المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 414892
يتصفح الموقع حاليا : 262

البحث

البحث

عرض المادة

أدلة الإمامة من القرآن العظيم

أدلة الإمامة من القرآن العظيم

 " بين يدى الفصل "

            من المعلوم أن القرآن الكريم ليس فيه نص ظاهر يؤيد المذهب الجعفرى ، فلجأ معتنقوه إلى التأويل ، والاستدلال بروايات ذكرت في أسباب النزول لآيات كريمة . وأهم ما استدل به الجعفرية هو :

قال تعالى :

" إِنمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ " ([1][33])

     هذه الآية الكريمة يسمونها آية الولاية ، ويقولون : إنها تدل على أن إمام المسلمين بعد النبي صلى الله عليه وسلم بلا فصل هو على بن أبى طالب ، لأن لفظة " إنما " تفيد الحصر و " وليكم " تفيد من هو أولى بتدبير الأمور ووجوب طاعته ، والآية الكريمة نزلت في على بلا خلاف - كما يقولون - عندما تصدق بخاتمه وهو راكع .

في آية المباهلة

"  فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ "  ([2][34])

3 - قال تعالي :

" وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا" ([3][35])

   

  قالوا :إن المراد بأهل البيت هنا على وفاطمة والحسن والحسين ، وهذه الآية الكريمة تدل على عصمتهم ، والإمامة تدور مع العصمة .

4- قال سبحانه وتعالى :"وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ" ([4][36])

        قالوا : إن هذه الآية الكريمة قد أبطلت إمامة كل ظالم ، فصارت في الصفوة من ذرية إبراهيم الخليل . ومن عبد غير الله ولو لحظة فهو ظالم ، وعلى هو الذي لم يعبد صنماً قط . أما غيره من الخلفاء فهم ظالمون لا يستحقون هذه الخلافة .

      ومعنى هذا أن القرآن الكريم - على قولهم - قد أشار في أكثر من موضع أن عليا هو المستحق للإمامة دون غيره ، ولذلك فهم يعتقدون أن الله سبحانه أمر نبيه بأن ينص على علىِّ وينصبه علماً للناس من بعده ، وكان النبي يعلم أن ذلك سوف يثقل على الناس ، وقد يحملونه على المحاباة والمحبة لابن عمه وصهره ، ومن المعلوم أن الناس ذلك اليوم ، وإلى اليوم ليسوا في مستوى واحد من الإيمان واليقين بنزاهة النبي وعصمته عن الهوى والغرض ، ولكن الله سبحانه لم يعذره في ذلك ، فأوحى إليه :

"يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ" ([5][37])

     فلم يجد بداً من الامتثال بعد هذا الإنذار الشديد ، فخطب الناس عند منصرفه من حجة الوداع في غدير خم ، فنادى وجلهم يسمعون :

       " ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟ قالوا : اللهم بلى . فقال : من كنت مولاه فهذا على مولاه ، إلى آخر ما قال ، ثم أكد ذلك في مواطن آخرى تلويحاً وتصريحاً ، وإشارة ونصاً حتى أدى الوظيفة([6][38]).

      وقبل أن ينصرف الرسول صلى الله عليه وسلم من غدير خم وقبل أن يتفرق الجمع نزل قوله تعالى :  "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا "  ([7][39])

       فقال رسول صلى الله عليه وسلم : الله أكبر على إكمال الدين ، وإتمام النعمة ، ورضا الرب برسالتى ، والولاية لعلى من بعدى ، ثم طفق القوم يهنئون أمير المؤمنين وفى مقدمتهم الشيخان([8][40]). فشاع ذلك وطار في البلاد ، فبلغ ذلك الحرث بن النعمان الفهري . فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ناقة له حتى أتى الأبطح فنزل عن ناقته فأناخها ، فقال : يا محمد ، أمرتنا عن الله أن نشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله فقبلنا ، وأمرتنا أن نصلى خمساً فقبلناه منك ، وأمرتنا بالزكاة فقبلنا ، وأمرتنا أن نصوم شهراً فقبلنا ، وأمرتنا بالحج فقبلنا ، ثم لم ترض بهذا حتى رفعت بضبعى ابن عمك ففضلته علينا ، وقلت من كنت مولاه فعلى مولاه ، فهذا شىء منك أم من الله عز وجل ؟ فقـال : والذي لا إله إلا هـو إن هذا من الله . فولى الحرث بن النعمان يريد راحلته وهو يقول : اللهم إن كان ما يقول محمد حقاً فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم . فما وصل إليها حتى رماه الله تعالى بحجر فسقط على هامته وخرج من دبره وقتله ، وأنزل الله عز وجل : "سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ " ([9][41])الآيات ([10][42])

      هذه الآيات الكريمة السبعة السابقة هي أساس ما يستدلون به من القرآن الكريم ، فلنعرض رأيهم ، ونناقشه بالتفصيل .

 

 

أولا :  الولاية

           ننظر في الآية الكريمة الأولى ، آية الولاية كما يسميها الجعفرية والتي يعتبرونها نصاً صريحاً في إمامته ، فنجد أنهم يروون أنها نزلت في على بن أبى طالب رضي الله تعالى عنه حين سأله سائل  وهو راكع في صلاته ، فأومى بخنصره اليمنى إليه فأخذ السائل الخاتم من خنصره .

      وقالوا في المعنى : إن الله تعالى بين من له الولاية على الخلق ، والقيام بأمورهم ، وتجب طاعته عليهم فقال :

     "إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ"  أي الذي يتولى مصالحكم ويدبر أموركم هو الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ، " وَالَّذِينَ آمَنُواْ "   ثم وصف الذين آمنوا فقـال:" الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ "  بشرائطها  "وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ"  أي يعطونها في حالة الركوع .

       ثم قالوا : هذه الآية من أوضح الدلائل على صحة إمامة على بعد النبي صلى الله عليه وسلم بلا فصل ، والوجه فيه أنه إذا ثبت أن لفظ وليكم تفيد من هو أولى بتدبير أموركم ويجب طاعته ، وثبت أن المراد بالذين آمنوا على ، ثبت النص عليه بالإمامة ، ووضح . الذي يدل على الأول هو الرجوع إلى اللغة ، فمن تأملها علم أن القوم نصوا على ذلك ، ولا يجوز حمل لفظة الولى على الموالاة في الدين والمحبة ، لأنه  لا تخصيص في هذا المعنى لمؤمن دون مؤمن آخر ، ولفظة " إنما " تقتضى التخصيص ونفى الحكم عمن عدا المذكور . والذى يدل على أن المراد بالذين آمنوا على الروايات الكثيرة . فهو وحده الذي تصدق في حال الركوع ، كما أن الذي خوطب بالآية غير الذي جعلت له الولاية ، وإلا أدى إلى أن يكون المضاف هو المضاف إليه بعينه ([11][43]).

         هذا ما ذهب إليه الجعفرية ، ولكن أهل التأويل - كما يقول الطبري([12][44]).

  -اختلفوا في المعنى بقوله تعالى :

"وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ"، فقال بعضهم : عنى به على بن أبى طالب ، وقال بعضهم : عنى به جميع المؤمنين .

      وذكر الطبري الروايات التي تؤيد ما ذهب إليه القائلون بأن المعنى به جميع المؤمنين ، وفى بعضها تعجب ممن سأل عن المراد بالذين آمنوا ، لأنه يسأل عن شيء لا يسأل عن مثله . ثم ذكر روايتين :

الأولى : عن إسماعيل بن إسرائيل قال : حدّثنا أيوب بن سويد قال ، حدّثنا عتبة بن أبى حكيم في هذه الآية " إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ " قال : على بن أبى طالب.

الثانية : هي  حدثني الحارث قال : حدثني عبدالعزيز قال : حدّثنا غالب بن عبيد الله قال ، سمعت مجاهداً يقول في قوله : " إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ "  قال : نزلت في على ابن أبى طالب ، تصدق وهو راكع .

      والرواية الأولى في سندها أيوب بن سويد ، وعتبة بن أبى الحكيم : فأما أيوب فقد ضعفه أحمد وابن معين وغيرهما . وقال البخاري في الكبير " يتكلمون فيه " ([13][45]) وأما عتبة فقد ضعفه ابن معين ، وكان أحمد يوهنه قليلاً ، ولكن ذكره ابن حبان في الثقات ([14][46]).

     فهذه الراوية إذن ضعيفة السند . والرواية الثانية في سندها غالب بن عبيد الله وهو منكر الحديث متروك([15][47]) فراويته لا يؤخذ بها .

     والحافظ ابن كثير عند تفسير الآية قال ([16][48]) : " إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ " أي ليس اليهود بأوليائكم ، بل ولايتكم راجعة إلى الله ورسوله والمؤمنين، وقوله :

 "الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ "  أي المؤمنون المتصفون بهذه الصفات من إقامة الصلاة التي هي أكبر أركان الإسلام ، وهى له وحده لا شريك له ، وإيتاء الزكاة التي هي حق المخلوقين ومساعدة للمحتاجين من الضعفاء والمساكين . وأما قوله "وَهمْ رَاكِعُون"َفقد توهم بعض الناس أ هذه الجملة في موضع الحال في قوله: "وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ " أي في حال ركوعهم ، ولو كان هذا كذلك لكان دفع الزكاة في حال الركوع أفضل من غيره لأنه ممدوح ،  وليس الأمر كذلك عند أحد العلماء ممن نعلمه من أئمة الفتوى . وحتى أن بعضهم ذكر في هذا أثراً عن على بن أبى طالب أن هذه الآية نزلت فيه ، وذلك أنه مر به سائل في حال ركوعه فأعطاه خاتمه .

       وذكر ابن كثير الروايات التي تشير إلى هذا ، ثم بين أنها لا يصح شئ منها بالكلية لضعف أسانيدها وجهالة رجالها . ثم قال : وقد تقدم في الأحاديث التي أوردناها أن هذه الآيات كلها نزلت في عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - حيث تبرأ من حلف اليهود ، ورضى بولاية الله ورسوله والمؤمنين ، ولهذا قال تعالى بعد هذا كله : " وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ"

    كما قال تعالى : "كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ  أنا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ...أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ" .

     فكل من رضى بولاية الله ورسله والمؤمنين فهو مفلح في الدنيا والآخرة ، ومنصور في الدنيا والآخرة ، ولهذا قال تعالى في هذه الآية الكريمة . " وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ"

     وبعد هذا كله نذكر بعض الملاحظات :

بدراسة روايات الطبري ، ومما ذكره الحافظ ابن كثير ، نجد أن رواية التصدق في حالة الركوع لا تصح سنداً ، يضاف إلى هذا أن كتب السنة التي رجعت إليها لم أجد فيها ذكراً لمثل هذه الرواية([17][49]).

الروايات مرفوضة كذلك من ناحية المتن كما أشار ابن كثير وغيره ، فالفضيلة في الصلاة كونها خالية عما لا يتعلق بها من الحركات ، سواء أكانت كثيرة أو قليلة ، غاية الأمر أن الكثيرة مفسدة للصلاة دون القليلة ، ولكن تؤثر قصوراً في معنى لإقامة الصلاة ألبتة ([18][50]).

قال ثعلب : الركوع الخضوع ، ركع يركع ، ركعاً وركوعاً : طأطأ رأسه . وقال الراغب الأصبهانى : الركوع الانحناء ، فتارة يستعمل في الهيئة المخصوصة في الصلاة كما هي وتارة في التواضع والتذلل : إما في العبادة ، وإما في غيرها . وكانت العرب في الجاهلية تسمى الحنيف راكعاً إذا لم يعبد الأوثان ، ويقولون : ركع إلى الله ، قال الزمخشري : أي اطمأن ، قال النابغة الذيبانى :

 سيبلغ عذراً أو نجاحاً من امرئ       إلى ربه رب البرية راكع

   وتقول : ركع فلان لكذا وكذا إذا خضع له ، ومنه قول الشاعر :

بيعت بكسـر لئيم واستغاث بها      من الهزال أبوها بعد ما ركعا

  يعنى بعد ما خضع من شدة الجهد والحاجة .

      ومنه كذلك : لا تهيــن الفقير علك أن        تركع يومـاً والدهـر قد رفعه

      وقد استعمل بهذا المعنى في القرآن الكريم أيضاً كما قيل في قوله سبحانه:" وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ" ، إذ ليس في صلاة  من قبلنا من أهل الشرائع ركوع هو أحد الأركان بالإجماع . وكذا في قوله تعالى " وَخَرَّ رَاكِعًا "  إلى غير هذا([19][51])   

 فقوله تعالى :- " وَهُمْ رَاكِعُونَ " يعنى به وهم خاضعون لربهم منقادون لأمره ، متواضعون متذللون في أدائهم للصلاة وإيتائهم للزكاة ، فهو بمعنى الركوع الذي هو في أصل اللغة بمعنى الخضوع .

       وأرى تأييد لهذا المعنى مجئ الآية الكريمة بالفعل المضارع ، فهو يدل على أن الآية الكريمة لا تشير إلى حادثة حدثت وانتهت ، وإنما تدل على الاستمرار والدوام ، أي أن صفات المؤمنين وطبيعتهم الصلاة والزكاة وهم راكعون ، ولا يستقيم المعنى - بغير تكلف - أن يكون من صفاتهم إخراج الزكاة أثناء الصلاة .

ذكر الشيعة أن التصدق أثناء الركوع لم يقتصر على أمير المؤمنين ولكن اقتدى به باقي أئمتهم جميعاً ! وهنا يرد تساؤل : إذا كان هذا العمل من الفضائل التي امتدح بها أبو الأئمة وتبعه جميعهم فكيف لم يحرص على هذه الفضيلة سيد الخلق أجمعين صلوات الله وسلامه عليه ؟وكذلك سائر الأمة ؟

  1. قال الزمخشري في تفسير قوله تعالى : " وَهُمْ رَاكِعُونَ" ما يأتي:

    " الواو فيه للحال : أي يعملون ذلك في حال الركوع وهو الخشوع والإخبات والتواضع لله إذ صلوا وإذا زكوا . وقيل هو حال من يؤتون الزكاة بمعنى يؤتونها في حال ركوعهم في الصلاة ، وأنها نزلت في على كرم الله وجهه حين سأله سائل وهو راكع فطرح له خاتمه كأنه كان مرجا في خنصره فلم يتكلف لخلعه كثير عمل تفسد بمثله صلاته.

         فإن قلت : كيف صح أن يكون لعلى رضي الله عنه واللفظ لفظ جماعة ؟ قلت : جيء به على لفظ الجمع وإن كان السبب فيه رجلاً واحداً ليرغب الناس في مثل فعله فينالوا مثل ثوابه ، ولينبه على أن سجية المؤمنين يجب أن تكون على هذه الغاية من الحرص على البر والإحسان وتفقد الفقراء ، حتى إن لزهم أمر لا يقبل التأخير في الصلاة لم يؤخروه إلى الفرغ منه " ([20][52])

      والزمخشرى هنا ذكر أولاً المعنى المفهوم من النص ، ثم ما قيل في سبب النزول دون تمحيص ، وقد ظهر أن سبب النزول هذا غير صحيح ، فلا ضرورة للتأويل الذي ذهب إليه . ثم ما هذا الأمر الذي لا يقبل التأخير وهم في الصلاة ؟ ألم يكن الأفضل أن يصلى السائل مع المصلين ؟ أو أن ينتظرهم حتى تنتهى الصلاة ؟ وكيف يذهب لراكع يسأله الصدقة ويشغله عن الصلاة ؟ ولو وجد مثل هذا السائل فكيف نشجعه على ارتكاب خطأ جسيم كهذا ؟

  1. سبق قول الإمامة بأن الذي خوطب بالآية غير الذي جعلت له الولاية وإلا أدى إلى أن يكون المضاف هو المضاف إليه بعينه ، وهذا نوع من الجدل العقيم ، لأن المراد ولاية بعض المؤمنين بعضاً لا أن يكون كل واحد منهم ولى نفسه . كما أن الخطاب موجه كذلك إلى أولئك الذي تبرءوا من ولاية اليهود فأولياؤهم المؤمنون ، وهم أيضاً أولياء لغيرهم من المؤمنين ، وفى مثل قوله تعالى :-

" وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ " خطاب للمؤمنين جميعاً أفمعنى هذا أنه نهى لكل مسلم أن يلمز نفسه ؟! قال الألوسى : كيف يتوهم من قولك مثلاً : أيها الناس لا تغتابوا الناس أنه نهى لكل واحد من الناس أن يغتاب نفسه ؟! ([21][53])

  1. من المعلوم لدى جميع العلماء - شيعة وسنة - أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، فلوصح ما ذكر في سبب النزول لا نطبق على كل من يتصف بالإيمان وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة في حال الركوع كما ذكروا ، أو الحرص على البر والإحسان وتفقد الفقراء كما أوله الزمخشري .
  2. كلمة الولى تأتى بمعنى المتولى للأمور والمستحق للتصرف فيها ، وتأتى بمعنى الناصر والخليل ، والسياق يحدد المعنى المراد ، والقرآن الكريم عندما يأمر بموالاة المؤمنين ، أو ينهاهم عن موالاة غير المؤمنين من الكفار وأهل الكتاب تأتى الموالاة بمعنى النصرة والمحبة كقوله تعالى :- " وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَاء حَتَّىَ يُهَاجِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدتَّمُوهُمْ وَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا" ([22][54])

 وقوله عز وجل : " الذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ " ([23][55])

     وقوله سبحانه : " وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ " ([24][56])

    ولم يخرج عن هذا المعنى إلا حالات خاصة كولاية الدم وولاية السفيه . ولكن حالة من هذه الحالات لم تأت بمعنى الولاية العامة على المؤمنين ([25][57]) أفآية الولاية شذت عن هذا النسق القرأنى ؟

وقبل هذه الآية الكريمة جاء قوله سبحانه : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ" ([26][58]) . فهذا نهى عن موالاة من تجب معاداتهم . ثم بينت الآية الكريمة - آية الولاية - من تجب موالاتهم ، ثم جاء النهى مرة أخرى في قوله سبحانه وتعالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ" ([27][59])

      ولا شك أن الذي جاء قبل الآية الكريمة وبعدها ينهى عن المالاة في الدين والمحبة ، فإذا جاء الأمر بالموالاة بين نهيين فإنه قطعاً لا يخرج عن هذا المعنى إلا بدليل آخر .

      فكلمة " وليكم " ليست دليلاً على أن الإمامة العظمى لأبى الحسن - كرم الله وجهه . وإنما هي في حاجة إلى دليل يظهر أنها خرجت على الاستعمال القرآنى العام ، وعلى المفهوم الخاص لتلك الأيات الكريمة المتتابعة في سورة المائدة .

  1. لا خلاف في أن لفظة " إنما " تقتضى التخصيص ونفى الحكم عمن عدا المذكور ، ولكن الجعفرية بنوا على هذا عدم جواز حمل لفظة الولى على الموالاة في الدين والمحبة لأنه لا تخصيص في هذا المعنى لمؤمن دون مؤمن آخر .

        وهذا الاستدلال أيضاً لا يستقيم ، فالموالاة مختصة بالمؤمنين جميعاً دون غيرهم ممن تجب معاداتهم ، وليست لمؤمن دون مؤمن ، بل إن هذا التخصيص يقتضى عكس ما ذهبوا إليه " لأن الحصر يكون فيما يحتمل اعتقاد الشركة والتردد والنزاع ، ولم يكن بالإجماع وقت نزول هذه الآية تردد ونزاع في الإمامة وولاية التصرف ، بل كان في النصرة والمحبة ([28][60]).

  1. أمر الله تعالى للمؤمنين بموالاة أقوام ، ونهيه إياهم عن موالاة آخرين ، كل هذا صدر في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم ونفذ في حياته ، فكيف يكون إمام المسلمين الأعظم علياً مع وجود الرسول صلى الله عليه وسلم ؟

        هذه بعض الملاحظات ، وأعتقد بعد هذا أن الآية الخامسة والخمسين من سورة المائدة لا تدل بحال على أن إمام المسلمين بعد الرسول صلى الله عليه وسلم يجب أن يكون على بن أبى طالب . على أن هذه الآية الكريمة تعد أهم دليل قرآنى يستندون إليه . فلننظر بعد هذا في باقي الأدلة .

 

([1][33] ) سورة المائدة – الآية 55 .

([2][34] ) سورة آل عمران – الآية 61 .

([3][35] ) سورة الأحزاب – الآية 33 .

([4][36] ) سورة البقرة – الآية 124.

([5][37] ) سورة المائدة – الآية 67.

([6][38] ) أصل الشيعة وأصولها ص 134 ، وفيه " يا أيها النبي " و " اللهم نعم " .

([7][39] ) الآية الثالثة من سورة المائدة .

([8][40] )  انظر الغدير 1/11 .

([9][41] )  أول سورة المعارج .

([10][42] ) الغدير 1/240 .

([11][43] ) راجع تأويلات الجعفرية للآية الكريمة ، والروايات التي ذكروها لتأييد ما ذهبوا إليه في المراجع التالية:التبيان 3/558 – 564 . ومجمع البيان 6/126 –130 ، والميزان 6/2 –24 ، وزبدة البيان ص 107 –110 ، وكشف المراد ص 289 ، ومصباح الهداية ص 179 –181 ، وتفسير شبر ص141

  ([12][44])  انظر تفسير الطبري ، تحقيق شاكر 10/424 – 425 

  ([13][45])  انظر المرجع السابق ج 5 حاشية ص 224.

  ([14][46])  نفس المرجع ج10 حاشية ص 426.

  ([15][47])  الموضع السابق من المرجع ذاته .

  ([16][48])  انظر تفسيره 2/71 .

([17][49] ) راجع أيضا ما ذكر عن الإمام على في مفتاح كنوز السنة ، فلا توجد إشارة لمثل هذه الرواية

([18][50] ) انظر تفسير الآلوسى 2/331 .

([19][51] ) انظر مادة ركع في لسان العرب ، وتاج العروس ، وأساس البلاغة ، وانظر كذلك تفسير الطبري 1/ 574 –575 ، وتفسير الألوسى 2 / 330 .

([20][52] ) الكشاف : 1/624 ، ولزهم إلى كذا : اضطرهم .

  ([21][53])   راجع تفسيره 2/332 .

  ([22][54])  سورة النساء – الآية 89 .

  ([23][55])  نفس السورة – الآية 139.

  ([24][56])  سورة التوبة – الآية 71 .

  ([25][57])  راجع الآيات القرآنية التي تبين ما ذكر مستعيناً بما جاء في مادة " ولى " من المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم .

  ([26][58])    سورة المائدة – الآية 51 .

  ([27][59])  السورة السابقة – الآية 57 .

([28][60] ) تفسير الآلوسى 2/330 .

  • الثلاثاء PM 07:00
    2021-04-27
  • 945
Powered by: GateGold