المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 414886
يتصفح الموقع حاليا : 230

البحث

البحث

عرض المادة

الاستدلال بالتحريف والوضع - تحريف القرآن الكريم

الاستدلال بالتحريف والوضع

    رأينا في الفصول السابقة أن عقيدة الإمامة عند الشيعة الاثنى عشرية لا تستند إلى شيء من القرآن الكريم ، واستدلالاتهم تبنى على روايات متصلة بأسباب النزول ، وتأويلات انفردوا بها ، ولم يصح شيء من هذا ولا ذاك بما يمكن أن يكون دليلا يؤيد مذهبهم .كما رأينا أن السنة النبوية المطهرة لا تؤيد هذه العقيدة الباطلة ، بل تعارضها، وتثبت بطلانها بكثير من الأحاديث الصحيحة الصريحة .

    والإسلام ـ عقيدة وشريعة ـ إنما يستمد من الكتاب العزيز والسنة  المشرفة . وكان إذن يمكن الاكتفاء بما سبق والانتقال إلى موضوع آخر ، غير أننى رأيت أن كتبهم التي يحاولون بها إفساد المجتمع المسلم ، ونشر هذه العقيدة الباطلة ، رأيت هذه الكتب لا تكتفي بما سبق مما ناقشناه من الأدلة ، بل تلجأ إلى تحريف القرآن الكريم نصا ومعنى ، وجمع الروايات المختلفة للأحاديث الموضوعة والباطلة ، وتقدم كل هذا على أنه أدلة ثابتة أو يقينية متواترة تؤيد عقيدتهم . وغير أهل الاختصاص ، وهم الكثرة ، بل عامة الناس ، لا يستطيعون أن يميزوا بين الروايات الصحيحة وغير الصحيحة .

 

      ولذلك كان من المناسب كشف هذا التضليل وبيان هذا الباطل . ومن الكتب القديمة التي حاولت إفساد المجتمع المسلم آنذاك كتاب " منهاج الكرامة في معرفة الإمامة " لابن المطهر الحلي وقد رد عليه بالتفصيل ممن عاصره شيخ الإسلام ابن تيمية بكتابه القيم الفذ " منهاج السنة النبوية " .

      وفى عصرنا وجدنا كتابا طبع منه ملايين النسخ ، أو مئات الآلاف على أقل   تقدير ، حاول مؤلفه أيضا أن يفسد المجتمع المسلم المعاصر ، وأن يشككه في عقيدته الصحيحة ، ويزين له باطل هذا الرافضي ، وهذا الكتاب المشهور هو كتاب المراجعات لعبد الحسين شرف الدين الموسوي ، وقد رددت عليه بكتابي" المراجعات المفتراة على شيخ الأزهر البشرى " .

      وفى هذا الفصل أتناول شيئا من كتابى الرافضيين ، والرد عليهما ، وبيان بعض ما جاء فيهما من الباطل والضلال ، كما نبين منهج الرافضة في التضليل، والله عز وجل هو المستعان .

تحريف القرآن الكريم

       للاستدلال بالقرآن الكريم على عقيدة الرافضة ، سلكوا كغيرهم من الفرق الضالة مسلك التحريف في النص والمعنى ، وسنرى هذا بوضوح وجلاء عند دراستنا لكتب تفسيرهم ، وبيان موقفهم من القرآن الكريم ، وكذلك عند عرضنا لكتابهم الأول ـ والأعلى عندهم ـ في الحديث ، وهو كتاب الكافى ، وذلك أثناء عرض الأبواب والأخبار المتصلة بالقرآن المجيد .

     وعبد الحسين في كتابه نرى المراجعة الثانية عشرة تدور حول ما أسماه       " حجج الكتاب " ، وذكر فيها كثيرا من الآيات الكريمة ، وحرف معناها حتى بدا القرآن الكريم كأي كتاب من كتب الفرق الضالة وليس " ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ"  ، " وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ "   فعلى سبيل المثال جاء في هذه المراجعة أن الرافضة هم مراد الله تعالى فيمن ذكر أنهم أصحاب الجنة ، والمتقون ، وخير البرية ، ... إلى آخره ، أما خير أمة أخرجت للناس من الصحابة الكرام الذين رضي الله تعالى عنهم ورضوا عنه ، فهؤلاء في زعم خليفة ابن سبأ هم أصحاب النار ، والفجار ،  والكفار ، وكذلك خير البشر بعد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهم أبو بكر الصديق ، وعمر الفاروق ، حيث خصهما بمزيد من الطعن ؛ فهما في زعمه الجبت والطاغوت وأئمة الضلال . وهكذا يستمر هذا الرافضي اللعين في زندقته وضلاله مما يوجب إقامة الحد عليه .

          وما ذكره هذا الرافضي يردده غلاة الرافضة في كتبهم واستدلالاتهم . ومعظم ما ذكره هنا سبقه إليه ابن المطهر الحلى ، حيث جاء بأربعين آية  كريمة ، وحرف معناها لتتفق مع ضلاله . وقد أثبتها كاملة شيخ الإسلام وأجاب         عنها ، وفصل بطلان الاستدلال بها في الجزء السابع من منهاج السنة ( من بدايته إلى ص 297 ) ولولا الإطالة لنقلت تلك الصفحات ، ففيها إقناع وإمتاع ، وفضح للغلاة الرافضة . وسأكتفى هنا بذكر جزء جاء في بداية الرد على البرهان الأول ، وهو نفسه الدليل الأول الذي ذكرته في الفصل الثانى من هذا الباب ، وهو ما يتعلق بقوله تعالى    " إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ    رَاكِعُونَ  "( 55 : المائدة ) بعد ذكر كلام الرافضي قال شيخ الإسلام :

   والجواب من وجوه : أحدها : أن يقال : ليس فيما ذكره  ما يصلح أن يقبل ظنا، بل كل ما ذكره كذب وباطل ، من جنس السفسطة ، وهو لو أفاده ظنونا كان تسميته براهين تسمية منكرة ؛ فإن البرهان في القرآن وغيره يطلق على ما يفيد العلم واليقين ، كقوله تعالى:

" وَقَالُواْ لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ " ( سورة البقرة : 111 ) .

 

وقال تعالى :

" أَمَّن يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ " ( سورة النمل : 64 ) .

    فالصادق لابد له من برهان على صدقه ، والصدق المجزوم بأنه صدق هو المعلوم .

        وهذا الرجل جميع ما ذكره من الحجج فيها كذب ، فلا يمكن أن يذكر حجة واحدة جميع مقدماتها صادقة ، فإن المقدمات الصادقة يمتنع أن تقوم على باطل . وسنبين إن شاء الله تعالى عند كل واحدة منها ما يبين كذبها ، فتسمية هذه براهين من أقبح الكذب.

ثم إنه يعتمد في تفسير القرآن على قول يحكى عن بعض الناس ، مع أنه قد يكون كذبا عليه ، وإن كان صدقا فقد خالفه أكثر الناس . فإن كان قول الواحد الذي لم يُعلم صدقه ، وقد خالفه الأكثرون برهانا ، فإنه يقيم براهين كثيرة من هذا الجنس على نقيض ما يقوله  فتتعارض البراهين فتتناقض ، والبراهين لا تتناقض .

       بل سنبين إن شاء الله تعالى قيام البراهين الصادقة  التي لا تتناقض على كذب ما يدعيه من البراهين ، وأن الكذب في عامتها كذب ظاهر ، لا يخفى إلا على من أعمى الله قلبه ، وأن البراهين الدالة على نبوة الرسول حق ، وأن القرآن حق ، وأن دين الإسلام حق ـ تناقض ما ذكره من البراهين ، فإن غاية ما يدّعيه من البراهين إذا تأمله اللبيب ، وتأمل لوازمه وجده يقدح في الإيمان والقرآن   والرسول .

       وهذا لأن أصل الرفض كان من وضع قوم زنادقة منافقين ، مقصودهم الطعن في القرآن والرسول ودين الإسلام ، فوضعوا من الأحاديث ما يكون التصديق به طعنا في دين الإسلام ، وروجوها على أقوام ، فمنهم من كان صاحب هوى وجهل ، فقبلها لهواه ، ولم ينظر في حقيقتها . ومنهم من كان له نظر فتدبرها  فوجدها تقدح في حق الإسلام ، فقال بموجبها ، وقدح بها في دين الإسلام ، إما لفساد اعتقاده في الدين ، وإما لاعتقاده أن هذه صحيحة وقدحت فيما كان يعتقده من دين الإسلام .

       ولهذا دخلت عامة الزنادقة من هذا الباب ؛ فإن ما تنقله الرافضة من الأكاذيب تسلَّطوا به على الطعن في الإسلام ، وصارت شبها عند من لم يعلم أنها كذب ، وكان عنده خبرة بحقيقة الإسلام .

       وضلت طوائف كثيرة من الإسماعيلية والنصيرية ، وغيرهم من الزنادقة الملاحدة المنافقين ، وكان مبدأ ضلالهم تصديق الرافضة في أكاذيبهم  التي يذكرونها في تفسير القرآن والحديث ، كأئمة العُبيْديين إنما يقيمون مبدأ دعوتهم بالأكاذيب  التي اختلقتها الرافضة ، ليستجيب لهم بذلك الشيعة الضُلاَّل ، ثم ينقلون الرجل من القدح في الصحابة ، إلى القدح في علىّ ، ثم في النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم في الإلهية ، كما رتبه لهم صاحب البلاغ الأكبر ، والناموس الأعظم . ولهذا كان الرفض أعظم باب ودهليز إلى الكفر والإلحاد .

        ثم نقول : ثانيا : الجواب عن هذه الآية حق من وجوه : الأول : أنا   نطالبه بصحة هذا النقل ، أو لا ُيذكر هذا الحديث على وجه تقوم به الحجة ؛ فإن مجرد عزوه إلى تفسير الثعلبى ، أو نقل الإجماع على ذلك من غير العالمين بالمنقولات ، الصادقين في نقلها ، ليس بحجة باتفاق أهل العلم ، إن لم نعرف ثبوت إسناده . وكذلك إذا روى فضيلة لأبى بكر وعمر ، لم يجز اعتقاد ثبوت ذلك بمجرد ثبوت روايته باتفاق أهل العلم .

       فالجمهور ـ أهل السنة ـ لا يثبتون بمثل هذا شيئا يريدون إثباته : لا حكما، ولا فضيلة ، ولا غير ذلك . وكذلك الشيعة .

    وإذا كان هذا بمجرده ليس بحجة باتفاق الطوائف كلها ، بطل الاحتجاج به . وهكذا القول في كل ما نقله وعزاه إلى أبى نُعيم أو الثعلبى أو النقاش أو ابن المغازلى ونحوهم .

       الثانى : قولـه : " قد أجمعوا أنها نزلت في علىّ " من أعظم الدعاوى الكاذبة ، بل أجمع أهل العلم بالنقل على أنها لم تنزل في علىّ بخصوصه ، وأن عليا لم يتصدق بخاتمه في الصلاة ، وأجمع أهل العلم بالحديث على أن القصة المروية في ذلك من الكذب الموضوع .

      وأما ما نقله من تفسير الثعلبى ، فقد أجمع أهل العلم بالحديث أن الثعلبى يروى طائفة من الأحاديث الموضوعات ، كالحديث الذي يرويه في أول كل سورة عن أبى أمامة في فضل تلك السورة ، وكأمثال ذلك . ولهذا يقولون : " هو كحاطب ليل " .   

      وهكذا الواحدى تلميذه ، وأمثالهما من المفسرين : ينقلون الصحيح والضعيف .

      ولهذا لما كان البغوى عالما بالحديث ، أعلم به من الثعلبى والواحدى ، وكان تفسيره مختصر تفسير الثعلبى ، لم يذكر في تفسيره شيئا من هذه الأحاديث الموضوعة  التي يرويها الثعلبى ، ولا ذكر تفاسير أهل البدع  التي ذكرها الثعلبى ، مع أن الثعلبى فيه خير ودين ، لكنه لا خبرة له بالصحيح والسقيم من الأحاديث ، ولا يمّيز بين السنة والبدعة في كثير من الأقوال .

      وأما أهل العلم الكبار : أهل التفسير ، مثل تفسير محمد بن جرير الطبري، وبقىّ بن مخلد ، وابن أبى حاتم ، وابن المنذر ، وعبد الرحمن بن إبراهيم دحيم ، وأمثالهم ـ فلم يذكروا فيها مثل هذه الموضوعات .

      دع من هو أعلم منهم ، مثل تفسير أحمد بن حنبل ، وإسحاق بن راهويه . بل ولا ُيذكر مثل هذا عند ابن حُميد ولا عبد الرزاق ، مع أن عبد الرزاق كان يميل إلى التشيع ، ويروى كثيرا من فضائل علىّ ، وإن كانت ضعيفة ، لكنه أجل قدرا من أن يروى مثل هذا الكذب الظاهر .

      وقد أجمع أهل العلم بالحديث على أنه لا يجوز الاستدلال بمجرد خبر يرويه الواحد ، من جنس الثعلبى والنقَّاش والواحدى ، وأمثال هؤلاء المفسرين ، لكثرة ما يروونه من الحديث ويكون ضعيفا ، بل موضوعا . فنحن لو لم نعلم كذب هؤلاء من وجوه أخرى ، لم يجز أن نعتمد عليه ، لكون الثعلبى وأمثاله رووه ، فكيف إذا كنا عالمين بأنه كذب ؟ ‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‍‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌! 

          وسنذكر إن شاء الله تعالى ما يبيّن كذبه عقلا ونقلا ، وإنما المقصود هنا بيان افتراء هذا المصنف أو كثرة جهله ، حيث قال : " قد أجمعوا أنها نزلت في علىّ " فيا ليت شعرى من نقل هذا الإجماع من أهل العلم العالمين بالإجماع في مثل هذه الأمور ؟ فإن نقل الإجماع في مثل هذا لا يُقبل من غير أهل العلم بالمنقولات ، وما فيها من إجماع واختلاف .

فالمتكلم والمفسّر والمؤرخ ونحوهم ، لو ادّعى أحدهم نقلا مجرداً بلا إسناد ثابت لم يُعتمد عليه ، فكيف إذا ادّعى إجماعا ؟ ! 

 

    الوجه الثالث : أن يقال : هؤلاء المفسرون الذين نقَلَ من كتبهم ، هم ـ ومن هم أعلم منهم ـ قد نقلوا ما يناقض هذا الإجماع المدَّعَى ، والثعلبى قد نقل في تفسيره أن ابن عباس يقول : نزلت في أبى بكر . ونقل عن عبد الملك : قال : سألت أبا جعفر ، قال : هم المؤمنون . قلت : فإن ناسا يقولون : هو علىّ . قال : فعلىُّ من الذين آمنوا . وعن الضحاك مثله .

      وروى ابن أبى حاتم في تفسيره عن أبيه قال : حدثنا أبو صالح كاتب الليث ، حدثنا معاوية بن صالح ، حدثنا علىّ بن أبى طلحة ، عن ابن عباس في هذه ، قال: " كل من آمن فقد تولَّى الله ورسوله والذين آمنوا " . قال : وحدثنا أبو سعيد الأشجّ عن المحاربىّ ، عن عبد الملك بن أبى سليمان ، قال : سألت أبا جعفر محمد بن علىّ عن هذه الآية ، فقال : " هم الذين آمنوا " . قلت : نزلت في علىّ ؟ قال : علىّ من الذين آمنوا . وعن السدى مثله .

      الوجه الرابع : أنّا نعفيه من الإجماع ، ونطالبه أن ينقل ذلك بإسناد واحد صحيح . وهذا الإسناد الذي ذكره الثعلبى إسناده ضعيف ، فيه رجال متهمون . وأما نقل ابن المغازلى الواسطى فأضعف وأضعف ، فإن هذا قد جمع في كتابه من الأحاديث الموضوعات ما لا يخفى أنه كذب عَلىَ من له أدنى معرفه بالحديث ، والمطالبة بإسناد يتناول هذا وهذا .

      واستمر شيخ الإسلام إلى أن ذكر تسعة عشر وجها .

      والملاحظ أن ابن المطهر كان أكثر ترتيبا وتنظيما من خلفه رافضى المراجعات ، وأنه كان ضالا غاليا رافضيا خبيثا ، ومع هذا كله كان أقل فحشا وسوءا من عبد الحسين .

      والملاحظ أيضا أن عبد الحسين ذكر المراجع  التي رجع إليها ابن المطهر ، غير أنه أضاف إليها مراجع أخرى ، فأكثر من النقل من الصواعق المحرقة ، وسيأتي الحديث عنه لفضح منهج هذا الرافضي في نقله من الكتب ، كما نقل من مراجع تحتاج إلى وقفة خاصة .

      من هذه المراجع صحيح البخاري !

      ومن المسلم به بين جمهور الأمة أنه أصح كتاب بعد كتاب الله تعالى ، فكيف يستدل به هذا الرافضي ؟ ! وما عهدناه  يستدل بغير الموضوع والباطل . فلننظر ماذا أخذ من صحيح البخاري .

      قال الرافضي : وقال ـ أي الله عز وجل فيهم وفى خصومهم :

" هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِّن نَّارٍ يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ"  ( 19 : الحج )

      وقال في الحاشية : أخرج البخاري في تفسير سورة الحج بالإسناد إلى علي قال : أنا أول من يجثو بين يدى الرحمن للخصومة يوم القيامة . ( قال البخاري ) : قال قيس : وفيهم نزلت : " هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ   " ، قال : هم الذين بارزوا يوم بدر : على وصاحباه حمزة وعبيدة ، وشيبة بن ربيعة وصاحباه عتبة بن ربيعة والوليد بن عتبة .

       قلت : نزول هذه الآية الكريمة في الذين بارزوا يوم بدر من المسلمين وكفار قريش أخرجه الإمام البخاري في التفسير وفى المغازي من صحيحه ، كما أخرجه غيره . والاختصام هنا واضح أنه بين المسلمين وغيرهم وهم الكفار، وبينت الآية الكريمة جزاء الذين كفروا  ، وما سيلقونه في جهنم .

       ومن المعلوم أن الذين خرجوا للمبارزة أولا كانوا من الأنصار ، فرفض المشركون ، فخرج هؤلاء الثلاثة الكرام . وكان خلفهم جيش المسلمين بقيادة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ، ومعه أبو بكر الصديق في العريش ، وهو مركز القيادة ، وليس معه غيره . وممن شهد  بدرا عمر وعثمان ([1][230]) رضي الله عنهم جميعا . والرافضى جعل هذه المراجعة لحجج الكتاب  التي تثبت ما عليه الرافضة من القول بإمامة على ومن بعده ، وتبطل ما عليه جمهور المسلمين من مبايعة أبى بكر بالخلافة ، ومن بعده من الخلفاء الراشدين . وهذا يعنى أن الرافضي ـ لعنة الله عليه ـ جعل الرافضة وحدهم هم المسلمين ، وجعل الخلفاء الراشدين الثلاثة ومن بايعوهم هم الذين كفروا ، وقطعت لهم ثياب من نار .

      أي أن الآية الكريمة ـ بحسب فريته ـ لم تجعل الاختصام بين المسلمين وكفار قريش ، وإنما في أهل بدر أنفسهم ممن كانوا مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأولهم من كان معه في العريش حيث كان أول الخلفاء الراشدين بعد ذلك .

    

       فالرافضى أخذ الخبر الصحيح من البخاري ، ثم وضع أهل بدر ـ رضي الله عنهم ورضوا عنه ـ بدلا من كفار قريش ! ! انظر كيف يفترى علىالكذب !      ( ومع كل هذا الكفر والفجور فسينسب للإمام البشرى إعجابه بحججه ، واتهامه لمن خالف هذا الرافضي ! ولذلك أثبت يقينا أن المراجعات المنسوبة لشيخ الأزهر البشرى ، علامة زمانه ، افتراها عليه الرافضي عبد الحسين )

       هذا هو أحد خبرين أخذهما من صحيح البخاري .

      وإليك الخبر الثانى :

  قال تعالى :" إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا" (56: الأحزاب )

      نقل الرافضي عن البخاري ومسلم أيضا ما يأتي :

       " فقالوا : يا رسول الله أما السلام عليك فقد عرفناه ، فكيف الصلاة عليك ؟  قال : قولوا : اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد ، الحديث " ثم قال      الرافضي :   " فعلم بذلك أن الصلاة عليهم جزء من الصلاة المأمور بها في هذه الآية " . ا . هـ.

     قلت : هذه رواية متفق على صحتها ، ولكن من الآل ؟

     ذكرت عند آية التطهير أن طائفة من العلماء احتجوا على أن الآل هم الأزواج والذرية بما جاء في الصحيحين عن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ عندما سئل : كيف نصلى عليك ؟ فقال : " قولوا : اللهم صلّ على محمد وعلى أزواجه وذريته ، كما صليت على آل ابراهيم ، وبارك على محمد وأزواجه وذريته . . . إلخ "   فهذه الرواية مفسرة للرواية الأولى . ونحن نعرف موقف الرافضة من أمهات المؤمنين .

      والرافضة يزعمون أن فرقتهم هي مذهب أهل البيت في الأصول والفروع ، وزعمهم يحتاج إلى وقفة من البداية لتجلية هذا الأمر ، وإزالة هذا اللبس والتلبيس ، فقد كان لهذا أثره على السذج من الناس الذين لا يعرفون حقيقةهذه الفرقة .

      ومن المعروف أن عشرات الفرق من الشيعة ينازع بعضها بعضا في هذا الزعم ، بل إن عبد الله بن سبأ ـ الذي وضع فكرة الوصي بعد النبي صلى الله عليه وسلم وتبنتها فرق الغلاة ـ يزعم أنه هو نفسه من أتباع أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم .

      ونحدد أولا المراد بالأهل :

      جاء في المعجم الوسيط تحت مادة أهل :

      أهل يأهل أهلا وأهولا : تزوج ، وأهل المكان أهولا : عمر بأهله ، وأهل فلانة : تزوجها .

      والأهل : الأقارب والعشيرة والزوجة .

      وأهل الدار ونحوها : سكانها .

      وفى معجم ألفاظ القرآن الكريم لمجمع اللغة العربية قال في مادة أهل :أهل : يحدد معناه بما يضاف إليه .

      فأهل الرجل : زوجه ، وعشيرته ، وذوو قرباه .

      وأهل الدار : سكانها .

       وأهل الكتاب ، وأهل الإنجيل ، وأهل القرية ، وأهل المدينة ، ... إلخ : من يجمعهم الكتاب ، أو الإنجيل ... إلخ .

      ثم أشار إلى الآيات الكريمة  التي ورد فيها كلمة أهل .

      وروى الإمام البخاري بسنده عن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال :

      " بنى على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بزينب بنت جحش بخبز ولحم ، فأرسلت على الطعام داعيا ... فخرج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فانطلق إلى حجرة عائشة فقال : السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله ، فقالت : وعليك السلام ورحمة الله ، كيف وجدت أهلك ؟ بارك الله لك .. فتقرى حجر نسائه كلهن ، يقول لهن كما يقول لعائشة ، ويقلن له كما قالت عائشة ([2][231]) .

      من هذا نرى أن أهل بيت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ هم : زوجاته أمهات  المؤمنين ـ رضي الله تعالى عنهن ، وذريته وذوو قرباه ـ رضي الله تعالى   عنهم : كعلى بن أبى طالب ، وابن عباس وأبيه ، وجعفر ، وغيرهم . وأهل السنة والجماعة يقدرون أهل البيت جميعا حق قدرهم ، وينزلون هؤلاء الأطهار   منزلتهم ، ويأخذون بما صح عنهم من الأحاديث و الآثار ، وكتبنا تشهد بذلك : انظر مثلا ما روى عن فضائلهم في كتب السنة المشرفة ، وما روى عنهم من الأحاديث الشريفة والآثار .

       والرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يختص أحدا بعلم دون غيره ، وإنما علم صحابته الكرام ، وأهل بيته الأطهار ، وعلى الأخص زوجاته أمهات المؤمنين .

       والصحابة الكرام جميعا ـ سواء منهم من كان من أهل البيت ومن كان من غيرهم من المهاجرين والأنصار ، هم خير أمة أخرجت للناس ، شهد لهم ربهم عز وجل في كثير من آيات كتابه البينات المحكمات ، وكفى بالله شهيدا ، وشهد لهم الرسول صلى الله عليه وسلم ، وما أعظم شهادة من لا ينطق عن الهوى ، المبلغ والمبين عن الله ـ سبحانه وتعالى .

      وعن هؤلاء الصحابة الكرام ، الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه ، نقل إلينا كتاب ربنا العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وسنة نبينا المطهرة ، وما يتصل بهما من البيان والأحكام ، فتم علينا نعمة الله ـ تبارك وتعالى . 

ولذلك اشتهر قول أبى زرعة الرازى :

      " إذا رأيت الرجل ينتقص أحدا من أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فاعلم أنه زنديق . وذلك أن القرآن حق ، والرسول حق ، وما جاء به حق . وما أدى إلينا ذلك كله إلا الصحابة فمن جرحهم إنما أراد إبطال الكتاب والسنة ، فيكون الجرح به أليق ، والحكم عليه بالزندقة والضلال أقوم وأحق " .

      هذا موقف جمهور المسلمين من خير القرون ، فما موقف عبد الحسين وفرقته ؟

      أما موقفهم من غير أهل البيت من الصحابة الكرام ، فليس موقف انتقاص فقط كما قال أبو زرعة ، وإنما سنجد في كتبهم  التي قال عنها عبد الحسين في مراجعات تأتى فيما بعد : بأنها مقدسة ، ومتواترة ـ ما يشيب لهوله الولدان . سنجد الطعن والتفسيق ، بل التكفير والنفاق .. لمن ؟ لخير أمة أخرجت للناس !! وسيأتي هذا مفصلا في موضعه من كتابنا هذا .

      وما موقفهم من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟  أمهات المؤمنين ، وهن أول المراد من أهل البيت ، فهن : الصديقة بنت الصديق ، عائشة ـ رضي الله عنهما ـ المعلوم منزلتها عند رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومنزلتها العلمية وما استدركته على الصحابة ...إلخ ، غير أنها بنت خير البشر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم كما روى متواترا عن على رضي الله تعالى عنه ، وعن غيره ، وهذه الفرقة ترى أنه أول من اغتصب الخلافة ، وموقف أم المؤمنين من أمير المؤمنين على معروف ـ وإن نقل مشوها ، ولذلك فهم لا يأخذون شيئا من علمها الذي علمها إياه زوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بل يعتبرونها ـ والعياذ بالله ـ كافرة لأنها اشتركت في الحرب ضد الإمام ، وهذا واضح فيما سبق من بيان عقيدة الإمامة عندهم .

      وأم المؤمنين حفصة لم تسلم من طعن هذه الفرقة ، لموقفهم من أمير المؤمنين عمر الفاروق ـ رضي الله عنه : ففي قوله تعالى :

" ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا "([3][232]) نرى الطعن في تفسير هذه الفرقة :

      يقول أحد علمائهم ، بل علامتهم المجلسى : " لا يخفى على الناقد البصير والفطن الخبير ما في تلك الآيات من التعريض ، بل التصريح بنفاق عائشة وحفصة وكفرهما !! " ([4][233]) .

      كما طعنوا في أمهات المؤمنين : أم حبيبة ، وصفية وسودة رضي الله تعالى عنهن  ([5][234]). ( انظر إلى ما ذكره عبد الحسين من الكتب المقدسة  التي تحمل علم أهل البيت !! )

      ولم يقف الأمر عند أمهات المؤمنين ، بل طعنوا في غيرهن من أهل البيت : فهذا مثلا عبد الله بن عباس ، حبر الأمة وترجمان القرآن ، وأبوه عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ماذا قالوا فيهما ؟

      من أهم كتبهم وأقدمها التي يرى عبد الحسين وغيره أن كل ما جاء فيه صحيح : تفسير على بن إبراهيم القمي ، وستأتى دراسة مفصلة لهذا الكتاب ، ونجد القمي يروى أن ابن عباس ، وأباه ، نزل فيهما قوله تعالى : " وَمَن كَانَ فِي هَـذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً"  ([6][235]) ، وفى أبيه نزل قوله تعالى : " وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ اللّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ   " ([7][236])

        ولم يقف أمر هؤلاء القوم عند هذا الحد ، بل تجرءوا على بنات النبي صلى الله عليه وسلم غير السيدة فاطمة الزهراء رضي الله تعالى عنهن جميعا وأرضاهن ! أي والله بنات النبي نفسه صلى الله عليه وسلم !

      فقوم عبد الحسين لا يريدون أن يكون لأحد شرف مصاهرة النبي صلى الله عليه وسلم  غيرعلى رضي الله تعالى عنه ، ولذلك الذين اجترءوا على القرآن الكريم وقالوا بتحريفه ، منهم من ذكر أن سورة الشرح أسقط الصحابة منها : وجعلنا عليا صهرك([8][237]) .

      فإذا كان علي من أهل البيت ، وله شرف الزواج من إحدى بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإن عثمان من أهل البيت أيضا([9][238]) ، وله شرف الزواج من اثنتين ـ لا واحدة فقط من بنات النبي الطاهرات صلى الله عليه وسلم ، فرقية تزوجها بعد إسلامه ، وهاجر بها إلى الحبشة ، ثم إلى المدينة حيث ماتت بعد بدر بثلاثة أيام . وأصغر بنات الرسول صلى الله عليه وسلم هي أم كلثوم ، كانت لابن عمها عتبة بن أبى لهب ، وطلقها قبل أن يدخل بها ، وكانت هي  التي لا تزال بغير زواج بعد أن تزوج على أختها فاطمة الزهراء  ، فتزوجها عثمان بعد موت أختها رقية عنده سنة ثلاث من الهجرة .

      أما أكبر بنات النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهن جميعا ـ فهى زينب ، تزوجها أبو العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف . وهو ابن هالة بنت خويلد أخت السيدة خديجة رضي الله عنها ، وهو كما نرى من نسبه يعد من أهل البيت .

      هؤلاء هن بنات النبي الأربعة ، والأزواج الثلاثة ، فما موقف هذه الفرقة من هؤلاء السبعة ، وهم جميعا من أهل البيت ؟

      رأينا من قبل عند بيان عقيدتهم في الإمامة كيف أنهم جعلوا فاطمة الزهراء وزوجها ـ رضي الله تعالى عنهما ـ فوق الملائكة المقربين والأنبياء المرسلين ، فيعتبر هذا عندهم من ضروريات المذهب ، أي أن من لم يعتقد هذا فليس مؤمنا ، وواضح أن هذا من مقالات الغلاة وعقائدهم الباطلة وذو النورين بايع الشيخين ، وتولى الخلافة بعدهما ، فهو في زعمهم ممن اغتصب هذا المنصب الإلهي ، ولذلك فإن كتبهم ـ التي أشار إليها عبد الحسين واعتبرها مقدسة متواترة ـ تجعله من الكفار والمنافقين والعياذ بالله .

      وأبو العاص ولدت له زينب ابنته أمامه التي جاء في الصحيحين أن الرسول صلى الله عليه وسلم حملها وهو يصلى . وتزوج على أمامه هذه بعد موت خالتها فاطمة . ومات أبو العاص في خلافة أبى بكر الصديق في ذى الحجة سنة اثنتى عشرة([10][239]).

      أما أخوات الزهراء الطاهرات فماذا قالوا عنهن ؟

      قال أحد علمائهم : " رقية وزينب كانتا ابنتى هالة أخت خديجة ، ولما مات أبوهما ربيتا في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم فنسبتا إليه كما كانت عادة العرب في نسبة المربى إلى المربى . وهما اللتان تزوجهما عثمان بعد موت زوجيهما "([11][240]) . ا . هـ .

      ومعلوم أن زينب بنت خير البشر صلى الله عليه وسلم لم يتزوجها عثمان ، ولم يمت زوجها قبلها ، فقد مات في خلافة أبى بكر ـ كما ذكر من قبل ـ زوجها أبو العاص . أما هي فقد ماتت في أول سنة ثمان من الهجرة . وأخرج مسلم في الصحيح بسنده عن أم عطية قالت : لما ماتت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " اغسلنها وترا ، ثلاثا أو خمسا ، واجعلن في الآخرة كافورا " .

      وزوجها أبو العاص ابن هالة بنت خويلد أخت السيدة خديجة ، فهل تزوج أخته بنت أمه هالة ؟ !

      أفيعتبر هذا المفترى الكذاب من أتباع أهل البيت ؟‍ ‍! أم أن أهل البيت الأطهار منه براء ، ومن أمثاله سائر الغلاة الروافض ؟

      أما الطاهرتان رقية و أم كلثوم فهما اللتان تزوجهما ذو النورين . وفى كتاب منهاج الشريعة ، الذي ألفه محمد مهدى للرد على منهاج السنة النبوية لشيخ الإسلام ابن تيمية ، جاء الحديث عن أختى الزهراء ـ رضي الله عنهن ـ في أكثر من موضع .

        ومما قاله : " ما زعمه ـ أي ابن تيمية ـ من أن تزويج بنتيه لعثمان فضيلة له من عجائبه ، من حيث ثبوت المنازعة في أنهما بنتاه " ([12][241]) وقال : " لم يرد شىء من الفضل في حق من زعموهن شقيقاتها بحيث يميزن به ولو عن بعض     النسوة " ([13][242]).

        وقال : " قد عرفت عدم ثبوت أنهما بنتا خير الرسل ـ صلى الله عليه وسلم وعدم وجود فضل لهما تستحقان به الشرف والتقدم على غيرهما " ([14][243]).

      أهؤلاء إذن أتباع مذهب أهل البيت ؟ أم أعداء أهل البيت الأطهار ؟ وما الفرق بينهم وبين دعوى ابن سبأ وحقيقته ؟

       ولتأكيد أن الرافضة كاذبون في زعمهم حب آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، نذكر شيئا من سيرة آل البيت الأطهار يفضح هؤلاء الرافضة :

      زوج على ابنته عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما ، وهذا يؤكد معنى طيبا يجمع بين الخليفتين الراشدين يفهمه أي عاقل ، فإذا بالرافضة يقولون : " ذاك فرج غصبناه " !! ويفترون روايات تذكر أن عليا زوج ابنته خوفا من عمر وتهديده له !! ( انظر وسائل الشيعة 14 / 433 ـ 434 ) .

        وهذا ليس إساءة إلى عمر وحده  كما يظهرون ، وإنما هو إساءة أشد إلى على الذي يسلبه ما عرف عنه من شجاعة وإقدام ، فيبدو ذليلا جبانا !! وسيأتي لهذا مزيد بيان في الجزء الرابع عند الحديث عن النكاح .

      ونترك هذا ونأتى إلى ما يبين مدى حب آل البيت الأطهار للخلفاء الراشدين الثلاثة الذين عرفنا موقف الرافضة منهم ، وسأترك كتب جمهور المسلمين وآتى إلى كتاب من كتب الشيعة ألفه السيد أبو القاسم الخوئى الذي كان المرجع الأعلى للشيعة بالعراق ، وهو كتاب معجم رجال الحديث :

     ونقرأ في هذا الكتاب الأرقام الآتية للتراجم وهى :

( 7618 ، 8729 ، 8731 ، 8787 ، 8788 ، 14000 ، 14002 ) .

هذه التراجم لسبعة رجال فمن هم ؟

      كلهم من آل البيت الأطهار ، وكلهم أبو بكر أو عمر أو عثمان .. تأمل ! فأما الإمام على فقد اختار أسماء إخوانه الثلاثة جميعا فسمى بهم أبناءه ، منهم أبو بكر و عثمان اللذان قتلا مع أخيهما الحسين في واقعة الطف . وقتل أيضا عمر مع أبيه الحسين ، وأبو بكر بن الحسن مع عمه الحسين ، وعمر بن الحسن مع عمه الحسين.

     هؤلاء آل البيت الأطهار : على والحسن والحسين ، وأولادهم أبو بكر وعمر وعثمان ، فاعتبروا يا أولى الأبصار ، وتدبروا سيرة آل البيت الأطهار ، وبراءتهم من الرافضة الفجار .

وفى كتاب كشف الأسرار ( ص 17 ،18) يقول السيد حسين الموسوي تحت عنوان :

الحقيقة في انتساب الشيعة لأهل البيت : "إن من الشائع عندنا معاشر الشيعة ، اختصاصنا بأهل البيت ، فالمذهب الشيعي كله قائم على محبة أهل البيت – حسب رأينا – إذ الولاء والبراء مع   العامة – وهم أهل السنّة – بسبب أهل البيت ، والبراءة من الصحابة ، وفى مقدمتهم الخلفاء الثلاثة ، وعائشة بنت أبى بكر بسبب الموقف من أهل البيت ، والراسخ في عقول الشيعة جميعاً صغيرهم وكبيرهم ، عالمهم وجاهلهم ، ذَكَرهم وأنثاهم ، أنّ الصحابة ظلموا أهلّ البيت ، وسفكوا دماءهم واستباحوا حرماتهم .

       وإن أهل السنّة ناصبوا أهل البيت العداء ، ولذلك لا يتردد أحدنا في تسميتهم بالنواصب ، ونستذكر دائماً دم الحسين الشهيد رضي الله عنه ولكن كُتبنا المعتبرة عندنا تُبيّن لنا الحقيقة ، إذ تذكر لنا َتذمُّرَ أهلِ البيت صلوات الله عليهم من شيعتهم ، وتذكر لنا ما فعله الشيعة الأوائل بأهل البيت ، وتذكر لنا من الذي سفك دماء أهل البيت عليهم السلام ، ومن الذي تسبب في مقتلهم واستباحة حرماتهم .

     قال أمير المؤمنين رضي الله عنه : " لو ميزت شيعتى لما وجدتهم إلا واصفة ، ولو امتحنتهم لما وجدتهم إلا مرتدين ، ولو تمحّصتهم لما خلص من الألف واحد " " الكافى / الروضة " (8/338)  

      وقال أمير المؤمنين رضي الله عنه : " ياأشباه الرجال و لا رجال ، حلوم الأطفال وعقول ربات الحجال ، لّوددت ُ أنّى لم أركم ولم أعرفكم ، معرفةُ جرّت والله ندماً وأعقبت سَدَماً ([15][244])… قاتلكم الله ! لقد ملأتم قلبي قيحاً ، وشحنتم صدري غيظاً ، وجرَّعتمونى نغب التهمام أنفاسا ، وافسدتم علي رأيي بالعصيان والخذلان ، حتى لقد قالت قريش : إن ّ ابن أبى طالب رجل شجاع ولكن لا علم َ له بالحرب ، ولكن ْ لا رأي َ لمن لا يطاع " . " نهج البلاغة " ( ص 70، 71)

      وقال لهم موبّخاً : منيت بكم بثلاث ، واثنتين : " صُمُّ ذوو أسماع ، وبكم ذوو كلام ، وعُمْى ذوو أبصار ، لا أحرار وصُدُق‘ عند اللقاء ، ولا إخوان‘ ثقة عند البلاء ... قد انفرجتم عن ابن أبى طالب انفراجَ المرأة عن قُبُلها " . " نهج البلاغةَّ " ( ص 142)

     قال لهم ذلك بسبب تخاذلهم وغدرهم بأمير المؤمنين رضي الله عنه ، وله فيهم كلام كثير .

     وقال الإمام الحسين رضي الله عنه في دعائه على شيعته : " اللهم إنْ متَّعهم إلى حين ففرقهم فرقاً ، واجعلهم طرائق قدداً ، ولا تُرْضِ الولاة عنهم أبداً ، إنَّهم دَعَوْنا لينصـرونا ثم عَدَْوا علينـا فقتلونـا " . " الإرشاد المفيد " ( ص 241).

       وقد خاطبهم مرة أخرى ودعا عليهم ، فكان مما قال :

    " لكنكم استسرعتم إلى بيعتنا كطيرة الدباء ، وتهافتم كتهافت الفراش ، ثم نقضتموها ، سفهاً وبعداً وسحقاً لطواغيت هذه الأمة وبقية الأحزاب ونَبَذَةِ الكتاب ، ثم أنتم هؤلاء تتخاذلون عنا وتقتلوننا ، ألا لعنةُ الله على الظالمين " . " الاحتجاج " (2/24).

    وهذه النصوص تبيّن لنا مَنْ هم قتلةُ الحسين الحقيقيون ، إنهم شيعة أهل  الكوفة، أي أجدادنا ، فلماذا نُحَمل أهلَ السنة مسؤولية مقتل الحسين رضي الله عنه ؟!

            ولهذا قال السيد محسن الأمين : " بايع الُحسَيْنَ من أهل العراق عشرون ألفاً غدروا به وخرجوا عليه ، وبيعته في أعناقهم ، وقتلوه " . " أعيان الشيعة " ( القسم الأول)

 

       وقال الحسن رضي الله عنه: " أرى والله معاوية خيراً لي من هؤلاء ، يزعمون أنّهم لي شيعة ، ابتغوا قتلى وأخذوا مالى ، والله لأن آخذ من معاوية ما أحقنُ به من دمى ، وآمن به في أهلي خير من أن يقتلونى ، فيضيع أهل بيتي ، والله لو قاتلتُ معاوية لأخذوا بعنقى حتى يدفعوا بى إليه سلماً ، والله لأن أُسالمه وأنا عزيز خيرُ من أن يقتلنى وأنا  أسير " . " الاحتجاج " (2/10).

      وقال الإمام زين العابدين رضي الله عنه لأهل الكوفة : " هل تعلمون أنكم كتبتم إلى أبى وخدعتموه ، وأعطيتموه من أنفسكم العهد والميثاق ، ثم قاتلتموه وخذلتموه ... بأي عين تنظرون إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله يقول لكم : قاتلتم عترتى ، وانتهكتم حرمتى ؛ فلستم من أمتى " . " الاحتجاج " (2/32)

      وقال أيضاً عنهم : " إن هؤلاء يبكون علينا فَمَنْ قتلَنا غيرُهم ؟ " . " الاحتجاج " (2/29).

       وقال الباقررضي الله عنه : " لو كان الناس كلّهم لنا شيعة لكان ثلاثة أرباعهم لنا شكاكاً ، والربع الآخر أحمق " . " رجال الكشّي " (ص 79).

     وقال الصادق رضي الله عنه" أما والله لو أجد منكم ثلاثة مؤمنين يكتمون حديثى ما استحللت ُ أن أكتمهم حديثاً " . " أصول الكافى " (1/496).  انتهى . هذا بعض ما قاله العالم الشيعي .       

         بعد بيان موقف الرافضة من أهل البيت الأطهار نعود مرة أخرى للنظر في المراجع :

      ومن المراجع  التي ذكرها عبد الحسين تفسير مجاهد ، ومجاهد كما نعلم تلميذ حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس ـ رضي الله تعالى عنهما ـ وذكرت من قبل طعن الرافضة فيهما .

قال الرافضي :

      عن تفسير مجاهد ويعقوب بن سفيان عن ابن عباس في قوله تعالى :

" وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا "، أن دحية الكلبى جاء يوم الجمعة من الشام بالميرة ، فنزل عند أحجار الزيت ، ثم ضرب بالطبول ليؤذن الناس بقدومه، فنفر الناس إليه ، وتركوا النبي  صلى الله عليه وسلم قائما يخطب على المنبر إلا عليا والحسن والحسين وفاطمة وسلمان وأباذر والمقداد ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لقد نظر الله إلى مسجدى يوم الجمعة ، فلولا هؤلاء لأضرمت المدينة على أهلها نارا ، وحصبوا بالحجارة كقوم لوط . وأنزل الله فيمن بقى مع رسول الله في المسجد قوله تعالى :

"  يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ"   الآية .

       قلت : نظرت في تفسير مجاهد ، وهو مطبوع ، فلم أجد ما سبق . ثم نظرت في الدر المنثور ( 6 / 220 ـ 221 ) فوجدت الروايات المختلفة  التي ذكرت من بقى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم  تنص على أبى بكر وعمر . وأول هذه الروايات هي ما روى عن جابر بن عبد الله ، وفيها : " لم يبق منهم إلا اثنا عشر رجلا : أنا فيهم ، وأبو بكر ، وعمر " .

      والحافظ ابن حجر في الفتح عند شرحه لحديث جابر الذي أورده البخاري في كتاب الجمعه من صحيحه ، وفيه . " ما بقى مع النبي صلى الله عليه وسلم إلا اثنا عشر رجلا " قال ابن حجر :

      وأما تسميتهم فوقع في رواية خالد الطحان عند مسلم أن جابرا قال : " أنا فيهم " وله في رواية هشيم " فيهم أبو بكر وعمر " .

      ثم قال : وروى العقيلى عن ابن عباس " أن منهم الخلفاء الأربعة وابن مسعود وأناسا من الأنصار " .

      وليس في أي رواية من الروايات كلها ذكر للحسن أو الحسين .

      أما الآية الأخيرة وهى رقم 36 من سورة النور فلم يذكر في تفسيرها وأسباب النزول ما ذكره الرافضي من أن الرافضة هم رجال التسبيح !! فقد أخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما:-

" فِي بُيوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ " الآية   قال : هي المساجد تكرم ونهى عن اللغو فيها "وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ"  يتلى فيها كتابه " يُسَبِّحُ " يصلى " لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ "  صلاة الغداة " وَالْآصَالِ  " صلاة العصر، وهما أول ما فرض الله من الصلاة ، وأحب أن يذكرهما ، ويذكرهما عباده.  ( الدر المنثور 5 / 50 ) .

      وأخرج ابن أبى حاتم عن الضحاك في قوله تعالى:- " رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ " قال : هم في أسواقهم يبيعون ويشترون، فإذا جاء وقت الصلاة لم يلههم البيع والشراء عن الصلاة .

         وأخرج عبد بن حميـد وابن جرير وابن أبى حاتم عن ابن عبــاس"  رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ...."  قال : عن شهود الصلاة المكتوبة . وأخرج الفريابى عن عطاء مثله .

          وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبى حاتم عن ابن عمر أنه كان في السوق ، فأقيمت الصلاة ، فأغلقوا حوانيتهم ، ثم دخلوا المسجد . فقال ابن عمر : فيهم نزلت " رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ " ( الدر المنثور 5 /52 ) .

      ولم أجد في جميع الروايات أن آية سورة النور نزلت فيمن بقى يوم الجمعة . ولو أنها نزلت فيهم فأولهم بلا ريب الصديق والفاروق كما جاء في الأخبار الصحيحة .

       قال الرافضي : أخرج المحدثون والمفسرون وأصحاب الكتب في أسباب النزول بأسانيدهم إلى ابن عباس في قوله تعالى : " الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً " ( 274 : البقرة )

قال : نزلت في على بن أبى طالب .

      قلت : أصحاب الكتب ذكروا عليا وغيره ، فقالوا : نزلت في أصحاب الخيل، فيمن يربطها في سبيل الله لا رياء ولا سمعة . ولا خيلاء ، وقالوا : نزلت في عبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان في نفقتهم في جيش العسرة . ( انظر أصحاب هذه الكتب ورواياتهم في الدر المنثور 1 / 363 ) وما أكثر الصحابة الكرام الذين كانوا ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية ! ومثل على ما كان ليبخل لو كان عنده مال ، لكنه لم يكن كثير المال كما هو معلوم ، وأصحاب الأموال الذين كانوا ينفقونها في سبيل الله مشهود لهم ، وأولهم أبو بكر الصديق ، الذي نزل فيه قول الله تعالى :

"وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّىوَمَا لِأَحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى إِلَّا ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَىوَلَسَوْفَ يَرْضَى".

      والمحدثون والمفسرون وأصحاب الكتب لم يذكروا أحدا آخر غير أبى بكر الصديق . ( انظر جميع الروايات في الدر المنثور 6 / 359 ـ 360 ) ولذلك فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : " إن أمن الناس على في صحبته وماله أبو بكر " وقال : " وواسانى بنفسه وماله " ( راجع صحيح البخاري ـ كتاب فضائل الصحابة تجد الحديثين الشريفين وغيرهما من فضائل الصديق ، وأنه أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم . ومن شهد له الله ـ عزوجل ، والرسول صلى الله عليه وسلم ، يأتي هذا الرافضي فيقول بكفره ، وأنه الجبت ، وكفر الأمة الإسلامية  التي أقرت بيعته ، وبعد هذا العداء للإسلام وأهله ينسب الرافضي اللعين نفسه لأهل البيت الأطهار !! ثم يفترى الكذب على الإمام الأكبر شيخ الأزهر فينسب له أنه وافقه بل أعجب بهذا التكفير !! ) .

قال الرافضي :

      وفى جميل بلائهم وجلال عنائهم قال الله تعالى:  وَمِنَ الناسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَاد  ([16][245])

      ثم قال : أخرج الحاكم ( 3 ، 4 ) عن ابن عباس قال : " شرى على نفسه ولبس ثوب النبي " الحديث . وأخرج أيضا عن على بن الحسين قال : " إن أول من شرى نفسه ابتغاء رضوان الله على بن أبى طالب إذ بات على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم " . ا . هـ .

       قلت : لا شك أن عليا رضي الله تعالى عنه قد شرى نفسه حتى ولو لم يصح الخبر عن ابن عباس ، لكن الروايات كلها لم تخصه بسبب النزول ، لا عند   الحاكم ولا عند غيره ، بل إن الحاكم في الجزء نفسه ذكر أن الآية الكريمة نزلت في صهيب ، وصحح الخبر ، ولم يتعقبه الذهبي ( 3 / 398 ) .

       وقبل أن أنتقل إلى نقطة أخرى أحب أن أصفع هذا الرافضي وأمثاله بحديث شريف أخرجه الحاكم الذي عرف عنه التشيع وهو ما رواه بسنده عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن الله تبارك وتعالى اختارنى ، واختار لي أصحابا ، فجعل لي منهم وزراء وأنصارا وأصهارا . فمن سبهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين . لا يقبل منه يوم القيامة صرف ولا عدل " .

       قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي ( جـ 3 ص 632 )

       إذن عندما نلعن هذا الرافضي فإننا ننفذ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقد سب الصحابة الكرام وعلى الأخص خيرهم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم . وهو أبو بكر الصديق ، فعمر الفاروق ، بل قال بأنهما الجبت والطاغوت ، والصحابة الذين بايعوهما كفار آمنوا بالجبت والطاغوت !

       فمن كان عدوا لهؤلاء فهو عدو لله ولرسوله وملائكته ، يستحق ما ذكره الرسول صلى الله عليه وسلم من اللعنة والخسران يوم القيامة .

      إذن يجب أن نضع الأمور في نصابها ، ونزنها بميزان الشرع وحكم الله تعالى ورسوله الكريم ، حتى لا يأتىأحد ويقول : كيف تلعن مسلما ؟ وأين أنت من دعوة التقريب ؟ ! أقول : قد لعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف لا نلعنه ؟ أما التقريب فهذا الرافضي له كتاب عنوانه " الفصول المهمة في تأليف الأمة " ، انتهى إلى وجوب أن ترتد الأمة كلها فتصبح رافضة مثله ! !

      فالتقريب إذن لا يكون مع مثل هذا الرافضي اللعين ، عدو الإسلام   والمسلمين ، وإنما يكون مع الشيعة من غير الرافضة .

 

الاستدلال بالأحاديث الموضوعة

            بعد تحريف القرآن الكريم لجأ الرافضة إلى الأحاديث الموضوعة ، سواء أكانت من وضعهم وأكاذيبهم أم من وضع غيرهم .

      وعندما نأتى إلى دراسة كتب السنة عندهم وتدوينها فسيتضح جليا أنها مبنية على الكذب والافتراء ، وموضع هذه الدراسة في الجزء الثالث من هذا الكتاب .

      ولكننا نقف هنا عند بعض الأحاديث التي ذكرها الرافضيان : ابن المطهر وعبد الحسين ، أحدهما أو كلاهما ، ونثبت جواب شيخ الإسلام ابن تيمية ، مع إضافة بعض ما كتبته في ردى على المراجعات المفتراة على شيخ الأزهر البشرى، والتى افتراها عبد الحسين . ونبدأ بالدليل الأول الذي ذكره ابن المطهر ، وجواب شيخ الإسلام .

حديث الدار

      هذا هو الدليل الأول عن ابن المطهر حيث قال :

      " المنهج الثالث في الأدلة المستندة إلى السنة ، المنقولة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وهى اثنا عشر .

       الأول : ما نقله الناس كافة أنه لما نزل قوله تعالى :

" وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ "( سورة الشعراء : 214) جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بنى عبد المطلب في دار أبى طالب ، وهم أربعون رجلا ، وأمر أن يصنع لهم فخذ شاة مع مد من البر ويعد لهم صاعا من اللبن ، وكان الرجل منهم يأكل الجذعة في  مقعد واحد ، ويشرب الفرق من الشراب في ذلك المقام ، فأكلت الجماعة كلهم من ذلك الطعام اليسير حتى شبعوا ، ولم يتبين ما أكلوه ، فبهرهم ( النبي صلى الله عليه وآله ) بذلك ، وتبين لهم آية نوبته ، فقال : يا بنى عبد المطلب ، إن الله بعثنى بالحق إلى الخلق كافة ، وبعثنى إليكم خاصة ، فقال : "وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ " وأنا أدعوكم إلى كلمتين خفيفتين على اللسان، ثقيلتين في الميزان ، تملكون بهما العرب والعجم ، وتنقاد لكم بهما الأمم ، وتدخلون بهما الجنة ، وتنجون بهما من النار : شهادة أن لا إله إلا الله ، وأنى رسول الله ، فمن يجيبني إلى هذا الأمر ، ويؤازرنى على القيام به يكن أخي ووزيرى ، ووصيي ووارثي ، وخليفتى من بعدى . فلم يجبه أحد منهم. فقال أمير المؤمنين : أنا يا رسول الله أؤازرك على هذا الأمر . فقال : اجلس. ثم أعاد القول مرة ثانية فصمتوا. فقال على : فقمت فقلت مثل مقالتى الأولى ، فقال : اجلس ثم أعاد القول ثالثة ، فلم ينطق أحد منهم بحرف ، فقمت فقلت : أنا أؤازرك يا رسول الله على هذا الأمر . فقال : اجلس فأنت أخي ووزيرى ، ووصيى ووارثى ، وخليفتى من بعدى. فنهض القوم وهم يقولون لأبى طالب : ليهنئك اليوم أن دخلت في دين ابن أخيك ، فقد جعل ابنك أميرا عليك " . ا. هـ

قال شيخ الإسلام :

      والجواب من وجوه : الأول : المطالبة بصحة النقل . وما ادعاه من نقل الناس كافة من أظهر الكذب عند أهل العلم بالحديث ، فإن هذا الحديث ليس في شىء من كتب المسلمين  التي يستفيدون منها علم النقل : لا في الصحاح ولا في المساند والسنن والمغازى والتفسير  التي يذكر فيها الإسناد الذي يحتج به ، وإذا كان في بعض كتب التفسير  التي ينقل منها الصحيح والضعيف ، مثل تفسير الثعلبى والواحدى والبغوى ، بل وابن جرير وابن أبى حاتم ، لم يكن مجرد رواية واحد من هؤلاء ، دليلا على صحته باتفاق أهل العلم ؛ فإنه إذا عرف أن تلك المنقولات فيها صحيح وضعيف ، فلابد من بيان أن هذا المنقول من قسم الصحيح دون الضعيف .

      وهذا الحديث غايته أن يوجد في بعض كتب التفسير  التي فيها الغث والثمين، وفيها أحاديث كثيرة موضوعة مكذوبة ، مع أن كتب التفسير  التي يوجد فيها هذا مثل تفسير ابن جرير وابن أبى حاتم والثعلبى والبغوى ، ينقل فيها بالأسانيد الصحيحة ما يناقض هذا ، مثل بعض المفسرين الذين ذكروا هذا في سبب نزول الآية ، فإنهم ذكروا مع ذلك بالأسانيد الصحيحة الثابتة  التي اتفق أهل العلم على صحتها ما يناقض ذلك ، ولكن هؤلاء المفسرين ذكروا ذلك على عادتهم في أنهم ينقلون ما ذكر في سبب نزول الآية من المنقولات الصحيحة . والضعيفة ، ولهذا يذكر أحدهم في سبب نزول الآية عدة أقوال ، ليذكر أقوال الناس وما نقلوه فيها ، وإن كان بعض ذلك هو الصحيح وبعضه كذب ، وإذا احتج بمثل هذا الضعيف وأمثاله واحد بذكر بعض ما نقل في تفسير الآية من المنقولات ، وترك سائر ما ينقل مما يناقض ذلك ـ كان هذا من أفسد الحجج ، كمن احتج بشاهد يشهد له ولم تثبت عدالته بل ثبت جرحه ، وقد ناقضه عدول كثيرون يشهدون بما يناقض شهادته، أو يحتج برواية واحد لم تثبت عدالته بل ثبت جرحه ، ويدع روايات كثيرين عدول ، وقد رووا ما يناقض ذلك .

        بل لو قدر أن هذا الحديث من رواية أهل الثقة والعدالة ، وقد روى آخرون  من أهل الثقة والعدالة ما يناقض ذلك ، لوجب النظر في الروايتين : أيهما أثبت وأرجح ؟ فكيف إذا كان أهل العلم بالنقل متفقين على أن الروايات المناقضة لهذا الحديث هي الثابتة الصحيحة ، بل هذا الحديث مناقض لما علم بالتواتر ، وكثير من أئمة التفسير لم يذكروا هذا بحال لعلمهم أنه باطل .

الثانى :

      أنا نرضى منه من هذا النقل العام بأحد شيئين : إما بإسناد يذكره مما يحتج به أهل العلم في مسائل النزاع ، ولو أنه مسألة فرعية ، وإما قول رجل من أهل الحديث الذين يعتمد الناس على تصحيحهم . فإنه لو تناظر فقيهان في فرع من الفروع ، لم تقم الحجة على المناظرة إلا بحديث يعلم أنه مسند إسناداً تقوم به الحجة، أو يصححه من يرجع إليه في ذلك . فأما إذا لم يعلم إسناده ، ولم يثبته أئمة النقل ، فمن أين يعلم ؟ لا سيما في مسائل الأصول التي يبنى عليها الطعن  في سلف الأمة وجمهورها ، ويتوسل بذلك إلى هدم قواعد المسألة ، فكيف يقبل في مثل ذلك حديث لا يعرف إسناده ولا يثبته أئمة النقل ولا يعرف أن عالما صححه ؟!

الثالث :

       أن هذا الحديث كذب عند أهل المعرفة بالحديث ، فما من عالم يعرف الحديث إلا وهو يعلم أنه كذب موضوع ، ولهذا لم يروه أحد منهم في الكتب  التي يرجع إليها في المنقولات ، لأن أدنى من له معرفة بالحديث يعلم أن هذا كذب .

      وقد رواه ابن جرير والبغوى بإسناد فيه عبد الغفار بن القاسم بن فهد ، أبو مريم الكوفي ، وهو مجمع على تركه ، كذبه سماك بن حرب وأبو داود ، وقال أحمد : ليس بثقة ، عامة أحاديث بواطيل . قال يحيى : ليس بشئ . قال ابن المديني: كان يضع الحديث . وقال النسائي وأبو حاتم : متروك الحديث . وقال ابن حبان البستى : كان عبد الغفار بن قاسم يشرب الخمر حتى يسكر ، وهو مع ذلك يقلب الأخبار ، لا يجوز الاحتجاج به ، وتركه أحمد ويحيى .

      ورواه ابن أبى حاتم ، وفى إسناده عبد الله بن عبد القدوس ، وهو ليس بثقة . وقال فيه يحيى بن معين : ليس بشئ رافضى خبيث . وقال النسائي : ليس بثقة . وقال الدارقطنى : ضعيف .

      وإسناد الثعلبى أضعف ، لأن فيه من لا يعرف ، وفيه من الضعفاء والمتهمين من لا يجوز الاحتجاج بمثله في أقل مسألة .

الرابع :

      أن بنى عبد المطلب لم يبلغوا أربعين رجلا حين نزلت هذه الآية ؛ فإنها نزلت بمكة في أول الأمر . ثم ولا بلغوا أربعين رجلا في مدة حياة النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فإن بنى عبد المطلب لم يعقب منهم باتفاق الناس إلا أربعة : العباس ، وأبو طالب ، والحارث ، وأبو لهب . وجميع ولد عبد المطلب من هؤلاء الأربعة ، وهم بنو هاشم، ولم يدرك النبوة من عمومته إلا أربعة : العباس ، وحمزة ، وأبو طالب ، وأبو لهب ، فآمن اثنان ، وهما حمزة و العباس ، وكفر اثنان ، أحدهما نصره وأعانه ، وهو أبو طالب ، والآخر عاداه وأعان أعداءه ، وهو أبو لهب .

       وأما العمومة وبنو العمومة فأبو طالب كان له أربعة بنين : طالب ، وعقيل، وجعفر ، وعلى . وطالب لم يدرك الإسلام ، وأدركه الثلاثة ، فآمن على وجعفر في أول الإسلام ، وهاجر جعفر إلى أرض الحبشة ، ثم إلى المدينة عام خيبر .

         وكان عقيل قد استولى على رباع بنى هاشم لما هاجروا وتصرف فيها ، ولهذا لما قيل للنبي صلى الله عليه وسلم في حجته : " ننزل غدا في دارك بمكة " قال : " وهل ترك لنا عقيل من دار ؟ " 

      وأما العباس فبنوه كلهم صغار ، إذ لم يكن فيهم بمكة رجل . وهب أنهم كانوا رجالاً فهم : عبد الله ، وعبيد الله ، والفضل . وأما قثم فولد بعدهم ، وأكبرهم الفضل ، وبه كان يكنى . وعبد الله ولد في الشعب بعد نزول قوله : ‌‌‌‌‌‌" وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ   "(سورة الشعراء : 214 ) وكان له في الهجرة نحو ثلاث سنين أو أربع سنين ، ولم يولد للعباس في حياة النبي صلى الله عليه وسلم إلا الفضل وعبد الله وعبيد الله، وأما سائرهم فولدوا بعده.

      وأما الحارث بن عبد المطلب وأبو لهب فبنوهما أقل . والحارث كان له ابنان: أبو سفيان وربيعة ، وكلاهما تأخر إسلامه ، وكان من مسلمة الفتح .

      وكذلك بنو أبى لهب تأخر إسلامهم إلى زمن الفتح ، وكان له ثلاثة ذكور ، فأسلم منهم اثنان : عتبة ومغيث ، وشهد الطائف وحنينا ، وعتيبة دعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأكله الكلب ، فقتله السبع بالزرقاء من الشام كافراً. فهؤلاء بنو عبد المطلب لا يبلغون عشرين رجلا ، فأين الأربعون ؟ !

الخامس :

     قوله : " إن الرجل منهم كان يأكل الجذعة ويشرب الفرق من اللبن " فكذب على القوم ، ليس بنو هاشم معروفين بمثل هذه الكثرة في الأكل ، ولا عرف فيهم من كان يأكل جذعة ولا يشرب فرقا .

السادس :

      أن قوله للجماعة : " من يجيبنى إلى هذا الأمر ويؤازرنى على القيام به يكن أخي ووزيرى ووصيى وخليفتى من بعدى " كلام مفترى على النبي صلى الله عليه وسلم ، لا يجوز نسبته إليه . فإن مجرد الإجابة إلى الشهادتين والمعاونة على ذلك لا يوجب هذا  كله ؛ فإن جميع المؤمنين أجابوا إلى هاتين الكلمتين ، وأعانوه على هذا الأمر ، وبذلوا أنفسهم وأموالهم في إقامته وطاعته ، وفارقوا أوطانهم ، وعادوا إخوانهم ، وصبروا على الشتات بعد الألفة ، وعلى الذل بعد العز ، وعلى الفقر بعد الغنى ، وعلى الشدة بعد الرخاء ، وسيرتهم معروفة مشهورة ، ومع هذا فلم يكن أحد منهم بذلك خليفة له .

      وأيضا فإن كان عرض هذا الأمر على أربعين رجلا أمكن أن يجيبوه ـ أو أكثرهم أو عدد منهم ـ فلو أجابه منهم عدد من كان الذي يكون الخليفة بعده ؟ أيعين واحدا بلا موجب ؟ أم يجعل الجميع خلفاء في وقت واحد ؟ وذلك أنه لم يعلق الوصية والخلافة والأخوة والمؤازرة ، إلا بأمر سهل ، وهو الإجابة إلى الشهادتين، والمعاونة على هذا الأمر . وما من مؤمن يؤمن بالله ورسوله واليوم الآخر إلى يوم القيامة ، إلا وله من هذا نصيب وافر ، ومن لم يكن له من ذلك حظ فهو منافق ، فكيف يجوز نسبة مثل هذا الكلام إلى النبي َصلى الله عليه وسلم ؟ !

السابع :

      أن حمزة وجعفرا وعبيدة بن الحارث أجابوا إلى ما أجابه على من الشهادتين والمعاونة على هذا الأمر ؛ فإن هؤلاء من السابقين الأولين الذين آمنوا بالله ورسوله في أول الأمر . بل حمزة أسلم قبل أن يصير المؤمنون أربعين رجلا ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم في دار الأرقم بن أبى الأرقم ، وكان اجتماع النبي صلى الله عليه وسلم به في دار الأرقم ، ولم يكن يجتمع هو وبنو عبد المطلب كلهم في دار واحدة ، فإن أبا لهب كان مظهراً لمعاداة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولما حصر بنو هاشم في الشعب لم يدخل معهم أبو لهب .

الثامن :

     أن الذي في الصحاح من نزول هذه الآية غير هذا . ففي الصحيحين عن ابن عمر وأبى هريرة ـ واللفظ له ـ عن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزلت :  " وَأَنذِرْ عَشِيرَتكَ الْأَقْرَبِينَ   "(سورة الشعراء : 214 ) دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشا، فاجتمعوا ، فخص وعم فقال : " يابنى كعب بن لؤى أنقذوا أنفسكم من النار. يا بنى مرة بن كعب أنقذوا أنفسكم من النار . يا بنى عبد شمس أنقذوا أنفسكم من النار. يا بنى عبد مناف أنقذوا أنفسكم من النار . يا بنى هاشم أنقذوا أنفسكم من النار . يا بنى عبد المطلب أنقذوا أنفسكم من النار . يا فاطمة بنت محمد أنقذى نفسك من النار ، فإنى لا أملك لكم من الله شيئا غير أن لكم رحماً سأبلها ببلالها " . 

      وفى الصحيحين عن أبى هريرة رضي الله عنه أيضا لما نزلت هذه الآية قال: " يا معشر قريش اشتروا أنفسكم من الله لا أغنى عنكم من الله شيئا . يا بنى عبد المطلب لا أغنى عنكم من الله شيئا . يا صفية عمة رسول الله لا أغنى عنك من الله شيئا . يا فاطمة بنت محمد لا أغنى عنك من الله شيئا . سلانى ما شئتما من مالى " . وخرجه مسلم من حديث ابن المخارق وزهير بن عمرو ومن حديث عائشة وقال فيه : " قام على الصفا " .

 

       وقال في حديث قبيصة : " انطلق إلى رضمة من جبل ، فعلا أعلاها   حجرا ، ثم نادى : يا بنى عبد مناف إنى لكم نذير . إنما مثلى ومثلكم كمثل رجل رأي العدو فانطلق يربأ أهله ، فخشى أن يسبقوه ، فجعل يهتف : يا صباحاه " .

       وفى الصحيحين من حديث ابن عباس قال : " لما نزلت هذه الآية خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صعد الصفا ، فهتف : يا صباحاه " فقالوا : من هذا الذي يهتف؟ قالوا : محمد . فاجتمعوا إليه ، فجعل ينادى : " يا بنى فلان ، يا بنى عبد مناف ، يا بنى عبد المطلب " وفى رواية : " يا بنى فهر ، يا بنى عدى ، يا بنى فلان " لبطون قريش فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولا ينظر ما هو ، فاجتمعوا فقال : " أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا تخرج بسفح هذا الجبل ، أكنتم مصدقى ؟ " قالوا : ما جربناعليك كذبا . قال : " فإنى نذير لكم بين يدى عذاب شديد " قال : فقال أبو لهب : تبا لك أما جمعتنا إلا لهذا ؟ فقام فنزلت هذه السورة : " تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ " ( سورة المسد : 1 ).

      وفى رواية: " أرأيتم لو أخبرتكم أن العدو يصبحكم ويمسيكم أكنتم تصدقونى؟ " قالوا : " بلى ".

       فإن قيل : فهذا الحديث قد ذكره طائفة من المفسرين والمصنفين في الفضائل، كالثعلبى والبغوى وأمثالهما والمغازلى .

       قيل له : مجرد رواية هؤلاء لا توجب ثبوت الحديث باتفاق أهل العلم بالحديث ؛ فإن في كتب هؤلاء من الأحاديث الموضوعة ما اتفق أهل العلم على أنه كذب موضوع ، وفيها شئ كثير يعلم بالأدلة اليقينية السمعية والعقلية أنها كذب ، بل فيها ما يعلم بالاضطرار أنه كذب . والثعلبى وأمثاله لا يتعمدون الكذب ، بل فيهم من الصلاح والدين ما يمنعهم من ذلك ، لكن ينقلون ما وجدوه في الكتب ، ويروون ما سمعوه ، وليس لأحدهم من الخبرة بالأسانيد ما لأئمة الحديث ، كشعبة، ويحيى بن سعيد القطان ، وعبد الرحمن بن مهدى ، وأحمد بن حنبل ، وعلى بن المديني ، ويحيى بن معين ، وإسحاق ، ومحمد بن يحيى الذهلى ، والبخاري ، ومسلم ، وأبى داود ، والنسائى ، وأبى حاتم وأبى زرعة الرازيين ، وأبى عبد الله ابن منده ، والدار قطنى ، وأمثال هؤلاء من أئمة الحديث ونقاده وحكامه وحفاظه الذين لهم خبرة ومعرفة تامة بأحوال النبي صلى الله عليه وسلم ، وأحوال من نقل العلم والحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من الصحابة والتابعين وتابعيهم ومن بعدهم من نقلة العلم .

         وقد صنفوا الكتب الكثيرة في معرفة الرجال الذين نقلوا الآثار وأسماءهم ، وذكروا أخبارهم وأخبار من أخذوا عنه ، ومن أخذ عنهم . مثل كتاب " العلل وأسماء الرجال " عن يحيى القطان ، وابن المديني ، وأحمد ، وابن معين ، والبخاري ، ومسلم ، وأبى زرعة ، وأبى حاتم ، والنسائى ، والترمذى ، وأحمد بن عدى ، وابن حبان ، وأبى الفتح الأزدى ، والدارقطنى وغيرهم .

      وتفسير الثعلبى فيه أحاديث موضوعة وأحاديث صحيحة . ومن الموضوع فيه الأحاديث  التي في فضائل السور : سورة سورة .

       وقد ذكر هذا الحديث الزمخشري والواحدى ، وهو كذب موضوع باتفاق أهل الحديث . وكذلك غير هذا .

      وكذلك الواحدى تلميذ الثعلبى ، والبغوى اختصر تفسيره من تفسير الثعلبى والواحدى ، لكنهما أخبر بأقوال المفسرين منه ، والواحدى أعلم بالعربية من هذا وهذا ، والبغوى أتبع للسنة منهما .

      وليس كون الرجل من الجمهور الذين يعتقدون خلافة الثلاثة يوجب له أن كل ما رواه صدق ، كما أن كونه من الشيعة لا يوجب أن يكون كل ما رواه كذبا ، بل الاعتبار بميزان العدل .

      وقد وضع الناس أحاديث كثيرة مكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم : في الأصول ، والأحكام ، والزهد ، والفضائل . ووضعوا كثيرا من فضائل الخلفاء الأربعة ، وفضائل معاوية .

       ومن الناس من يكون قصده رواية كل ما روى في الباب ، من غير تمييز بين صحيح وضعيف ، كما فعله أبو نعيم في فضائل الخلفاء ، وكذلك غيره ممن

صنف في الفضائل . ومثل ما جمعه أبو الفتح بن أبى الفوارس ، وأبو على الأهوازى وغيرهما من فضائل معاوية . ومثل ما جمعه النسائي في فضائل على ، وكذلك ما جمعه أبو القاسم بن عساكر في فضائل على وغيره ، فإن هؤلاء وأمثالهم قصدوا أن يرووا ما سمعوا من غير تمييز بين صحيح ذلك وضعيفه ، فلا يجوز أن يجزم بصدق الخبر بمجرد رواية الواحد من هؤلاء باتفاق أهل العلم .

      وأما من يذكر الحديث بلا اسناد من المصنفين في الأصول والفقه والزهد والرقائق ، فهؤلاء يذكرون أحاديث كثيرة صحيحة ، ويذكر بعضهم أحاديث كثيرة ضعيفة وموضوعة ، كما يوجد ذلك في كتب الرقائق والرأي وغير ذلك . ا. هـ.

      قلت : وهذا الحديث ذكره بنصه السابق عبد الحسين ، وقال بأن الإمام أحمد أخرجه في المسند ، وذكر اسناده ، ونسب للشيخ سليم البشرى موافقته على ثبوت الحديث وصحته .

      وما جاء في المسند ( 1 / 111 ) هو ما يأتي : حدثنا أسود بن عامر ، حدثنا شريك ، عن الأعمش ، عن المنهال ، عن عباد ابن عبد الله الأسدي ، عن على ، قال : لما نزلت هذه الآية " وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ". قال : جمع النبي صلى الله عليه وسلم أهل بيته ، فاجتمع ثلاثون ، فأكلوا وشربوا . قال : فقال لهم : من يضمن عنى دينى ومواعيدى ، ويكون معى في الجنة ، ويكون خليفتى في أهلي ؟ فقال رجل لم يسمه شريك : يا رسول الله ، أنت كنت بحرا ، من يقوم بهذا ! قال : ثم قاله الآخر ، قال : فعرض ذلك على أهل بيته ، فقال على : أنا .( انتهى الخبر ) .

      هذا هو نص المسند الذي ذكر الرافضي إسناده ، وقال : " كل واحد من سلسلة هذا المسند حجة عند الخصم ، وكلهم من رجال الصحاح بلا كلام " .

      قلت : لننظر في الاسناد ثم في المتن :

      أما الاسناد ففيه ما يأتي :

      1- الأعمش ثقة لكنه مدلس ، ولا يقبل حديث المدلس إذا عنعن ، " .... الأعمش ( عن ) المنهال ... "

   2 - المنهال هو ابن عمرو الكوفي :

      وثقه ابن معين والعجلى والنسائى وقال أحمد بن حنبل : أبو بشر أحب إلى من المنهال وأوثق . وقال الحاكم : غمزه يحيى بن سعيد ، وتكلم فيه ابن حزم ، وكان يضعفه . وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل : سمعت أبى يقول : ترك شعبة المنهال بن عمرو على عمد .

      وقال الحافظ ابن حجر في هدى الساري ( ص 446 ) :

      ماله في البخاري سوى حديث عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في تعويذ الحسن والحسين من رواية زيد بن أبى أنيسة عنه ، وحديث آخر في تفسير حم فصلت ، اختلف فيه الرواة هل هو موصول أو معلق . ( انظر ترجمته في تهذيب التهذيب ، وميزان الاعتدال ، وهدى الساري ص 445 : 446 ) .

   3 - عباد بن عبد الله الأسدي :

      قال الرافضي : هو عباد بن عبد الله بن الزبير بن العوام القرشى الأسدي ، احتج به البخاري ومسلم في صحيحيهما . سمع أسماء وعائشة بنتى أبى بكر . وروى عنه في الصحيحين ابن أبى مليكة ، ومحمد بن جعفر بن الزبير ، وهشام بن عروة .

      قلت : هذا من كذب الرافضي وتضليله ! فمن ذكره الرافضي مدني ، وصاحبنا كوفي !

      والاثنان مترجم لهما في صفحة واحدة في تهذيب التهذيب ، وكذلك في كتاب الجرح والتعديل ، فهما اثنان : والمدني لا خلاف حول توثيقه ، أما صاحبنا فقال ابن حجر في ترجمته في تهذيب التهذيب : عباد بن عبد الله الأسدي الكوفي . روى عن على . وعنه المنهال بن عمرو . قال البخاري : فيه نظر . وذكره ابن حبان في الثقات . قلت ( أي ابن حجر ) : وقال ابن سعد : له أحاديث . وقال على بن المديني ضعيف الحديث . وقال ابن الجوزي : ضرب ابن حنبل على حديثه عن على : أنا الصديق الأكبر ، وقال : هو منكر . وقال ابن حزم : هو             مجهول . ا . هـ

      ولم يترجم له ابن حجر في هدى الساري كما ترجم للمنهال وأمثاله ، لأنه ليس من رجال الصحيحين كما ذكر الرافضي ، والبخاري نفسه ضعفه حين قال : فيه نظر .

      وفى ميزان الاعتدال نجد ترجمة عباد الكوفي ولا نجد ترجمة عباد المدني . قال الذهبي في الميزان :

      عباد بن عبد الله الأسدي . عن على . قال البخاري : سمع منه المنهال بن عمرو . فيه نظر .

      قلت ( أي الذهبي ) : روى العلاء بن صالح ، حدثنا المنهال ، عند عباد بن عبد الله ، عن على ، قال : أنا عبد الله ، وأخو رسول الله ، وأنا الصديق الأكبر ، وما قالها أحد قبلى ، ولا يقولها إلا كاذب مفتر ، ولقد أسلمت وصليت قبل الناس بسبع سنين .

      قلت ( أي الذهبي ) : هذا كذب علَى علىّ .

      قال ابن المديني : ضعيف الحديث . وذكره ابن حبان في الثقات ، له في خصائص على . ا . هـ .

      والذهبي ذكره أيضا في كتابه المغنى في الضعفاء .

      هذه ثلاث علل في الإسناد وليست علة واحدة ، ومع كل هذه العلل ينسب للعلامة شيخ الأزهر أنه قال :

      "راجعت الحديث في ص 111 من الجزء الأول من مسند أحمد ، ونقبت عن رجال سنده ، فإذا هم ثقات أثبات حجج " ‍!

      وكأن شيخ الأزهر لا يعرف شيئا عن الحديث وعلومه ورجاله !! ولا يفرق بين عباد بن عبد الله الأسدي الكوفي ، وهو من الضعفاء ، وبين عباد بن عبد الله ابن الزبير بن العوام الأسدي المدني ، وهو من الثقات !حاشا لعلامة زمانه أن يكون كذلك !‍

      ونأتى إلى ما هو أوضح ولا يحتاج إلى عالم ليميز كلام الرافضي من حديث المسند ، بل يدركه كل من يحسن القراءة ‍‍‍‍‍!

      فنص المسند :

      " ويكون خليفتى في أهلي " ، فأين الإمامة العامة هنا ؟! ‍ ونهاية الخبر " فقال على : أنا " ، وليس فيه الزيادة الباطلة المفتراة : " إن هذا أخي ووصيى وخليفتى فيكم ، فاسمعوا له وأطيعوا ...." فكيف تنسب هذه الزيادة للمسند ، وهو موضع الاستدلال ؟ وفى رواية أخرى في المسند أيضا :

      ".. يابنى عبد المطلب ، إنى بعثت لكم خاصة وإلى الناس بعامة ، وقد رأيتم من هذه الآية ما رأيتم ، فأيكم يبايعنى على أن يكون أخي وصاحبى ؟ قال : فلم يقم إليه أحد . قال ( أي على ) : فقمت إليه ، وكنت أصغر القوم ، قال : فقال : اجلس، قال : ثلاث مرات ، كل ذلك أقوم إليه فيقول لي : اجلس ، حتى كان في الثالثة ضرب بيده على يدى " . انتهى الخبر .

      ( انظر المسند بتحقيق شاكر 2 / 352 ـ رواية رقم 1371 ) وواضح من الخبر أن عليا لم يكن هو المقصود ، ولذلك أمره الرسول صلى الله عليه وسلم بالجلوس ، ولما لم ينفذ أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم اضطر إلى زجره أو تنبيهه بالضرب على يده في المرة الثالثة .

      فكيف تتخذ مثل هذه الأخبار في هدم الإسلام ، والطعن في نقلة الكتاب والسنة ، وتكفير خير جيل عرفته البشرية لعدم أخذهم بمبدأ ابن سبأ في الوصي بعد النبي ، ومبايعتهم للصديق خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟!

‍‍‍‍‍‍‍‍

      قال الرافضي في المراجعة ( 20 ) بعد ذكر الخبر :

      " أخرجه بهذه الألفاظ كثير من حفظة الآثار النبوية " وقد رأينا كذبه فيما نسبه لمسند الإمام أحمد ، وكان الكذب في الإسناد والمتن .

      وأحب أن أبين طريقة أخرى من طرق الرافضي في التضليل :

      ذكر الرافضي أن أبا الفداء الحافظ ابن كثير أخرج هذا الخبر بهذه الألفاظ في تاريخه . فنظرت في البداية والنهاية فوجدت الخبر مع إشارة للزيادة : " إن هذا أخي وكذا وكذا فاسمعوا له وأطيعوا " . قال ( أي على ) : فقام القوم يضحكون ، ويقولون لأبى طالب : قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع ‍! ( جـ3 ص40 ) .

      فأين التضليل هنا إذن ما دام الخبر يتفق مع ماذكره الرافضي ؟ التضليل ـ أيها المسلمون ـ هو أن الرافضي لم يشر من قريب أو بعيد إلى ما ذكره الحافظ ابن كثير بعد إيراده الخبر مباشرة ، حيث قال ما نصه :

      " تفرد به عبد الغفار بن القاسم أبو مريم ، وهو كذاب شيعي ، اتهمه على بن المديني وغيره بوضع الحديث وضعفه الباقون ".

 

  (233)  تخلف عثمان على امرأته رقية بنت رسول الله ـ r ـ ، وكانت مريضة ، فتوفيت وجاءت البشرى بالفتح حين دفنت ، فضرب له رسول الله ـ r ـ بسهمه من الغنيمة ، وبأجره من المشهد ، فهو بدرى ـ جوامع السيرة النبوية لابن حزم ص 88.

  • صحيح البخاري ـ كتاب التفسير ـ باب " لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم .." .
  • (235) التحريم - 01

([4][233])  بحار الأنوار جـ 22 ص 33 .

 

([5][234] ) انظر كتابى : بين الشيعة والسنة . دراسة مقارنة في التفسير وأصوله ، ص 255 .

   (238)  72 : الإسراء .

  (239) 34 : هود ، وانظر فرية القمي في تفسيره 2 / 23 .

  (240)  سيأتي الحديث عن موقف هذه الفرقة من القرآن الكريم في الجزء الثانى .

  (241) انظر بيان قرابته من الرسول r في كتاب " ذو النورين عثمان بن عفان رضي الله عنه " للشيخ محب الدين الخطيب : ص 5 ، 6 .

  (242)  انظر ترجمة أبى العاص في باب الكنى من الجزء الرابع من الإصابة لابن حجر ،    ص 121 : 123 ترجمة رقم 692 .

  ([11][240])  انظر زبدة البيان ـ حاشية ص 575 .

 

(244)  منهاج الشريعة 2 / 289 .

  (245) المرجع نفسه 2 / 290 .

  (246) منهاج الشريعة 2 / 291 .

   (247)  السدم : الهم . والنُّغَب : جمع نغبة كجرعة وجُرع . والتهمام : الهم .

  (248) البقرة : الآية 207.

  • الثلاثاء PM 08:09
    2021-04-27
  • 857
Powered by: GateGold