المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 414802
يتصفح الموقع حاليا : 223

البحث

البحث

عرض المادة

أبو هريرة رضي الله تعالي عنه

أبو هريرة رضي الله تعالي عنه

     وجدنا مؤامرة المستشرقين في محاولة هدم السنة المطهرة ، وذلك بالتشكيك فيها جملة ، والطعن في رواتها من الأئمة الأعلام .

     والكاتب غذي بهذا التضليل ، فردده وزاد عليه . ورأينا فريته بأن الفقهاء والعلماء بعد عصر الصحابة هم الذين اخترعوا السنة . ولكن شياطينه زينت له أن هذا وحده لا يكفي ، فأراد أن يطعن في خير جيل من خير أمة أخرجت للناس ، شهد الله تعالي لهم ، وشهد الرسول صلى الله عليه وسلم . ولذلك أراد أن يكون الطعن هنا بأسلوبه الملتوي الخبيث . أثني علي بعضهم وشهد لهم ، ولكن هذا يذكرنا بقول الله عز وجل :

     ] إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ [ .

     وانتقل الكاتب من هذا الثناء إلي الطعن في بقية الصحابة الكرام ليقول بأنهم هم جذور المأساة : مأساة وضع واختلاق الأحاديث ، أي أن هذا الجيل المثالي الغرة في جبين البشرية كلها ، هو الذي بدأ الكذب علي الرسول صلى الله عليه وسلم !!  ] كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا [ .

     وهذا الكذاب الأشر لا يجد ما يؤيد به كذبته إلا ما ذكره المستشرق اليهودى ، ثم أبوه أحمد أمين بعد هذا ، وهو حديث كلب الزرع الذي سبق بيان ما يتصل به . وراوية الإسلام الأول كثير في عصرنا من سلك مسلك اليهودى المستشرق  في الطعن فيه .

     وفي المؤتمر الثانى لجمعية إحياء التراث الإسلامي الذي عقد بالكويت في شوال سنة 1405 هـ ، وخصص للسنة المطهرة ، ألقيت محاضرة عن منزلة السنة وشبهات حول الحديث ، وبعد المحاضرة ظهر أثر حملات التشكيك في أسئلة الحاضرين ، وظهرت الحيرة فيما يتصل بهذا الصحابى الجليل .

     ولا أستطيع هنا أن أقدم ترجمة له ، فسيرته العطرة أفردها أكثر من عالم في كتاب أو أكثر ، وأكتفي بذكر بعض الحقائق من باب الذكرى ، فإنها تنفع   المؤمنين ، حتي يعرف القارئ الكريم من قال فيهم الإمام ابن خزيمة " إنما يتكلم في أبي هريرة لدفع أخباره من قد أعمي الله قلوبهم فلا يفهمون معاني الأخبار ".

إسلامه :

      عاش أبو هريرة أكثر من ثلاثين سنة قبل إسلامه . ثم هداه الله عزوجل وشرح صدره للإسلام فى عام خيبر . والمعروف أن الرسول صلى الله عليه وسلم صار إلى خيبر فى المحرم ، وتم فتحها فى صفر فى العام السابع من الهجرة ، وقد شهدها أبو هريرة وأسهم له الرسول صلى الله عليه وسلم ، ومعنى هذا أن أبا هريرة رضى الله عنه أسلم فى بداية العام السابع . وقد عاش فى الإسلام خمسين عاماً ، أو يزيد ؛ لأنه مات سنة 59 هـ على الأشهر ، وقيل بأنه مات قبل هذا بعام أو عامين .

عريف أهل الصفة :

      عندما أسلم لزم الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يفارقه مدة أربع سنوات إلا قليلاً . وساعد على هذه الملازمة أنه كان من أهل الصفة ، ذلك المكان المظلل فى مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم الذى كان يعتبر أول مدرسة فى المدينة المنورة ، ومثوى لفقراء المسلمين .

      وبارك الله عزوجل لأبى هريرة فى هذه الفترة الزمنية القصيرة التى صحب فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فحفظ الكثير من الحديث النبوى الشريف حتى أصبح أشهر من لجأ إلى الصفة وأعلم من تخرج فى تلك المدرسة وعريفها ، بفضل دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم ، وتفرغه وإخلاصه وجده فى طلب العلم .

      قال ابن عبد البر فى الاستيعاب ( 4 / 208 ) :

      " أسلم أبو هريرة عام خيبر ، وشهدها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم . ثم لزمه وواظب عليه رغبة فى العلم ، راضياً بشبع بطنه ، فكانت يده مع يد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان يدور معه حيث دار . وكان من أحفظ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم . وكان يحضر ما لا يحضر سائر المهاجرين والأنصار ؛ لاشتغال المهاجرين بالتجارة ، والأنصار بحوائطهم .

      فقد شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه حريص على العلم والحديث . وقال له : يا رسول الله ، إنى قد سمعت منك حديثاً كثيراً ، وأنا أخشى أن أنسى . فقال : ابسط رداءك . قال فبسطته ، فغرف بيده فيه ، ثم قال : ضمه ، فضممته ، فما نسيت شيئاً بعد " .

حديث بسط الرداء :

      وحديث بسط الرداء ذكره البخارى فى كتاب المناقب من صحيحه ، فى باب ملحق بباب علامات النبوة ، ولفظ الحديث الشريف : " قلت : يا رسول الله ، إنى سمعت منك حديثاً كثيراً فأنساه . قال : فأبسط رداءك ، فبسطته ، فغرف بيده فيه ، ثم قال : ضمه ، فضممته ، فما نسيت حديثاً بعد " .

      وذكره الحميدى فى مسنده ( 2 / 483 ) ، وزاد : " وقام آخر فبسط رداءه ، فقال النبى صلى الله عليه وسلم : سبقك بها الغلام الدوسى " .

      روى الشيخان وغيرهما عن أبى هريرة رضى الله تعالى عنه قال : " إنكم تقولون إن أبا هريرة يكثر الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وتقولون : ما بال المهاجرين والأنصار لا يحدثون عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مثل حديث أبى هريرة ؟ وإن إخوتى من المهاجرين كان يشغلهم الصفق فى الأسواق ، وكنت ألزم الرسول صلى الله عليه وسلم على ملء بطنى ، فأشهد إذا غابوا ، وأحفظ إذا نسوا . وكان يشغل إخوتى من الأنصار عمل أموالهم ، وكنت امرأ مسكيناً من مساكين الصفة أعى حين ينسون ؛ وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فى حديث يحدثه : إنه لن يبسط أحد ثوبه حتى أقضى مقالتى هذه ثم يجمع إليه ثوبه إلا وعى ما أقول ، فبسطت نمرة على ، حتى إذا قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته جمعتها إلى صدرى ، فما نسيت من مقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك من شئ " . وفى رواية " فما نسيت شيئاً سمعته بعد " .

      ويعقب الحافظ ابن حجر على هذا الخبر فيقول : " وهو من علامات النبوة ، فإن أبا هريرة كان أحفظ من كل من يروى الحديث فى عصره ، ولم يأت عن أحد من الصحابة كلهم ما جاء عنه " .

      وفى موضع آخر يقول : " والحديث المذكور من علامات النبوة ، فإن أبا هريرة كان أحفظ الناس للأحاديث النبوية فى عصره " . ( انظر قوله الأول فى تهذيب التهذيب 12 / 266 ، والآخر فى الإصابة 4 / 268 ، وراجع شرحه : فتح البارى ) .

شهادة الرسول صلى الله عليه وسلم :

  أما شهادة خير البشر صلى الله عليه وسلم لأبى هريرة التى أشار إليها ابن عبد البر فإنا نرى ما يبينها فى حديث شريف . ففى الجزء الثالث من المستدرك ( ص 509 ) نقرأ ما يأتى :  حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ، ثنا العباس بن محمد الدورى ، ثنا أبو النضر ، ثنا أبو الأحوص ، عن زيد العمى ، عن ابى الصديق الناجى ، عن أبى سعيد الخدرى ـ رضى الله عنه ـ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله   وسلم : " أبو هريرة وعاء العلم "

      ولم يتكلم الحاكم على الحديث ، قال الذهبى فى تلخيص المستدرك ( 1 / 3 ) : " لم أره يتكلم عن أحاديث جمة ، بعضها جيد وبعضها واه " .

      والذهبى الذى تعقب الحاكم فى كثير من الأحاديث ، وبين أنها ضعيفة أو موضوعه ، لم يشر إلى أى وهى فى إسناد هذا الحديث الشريف . وربما كان هذا كافياً لقبوله ، حيث إنه من أحاديث الفضائل ؛ فقد ثبت عن الإمام أحمد وغيره من الأئمة أنهم قالوا: "إذا روينا فى الحلال والحرام شددنا ، وإذا روينا فى الفضائل ونحوها تساهلنا " .

      ( راجع ص 11 من كتاب : القول المسدد فى الذب عن المسند لابن حجر ).والذهبى نفسه قال فى سير أعلام النبلاء ( 2 / 594 ) : " كان حفظ أبى هريرة الخارق من معدودات النبوة " ، واستدل باحاديث أشار إلى صحتها ، وذكر من الأدلة ما يثبت ما ذهب إليه هو وغيره من الأئمة ، ثم ذكر هذا الحديث الشريف ولكن بلفظ : " أبو هريرة وعاء من العلم " بزيادة " من " وهذا يدل على قبوله وعدم رفضه ، وإن لم ينص على صحته ([1][249]) .

      ومن النظر فى رجال الإسناد نرى أن الحديث صحيح أو حسن على الأقل عند بعض الأئمة ، وعند أكثرهم يعتبر ضعيفاً لا يحتج به فى الحلال والحرام ، ولكن يكتب ، وموضع الخلاف مرده إلى وجود زيد العمى ، ومثله إن لم يحتج بحديثه ، أخذ به فى الفضائل ونحوها ، أى أن هذا الحديث يقبل من حيث الإسناد .

      أما المتن فله ما يعضده ، ويشهد بصحته ، وقد يكفى ما سبق من الأحاديث الشريفة الأخرى ، وما بينته من الدلالات ، وما أثبته الأئمة من أن حفظ أبى هريرة من علامات النبوة ، ولكن فلنزد الأمر وضوحاً وتأكيداً .

      فى كتاب العلم فى صحيح البخارى نجد " باب حفظ العلم " . ونقرأ أحاديث الباب فنراها كلها تتعلق بحفظ أبى هريرة وحده .

      ويأتى الحافظ فى الفتح ليفسر مسلك الإمام البخارى فيقول : " لم يذكر فى الباب شيئاً عن غير أبى هريرة ، وذلك لأنه كان أحفظ الصحابة للحديث ، قال الشافعى رضى الله عنه : أبو هريرة أحفظ من روى الحديث فى عصره وقد كان ابن عمر يترحم عليه فى جنازته ويقول : كان يحفظ على المسلمين حديث      النبى صلى الله عليه وسلم .

هكذا فليكن الحفظ :

      ومما يثبت حفظه ما رواه الحاكم بسنده : " حدثنا الزعيزعه كاتب مروان بن الحكم ، أن مروان دعا أبا هريرة ، فأقعدنى خلف السرير، وجعل يسأله ، وجعلت أكتب حتى إذا كان عند رأس الحول دعا به فأقعده وراء الحجاب ، فجعل يسأله عن ذلك ، فما زاد ولا نقص ، ولا قدم ولا أخر " .

      وصحح الحاكم الخبر ، ووافقه الذهبى . ( انظر المستدرك 3 / 510 ) . وذكره الذهبى فى سير أعلام النبلاء ( 2 / 598 ) ثم عقب بقوله : " قلت : هكذا فليكن الحفظ . قال الشافعى : أبو هريرة … إلخ . " .

      وذكره ابن حجر فى الإصابة ( 4 / 205 ) ، وابن كثير فى البداية والنهاية  ( 8 / 106 ) .

      وبين لنا زيد بن ثابت رضى الله تعالى عنه سبب حفظ أبى هريرة رضى الله تعالى عنه :

      حدث محمد بن قيس بن مخرمة أن رجلاً جاء إلى زيد بن ثابت رضى الله تعالى عنه يسأله عن شئ فقال له زيد : " عليك بأبى هريرة فإنى بينما أنا وأبو هريرة وفلان فى المسجد ذات يوم ندعو الله تعالى ونذكره ، إذ خرج علينا النبى صلى الله عليه وسلم حتى جلس إلينا ، فسكتنا فقال : عودوا للذى كنتم فيه . قال زيد : فدعوت أنا وصاحبى قبل أبى هريرة ، وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤمن على دعائنا ، ثم دعا أبو هريرة فقال : اللهم إنى اسألك ما سألك صاحباى ، وأسألك علماً لا ينسى . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : آمين . فقلنا يا رسول الله ونحن نسأل الله تعالى علماً لا ينسى ، فقال : سبقكم بها الغلام الدوسى " . قال ابن حجر : " أخرجه النسائى بسند جيد فى العلم من كتاب السنن " . (الإصابة 4 / 208 ، وذكره فى التهذيب 12 / 266 ) وأخرجه الحاكم فى المستدرك ( 3 / 508 ) وقال : صحيح الإسناد ولم يخرجاه . ولكن الحاكم رواه عن طريق حماد بن شعيب ، فتعقبه الذهبى وقال : قلت : حماد ضعيف . وفى سير أعلام النبلاء ( 2 / 600 ) ذكر هذا الخبر وقال : " أخرجه   الحاكم ، لكن حماد ضعيف " .

      وفى موضع آخر من السير ( 2 / 616 ) ذكر الخبر بإسناد آخر ، فيه الفضل بن العلاء بدلاً من حماد ، ثم قال : " تفرد به الفضل بن العلاء ، وهو صدوق " . وفى موضع ثالث ( 2 / 68 ) قال الذهبى : " وفى سنن النسائى أن أبا هريرة دعا لنفسه : اللهم إنى أسألك علماً لا ينسى . فقال النبى صلى الله عليه وسلم . آمين " .

شهادة ابن عمر :

      وابن عمر رضى الله تعالى عنهما بين حفظ أبى هريرة وعلمه وفضله ، أما الذين ذكروا أنه كذبه وسخر منه فقد وقعوا فى خطأ جسيم ، حيث أخذوا من الأخبار ما يشتهون وتركوا منها ما يثبت ما لا يريدون .

      ولننظر مثلاً إلى هذا الخبر الصحيح عن ابن عمر نفسه ، فإنه : مر بأبى هريرة وهو يحدث عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال : من تبع جنازة فصلى عليها فله قيراط ، فإن شهد دفنها فله قيراطان ، القيراط أعظم من أحد . فقال له ابن عمر : أبا هر ، انظر ما تحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم !!

     فقام إليه أبو هريرة ، حتى انطلق به إلى عائشة ، فقال لها : يا أم المؤمنين ، أنشدك بالله ، أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من تبع جنازة فصلى عليها فله   قيراط ، فإن شهد دفنها فله قيراطان ؟ فقالت : اللهم نعم . فقال أبو هريرة : إنه لم يكن يشغلنى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم غرس الودى ولا صفق بالأسواق ، إنى إنما كنت أطلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمة يعلمنيها ، وأكلة يطعمنيها .

      فقال له ابن عمر : أنت يا أبا هريرة كنت ألزمنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأعلمنا بحديثه ".

      ( انظر الخبر ، وبيان الشيخ شاكر لصحة إسناده ، فى المسند للإمام أحمد ج 6 ص 213 ، حديث رقم 4453 ط دار المعارف ) .

      والخبر انتهى بشهادة ابن عمر ، ولكن الطاعنين يذكرون الجزء الأول فقط !! أما غيرهم فإما أن يذكر الخبر كاملاً ، أو يكتفى بذكر الشهادة ، فهى المقصود من إيراد الخبر .

      فالحاكم يذكر الخبر كاملاً فى المستدرك ( 3 / 510 ـ 511 ) ، ويقول : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه .

      والذهبى فى تلخيص المستدرك يكتفى بشهادة ابن عمر ، ويعقب بقوله :      " صحيح " وفى سير أعلام النبلاء ، يذكر الخبر بتمامه ، ويقول : رواته ثقات     ( 2 / 617 ) . وفى موضع آخر ( 2 / 629 ) يذكر الشهادة وحدها . ويضيف ابن حجر شهادة أخرى ، وهى قول ابن عمر : " أبو هريرة خير منى وأعلم بما   يحدث " . ( الإصابة 4 / 208 ، وتهذيب التهذيب 12 / 267 ) . وذكر أيضاً أن ابن عمر قال : " أكثر أبو هريرة . فقيل لابن عمر : هل تنكر شيئاً مما يقول ؟ قال : لا ، ولكنه اجترأ وجبنا . فبلغ ذلك أبا هريرة فقال : ما ذنبى إن كنت حفظت ونسوا " . ( انظر الإصابة 4 / 209 ) .

حفظ ونسوا

      ومراجعة بعض الصحابة الكرام لأبى هريرة يرجع فى الغالب الأعم إلى حفظ أبى هريرة ونسيان غيره ؛ فحفظه من معجزات النبوة كما رأينا ، ويرجع إلى أنه سمع ما لم يسمعوه .

      روى الحاكم بسنده عن محمد بن عمرو بن حزم : أنه قعد فى مجلس فيه أبو هريرة ، يحدثهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ينكره بعضهم ، ويعرفه البعض ، حتى فعل ذلك مراراً ، فعرفت يومئذ أن أبا هريرة أحفظ الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .ولم يعقب الذهبى على هذا الخبر . ( انظر المستدرك 3 / 511 ) .

ولكن الذهبى فى سير أعلام النبلاء ( 2 / 617 ) ذكر الخبر وقال : رواه البخارى فى تاريخه ، وهو عن محمد بن عمارة بن حزم الأنصارى ، وفيه : " أنه قعد فى مجلس فيه أبو هريرة ، وفيه مشيخة من أصحاب رسول الله  صلى الله عليه وسلم  ، بضعة عشر رجلاً ، فجعل أبو هريرة يحدثهم عن النبى صلى الله عليه وسلم بالحديث ، فلا يعرفه بعضهم ، ثم يتراجعون فيه ، فيعرفه بعضهم ، ثم يحدثهم بالحديث ، فلا يعرفه بعضهم ، ثم يعرفه ، حتى فعل ذلك مراراً قال : فعرفت يومئذ أنه أحفظ الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " .

      وروى الترمذى والحاكم أن طلحة رضى الله تعالى عنه سئل عن كثرة أحاديث أبى هريرة فقال :

      " والله ما نشك أنه قد سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم نسمع وعلم ما لم نعلم . إنا كنا قوماً أغنياء لنا بيوتات وأهلون ، وكنا نأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفى النهار ثم نرجع ، وكان هو مسكيناً لا مال له ولا أهل ، وإنما كانت يده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يدور معه حيثما دار ، فما نشك أنه قد علم ما لم نعلم وسمع ما لم نسمع " .

      وهذا الخبر ذكره أيضاً البخارى فى التاريخ وأبو يعلى ( انظر تحفة الأحوذى 4 / 353 ) والذهبى فى السير ( 2 / 605 ، 606 ، وفى حاشية 606 بيان لصحة الإسناد ) وابن كثير فى البداية والنهاية ( 8 / 109 ) ، وابن حجر فى أكثر من كتاب ، وزاد فى الإصابة ( 4 / 209 ) قول طلحة : " قد سمعنا كما سمع ، ولكنه حفظ ونسينا " . وقال ابن كثير فى البداية والنهاية ( 8 / 109 ) : " قال شعبة ، عن أشعث بن سليم ، عن أبيه ، قال : سمعت أبا أيوب يحدث عن أبى هريرة ، فقيل له : أنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتحدث عن أبى    هريرة ؟ ! فقال : إن أبا هريرة قد سمع ما لم نسمع ، وإنى إن أحدث عنه أحب إلى من أحدث عن رسول صلى الله عليه وسلم يعنى ما لم أسمعه منه " . والخبر أخرجه الحاكم فى المستدرك ( 3 / 512 ) ، وذكره الذهبى فى السير ( 2 / 606 ) . وقال ابن حجر فى الإصابة ( 4 / 205 ) : قال وكيع فى نسخته : حدثنا الأعمش عن أبى صالح قال : كان أبو هريرة أحفظ أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم . وأخرجه البغوى من رواية أبى بكر بن عياش عن الأعمش بلفظ : ما كان أفضلهم ولكنه كان أحفظ . ( وانظر المستدرك 3 / 509 ، سير أعلام النبلاء 2 / 597 ) وابن حجر بعد أن ذكر عدة أخبار تبين حفظ وفضل هذا الصحابى الجليل ، قال : والأخبار فى ذلك كثيرة ( الإصابة 4 / 208 ) .

      وابن كثير ذكر قول أبى صالح بلفظ : " كان أبو هريرة من أحفظ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم . ولم يكن بأفضلهم " . ( البداية 8 / 106 ) . وفى موضع سابق ( 8 / 104 )  قال ابن كثير : " قد لزم أبو هريرة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد إسلامه فلم يفارقه فى حضر ولا   سفر ، وكان أحرص شىء على سماع الحديث منه وتفقه عنه ، وكان يلزمه على شبع بطنه " .  ثم ذكر حديثاً رواه الإمام أحمد وفيه :   " قلت : يا رسول الله ، ادع الله أن يحببنى وأمى إلى عباده المؤمنين ، فقال : اللهم حبب عبدك هذا وأمه إلى عبادك المؤمنين ، وحببهم إليهما ، قال أبو هريرة : فما خلق الله من مؤمن يسمع بى ولا يرانى أو يرى أمى إلا وهو يحبنى " .

      ثم عقب الحافظ ابن كثير على هذا الحديث بقوله :

          وقد رواه مسلم من حديث عكرمة عن عمار نحوه . وهذا الحديث من دلائل النبوة ، فإن أبا هريرة محبب إلى جميع الناس . قد شهر الله ذكره بما قدره أن يكون من روايته من إيراد هذا الخبر عنه على رؤوس الناس في الجوامع المتعددة في سائر الأقاليم في الإنصات يوم الجمعة بين يدى الخطبة والإمام على المنبر ، وهذا من تقدير الله العزيز العليم ، ومحبة الناس له رضى الله عنه .

  من أسباب كثرة مروياته  :

     وهكذا نرى أن أبا هريرة رضى الله تعالى عنه قد بورك في الفترة الزمنية القصيرة التي شرف فيها بصحبة خير البشر صلى الله عليه وسلم ، وإلى جانب هذا فقد بارك الله سبحانه وتعالى له في باقى عمره في الإسلام حيث استطاع أن يعوض كثيراً مما فاته ، فلم يكتف بالرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى عن كبار الصحابة الذين أدركهم مثل : أبى بكر الصديق وعمر الفاروق وأبى بن كعب - أستاذ مدرسة التفسير بالمدينة في عصر التابعين - وأسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأم المؤمنين عائشة ، وغيرهم من الصحابة الكرام البررة رضى الله تعالى عنهم ، وكان هذا من أسباب كثرة مروياته ، حيث امتد عمره بعد عصر النبوة ، واحتاج الناس إلى علمه .

أما الذين رووا عنه فما أكثرهم !!!

 قال الإمام البخارى : روى عنه نحو من ثمانمائة رجل أو أكثر من أهل العلم من الصحابة والتابعين وغيرهم . ( سير أعلام النبلاء 2/ 568 ، والبداية والنهاية 8 /103 ، والاستيعاب 4 /209 ، والإصابة 4 /205 ، وأضاف ابن حجر : وكان أحفظ من روى في عصره ) .

ترى : أيمكن أن يروى عنه مثل هذا العدد ، وأن يثقوا به ويلجأوا إليه ما لم يجدوا عنده العلم الصحيح النافع . والكلم الطيب الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . وليس هذا فحسب ، فإنه وجد في عصر لم يشع فيه التدوين ، وقل من دون السنة  الشريفة ، ومع هذا بالبحث نجد أن عشرة قد دوَّنوا بعض ما سمعوا منه ، وأول صحيفة كاملة وصلتنا هي صحيفة همام بن منبه كتبها عن أبى هريرة رضى الله تعالى عنه .( انظر من كتب عنه في ص 97 : 99 من كتاب الدكتور محمد الأعظمى : دراسات في الحديث النبوى ) .

     ونتيجة لهذا الاهتمام المشكور بالرواية عن هذا الصحابى الجليل وصلنا من الأخبار التي رويت عنه (5374) ، روى الإمام أحمد بن حنبل في مسنده من هذه الأخبار (3848) ، واتفق الشيخان على (325) ، وانفرد الإمام البخارى بثلاثة وتسعين ، والإمام مسلم بتسعة وثمانين ومائة.

     وهذه الروايات التي زادت على خمسة آلاف إنما هي بالمكرر ، وذكر الدكتور الأعظمى في كتابه : أبو هريرة في ضوء مروياته ( ص76) بأن أحاديثه في المسند والكتب الستة هي 1336 حديثاً فقط ، وذلك بعد حذف الأسانيد المتكررة .

     وهذا القدر يستطيع طالب عادى أن يحفظه في أقل من عام ، فما بالك بمن كان حفظه من معجزات النبوة .

     والفرق بينهما أن الطالب يبذل مجهوداً ليحفظ ، ثم من طبيعته النسيان ، أما الإعجاز فظهر في الحفظ بالسماع وعدم النسيان .

    من شهادات الأئمة

     أحب أن أختم هذه الكلمة الموجزة بذكر شئ من أقوال بعض الأئمـة والحفاظ:

       قال الإمام الشافعى فى الرسالة ( ص 281 ) :  " أبو هريرة أحفظ من روى الحديث فى دهره " .

      وقال الحاكم فى مستدركه ( 3 / 512 ) :  " قد تحريت الابتداء من فضائل أبى هريرة رضى الله عنه ؛ لحفظه لحديث المصطفى صلى الله عليه وسلم ، وشهادة الصحابة والتابعين له بذلك ، فإن كل من طلب حفظ الحديث من أول الإسلام وإلى عصرنا هذا فإنهم من أتباعه وشيعته ، إن هو أولهم ، وأحقهم باسم الحفظ " .

     ثم قال : وفى الصفحة التالية ذكر اسماء الصحابة الذين رووا عنه ، وعددهم ثمانية وعشرون ، منهم : زيد بن ثابت ، وأبو أيوب الأنصارى ، وأبى بن كعب ، وغيرهم من أكابر الصحابة رضى الله عنهم .

      وقال بعد ذكرهم

      " فأما التابعون فليس فيهم أجل ولا أشهر وأشرف وأعلم من أصحاب أبى هريرة ، وذكرهم فى هذا الموضع يطول لكثرتهم ، والله يعصمنا من مخالفة رسول رب العالمين ، والصحابة المنتخبين ، وأئمة الدين من التابعين ومن بعدهم من أئمة المسلمين ، رضى الله عنهم أجمعين ، فى أمر الحافظ علينا شرائع الدين أبى هريرة رضى الله عنه " .

      وقال الذهبى فى سير أعلام النبلاء

      " كان حفظ أبى هريرة الخارق من معجزات النبوة " . ( 2 / 594 ) " احتج المسلمون قديماً وحديثاً بحديثه " ( 2 / 609 ) " إليه المنتهى فى حفظ ما سمعه من الرسول صلى الله عليه وسلم وأدائه بحروفه." ( 2 / 619 ) 

      " قد كان أبو هريرة وثيق الحفظ ، ما علمنا أنه أخطأ فى حديث " . ( 2 / 621 )

      " … فهو رأس فى القرآن ، وفى السنة ، وفى الفقه "  . ( 2 / 627 )

      وقال ابن كثير فى البداية والنهاية ( 8 / 110 )

      " قد كان أبو هريرة من الصدق والحفظ والديانة والعبادة والزهادة والعمل الصالح على جانب عظيم " .

 

 

  ([1][249])  ومع هذا فلننظر إلى الإسناد ، ونعرف برجاله . رجال الإسناد :

     1 ـ أبو العباس محمد بن يعقوب :هو الأصم الإمام المفيد الثقة ، محدث عصره بلا مدافعة ، تفرد فى الدنيا بإجازته أبو نعيم الحافظ ، لم يختلف فى صدقه .( انظر تذكرة الحفاظ للذهبى 3 / 860 ، وطبقات الحفاظ للسيوطى ص 354 ) .

     2 ـ العباس بن محمد الدورى : هو أبو الفضل البغدادى الحافظ ، متفق على عدالته . قال الأصم لم أر فى مشائخى أحسن حديثاً منه .

      قال ابن أبى حاتم : " سمعت منه مع أبى ، وهو صدوق . نا عبد الرحمن قال : سئل أبى عنه فقل : صدوق ( الجرح والتعديل 6 / 216 ) .

      روى عنه أصحاب السنن الأربعة وغيرهم ، ووثقه النسائى ومسلمة وابن حبان ، ولم يذكر فى ترجمته أى جرح له .

      ( انظر ترجمته فى تهذيب التهذيب ، وتذكرة الحفاظ 2 / 579 ، وطبقات الحفاظ ص  527 ) .

      3 ـ ابو النضر : هو الإمام الحافظ شيخ الإسلام محمد بن محمد بن يوسف الطوسى . كان أحد الأعلام .  لم أقرأ فى ترجمته ما يجرحه ، أثنى عليه الحاكم والذهبى والسيوطى . ( انظر تذكرة الحفاظ 3 / 893 ، وطبقات الحفاظ ص 365 ) . وقال الحافظ ابن كثير فى البداية والنهاية عند الحديث عنه ( 11 / 229 ) : كان عالماً عابداً ، رحل فى طلب الحديث إلى الأقاليم النائية والبلدان المتباعدة .

      4 ـ أبو الأحوص : هو محمد بن الهيثم بن حماد بن واقد الثقفى البغدادى القنطرى ، قاضى عكبراء . قال ابن عقدة عن ابن خراش : كان من الأثبات المتقنين . وقال الدارقطنى : كان من الثقات الحفاظ . وقال أيضاً ثقة مأمون حافظ . * وقال الخطيب : كان من أهل الفضل والرحلة .

      وذكره ابن حبان فى الثقات ، وقال : مستقيم الحديث .

      وقال مسلم بن قاسم : ثقة .( انظر ترجمته فى تهذيب التهذيب ، وتذكرة الحفاظ 2 / 605 ، وطبقات الحفاظ ص 263 ) .

      5 ـ زيد العمى : هو زيد بن الحوارى أبو الحوارى العمى البصرى قاضى هراة . مختلف فيه :  قال الحسن بن سفيان : ثقة . وقال أحمد بن حنبل : صالح ، روى عنه سفيان وشعبه وهو فوق يزيد الرقاشى ، وفوق فضل بن عيسى . وقال الدارقطنى والبزار : صالح . وقال السعدى والجوزجانى : متماسك . وقال ابن معين : صالح . وقال مرة : لا شىء ، ضعيف الحديث ، يكتب حديثه ولا يحتج به ، كان شعبة لا يحمد حفظه .

      وقال أبو حاتم وابن عدى : ضعيف ، يكتب حديثه ولا يحتج به . وقال الآجرى عن أبى داود : حدث عنه شعبة وليس بذاك .وقال الآجرى ايضاً : سألت أبا داود عنه فقال : ما سمعت إلا خيراً . وضعفه النسائى : وابن سعد ، وابن المدينى ، والعجلى. (انظر ترجمته فى ميزان الاعتدال ، وتهذيب التهذيب ، والجرح والتعديل 3 / 560 ) .

      6 ـ أبو الصديق الناجى : هو بكر بن عمرو ، وقيل : ابن قيس . جاء فى ترجمته فى تهذيب التهذيب ( 1 / 486 ) . قال ابن معين ، وأبو زرعة ، والنسائى : ثقة . قلت : وذكره ابن حبان فى الثقات .  وقال الذهبى فى الميزان ( 4 / 539 ) .  صدوق . قال ابن سعد : يتكلمون فى أحاديثه يستنكرونها . وقال غيره : ثقة ، تابعى ، واحتج به فى الصحاح .* وأبو الصديق الناجى يروى الحديث الشريف عن الصحابى الجليل أبى سعيد الخدرى رضى الله تعالى عنه .

  • الثلاثاء PM 06:47
    2021-04-27
  • 1107
Powered by: GateGold