المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 414893
يتصفح الموقع حاليا : 301

البحث

البحث

عرض المادة

روايات التمسك بالكتاب والعترة

روايات التمسك بالكتاب والعترة

     من هذه الروايات ما رواه الإمامان مسلم وأحمد عن زيد بن أرقم ، وسبق ذكره عند الحديث عن آية التطهير ، وفى تلك الروايات الحث على التمسك بكتاب الله تعالى ، ثم قوله صلى الله عليه وسلم : " أذَّكركم الله في أهل بيتي " ، وقول زيد : " إن نساءه من أهل بيته ، ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده " وقال " هم آل على وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس " . وهذه الروايات تحثنا معشر المسلمين على أن نرعى حقوق آل البيت ، بيت نبينا صلى الله عليه وسلم ، فنحبهم ونوقرهم وننزلهم منازلهم ، فحبنا لرسولنا الأعظم يدفعنا لحبنا لآله الأطهار ، وعلينا أن نصلهم ، ورحم الله أبا بكر الصديق حيث قال : " والذى نفسى بيده لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلى أن أصل من قرابتى"([1][162])  ، وقال " ارقبوا محمداً صلى الله عليه وسلم في أهل بيته " ([2][163]).

       وبالطبع لا تدل هذه الروايات على  وجوب الإمامة لآل البيت ، ولا لأحد بعينه ، فلا صلة بين التذكير بأهله والنص على خلافة بعضهم .

       وأما باقي الروايات فإنها جاءت في المسند ، وفى سنن الترمذي . وروايات المسند هي :-

  1. حدثنا عبد الله ، حدثني أبى ، حدثنا أسود بن عامر ، أخبرنا إسرائيل يعنى إسماعيل بن أبى إسحق الملائى ، عن عطية ، عن أبى سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

  " إنى تارك فيكم الثقلين ، أحدهما أكبر من الآخر ، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتى أهل بيتي ، وإنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض " (3/14).

2.حدثنا عبد الله ، حدثني أبى ، حدثنا أبو النضر ، حدثنا محمد يعنى ابن طلحة ، عن الأعمش ، عن عطية العوفى ، عن أبى سعيد الخدري ، عن النبي صلى الله عليه وسلم     قال : " إنى أوشك أن أدعى فأجيب ، وإنى تارك فيكم الثقلين ، كتاب الله عز وجل ، وعترتى ، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتى أهل بيتي ، وإن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض ، فانظرونى بم تخلفونى فيهما  ؟ " (3/17) .

3.حدثنا عبد الله ، حدثنا أبى ، ثنا ابن نمير ، ثنا عبدالملك يعنى ابن أبى   سليمان ، عن عطية ، عن أبى سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنى قد تركت فيكم الثقلين ، أحدهما أكبر من الآخر ، كتاب الله عز وجل حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتى أهل بيتي. ألا إنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض " (3/26).

4.حدثنا عبد الله ، حدثني أبى ، ثنا ابن نمير ، ثنا عبدالملك بن أبى سليمان ، عن عطية العوفى ، عن أبى سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنى قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا بعدى : الثقلين ، أحدهما أكبر من الآخر ، كتاب الله عز وجل حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتى أهل بيتي . ألا إنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض " (3/59) .

5.حدثنا عبد الله ، حدثني أبى ، ثنا الأسود بن عامر ، ثنا شريك ، عن الركين، عن القاسم بن حسان ، عن زيد بن ثابت قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنى تارك فيكم خليفتين ، كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض - أو ما بين السماء إلى الأرض - وعترتى  أهل بيتي ، وإنهما لن يفترقا حتى يرد ا على الحوض " (5/181/182) .

6.حدثنا عبد الله ، حدثني أبى ، ثنا أحمد الزبيرى ، ثنا شريك عن الركين ، عن القاسم بن حسان ، عن زيد بن ثابت قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنى تارك فيكم خليفتين ، كتاب الله وأهل بيتي ، وإنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض جميعاً " ( 5/189-190).

والترمذى أخرج روايتين هما ([3][164]):- حدثنا نصر بن عبدالرحمن الكوفي ، حدثنا زيد بن الحسن هو الأنماطى ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جابر بن عبد الله قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجه يوم عرفة وهو على ناقته القصواء يخطب ، فسمعته يقول :  " ياأيها الناس ، قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا بعدى ، كتاب الله وعترتى أهل بيتي " (حسن غريب ) .

-حدثنا على بن المنذر كوفى ، حدثنا محمد بن فضيل قال ، حدثنا الأعمش ، عن عطية ، عن أبى سعيد ، والأعمش عن حبيب بن أبى ثابت ، عن زيد بن أرقم رضي الله عنهما قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنى تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدى ،أحدهما أعظم من الآخر ، كتاب حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتى أهل بيتي ، ولن يتفرقا حتى يردا على الحوض، فانظروا كيف تخلفونى فيهما " . (حسن غريب) .

مناقشة الروايات

      هذه هي روايات التمسك بالكتاب والعترة ، و بالنظر فيها نجد ما يأتي :-

عن أبى سعيد الخدري خمس روايات ، الأربع الأولى من المسند ، والثانية من سنن الترمذي ، وهذه الروايات كلها يرويها عطية عن أبى سعيد .

      وعطية هو " عطية بن سعد بن جنادة العوفى " والإمام أحمد نفسه - صاحب المسند  - تحدث عن عطية وعن روايته عن أبى سعيد فقال بأنه ضعيف الحديث ، وأن الثوري وهشيما كانا يضعفان حديثه ، وقال : بلغنى أن عطية كان يأتي الكلبى فيأخذ عنه التفسير ، وكان يكنيه بأبى سعيد  فيقول : قال أبو سعيد فيوهم أن الخدري .

       وقال ابن حبان : سمع عطية من أبى سعيد الخدري أحاديث فلما مات جعل يجالس الكلبى ، فإذا قال الكلبى : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا ، فيحفظه ، وكناه أبا سعيد ، وروى عنه ، فإذا قيل له : من حدثك بهذا ؟ فيقول : حدثني أبو سعيد ، فيتوهمون أنه يريد أبا سعيد الخدري ، وإنما أراد الكلبى ، قال : لا يحل كتب حديثه إلا على التعجب.

      وقال البخاري في حديث رواه عطية : أحاديث الكوفيين هذه مناكير ، وقال أيضاً : كان هشيم يتكلم فيه . وقد ضعفه النسائي أيضاً في الضعفاء ، وكذلك أبو حاتم . ومع هذا كله وثقه ابن سعد فقال : " كان ثقه إن شاء الله ، وله أحاديث صالحة ، ومن الناس من لا يحتج به " . وسئل يحيى بن معين : كيف حديث  عطية ؟  قال : صالح ([4][165])

      وما ذكره ابن سعد وابن معين لا يثبت أمام ما ذكر من قبل . وقد يقُال هنا : إذا كان الإمام أحمد يرى ضعف حديث عطية فلماذا روى عنه ؟

     والجواب أن الإمام إنما روى في مسنده ما اشتهر ، ولم يقصد الصحيح ولا السقيم . ويدل على ذلك أن ابنه عبد الله قال : قلت لأبى : ما تقول في حديث ربعى بن خراش عن حذيفة ؟ قال : الذي يرويه عبدالعزيز بن أبى رواد ؟ قلت : نعم ، قال الأحاديث بخلافه ، قلت : فقد ذكرته في المسند ؟ قال : قصدت في المسند المشهور، فلو أردت أن أقصد ما صح عندي لن أرو من هذا المسند إلا الشئ اليسير . وقد طعن الإمام أحمد في أحاديث كثيرة من المسند ، ورد كثيراً مما  روى ، ولم يقل به ، ولم يجعله مذهباً له ([5][166]).

      وعندما عد ابن الجوزي من الأحاديث الموضوعة أحاديث أخرحها الإمام أحمد في مسنده ، وثار عليه من ثار ، ألف ابن حجر العسقلانى كتابه " القول المسدد في الذب عن المسند " ، فذكر الأحاديث التي أوردها ابن الجوزي ، ثم أجاب عنها ، ومما قال : " الأحاديث التي ذكرها ليس فيها شئ من أحاديث الأحكام في الحلال والحرام ، والتساهل في إيرادها مع ترك البيان بحالها شائع ، وقد ثبت عن الإمام أحمد وغيره من الأئمة أنهم قالوا : إذا روينا في الحلال والحرام شددنا . وإذا روينا في الفضائل ونحوها تساهلنا . وهكذا حال هذه الأحاديث ([6][167]).

      وما ذكره ابن حجر ينطبق على الأحاديث المروية في فضائل أهل البيت والتمسك بالعترة .

الرواية الثانية للترمذى رواها عن على بن المنذر الكوفي ، عن محمد بن فضيل ، ثم انقسم السند إلى طريقين : انتهى الأول إلى عطية عن أبى سعيد ، والثانى إلى زيد بن أرقم ، ولا يظهر هنا أي السندين هو الأصل . وإذا نظرنا إلى الروايات الأربع السابقة  التي رواها عطية عن أبى سعيد نجد توافقاً تاماً في المعنى وفى كثير من اللفظ بينها وبين هذه الرواية ، مما يرجح أن هذا الطريق هو الأصل ، وهو المذكور أولاً في الإسناد ، ومن قبل تحدثنا عما رواه الإمامان أحمد ومسلم عن زيد بن أرقم بطرق متعددة وفى تلك الروايات ذكر قوله صلى الله عليه وسلم " وأنا تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به " فحث على كتاب الله ورغب فيه ، ثم قال : " وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي " ([7][168]).

     وهذا يتفق بعض الشئ مع رواية الترمذي ، لكن بينهما اختلاف كبير يستوجب عدم الجمع ، مما يجعلنا نطمئن إلى ضم رواية الترمذي إلى الروايات الأربع التي رواها عطية عن أبى سعيد ، واستبعادها عن روايات زيد بن أرقم إلا في موضع الاتفاق .

      والذى جمع بين الطريقين في هذا الإسناد على بن المنذر الكوفي أو محمد بن فضيل ، ولكن الثانى روى عنه مسلم في إحدى رواياته السابقة عن زيد بن أرقم ، فيُستبعد الجمع عن طريقه . فلم يبق إلا على بن المنذر ، وهو من شيعة الكوفة . قال ابن أبى حاتم : سمعت منه مع أبى ، وهو صدوق ثقة . وذكره ابن حبان في الثقات . وقال ابن نمير : هو ثقة صدوق . وقال الدار قطنى : لا بأس به ، وكذا قال مسلمة بن قاسم ، وزاد : كان يتشبع .

      وقال الإسماعيلى : في القلب منه شىء لست أخيره . وقال ابن ماجه : سمعته يقول : حججت ثمانياً وخمسين حجة أكثرها راجلاً ([8][169]).

        وما سمعه منه ابن ماجه يجعلنا نتردد كثيراً في الاحتجاج بقوله : فكيف يقطع آلاف الأميال للحج ثمانياً وخمسين مرة أكثرها راجلاً ؟ ليس من المستبعد إذن أن يجمع راوٍ شيعي كهذا روايتين في مناقب أهل البيت تتفقان في شىء وتختلفان في شىء آخر ، وهذا يجعلنا نزداد اطمئناناً إلى ما انتهينا إليه من جعل هذه الرواية مع الروايات الأخرى لعطية عن أبى سعيد ، وفصلها عن روايات زيد بن أرقم .

       على أن هذه الرواية فيها ضعف آخر . وهو الانقطاع في موضعين ، فالأعمش وحبيب بن أبى ثابت مدلسان . وهما يرويان بالعنعنة . فلم يثبت سماع كل منهما هنا .

      والأعمش وحبيب من الثقات . وثبت سماع الأعمش من حبيب ، وسماع حبيب من زيد بن أرقم . إلا أن في هذه الرواية لم يثبت السماع ، والأعمش فيه تشيع وهو كوفى ، وحبيب كوفى أيضاً ، وفى بيئة الكوفة يمكن أن تشيع مثل هذه الأحاديث دون دقة أو تمحيص .

        وحبيب نفسه قال لابن جعفر النحاس : إذا حدثني رجل عنك بحديث ، ثم حدثت به عنك كنت صادقاً ([9][170]).

         فحبيب كان صادقاً ليس بكاذب ، إلا أنه أبان عن رأيه ، فليس من الكذب عنه أن يسمع من راوٍ عن آخر ، فيروى عن الآخر مباشرة بما لايفيد السماع منه .

 

      وفى المستدرك روى الحاكم ([10][171]) هذا الحديث بما يفيد سماع الأعمش من  حبيب . وهذا ما يحتاج إلى مراجعة الإسناد الذي ذكره ، وما أكثر رجاله . غير أننا لسنا مضطرين إلى بذل هذا الجهد ، فإن ثبت سماع الأعمش بقى أكثر من موطن ضعف . والحاكم ذكر الحديث بروايتين :-

      إحداهما في إسنادها الإمام أحمد بن حنبل ، وسيأتي أنه هو نفسه ضعف الحديث كما ذكر ابن تيمية ، والأخرى بين الذهبي وهَىْ إسنادها ([11][172]).

القاسم بن حسان العامرى الكوفي روى الروايتين الخامسة والسادسة من المسند عن زيد بن ثابت ، ورجح المرحوم الشيخ أحمد شاكر توثيقه وقال :

    " وثقة أحمد بن صالح ، وذكره ابن حبان في ثقات التابعين ، وذكر البخاري في الكبير اسمه فقط ، ولم يذكر عنه شيئاً ، وترجمه ابن أبى حاتم في الجرح والتعديل فلم يذكر فيه جرحاً ، ثم نقل عن المنذرى أن البخاري قال : القاسم بن حسان سمع من زيد بن ثابت ، وعن عمه عبدالرحمن بن حرملة ، وروى عنه الركين بن الربيع ، لم يصح حديثه في الكوفيين " .

      ثم عقب شاكر على هذا بقوله " والذى نقله المنذرى عن البخاري في شأن القاسم بن حسان لا ادرى من أين جاء به ، فإنه لم يذكر في التاريخ الكبير إلا اسمه فقط كما قلنا ، ثم لم يترجمه في الصغير ، ولم يذكره في الضعفاء ، وأخشى أن يكون المنذرى وهم فأخطأ ، فنقل كلام ابن أبى حاتم بمعناه منسوباً للبخاري ، وأنا أظن أن قول البخاري في عبدالرحمن بن حرملة " لا يصح حديثه " إنما مرده إلى أنه لم يعرف شيئاً عن القاسم بن حسان ، فلم يصح عنده لذلك حديث عمه عبدالرحمن " ([12][173])

      وفى توثيق القاسم بن حسلن نظر ، فابن حبان ذكره أيضاً في أتباع التابعين ومقتضاه أنه لم يسمع من زيد بن ثابت ، وقال ابن القطان : لايعرف حاله ([13][174]).

       والبخاري ذكر اسمه فقط في التاريخ الكبير ، وليس في هذا توثيق و لا تضعيف . وفى الجرح والتعديل حقيقة لم يذكر فيه جرحاً ،ولكن لم يذكر فيه كذلك تعديلاً . وإذا كان الظن بأن البخاري ضعف عبدالرحمن بن حرملة من أجل القاسم، فمن باب أولى أن يدخل القاسم في الضعفاء ، ويبقى هنا الإشكال وهو أن البخاري لم يذكره في الضعفاء ، ولم يذكر فيه جرحاً في كتبه الأخرى المذكورة ، فمن أين جاء المنذرى بما نقله عن البخاري ؟

      لعل المرحوم الشيخ شاكراً كان يتردد فيما كتب لو عرف أن البخاري له كتاب كبير في الضعفاء يقع في تسعة أجزاء ، وهو مخطوط و لا يوجد منه نسخ في مصر ، فلم لا يكون المنذرى نقل منه  ([14][175]) ؟ وفاته كذلك أن يقرأ ترجمة القاسم في ميزان الاعتدال ، فقد نقل الذهبي عن البخاري أن القاسم بن حسان حديثه منكر و لا يعرف ([15][176]) ، وهذا قول لا يحتمل الوهم . فلا شك أن المنذرى والذهبي قد رجعا لما لم يتيسر لنا الرجوع إليه ، وأغلب الظن - إن لم يكن من المؤكد - أنهما نقلا عن كتاب الضعفاء الكبير للبخاري .

لم يبق إذن إلا الرواية الأولى للترمذى ، وفى سندها زيد بن الحسن الأنماطى الكوفي ، الذي روى عن الإمام الصادق عن أبيه عن جابر بن عبد الله ، قال أبو حاتم عن زيد هذا : كوفى قدم بغداد ، منكر الحديث ، وذكره ابن حبان في الثقات ([16][177]).

    وخطبة الرسول صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع رواها مسلم بسند صحيح عن الإمام الصادق عن أبيه عن جابر ، وليس فيها " وعترتى أهل بيتي " ([17][178])، وهذه الخطبة رويت عن جابر بطرق متعددة في مختلف كتب السنة ، وليس فيها جميعاً ذكر لهذه الزيادة ([18][179]) .

 الاختلاف حول الحديث

      رأينا فيما سبق ما رواه الإمامان مسلم وأحمد عن زيد بن أرقم ، وهذا لا خلاف حول صحته .

      ورأينا الروايات الأخرى لهذا الحديث ، وظهر ما بها من ضعف . وهنا ملحظ هام وهو أن الضعف أساساً جاء من موطن واحد وهو الكوفة . وهذا يذكرنا بقول الإمام البخاري في حديث رواه عطية : أحاديث الكوفيين هذه مناكير .

    ومن هنا ندرك لماذا اعتبر ابن الجوزي هذا الحديث من الأحاديث الموضوعة ، وإن كانت الروايات في جملتها كما يبدو لنا لا تجعل الحديث ينزل إلى درجة الموضوع .

      وفى فيض القدير شرح الجامع الصغير ذكر الحديث من مسند الإمام أحمد ، ومعجم الطبرانى رواية عن زيد بن ثابت ، وصحح الحديث السيوطى والمناوى ، وقال المناوى : " قال الهيثمى : رجاله موثقون ، ورواه أيضاً أبو يعلى بسند لا بأس به ، والحافظ عبدالعزيز بن الأخضر وزاد أنه قال : في حجة الوداع ، ووهم من زعم وضعه كابن الجوزي . قال السمهودى : وفى الباب ما يزيد على عشرين من الصحابة " ا . هـ .

      وتحدثنا من قبل عما رواه الإمام أحمد عن زيد بن ثابت ، وبينا ضعف الإسناد ، وبالنظر فيما رواه الطبرانى نجد موطن الضعف نفسه . فهو من رواية القاسم بن حسان ، فقول الهيثمى يعنى توثيق القاسم .

      وما ذكره عن حجة الوداع هنا بيناه من قبل . فالتصحيح إذن غير مقبول ، غير أننا قد نوافق على عدم جعل الحديث من الموضوعات ، ومع هذا فابن الجوزي قد يكون له ما يؤيد رأيه ، فليس من المستبعد أن يكون الحديث كوفى النشأة ، وأن يكون مصنوعاً في دار الضرب التي أشار إليها الإمام مالك ، ومن هنا يمكن أن ينسب إلى عشرين من الصحابة رضي الله تعالى عنهم ، بل إلى سبعين غير أنه لو صح عن صحابى واحد لكفى إلا أن يكون ممن لا يستحق شرف الصحبة .

      ولعل من المهم هنا أن نذكر أن الإمام أحمد بن حنبل ، وهو ممن أخرج الحديث ، ذكر أنه ضعيف لا يصح ، فهو إذن غير صحيح بالنسبة إلى أي من الصحابة الكرام .

      وشيخ الإسلام  ابن تيمية  رفض هذا الحديث وقال : " وقد سئل عنه أحمد ابن حنبل فضعفه ، وضعفه غير واحد من أهل العلم وقالوا : لا يصح " ([19][180]).

      وفى عصرنا وجدنا العلامة المحقق الشيخ ناصر الدين الألبانى - رحمه      الله - يذهب إلى تصحيح رواية التمسك بالكتاب والسنة التي أشرنا إليها من قبل ، ويوافق السيوطى والمناوى هنا أيضاً فيصحح حديث الثقلين الذي يأمر بالتمسك بالكتاب والعترة ، فيذكره في صحيح الجامع الصغير لا في ضعيفه ([20][181]).

     وعندما سعدت بلقائه في زيارته الأخيرة لدولة قطر ، دار نقاش حول هذا الحديث ، وذكرت مواطن الضعف في الروايات التي جمعتها ، فقال - زاده الله علماً وفضلاً - إن ضعف هذه الروايات لا يعنى ضعف الحديث ، فقد يكون مروياً من طرق أخرى صحيحة لم تصل إليك ([21][182])، ثم أشار إلى كتابين أخرجا الحديث ولم يكونا من المصادر التي اعتمدت عليها قبل هذا البحث . 

     أحدهما :معجم الطبرانى ، فنظرنا فيه ووجدنا في الإسناد القاسم بن حسان ، فالرواية إذن غير صحيحة .

والثانى :مستدرك الحاكم وفيه ما يفيد سماع الأعمش من حبيب ، ولكن يبقى أيضاً مواطن الضعف الأخرى ([22][183]). ولم يتذكر لماذا صحح الحديث ، ولم يتمكن من الرجوع إلى ما كتب نظراً لإبعاده عن داره ومكتبته ، وبعد سفره قرأت ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية ، فلما أبلغ به طلب تصوير الصفحات .

      والشيخ الجليل في تصحيحه للحديث أشار إلى تخريج المشكاة ، فرأيت الرجوع إليها عسى أن أقف على حجته في التصحيح .

       في الجزء الثالث في مشكاة المصابيح ( ص 1735) جاءت روايتان للحديث هما رقم 6143، 6144.

      قرأت الروايتين والتخريج فكانت المفاجأة مذهلة . وأثبت هنا ما جاء في الكتاب بالنص :

      الرواية رقم 6143 :

       عن جابر ، قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجته يوم عرفة وهو على ناقته القصواء يخطب ، فسمعته يقول : " ياأيها الناس : إنى تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا ، كتاب الله ،وعترتي أهل بيتي " (رواه الترمذي ).      

والرواية الأخرى نصها كما يلى :

      وعن زيد بن أرقم ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنى تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدى ، أحدهما أعظم من الآخر : كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي ، ولن يتفرقا حتى يردا على الحوض ، فانظروا كيف تخلفونى فيهما " .(رواه الترمذي ) .

     هاتان هما الروايتان ، أما التخريج فهو كما يلى :

الرواية الأولى : " وقال - أي الترمذي - : حديث حسن غريب .

  قلت - أي الألبانى - : وإسناده ضعيف "

 الرواية الثانية : " وقال : حديث حسن غريب  قلت : وإسناده ضعيف أيضاً ، لكنه شاهد للذى قبله " .

     هذا ما قرأته ، ونقلته بنصه ، والضعيف الذي يشهد للضعيف لا يرفعه لمرتبة الصحيح ، بل قد لا يزيده إلا ضعفاً ، فمن أين جاء تصحيح الشيخ إذن ؟

    وبعد لقائى بالشيخ الجليل تتبعت روايات الطبراني للحديث في المعجم الكبير ، فوجدت خمس عشرة رواية :

      تسع منها عن زيد بن أرقم ، وهى الرواية رقم 2681 بالجزء الثالث ، وفى الجزء الخامس الروايات الثمانية وأرقامها : 4980، 4981 ، 4982 ، 5025 ، 5026 ، 5027 ، 5028 ، 5040 وعرفنا ما صح عن زيد بن أرقم ، فلا حاجة للنظر في هذه الروايات .

  أما الروايات الستة الباقية فهى كما يلى :

      روايتان يرويهما عطية عن أبى سعيد ، وهما رقم 2678 ، 2679 بالجزء الثالث .

     وروايتان يرويهما زيد بن الحسن الأنماطى ، وهما رقم 2680 ، 2683 ، وهما بالجزء الثالث أيضاً .

     وروايتان يرويهما القاسم بن حسان ، وهما رقم 4922 ، 4923، وهما بالجزء الخامس .

      ومن هذا التتبع نرى أن الضعف في هذه الروايات لا يخرج عما ذكرته من قبل في مناقشة روايات مسند الإمام أحمد ، وسنن الترمذي ،ويؤكد عدم استبعاد أن يكون الحديث كوفي النشأة ، وأن يكون مصنوعاً  في دار الضرب التي أشار إليها الإمام مالك . كما يزيدنا اطمئنانا إلى صحة المنهج الذي بدأت به ، واكتفيت بالرجوع إلى الكتب السبعة والموطأ . فالرجوع إلى غير هذه الكتب لم يضف إلينا جديدا .

 

  (165)  البخاري – كتاب المناقب – باب مناقب رسول الله r وانظر كذلك الرواية رقم 55 بالجزء الأول من المسند ، وسندها صحيح .

  (166)  البخاري – كتاب المناقب – باب مناقب الحسن والحسين .

  (167)  انظر مناقب أهل بيت النبي r في أبواب المناقب من سننه .

  (168)  انظر ترجمته في تهذيب التهذيب ، وميزان الاعتدال .

  (169)  انظر المسند تحقيق شاكر – طلائع الكتاب 1/75 .

  (170)  ص 11 من القول المسدد .

  (171)  راجع صحيح مسلم – كتاب فضائل الصحابة – باب من من فضائل على بن ابى طالب رضي الله تعالى عنهم ، والمسند 4/366-367 .

  (172)  انظر ترجمته في تهذيب التهذيب .

  ([9][170])  الأعمش هو سليمان بن مهران الأسدي الكاهلى ، مولاهم أبو محمد الكوفي . انظر ترجمته وترجمة حبيب في تهذيب التهذيب . وميزان الاعتدال .

  ([10][171]) هو عبد الله بن عبد الله الضبى النيسابورى .ولد سنة 321 هـ وجاوز الثمانين حيث توفى سنة 405 هـ . قال عنه ابن حجر في لسان الميزان : إمام صدوق ولكنه يصحح في مستدركه أحاديث ساقطة فيكثر من ذلك ، فما أدرى هل خفيت عليه ؟ فما هو ممن يجهل ذلك . وإن علم فهو خيانة عظيمة

    ثم هو شيعي مشهور بذلك من غير تعرض للشيخين . والحاكم أجل قدراً وأعظم خطراً وأكبر ذكراً من أن يذكر في الضعفاء . ولكن قيل في الاعتذار عنه أنه عند تصنيفه للمستدرك كان في أواخر عمره . وذكر بعضهم أنه حصل له تغير وغفلة في آخر عمره ، ويدل على ذلك أنه ذكر جماعة في كتاب الضعفاء له ، وقطع بترك الرواية عنهم ، ومنع من الاحتجاج بهم ، ثم أخرج أحاديث بعضهم في مستدركه وصححها .

([11][172]) انظر المستدرك 3/109 - 110 .

   وهذا الحديث من الأحاديث التي أنكرها عليه أصحاب الحديث ، ولم يلتفتوا إلى تصحيحه .    ( راجع ترجمته بشئ من التفصيل في التذكرة التي كتبت في صدر كتابه معرفة علوم الحديث للدكتور السيد معظم حسين ) .

  ([12][173]) انظر المسند ج 5 التعليق على الرواية 3605 ، وهذه غير روايات العترة .

  ([13][174]) انظر ترجمته في تهذيب التهذيب .

  ([14][175]) في الحديث عن أحد الرواة قال العلامة المرحوم أحمد شاكر : " نقل الحافظ في التهذيب أن البخاري ذكره في الضعفاء ، ولم أجد فيه " . وهذا يؤيد أنه لم يسمع بكتاب الضعفاء الكبير للبخاري – انظر قوله في الحديث عن الرواية رقم 646 بالجزء الثانى من المسند .

  ([15][176]) يطلق البخاري " منكر الحديث " على من لا تحل الرواية عنه ، أما عند غيره فمنكر الحديث في درجة ضعيف الحديث – انظر : قواعد في علوم الحديث للتهانوى ص 258 ، وانظر كذلك تدريب الراوى 1/349 وحاشية ص 347 وميزان الاعتدال 1/6.

  ([16][177]) نظر ترجمته في تهذيب التهذيب ، وميزان الاعتدال .

  ([17][178])  راجع صحيح مسلم – كتاب الحج – باب حجة النبي r .

  ([18][179])  انظر حجة النبي r كما رواها جابر بن عبد الله ص 40-45 .

  (183)  منهاج السنة النبوية 4/105 .

  (184)  انظر صحيح الجامع الصغير 2/217- حديث رقم 2454 .

  ([21][182])  كلام الشيخ صحيح ، ولذلك فقد جمعت كل ما استطعت جمعه والنظر فيه من الروايات ، وقد أرشدني إلى هذا المنهج ، وساعدني في التطبيق منذ سنوات العلامة الثبت المحقق الأستاذ محمود شاكر – رحمه الله رحمة واسعة .

  ([22][183])  راجع ما ذكرناه من قبل عن الحاكم ومستدركه ، وعن روايتيه لهذا الحديث .

  • الثلاثاء PM 07:10
    2021-04-27
  • 1066
Powered by: GateGold