ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ
شٌبهات وردود
المكتبة المرئية
خَــيْـرُ جَــلـيـسٌ
المتواجدون الآن
حرس الحدود
مجتمع المبدعين
البحث
عرض المادة
فقه الحديث
مما سبق نرى أن حديث الثقلين التي صح سندها صح متنها ، وأن الروايات الثمانية التي تأمر بالتمسك بالعترة إلى جانب الكتاب الكريم لم تخل واحدة منها من ضعف في السند ([1][184])، وفى متن هذه الروايات نجد الإخبار بأن الكتاب وأهل البيت لن يفترقا حتى يردا الحوض على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومن أجل هذا وجب التمسك بهما . ولكن الواقع يخالف هذا الإخبار ، فمن المتشيعين لأهل البيت من ضل وأضل ، وأكثر الفرق التي كادت للإسلام وأهله وجدت من التشيع لآل البيت ستاراً يحميها ، ووجدت من المنتسبين لآل البيت من يشجعها لمصالح دنيوية ، كأخذ خمس مايغنمه الأتباع ، وفرق الشيعة التي زادت على السبعين كل فرقة ترى أنها على صواب ، وأن غيرها قد ضل إن لم يكن قد كفر! ولسنا في حاجة إلى إثبات هذا القول ، فالكتب التي تبحث في الفرق ، وكتب الفرق ذاتها تبين هذا ، والجعفرية مثلاً عندما يشترطون للإيمان عقيدتهم في الأئمة الاثنى عشر يخرجون الأمة كلها من الإيمان ! وعقيدتهم هذه لا يسندها نص واحد من كتاب الله تعالى كما رأينا ، فإذا أمرنا بالتمسك بأهل البيت فبمن نتمسك ؟ أبكل من ينتسب لأهل البيت ! وإن تركوا كتاب الله وسنة نبيه ! بالطبع لا .
إذن عدم الضلال يأتي من التمسك بالكتاب والسنة ، وإذا تمسك أهل البيت بهما كان لهم فضل الانتساب مع فضل التمسك واستحقوا أن يكونوا أئمة هدى يقتدي بهم كما قال تعالى:-
"وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا"أي أئمة نقتدى بمن قبلنا ، ويقتدي بنا من بعدنا([2][185]) ، ولا يختص هذا بأهل البيت ولكن بكل من يعتصم بالكتاب والسنة .
فالروايات التي ضعف سندها لا يستقيم متنها كذلك ، وهذا ضعف آخر ، ومع هذا كله فلو صحت هذه الروايات فإنها لا تدل على وجوب إمامة الأئمة الاثنى عشر وأحقيتهم للخلافة .
وللننظر في فقه روايات الحديث الكوفية .
قال العلامة المناوى في فيض القدير (3/14): " إن ائتمرتم بأوامر كتابه ، وانتهيتم بنواهيه ، واهتديتم بهدى عترتى ، واقتديتم بسيرتهم ، اهتديتم فلم تضلوا .
قال القرطبى : وهذه الوصية ، وهذا التأكيد العظيم ، يقتضى وجوب احترام أهله ، وإبرازهم وتوقيرهم ومحبتهم ، وجوب الفروض المؤكدة التي لاعذر لأحد في التخلف عنها " .
ثم قال المناوى بعد هذا (3/15): لن يفترقا : أي الكتاب والعترة ، أي يستمرا متلازمين حتى يردا على الحوض : أي الكوثر يوم القيامة .
زاد في رواية : كهاتين ، وأشار بأصبعيه ، وفى هذا مع قوله أولاً : " إنى تارك " تلويح بل تصريح بأنهما كتوأمين ، خلفهما ووصى أمته بحسن معاملتهما ، وإيثار حقهما على أنفسهما ، واستمساك بهما في الدين ، أما الكتاب فلأنه معدن العلوم الدينية ، والأسرار والحكم الشرعية ، وكنوز الحقائق وخفايا الدقائق . وأما العترة فلأن العنصر إذا طاب أعان على فهم الدين ، فطيب العنصر يؤدى إلى حسن الأخلاق ، ومحاسنها تؤدى إلى صفاء القلب ونزاهته وطهارته . قال الحكيم : " والمراد بعترته هنا العلماء العاملون إذ هم الذين لا يفارقون القرآن . أما نحو جاهل وعالم مخلط فأجنبي من هذا المقام ، وإنما ينظر للأصل والعنصر عند التحلى بالفضائل ، والتخلى عن الرذائل ، فإن كان العلم النافع في غير عنصرهم لزمنا اتباعه كائناً ما كان ، ولا يعارض حثه هنا على اتباع عترته حثه في خبر على اتباع قريش ، لأن الحكم على فرد من أفراد العام بحكم العام لا يوجب قصر العام على ذلك الفرد على الأصح ، بل فائدته مزيد الاهتمام بشأن ذلك الفرد ، والتنويه يرفعه قدره . ثم قال الشريف : هذا الخبر يفهم منه وجود من يكون أهلاً للتمسك به من أهل البيت والعترة الطاهرة في كل زمن إلى قيام الساعة حتى يتوجه الحث المذكور إلى التمسك به ، كما أن الكتاب كذلك ، فلذلك كانوا أماناً لأهل الأرض ، فإن ذهبوا ذهب أهل الأرض " ا . هـ.
وقال ابن تيمية بعد أن بيَّن أن الحديث ضعيف لا يصح : " وقد أجاب عنه طائفة بما يدل على أن أهل بيته كلهم لا يجتمعون على ضلالة . قالوا : ونحن نقول بذلك كما ذكر ذلك القاضى أبو يعلى وغيره " .
وقال أيضاً : " إجماع الأمة حجة بالكتاب والسنة والإجماع ، والعترة بعض الأمة ، فيلزم من ثبوت إجماع الأمة إجماع العترة " .
بالنظر في هذه الأقوال ، وبتدبر متن الحديث ، نقول :
يجب ألا يغيب عن الذهن المراد بأهل البيت ، فكثير من الفرق التي رزئ بها الإسلام والمسلمون ادعت أنها هي التابعة لأهل البيت .
أهل البيت الأطهار لا يجتمعوا على ضلالة ، تلك حقيقة واقعة ، ونلحظ هنا أنهم في تاريخ الإسلام لم يجتمعوا على شىء يخالف باقي الأمة ، فالأخذ بإجماعهم أخذ بإجماع الأمة كما أشار ابن تيمية .
إذا نظرنا إلى أهل البيت كأفراد يتأسى بهم ، فمن يتأسى به منهم ، ونتمسك بسيرته ، لابد أن يكون متمسكاً بالكتاب والسنة ، فإن خالفهما فليس بمستحق أن يكون من أهل البيت .
وكل إنسان يؤخذ من قوله ويرد إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولذلك فعند الخلاف نطبق قول الله :-
" فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ " ([3][186])
لو كان ما ذكره الشريف من الفقه اللازم للحديث لكان في هذا ما يكفى لرفض المتن ، فالأيام أثبتت بطلانه ، وإلا فمن الذي نؤمر باتباعه في عصرنا هذا على سبيل المثال ؟
أبإحدى الفرق التي تنتسبب آل ؟ أم بجميع الفرق وكل فرقة ترى ضلال غيرها أو كفره ؟ أم بنسل آل البيت من غير الفرق ؟ !
- فرق كبير بين التذكير بأهل البيت والتمسك بهم ، فالعطف على الصغير ، ورعاية اليتيم ، والأخذ بيد الجاهل ، غير الأخذ عن العالم العابد العامل بكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
ثالثا : روايات أخرى متصلة بالغدير
هناك روايات أخرى متصلة بالغدير منها في المسند عن الإمام على سبع روايات هي ([4][187]):-
حدثنا ابن نمير ، حدثنا عبدالملك ، عن أبى عبدالرحيم الكندى ، عن زاذان أبى عمر قال : سمعت علياً في الرحبة وهو ينشد الناس : من شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم غدير خم وهو يقول ما قال ؟ فقام ثلاثة عشر رجلاً فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول : من كنت مولاه فعلى مولاه .
حدثنا محمد بن عبد الله ، حدثنا الربيع يعنى ابن أبى صالح الأسلمى ، حدثني زياد بن أبى زياد : سمعت على بن أبى طالب ينشد الناس فقال : أنشد الله رجلاً مسلماً سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم غدير خم ما قال ؟ فقام اثنا عشر بدرباً فشهدوا .
قال عبد الله بن أحمد ، حدثنا على بن الحكيم الأودى ، أنبأنا شريك ، عن أبى إسحق ، عن سعيد بن وهب ، عن زيد بن يثُيع قالا : نشد على الناس في الرحبة : من سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم غدير خم إلا قام ؟ قال : فقام من قبل سعيد ستة ، ومن قبل زيد ستة ، فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعلى يوم غدير خم : أليس الله أولى بالمؤمنين ؟ قالوا : بلى ، قال : اللهم من كنت مولاه فعلى مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه .
قال عبد الله بن أحمد ، حدثنا على بن حكيم ، أنبأنا شريك ، عن أبى إسحق ، عن عمرو ذى مر ، بمثل حديث أبى إسحق ، يعنى عن سعيد وزيد ، وزاد فيه: وانصر من نصره ، واخذل من خذله .
قال عبد الله بن أحمد : حدثني عبد الله بن عمر القوايرى ، حدثنا يونس بن أرقم ، حدثنا يزيد بن أبى زياد ، عن عبدالرحمن بن أبى ليلى قال : شهدت علياً في الرحبة ينشد الناس :
أنشد الله من سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم غدير خم : من كنت مولاه فعلى مولاه لما قام فشهد ؟
قال عبدالرحمن : فقام اثنا عشر بدرياً ، كانى أنظر إلى أحدهم ، فقالوا : نشهد أنا سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم غدير خم : ألست أولى بالمؤمنين من انفسهم وأزواجى أمهاتهم ؟ فقلنا : بلى يا رسول الله ، قال : فمن كنت مولاه فعلى مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه .
قال عبد الله بن أحمد : حدثنا أحمد بن عمر الوكيعى ، حدثنا زيد بن الحباب ، حدثنا الوليد بن عقبة بن نزار العنسى ، حدثني سماك بن العبيد ابن الوليد العبسى قال : دخلت على عبدالرحمن بن أبى ليلى ، فحدثنى أنه شهد علياً في الرحبة قال : أنشد الله رجلاً سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهده يوم غدير خم إلا قام ، ولا يقوم إلا من قد رآه ؟ فقام اثنا عشر رجلاً فقالوا : قد رأيناه وسمعناه حيث أخذ بيده يقول : اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله ، فقام إلا ثلاثة لم يقوموا ، فدعا عليهم ، فأصابتهم دعوته .
قال عبد الله بن أحمد : حدثني حجاج بن الشاعر ، حدثنا شبابة ، حدثني نعيم بن حكيم ، حدثني أبو مريم ورجل من جلساء على عن على : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم غدير خم : من كنت مولاه فعلى مولاه ، قال : فزاد الناس بعد : وال من والاه ، وعاد من عاداه .
هذه هي الروايات السبع ، والرواية الأولى سندها ضعيف ، إلا أن متنها صحيح وهو : " من كنت مولاه فعلى مولاه " ، والروايات الأخرى تؤيده ، كما أنه روى بطرق مختلفة عن غير الإمام على ، حتى عده بعض رجال الحديث من المتواتر أو المشهور ([5][188]).
وفى الروايتين الثالثة والخامسة نجد زيادة " اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه " . وفى الرابعة " وانصر من نصره ، واخذل من خذله " ولكن نجد في السابعة " فزاد الناس بعد : وال من والاه ، وعاد من عاداه " .
فهذه الرواية تنص على أن الزيادة ليست من قول الرسول صلى الله عليه وسلم .
والإشكال هنا أن هذه الروايات الأربع صحيحة السند ، وفى المسند كذلك عن زيد بن أرقم عدة روايات في بعضها زيادة " اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه " ، وفى بعضها إنكار لهذه الزيادة ([6][189]) ، وهذا يجعلنا نتوقف فلا نستطيع الحكم بأن هذا قول النبي الكريم أو زيادة الناس بعد إلا بمزيد من البحث للترجيح .
والمهم هنا دلالة المتن مع الزيادة أو بدونها ، أيعتبر هذا نصاً في أن الخلافة يجب أن تكون للإمام على ؟
سبق بيان أن الولى بمعنى المتولى للأمور والمستحق للتصرف فيها ، وبمعنى الناصر والخليل ، والقرآن الكريم عندما أمر بمولاة أقوام ، أو نهى عن موالاة آخرين جاءت الموالاة بمعنى النصرة والمحبة ، ولم تأت حالة واحدة بمعنى الولاية العامة على المؤمنين ، وهذه الروايات تأمر بموالاة الإمام على ونصرته وتنهى عن معاداته وخذلانه ، وهذا لا يخرج عن الاستعمال القرآنى كما هو واضح ، فإذا كان النهى عن المعاداة والخذلان ، فالأمر بالمحبة وهى الموالاة والنصرة ، ولا مكان للخلافة هنا ، ولو أرادها الرسول صلى الله عليه وسلم لكان التعبير بنص صريح لا يحتمل تأويلاً يخرجه عن معناه ، ولكانت القرائن كذلك تؤيده .
ومما يدل على أن المراد بالموالاة المحبة والنصرة لا الخلافة ، أن الإمام نشد الناس في الكوفة بعد أن آلت الخلافة إليه ، وأهل الكوفة - ومن ذهب معه إليها - بايعوه بلا خلاف ، ولكن أكثرهم خذلوه ولم ينصروه كما هو معلوم مشهور([7][190]) ولو كان المراد بالموالاة الخلافة لاحتج بهذا على الخلفاء الراشدين السابقين وعلى من بايعهم ، وهذا لم يثبت على الإطلاق ، ولم أجد في كتب السنة التي رجعت إليها رواية واحدة تذكر مثل هذا الاحتجاج .
وفى الفصل الأول ذكرت ما رواه البخاري ومسلم عن بيعة أبى الحسن للصديق ، وليس فيها ذكر لشىء عن الغدير ، ولم ينكر الإمام على أحقية الصديق و لا فضله ، وسر المسلمون بذلك الموقف وقالوا لعلى : أصبت وأحسنت ، وكانوا إليه قريباً حين راجع المعروف ، أي حين بايع ، ولو نشد المسلمين هنا لشهد المئات ممن حضر الغدير ، ومنهم من شهد بعد ذلك بالفعل في الكوفة ، ولكنه بين سبب تأخره عن البيعة بقوله لأبى بكر : " إنا قد عرفنا فضلك وما أعطاك الله ، ولم ننفس عليك خيراً ساقه الله إليك ، ولكنك استبددت علينا بالأمر ، وكنا نرى لقرابتنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم نصيباً " . وعند البيعة أمام المسلمين في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم استغفر وتشهد ، وعظم حق أبى بكر ، وحدث أنه لم يحمله على الذي صنع نفاسة على أبى بكر ، ولا إنكاراً للذى فضله الله به ، " ولكننا نرى لنا في هذا الأمر نصيباً ، فاستبد علنا ، فوجدنا في أنفسنا " .
فالإمام على قد وجد في نفسه لأنه لم يشرك في أمر الخلافة واستبد به غيره ، وله ما يؤيد وجهة نظره ، فأمر خطير كهذا لا يُقضى دون مشورة أبى الحسنين ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وزوج ابنته فاطمة الزهراء ، إلى جانب فضله وسبقه وعلمه . وعذر أبى بكر وعمر وسائر الصحابة كان واضحاً - كما يقول النووى - لأنهم رأوا المبادرة بالبيعة من أعظم مصالح المسلمين ، وخافوا من تأخيرها حصول خلاف ونزاع تترتب عليه مفاسد عظيمة ،ولهذا أخروا دفن النبي صلى الله عليه وسلم حتى عقدوا البيعة لأنها كانت أهم الأمور ، كيلا يقع نزاع في مدفنه أو كفنه أو غسله ، أو الصلاة عليه أو غير ذلك ، وليس لهم من يفصل الأمور ، فرأوا تقديم البيعة أهم الأشياء .
فلو كانت الموالاة تعنى الخلافة لاحتج بها على الصديق ومن بايعه ، ولما تمت البيعة أصلاً .
والشكوى التي من أجلها دافع الرسول صلى الله عليه وسلم عن أبى الحسن توضح أن المراد بالموالاه شىء آخر غير الخلافة ، أو على أقل تقدير لا ترجح أن الخلافة هي المراد .
وتبين الشكوى كذلك السبب في أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقل هذا في خطبته الجامعة يوم عرفة في حجة الوداع ، فلو كان المراد الخلافة لكان من الأرجح - إن لم يكن من المؤكد - أن يقال هذا في تلك الخطبة لا أن يقال بعد الشكوى([8][191]).
قال الآلوسى :
" ربما يستدل على أن المراد بالولاية المحبة بأنه لم يقع التقييد بلفظ بعدى ، والظاهر حينئذ اجتماع الولايتين في زمان واحد . ولا يتصور الاجتماع على تقدير أن يكون المراد أولوية التصرف بخلاف ما إذا كان المراد المحبة " ([9][192]).
وإذا كان عدم التقييد بلفظ بعدى في جميع الروايات السابقة يؤيد ما ذهب إليه الآلوسى ، فإنى وجدت روايات فيها التقييد ،وربما يستدل بها على أن المراد بالولاية أولوية التصرف ، ويحمل المطلق على المقيد حينئذ ، وهذه الروايات نجدها في المسند وسنن الترمذي ، ففيها أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال : " إن علياً منى وأنا منه ، وهو ولى كل مؤمن بعدى" ([10][193]) وزاد الترمذي : " هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من جعفر بن سليمان " . وجعفر هذا نجده في رواية الإمام أحمد كذلك ، ثم انفرد برواية أخرى عن طريق غير جعفر وفيها : " وإنه منى وأنا منه ، وهو وليكم بعدى " ([11][194]).
وجعفر بن سليمان من شيعة البصرة ، وهو متكلَّم فيه : وثقة ابن معين وعباس وابن حبان والبزار . قال ابن سعد : كان ثقة وبه ضعف ، وكان يتشيع .
وقال أبو طالب عن أحمد : لا بأس به . قيل له : إن سليمان بن حرب يقول لا يكتب حديثه ؟ فقال : إنما كان يتشيع ، وكان يحدث بأحاديث في فضل على ، وأهل البصرة يغلون في على . قلت عامة حديثة رقاق ؟ قال :
نعم ، كان قد جمعها وكان يحيى بن سعيد لا يروى عنه ، وكان يستضعفه . وكان عبدالرحمن بن مهدى يستثقل حديثه .
وقال البخاري : يقال كان أميّاً ، وقال في الضعفاء ، يخالف في بعض أحاديثه . وقال ابن المديني : هو ثقة عندنا ، وقال أيضاً : أكثر عن ثابت ، وبقية أحاديثه مناكير .
وقال ابن شاهين في المختلف فيهم : إنما تكلم فيه لعلة المذهب ، وما رأيت من طعن في حديثه إلا ابن عمار يقول : جعفر بن سليمان ضعيف .
وبغير ترجيح لتوثيق جعفر بن سليمان أو تضعيفه يمكن القول بأن حديثاً ينفرد به ويتصل بمذهبه لا يرقى إلى مرتبة الاحتجاج .
والرواية الأخرى للإمام أحمد نجد في سندها الأجلح الكندى ([12][195]) ، وهو من شيعة الكوفة ، ومتكلَّم فيه أيضاً ، وثقه ابن معين والعجلى وابن عدى ، وقال يعقوب بن سفيان : ثقة حديثة لين .
وقال أحمد : روى الأجلح غير حديث منكر .
وقال القطان : في نفسى منه شىء . وقال أيضاً : ما كان يفصل بين الحسين ابن على وعلى بن الحسين ، يعنى أنه ما كان بالحافظ . وقال ابن حبان: كان لا يدرى ما يقول ، جعل أبا سفيان أبا الزبير .
وضعفه أبو داود والنسائى وأبو حاتم ، وقال ابن سعيد : كان ضعيفاً جداً ، بل وصمه الجوزجانى بالافتراء . إذن فهذه الرواية التي انفرد بها أحمد عن الأجلح لا يحتج بها ، ولا توجد روايات فيها تقييد بلفظ بعدى ، وبذا يظل ما ذكره الآلوسى صحيحاً .
رابعا : روايات أخرى يرى بعض الجعفرية أنها تؤيد مذهبهم
يرى بعض الجعفرية أنها تؤيد مذهبهم
بعد هذا كله نقول : إن الروايات السابقة هي جميع ما يتصل بالغدير عمدة أدلة الشيعة ، ومن عرضها ومناقشتها تبين لنا أنها لا تؤيد ما ذهب إليه الجعفرية
من القول في الإمامة ، وتوجد روايات أخرى يرى بعض الجعفرية أنها تؤيد مذهبهم ، نعرض أهمها ونناقشها بشىء من الإيجاز .
1-خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم على بن أبى طالب في غزوة تبوك ، فقال : يا رسول الله تخلفنى في النساء والصبيان ؟ فقال : " أما ترضى أن تكون منى بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدى " .
هذا الحديث الشريف رواه الشيخان وغيرهما ([13][196]) ، وهو بلا شك يدل على فضل الإمام كرم الله وجهه ، وقد استخلف الرسول صلى الله عليه وسلم على المدينة آخرين([14][197]) ، فهذا الاستخلاف ليس خاصاً بأبى الحسن ، ومثل هذا الاستخلاف في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم لايقتضى الخلافة في الأمة بعد مماته ، ولو أراد الرسول صلى الله عليه وسلم الخلافة العظمى لقالها ، فما يمنعه صلى الله عليه وسلم ولقال ذلك للمسلمين ، ووجب عليهم السمع والطاعة وإن ولى عليهم عبد حبشى مجدع الأطراف . وواضح من شكوى الإمام في جعله مع الخوالف من النساء والصبيان أن في قول الرسول صلى الله عليه وسلم ترضية لنفسه وتهدئة لخواطره ، فموسى استخلف هارون عليهما السلام عندما توجه إلى الطور ، ولكن الجعفرية يرون أن الرسول صلى الله عليه وسلم " أنزله منه منزلة هارون من موسى ، ولم يستثن من جميع المنازل إلا النبوة ، واستثناؤها دليل على العموم " ([15][198]).
وقولهم فيه نظر ، فمثلاً كان هارون أخاً لموسى وأفصح منه لساناً ، وهذا ينقض العموم ، لأن هاتين المنزلتين لا تتحققان لعلى . بل إن التطابق لا يتحقق في الاستخلاف ذاته ، فموسى استخلف أخاه على بنى إسرائيل وذهب هو للمناجاة ، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم استخلف ابن عمه على المدينةوليس فيها إلا من لم يخرج للقتال من النساء ، والصبيان والعجزة ، أما عامة المسلمين فكانوا الجيش الذي خرج للقتال مع الرسول صلى الله عليه وسلم كما أن " هارون لم يل أمر بنى إسرائيل بعد موسى عليهما السلام ، وإنما ولى الأمر بعد موسى رضي الله عنه يوشع بن نون فتى موسى وصاحبها الذي سافر معه لطلب الخضر عليهما السلام ، كما ولى الأمر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم صاحبه في الغار الذي سافر معه إلى المدينة " ([16][199]).
2-روى الإمام البخاري عن جابر بن سمرة قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " يكون اثنى عشر أميراً ، فقال كلمة لم أسمعها ، فقال أبى : إنه قال : كلهم من قريش ([17][200]) " .
وروى الإمام مسلم عن جابر بن سمرة قال : دخلت مع أبى على النبي صلى الله عليه وسلم فسمعته يقول : " إن هذا الأمر لا ينقضى حتى يمضى فيهم اثنا عشر خليفة ، قال : ثم تكلم بكلام خفى على قال : فقلت لأبى ما قال ؟ قال : كلهم من قريش " .
وفى رواية أخرى " لا يزال أمر الناس ماضياً ما وليهم اثنا عشر رجلاً " وفى إحدى الروايات كذلك " لا يزال هذا الدين عزيزاً منيعاً إلى اثنى عشر خليفة " ([18][201]) ، وفى رواية لأبى داود " كلهم تجتمع عليه الأمة " ([19][202]).
وتحديد الخلفاء باثنى عشر هو الذي جعل الاثنى عشرية يحتجون بهذه الروايات ، ولكن من الواضح أن هذه الروايات تشير إلى المدة التي يظل فيها عزة الإسلام والدين ، وصلاح حال المسلمين . وعلى قول الجعفرية تظل هذه العزة وهذا الصلاح إلى يوم القيامة كما يظهر من قولهم في الإمام الثانى عشر !
وواقع الأمر ودلالة الروايات يدلان على غير هذا . ومن الواضح كذلك أن الأمة لم تجتمع على أئمة الجعفرية ، بل لم يتولوا الخلافة أصلاً باستثناء الإمام على.
3-أخرج البخاري([20][203]) عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس قال : لما حضر النبي صلى الله عليه وسلم قال : وفى البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب ، قال : هلم أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعدى. قال عمر : إن النبي صلى الله عليه وسلم غلبه الوجع وعندكم القرآن فحسبنا كتاب الله . واختلف أهل البيت واختصموا ، فمنهم من يقول : قربوا يكتب لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاباً لن تضلوا بعده ، ومنهم من يقول ما قال ، فلما أكثروا اللغط والاختلاف عند النبي صلى الله عليه وسلم قال : قوموا عنى .
قال عبيد الله : فكان ابن عباس يقول : إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب من اختلافهم ولغطهم .
وعن سعيد بن جبير قال : قال ابن عباس : يوم الخميس ، وما يوم الخميس ؟ اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه فقال : إئتونى أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً . فتنازعوا ، ولاينبغى عند نبي تنازع ، فقالوا : ماشأنه أهجر؟ استفهموه ، فذهبوا يردون عليه فقال : دعونى فالذى أنا فيه خير مما تدعوننى إليه ، وأوصاهم بثلاث ، قال : أخرجوا المشركين من جزيرة العرب ، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم ، وسكت عن الثالثة ، أو قال : فنسيتها ([21][204]).
وفى رواية للإمام أحمد ([22][205]) : حدثنا سفيان عن سليمان بن أبى مسلم خال ابن أبى نجيح ، سمع سعيد جبير يقول : قال ابن عباس : يوم الخميس ، وما يوم الخميس ، ثم بكى حتى بل دمعه - الحصى ، قلنا يا أبا العباس ، وما يوم الخميس ؟ قال : اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه فقال : ائتونى أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده أبداً ، فتنازعوا ، ولا ينبغى عند نبي تنازع ، فقالوا ما شأنه ؟ أهجر ؟ قال سفيان : يعنى هذى ، استفهموه ، فذهبوا يعيدون عليه ، فقال : دعونى ، فالذى أنا فيه خير مما تدعونى إليه ، وأمر بثلاث ، وقال سفيان مرة أوصى بثلاث قال : أخرجوا المشركين من جزيرة العرب ، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم ، وسكت سعيد عن الثالثة ، فلا أدرى أسكت عنها عمداً ، وقال مرة أو نسيها ؟ وقال سفيان مرة : وإما أن يكون تركها أو نسيها .
ووردت هذه الروايات كذلك في صحيح مسلم ([23][206]).
ولا تبدو صلة بين هذه الروايات وبين الإمامة ، ولكن الوصية الثالثة - التي نسيت أو تركت - كانت المدخل للجدال ! فوجدنا من الجعفرية من يقول بأن الصحابة " علموا أنه صلى الله عليه وسلم إنما أراد توثيق العهد بالخلافة ، وتأكيد النص بهذا علَى علىّ خاصة ، وعلى الأئمة من عترته عامة ، فصدوه عن ذلك كما اعترف به الخليفة الثانى في كلام دار بينه وبين ابن عباس ، وأنت إذا تأملت في قوله صلى الله عليه وسلم " ائتونى أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده " ، وقوله في حديث الثقلين : " إنى تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا ، كتاب الله وعترتى أهل بيتي " ، تعلم أن المرمى في الحديثين واحد ، وأنه صلى الله عليه وسلم أراد في مرضه أن يكتب لهم تفصيل ما أوجبه عليهم في حديث الثقلين " - كتاب المراجعات ص 284 ، وفى ص 255 قال : " ومع ذلك فقد أوصاهم عند موته بوصايا ثلاث : أن يولوا عليهم علياً ، وأن يخرجوا المشركين من جزيرة العرب ، وأن يجيزوا الوفد بنحو ما كان يجيزه ، لكن السلطة والسياسة يومئذ ما أباحتا للمحدثين بوصيته الأولى ، فزعموا أنهم نسوها " .
ولسنا في حاجة إلى الحديث عن كبار الصحابة ، رضوان الله عليهم . وعن تنزيههم عن مثل هذه المفتريات ، ولكن يكفى أن نقول : بأن هذه الروايات ليست دليلاً قائماً بذاته وإنما يحتاج إلى أدلة أخرى لترجيح احتمالات الوصية الثالثة وما أريد كتابته ، ولذلك احتج بحديث الثقلين للاستدلال ، وهذا الحديث لم يصح له إسناد كما ثبت من قبل ، والذى صح حديث التمسك بالكتاب والسنة ، فلعله هو المراد من الوصية الثالثة .
على أن ذلك من باب الترجيح لا الجزم ([24][207]) . واتهام المحدثين بأنهم زعموا النسيان خوفاً من السلطة وميلاً مع السياسية ، وهم يعلمون أن الوصية خاصة بخلافة على ، هذا الاتهام لو صح فإنه يوجه إلى سعيد بن جبير ، ويكفى لرده أن يعرف تاريخ سعيد ، وشجاعته أمام الحجاج ، وأن نقرأ ما كتب عنه في كتب الجعفرية أنفسهم ([25][208]) .
وإن تعجب فعجب قولهم بأن الفاروق اعترف بأن الكتاب أريد به توثيق العهد بالخلافة لعلى والأئمة من عترته ، وأنه هو وكبار الصحابة صدوا الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك ! ([26][209]) .
وسيأتي بعد قليل رواية الصحيحن عن عمر بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستخلف .
خامسا : روايات لها صلة بموضوع الإمامة
مما سبق نرى أن السنة النبوية - كما روتها الكتب الثمانية وغيرها أيضاً مما رجعنا إليه - ليس فيها ما يؤيد عقيدة الشيعة الجعفرية في الإمامة ، وفى هذه الكتب وردت روايات أخرى لها صلة بموضوع الإمامة نعرضها ونناقشها فيمتا يأتي :-
1- روى الإمام أحمد بسند صحيح ([27][210]) عن الإمام على رضي الله عنه أنه قال : " قيل : يا رسول الله : من يؤمر بعدك ؟ قال : إن تؤمروا أبا بكر تجدوه أميناً زاهداً في الدنيا راغباً في الآخرة ، وإن تؤمروا عمر تجدوه قوياً أميناً لا يخاف في الله لومة لائم ، وإن تؤمروا عليّاً ، ولا أراكم فاعلين تجدوه هادياً مهدياً يأخذ بكم الطريق المستقيم " .
وهذا الحديث الشريف يدل على أن الإمامة بالاختيار لا بالتعيين ، فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يعين أحداً ، وإنما جعل هذا للمسلمين ، وذكر ثلاثة يصلحون لخلافته ([28][211]).
(187) ومع هذا الضعف جاء في كتاب المراجعات للموسوي بأنها متواترة ! (ص 51) ونسب للشيخ سليم البشرى أنه تلقى هذا القول بالقبول ! ( ص 54) وأنه طلب المزيد ، وذكر صاحب المراجعات روايات أخرى أشد ضعفاً ، ونسب للشيخ البشرى أنه أعجب بها ، ورآها حججاً ملزمة ! (ص 55-61) وسيأتي الحديث مرة أخرى عن هذا الكتاب .
(188) راجع البخاري – كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة – باب الاقتداء بسنن الرسول r .
(190) انظر الروايات وتخريج المرحوم شاكر لها في المسند ج 2 ، وأرقامها على التوالى 641 ، 670 ، 950 ، 951 ، 961 ، 964 ، 1310 .
(191) انظر كشف الخلفاء 2/274 , والرواية الساسة تتفق مع كثير من الروايات فيما عدا زيادة إنكار بعض الصحابة ودعاء الأمير عليهم ، وهى ضعيفة السند بحمد الله تعالى ، فاتفق هذا الضعف مع هذه الزيادة التي لم تأت في رواية صحيحة على الإطلاق ، والتي لا تستقيم مع ماعرف عن الصحابة الكرام ، فليس بمؤمن من يكتم شهادة حق ، وهذه شهادة معروفة لا ضرر في إظهارها ولا خير في إنكارها ، فلو كان هؤلاء ممن نافقوا لا من المؤمنين فلم يقدمون على هذا الكتمان ؟ وأنى هذا إذا كان الجرم ينسب لأنس بن مالك وزيد بن أرقم وبراء بن عازب وغيرهم من أجلاء الصحابة ! ثم أنى لمن تربى في بيت النبوة وتخلق بخلقها أن يدعو عليهم بدلاً من أن يدعو لهم ! ولكن هذه الاتهامات لخير قرن ـ مع ضعفها ـ تعجب بعض الشيعة فيلتقطونها من أي مصدر لتأييدها وترويجها . ( انظر مثلاً الغدير 1/191-195) .
(192) انظر المسند ط الميمنية 4/368 – 373 .
(193) للإمام على خطب كثيرة تبين تخاذل هؤلاء الشيعة ، يمكن الرجوع إليها في نهج البلاغة – وعندما أغار سفيان بن عوف بجنده على الأنبار ، ثم انصرفوا وافرين ، خطب الإمام خطبة منها : " فقبحاً لكم وترحاً حين صرتم غرضاً يرمى ، يغار عليكم ولا تُغيرون ، وتُغزَون ولا تَغزُون ، ويعصى الله وترضون ! فإذا أمرتكم بالسير إليهم في أيام الصيف قلتم : هذه حمارةّ القيظ ، أمهلنا يُسَّبح عنا الحر ، وإذا أمرتكم بالسير إليهم في الشتاء قلتم: هذه صبارة القر ، أمهلنا ينسلخ عنا البرد ، كل هذا فراراً من الحر والقر ، فإذا كنتم من الحر والقر تفرون فأنتم والله من السيف أفر !
يا أشباه الرجال و لا رجال ! حلوم الأطفال ، وعقول ربات الحجال ، لوددت أنى لم أركم ولم أعرفكم ! معرفة والله جرت ندماً ، وأعقبت سدماً ، قاتلكم الله ! لقد ملأتم قلبى قيحاً ، وشحنتم صدرى غيظاً ، وجرعتمونى نغب التهمام أنفاساً ، وأفسدتم على رأيى بالعصيان والخذلان ، حتى قالت قريش : إن ابن أبى طالب رجل شجاع ، ولكن لا علم له* *بالحرب " (نهج البلاغة ص 53 –54) (ترحاً : هماً و حزناً أو فقراً - حمارة القيظ : شدة الحر – سبخ عنا الحر : خفف – صبارة الشتاء : شدة برده – القر بالضمة : البرد – ربات الحجال : النساء – السدم : الهم مع أسف أو غيظ - النغب : جمع نغبة كجرعة لفظاً ومعنى – التهمام : الهم – أنفاساً : أي جرعة بعد جرعة ) .
(194) ذكر صاحب كتاب المراجعات أن الشيخ سليم البشرى لم يقتنع فقط بقول الجعفرية في تفسير كلمة المولى التي وردت في روايات الغدير ، بل كتب يخاطبه (ص 220) : " لو كان المراد الناصر أو نحوها ما سأل سائل بعذاب واقع ، فرأيكم في المولى ثابت مسلم ! " .
ولا أدرى أكان علامة زمانه شيخ الجامع الأزهر يجهل ما ذهب إلى جمهور المفسرين بلا خلاف من مكية سورة المعارج ؟ لقد ذكرت من قبل ما ذهب إليه جمهور المفسرين ، وموافقة الطوسي لهم ، وهو شيخ طائفة الجعفرية، وكذلك إمام المفسرين عند الجعفرية ، أكان شيخ الأزهر والمالكية جعفرياً أكثر من شيخ طائفتهم وإمام مفسريهم فاتخذ من السورة الكريمة ما يؤيد رأي صاحب المراجعات ؟ أم أن هذا نُسب كذباً لشيخ الأزهر – ولم يطبع الكتاب إلا بعد وفاته – كدأب كثير من أصحاب الفرق عند البحث عن طريق يسلكونها لتأييد مذهبهم ؟ وقد رأينا من قبل ما نسبه صاحب الغدير لشيخ المفسرين الطبري ! وسبق في ص 137 ما نسب للشيخ البشرى ، المسألة إذن تحتاج إلى نظر ! وقد دعانى هذا إلى تأليف كتاب " المراجعات المفتراة على شيخ الأزهر البشرى " أثبت به يقيناً براءة الشيخ البشرى مما نسب له ، وبينت بالأدلة ضلال عبدالحسين مؤلف المراجعات ، بل كفره وزندقته .
([9][192]) تفسير الآلوسى 2/351 .
([10][193]) المسند ط الميمنية 4/438 ، والترمذى – كتاب المناقب – باب مناقب على بن أبى طالب رضي الله عنه .
(198) انظر ترجمة كل منهما في تهذيب التهذيب .
(199) راجع البخاري – كتاب المناقب – باب مناقب على بن أبى طالب- وصحيح مسلم كتاب فضائل الصحابة – باب من فضائل على بن أبى طالب واللفظ لمسلم ، والمسند ج 3 رواية رقم 1463 وتخريج الشيخ شاكر لها .
(200) استخلف الرسول r على المدينة ابن أم مكتوم لما خرج لحرب بنى النضير ، وفى غزوة الخندق ، وعثمان بن عفان لما خرج لغزوة ذات الرقاع ، وأبا لبابة بن عبدالمنذر لما سار لغزوة بدر ( انظر المنتقى ص 53، 212) .
([16][199]) لفصل في الملل والأهواء والنحل ص 94، وانظر المنتقى حاشية ص 213 .
([17][200]) كتاب الأحكام من صحيحه – باب الاستخلاف .
([18][201]) راجع مسلم – كتب الإمارة – باب الناس تبع لقريش والخلافة في قريش .
([19][202]) راجع سنن أبى داود – كتاب المهدى .
([20][203]) كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة – باب كراهية الخلاف .
([21][204]) راجع صحيح البخاري – باب مرض النبي r ووفاته .
([22][205]) المسند ج 3 رواية رقم 1935 ،وانظر تخريج الشيخ شاكر وشرحه لها .
([23][206]) كتاب الوصية – باب ترك الوصية ، وفى كتاب الجهاد والسير من صحيح البخاري – باب جوائز الوفد – جاءت رواية أخرى اختلفت النسخ في متنها (انظر طبعة مطابع الشعب سنة 1378 هـ ) ففي إحدى النسخ أسند الهجر إلى الرسول الكريم بغير استفهام ، ولكن في نسختين أخريين أثبتت همزة الاستفهام ، ولعلهما هنا أصح ، وهذا يتفق مع الروايات الأخرى ، وفى صحيح مسلم كانت الروايات بلفظ " أهجر" ولكن رواية جاءت بلفظ " إن رسول الله r يهجر " هكذا بغير استفهام بل بأداة تأكيد ! وصاحب فتح البارى تحدث عن المراد بقولهم " أهجر " فقال : المراد به هنا ما يقع من كلام المريض الذي لا ينتظم ولا يعتد به لعدم* *فائدته ، ووقوع ذلك من النبي r مستحيل ، لأنه معصوم في صحته ومرضه لقوله تعالى (3 : النجم )] وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى[ ، ولقوله r : " إنى لا أقول في الغضب والرضا إلا حقاً". وإذا عرف ذلك فإنما قاله من قاله منكراً على من توقف في امتثال أمره بإحضار الكتف والدواة، فكأنه قال : كيف تتوقف ؟ أتظن أنه كغيره يقول الهذيان في مرضه ؟ ويحتمل أن بعضهم قال ذلك عن شك عرض له ، ولكن يبعده أن لا ينكره الباقون عليه من كونهم من كبار الصحابة ولو أنكروه عليه لنقل . ويحتمل أن يكون الذي قال ذلك صدر عن دهش وحيرة كما أصاب كثيراً منهم عند موته . ويحتمل أن يكون قائل ذلك أراد أنه اشتد وجعه فأطلق اللازم وأراد الملزوم ، لأن الهذيان الذي يقع للمريض ينشأ من شدة وجعه . وقيل : قال ذلك لإرادة سكوت الذين لغطوا ورفعوا أصواتهم عنده ، فكأنه قال : إن ذلك يؤذيه ويفضى في العادة إلى ما ذكره " .
ثم قال : وأوصاهم بثلاث أي في تلك الحالة ، وهذا يدل على أن الذي أراد أن يكتب لم يكن أمراً متحتماً ، لأنه لو كان مما أمر بتبليغه لم يكن يتركه لوقوع اختلافهم ، ويعاقب الله من حال بينه وبين تبليغه ، ولبلغه لهم لفظاً كما أوصاهم بإخراج المشركين وغير ذلك وقد عاش بعد هذه المقالة أياماً ، وحفظوا عنه أشياء لفظاً ، فيحتمل أن يكون مجموعها ما أراد أن يكتبه والله أعلم . ( انظر باب مرض النبي r ووفاته ) .
([24][207]) جاء في الموضع السابق من فتح البارى : " قال الداودى : الثالثة الوصية بالقرآن ، وبه جزم ابن التين . وقال المهلب : بل هو تجهيز جيش أسامة ، وقواه ابن بطال بأن الصحابة لما اختلفوا على أبى بكر في تنفيذ جيش أسامة قال لهم أبو بكر إن النبي r عهد بذلك عند موته . وقال عياض : يحتمل أن تكون هو قوله ( ولا تتخذوا قبرى وثنا ) فإنها ثبتت في الموطأ مقرونة بالأمر بإخراج اليهود . ويحتمل أن يكون ما وقع في حديث أنس أنها قوله : الصلاة وما ملكت أيمانكم .
([25][208]) انظر ما كتب عنه في الغدير 1/65.
([26][209]) قال ابن تيمية : " من توهم أن هذا الكتاب كان بخلافة على فهو ضال باتفاق عامة الناس من علماء السنة والشيعة ، وأما أهل السنة فمتفقون على تفضيل أبى بكر وتقديمه . وأما الشيعة القائلون بأن علياً كان هو المستحق للإمامة فيقولون أنه قد نص على إمامته قبل ذلك نصاً جلياً ظاهراً معروفا ، وحينئذ فلم يكن يحتاج إلى كتاب ، وإن قيل : إن الأمة جحدت النص المعلوم المشهور فلأن تكتم كتاباً حضره طائفة قليلة أولى وأحرى , وأيضاً فلم يكن يجوز عندهم تأخير البيان إلى مرض موته ، ولا يجوز له ترك الكتاب لشك من شك ، فلو كان ما يكتبه في الكتاب مما يجب بيانه وكتابته لكان النبي r يبينه ويكتبه ولا يلتفت إلى قول أحد فإنه أطوع الخلق له ( أي للواجب ) . فعلم أنه لما ترك الكتاب لم يكن الكتاب واجباً ولا كان فيه من الدين ما تجب كتابته حينئذ ، إذ لو وجب لفعله (المنتقى ص 349-350) .
وقال العقاد : " أما القول بأن عمر هو الذي حال بين النبي r والتوصية باختيار على للخلافة بعده فهو قول من السخف بحيث يسىء إلى كل ذى شأن في هذه المسألة ،ولا تقتصر مساءته على عمر ومن رأي في المسألة مثل رأيه . فالنبي r لم يدع بالكتاب الذي طلبه ليوصى بخلافة على أو خلافة غيره ، لأن الوصية بالخلافة لا تحتاج إلى أكثر من كلمة تقال ، أو إشارة كالإشارة التي فهم منها إيثار أبىبكر بالتقديم ، وهى إشارته إليه أن يصلى بالناس ، وقد عاش النبي بعد طلب الكتاب فلم يكرر طلبه ، ولم يكن بين على وبين لقائه حائل ،وكانت السيدة فاطمة زوج على عنده إلى أن فاضت نفسه الشريفة ، فلو شاء لدعى به وعهد إليه . وفضلاً عن هذا السكوت الذي لا إكراه فيه ، نرجع إلى سابقة من سنن النبي في تولية الولاة ، فنرى أنه كان يجنب آله الولاية ويمنع وراثة الأنبياء ، وهذه السنة مع هذا السكوت لا يدلان على أن محمداً r أراد خلافة على فحيل بينه وبين الجهر بما أراد " . (عبقرية عمر ص 209-210) .
(213) انظر ج 2 – رواية رقم " 859" – وراجع بيان الشيخ شاكر لصحة الإسناد.
(214) ذكر صاحب كتاب الغدير (1/12) الجزء الأخير فقط " وإن تؤمروا علياً " ولم يشر إلى الصاحبين ، وبذلك يتغير مدلول الحديث ليتفق مع عقيدته !
-
الثلاثاء PM 07:14
2021-04-27 - 801