجه أيضا ابن حبان والبيهقى ([11][248]) .

 ومن الواضح أن روايات الشيعة حتى إذا صحت لا يؤخذ بها ، فالأحاديث التى وردت عن طريق أهل السنة قد بينت أن ذلك كان مباحا ثم نهي عنه رسول الله r ([12][249]).

 وأما التأمين فقد وردت عن طريق السنة عدة روايات تدل على مشروعيته ، فعن أبى هريرة أن رسول الله r قال : " إذا أمن الإمام فأمنوا ، فإن من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه " . وقال ابن شهاب : " كان رسول الله r يقول آمين " . رواه الجماعة إلا أن الترمذى لم يذكر قول ابن شهاب ،وفى رواية " إذا قال الإمام غير المغضوب عليهم ولا الضالين ، فقولوا : آمين ، فإن الملائكة تقول آمين ، وإن الإمام يقول آمين ، فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه " رواه أحمد والنسائى .

 وعن وائل بن حجر قال : " سمعت النبى r قرأ غير المغضوب عليهم ولا الضالين ، فقال : آمين يمد بها صوته " . رواه أحمد وأبو داود والترمذى ، وأخرجه أيضا الدارقطنى وابن حبان ، إلى غير ذلك من الروايات التى تدل على مشرعية التأمين ([13][250]) .

 فالكلمة تدل على الدعاء ، وليست كلاما خارجا عن الصلاة ، ويؤيد مشروعيتها ما ورد عن طريق الشيعة من أن الإمام الصادق سئل عن قول الناس فى الصلاة جماعة حين يقرأ فاتحة الكتاب " آمين " قال : ما أحسنها ؟ واخفض بها الصوت ([14][251]).

 وقد حمل بعضهم هذه الرواية على التقية ، وهذا بعيد ، فلو كان القول تقية فلم خفض الصوت ؟

 فالأولى إذن إسقاط الروايات التى تنهي عن التأمين ، بدلا من إسقاط هذه الرواية ، أو حملها على التقية ، فالأحاديث التى تدل على مشروعيته كثيرة ، ووردت من طرق صحيحة مختلفة ، ولا جدال أن الدعاء مشروع فى الصلاة ، وكونها اسم فعل وليست بفعل لا يخرجها عن قصد الدعاء ، وهذا هو السيد محسن الحكيم يعقب على قول المحتجين للمنع بأنها ليست دعاء وإنما هي اسم للدعاء بقولـه ([15][252]) : " لو سلم ذلك لم تخرج عن كونها دعاء ، لأن أسماء الأفعال حاكية عن نفس الأفعال بما هي حاكية عن معانيها " .

 ثم يقول : " فآمين إذا كان اسماً لـ " استجب " كان دعاء مثله ، ولا يكون بذلك من كلام الآدميين . نعم كونه من الدعاء الجدى ، موقوفاً عن فرض دعاء  ، ليطلب استجابته ، وإلا كان لقلقة لسان ، ويخرج بذلك عن كونه مناجاة لله تعالى ، ومكالمة له سبحانه " .

 

 ([1][238]) انظر : مفتاح الكرامة ـ كتاب الصلاة : 1 / 367 ـ 369 ، 2 / 37 ـ 45 .

 ([2][239]) انظر : المبسوط 1 / 32 ـ 33 ، و 170 ـ 171 ، والمدونة 1 / 71 ، 99 ـ 100 والأم 1 / 94 ـ 95 ، و107 ، والمغنى 1 / 532 ـ 533 ، و715 ـ 716 . 

 ([3][240]) سورة النساء :  الآية ( 86 ) .

 ([4][241]) ص 71 ، وانظر كذلك : المعتبر 198 ، والانتصار 27 .

 ([5][242]) المعتبر ص 198 .

 ([6][243]) المرجع السابق : 198 .

 ([7][244]) المرجع السابق ص 197 . 

 ([8][245]) الاستبصار 1 / 318 . 

 ([9][246]) انظر : نيل الأوطار 2 / 360 .

 والبخارىـ كتاب العمل فى الصلاة : باب ما ينهي من الكلام فى الصلاة .

 ومسلم ـ كتاب المساجد ـ باب تحريم الكلام فى الصلاة ، ونسخ ما كان من إباحته .

 ([10][247]) انظر نيل الأوطار 2 / 363 .

 ([11][248]) نفس المرجع ص 363 ـ 364 ، وصمته : أسكته . والكهر : القهر ، والانتهار ، واستقبالك إنساناً بوجه عابس تهاوناً به . ( انظر المادتين فى القاموس المحيط ) .

 ([12][249]) يقول السيد محسن الحكيم فى تشميت العاطس :

   البناء على جوازه فى الصلاة محل تأمل أو منع اللهم إلا أن يكون إجماع ، لكنه غير ثابت ، ولا سيما بملاحظة استدلال كثير منهم على الحكم بأن الدعاء غير مبطل للصلاة ، مما يوجب كون الإجماع معلوم المستند ، فيسقط عن الحجية ، ولا سيما بملاحظة خبر آيات عن جعفر :    " فى رجل عطس فى الصلاة فسمته رجل " ، فقال : " فسدت صلاة ذلك الرجل " ( متمسك العروة الوثقى 6 / 492 ) .

ولكنه ذهب إلى وجوب رد السلام فى الصلاة ـ انظر المرجع السابق 6 / 474 ـ 475 .

 ([13][250]) انظر نيل الأوطار 2 / 244 ـ 247 ، وصحيح البخارى : كتاب الأذان باب جهر الإمام بالتأمين ، وباب فضل التأمين ، وباب جهر المأموم بالتأمين ، وصحيح مسلم : كتاب الصلاة : باب التسميع والتحميد والتأمين ، وأبو داود والترمذى : الصلاة : باب التأمين وراء الإمام ، والنسائى : كتاب الإمامة ، باب قراءة بسم الله الرحمن الرحيم .

 ([14][251]) انظر الاستبصار 2 / 318 .

 ([15][252]) انظر كتابه مستمسك العروة الوثقى 6 / 507 ـ 508 . 

  • الاربعاء AM 07:42
    2021-04-28
  • 984
Powered by: GateGold