المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 415284
يتصفح الموقع حاليا : 238

البحث

البحث

عرض المادة

مسح الرأس

مسح الرأس

 انفرد الإمامية بالقول بوجوب مسح مقدم الرأس ببقية البلل . وبعدم إجزاء الغسل على أي حال .

 فهم متفقون مع الحنفية والشافعية وبعض الحنابلة في جواز مسح بعض الرأس ([1][74]) ، ولكنهم يوجبون المقدم ، ويختلفون مع الجميع في إيجاب المسح ببقية البلل .

 رووا عن الإمام أبى جعفر - وهو يحكى وضوء الرسول r - أنه " مسح مقدم رأسه ، وظهر قدميه ببلة يساره ، وبقية بلة يمناه " . وفي رواية أخرى " مسح بفضل يديه رأسه ورجليه " . وفي إحدى الروايات " مسح ببقية ما بقى فى يديه رأسه ورجليه ، ولم يعدهما فى الإناء " ، إلى غير ذلك من الروايات ([2][75]) .

 والرواية الأولى قد تكون بياناً للمجمل في الروايتين الأخيرتين ، وقد تدل على جواز مسح المقدم ، ولكنهم رووا عن الإمام أبى جعفر أيضاً بأن المتوضئ إذا مسح بشئ من رأسه فقد أجزأه ([3][76]) . مما يؤيد الاحتمال الثانى ـ وهو الجواز ـ ويرفض الاحتمال الأول .

 وقد استدل الإمام الشافعي بروايات أن الرسول r مسح بمقدم رأسه ، ومع هذا لم  يوجب المقدم ، وإنما رأي أن من مسح من رأسه شيئاً فقد مسح برأسه( [4][77]) .

 وقد ورد عن طريق الشيعة روايات تفيد عدم إيجاب المقدم ، فحاولوا تخريجها :([5][78])  مثال ذلك ما روى عن الإمام الصادق أنه سئل عن الرجل يمسح رأسه من خلفه وعليه عمامة بأصبعه أيجزيه ذلك ؟ فقال : نعم . فحمله الطوسى على أنه أدخل الأصبع من الخلف ، فمسح بها مقدم الرأس ، واحتمل أن يكون الخبر خرج مخرج التقية ، لأن ذلك مذهب بعض العامة .

 ولا أدرى لم ترفع العمامة ويضع الإنسان يده من الخلف ليمسح المقدم ؟ أهذا هو الذي فهمه الإمام الصادق من السائل فقال : نعم ؟ أم أنه جبن فقال ذلك تقية لأنه مذهب بعض العامة ؟ إنى أربأ بالصادق أن يكون بهذا الخلل من الفهم ، أو بهذه المنزلة من الجبن .

 ورواية أخرى عن الإمام الصادق أيضاً أنه سئل عن المسح على الرأس   فقال : كأنى أنظر إلى عكنة في قفاء أبى يمر عليها يده . وغير ذلك مما لم يستطع الطوسى تخريجه إلا على التقية ، وهو تخريج لا يمكن أن يقبل بحال ، فإذا كان السائل يسأل عن المسح فلو أجيب بمسح مقدم الرأس لوافقت الرواية روايات ثبتت عند كثير من أهل السنة ، كتلك التى احتج بها الإمام الشافعي ، ثم ما الذي يدعو إلى الكذب في قوله " كأني أنظر إلى عكنة في قفاء أبى " ؟ فلم احتاج إلى الاستشهاد بهذا الدليل ، ولم يكتف بتحديد موضع المسح ولو تقية ؟ أهو الإيغال في الكذب والجبن ؟ كان الأجدر بالطوسى أن يحمل هذه الأخبار جميعها على جواز المقدم وغيره ، فينتفي التعارض ، بدلاً من أن ينزل إلى هذا المستوى في  تخريجاته .  وروى عن الإمام الصادق " مسح الرأس واحدة من مقدم الرأس ومؤخره ، ومسح القدمين ظاهرهما وباطنهما " . ومعلوم أن جمهور المسلمين يقول بغسل الرجلين لا مسحهما ، ومع هذا حمل الخبر على التقية ([6][79]) ! .

وأما إيجاب المسح ببقية البلل ، فالخلاف بين أهل السنة على العكس من   ذلك ، فبعضهم أوجب ماء جديداً والآخرون أجازوا المسح ببقية البلل ، وخلافهم مبنى على أساس الماء المستعمل : أهو مطهر أم غير مطهر ؟

 فظاهر مذهب الحنابلة أنه طاهر غير مطهر ، وهو المشهور عن أبى حنيفة ، وإحدى الروايتين عن مالك ، وظاهر مذهب الشافعى ، وعن أحمد رواية أخرى أنه طاهر مطهر ، وهو الرواية الثانية لمالك ، والقول الثانى للشافعى ، وروى عن على وابن عمر وأبى أمامة فيمن نسى مسح رأسه إذا وجد بللاً في لحيته أجزأه أن يمسح رأسه بذلك البلل ، وذهب أبو يوسف إلى نجاسته ، وهو رواية عن أبى  حنيفة .([7][80])

ولكل من هؤلاء أدلته التي استند إليها ([8][81]) ، ولسنا بحاجة إلى مناقشتها ما دام فيهم من يوافق الإمامية على طهورية هذا الماء .

ولكن ما الذي دفع الشيعة إلى القول بإيجاب بقية البلل ، وبطلان الماء الجديد؟ فلو جف ماء الوضوء قبله أخذ من لحيته ، وحاجبيه وأشفار عينيه مسح به ، فإن لم يبق نداوة استأنف الوضوء([9][82]).

لا خلاف في أن الماء الجديد طاهر مطهر ، وأدلة الشيعة التي ذكرناها لو صحت ([10][83]) فغاية ما تدل عليه جواز المسح ببقية البلل ، ويؤيد ذلك ما روى عن طريق أهل السنة من أن الرسول r مسح رأسه بما بقى من وضوئه ، أو من فضل ماء كان بيديه ، وروايات أخرى أنه r مسح رأسه بماء غير فضل يديه ، أو أنه أخذ لرأسه ماء جديدا( [11][84]) . ولا تعارض بين هذه الأخبار ، فكل جائز ، بل إننا نجد فيما روى عن طريق الشيعة ما يؤيد القائلين بإيجاب ماء جديد ، جاء في الاستبصار : " سألت أبا الحسن u : أيجوز للرجل أن يمسح قدميه بفضل رأسه ؟ فقال : برأسه لا ، فقلت : أبماء جديد ؟ فقال : برأسه نعم . " ورواية أخرى : " سألت أبا عبدالله u عن مسح الرأس قلت : أمسح بما في يدي من الندى رأسى فقال : لا بل تضع يدك في الماء ثم تمسح " ([12][85]).

 وحاول شيخ الطائفة الطوسى أن يوفق بين هذين الخبرين والأخبار السابقة ، فقال : " فالوجه في هذين الخبرين أن نحملهما على ضرب من التقية ؛ لأنهما موافقان لمذاهب كثير من العامة ، ويحتمل أن يكون المراد بهما إذا جفت أعضاء الطهارة بتفريط من جهته ، فيحتاج أن يجدد غسلها ، فيأخذ ماء جديداً ، ويكون الأخذ بها أخذاً للمسح حسب ما تضمنه الخبر الأول .

 وأما الخبر الثانى فيحتمل أن يكون المراد بقوله : " بل تضع يدك في الماء " إنما أراد الماء الذي بقى في لحيته أو حاجبيه ، وليس فيه أن يضع يده في الماء الذي في الإناء أو غيره . فإذا احتمل لذلك لم يعارض ما قدمناه من الأخبار" ([13][86]).

 ولا شك أن هذا التخريج فيه من البطل ما فيه : فالخبر الأول يفيد  ـ خلاف الماء الجديد ـ مسح الرجلين في الوضوء ، وقد أجمعت المذاهب الأربعة على وجوب غسلهما . ولهذا أجاز الشيعة غسلهما للتقية مع إيجابهم المسح . فكيف إذن يحمل هذا الخبر على التقية لمجرد ذكر الماء الجديد مع إفادته مسح الرجلين؟ والتخريجات الأخرى غير مقبولة ، فالخبران يفيدان عدم جفاف الأعضاء ، فالأول فيه فضل الرأس ، والثاني فيه ما في اليدين من الندى ، ولو أراد بالثاني أخذ الماء من اللحية والحاجبين لقال : ضع يدك على اللحية والحاجبين ، لا ضع يدك في الماء . وما الحاجة إلى ذلك مع وجود الندى ما لم يكن في حاجة إلى ماء جديد ؟

وأخبار الشيعة لو صحت لأمكن الجمع بينها بالقول بجواز المسح ببقية الماء واستحباب الماء الجديد . وذلك أولى من القول بإيجاب المسح ببقية البلل ، فذلك لا يستند إلى أي دليل([14][87]).

 ويرى الشيعة أن غسل الرأس لا يجزى عن مسحه ، وهم إذا كانوا يشترطون في المسح أن يكون ببقية البلل ، فمن باب أولى أن يرفضوا إجزاء الغسل .

 وأما المذاهب الأربعة فيرون أجزاءه ، لأن فيه مسحاً وزيادة .

 اشترط بعض الحنابلة إمرار اليد على الرأس مع الغسل أو بعده للإتيان بالمسح([15][88]) .

 ولا شك أن المسح أولى من الغسل ، فهو الفرض بالنص ، ولكن ليس معنى هذا أن الغسل يبطل الوضوء ، لأن في الغسل إتياناً بالفرض وزيادة . وهذه الزيادة وإن لم تكن مستحبة إلا أنها ليست مبطلة ، كمن غسل أعضاء الوضوء أربعاً ، فإن ذلك غير مستحب ، لكنه لا يبطل الوضوء ، وكمن اغتسل ينوى به الوضوء ، فالشيعة يرون أن غسل الجنابة يجزى عن الوضوء ، واختلفوا في غيره ، فلم يجمعوا على عدم الإجزاء . إذا فالمسح أولى من الغسل ولكن الغسل لا يبطل ، والله أعلم .

 

 ([1][74]) وذهب بعض الإمامية إلى حرمة مسح كل الرأس ، وبعضهم إلى الكراهية ، وآخرون إلى عدم الاستحباب ، وفريق إلى الإجزاء ( انظر : مفتاح الكرامة - كتاب الطهارة ص 248 ) .

  وقد روى أن النبى r قد مسح الرأس كله ، وهو مستحب باتفاق العلماء، وأوجبه مالك ، وأحمد في إحدى الروايتين عنه ( انظر : نيل الأوطار جـ 1 : باب مسح الرأس كله ،    وصفته ، وما جاء في مسح بعضه ص 191 ) .

 ([2][75]) انظر : الوسائل جـ 1 باب كيفية الوضوء ص 369 .

 ([3][76]) انظر المستدرك من الوسائل 1/381 .

 ([4][77]) انظر الأم 1/22 .

 ([5][78]) انظر الروايات ، وتخريجها في : الاستبصار جـ 1 ص 60-61 ، والوسائل  جـ 2 ص 14-15 .

 ([6][79]) انظر الوسائل جـ 2 ص 17-18 .

 ([7][80]) انظر المغنى جـ 1 ص 18 وما بعدها .

 ([8][81]) انظر ما سبق ، وانظر كذلك : نيل الأوطار جـ 1 ص 23 باب طهارة الماء المتوضأ به، وص 27 باب بيان زوال تطهيره ، والهداية في تخريج أحاديث البداية ـ الماء المستعمل : 1/273 ، وصحيح البخاري وشرحه فتح الباري ـ كتاب الوضوء : باب استعمال فضل وضوء الناس .

 ([9][82])انظر : مفتاح الكرامة – كتاب الطهارة ص 258-259 .

 ([10][83]) هذه الروايات توجب مسح الرأس والرجلين ، وسنناقش ذلك فيما يأتى من نوع طهارة  الرجلين .

 ([11][84]) انظر نيل الأوطار جـ 1 ص 29 .

 ([12][85]) انظر ص 58-59 من الكتاب المذكور جـ 1 .

 ([13][86]) الاستبصار جـ 1 ص 59 .

 ([14][87]) بعضهم يذكر أدلة نتركها لتفاهتها ، وعدم جدواها ووضوح ما بها من سفسطة : مثال ذلك هنا ما ذكره بعضهم من أن آية الوضوء فيها أمر بمسح الرأس والواجب الفور في امتثال أوامر الله ، والإتيان بماء جديد للمسح ينافي الفور . انظر : الحقائق جـ  ص 175.

   ولا شك أن الاشتغال بأخذ الماء لمسح العضو متعلق بمسح العضو نفسه ، فالفورية في هذا الاشتغال فورية في المسح ، ثم إن أخذ الماء مباشرة والمسح به أسرع من نشدانه بين اللحىوالحواجب وأشفار العيون ، وسواء هذا أو ذاك فهو لا يستغرق وقتا يذكر حتى يقال إنه ينافى الفور .

 ([15][88]) انظر المبسوط جـ1 ص 64 وص 72 ، وحاشية الدسوقى ص 89 جـ1 ، وحاشية البجيرمى جـ 1 ص 78 والمغنى جـ 1 ص118-119 ، وأحكام القرآن لابن العربي      جـ 2 ص 570-571 .

  • الاربعاء AM 07:14
    2021-04-28
  • 1084
Powered by: GateGold