المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 414891
يتصفح الموقع حاليا : 259

البحث

البحث

عرض المادة

مدينة العلم

باب مدينة العلم

      من الأحاديث  التي استدل الرافضيان " أنا مدينة العلم وعلى بابها " ، وأثبت هنا رد شيخ الإسلام على ابن المطهر .

      قال رحمه الله تعالى :

       وحديث : " أنا مدينة العلم وعلى بابها " أضعف وأوهى ، ولهذا إنما يعدّ في الموضوعات ، وإن رواه الترمذي ، وذكره ابن الجوزي وبيّن أن سائر طرقه موضوعة ، والكذب يعرف من نفس متنه ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان مدينة العلم ، ولم يكن لها إلا باب واحد ، ولم يُبلّغ عنه العلم إلا واحد ، فَسَدَ أمر الإسلام ، ولهذا اتفق المسلمون على أنه لا يجوز أن يكون المبلغ عنه العلم واحدا ، بل يجب أن يكون المبلغون أهل التواتر ، الذي يحصل العلم بخبرهم للغائب .

      وخبر الواحد لا يفيد العلم إلا بقرائن ، وتلك قد تكون منتفية أو خفية عن أكثر الناس ، فلا يحصل لهم العلم بالقرآن والسنن المتواترة .

      وإذا قالوا : ذلك الواحد المعصوم يحصل العلم بخبره .

      قيل لهم : فلابد من العلم بعصمته أولا . وعصمته لا تثبت بمجرد خبره قبل أن يعلم عصمته ، فإنه دَوْر ، ولا تثبت بالإجماع ، فإنه لا إجماع فيها . وعند الإمامية إنما يكون الإجماع حجة ، لأن فيهم الإمام المعصوم ، فيعود الأمر إلى إثبات عصمته بمجرد دعواه ، فعُلم أن عصمته لو كانت حقا لابد أن تعلم بطريق آخر غير خبره .

      فلو لم يكن لمدينة العلم باب إلا هو ، لم يثبت لا عصمته ولا غير ذلك من أمور الدين ، فعلم أن هذا الحديث إنما افتراه زنديق جاهل ظنه مدحا ، وهو مطرق الزنادقة إلى القدح في دين الإسلام ، إذ لم يبلغه إلا واحد .

      ثم إن هذا خلاف المعلوم بالتواتر ؛ فإن جميع مدائن الإسلام بلغهم العلم عن الرسول من غير على . أما أهل المدينة ومكة فالأمر فيهما ظاهر ، وكذلك الشام والبصرة ؛ فإن هؤلاء لم يكونوا يروون عن على إلا شيئا قليلا ، وإنما كان غالب علمه في الكوفة ، ومع هذا فأهل الكوفة كانوا يعلمون القرآن والسنة قبل أن يتولى عثمان ، فضلا عن علىّ .

      وفقهاء أهل المدينة تعلموا الدين في خلافة عمر ، وتعليم معاذ لأهل اليمن ومقامه فيهم أكثر من على . ولهذا روى أهل اليمن عن مُعاذ بن جبل أكثر مما رووا عن على ، وشريح وغيره من أكابر التابعين إنما تفقهوا على معاذ بن جبل . ولما قدم على الكوفة كان شريح فيها قاضيا . وهو وعبيدة السلمانى تفقها على غيره، فانتشر علم الإسلام في المدائن قبل أن يقدم على الكوفة .

      وقال ابن حزم : " واحتج من احتج من الرافضة بأن عليا كان أكثرهم علما ". قال : " وهذا كذب ، وإنما يعرف علم الصحابى بأحد وجهين لا ثالث لهما : أحدهما: كثرة روايته وفتاويه . والثانى : كثرة استعمال النبي صلى الله عليه وسلم له . فمن   المحال الباطل أن يستعمل النبي صلى الله عليه وسلم من لا علم له . وهذه أكبر شهادة على العلم وسعته ، فنظرنا في ذلك فوجدنا النبي صلى الله عليه وسلم قد ولى أبا بكر الصلاة بحضرته طول علته ، وجميع أكابر الصحابة حضور ، فعمر وعلى وابن مسعود وأبى وغيرهم ، فهذا بخلاف استخلافه عليا إذا غزا ، لأن ذلك على النساء وذوى الأعذار فقط ، فوجد ضرورة أن يكون أبو بكر أعلم الناس بالصلاة وشرائعها ، وأعلم المذكورين بها ، وهى عمود الإسلام . ووجدناه أيضا قد استعمله على الصدقات ، فوجب ضرورة أن يكون عنده من علم الصدقات كالذى عند غيره من علماء الصحابة ، لا أقل ، وربما كان أكثر ، إذ قد استعمل غيره ، وهو لا يستعمل إلا عالما بما استعمله فيه ، والزكاة ركن من أركان الدين بعد الصلاة .

      وبرهان ما قلناه من تمام علم أبى بكر بالصدقات أن الأخبار الواردة في الزكاة أصحها ، والذى يلزم العمل به ولا يجوز خلافه فهو حديث أبى بكر ، ثم الذي من طريق عمر . وأما من طريق على فمضطرب ، وفيه ما قد تركه الفقهاء جملة ، وهو أن في خمس وعشرين من الإبل خمسا من الشياه .

      وأيضا فوجدناه صلى الله عليه وسلم استعمل أبا بكر على الحج ، فصح ضرورة أنه أعلم من جميع الصحابة بالحج . وهذه دعائم الإسلام .

       ثم وجدناه قد استعمله على البعوث ، فصح أن عنده من أحكام الجهاد مثل ما عند سائر من استعمله النبي صلى الله عليه وسلم على البعوث ، إذ لا يستعمل إلا عالما بالعمل ، فعند أبى بكر من علم الجهاد كالذى عند على وسائر أمراء البعوث لا أقل .

      وإذا صح التقدم لأبى بكر علَى علىّ وغيره في العلم  بالصلاة والزكاة  والحج ، وساواه في الجهاد ، فهذه عمدة للعلم .

      ثم وجدناه صلى الله عليه وسلم قد ألزم نفسه في جلوسه ومسامرته وظعنه وإقامته أبا بكر ، فشاهد أحكامه وفتاويه أكثر من مشاهدة على لها ، فصح ضرورة أنه أعلم بها ، فهل بقيت من العلم بقية إلا وأبو بكر المقدم فيها الذي لا يلحق ؟ أو المشارك الذي لا يسبق ؟ فبطلت دعواهم في العلم ، والحمد لله رب العالمين .

      وأما الرواية والفتيا ، فإن أبا بكر رضي الله عنه لم يعش بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا سنتين وستة أشهر ، ولم يفارق المدينة إلا حاجا أو معتمرا ، ولم يحتج الناس إلى ما عنده من الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لأن كل من حواليه أدركوا النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى ذلك كله فقد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة حديث واثنين وأربعين حديثا مسندة ، ولم يرو عن على إلا خمسمائة وستة وثمانون حديثا مسندة ، يصح منها نحو خمسين حديثا . وقد عاش بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أزيد من ثلاثين سنة ، فكثر لقاء الناس إياه وحاجتهم إلى ما عنده ، لذهاب جمهور الصحابة ، وكثر سماع أهل الآفاق ، منه مرة بصفين ، وأعواما بالكوفة ، ومرة بالبصرة ، ومرة بالمدينة ، فإذا نسبنا مدة أبى بكر من حياته ، وأضفنا تفرى على البلاد بلدا بلدا ، وكثرة سماع الناس منه ، إلى لزوم أبى بكر موطنه ، وأنه لم تكثر حاجة من حواليه إلى الرواية عنه ، ثم نسبنا عدد حديثه من عدد حديثه ، وفتاويه من فتاويه ، علم كل ذى حظ من علم أن الذي عند أبى بكر من العلم أضعاف ما كان عند على منه .

        وبرهان ذلك أن مَنْ عُمّر من الصحابة عُمرا قليلا قلّ النقل عنه ، ومن طال عمره منهم كثر النقل عنه إلا اليسير ممن اكتفى بنيابة غيره عنه في تعليم الناس . وقد عاش على بعد عمر سبعة عشر عاما غير أشهر ، ومسند عمر خمسمائة حديث وسبعة وثلاثون حديثا ، يصح منها نحو خمسين ، كالذى عن على سواء ، فكل ما زاد حديث علىّ علَى حديث عمر تسعة و أربعون حديثا في هذه المدة ، ولم يزد عليه في الصحيح إلا حديث أو حديثان .

      وفتاوى عمر موازية لفتاوى على في أبواب الفقه ، فإذا نسبنا مدة من مدة ، وضربا في البلاد من ضرب فيها ، وأضفنا حديثا إلى حديث ، وفتاوى إلى فتاوى ، علم كل ذى حس علما ضروريا أن الذي كان عند عمر من العلم أضعاف ما كان عند على ، ووجدنا مسند عائشة ألفى مسند ومائتى مسند وعشرة مسانيد ، وحديث أبى هريرة خمسة آلاف مسند ، وثلثمائة مسند ، وأربعة وسبعون مسندا ، ووجدنا مسند ابن عمر وأنس قريبا من مسند عائشة لكل واحد منهما ، ووجدنا مسند جابر وابن عباس لكل واحد منهما ، أزيد من ألف وخمسمائة ، ووجدنا لابن مسعود ثمانمائة مسند ونيفا ، ولكل من ذكرنا ـ حاشا أبى هريرة وأنس ـ من الفتاوى أكثر من فتاوى على أو نحوها ، فبطل قول هذا الجاهل " .

      إلى أن قال : " فإن قالوا : قد استعمل النبي صلى الله عليه وسلم  عليا على الأخماس وعلى القضاء باليمن ؟ قلنا : نعم ، لكن مشاهدة أبى بكر لأقضية النبي صلى الله عليه وسلم  أقوى في العلم وأثبت مما عند على وهو باليمن ، وقد استعمل النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر على بعوث فيها الأخماس ، فقد ساوى علمه علم على في حكمها بلا شك ، إذ لا يستعمل النبي صلى الله عليه وسلم إلا عالما بما يستعمله عليه ، وقد صح أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما كانا يفتيان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يعلم ذلك ، ومحال أن يبيح لهما ذلك إلا وهما أعلم من غيرهما ، وقد استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا على القضاء باليمن مع على معاذا وأبا موسى الأشعرى ، فلعلىّ في هذا شركاء كثير ، منهم أبو بكر وعمر ، ثم انفرد أبو بكر بالجمهور والأغلب من العلم " .

  • الثلاثاء PM 08:15
    2021-04-27
  • 1286
Powered by: GateGold