المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 416150
يتصفح الموقع حاليا : 274

البحث

البحث

عرض المادة

السجود على ما ليس بأرض

السجود على ما ليس بأرض

 

 يرى الشيعة عدم جواز السجود على ما ليس بأرض كالجلود  والأصواف ، ويجيزونه عليها وعلى نباتها غير المأكول والملبوس عادة ، عدا الكتان والقطن ففيه خلاف .

 وهم كذلك يرون أفضلية السجود على التربة الحسينية ، ولذا يضعون فى مساجدهم قطعا من هذه التربة معدة للسجود عليها ، يضعونها تحت الجبهة ، كما يحمل الكثيرون مثل هذه القطع .

 وقد خالفهم فى ذلك أصحاب المذاهب الأربعة ، حيث أجازوا السجود على ما ليس بأرض ما دام طاهرا ، ولكن ، كان مالك يكره أن يسجد الرجل على الطنافس وبسط الشعر والثياب والأدم ، وكان يقول : لا بأس أن يقوم عليها ، ويركع عليها ، ويقعد عليها ، ولا يسجد عليها ، ولا يضع كفيه عليها ([1][225]) .

 ومستند الشيعة فيما ذهبوا إليه روايات عن أئمتهم ، مثل ما روى عن الإمام الصادق أنه قال : " لا تسجد إلا على الأرض ، أو ما أنبتته الأرض ، إلا القطن والكتان " ([2][226]) .

 وما روى عن هشام بن الحكم أنه قال للإمام الصادق :

 أخبرني عما يجوز السجود عليه وعما لا يجوز . قال : السجود لا يجوز إلا على الأرض أو على ما أنبتت الأرض ، إلا ما أكل أو لبس . فقال له : جعلت فداك ، ما العلة فى ذلك ، قال : لأن السجود خضوع لله عز وجل ، فلا ينبغى أن يكون على ما يؤكل ويلبس ، لأن أبناء الدنيا عبيد ما يأكلون ويلبسون . والساجد فى سجوده فى عبادة الله عز وجل ، فلا ينبغى أن يضع جبهته فى سجوده على معبود أبناء الدنيا الذين اغتروا بغرورها ([3][227]) .

 ولكنا نجد روايات أخرى عن طريقهم تعارض هذا ، مثل ما روى عن ياسر الخادم قال : " مربى أبو الحسن وأنا أصلى على الطبرى ، وقد ألقيت عليه شيئاً أسجد عليه ، فقال لى : مالك لا تسجد عليه ، أليس هو من نبات الأرض ؟ " ([4][228])

 وسئل إمامهم العاشر أبو الحسن الثالث على الهادى : " هل يجوز السجود على الكتان والقطن من غير تقية ؟ فقال : جائز " ([5][229]) .

 وكتب إليه أحدهم يسأله عن السجود على القطن والكتان من غير تقية ولا ضرورة ، فكتب إليه : ذلك جائز ([6][230]) .

 وأمام هذا الاضطراب فى الروايات ، حمل بعضهم مثل الروايات الأخيرة على التقية أو الضرورة ([7][231]) ، مع أنها تنفى ذلك ، ورأي آخرون الأخذ بها ، فأجازوا السجود على القطن والكتان ([8][232]) .

 ورأينا بعضهم يجيز السجود على الحنطة والشعير ([9][233]) ، وهذا ينافى التعليل السابق فى الرواية الثانية من أن السجود لا ينبغى أن يكون على ما يؤكل ويلبس ، لأن أبناء الدنيا عبيد ما يأكلون ويلبسون ، فأي شئ أقرب إلى الناس من القطن والكتان ، والحنطة والشعير ؟

 ويعارض ما ذهب إليه الشيعة ، ما روى عن طريق السنة من أن النبى r صلى على بساط ، وكان يصلى على الحصير والفروة المدبوغة ، وعن أبى الدرداء قال : ما أبالى لو صليت على خمس طنافس ، وصلى ابن عباس على طنفسة ([10][234]) .

 فلم يثبت إذن عن النبي r أنه لم يجز السجود على ما ليس بأرض ، بل ثبت غير ذلك ، كصلاته ـ u ـ على الفروة المدبوغة .

 ونجد في القرآن الكريم ما يؤيد ما ذهب إليه السنة ، قال تعالى : في سورة النحل ( آية 80 ) : "" وَاللّهُ جَعَلَ لَكُم مِّن بُيُوتِكُمْ سَكَنًا وَجَعَلَ لَكُم مِّن جُلُودِ الأَنْعَامِ بُيُوتًا تَسْتَخِفُّونَهَا يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَيَوْمَ إِقَامَتِكُمْ وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ "" .

 رأي الشيعة أن فى هذه الآية الكريمة دلالة على جواز اتخاذ الفرش والآلات من جلود الأنعام وأصوافها وأشعارها ، وجواز الصلاة عليها إلا ما أخرجه الدليل من عدم جواز السجود على شئ من ذلك ، بل إما على الأرض ، أو ما ينبت فيها غير مأكول ولا ملبوس  ([11][235]) .

 وقد رأينا ألا دليل على عدم جواز السجود على شئ من ذلك ، بل ما روى عن الرسول r يتمشى مع مدلول هذه الآية الكريمة ، فلا مناص إذن من رفض رواياتهم عن أئمتهم التى تعارض الكتاب والسنة .

 وأما تفضيل الشيعة السجود على التربة الحسينية ، فيقول فى ذلك أحد أعلامهم : " ولعل السر فى التزام الشيعة الإمامية السجود على التربة الحسينية مضافاً إلى ما ورد فى فضلها من الأخبار ، ومضافاً إلى أنها أسلم من حيث النظافة والنزاهة من السجود على سائر الأرض ، وما يطرح عليها من الفرش والبوارى والحصر الملوثة ، والمملوءة غالباً من الغبار والمكروبات الكامنة فيها ، مضافاً إلى كل ذلك ، لعل من جملة الأغراض العالية ، والمقاصد السامية ، أن يتذكر المصلى حين يضع جبهته على تلك التربة تضحية ذلك الإمام نفسه وآل بيته ، والصفوة من أصحابه فى سبيل العقيدة والمبدأ ، وتحطم هياكل الجور والفساد والظلم والاستبداد . ولما كان السجود أعظم أركان الصلاة ، وفى الحديث ( أقرب ما يكون العبد إلى ربه حال سجوده ) ، فناسب أن يتذكر بوضع جبهته على تلك التربة الزاكية ، أولئك الذين وضعوا أجسامهم عليها ضحايا للحق ، وارتفعت أرواحهم إلى الملأ الأعلى ، ليخشع ويخضع ، ويتلازم الوضع والرفع ، ويحتقر هذه الدنيا الزائفة ، وزخارفها الزائلة ، ولعل هذا هو المقصود من أن السجود عليها يخرق الحجب السبع " ([12][236]) .

 وقد ناقشنا ذلك من قبل في الفصل السابق ([13][237]) وبينا مدى مغالاة الشيعة في نظرتهم إلى التربة الحسينية ، وحاولنا تعليل ذلك ، فلا مدعاة إذن لتكرار ما ذكر .

 

 ([1][225]) المدونة 1 / 75 ، وانظر : الأم 1 / 78 ، والمغنى 1 / 728 . 

 ([2][226]) الاستبصار جـ 1 ص 331 . 

 ([3][227]) انظر : الحقائق 2 / 140 . 

 ([4][228]) الموضع السابق من الاستبصار .

 ([5][229]) المرجع السابق ص 332 . 

 ([6][230]) نفس المرجع ص 333 . 

 ([7][231]) انظر المواضع السابقة من الاستبصار . 

 ([8][232]) انظر : مفتاح الكرامة ـ كتاب الصلاة 1 / 246 ـ 247 . 

 ([9][233]) انظر : المرجع السابق ص 245 . 

 ([10][234]) انظر : نيل الأوطار 2 : باب الصلاة على الفراء والبسط وغيرهما من المفارش         ص 127 ، وراجع صلاته r على البساط في صحيح البخاري ـ كتاب الأدب : باب الكنية للصبى ، باب الزيارة ، وارجع إلى صحيح مسلم بشرح النووي ـ كتاب المساجد باب جواز الجماعة في  النافلة ـ والصلاة على الحصير وخمرة وثوب وغيرها من الطاهرات .

 ([11][235]) انظر : كنز العرفان ص 46 .

 ([12][236]) الأرض والتربة الحسينية للإمام محمد الحسين آل كاشف الغطاء : ص 170 ـ 180 ، ملحق بكتاب : الوضوء فى الكتاب والسنة .

 ([13][237]) انظر : " سادس عشر " من الفصل السابق . 

  • الاربعاء AM 07:41
    2021-04-28
  • 1430
Powered by: GateGold