المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 414893
يتصفح الموقع حاليا : 310

البحث

البحث

عرض المادة

فقه الحديث

فقه الحديث   

       مما سبق نرى أن حديث الثقلين التي صح سندها صح متنها ، وأن الروايات الثمانية التي تأمر بالتمسك بالعترة إلى جانب الكتاب الكريم لم تخل واحدة منها من ضعف في السند ([1][184])، وفى متن هذه الروايات نجد الإخبار بأن الكتاب وأهل البيت لن يفترقا حتى يردا الحوض على رسول الله  صلى الله عليه وسلم ، ومن أجل هذا وجب التمسك بهما . ولكن الواقع يخالف هذا الإخبار ، فمن المتشيعين لأهل البيت من ضل وأضل ، وأكثر الفرق التي كادت للإسلام وأهله وجدت من التشيع لآل البيت ستاراً يحميها ، ووجدت من المنتسبين لآل البيت من يشجعها لمصالح دنيوية ، كأخذ  خمس مايغنمه الأتباع ، وفرق الشيعة التي زادت على السبعين كل فرقة ترى أنها على صواب ، وأن غيرها قد ضل إن لم يكن قد كفر! ولسنا في حاجة إلى إثبات هذا القول ، فالكتب التي تبحث في الفرق ، وكتب الفرق ذاتها تبين هذا ، والجعفرية مثلاً عندما يشترطون للإيمان عقيدتهم في الأئمة الاثنى عشر يخرجون الأمة كلها من الإيمان ! وعقيدتهم هذه لا يسندها نص واحد من كتاب الله تعالى كما رأينا ، فإذا أمرنا بالتمسك بأهل البيت فبمن نتمسك ؟ أبكل من ينتسب لأهل البيت ! وإن تركوا كتاب الله وسنة نبيه ! بالطبع لا .

       إذن عدم الضلال يأتي من التمسك بالكتاب والسنة ، وإذا تمسك أهل البيت بهما كان لهم فضل الانتساب مع فضل التمسك واستحقوا أن يكونوا أئمة هدى يقتدي بهم كما قال تعالى:-

"وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا"أي أئمة نقتدى بمن قبلنا ، ويقتدي بنا من بعدنا([2][185]) ، ولا يختص هذا بأهل البيت ولكن بكل من يعتصم بالكتاب والسنة .

      فالروايات التي ضعف سندها لا يستقيم متنها كذلك ، وهذا ضعف آخر ، ومع هذا كله فلو صحت هذه الروايات فإنها لا تدل على وجوب إمامة الأئمة الاثنى عشر وأحقيتهم للخلافة .

      وللننظر في فقه روايات الحديث الكوفية .

    قال العلامة المناوى في فيض القدير (3/14): " إن ائتمرتم بأوامر كتابه ، وانتهيتم بنواهيه ، واهتديتم بهدى عترتى ، واقتديتم بسيرتهم ، اهتديتم فلم تضلوا .

    قال القرطبى : وهذه الوصية ، وهذا التأكيد العظيم ، يقتضى وجوب احترام أهله ، وإبرازهم وتوقيرهم ومحبتهم ، وجوب الفروض المؤكدة التي  لاعذر لأحد في التخلف عنها " .

     ثم قال المناوى بعد هذا (3/15):  لن يفترقا : أي الكتاب والعترة ، أي يستمرا متلازمين حتى يردا على الحوض : أي الكوثر يوم القيامة .

      زاد في رواية : كهاتين ، وأشار بأصبعيه ، وفى هذا مع قوله أولاً : " إنى تارك " تلويح بل تصريح بأنهما كتوأمين ، خلفهما ووصى أمته بحسن معاملتهما ، وإيثار حقهما على أنفسهما ، واستمساك بهما في الدين ، أما الكتاب فلأنه معدن العلوم الدينية ، والأسرار والحكم الشرعية ، وكنوز الحقائق وخفايا الدقائق . وأما العترة فلأن العنصر إذا طاب أعان على فهم الدين ، فطيب العنصر يؤدى إلى حسن الأخلاق ، ومحاسنها تؤدى إلى صفاء القلب ونزاهته وطهارته . قال الحكيم : " والمراد بعترته هنا العلماء العاملون إذ هم الذين لا يفارقون القرآن . أما نحو جاهل وعالم مخلط فأجنبي من هذا المقام ، وإنما ينظر للأصل والعنصر عند التحلى بالفضائل ، والتخلى عن الرذائل ، فإن كان العلم النافع في غير عنصرهم لزمنا اتباعه كائناً ما كان ، ولا يعارض حثه هنا على اتباع عترته حثه في خبر على اتباع قريش ، لأن الحكم على فرد من أفراد العام بحكم العام لا يوجب قصر العام على ذلك الفرد على الأصح ، بل فائدته مزيد الاهتمام بشأن ذلك الفرد ، والتنويه يرفعه قدره . ثم قال الشريف : هذا الخبر يفهم منه وجود من يكون أهلاً للتمسك به من أهل البيت والعترة الطاهرة في كل زمن إلى قيام الساعة حتى يتوجه الحث المذكور إلى التمسك به ، كما أن الكتاب كذلك ، فلذلك كانوا أماناً لأهل الأرض ، فإن ذهبوا ذهب أهل الأرض " ا . هـ.

       وقال ابن تيمية بعد أن بيَّن  أن الحديث ضعيف لا يصح : " وقد أجاب عنه طائفة بما يدل على أن أهل بيته كلهم لا يجتمعون على ضلالة . قالوا : ونحن نقول بذلك كما ذكر ذلك القاضى أبو يعلى وغيره " .

      وقال أيضاً : " إجماع الأمة حجة بالكتاب والسنة والإجماع ، والعترة بعض الأمة ، فيلزم من ثبوت إجماع الأمة إجماع العترة " .

بالنظر في هذه الأقوال ، وبتدبر متن الحديث ، نقول :

يجب ألا يغيب عن الذهن المراد بأهل البيت ، فكثير من الفرق التي رزئ بها الإسلام والمسلمون ادعت أنها هي التابعة لأهل البيت .

أهل البيت الأطهار لا يجتمعوا على ضلالة ، تلك حقيقة واقعة ، ونلحظ هنا أنهم في تاريخ الإسلام لم يجتمعوا على شىء يخالف باقي الأمة ، فالأخذ بإجماعهم أخذ بإجماع الأمة كما أشار ابن تيمية .

إذا نظرنا إلى أهل البيت كأفراد يتأسى بهم ، فمن يتأسى به منهم ، ونتمسك بسيرته ، لابد أن يكون متمسكاً بالكتاب والسنة ، فإن خالفهما فليس بمستحق أن يكون من أهل البيت .

     وكل إنسان يؤخذ من قوله ويرد إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولذلك فعند الخلاف نطبق قول الله :-

"  فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ  " ([3][186])

لو كان ما ذكره الشريف من الفقه اللازم للحديث لكان في هذا ما يكفى لرفض المتن ، فالأيام أثبتت بطلانه ، وإلا فمن الذي نؤمر باتباعه في عصرنا هذا على سبيل المثال ؟

     أبإحدى الفرق التي تنتسبب آل ؟ أم بجميع الفرق وكل فرقة ترى ضلال غيرها أو كفره ؟ أم بنسل آل البيت من غير الفرق ؟ !

  1. فرق كبير بين التذكير بأهل البيت والتمسك بهم ، فالعطف على الصغير ، ورعاية اليتيم ، والأخذ بيد الجاهل ، غير الأخذ عن العالم العابد العامل بكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

ثالثا : روايات أخرى متصلة بالغدير

      هناك روايات أخرى متصلة بالغدير منها في المسند عن الإمام على سبع روايات هي  ([4][187]):-

حدثنا ابن نمير ، حدثنا عبدالملك ، عن أبى عبدالرحيم الكندى ، عن زاذان أبى عمر قال : سمعت علياً في الرحبة وهو ينشد الناس : من شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم غدير خم وهو يقول ما قال ؟ فقام ثلاثة عشر رجلاً فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول : من كنت مولاه فعلى مولاه .

حدثنا محمد بن عبد الله ، حدثنا الربيع يعنى ابن أبى صالح الأسلمى ، حدثني زياد بن أبى زياد : سمعت على بن أبى طالب ينشد الناس فقال : أنشد الله رجلاً مسلماً سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم غدير خم ما قال ؟ فقام اثنا عشر بدرباً فشهدوا .

قال عبد الله بن أحمد ، حدثنا على بن الحكيم الأودى ، أنبأنا شريك ، عن أبى إسحق ، عن سعيد بن وهب ، عن زيد بن يثُيع قالا : نشد على الناس في الرحبة : من سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم غدير خم إلا قام ؟ قال : فقام من قبل سعيد ستة ، ومن قبل زيد ستة ، فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعلى يوم غدير خم : أليس الله أولى بالمؤمنين ؟ قالوا : بلى ، قال : اللهم من كنت مولاه فعلى مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه .

قال عبد الله بن أحمد ، حدثنا على بن حكيم ، أنبأنا شريك ، عن أبى إسحق ، عن عمرو ذى مر ، بمثل حديث أبى إسحق ، يعنى عن سعيد وزيد ، وزاد فيه: وانصر من نصره ، واخذل من خذله .

قال عبد الله بن أحمد : حدثني عبد الله بن عمر القوايرى ، حدثنا يونس بن أرقم ، حدثنا يزيد بن أبى زياد ، عن عبدالرحمن بن أبى ليلى قال : شهدت علياً في الرحبة ينشد الناس :

    أنشد الله من سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم غدير خم : من كنت مولاه فعلى مولاه لما قام فشهد ؟

     قال عبدالرحمن : فقام اثنا عشر بدرياً ، كانى أنظر إلى أحدهم ، فقالوا : نشهد أنا سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم غدير خم : ألست أولى بالمؤمنين من انفسهم وأزواجى أمهاتهم ؟ فقلنا : بلى يا رسول الله ، قال : فمن كنت مولاه فعلى مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه .

قال عبد الله بن أحمد : حدثنا أحمد بن عمر الوكيعى ، حدثنا زيد بن الحباب ، حدثنا الوليد بن عقبة بن نزار العنسى ، حدثني سماك بن العبيد ابن الوليد العبسى قال : دخلت على عبدالرحمن بن أبى ليلى ، فحدثنى أنه شهد علياً في الرحبة قال : أنشد الله رجلاً سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهده يوم غدير خم إلا قام ، ولا يقوم إلا من قد رآه ؟ فقام اثنا عشر رجلاً فقالوا : قد رأيناه وسمعناه حيث أخذ بيده يقول : اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله ، فقام إلا ثلاثة لم يقوموا  ، فدعا عليهم ، فأصابتهم دعوته .

 قال عبد الله بن أحمد : حدثني حجاج بن الشاعر ، حدثنا شبابة ، حدثني نعيم بن حكيم ، حدثني أبو مريم ورجل من جلساء على عن على : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم غدير خم : من كنت مولاه فعلى مولاه ، قال : فزاد الناس بعد : وال من والاه ، وعاد من عاداه .

مناقشة الروايات

             هذه هي الروايات السبع ، والرواية الأولى سندها ضعيف ، إلا أن متنها صحيح وهو : " من كنت مولاه فعلى مولاه " ، والروايات الأخرى تؤيده ، كما أنه روى بطرق مختلفة عن غير الإمام على ، حتى عده بعض رجال الحديث من المتواتر أو المشهور ([5][188]).

     وفى الروايتين الثالثة والخامسة نجد زيادة " اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه " . وفى الرابعة " وانصر من نصره ، واخذل من خذله " ولكن نجد في السابعة " فزاد الناس بعد : وال من والاه ، وعاد من عاداه " .

      فهذه الرواية تنص على أن الزيادة ليست من قول الرسول صلى الله عليه وسلم .

      والإشكال هنا أن هذه الروايات الأربع صحيحة السند ، وفى المسند كذلك عن زيد بن أرقم عدة روايات في بعضها زيادة " اللهم وال من والاه ، وعاد من    عاداه " ، وفى بعضها إنكار لهذه الزيادة ([6][189]) ، وهذا يجعلنا نتوقف فلا نستطيع الحكم بأن هذا قول النبي الكريم أو زيادة الناس بعد إلا بمزيد من البحث للترجيح .

      والمهم هنا دلالة المتن مع الزيادة أو بدونها ، أيعتبر هذا نصاً في أن الخلافة يجب أن تكون للإمام على ؟

      سبق بيان أن الولى بمعنى المتولى للأمور والمستحق للتصرف فيها ، وبمعنى الناصر والخليل ، والقرآن الكريم عندما أمر بمولاة أقوام ، أو نهى عن موالاة آخرين جاءت الموالاة بمعنى النصرة والمحبة ، ولم تأت حالة واحدة بمعنى الولاية العامة على المؤمنين ، وهذه الروايات تأمر بموالاة الإمام على ونصرته وتنهى عن معاداته وخذلانه ، وهذا لا يخرج عن الاستعمال القرآنى كما هو واضح ، فإذا كان النهى عن المعاداة والخذلان ، فالأمر بالمحبة وهى الموالاة والنصرة ، ولا مكان للخلافة هنا ، ولو أرادها الرسول صلى الله عليه وسلم لكان التعبير بنص صريح لا يحتمل تأويلاً يخرجه عن معناه ، ولكانت القرائن كذلك تؤيده .

       ومما يدل على أن المراد بالموالاة المحبة والنصرة لا الخلافة ، أن الإمام نشد الناس في الكوفة بعد أن آلت الخلافة إليه ، وأهل الكوفة - ومن ذهب معه إليها - بايعوه بلا خلاف ، ولكن أكثرهم خذلوه ولم ينصروه كما هو معلوم مشهور([7][190]) ولو كان المراد بالموالاة الخلافة لاحتج بهذا على الخلفاء الراشدين السابقين وعلى من بايعهم ، وهذا لم يثبت على الإطلاق ، ولم أجد في كتب السنة التي رجعت إليها رواية واحدة تذكر مثل هذا الاحتجاج .

       وفى الفصل الأول ذكرت ما رواه البخاري ومسلم عن بيعة أبى الحسن للصديق ، وليس فيها ذكر لشىء عن الغدير ، ولم ينكر الإمام على أحقية الصديق و لا فضله ، وسر المسلمون بذلك الموقف وقالوا لعلى : أصبت وأحسنت ، وكانوا إليه قريباً حين راجع المعروف ، أي حين بايع ، ولو نشد المسلمين هنا لشهد المئات ممن حضر الغدير ، ومنهم من شهد بعد ذلك بالفعل في الكوفة ، ولكنه بين سبب تأخره عن البيعة بقوله لأبى بكر : " إنا قد عرفنا فضلك وما أعطاك الله ، ولم ننفس عليك خيراً ساقه الله إليك ، ولكنك استبددت علينا بالأمر ، وكنا نرى لقرابتنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم نصيباً  " . وعند البيعة أمام المسلمين في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم استغفر وتشهد ، وعظم حق أبى بكر ، وحدث أنه لم يحمله على الذي صنع نفاسة على أبى بكر ، ولا إنكاراً للذى فضله الله به  ، " ولكننا نرى لنا في هذا الأمر نصيباً ، فاستبد علنا ، فوجدنا في أنفسنا " .

      فالإمام على قد وجد في نفسه لأنه لم يشرك في أمر الخلافة واستبد به      غيره ، وله ما يؤيد وجهة نظره ، فأمر خطير كهذا لا يُقضى دون مشورة أبى الحسنين ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وزوج ابنته فاطمة الزهراء ، إلى جانب فضله وسبقه وعلمه . وعذر أبى  بكر وعمر وسائر الصحابة كان واضحاً - كما يقول النووى - لأنهم  رأوا المبادرة بالبيعة من أعظم مصالح المسلمين ، وخافوا من تأخيرها حصول خلاف ونزاع تترتب عليه مفاسد عظيمة ،ولهذا أخروا دفن النبي صلى الله عليه وسلم حتى عقدوا البيعة لأنها كانت أهم الأمور ، كيلا يقع نزاع في مدفنه أو كفنه أو غسله ، أو الصلاة عليه أو غير ذلك ، وليس لهم من يفصل الأمور ، فرأوا تقديم البيعة أهم الأشياء .

      فلو كانت الموالاة تعنى الخلافة لاحتج بها على الصديق ومن بايعه ، ولما تمت البيعة أصلاً .

     والشكوى التي من أجلها دافع الرسول صلى الله عليه وسلم عن أبى الحسن  توضح أن المراد بالموالاه شىء آخر غير الخلافة ، أو على أقل تقدير لا ترجح أن الخلافة هي  المراد .

       وتبين الشكوى كذلك السبب في أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقل هذا في خطبته الجامعة يوم عرفة في حجة الوداع ، فلو كان المراد الخلافة لكان من الأرجح - إن لم يكن من المؤكد - أن يقال هذا في تلك الخطبة لا أن يقال بعد الشكوى([8][191]).  

  قال الآلوسى :

     " ربما يستدل على أن المراد بالولاية المحبة بأنه لم يقع التقييد بلفظ بعدى ، والظاهر حينئذ اجتماع الولايتين في زمان واحد . ولا يتصور الاجتماع على تقدير أن يكون المراد أولوية التصرف بخلاف ما إذا كان المراد المحبة " ([9][192]).

        وإذا كان عدم التقييد بلفظ بعدى في جميع الروايات السابقة يؤيد ما ذهب إليه الآلوسى ، فإنى وجدت روايات فيها التقييد ،وربما يستدل بها  على أن المراد بالولاية أولوية التصرف ، ويحمل المطلق على المقيد حينئذ ، وهذه الروايات نجدها في المسند وسنن الترمذي ، ففيها أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : " إن علياً منى وأنا منه ، وهو ولى كل مؤمن بعدى" ([10][193]) وزاد الترمذي : " هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من جعفر بن سليمان " . وجعفر هذا نجده في رواية الإمام أحمد كذلك ، ثم انفرد برواية أخرى عن طريق غير جعفر وفيها : " وإنه منى وأنا منه ، وهو وليكم بعدى " ([11][194]).   

     وجعفر بن سليمان من شيعة البصرة ، وهو متكلَّم فيه : وثقة ابن معين وعباس وابن حبان والبزار . قال ابن سعد : كان ثقة وبه ضعف ، وكان يتشيع .

 

       وقال أبو طالب عن أحمد : لا بأس به . قيل له : إن سليمان بن حرب يقول لا يكتب حديثه ؟ فقال : إنما كان يتشيع ، وكان يحدث بأحاديث في فضل على ، وأهل البصرة يغلون في على . قلت عامة حديثة رقاق ؟ قال :

      نعم ، كان قد جمعها وكان يحيى بن سعيد لا يروى عنه ، وكان يستضعفه . وكان عبدالرحمن بن مهدى يستثقل حديثه .

       وقال البخاري : يقال كان أميّاً ، وقال في الضعفاء ، يخالف في بعض أحاديثه . وقال ابن المديني : هو ثقة عندنا ، وقال أيضاً : أكثر عن ثابت ، وبقية أحاديثه مناكير .

      وقال ابن شاهين في المختلف فيهم : إنما تكلم فيه لعلة المذهب ، وما رأيت من طعن في حديثه إلا ابن عمار يقول : جعفر بن سليمان ضعيف .

       وبغير ترجيح لتوثيق جعفر بن سليمان أو تضعيفه يمكن القول بأن حديثاً ينفرد به ويتصل بمذهبه لا يرقى إلى مرتبة الاحتجاج .

     والرواية الأخرى للإمام أحمد نجد في سندها الأجلح الكندى ([12][195]) ، وهو من شيعة الكوفة ، ومتكلَّم فيه أيضاً ، وثقه ابن معين والعجلى وابن عدى ، وقال يعقوب بن سفيان : ثقة حديثة لين .

      وقال أحمد  : روى الأجلح غير حديث منكر .

      وقال القطان : في نفسى منه شىء . وقال أيضاً : ما كان يفصل بين الحسين ابن على وعلى بن الحسين ، يعنى أنه ما كان بالحافظ . وقال ابن حبان: كان لا يدرى ما يقول ، جعل أبا سفيان  أبا الزبير .

      وضعفه أبو داود والنسائى وأبو حاتم ، وقال ابن سعيد : كان ضعيفاً جداً ، بل وصمه الجوزجانى بالافتراء . إذن فهذه الرواية التي انفرد بها أحمد عن الأجلح لا يحتج بها ، ولا توجد روايات فيها تقييد بلفظ بعدى ، وبذا يظل ما ذكره الآلوسى صحيحاً .

رابعا : روايات أخرى يرى بعض الجعفرية أنها تؤيد مذهبهم

يرى بعض الجعفرية أنها تؤيد مذهبهم

      بعد هذا كله نقول : إن الروايات السابقة هي جميع ما يتصل بالغدير عمدة  أدلة الشيعة ، ومن عرضها ومناقشتها تبين لنا أنها لا تؤيد ما ذهب إليه الجعفرية

 

من القول في الإمامة ، وتوجد روايات أخرى يرى بعض الجعفرية أنها تؤيد مذهبهم ، نعرض أهمها ونناقشها بشىء من الإيجاز .

1-خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم على بن أبى طالب في غزوة تبوك ، فقال : يا رسول الله تخلفنى في النساء والصبيان ؟ فقال : " أما ترضى أن تكون منى بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدى " .

       هذا الحديث الشريف رواه الشيخان وغيرهما ([13][196]) ، وهو بلا شك يدل على فضل الإمام كرم الله وجهه ، وقد استخلف الرسول صلى الله عليه وسلم على المدينة آخرين([14][197]) ، فهذا الاستخلاف ليس خاصاً بأبى الحسن ، ومثل هذا الاستخلاف في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم لايقتضى الخلافة في الأمة بعد مماته ، ولو أراد الرسول صلى الله عليه وسلم الخلافة العظمى لقالها ، فما يمنعه صلى الله عليه وسلم ولقال ذلك للمسلمين ، ووجب عليهم السمع والطاعة وإن ولى عليهم عبد حبشى مجدع الأطراف . وواضح من شكوى الإمام في جعله مع  الخوالف من النساء والصبيان أن في قول الرسول صلى الله عليه وسلم ترضية لنفسه وتهدئة لخواطره ، فموسى استخلف هارون عليهما السلام  عندما توجه إلى الطور ، ولكن الجعفرية يرون أن الرسول صلى الله عليه وسلم " أنزله منه منزلة هارون من موسى ، ولم يستثن من جميع المنازل إلا النبوة ، واستثناؤها دليل على العموم " ([15][198]).

       وقولهم فيه نظر ، فمثلاً كان هارون أخاً لموسى وأفصح منه لساناً ، وهذا ينقض العموم ، لأن هاتين المنزلتين لا تتحققان لعلى . بل إن التطابق لا يتحقق في الاستخلاف ذاته ، فموسى استخلف أخاه على بنى إسرائيل وذهب هو للمناجاة ، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم استخلف ابن عمه على المدينةوليس فيها إلا من لم يخرج للقتال من النساء ، والصبيان والعجزة ، أما عامة المسلمين فكانوا الجيش الذي خرج للقتال مع الرسول صلى الله عليه وسلم كما أن " هارون لم يل أمر بنى إسرائيل بعد موسى عليهما السلام ، وإنما ولى الأمر بعد موسى رضي الله عنه يوشع بن نون فتى موسى وصاحبها الذي سافر معه لطلب الخضر عليهما السلام ، كما ولى الأمر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم صاحبه في الغار الذي سافر معه إلى المدينة " ([16][199]).

2-روى الإمام البخاري عن جابر بن سمرة قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول :      " يكون اثنى عشر أميراً ، فقال كلمة لم أسمعها ، فقال أبى : إنه قال : كلهم من قريش ([17][200]) " .

       وروى الإمام مسلم عن جابر بن سمرة قال : دخلت مع أبى على النبي صلى الله عليه وسلم فسمعته يقول : " إن هذا الأمر لا ينقضى حتى يمضى فيهم اثنا عشر خليفة ،  قال : ثم تكلم بكلام خفى على قال : فقلت لأبى ما قال ؟ قال : كلهم من     قريش " .

        وفى رواية أخرى " لا يزال أمر الناس ماضياً ما وليهم اثنا عشر رجلاً  " وفى إحدى الروايات كذلك " لا يزال هذا الدين عزيزاً منيعاً إلى اثنى عشر     خليفة "  ([18][201]) ، وفى رواية لأبى داود " كلهم تجتمع عليه الأمة " ([19][202]).

      وتحديد الخلفاء باثنى عشر هو الذي جعل الاثنى عشرية يحتجون بهذه الروايات ، ولكن من الواضح أن هذه الروايات تشير إلى المدة التي يظل فيها عزة الإسلام والدين ، وصلاح حال المسلمين . وعلى قول الجعفرية تظل هذه العزة وهذا الصلاح إلى يوم القيامة كما يظهر من قولهم في الإمام الثانى عشر !

      وواقع الأمر ودلالة الروايات يدلان على غير هذا . ومن الواضح كذلك أن الأمة لم تجتمع على أئمة الجعفرية ، بل لم يتولوا الخلافة أصلاً باستثناء الإمام على.

3-أخرج البخاري([20][203]) عن عبيد الله بن عبد الله  عن ابن عباس قال : لما حضر النبي صلى الله عليه وسلم قال : وفى البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب ، قال : هلم أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعدى. قال عمر : إن النبي صلى الله عليه وسلم غلبه الوجع وعندكم القرآن فحسبنا كتاب الله . واختلف أهل البيت واختصموا ، فمنهم من يقول : قربوا يكتب لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاباً لن تضلوا بعده ، ومنهم من يقول ما قال ، فلما أكثروا اللغط والاختلاف عند النبي صلى الله عليه وسلم قال : قوموا عنى .

       قال عبيد الله : فكان ابن عباس يقول : إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله  صلى الله عليه وسلم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم .

      وعن سعيد بن جبير قال : قال ابن عباس : يوم الخميس ، وما يوم الخميس ؟ اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه فقال : إئتونى أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً . فتنازعوا ، ولاينبغى عند نبي تنازع ، فقالوا : ماشأنه أهجر؟ استفهموه ، فذهبوا يردون عليه فقال : دعونى فالذى أنا فيه خير مما  تدعوننى إليه  ، وأوصاهم بثلاث ، قال : أخرجوا المشركين من جزيرة العرب ، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم ، وسكت عن الثالثة ، أو قال  : فنسيتها ([21][204]).

      وفى رواية للإمام أحمد ([22][205]) : حدثنا سفيان عن سليمان بن أبى مسلم خال ابن أبى نجيح ، سمع سعيد جبير يقول : قال ابن عباس : يوم الخميس ، وما يوم الخميس ، ثم بكى حتى بل دمعه - الحصى ، قلنا  يا أبا العباس ، وما يوم  الخميس ؟ قال : اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه فقال : ائتونى أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده أبداً ، فتنازعوا ، ولا ينبغى عند نبي تنازع ، فقالوا ما شأنه ؟ أهجر ؟ قال سفيان : يعنى هذى ، استفهموه ، فذهبوا يعيدون عليه ، فقال : دعونى ، فالذى أنا فيه خير مما تدعونى إليه ، وأمر بثلاث ، وقال سفيان مرة أوصى بثلاث قال : أخرجوا المشركين من جزيرة العرب ، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم ، وسكت سعيد عن الثالثة ، فلا أدرى أسكت عنها عمداً ، وقال مرة أو نسيها ؟ وقال سفيان مرة : وإما أن يكون تركها أو نسيها .

         ووردت هذه الروايات كذلك في صحيح مسلم ([23][206]).

      ولا تبدو صلة بين هذه الروايات وبين الإمامة ، ولكن الوصية الثالثة - التي نسيت أو تركت - كانت المدخل للجدال !‍‍‍‍ فوجدنا من الجعفرية من يقول بأن الصحابة " علموا أنه صلى الله عليه وسلم إنما أراد توثيق العهد بالخلافة ، وتأكيد النص بهذا علَى علىّ خاصة ، وعلى الأئمة من عترته عامة ، فصدوه عن ذلك كما اعترف به الخليفة الثانى في كلام دار بينه وبين ابن عباس ، وأنت إذا تأملت في قوله صلى الله عليه وسلم     " ائتونى أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده " ، وقوله في حديث الثقلين : " إنى تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا ، كتاب الله وعترتى أهل بيتي " ، تعلم أن المرمى في الحديثين واحد ، وأنه صلى الله عليه وسلم أراد في مرضه أن يكتب لهم تفصيل ما أوجبه عليهم في حديث الثقلين " - كتاب المراجعات ص 284 ، وفى ص 255 قال : " ومع ذلك فقد أوصاهم عند موته بوصايا ثلاث : أن يولوا عليهم علياً ، وأن يخرجوا المشركين من جزيرة العرب ، وأن يجيزوا الوفد بنحو ما كان يجيزه ، لكن السلطة والسياسة يومئذ ما أباحتا للمحدثين بوصيته الأولى ، فزعموا أنهم نسوها " .

    ولسنا في حاجة إلى الحديث عن كبار الصحابة ، رضوان الله عليهم . وعن تنزيههم عن مثل هذه المفتريات ، ولكن يكفى أن نقول : بأن هذه الروايات ليست دليلاً قائماً بذاته وإنما يحتاج إلى أدلة أخرى لترجيح احتمالات الوصية الثالثة وما أريد كتابته ، ولذلك احتج بحديث الثقلين للاستدلال ، وهذا الحديث لم يصح له إسناد كما ثبت من قبل ، والذى صح حديث التمسك بالكتاب والسنة ، فلعله هو المراد من الوصية الثالثة .

     على أن ذلك من باب الترجيح لا الجزم ([24][207]) . واتهام المحدثين بأنهم زعموا النسيان خوفاً من السلطة وميلاً مع السياسية ، وهم يعلمون أن الوصية خاصة بخلافة على ، هذا الاتهام لو صح فإنه يوجه إلى سعيد بن جبير ، ويكفى لرده أن يعرف تاريخ سعيد ، وشجاعته أمام الحجاج ، وأن نقرأ ما كتب عنه في كتب الجعفرية أنفسهم ([25][208]) .

     وإن تعجب فعجب قولهم بأن الفاروق اعترف بأن الكتاب أريد به توثيق العهد بالخلافة لعلى والأئمة من عترته ، وأنه هو وكبار الصحابة صدوا الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك ! ([26][209])

     وسيأتي بعد قليل رواية الصحيحن عن عمر بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستخلف .

خامسا : روايات لها صلة بموضوع الإمامة

      مما سبق نرى أن السنة النبوية - كما روتها الكتب الثمانية وغيرها أيضاً مما رجعنا إليه - ليس فيها ما يؤيد عقيدة الشيعة الجعفرية في الإمامة ، وفى هذه الكتب وردت روايات أخرى لها صلة بموضوع الإمامة نعرضها ونناقشها فيمتا يأتي :-

      من يؤمّر بعدك ؟

  1- روى الإمام أحمد بسند صحيح ([27][210]) عن الإمام على رضي الله عنه أنه قال :  " قيل : يا رسول الله : من يؤمر بعدك ؟ قال : إن تؤمروا أبا بكر تجدوه أميناً زاهداً في الدنيا راغباً في الآخرة ، وإن تؤمروا عمر تجدوه قوياً أميناً لا يخاف في الله لومة لائم ، وإن تؤمروا عليّاً ، ولا أراكم فاعلين تجدوه هادياً مهدياً يأخذ بكم الطريق المستقيم " .

        وهذا الحديث الشريف يدل على أن الإمامة بالاختيار لا بالتعيين ، فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يعين أحداً ، وإنما جعل هذا للمسلمين ، وذكر ثلاثة يصلحون لخلافته ([28][211]).

 

  (187)  ومع هذا الضعف جاء في كتاب المراجعات للموسوي بأنها متواترة ! (ص 51) ونسب للشيخ سليم البشرى أنه تلقى هذا القول بالقبول ! ( ص 54) وأنه طلب المزيد ، وذكر صاحب المراجعات روايات أخرى أشد ضعفاً ، ونسب للشيخ البشرى أنه أعجب بها ، ورآها حججاً ملزمة ! (ص 55-61) وسيأتي الحديث مرة أخرى عن هذا الكتاب .

 (188)  راجع البخاري – كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة – باب الاقتداء بسنن الرسول r   .

  (189)  النساء - الآية 59 .

  (190)  انظر الروايات وتخريج المرحوم شاكر لها في المسند ج 2 ، وأرقامها على التوالى  641 ، 670 ، 950 ، 951 ، 961 ، 964 ، 1310 .

  (191)  انظر كشف الخلفاء 2/274 , والرواية الساسة تتفق مع كثير من الروايات فيما عدا  زيادة إنكار بعض الصحابة ودعاء الأمير عليهم ، وهى ضعيفة السند بحمد الله تعالى ، فاتفق هذا الضعف مع هذه الزيادة التي لم تأت في رواية صحيحة على الإطلاق ، والتي لا تستقيم مع ماعرف عن الصحابة الكرام ، فليس بمؤمن من يكتم شهادة حق ، وهذه شهادة معروفة لا ضرر في إظهارها ولا خير في إنكارها ، فلو كان هؤلاء ممن نافقوا لا من المؤمنين فلم يقدمون على هذا الكتمان ؟ وأنى هذا إذا كان الجرم ينسب لأنس بن مالك وزيد بن أرقم  وبراء بن عازب وغيرهم من أجلاء الصحابة ! ثم أنى لمن تربى في بيت النبوة وتخلق بخلقها أن يدعو عليهم بدلاً من أن يدعو لهم ! ولكن هذه الاتهامات لخير قرن ـ مع ضعفها ـ تعجب بعض الشيعة فيلتقطونها من أي مصدر لتأييدها وترويجها . ( انظر مثلاً الغدير 1/191-195) .

   (192)  انظر المسند ط الميمنية 4/368 – 373 .

   (193)  للإمام على خطب كثيرة تبين تخاذل هؤلاء الشيعة ، يمكن الرجوع إليها في نهج    البلاغة – وعندما أغار سفيان بن عوف بجنده على الأنبار ، ثم انصرفوا وافرين ، خطب الإمام خطبة منها : " فقبحاً لكم وترحاً حين صرتم غرضاً يرمى ، يغار عليكم ولا تُغيرون ، وتُغزَون ولا تَغزُون ، ويعصى الله وترضون ! فإذا أمرتكم بالسير إليهم في أيام الصيف قلتم : هذه حمارةّ القيظ ، أمهلنا يُسَّبح عنا الحر ، وإذا أمرتكم بالسير إليهم في الشتاء قلتم: هذه صبارة القر ، أمهلنا ينسلخ عنا البرد ، كل هذا فراراً من الحر والقر ، فإذا كنتم من الحر والقر تفرون فأنتم والله من السيف أفر !

     يا أشباه الرجال و لا رجال ! حلوم الأطفال ، وعقول ربات الحجال ، لوددت أنى لم أركم ولم أعرفكم ! معرفة والله جرت ندماً ، وأعقبت سدماً ، قاتلكم الله ! لقد ملأتم قلبى قيحاً ، وشحنتم صدرى غيظاً ، وجرعتمونى نغب التهمام أنفاساً ، وأفسدتم على رأيى          بالعصيان والخذلان ، حتى قالت قريش : إن ابن أبى طالب رجل شجاع ، ولكن لا علم له* *بالحرب " (نهج البلاغة ص 53 –54) (ترحاً : هماً و حزناً أو فقراً - حمارة القيظ : شدة  الحر – سبخ عنا الحر : خفف – صبارة الشتاء : شدة برده – القر بالضمة : البرد – ربات الحجال : النساء – السدم : الهم مع أسف أو غيظ - النغب : جمع نغبة كجرعة لفظاً ومعنى    – التهمام : الهم – أنفاساً : أي جرعة بعد جرعة ) .

  (194)  ذكر صاحب كتاب المراجعات أن الشيخ سليم البشرى لم يقتنع فقط بقول الجعفرية في تفسير كلمة المولى التي وردت في روايات الغدير ، بل كتب يخاطبه (ص 220) : " لو كان المراد الناصر أو نحوها ما سأل سائل بعذاب واقع ، فرأيكم في المولى ثابت مسلم ! " .

ولا أدرى أكان علامة زمانه شيخ الجامع الأزهر يجهل ما ذهب إلى جمهور المفسرين بلا خلاف من مكية سورة المعارج ؟ لقد ذكرت من قبل ما ذهب إليه جمهور المفسرين ، وموافقة الطوسي لهم ، وهو شيخ طائفة الجعفرية، وكذلك إمام المفسرين عند الجعفرية ، أكان شيخ الأزهر والمالكية جعفرياً أكثر من شيخ طائفتهم وإمام مفسريهم فاتخذ من السورة الكريمة ما يؤيد رأي صاحب المراجعات ؟ أم أن هذا نُسب كذباً لشيخ الأزهر – ولم يطبع الكتاب إلا بعد وفاته – كدأب كثير من أصحاب الفرق عند البحث عن طريق يسلكونها لتأييد مذهبهم ؟ وقد رأينا من قبل ما نسبه صاحب الغدير لشيخ المفسرين الطبري ! وسبق في ص 137 ما نسب للشيخ البشرى ، المسألة إذن تحتاج إلى نظر ! وقد دعانى هذا إلى تأليف كتاب " المراجعات المفتراة على شيخ الأزهر البشرى " أثبت به يقيناً براءة الشيخ البشرى مما نسب له ، وبينت بالأدلة ضلال عبدالحسين مؤلف المراجعات ، بل كفره وزندقته .

  ([9][192])  تفسير الآلوسى 2/351 .

  ([10][193]) المسند ط الميمنية 4/438 ، والترمذى – كتاب المناقب – باب مناقب على بن أبى طالب رضي الله عنه .

  ([11][194])   المسند 5 / 365 .

  (198)  انظر ترجمة كل منهما في تهذيب التهذيب .

   (199)  راجع البخاري – كتاب المناقب – باب مناقب على بن أبى طالب- وصحيح مسلم كتاب فضائل الصحابة – باب من فضائل على بن أبى طالب واللفظ لمسلم ، والمسند ج 3 رواية رقم 1463 وتخريج الشيخ شاكر لها .

  (200)  استخلف الرسول r  على المدينة ابن أم مكتوم لما خرج لحرب بنى النضير ، وفى غزوة الخندق ، وعثمان بن عفان لما خرج لغزوة ذات الرقاع ، وأبا لبابة بن عبدالمنذر لما سار لغزوة بدر ( انظر المنتقى ص 53، 212)  .

  ([15][198])   المراجعات ص 152.

  ([16][199])  لفصل في الملل والأهواء والنحل ص 94، وانظر المنتقى حاشية ص 213 .

  ([17][200])  كتاب الأحكام من صحيحه – باب الاستخلاف .

  ([18][201])   راجع مسلم – كتب الإمارة – باب الناس تبع لقريش والخلافة في قريش .

  ([19][202])   راجع سنن أبى داود – كتاب المهدى . 

  ([20][203])   كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة – باب كراهية الخلاف .

  ([21][204])  راجع صحيح البخاري – باب مرض النبي r ووفاته .

  ([22][205])  المسند ج 3 رواية رقم 1935 ،وانظر تخريج الشيخ شاكر وشرحه لها .

([23][206])  كتاب الوصية – باب ترك الوصية ، وفى كتاب الجهاد والسير من صحيح البخاري – باب جوائز الوفد – جاءت رواية أخرى اختلفت النسخ في متنها (انظر طبعة مطابع الشعب سنة 1378 هـ ) ففي إحدى النسخ أسند الهجر إلى الرسول الكريم بغير استفهام ، ولكن في نسختين أخريين أثبتت همزة الاستفهام ، ولعلهما هنا أصح ، وهذا يتفق مع الروايات الأخرى ، وفى صحيح مسلم كانت الروايات بلفظ " أهجر" ولكن رواية جاءت بلفظ " إن رسول الله r يهجر " هكذا بغير استفهام بل بأداة تأكيد ! وصاحب فتح البارى تحدث عن المراد بقولهم       " أهجر " فقال : المراد به هنا ما يقع من كلام المريض الذي لا ينتظم ولا يعتد به لعدم*    *فائدته ، ووقوع ذلك من النبي r مستحيل ، لأنه معصوم في صحته ومرضه لقوله تعالى            (3 : النجم )] وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى[ ، ولقوله r : " إنى لا أقول في الغضب والرضا إلا حقاً".  وإذا عرف ذلك فإنما قاله من قاله منكراً على من توقف في امتثال أمره بإحضار الكتف والدواة، فكأنه قال : كيف تتوقف ؟ أتظن أنه كغيره يقول الهذيان في مرضه ؟ ويحتمل أن بعضهم قال ذلك عن شك عرض له ، ولكن يبعده أن لا ينكره الباقون عليه من كونهم من كبار الصحابة ولو أنكروه عليه لنقل . ويحتمل أن يكون الذي قال ذلك صدر عن دهش وحيرة كما أصاب كثيراً منهم عند موته . ويحتمل أن يكون قائل ذلك أراد أنه اشتد وجعه فأطلق اللازم وأراد الملزوم ، لأن الهذيان الذي يقع للمريض ينشأ من شدة وجعه . وقيل : قال ذلك لإرادة سكوت الذين لغطوا ورفعوا أصواتهم عنده ، فكأنه قال : إن ذلك يؤذيه ويفضى في العادة إلى ما ذكره " .

 

     ثم قال : وأوصاهم بثلاث أي في تلك الحالة ، وهذا يدل على أن الذي أراد أن يكتب لم يكن أمراً متحتماً ، لأنه لو كان مما أمر بتبليغه لم يكن يتركه لوقوع اختلافهم ، ويعاقب الله من حال بينه وبين تبليغه ، ولبلغه لهم لفظاً كما أوصاهم بإخراج المشركين وغير ذلك وقد عاش بعد هذه المقالة أياماً ، وحفظوا عنه أشياء لفظاً ، فيحتمل أن يكون مجموعها ما أراد أن يكتبه والله أعلم . ( انظر باب مرض النبي r ووفاته ) .  

  ([24][207]جاء في الموضع السابق من فتح البارى : " قال الداودى : الثالثة الوصية بالقرآن ، وبه جزم ابن التين . وقال المهلب : بل هو تجهيز جيش أسامة ، وقواه ابن بطال بأن الصحابة لما اختلفوا على أبى بكر في تنفيذ جيش أسامة قال لهم أبو بكر إن النبي r عهد  بذلك عند موته . وقال عياض : يحتمل أن تكون هو قوله ( ولا تتخذوا قبرى وثنا )  فإنها ثبتت في الموطأ مقرونة بالأمر بإخراج اليهود . ويحتمل أن يكون ما وقع في حديث أنس أنها قوله : الصلاة وما ملكت أيمانكم .  

 ([25][208]) انظر ما كتب عنه في الغدير 1/65.

   ([26][209]) قال ابن تيمية : " من توهم أن هذا الكتاب كان بخلافة على فهو ضال باتفاق عامة الناس من علماء السنة والشيعة ، وأما أهل السنة فمتفقون على تفضيل أبى بكر وتقديمه . وأما الشيعة القائلون بأن علياً كان هو المستحق للإمامة فيقولون أنه قد نص على إمامته قبل ذلك نصاً جلياً ظاهراً معروفا ، وحينئذ فلم يكن يحتاج إلى كتاب ، وإن قيل : إن الأمة جحدت النص المعلوم المشهور فلأن تكتم كتاباً حضره طائفة قليلة أولى وأحرى , وأيضاً فلم يكن يجوز عندهم تأخير البيان إلى مرض موته ، ولا يجوز له ترك الكتاب لشك من شك ، فلو كان ما يكتبه في الكتاب مما يجب بيانه وكتابته لكان النبي   r يبينه  ويكتبه ولا يلتفت إلى قول أحد فإنه أطوع الخلق  له ( أي للواجب ) . فعلم أنه لما ترك الكتاب لم يكن الكتاب واجباً ولا كان فيه من الدين ما تجب كتابته حينئذ ، إذ لو وجب لفعله (المنتقى ص 349-350) .

    وقال العقاد : " أما القول بأن عمر هو الذي حال بين النبي r والتوصية باختيار على للخلافة بعده فهو قول من السخف بحيث يسىء إلى كل ذى شأن في هذه المسألة ،ولا تقتصر مساءته على عمر ومن رأي في المسألة مثل رأيه . فالنبي r لم يدع بالكتاب الذي طلبه ليوصى بخلافة على أو خلافة غيره ، لأن الوصية بالخلافة لا تحتاج إلى أكثر من كلمة تقال ، أو إشارة كالإشارة التي فهم منها إيثار أبىبكر بالتقديم ، وهى إشارته إليه أن يصلى بالناس ، وقد عاش النبي بعد طلب الكتاب فلم يكرر طلبه ، ولم يكن بين على وبين لقائه حائل ،وكانت السيدة فاطمة زوج على عنده إلى أن فاضت نفسه الشريفة ، فلو شاء لدعى به وعهد إليه . وفضلاً عن هذا السكوت الذي لا إكراه فيه ، نرجع إلى سابقة من سنن النبي في تولية الولاة ، فنرى أنه كان يجنب آله الولاية ويمنع وراثة الأنبياء ، وهذه السنة مع هذا السكوت لا يدلان على أن محمداً r أراد خلافة على فحيل بينه وبين الجهر بما أراد "  . (عبقرية عمر ص 209-210) .   

  (213)  انظر ج 2 – رواية رقم " 859" – وراجع بيان الشيخ شاكر لصحة الإسناد.

  (214)  ذكر صاحب كتاب الغدير (1/12) الجزء الأخير فقط " وإن تؤمروا علياً " ولم يشر إلى الصاحبين ، وبذلك يتغير مدلول الحديث ليتفق مع عقيدته !

  • الثلاثاء PM 07:14
    2021-04-27
  • 801
Powered by: GateGold