المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 414836
يتصفح الموقع حاليا : 265

البحث

البحث

عرض المادة

خطبة الغدير والوصية بالكتاب والسنة

خطبة الغدير والوصية بالكتاب والسنة

       أخبار الغدير تعتبر المستند الأول من السنة عند الجعفرية ، فهم يرون أن الرسول صلى الله عليه وسلم عند غدير خم ، بعد منصرفه من حجة الوداع ، بين للمسلمين أن وصيه وخليفته من بعده على بن أبى طالب ، وذكرت من قبل أن كاتباً جعفرياً ألف كتاباً يقع في ستة عشر مجلداً ليثبت به صحة حديث وشهرته ، وهذا الكتاب الذي أشرت إليه عنوانه " الغدير  في الكتاب والسنة والأدب" ! فالتأليف إذن كان من أجل واقعة الغدير ، وإذا لم يثبت في القرآن الكريم شئ مما أراده المؤلف لم يبق إلا السنة ، أما الأدب فلا حاجة لنا به في هذا المجال !

       وقبل النظر في كتب السنة الثمانية  التي حددت في منهجى الرجوع إليها ، وهى : الموطأ ، والمسند والصحيحان ، وكتب السنن الأربعة ، نسترشد بما جاء في سيرة محمد بن إسحاق ([1][151]) التي جمعها ابن هشام .

    تحت عنوان موافاة على في قفوله من اليمن رسول الله في الحج ورد ما قاله ابن إسحاق عما أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم علياً من أمور الحج ([2][152]). ثم ورد ما يأتي :

      " قال ابن اسحاق : وحدثنى يحيى بن عبد الله بن عبدالرحمن بن أبى عمرة ، عن يزيد بن طلحة بن ركانة ، قال : لما أقبل على رضي الله عنه من اليمن ليلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم واستخلف على جنده الذي معه رجلاً من أصحابه ، فعمد ذلك الرجل فكسا كل رجل من القوم حلة من البز الذي كان مع على رضي الله عنه . فلما دنا جيشه خرج ليلقاهم ، فإذا عليهم الحلل قال : ويلك ؟ ما هذا ؟  قال : كسوت القوم ليتجملوا به إذا قدموا في الناس . قال : ويلك ! انزع قبل أن تنتهى به إلى الرسول صلى الله عليه وسلم . قال : فانتزع الحلل من الناس ، فردها في البز ، قال : وأظهر الجيش شكواه لما صنع بهم .

       قال ابن اسحاق : فحدثنى عبد الله بن عبدالرحمن معمر بن حزم ، عن سليمان بن محمد بن كعب بن عجرة ، عن عمته زينب بنت كعب وكانت عند أبى سعيد الخدري ، قال : اشتكى الناس علياً رضوان الله عليه ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا خطيباً ، فسمعته يقول : أيها الناس ، لا تشكوا عليا ، فوالله إنه لأخشن في ذات الله ، أو في سبيل الله ، من أن يشكى .

خطبة الرسول في حجة الوداع

      قال ابن اسحاق : ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم على حجه ، فأرى الناس   مناسكهم ، وأعلمهم سنن حجهم ، وخطب الناس خطبته التي بيَّن فيها ما بيَّن ، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال :

     أيها الناس ، اسمعوا قولى : فإنى لا أدرى لعلى لا ألقاكم بعد عامى هذا الموقف أبداً ، أيها الناس ، إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربكم ، كحرمة يومكم هذا ، وكحرمة شهركم هذا ، وإنكم ستلقون ربكم ، فيسألكم عن أعمالكم ، وقد بلغت ، فمن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من أئتمنه عليها ، وإن كل ربا موضوع ، ولكن لكم رءوس أموالكم ، لا تظَلمون ولا تظُلمون . قضى الله أنه لا ربا ، وإن ربا عباس بن عبدالمطلب موضوع كله ، وإن كل دم كان في الجاهلية موضوع ، وإن أول دمائكم أضع دم ابن ربيعة بن الحارث بن عبدالمطلب ، وكان مسترضعاً في بنى ليث ، فقتلته هذيل فهو أول ما أبدأ به من دماء الجاهلية . أما بعد أيها الناس ، فإن الشيطان قد يئس من أن يعبد بأرضكم هذه أبدا ، ولكنه إن يطع فيما سوى ذلك فقد رضى به مما تحقرون من أعمالكم ، فاحذروه على دينكم ، أيها الناس : إن النسىء زيادة في الكفر ، يضل به الذين كفروا يحلونه عاماً ويحرمونه عاماً ليواطئوا عدة ما حرم الله ، فيحلوا ما حرم الله ويحرموا ما أحل  الله ، وإن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض ، وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً ، منها أربعة حرم ، ثلاثة متوالية ، ورجب      مضر ([3][153]) ، الذي بين جمادى وشعبان.

 

       أما بعد أيها الناس ، فإن لكم على نسائكم حقاً ، لكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحداً تكرهونه ، وعليهن أن لايأتين بفاحشة مبينة ، فإن فعلن فإن الله قد أذن لكم أن تهجروهن في المضاجع ، وتضربوهن ضرباً غير مبرح ، فإن انتهين فلهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف . واستوصوا بالنساء خيراً ، فإنهن عندكم عوان ([4][154]). لايملكن لأنفسهن شيئاً ، وإنكم إنما أخذتموهن بأمانة الله ، واستحللتم فروجهن بكلمات الله ، فاعقلوا أيها الناس قولى ، فإنى قد بلغت ، وقد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به لن تضلوا أبداً ، أمراً بيناً كتاب الله وسنة نبيه ، أيها الناس اسمعوا قولى واعقلوه ، تعلمن أن كل مسلم أخ للمسلم ، وأن المسلمين إخوة فلا يحل لامرئ من أخيه إلا ما أعطاه عن طيب نفس منه ، فلا تظلمن أنفسكم ، اللهم هل بلغت ؟ فذكر لي أن الناس قالوا : اللهم نعم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اللهم اشهد ([5][155]) .

       وغير ما ذكره ابن اسحق من سبب تلك الشكوى ، نجد سبباً آخر يذكر وهو أن الرسول صلى الله عليه وسلم بعث جيشاً ، واستعمل عليهم على بن أبى طالب ، فمضى في السرية فأصاب جارية ، فأنكروا عليه ، ونجد رواية أخرى أنه أصاب الجارية عندما كان على جيش وخالد بن الوليد على جيش آخر ، فأرسل خالد للرسول صلى الله عليه وسلم يخبره لما فعله أبو الحسن .

      والروايات كلها تشير إلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم دافع عن زوج الزهراء عليهما السلام ، والأقوال مختلفة ، وسنبين الصحيح منه إن شاء الله تعالى .

      وخطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع التي ذكرها ابن اسحاق ، نرى معناها مبثوثاً في كتب السنة ، ففي صحيح البخاري نجد شيئاً منها في باب الخطبة أيام منى من كتاب الحج ، وفى آخر الباب " فطفق النبي صلى الله عليه وسلم " يقول : اللهم اشهد وودع الناس فقالوا : هذه حجة الوداع " .

       ونجد كثيراً منها في باب حجة النبيصلى الله عليه وسلم من كتاب الحج في صحيح مسلم . وهذه الحجة يرويها الإمام الصادق عن أبيه الباقر عن جابر رضي الله تعالى     عنهم ، كما أخرجها أيضاً غيرالإمام مسلم ([6][156]) .

      وقد بينت في الفصل السابق أنه في يوم عرفة من حجة الوداع نزل قوله تعالى " الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ " ومن قبله : " يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ " ويرى الجعفرية أن استخلاف الإمام على كان يوم الغدير في الثامن عشر من ذى الحجة ، وهنا يأتي تساؤل وهو : أفيمكن أن يترك ركن من أركان الإيمان لا يذكر ، وقد أكمل الله تعالى دينه ، وخطب رسوله صلى الله عليه وسلم ، وودع الناس في حجة الوداع ؟

أظن هذا مستبعداً ، ولكن ليس مستحيلاً !

       ولم يَدُر جدل بين الجمهور والجعفرية حول معنى من معانى الخطبة كما ذكرها ابن إسحاق إلا في قوله صلى الله عليه وسلم : " وقد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبداً ، أمراً بينا ، كتاب الله وسنة نبيه ". فالجعفرية يرون أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بالتمسك بالكتاب والعترة في خطبة الغدير ، وأنه ترك الثقلين كتاب الله تعالى وأهل بيته .

وليس معنى هذا أن الجعفرية يرون عدم طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم ، فليس بمسلم من يرى هذا ، ولكنهم يرون أن الأئمة معصومون ، وأقوالهم كأقوال الرسول صلى الله عليه وسلم فهى تعتبر عندهم من السنة ، فلابد من الرجوع إليهم حتى لا تضل الأمة !

      وننظر في مفتاح كنوز السنة فنجده يذكر وصيته صلى الله عليه وسلم بكتاب الله وسنة رسوله عن عشرة مراجع منها : الصحيحان ، والمسند ، والترمذى ، والنسائى ، وابن ماجه ([7][157]) .

      وفى صحيح البخاري نجد " كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة " ومما جاء في هذا الكتاب " وكانت الأئمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم يستشيرون الأمناء من أهل العلم في الأمور المباحة ليأخذوا بأسهلها ، فإذا وضح الكتاب أو السنة لم يتعدوا إلى غيره ، اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم .

      وفى الموطأ يروى الإمام مالك قول الرسول صلى الله عليه وسلم : " تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما : كتاب الله وسنة نبيه " ([8][158]).

      ونجد في بعض هذه المراجع العشرة الوصية بكتاب الله تعالى دون ذكر  السنة ، من ذلك ما جاء في سنن الدارمى : حدثنا محمد بن يوسف ، عن مالك بن مغول ، عن طلحة بن مصرف اليامى ، قال : " سألت عبد الله بن أبى أوفى : أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : لا ، قلت : فكيف كتب على الناس الوصية ، أو أمروا بالوصية ؟ فقال : أوصى بكتاب الله " . (انظر كتاب الوصايا . باب من لم يوص ج 2 ص 290-291)

      وفى سنن النسائي رواية أخرى لهذا الحديث ، وقال السيوطى في شرحه: " أوصى بكتاب الله أي بدينه ، أو به وبنحوه ليشمل السنة " . (انظر كتاب الوصايا - باب هل أوصى النبي صلى الله عليه وسلم ؟ ج6 ص 240).

        وفى غير المراجع العشرة نجد مثلاً في كتاب الزهد لعبد الله بن المبارك " باب في لزوم السنة " ويحتوى الباب على ثمانية أخبار.  

       وفى المسند لأبى بكر عبد الله بن الزبير الحميدى حدث المصنف قال : ثنا سفيان قال : ثنا مالك بن مغول عن طلحة بن مصرف قال : سألت عبد الله بن أبى أوفى : " هل أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال : لم يترك رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً يوصى فيه . قلت : وكيف أمر الناس بالوصية ولم يوص ؟ قال : أوصى بكتاب الله " . ( انظر المجلد الثانى - حديث رقم 722) .

      وفى فيض القدير شرح الجامع الصغير ، نجد رواية عن أبى هريرة رضي الله عنه قال : خطب النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع فقال : " تركت فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما : كتاب الله وسنتى ، ولن يتفرقا حتى يردا على الحوض " .

         ومما قاله المناوى في شرحه :

      إنهما الأصلان اللذان لا عدول عنهما ، ولا هدى إلا منهما ، والعصمة والنجاة لمن تمسك بهما . واعتصم بحبلهما ، وهما الفرقان الواضح ، والبرهان اللائح بين المحق إذا اقتفاهما ، والمبطل إذا خلاهما ، فوجوب الرجوع إلى الكتاب والسنة متعين معلوم من الدين بالضرورة .

     (راجع الجزء الثالث ص 240-241  ، حديث رقم 3282 وشرحه ، وانظر صحيح الجامع الصغير للشيخ ناصر الدين الألبانى جـ 2 ، حديث رقم 2934) .

      ولسنا في حاجة إلى أن نطيل الوقوف هنا ، فلا خلاف بين المسلمين في وجوب التمسك والاعتصام بالقرآن الكريم ، والسنة النبوية المطهرة .

          والخلاف حول شىء من السنة مرده إلى الخلاف حول الثبوت أو   الدلالة ، أما ما ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، وكان واضح الدلالة ، فلا خلاف حول الأخذ به ووجوب اتباعه ، فقد نطق بهذا الكتاب المجيد في مثل قوله تعالى : " وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا " ([9][159])

    وقوله عز وجل : " مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ " ([10][160])

   وقوله سبحانه وتعالى :" فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا" ([11][161])

      إلى غير ذلك من آيات الله البينات التي بينت أن من لم يتمسك بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم ، فقد ابتعد عن الإيمان . وضل ضلالاً بعيداً .

      من الواضح إذن أن عصمة الأمة وعدم ضلالها في التمسك بما أنزل الله تعالى في كتابه العزيز ، وبما بينه جل شأنه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم في السنة المطهرة ، دون حاجة إلى الرجوع إلى أئمة الجعفرية ، أو غيرهم من فرق الشيعة، ولكنا نجد روايات أخرى تذكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم ترك الكتاب والعترة ، وفى بعضها الأمر بالتمسك بهما حتى لا نضل .

 

  (154)  ولد في المدينة سنة 85 هـ ، ثم خرج إلى العراق وأقام ببغداد حتى توفى . ووفاته محصورة بين سنة 150 وبين 153 هـ . قيل إنه كان يتشيع ، ولم يتخلف في الرواية عنه الثقات والأئمة ، أخرج له مسلم في المتابعات ، واستشهد به البخاري في مواضع ، وروى له أبو داود والترمذى والنسائى وابن ماجه . وقال الدارقطنى:اختلف الأئمة فيه وليس بحجة إنما يعتبر به . (انظر ترجمته في السيرة النبوية لابن هشام : مقدمة الناشرين ص 13 : 17 ، وراجع ترجمته كذلك في تهذيب التهذيب ) .

     وقال الذهبي في ميزان الاعتدال بعد أن ذكر ترجمته : فالذى يظهر لي أن ابن إسحاق حسن الحديث ، صالح الحال صدوق . وما انفرد به ففيه نكارة ، فإن في حفظه شيئاً . وقد احتج به الأئمة ، والله أعلم .

  ([2][152]) السيرة النبوية 4/602 .

  (156)  ورجب مضر : إنما قال لأن ربيعة كانت تحرم رمضان ، وتسميه رجباً ، فبين عليه الصلاة والسلام أنه رجب مضر لا رجب ربيعة ، وأنه الذي بين جمادى وشعبان .

  (157)  عوان : جمع عانية وهى الأسيرة .

  (158)  السيرة النبوية 4/603 -604.

  (159)  انظر حجة النبي r لمحمد ناصر الدين الألبانى ص 40-45 ، ص 77-79 .

  (160)  انظر مفتاح كنوز السنة – باب الميم فيما ذكره عن محمد r    .

 ([8][158])  كتاب النهى عن القول بالقدر ، وهذا الحديث الشريف وصلة ابن عبدالبر من حديث كثير ابن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده (انظر تنوير الحوالك 2/208) .*

  *وقال ابن عبدالبر كذلك : مرسلات مالك كلها صحيحة مسندة (1/38) . وقال جلال الدين السيوطى : " ما من مرسل في الموطأ إلا وله عاضد أو عواضد … فالصواب إطلاق أن الموطأ صحيح لا يستثنى منه شىء " ( نفس المرجع 1/6) .

 

  (162)  سورة الحشر – آية 7 .

  (163)  سورة النساء – آية 80 .

  (164)  سورة النساء – آية 65 .

  • الثلاثاء PM 07:08
    2021-04-27
  • 1040
Powered by: GateGold