المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 414964
يتصفح الموقع حاليا : 262

البحث

البحث

عرض المادة

الطاعنون فى العصر الحديث

الطاعنون فى العصر الحديث

      وننتقل بعد هذا إلى عصرنا الحديث ، حيث زادت الطامة ، وكثر الطاعنون ، وهم أصناف :

       فمنهم بقايا الفرق ، وأشرت إلى بعضهم آنفاً . وهم لا يكتفون بما فى كتبهم من ضلال . ولكنهم من وقت لآخر يثيرون ما يريدون به هدم السنة : كالطعن فى صحابى جليل راوية ، أو راو أجمعت الأمة على توثيقه . أو كتاب صحيح تلقته الأمة بالقبول … إلخ

       ومنهم من يطعن لجهله ما يتصل بالسنة ، فيتشكك ويشكك فى ثبوتها.وهو لا يدرى أن البشرية كلها فى تاريخها الطويل لم تعرف علماً نقل من جيل إلى جيل بالدقة التى نقل بها حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم . ولو رجع إلى كتب مصطلح الحديث ، وعلم الرجال ، وشروح السنة لاستراح وأراح .

      ومنهم من دفعه هذا الجهل إلى القول بأن القرآن الكريم وحده يكفى ، مستدلاً بقوله تعالى : ]  وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ  [  ، وقوله : ]  مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ  [ .

     وهذا جهل بالكتاب والسنة معاً ، ووقوع فيما حذر منه الله عز وجل ، ورسوله صلى الله عليه وسلم ، وردة إلى قول الطائفة التى ذكرها الإمام الشافعى . ولو أن هؤلاء قرأوا حوار الشافعى ، وتدبروا ما ذكرنا من آيات كريمة ، وأحاديث شريفة ، لأدركوا مدى ضلالهم وبعدهم عن سواء السبيل . والعجيب أن هؤلاء أسموا أنفسهم بالقرآنيين ، والقرآن نفسه يشهد على بطلان دعواهم .

      ومنهم من جعل عقله حكماً لرفض أحاديث صحت سنداً ومتناً ، بل فى أرقى مراتب الصحاح ، كالأحاديث الثابتة المتعلقة بالغيبيات مثل الجنة، والنار ، وعلامات الساعة ، والملائكة ، والجن . ومن المعلوم أن النقل الصحيح لا يتعارض مع العقل السليم ، ولكن كيف نقيس الغائب على الشاهد ، وكيف نحكم العقل فى أمور لا نعرف شيئاً عنها ، إلا بالنقل الصحيح ، فمتى ثبت النقل لزم التسليم . أحيانا ترى جاهلاً مغروراً يقف أمام حديث متفق عليه ويقول : هذا مرفوض   عقلا ! وكان عليه أن يسأل نفسه : أكان البخارى ومسلم وأحمد وغيرهم بلا   عقول ؟ بل أعاشت الأمة أربعة عشر قرناً بغير عقل حتى جاء بعقله ليستدرك عليها ؟ !

       ومن أسوأ الطاعنين فى عصرنا المستشرقون ، وأشد منهم خطراً تلامذتهم المقلدون التابعون لهم .

      والمستشرقون طعنوا فى القرآن الكريم نفسه كما أشرت من قبل ، أما السنة فقد أنكروا وجود سنة يتصل سندها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ، وقالوا بأن أقصى اتصال الأسانيد ينقطع ويتوقف عند نهاية القرن الأول . ومعنى ذلك أن السنة بحسب زعمهم تعتبر اختراعاً من اختراعات المسلمين المتأخرين ، أرادو أن يثبتوا أحكاماً فنسبوها للرسول صلى الله عليه وسلم . ثم لم ينسوا أن يطعنوا فيمن كان لهم دور كبير فى السنة ، فمثلا طعنوا فى أبى هريرة الصحابى الجليل رضى الله تعالى عنه ، الذى روى عنه أكثر من ثمانمائة من الصحابة والتابعين ، وهو كما قال الإمام الشافعى " أثبت من روى الحديث فى دهره " ، وطعنوا فى ابن شهاب الزهرى ، الإمام الحجة الثبت ، أول من استجاب لعمر بن عبد العزيز فى جمع السنة …. وهكذا .

      ثم ظهر اتجاه آخر عندهم ، اعتبره بعضهم هدماً للفكر الاستشراقى ، ولذلك ثاروا على القائلين به ، مع أنه فى النهاية يصل إلى البهتان نفسه .

      ويقوم هذا الاتجاه الخبيث على الاعتراف أولاً بأن السنة لها أصل ، وذلك حتى يضلل جهلة المسلمين بالتظاهر بأنه لا ينكر وجود أصل للسنة ، ولكن بعد هذا الاعتراف تأتى محاولة الهدم ، فيقولون : إن المدارس الإسلامية الأولى لم تستطع أن تحدد ما يعتبر من أقوال محمد وما لا يعتبر من أقواله ، لأن السند لم يكن معروفاً عندهم ، فكانت كلمة سنة تعنى الرأى المقبول لدى جمهور علماء   المدرسة ، ثم نسبوا هذه الأقوال المقبولة لدى المدرسة إلى الصحابة حتى تكون أكثر قبولاً ، ثم نسبوها بعد ذلك إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ([1][248]) .

      ومعنى هذا أنهم يريدون أن يصلوا فى النهاية إلى التشكيك فى السنة كلها.

      هؤلاء القوم لا يعرفون الإسناد ، فكتبهم المقدسة ذاتها بغير إسناد ، ولذلك فهى محرفة مزورة ، ولكن لا شك أنهم قرأوا عن جمع السنة وتنقيتها ، وشروط رجال الحديث ، وعرفوا أن الأمة الإسلامية فاقت الخلق جميعاً بهذا الإسناد ، ولكن ماذا ننتظر من مستشرق يهودى أو صليبى حاقد على الإسلام وأهله ، مريد هدمه ما استطاع إلى ذلك سبيلا ؟

فلا ننتظر من أعداء الإسلام إلا مثل هذه المحاولات ، وإن كنا مطمئنين تماماً إلى أنهم لن يصلوا إلى ما يريدون ، فالله عز وجل لم يترك حفظ القرآن الكريم كما ترك غيره للأحبار والرهبان فضيعوه ، وإنما تعهد بحفظه] إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [  كما تعهد ببيانه ] إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ . فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ . ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ [  ، ومن تمام حفظ القرآن الكريم حفظ السنة المطهرة وهى المبينة له .

 

أهذا مفكر إسلامى ؟ !

      الأمر العجيب الغريب حقاً أن نجد من المسلمين من يردد قول المستشرقين ، ومن يصبح لهم تبعاً ، ومن يعجب بأقوالهم فيذكرها منسوبة إليهم ، أو يذكرها وينسبها لنفسه !

      ذكر المرحوم الدكتور مصطفى السباعى أن الدكتور على حسن عبد القادر عندما ألف كتاباً ، وذكر فيه شبه المستشرقين ، وطعنهم فى الإمام الزهرى ، فثار عليه الأزهر ، قال له الأستاذ أحمد أمين : " إن الأزهر لا يقبل الآراء العلمية  الحرة ، فخير طريقة لبث ما تراه مناسباً من أقوال المستشرقين ألا تنسبها إليهم بصراحة ، ولكن ادفعها إلى الأزهريين على أنها بحث منك ، وألبسها ثوباً رقيقاً لا يزعجهم مسها ، كما فعلت أنا فى فجر الإسلام وضحى الإسلام " !

      والشيخ السباعى رحمه الله ناقش المستشرقين وأتباعهم ، وبين تهافت وسخف أقوالهم فى كتابه " السنة ومكانتها فى التشريع الإسلامى " ، غير أنه لم يعش ليرى ثمرة غرس أحمد أمين ، فقد ربى أبناءه فى هذه البيئة التى تتضح من نصيحته الدكتور عبد القادر ، ولا شك أنه نصح ابنه نصائح أدهى وأمر ، ولذلك جاء الابن أسوأ بكثير من أبيه . أخذ حسين بنصيحة أبيه أحمد أمين فى سرقة كلام المستشرقين ، لكنه لم يختر ما يراه مناسباً بل لم يتردد فى أخذ أى شىء عندهم ، ولا مانع من أن يزيد : ولذلك نراه يطعن فى القرآن الكريم وفى عقائد المسلمين ، وهذا ما لم يفعله أبوه .

      وفى السنة يقول ما قاله المستشرقون تماماً ! ويضيف إضافات تدل على جهله التام ، وافترائه  إلى غير حد .

      ولنذكر شيئاً قليلاً مما قاله :

أولاً : زعمه أن الشريعة قاصرة وأن الرسول غير معصوم !!

      للكاتب مقالات منشورة فى مجلات لها اتجاهات معلومة ، وجمع أكثر هذه المقالات فى كتاب ، إذا حملت نفسك على قراءته ، وتصبرت ولم تقف عند المقدمات الخادعة ، أدركت يقيناً أنك أمام مؤامرة خبيثة لئيمة لهدم الإسلام :

      وإن كنت ممن رزئ بقراءة هذا الكتاب ، غير أننى سأقتصر على ذكر نماذج منه تكفى لكشف المؤامرة ، وبيان حقيقة التآمر . وما جاء فى الكتاب لا يحتاج إلى مناقشة ؛ فهو بعيد عن المنهج العلمى ، والكاتب ينسب نفسه للإسلام ثم ينكر ما هو معلوم من الدين بالضرورة ، فكيف يناقش ؟

مع غير المسلمين طالت المناقشات التى أثبتت حقائق الإسلام ، ودمغت أباطيل خصومه ، ودحضت شبههم ، ولكن كيف تكون مثل هذه المناقشات مع من أطلق عليه المزيفون " المفكر الإسلامى ، والكاتب الإسلامى"؟!

أيمكن أن نتصور مسلماً يقول : إن القرآن الكريم جاء بشريعة قاصرة لا تصلح لكل زمان ومكان ، وأرسل بها رسول غير معصوم ؟

      قال الكاتب فى ص 43 : قد كان هذا القرآن وحده كافياً لأن يحكم أوضاع المجتمع الإسلامى فى صورته الأولى ، وأن ينظم شئونه الدينية والاجتماعية والسياسية ، بيد أنه ما انقضت فترة وجيزة على وفاة النبى حتى كان العرب قد انطلقوا من بيدائهم … وباتوا يحكمون شعوباً شديدة التباين فى عاداتها وأخلاقها وبيئاتها وحضارتها عن أهل شبه الجزيرة ، وأسسوا مدناً جديدة ، أو سكنوا مدناً قائمة تزخر بسكان هم الآن فى حاجة إلى شريعة أكثر تعقيداً ، وأوفى تفصيلاً من تلك التى كانت صالحة لأن تحكم مجتمعاً فى بساطة مجتمع مكة والمدينة

      وعن اتخاذ السنة مصدراً ثانياً للشريعة قال فى ص 44 :

      إزاء هذا التوسع الجغرافى الهائل ، وإزاء ضغط الظروف التاريخية الجديدة دائبة التغير ، واختلاف المكان والزمان ، تلمس المسلمون وفقهاؤهم الدليل    الهادى …

      ومع أن الرسول لم يدع قط أنه معصوم من الخطأ إلا حين يملى أو يتلو آيات ربه ، بل ونبهه القرآن ذاته إلى أخطاء بدرت منه ، فقد افترض أنصار الالتزام بالسنة أن العناية الإلهية إنما كانت توجه كل عمل أتى به ، وكل كلمة صدرت عنه منذ بعثه الله رسولاً إلى قومه إلى أن مات . ومن ثم فقد رأوا أن أحكام السنة ملزمة فى الحالات التى لم يرد بصددها حكم قرآنى .

      ومما ذكره الكاتب هنا تظهر آراؤه الآتية :

      1 ـ إنكار صلاحية الشريعة الإسلامية لكل زمان ومكان ، فالقرآن الكريم جاء بشريعة قاصرة ، لا تصلح لغير المجتمع الأول فى مكة والمدينة .

      2 ـ الرسول صلى الله عليه وسلم أرسل إلى قومه ، أى أنه لم يرسل إلى الناس كافة .

      3 ـ الرسول صلى الله عليه وسلم غير معصوم ، فلا يجب اتباعه .

      4 ـ الذين رأوا وجوب اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم هم طائفة فقط من المسلمين أسماهم الكاتب " أنصار الالتزام بالسنة " .

      وهذه الآراء تعارض الكتاب والسنة ، وتنكر ما أجمعت عليه خير أمة أخرجت للناس ، وما هو معلوم من الدين بالضرورة  .

      والدراسة الموجزة السابقة فيها ما يكفى لبيان هذا ، ومناقشة علماء الأمة لأعدائنا أبطلت مثل هذه المفتريات ، ولكن العجب كل العجب أن تصدر هذه الآراء ممن ينسب نفسه أو ينسبه أحد إلى الإسلام !

 

  ([1][248])  بين هذا الاتجاه مفصلاً الأستاذ الدكتور محمد سليم العوا فى إحدى محاضرات رئاسة المحاكم الشرعية ( لعام 1405 هـ ) بدولة قطر .

  • الثلاثاء PM 06:31
    2021-04-27
  • 992
Powered by: GateGold