المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 415323
يتصفح الموقع حاليا : 199

البحث

البحث

عرض المادة

العقــــل

العقل

المراد بالعقل الذي اتخذوه دليلاً على الحكم الشرعي ـ ما لم يوجد دليل من كتاب أو سنة أو إجماع ـ إنما هو أحكامه المستقل بها ، مثل حكمه بوجوب دفع الضرر ، واستحالة الترجيح بلا مرجح ، وبقبح العقاب بلا بيان .

ومما استدلوا عليه بالأول وجوب النظر والمعرفة ، لأن ترك النظر ـ وكذلك ترك المعرفة ـ موجب للخوف وهو ضرر ، ودفع الضرر واجب بالضرورة . وبالثاني على التخيير عند تعارض الأدلة مع عدم المرجح . وبالثالث على الحكم بإباحة ما لم يعلم من الشرع حرمته كالحكم بإباحة شرب القهوة لعدم ورود بيان من الشارع ، وقبح العقاب بلا بيان ضروري ([1][19]) .

 وهذا الدليل ينبني على أساس التحسين والتقبيح العقليين ، باعتبار أن الأشياء لها حسن ذاتي أو قبح ذاتي يمكن إدراكه بالعقل كالعدل والظلم ، وكالصدق والكذب. " فإن العدل بما هو عدل لا يكون إلا حسناً أبداً : أي أنه متى ما صدق عنوان العدل فإنه لابد أن يمدح عليه فاعله عند العقلاء ويعد عندهم محسناً ، وكذلك الظلم بما هو ظلم لا يكون إلا قبيحاً ، أي أنه متى صدق عنوان الظلم ، فإن فاعله مذموم ويعد مسيئاً " ([2][20])، " والصدق بما هو صدق فيه اقتضاء التأثير فى إدراك العقلاء بأنه مما ينبغى أن يفعل ، ويمدحون فاعله عليه بخلاف الكذب فإنه مذموم لديهم . ولكن هذا التأثير لا يتم عادة مع وجود مزاحم له يمنع من تأثيره نظراً لأهميته كأن يكون فى الصدق ما يوجب قتل النفس المحترمة ، أو انتهاك عرض ، أو تسلط ظالم على مؤمن ، وهكذا ([3][21]) .

وإذا كنا ندرك علاقة الحسن بالمصلحة ، والقبح بالمضرة ، أفيعنى هذا أن الشيعة يأخذون بالمصلحة ؟

 يقول أحد علمائهم المعاصرين([4][22]) في تلخيص وتعقيب بعد دراسة مقارنة للمصالح المرسلة :

 إن تعاريف المصالح المرسلة مختلفة ، فبعضها ينص على استفادة المصلحة من النصوص والقواعد العامة ، ومقتضى هذا النوع من التعاريف إلحاقها بالسنة ، والاجتهاد فيها إنما يكون من قبيل تحقيق المناط بقسمه الأول ، أي تطبيق الكبرى على صغراها بعد التماسها أي الصغرى ـ بالطرق المجعولة من الشارع لذلك ، ولا يضر في ذلك كونها غير منصوص عليها بالذات ، إذ يكفي في إلحاقها بالسنة دخولها تحت مفاهيمها العامة . وأما على تعاريفها الأخرى فينحصر إدراكها بالعقل.

 والذي ينبغى أن يقال عنها أنها تختلف من حيث الحجية باختلاف ذلك الإدراك ، فإن كان ذلك الإدراك كاملاً – أي إدراكاً للمصلحة بجميع ما يتعلق بها في عوالم تأثيرها في مقام جعل الحكم لها من قبل المشرع – فهي حجة . ورفض الأخذ بالمصلحة إذا لم يكن إدراك العقل لها كاملاً ، كأن يدركها مع احتمال وجود مزاحم لها يمنع من جعل الحكم .

 وانتهي إلى قوله : " وبهذا يتضح أن الشيعة لا يقولون بالمصالح المرسلة إلا ما رجع منها إلى العقل على سبيل الجزم " ([5][23])  .

 ومما يتصل بهذا الأصل الرابع فتح الذرائع وسدها ، حيث يعتبرون فتحها وسدها تابعاً للعقل أو السنة ، " لأن اكتشاف حكم المقدمة إما أن يستفاد من العقل بقاعدة الملازمة ، بمعنى أن العقل يحكم بوجود ملازمة بين الحكم على شيىء والحكم على مقدمته ، فإذا علمنا أن الشارع قد حكم على ذى المقدمة بالوجوب فقد علمنا بحكمه على المقدمة كذلك ، وعندها تكون من صغريات حكم العقل وليست أصلاً برأسه ، وإما أن يستفاد من طريق الملازمة اللفظية ، أي من الدلالة الالتزامية لأدلة الأحكام ، كما هو مبنى فريق بدعوى أن اللفظ الدال على وجوب الصلاة هو بنفسه يدل على لازمه وهو وجوب مقدماتها ، وعليها يكون وجوب المقدمات مدلولاً للسنة ، فتكون المسألة من صغريات دليل السنة " ([6][24]).

 ويدخل تحت هذا الأصل كذلك الاستصحاب ، ويعللون هذا بقولهم : "وجود الشيء في الحال يقتضي ظن وجوده في الاستقبال لقضاء العقل بذلك في أكثر الوقائع ، ولأن الأحكام الشرعية مبنية عليه لأن الدليل إنما يتم لو لم يتطرق إليه المعارض من نسخ وغيره ، وإنما يعلم نفي المعارض بالاستصحاب " ([7][25]).

 أما القياس فقد رفضوا الأخذ به إلا ما كان منصوص العلة ، وهم لا يرونه قياساً وإنما يرون ذلك من دليل العقل لحكمه بوجوب وجود الشيىء عند وجود   علته ، وما عدا ذلك من قياس الشبه وأمثاله فلا يعتبرونه من حكم العقل ، ويرون أنه لا دليل على الأخذ به ، وأن روايات أئمتهم كثيرة في المنع عنه .([8][26])   

 وهناك قسم آخر اعتبره بعضهم من دليل العقل وهو ما يتوقف فيه على الخطاب وهو ثلاثة : فحوى الخطاب ولحن الخطاب ودليل الخطاب([9][27]) .

 وفي أصول الفقه للمظفر ( 3 / 19 ) قال المؤلف : " من تصريحات المحقق والشهيد الأول يظهر أنه لم تتجل فكرة الدليل العقلي في تلك العصور ، فوسعوا في مفهومه إلى ما يشمل الظواهر اللفظية مثل : لحن الخطاب و000 إلخ " .

 والمحقق توفي سنة 676 هـ ، والشهيد الأول توفي سنة 786 هـ .

 والجعفرية الاثنا عشرية ـ كما ذكرنا من قبل ـ ينقسمون إلى أصوليين وهم الكثرة الغالبة ، وإخباريين وهم قلة قليلة ، والذين اتخذوا من العقل دليلاً بعد الأدلة الثلاثة هم الأصوليون ، أما الإخباريون فإنهم يأبون تحكيم العقل في الأمور الشرعية ، ويكتفون بما ورد عن أئمتهم في كتب الحديث الأربعة .

 هذا هو الدليل الرابع عند الجعفرية الاثنى عشرية ، وأثر الإمامة هنا لا يبدو واضحاً كما رأينا في الأدلة الثلاثة ، ولكن يمكن القول بأن الإخباريين عندما رفضوا الأخذ بهذا الدليل تأثروا بعقيدتهم في الإمامة حيث اكتفوا بما ورد عن الأئمة . وهذا الاتجاه يتفق مع ما يراه جمهور الجعفرية من عدم الاجتهاد في زمن الأئمة حيث يرجع إليهم ، وأقوالهم ليست اجتهاداً ـ في نظر الجعفرية ـ وإنما سنة كسنة الرسول r كما سبق بيانه ، غير أن الإخباريين استمروا في المنع من الاجتهاد بعد عصر الأئمة ، بل قالوا : " بالمنع عن الاحتياج إلى علم الأصول والمنع عن تدوينه ، بل عن بعضهم أنه بدعة محرمة " .

 وقالوا : " إن هذا العلم مما أحدثه العامة – أي جمهور المسلمين- فسرى منهم إلى أصحابنا الإمامية في زمن الغيبة ، ولم يكن يعرفه أصحاب الأئمة . فلولا أنه من البدع المستحدثة والطرق المخترعة الممنوع عنها في الشريعة لما أهمل بيانه أهل العصمة "([10][28]).

 ولعل أهم ترابط بين الإمامة والعقل عند الجعفرية جميعاً أنهم حاولوا إثبات عقيدتهم في الإمامة بالعقل حتى " كانت الحركة الإخبارية تستبطن في رأي كثير من ناقديها تناقضاً ، لأنها شجبت العقل من ناحية لكى تخلى ميدان التشريع والفقه للبيان الشرعي ، وظلت من ناحية أخرى متمسكة به لإثبات عقائدها الدينية ".([11][29])

 وعقيدة الجعفرية الاثنى عشرية في الإمامة لم تثبت بالكتاب والسنة ، بل ثبت خلاف ما ذهبوا إليه كما رأينا في الجزء الأول . إذن لا يمكن أن تثبت هذه العقيدة بالعقل ، فلسنا في حاجة إلى مناقشة ما اعتبروه إثباتاً للإمامة بدليل العقل ([12][30]).

 

 ([1][19]) انظر الحقائق في الجوامع والفوارق جـ 1 ص 78 .

 ([2][20]) الأصول العامة للفقه المقارن ص 286 ( نقلاً عن أصول الفقه للمظفر ) .

 ([3][21]) الأصول العامة للفقه المقارن ص 287 .

 ([4][22]) هو الشيخ محمد تقى الحكيم أستاذ الأصول والفقه المقارن في كلية الفقه بالنجف ، انظر المصالح المرسلة في كتابه " الأصول العامة للفقه المقارن " ص 381-402 وانظر تلخيصه وتعقيبه ص 402-404  .

 ([5][23]) ص 404 .

 ([6][24]) الأصول العامة للفقه المقارن ص 415 .

 ([7][25]) تهذيب الوصول ص 105 .

 ([8][26]) انظر : الحقائق في الجوامع والفوارق جـ 1 ص 79 ، وانظر مناقشة الشيخ أبوزهرة لأدلتهم في كتابه الإمام الصادق ص 515 وما بعدها .

 ([9][27]) انظر المعتبر ص 6 ، وأصول الفقه للمظفر 3/109 .

      ولحن الخطاب : هو أن تدل قرينة عقلية على حذف لفظ .

      وفحوى الخطاب : يعنون به مفهوم الموافقة .*

    *ودليل الخطاب : يراد به مفهوم المخالفة .

      وهذه كلها تدخل في حجية الظهور ، ولا علاقة لها بدليل العقل المقابل للكتاب والسنة .

 

 ([10][28])الحاشية على الكفاية 2/211 .

 ([11][29]) المعالم الجديدة للأصول : ص 45 . 

 ([12][30]) انظر مناقشة ابن تيمية لهم ، ففيها إقناع وإمتاع :

   المنتقى ص 25 ـ 34 ، وص 482 وما بعدها . 

  • الثلاثاء PM 08:37
    2021-04-27
  • 1212
Powered by: GateGold