المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 415231
يتصفح الموقع حاليا : 271

البحث

البحث

عرض المادة

علمنــــــة اليهوديــــــة

علمنــــــة اليهوديــــــة
Secularization of Judaism

«علمنة اليهودية» مصطلح نستخدمه لنصف إعادة صياغة النسق الديني اليهودي من الداخل على يد بعض المفكرين اليهود العلمانيين وشبه العلمانيين، حتى تتكيف اليهودية تماماً مع العلمانية (بعقلانيتها أو لا عقلانيتها المادية)، وتصبح كل منطلقات اليهودية الدينية والفلسفية ذات طابع نسبي تاريخاني.

ولكي ندرس العلاقة بين العلمانية والصهيونية، لابد أن ندرس العلاقة بين الحلولية والعلمانية.والحلولية هي تداخل عناصر الثالوث الحلولي(الإله ـ الإنسان ـ الطبيعة)،إذ يحل الإله تدريجياً في الإنسان والطبيعة حتى يلتصق بهما ويتوحَّد معهما ولا يبقى منه سوى الاسم (مرحلة وحدة الوجود الروحية وشحوب الإله).ثم يسقط الاسم نفسه (مرحلة وحدة الوجود المادية والواحدية المادية الكونية وموت الإله).ومرحلة الواحدية الكونية هي المرحلة التي تختفي فيها تماماً المساحة بين الخالق والمخلوق وبين المطلق والنسبي وبين الإنساني والطبيعي وتَمَّحي كل الثنائيات والخصوصيات،وتصبح كل الأمور مقدَّسة متساوية ومن ثم نسبية،ويصبح كل شيء مرجعاً لذاته وتسقط المرجعية المتجاوزة.

وعلمنة العقيدة اليهودية هي عملية تحويرها (وإفسادها)، عن وعي أو عن غير وعي، على يد المفكرين الدينيين اليهود الذين أسقطوا كثيراً من المعتقدات الدينية اليهودية المحورية الأساسية التي تؤكد ثنائية الواقع ووجود المطلقات المتجاوزة لتحل محلها عقائد حلولية جديدة تنكر الثنائية والتجاوز وتؤكد الواحدية الكونية (الصلبة أو السائلة) بحيث لا تختلف اليهودية في بنيتها عن أية عقيدة علمانية. ولنا أن نلاحظ أن من المألوف أنْ يستخدم المفكرون الذين يقومون بعملية العلمنة المصطلحات والمفردات الدينية نفسها التي استخدمها المفكرون الدينيون التقليديون.

ويمكن القول بأن اليهودية، كنسق ديني، كانت مرشحة للعلمنة من الداخل لعدة أسباب من أهمها:

1 ـ طبيعة اليهودية كتركيب جيولوجي تراكمي يحوي داخله العديد من التناقضات.

2 ـ الطبقة الحلولية القوية داخل هذا التركيب، والتي كانت قد اكتسحت معظم يهود اليديشية في العالم.

3 ـ اضطلاع اليهود بدور الجماعة الوظيفية، وأعضاء هذه الجماعات عادةً من حملة الفكر العلماني.

4 ـ أزمة اليهودية الحاخامية ابتداءً من القرن التاسع عشـر وتَجمُّدها وتصلُّبها الأمر الذي جعلها غير قادرة على الاستجابة لتحديات الثورة العلمانية الشاملة.

وتاريخ الفكر الديني اليهودي منذ عصر النهضة في الغرب هو أيضاً تاريخ علمنة النسق الديني اليهودي. ويمكن العودة للباب المعنون «إشكالية علاقة اليهودية بالصهيونية» ولباب «إشكالية الحلولية اليهودية». كما يمكن العودة للمداخل التالية:

1 ـ «إسبينوزا، باروخ»، وهو الفيلسوف الذي تتحول على يديه الحلولية الدينية إلى الطبيعية المادية دون إسقاط الديباجات الدينية (الإله هو الطبيعة).

2 ـ «اليهودية الإصلاحية»، وهي الفرقة التي قامت بإعادة صياغة اليهودية لتتفق مع روح العصر (باعتبار أن العصر الحديث موضع الحلول).

3 ـ «اليهودية المحافظة»، وهي الفرقة الدينية التي ترى أن اليهودية تعبير عن روح الشعب اليهودي وعن تاريخه.

وستتناول بقية مداخل هذا القسم بعض المفكرين الدينيين اليهود الذين ساهموا في عملية العلمنة. وكلهم فلاسفة يؤكدون العلاقة الحوارية (الحلولية/ العضوية) بين الشعب اليهودي والخالق، أي حلول الإله في الشعب والأرض. وفي آخر هذا القسم سنتناول اليهودية الليبرالية واليهودية التجديدية باعتبارهما حركتين تدَّعيان أنهما «دينيتان» ولكنهما في واقع الأمر علمانيتان بشكل واضح. فالديباجة الدينية شاحبة، وفكرة الإله تتأرجح بين مرحلة شحوب الإله وموته الكلي بل اخـتفاء ظـلاله البـاقية في مرحـلة ما بعد الحداثة). فكلاهـما مرجعيته النهـائية هــي الدنيا أو الـتاريخ أو الطبيعة، ولذا فهما يحاولان تكييف العقيدة لتتفق مع الدنيا (والدنيا في حالة اليهودية التجديدية هي الولايات المتحدة)، ولذا فهي تقوم بإعادة صياغة اليهودية لتتفق مع عقيدة التقدم، ومع وضع يهود أمريكا باعتبارهم جزءاً عضوياً من المجتمع الأمريكي.

وقد أدَّى تصاعُد معدلات علمنة النسق الديني من الداخل إلى أن الجو أصبح مهيأً تماماً لاستيلاء العقيدة الصهيونية على العقيدة اليهودية الى أن حلت محلها من خلال عملية الصهينة من الداخل، حتى أصبحت الصهيونية مرادفة لليهودية وظهرت أشكال من اليهودية مثل «اليهودية العلمانية» و«اليهودية الإثنية» و«اليهودية الإلحادية» و«لاهوت موت الإله» (انظر المداخل الخاصة بكل موضوع)، وما شابه ذلك من عقائد علمانية تماماً تستخدم مفردات واصطلاحات وديباجات دينية.

  • الاربعاء AM 05:59
    2021-04-28
  • 1120
Powered by: GateGold