المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 414996
يتصفح الموقع حاليا : 298

البحث

البحث

عرض المادة

حوار الإمام الشافعى لفرقة ضلت

حوار الإمام الشافعى لفرقة ضلت

      إذن كان السلف الصالح متمسكاً بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، تمسكهم بكتاب الله العزيز ، غير أن فرقة شذت فى عصر الإمام الشافعى ، فردت سنة رسول الله  صلى الله عليه وسلم   ، ورأت أنها لا تقدم مع الكتاب الذى أنزله الله تبياناً لكل شىء . وأشار الإمام الشافعى إلى هذه الفرقة ، وذكر حواره مع واحد منها فى كتاب جماع العلم ، فى الجزء السابع من كتابه الأم ( ص 250 ) .

      وقد بدأ الإمام كتاب جماع العلم بقوله :

لم أسمع أحداً نسبه الناس ، أونسب نفسه إلى علم ، يخالف فى أن فرض الله عز وجل اتباع أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والتسليم لحكمه ، بأن الله عز وجل لم يجعل لمن بعده إلا اتباعه . وأنه لا يلزم قول بكل حال إلا كتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وأن ما سواهما تبع لهما ، وأن فرض الله تعالى علينا ، وعلى من بعدنا وقبلنا ، فى قبول الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم واحد لا يختلف فى أن الفرض والواجب قبول الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إلا فرقة سأصف قولها إن شاء الله تعالى .ثم قال رحمه الله وجزاه خيراً :

 

باب حكاية قول الطائفة التى ردت الأخبار كلها

قال الشافعى رحمه الله تعالى : قال لى قائل ينسب إلى العلم بمذهب أصحابه : أنت عربى ، والقرآن نزل بلسان من أنت منه ، وأنت أدرى بحفظه ، وفيه لله فرائض أنزلها ، لو شك شاك ـ قد تلبس عليه القرآن بحرف منها ـ استتبته ، فإن تاب وإلا قتلته .وقد قال الله عز وجل فى القرآن :  ]  تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ  [ . فكيف جاز عند نفسك ، أو لأحد فى شىء فرض الله ـ أن يقول مرة : الفرض فيه عام ، ومرة : الفرض فيه خاص، ومرة : الأمر فيه فرض ، ومرة : الأمر فيه دلالة ، وإن شاء : ذو إباحة ؟

وأكثر ما فرقت بينه من هذا عندك حديث ترويه عن رجل عن آخر عن آخر ، أو حديثان أو ثلاثة ، حتى تبلغ به رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقد وجدتك ومن ذهب مذهبك لا تبرءون أحداً لقيتموه وقدمتموه فى الصدق والحفظ ، ولا أحداً لقيت ممن لقيتم ـ : من أن يغلط وينسى ويخطئ فى حديثه . بل وجدتكم تقولون بغير واحد منهم : أخطأ فلان فى حديث كذا ، وفلان فى حديث كذا . ووجدتكم تقولون ، لو قال رجل لحديث أحللتم به وحرمتم من علم الخاصة : لم يقل هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إنما أخطأتم أو من حدثكم ، وكذبتم أو من حدثكم ـ : لم تستتيبوه ، ولم تزيدوا : على أن تقولوا : بئس ما قلت .

      أفيجوز أن يفرق بين شىء من أحكام القرآن ، وظاهره واحد عند من  سمعه ـ : يخبر من هو كما وصفتم فيه ؟ وتقيمون أخبارهم مقام كتاب الله ، وإنكم تعطون بها وتمنعون بها ؟

      قال : فقلت : إنما نعطى من وجه الإحاطه  ، أو من جهة الخبر الصادق ، وجهة القياس . وأسبابها عندنا مختلفة ، وإن أعطينا بها كلها فبعضها أثبت من بعض .

      قال : ومثل ماذا ؟

      قلت : إعطائى من الرجل بإقراره ، وبالبينه ، وإبائه اليمين وحلف صاحبه . والإقرار أقوى من البينة ، والبينة أقوى من إباء اليمين ويمين صاحبه . ونحن وإن أعطينا عطاء بها واحداً فأسبابها مختلفة .

      قال : وإذا قمتم على أن تقبلوا أخبارهم ، وفيهم ما ذكرت من أمركم بقبول أخبارهم ، وما حجتكم فيه على من ردها ؟

      فقال : لا أقبل منها شيئاً إذا كان يمكن فيه الوهم ، ولا أقبل إلا ما أشهد به  على الله ، كما أشهد بكتابه ، الذى لا يسع أحداً الشك فى حرف منه . أو يجوز أن يقوم شئ مقام الإحاطة وليس بها ؟

      فقلت له : من علم اللسان الذى به كتاب الله وأحكام الله ، دله علمه بهما على قبول أخبار الصادقين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والفرق بين ما دل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الفرق بينه من أحكام الله . وعلم بذلك مكان رسول الله صلى الله عليه وسلم . إذ كنت لم تشاهده خبر الخاصة وخبر العامة .

      قال : نعم .

      قلت : فقد رددتها إذ كنت تدين بما تقول !

      قال : أفتوجدنى مثل هذا ، مما تقوم بذلك الحجة فى قبول الخبر ؟ فإن أوجدته كانت أزيد فى إيضاح حجتك ، وأثبت للحجة على من خالفك ، وأطيب لنفس من رجع من قوله لقولك .

      ـ فقلت : إن سلكت سبيل النصفة ، كان فى بعض ما قلت دليل على أنك مقيم من قولك على ما يجب عليك الانتقال عنه . وأنت تعلم أن قد طالت غفلتك فيه عما لا ينبغى أن تغفل من أمر دينك .

      قال : فاذكر شيئاً إن حضرك ؟

      قلت : قال الله عزوجل : ] هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ  [ .

      قال : فقد علمنا أن الكتاب كتاب الله ، فما الحكمة ؟

      قلت : سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .

      قال : أفيحتمل أن يكون يعلمهم الكتاب جملة ، والحكمة خاصة ، وهى   أحكامه ؟

      قلت : تعنى بأن يبين لهم عن الله عزوعلا مثل ما بين لهم فى جملة  الفرائض ، من الصلاة والزكاة والحج وغيرها ، فيكون قد أحكم فرائض من فرائضه بكتابه ، وبين كيف هى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم .

      قال : إنه ليحتمل ذلك .

      قلت : فإن ذهبت هذا المذهب فهى فى معنى الأول قبله ، الذى لا تصل إليه إلا بخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

      قال : فإن ذهبت مذهب تكرير الكلام ؟

      قلت : وأيهم أولى به إذا ذكر الكتاب والحكمة : أن يكونا شيئين أو شيئاً واحداً ؟

      قال : يحتمل أن يكونا كما وصفت ، كتاباً وسنة ، فيكونا شيئين ، ويحتمل أن يكونا شيئاً واحداً .

      قلت : فأظهرهما أولاهما فى القرآن دلالة على ما قلنا ، وخلاف ما ذهبت إليه .

      قال : وأين هى ؟

      قلت : قول الله عزوجل : ] وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفًا خَبِيرًا [ فأخبر أنه يتلى فى بيوتهن شيئان .

      قال : فهذا القرآن يتلى ، فكيف تتلى الحكمة ؟

      قلت : إنما معنى التلاوة أن ينطق بالقرآن والسنة ، كما ينطق بها .

      قال : فهذه أبين فى أن الحكمة غير القرآن من الأولى .

      وقلت : افترض الله علينا اتباع نبيه صلى الله عليه وسلم .

      قال : وأين ؟

      قلت : قال الله عزوجل : ] فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا [ .

      وقال عزوجل : ] مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ  [ .

      وقال : ]   فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [ .

      قال : ما من شئ أولى بنا أن نقوله فى الحكمة : من أنها سنة رسول الله   صلى الله عليه وسلم  ، ولو كان بعض ما قال أصحابنا : أن الله أمر بالتسليم بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وحكمته إنما هو مما أنزله ـ لكان من لم يسلم ، له أن ينسب إلى التسليم لحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم .

       قلت : لقد فرض الله عزوجل علينا اتباع أمره فقال : ]   وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا  [ .

       قال : إنه لبين فى التنزيل أن علينا فرضاً أن نأخذ الذى أمرنا به ، وننتهى عما نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم .

      قال : قلت : والفرض علينا وعلى من هو من قبلنا ومن بعدنا واحد ؟

      قال : نعم .

      قلت : فإن كان ذلك علينا فرضاً فى اتباع أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم :أنحيط أنه إذا فرض علينا شيئاً فقد دلنا على الأمر الذى يؤخذ به فرضه ؟

      قال : نعم .

      قلت : فهل تجد السبيل إلى تأدية فرض الله عزوجل فى اتباع أوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو أحد قبلك أو بعدك ، ممن لم يشاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بالخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟

      وإن فى أن لا آخذ ذلك إلا بالخبر لما دلنى على أن الله أوجب على أن أقبل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

*****

      قال : وقلت له أيضاً : يلزمك هذا فى ناسخ القرآن ومنسوخه .

      قال : فاذكر منه شيئاً ؟

      قلت ـ قال تعالى : ] كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأقْرَبِينَ [ .

      وقال فى الفرائض : ]   وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ  [ .

      فزعمنا بالخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن آية الفرائض نسخت الوصية للوالدين والأقربين . فلو كنا ممن لا يقبل الخبر فقال قائل : الوصية نسخت الفرائض ، هل نجد الحجة عليه إلا بخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ !

      قال : هذا شبيه بالكتاب والحكمة ، والحجة لك ثابتة بأن علينا قبول الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . وقد صرت إلى : قبول الخبر لزم للمسلمين ، لما ذكرت وما فى مثل معانيه من كتاب الله . وليست تدخلنى أنفة من إظهار الانتقال عما كنت أرى إلى غيره ، إذا بانت الحجة فيه ، بل أتدين بأن على الرجوع عما كنت أرى إلى ما رأيت الحق .

      ولكن أرأيت العام فى القرآن ، كيف جعلته عاماً مرة ، وخاصاً أخرى ؟

      قلت له : لسان العرب واسع . وقد تنطق بالشىء عاماً تريد به الخاص فيبين فى لفظها . ولست أصير فى ذلك بخبر إلا بخبر لازم . وكذلك أنزل فى القرآن ، فبين فى القرآن مرة ، وفى السنة أخرى .

      قال : فاذكر منها شيئاً ؟

      قلت : قال الله عزوجل : ] اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ  [ . فكان مخرجاً بالقول عاماً يراد به العام .

      وقال : ]  إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ  [ . فكل نفس مخلوقه من ذكر وأنثى فهذا عام يراد      به العام .

      وفيه الخصوص : وقال : ] إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ  [ . فالتقوى وخلافها لا تكون إلا للبالغين غير المغلوبين على عقولهم .

      وقال : ] يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ  [ . وقد أحاط العلم أن كل الناس فى زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكونوا يدعون من دونه شيئاً ، لأن فيهم المؤمن . ومخرج الكلام عاماً فإنما أريد من كان هكذا .

      وقال :] واَسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعدُونَ فِي السَّبْتِ  [   دل على أن العادين فيه أهلها دونها .

       وذكرت له أشياء مما كتبت فى ( كتابى ) ([1][244]) .

      فقال : هو كما قلت كله . ولكن بين لى العام الذى لا يوجد فى كتاب الله أنه أريد به خاص ؟

      قلت فرض الله الصلاة . ألست تجدها على الناس عاماً ؟

      قال : بلى .

      قلت : وتجد الحيض مخرجات منه ؟

      قال : نعم .

      وقلت : وتجد الزكاة على الأموال عامة ، وتجد بعض الأموال مخرجاً منها ؟

      قال : بلى .

      قلت : وتجد الوصية للوالدين منسوخة بالفرائض ؟

      قال : نعم .

      قلت : وفرض المواريث للآباء وللأمهات والولد عاماً ، ولم يورث المسلمون كافراً من مسلم ، ولا عبداً من حر ، ولا قاتلاً ممن قتل : بالسنة ؟

      قال : نعم . ونحن نقول ببعض هذا .

      قلت : فما دلك على هذا ؟

      قال : السنة . لأنه ليس فيه نص قرآن .

      قلت : فقد بان لك فى أحكام الله تعالى فى كتابه فرض الله طاعة رسوله ، والموضع الذى وضعه الله عز وجل به ، من الإبانة عنه : ما أنزل خاصاً وناسخاً ومنسوخاً ؟

      قال : نعم . وما زلت أقول بخلاف هذا ، حتى بان لى خطأ  من ذهب هذا المذهب . ولقد ذهب فيه أناس مذهبين : أحد الفريقين لا يقبل خبراً ، وفى كتاب الله البيان .

      قلت : فما لزمه ؟

      قال : أفضى به ذلك إلى عظيم من الأمر ، فقال : من جاء بما يقع عليه اسم " صلاة " وأقل ما يقع عليه اسم " زكاة " فقد أدى ما عليه ، لا وقت فى ذلك ، ولو صلى ركعتين فى كل يوم ، أو قال : فى كل أيام ! وقال : ما لم يكن فيه كتاب الله فليس على أحد فيه فرض !

      وقال غيره : ما كان فيه قرآن يقبل فيه الخبر! فقال بقريب من قوله فيما ليس فيه قرآن . فدخل عليه ما دخل على أو قريب منه . ودخل عليه أن صار إلى قبول الخبر بعد رده . وصار إلى أن لا يعرف ناسخاً ولا منسوخاً ، ولا خاصاً ولا عاماً.

      والخطأ ومذهب الضلال فى هذين المذهبين واضح ، لست أقول بواحد منهما.

      ولكن هل من حجة فى أن تبيح المحرم بإحاطة بغير إحاطة ؟

      قلت : نعم .

      قال : ما هو ؟

      قلت : ما تقول فى هذا ، لرجل إلى جنبى ، أمحرم الدم والمال ؟

      قال : نعم .

      قلت : فإن شهد عليه شاهدان بأنه قتل رجلاً وأخذ ماله ، فهو هذا الذى فى يديه ؟

      قال : أقتله قوداً ، وأدفع ماله الذى فى يديه إلى ورثة المشهود له .

      قال : قلت : أو يمكن فى الشاهدين أن يشهدا بالكذب والغلط ؟

      قال : نعم .

      قلت : فكيف أبحت الدم والمال ، المحرمين بإحاطة ـ : بشاهدين ، وليسا بإحاطة ؟

      قال : أمرت بقبول الشهادة .

      قلت : أفتجد فى كتاب الله تعالى نصاً أن تقبل الشهادة على القتل ؟

      قال : لا . ولكن استدلالاً أنى لا أؤمر بها إلا بمعنى .

      قلت : أفيحتمل ذلك المعنى أن يكون لحكم غير القتل ، ما كان القتل يحتمل القود والدية ؟

      قال : فإن الحجة فى هذا : أن المسلمين إذا اجتمعوا أن القتل بشاهدين فقلنا : الكتاب محتمل لمعنى ما أجمعوا عليه ، وأن لا تخطئ عامتهم معنى كتاب الله ، وإن أخطأ بعضهم .

      فقلت له : أراك قد رجعت إلى قبول الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والإجماع دونه ؟ !

      قال : ذلك الواجب على .

      وقلت له : أتجدك إذا أبحت الدم والمال المحرمين بإحاطة ـ : بشهادة ، وهى غير إحاطة ؟

      قال : كذلك أمرت .

      قلت : فإن كنت أمرت بذلك على صدق الشاهدين فى الظاهر ، فقبلتهما على الظاهر ، ولا يعلم الغيب إلا الله ، وإنا لنطلب فى المحدث أكثر مما نطلب فى الشاهد ، فنجيز شهادة بشر لا نقبل حديث واحد منهم .

      ونجد الدلالة على صدق المحدث وغلطه ممن شركه من الحفاظ ، وبالكتاب والسنة . ففى هذا دلالات . ولا يمكن هذا فى الشهادات .

      قال : فأقام على ما وصفت من التفريق فى رد الخبر ، وقبول بعضه مرة ورد مثله أخرى ، مع ما وصفت فى بيان الخطأ فيه ، وما يلزمهم اختلاف أقاويلهم.

      وفيما وصفنا ههنا ، وفى الكتاب قبل هذا ـ دليل على الحجة عليهم وعلى غيرهم .

      فقال لى : قد قبلت منك أن أقبل الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وعلمت أن الدلالة على معنى ما أراد بما وصفت من فرض الله وطاعته ، فأنا إذا قبلت خبره فعن الله قبلت ما أجمع عليه المسلمون فلم يختلفوا فيه ، وعلمت ما ذكرت من أنهم لا يجتمعون ولا يختلفون إلا على حق ، إن شاء الله تعالى … إلخ .

 

  ([1][244])  مراد الإمام الشافعى بكتابه : الرسالة . قال فى ص 62 : " فابتدأ جل ثناؤه ذكر الأمر  بمسألتهم  عن القرية الحاضرة البحر ، فلما قال : ]  إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ  [ الآية ـ :دل ذلك على أنه إنما أراد أهل القرية ، لأن القرية لا تكون عادية ولا فاسقة بالعدوان فى السبت ولا غيره ، وأنه إنما أراد بالعدوان أهل القرية الذين بلاهم بما كانوا يفسقون " .

  • الثلاثاء PM 06:26
    2021-04-27
  • 1063
Powered by: GateGold