ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ
شٌبهات وردود
المكتبة المرئية
خَــيْـرُ جَــلـيـسٌ
المتواجدون الآن
حرس الحدود
مجتمع المبدعين
البحث
عرض المادة
أدلة الإمامة من القرآن العظيم
من المعلوم أن القرآن الكريم ليس فيه نص ظاهر يؤيد المذهب الجعفرى ، فلجأ معتنقوه إلى التأويل ، والاستدلال بروايات ذكرت في أسباب النزول لآيات كريمة . وأهم ما استدل به الجعفرية هو :
قال تعالى :
" إِنمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ " ([1][33])
هذه الآية الكريمة يسمونها آية الولاية ، ويقولون : إنها تدل على أن إمام المسلمين بعد النبي صلى الله عليه وسلم بلا فصل هو على بن أبى طالب ، لأن لفظة " إنما " تفيد الحصر و " وليكم " تفيد من هو أولى بتدبير الأمور ووجوب طاعته ، والآية الكريمة نزلت في على بلا خلاف - كما يقولون - عندما تصدق بخاتمه وهو راكع .
" فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ " ([2][34])
3 - قال تعالي :
" وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا" ([3][35])
قالوا :إن المراد بأهل البيت هنا على وفاطمة والحسن والحسين ، وهذه الآية الكريمة تدل على عصمتهم ، والإمامة تدور مع العصمة .
4- قال سبحانه وتعالى :"وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ" ([4][36])
قالوا : إن هذه الآية الكريمة قد أبطلت إمامة كل ظالم ، فصارت في الصفوة من ذرية إبراهيم الخليل . ومن عبد غير الله ولو لحظة فهو ظالم ، وعلى هو الذي لم يعبد صنماً قط . أما غيره من الخلفاء فهم ظالمون لا يستحقون هذه الخلافة .
ومعنى هذا أن القرآن الكريم - على قولهم - قد أشار في أكثر من موضع أن عليا هو المستحق للإمامة دون غيره ، ولذلك فهم يعتقدون أن الله سبحانه أمر نبيه بأن ينص على علىِّ وينصبه علماً للناس من بعده ، وكان النبي يعلم أن ذلك سوف يثقل على الناس ، وقد يحملونه على المحاباة والمحبة لابن عمه وصهره ، ومن المعلوم أن الناس ذلك اليوم ، وإلى اليوم ليسوا في مستوى واحد من الإيمان واليقين بنزاهة النبي وعصمته عن الهوى والغرض ، ولكن الله سبحانه لم يعذره في ذلك ، فأوحى إليه :
"يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ" ([5][37])
فلم يجد بداً من الامتثال بعد هذا الإنذار الشديد ، فخطب الناس عند منصرفه من حجة الوداع في غدير خم ، فنادى وجلهم يسمعون :
" ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟ قالوا : اللهم بلى . فقال : من كنت مولاه فهذا على مولاه ، إلى آخر ما قال ، ثم أكد ذلك في مواطن آخرى تلويحاً وتصريحاً ، وإشارة ونصاً حتى أدى الوظيفة([6][38]).
وقبل أن ينصرف الرسول صلى الله عليه وسلم من غدير خم وقبل أن يتفرق الجمع نزل قوله تعالى : "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا " ([7][39])
فقال رسول صلى الله عليه وسلم : الله أكبر على إكمال الدين ، وإتمام النعمة ، ورضا الرب برسالتى ، والولاية لعلى من بعدى ، ثم طفق القوم يهنئون أمير المؤمنين وفى مقدمتهم الشيخان([8][40]). فشاع ذلك وطار في البلاد ، فبلغ ذلك الحرث بن النعمان الفهري . فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ناقة له حتى أتى الأبطح فنزل عن ناقته فأناخها ، فقال : يا محمد ، أمرتنا عن الله أن نشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله فقبلنا ، وأمرتنا أن نصلى خمساً فقبلناه منك ، وأمرتنا بالزكاة فقبلنا ، وأمرتنا أن نصوم شهراً فقبلنا ، وأمرتنا بالحج فقبلنا ، ثم لم ترض بهذا حتى رفعت بضبعى ابن عمك ففضلته علينا ، وقلت من كنت مولاه فعلى مولاه ، فهذا شىء منك أم من الله عز وجل ؟ فقـال : والذي لا إله إلا هـو إن هذا من الله . فولى الحرث بن النعمان يريد راحلته وهو يقول : اللهم إن كان ما يقول محمد حقاً فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم . فما وصل إليها حتى رماه الله تعالى بحجر فسقط على هامته وخرج من دبره وقتله ، وأنزل الله عز وجل : "سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ " ([9][41])الآيات ([10][42])
هذه الآيات الكريمة السبعة السابقة هي أساس ما يستدلون به من القرآن الكريم ، فلنعرض رأيهم ، ونناقشه بالتفصيل .
ننظر في الآية الكريمة الأولى ، آية الولاية كما يسميها الجعفرية والتي يعتبرونها نصاً صريحاً في إمامته ، فنجد أنهم يروون أنها نزلت في على بن أبى طالب رضي الله تعالى عنه حين سأله سائل وهو راكع في صلاته ، فأومى بخنصره اليمنى إليه فأخذ السائل الخاتم من خنصره .
وقالوا في المعنى : إن الله تعالى بين من له الولاية على الخلق ، والقيام بأمورهم ، وتجب طاعته عليهم فقال :
"إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ" أي الذي يتولى مصالحكم ويدبر أموركم هو الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ، " وَالَّذِينَ آمَنُواْ " ثم وصف الذين آمنوا فقـال:" الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ " بشرائطها "وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ" أي يعطونها في حالة الركوع .
ثم قالوا : هذه الآية من أوضح الدلائل على صحة إمامة على بعد النبي صلى الله عليه وسلم بلا فصل ، والوجه فيه أنه إذا ثبت أن لفظ وليكم تفيد من هو أولى بتدبير أموركم ويجب طاعته ، وثبت أن المراد بالذين آمنوا على ، ثبت النص عليه بالإمامة ، ووضح . الذي يدل على الأول هو الرجوع إلى اللغة ، فمن تأملها علم أن القوم نصوا على ذلك ، ولا يجوز حمل لفظة الولى على الموالاة في الدين والمحبة ، لأنه لا تخصيص في هذا المعنى لمؤمن دون مؤمن آخر ، ولفظة " إنما " تقتضى التخصيص ونفى الحكم عمن عدا المذكور . والذى يدل على أن المراد بالذين آمنوا على الروايات الكثيرة . فهو وحده الذي تصدق في حال الركوع ، كما أن الذي خوطب بالآية غير الذي جعلت له الولاية ، وإلا أدى إلى أن يكون المضاف هو المضاف إليه بعينه ([11][43]).
هذا ما ذهب إليه الجعفرية ، ولكن أهل التأويل - كما يقول الطبري([12][44]).
-اختلفوا في المعنى بقوله تعالى :
"وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ"، فقال بعضهم : عنى به على بن أبى طالب ، وقال بعضهم : عنى به جميع المؤمنين .
وذكر الطبري الروايات التي تؤيد ما ذهب إليه القائلون بأن المعنى به جميع المؤمنين ، وفى بعضها تعجب ممن سأل عن المراد بالذين آمنوا ، لأنه يسأل عن شيء لا يسأل عن مثله . ثم ذكر روايتين :
الأولى : عن إسماعيل بن إسرائيل قال : حدّثنا أيوب بن سويد قال ، حدّثنا عتبة بن أبى حكيم في هذه الآية " إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ " قال : على بن أبى طالب.
الثانية : هي حدثني الحارث قال : حدثني عبدالعزيز قال : حدّثنا غالب بن عبيد الله قال ، سمعت مجاهداً يقول في قوله : " إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ " قال : نزلت في على ابن أبى طالب ، تصدق وهو راكع .
والرواية الأولى في سندها أيوب بن سويد ، وعتبة بن أبى الحكيم : فأما أيوب فقد ضعفه أحمد وابن معين وغيرهما . وقال البخاري في الكبير " يتكلمون فيه " ([13][45]) وأما عتبة فقد ضعفه ابن معين ، وكان أحمد يوهنه قليلاً ، ولكن ذكره ابن حبان في الثقات ([14][46]).
فهذه الراوية إذن ضعيفة السند . والرواية الثانية في سندها غالب بن عبيد الله وهو منكر الحديث متروك([15][47]) فراويته لا يؤخذ بها .
والحافظ ابن كثير عند تفسير الآية قال ([16][48]) : " إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ " أي ليس اليهود بأوليائكم ، بل ولايتكم راجعة إلى الله ورسوله والمؤمنين، وقوله :
"الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ " أي المؤمنون المتصفون بهذه الصفات من إقامة الصلاة التي هي أكبر أركان الإسلام ، وهى له وحده لا شريك له ، وإيتاء الزكاة التي هي حق المخلوقين ومساعدة للمحتاجين من الضعفاء والمساكين . وأما قوله "وَهمْ رَاكِعُون"َفقد توهم بعض الناس أ هذه الجملة في موضع الحال في قوله: "وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ " أي في حال ركوعهم ، ولو كان هذا كذلك لكان دفع الزكاة في حال الركوع أفضل من غيره لأنه ممدوح ، وليس الأمر كذلك عند أحد العلماء ممن نعلمه من أئمة الفتوى . وحتى أن بعضهم ذكر في هذا أثراً عن على بن أبى طالب أن هذه الآية نزلت فيه ، وذلك أنه مر به سائل في حال ركوعه فأعطاه خاتمه .
وذكر ابن كثير الروايات التي تشير إلى هذا ، ثم بين أنها لا يصح شئ منها بالكلية لضعف أسانيدها وجهالة رجالها . ثم قال : وقد تقدم في الأحاديث التي أوردناها أن هذه الآيات كلها نزلت في عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - حيث تبرأ من حلف اليهود ، ورضى بولاية الله ورسوله والمؤمنين ، ولهذا قال تعالى بعد هذا كله : " وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ"
كما قال تعالى : "كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أنا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ...أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ" .
فكل من رضى بولاية الله ورسله والمؤمنين فهو مفلح في الدنيا والآخرة ، ومنصور في الدنيا والآخرة ، ولهذا قال تعالى في هذه الآية الكريمة . " وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ"
وبعد هذا كله نذكر بعض الملاحظات :
بدراسة روايات الطبري ، ومما ذكره الحافظ ابن كثير ، نجد أن رواية التصدق في حالة الركوع لا تصح سنداً ، يضاف إلى هذا أن كتب السنة التي رجعت إليها لم أجد فيها ذكراً لمثل هذه الرواية([17][49]).
الروايات مرفوضة كذلك من ناحية المتن كما أشار ابن كثير وغيره ، فالفضيلة في الصلاة كونها خالية عما لا يتعلق بها من الحركات ، سواء أكانت كثيرة أو قليلة ، غاية الأمر أن الكثيرة مفسدة للصلاة دون القليلة ، ولكن تؤثر قصوراً في معنى لإقامة الصلاة ألبتة ([18][50]).
قال ثعلب : الركوع الخضوع ، ركع يركع ، ركعاً وركوعاً : طأطأ رأسه . وقال الراغب الأصبهانى : الركوع الانحناء ، فتارة يستعمل في الهيئة المخصوصة في الصلاة كما هي وتارة في التواضع والتذلل : إما في العبادة ، وإما في غيرها . وكانت العرب في الجاهلية تسمى الحنيف راكعاً إذا لم يعبد الأوثان ، ويقولون : ركع إلى الله ، قال الزمخشري : أي اطمأن ، قال النابغة الذيبانى :
سيبلغ عذراً أو نجاحاً من امرئ إلى ربه رب البرية راكع
وتقول : ركع فلان لكذا وكذا إذا خضع له ، ومنه قول الشاعر :
بيعت بكسـر لئيم واستغاث بها من الهزال أبوها بعد ما ركعا
يعنى بعد ما خضع من شدة الجهد والحاجة .
ومنه كذلك : لا تهيــن الفقير علك أن تركع يومـاً والدهـر قد رفعه
وقد استعمل بهذا المعنى في القرآن الكريم أيضاً كما قيل في قوله سبحانه:" وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ" ، إذ ليس في صلاة من قبلنا من أهل الشرائع ركوع هو أحد الأركان بالإجماع . وكذا في قوله تعالى " وَخَرَّ رَاكِعًا " إلى غير هذا([19][51])
فقوله تعالى :- " وَهُمْ رَاكِعُونَ " يعنى به وهم خاضعون لربهم منقادون لأمره ، متواضعون متذللون في أدائهم للصلاة وإيتائهم للزكاة ، فهو بمعنى الركوع الذي هو في أصل اللغة بمعنى الخضوع .
وأرى تأييد لهذا المعنى مجئ الآية الكريمة بالفعل المضارع ، فهو يدل على أن الآية الكريمة لا تشير إلى حادثة حدثت وانتهت ، وإنما تدل على الاستمرار والدوام ، أي أن صفات المؤمنين وطبيعتهم الصلاة والزكاة وهم راكعون ، ولا يستقيم المعنى - بغير تكلف - أن يكون من صفاتهم إخراج الزكاة أثناء الصلاة .
ذكر الشيعة أن التصدق أثناء الركوع لم يقتصر على أمير المؤمنين ولكن اقتدى به باقي أئمتهم جميعاً ! وهنا يرد تساؤل : إذا كان هذا العمل من الفضائل التي امتدح بها أبو الأئمة وتبعه جميعهم فكيف لم يحرص على هذه الفضيلة سيد الخلق أجمعين صلوات الله وسلامه عليه ؟وكذلك سائر الأمة ؟
- قال الزمخشري في تفسير قوله تعالى : " وَهُمْ رَاكِعُونَ" ما يأتي:
" الواو فيه للحال : أي يعملون ذلك في حال الركوع وهو الخشوع والإخبات والتواضع لله إذ صلوا وإذا زكوا . وقيل هو حال من يؤتون الزكاة بمعنى يؤتونها في حال ركوعهم في الصلاة ، وأنها نزلت في على كرم الله وجهه حين سأله سائل وهو راكع فطرح له خاتمه كأنه كان مرجا في خنصره فلم يتكلف لخلعه كثير عمل تفسد بمثله صلاته.
فإن قلت : كيف صح أن يكون لعلى رضي الله عنه واللفظ لفظ جماعة ؟ قلت : جيء به على لفظ الجمع وإن كان السبب فيه رجلاً واحداً ليرغب الناس في مثل فعله فينالوا مثل ثوابه ، ولينبه على أن سجية المؤمنين يجب أن تكون على هذه الغاية من الحرص على البر والإحسان وتفقد الفقراء ، حتى إن لزهم أمر لا يقبل التأخير في الصلاة لم يؤخروه إلى الفرغ منه " ([20][52])
والزمخشرى هنا ذكر أولاً المعنى المفهوم من النص ، ثم ما قيل في سبب النزول دون تمحيص ، وقد ظهر أن سبب النزول هذا غير صحيح ، فلا ضرورة للتأويل الذي ذهب إليه . ثم ما هذا الأمر الذي لا يقبل التأخير وهم في الصلاة ؟ ألم يكن الأفضل أن يصلى السائل مع المصلين ؟ أو أن ينتظرهم حتى تنتهى الصلاة ؟ وكيف يذهب لراكع يسأله الصدقة ويشغله عن الصلاة ؟ ولو وجد مثل هذا السائل فكيف نشجعه على ارتكاب خطأ جسيم كهذا ؟
- سبق قول الإمامة بأن الذي خوطب بالآية غير الذي جعلت له الولاية وإلا أدى إلى أن يكون المضاف هو المضاف إليه بعينه ، وهذا نوع من الجدل العقيم ، لأن المراد ولاية بعض المؤمنين بعضاً لا أن يكون كل واحد منهم ولى نفسه . كما أن الخطاب موجه كذلك إلى أولئك الذي تبرءوا من ولاية اليهود فأولياؤهم المؤمنون ، وهم أيضاً أولياء لغيرهم من المؤمنين ، وفى مثل قوله تعالى :-
" وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ " خطاب للمؤمنين جميعاً أفمعنى هذا أنه نهى لكل مسلم أن يلمز نفسه ؟! قال الألوسى : كيف يتوهم من قولك مثلاً : أيها الناس لا تغتابوا الناس أنه نهى لكل واحد من الناس أن يغتاب نفسه ؟! ([21][53])
- من المعلوم لدى جميع العلماء - شيعة وسنة - أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، فلوصح ما ذكر في سبب النزول لا نطبق على كل من يتصف بالإيمان وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة في حال الركوع كما ذكروا ، أو الحرص على البر والإحسان وتفقد الفقراء كما أوله الزمخشري .
- كلمة الولى تأتى بمعنى المتولى للأمور والمستحق للتصرف فيها ، وتأتى بمعنى الناصر والخليل ، والسياق يحدد المعنى المراد ، والقرآن الكريم عندما يأمر بموالاة المؤمنين ، أو ينهاهم عن موالاة غير المؤمنين من الكفار وأهل الكتاب تأتى الموالاة بمعنى النصرة والمحبة كقوله تعالى :- " وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَاء حَتَّىَ يُهَاجِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدتَّمُوهُمْ وَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا" ([22][54])
وقوله عز وجل : " الذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ " ([23][55])
وقوله سبحانه : " وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ " ([24][56])
ولم يخرج عن هذا المعنى إلا حالات خاصة كولاية الدم وولاية السفيه . ولكن حالة من هذه الحالات لم تأت بمعنى الولاية العامة على المؤمنين ([25][57]) أفآية الولاية شذت عن هذا النسق القرأنى ؟
وقبل هذه الآية الكريمة جاء قوله سبحانه : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ" ([26][58]) . فهذا نهى عن موالاة من تجب معاداتهم . ثم بينت الآية الكريمة - آية الولاية - من تجب موالاتهم ، ثم جاء النهى مرة أخرى في قوله سبحانه وتعالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ" ([27][59])
ولا شك أن الذي جاء قبل الآية الكريمة وبعدها ينهى عن المالاة في الدين والمحبة ، فإذا جاء الأمر بالموالاة بين نهيين فإنه قطعاً لا يخرج عن هذا المعنى إلا بدليل آخر .
فكلمة " وليكم " ليست دليلاً على أن الإمامة العظمى لأبى الحسن - كرم الله وجهه . وإنما هي في حاجة إلى دليل يظهر أنها خرجت على الاستعمال القرآنى العام ، وعلى المفهوم الخاص لتلك الأيات الكريمة المتتابعة في سورة المائدة .
- لا خلاف في أن لفظة " إنما " تقتضى التخصيص ونفى الحكم عمن عدا المذكور ، ولكن الجعفرية بنوا على هذا عدم جواز حمل لفظة الولى على الموالاة في الدين والمحبة لأنه لا تخصيص في هذا المعنى لمؤمن دون مؤمن آخر .
وهذا الاستدلال أيضاً لا يستقيم ، فالموالاة مختصة بالمؤمنين جميعاً دون غيرهم ممن تجب معاداتهم ، وليست لمؤمن دون مؤمن ، بل إن هذا التخصيص يقتضى عكس ما ذهبوا إليه " لأن الحصر يكون فيما يحتمل اعتقاد الشركة والتردد والنزاع ، ولم يكن بالإجماع وقت نزول هذه الآية تردد ونزاع في الإمامة وولاية التصرف ، بل كان في النصرة والمحبة ([28][60]).
- أمر الله تعالى للمؤمنين بموالاة أقوام ، ونهيه إياهم عن موالاة آخرين ، كل هذا صدر في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم ونفذ في حياته ، فكيف يكون إمام المسلمين الأعظم علياً مع وجود الرسول صلى الله عليه وسلم ؟
هذه بعض الملاحظات ، وأعتقد بعد هذا أن الآية الخامسة والخمسين من سورة المائدة لا تدل بحال على أن إمام المسلمين بعد الرسول صلى الله عليه وسلم يجب أن يكون على بن أبى طالب . على أن هذه الآية الكريمة تعد أهم دليل قرآنى يستندون إليه . فلننظر بعد هذا في باقي الأدلة .
([1][33] ) سورة المائدة – الآية 55 .
([2][34] ) سورة آل عمران – الآية 61 .
([3][35] ) سورة الأحزاب – الآية 33 .
([4][36] ) سورة البقرة – الآية 124.
([5][37] ) سورة المائدة – الآية 67.
([6][38] ) أصل الشيعة وأصولها ص 134 ، وفيه " يا أيها النبي " و " اللهم نعم " .
([7][39] ) الآية الثالثة من سورة المائدة .
([11][43] ) راجع تأويلات الجعفرية للآية الكريمة ، والروايات التي ذكروها لتأييد ما ذهبوا إليه في المراجع التالية:التبيان 3/558 – 564 . ومجمع البيان 6/126 –130 ، والميزان 6/2 –24 ، وزبدة البيان ص 107 –110 ، وكشف المراد ص 289 ، ومصباح الهداية ص 179 –181 ، وتفسير شبر ص141
([12][44]) انظر تفسير الطبري ، تحقيق شاكر 10/424 – 425
([13][45]) انظر المرجع السابق ج 5 حاشية ص 224.
([14][46]) نفس المرجع ج10 حاشية ص 426.
([15][47]) الموضع السابق من المرجع ذاته .
([17][49] ) راجع أيضا ما ذكر عن الإمام على في مفتاح كنوز السنة ، فلا توجد إشارة لمثل هذه الرواية
([18][50] ) انظر تفسير الآلوسى 2/331 .
([19][51] ) انظر مادة ركع في لسان العرب ، وتاج العروس ، وأساس البلاغة ، وانظر كذلك تفسير الطبري 1/ 574 –575 ، وتفسير الألوسى 2 / 330 .
([20][52] ) الكشاف : 1/624 ، ولزهم إلى كذا : اضطرهم .
([21][53]) راجع تفسيره 2/332 .
([22][54]) سورة النساء – الآية 89 .
([23][55]) نفس السورة – الآية 139.
([24][56]) سورة التوبة – الآية 71 .
([25][57]) راجع الآيات القرآنية التي تبين ما ذكر مستعيناً بما جاء في مادة " ولى " من المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم .
([26][58]) سورة المائدة – الآية 51 .
-
الثلاثاء PM 07:00
2021-04-27 - 945