المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 414930
يتصفح الموقع حاليا : 233

البحث

البحث

عرض المادة

مراتب الحديث

مراتب الحديث

        الإخباريون من الجعفرية ـ وهم قلة قليلة ـ لا علم لهم بمصطلح   الحديث ، فهم يتلقون بالقبول كل ما ورد عن أئمتهم في كتب الحديث المعتمدة عندهم ، بل يرون تواتر " كل حديث وكلمه بجميع حركاتها وسكناتها الإعرابية والبنائية وترتيب الكلمات والحروف " ([1][39]) وكتب الحديث هذه أربعة ظهرت في القرنين الرابع والخامس ، وأصحابها يرون صحة ما أثبتوا في كتبهم .

       والجعفرية الاثنا عشرية ظلوا قرابة ثلاثة قرون بعد ظهور هذه الكتب لا يفترقون كثيراً عن النزعة الإخبارية ، فأول من وضع مصطلح الحديث وبين مراتبه عندهم هو الحسن بن المطهر الحلى الملقب بالعلامة الذى توفى سنة 726 هـ ([2][40]).

       والحديث عند جمهور الجعفرية ينقسم إلى متواتر وأخبار آحاد . وأثر عقيدتهم الباطلة يظهر في المتواتر باشتراطهم " أن لا يكون ذهن السامع مشوباً بشبهة أو تقليد يوجب نفى الخبر ومدلوله " ([3][41]) وندرك الأثر هنا عندما نراهم  يقولون : " بهذا الشرط يندفع احتجاج مخالفينا في المذهب على انتفاء النص على أمير المؤمنين رضي الله عنه - بالإمامة " ([4][42]) فإذا ما نقل بالتواتر أن الرسول صلى الله عليه وسلم  لم ينص على إمامة أحد من بعده فالاتهام يوجه إلى السامعين ، وبذلك يصلون إلى هدفهم بعدم حجية هذا النقل . وعلى العكس من هذا نراهم يذهبون إلى تواتر حديث الثقلين والغدير ([5][43]) .  

      فعقيدة الإمامة توجههم في رفض الأخذ بالتواتر أو رفع غيره إلى مرتبته ، ما دام الخبر متعلقاً بهذه العقيدة .

     وأخبار الآحاد عندهم تنقسم إلى أربع مراتب ، هي أصول الأقسام وإليها يرجع كل تقسيم آخر ، وهذه المراتب هي : الصحيح ، والحسن ، والموثق ، والضعيف . فأما الصحيح عندهم فهو " ما اتصل سنده إلى المعصوم بنقل العدل الإمامى عن مثله في جميع الطبقات حيث تكون متعددة " ([6][44]).

      وزاد بعضهم في التعريف أن يكون العدل ضابطاً ، ورأى صاحب مقباس الهداية أن قيد العدل يغنى عن ذلك ، فمن ليس ضابطا فليس بعدل ([7][45]) أى أنهم متفقون على أن شروط الصحة هي :-

  1. اتصال السند إلى المعصوم بدون انقطاع .

  02 أن يكون الرواة إماميين في جميع الطبقات .

  03 وأن يكونوا كذلك عدولا ضابطين .

       وأثر الإمامة هنا يبدو إلى جانب تحديد المعصوم - في اشتراط إمامية الراوى ، فالحديث لا يرقى لمرتبة الصحيح ما لم يكن الرواة من الجعفرية الاثنى عشرية في جميع الطبقات .

      وأول واضع لأقسام الحديث عندهم يوضح سبب هذا الاشتراط بقوله : " لا تقبل رواية الكافر ، وإن علم من دينه التحرز عن الكذب ، لوجوب التثبت عند الفاسق ، والمخالف من المسلمين ، إن كفرناه فكذلك ، وإن علم منه تحريم الكذب - خلافاً لأبى الحسن لاندراجه تحت الآية ، وعدم علمه لا يخرجه عن الاسم ، ولأن قبول الرواية تنفيذ الحكم على المسلمين ، فلا يقبل كالكافر الذى ليس من أهل   القبلة . احتج أبو الحسن بأن أصحاب الحديث قبلوا أخبار السلف كالحسن البصرى وقتادة وعمر بن عبيد ، مع علمهم بمذهبهم ، وإنكارهم على من يقول بقولهم ، والجواب المنع من المقدمتين ، ومع التسليم فنمنع الإجماع عليه وغيره ليس بحجة . والمخالف غير الكافر لا تقبل روايته أيضاً لاندراجه تحت اسم الفاسق " ([8][46]) .

      ويقول الماماقانى ([9][47]) : " الموافق للتحقيق هو أن العدالة لا تجامع فساد العقيدة وأن الإيمان شرط في الراوى " . ويقول أيضاً : " وهو الذى اختاره العلامة في كتبه الأصولية وفاقاً للأكثر لقوله تعالى :-

] إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا [([10][48]) ولا فسق أعظم من عدم الإيمان ، والأخبار الصريحة في فسقهم بل كفرهم لا تحصى كثرة " .

      يستفاد مما سبق : أن الإيمان شرط في الراوى ، وخبر الفاسق يجب التأكد من صحته ، وغير الجعفرى كافر أو فاسق ، فخبره لا يمكن بحال أن يكون صحيحاً ، وهنا لا يبدو أثر الإمامة فحسب بل يظهر التطرف والغلو والزندقة .

     ويأتى بعد الصحيح : الحسن : ، وهو " ما اتصل سنده إلى المعصوم بإمامى ممدوح مدحاً مقبولا معتداً به ، غير معارض بذم ، من غير نص على عدالته ، مع تحقق ذلك في جميع مراتب رواة طريقة ، أو في بعضها . ([11][49]) 

     ويستفاد من هذا النص أنهم يشترطون للحسن :

  1. اتصال السند إلى المعصوم بدون انقطاع .
  2. أن يكون جميع الرواة إماميين .
  3. وأن يكون ممدوحين مدحاً مقبولاً معتداً به ، دون معارضة بذم ، وبالطبع الذم غير المقبول لا يعتد به .
  4. ألا ينص على عدالة الراوى ، فلو كان الرواة عدولاً لأصبح الحديث صحيحا كما عرفنا من دراستنا للصحيح .
  5. تحقق ذلك في جميع مراتب رواة طريقه ، أو في بعضها . يفهم من هذا أن جميع الرواة غير ثابتى العدالة ، أو بعضهم كذلك والآخرين عدول ، فالمعروف أن الحديث يحمل على أدنى مرتبة في الرواة - فلو فقد شرطا آخر غير العدالة لما أصبح حسناً .

      ويقول صاحب ضياء الدراية ( ص 24 ) :

      " ألفاظ المدح على ثلاثة أقسام " :

  • ما له دخل في قوة السند ، مثل صالح وخير .
  • ما له دخل في قوة المتن لا في السند ، مثل فهيم وحافظ .
  • ما ليس له دخل فيهما ، مثل شاعر وقارئ .

     فالأول يفيد في كون السند حسنا أو قويا ، والثانى ينفع في مقام الترجيح ، والثالث لا عبرة له في المقامين ، بل هو من المكملات " .

  ويقول عن الجمع بين القدح والمدح ( الصفحة ذاتها ) :

" القدح بغير فساد المذهب قد يجامع المدح لعدم المنافاة بين كونه ممدوحاً من   جهة ، ومقدوحاً من جهة أخرى " .

     وأثر عقيدة الإمامة في هذا النوع يبدو فيما يأتى :

  1. اشتراط إمامية الراوى .
  2. قبول رواية الإمامى غير ثابت العدالة ، ورفض رواية غير الإمامى كائناً من كان ، وبالغاً ما بلغ من العدالة والتقوى والورع .
  3. قبول رواية الإمامى الممدوح المقدوح أحياناً بشرط ألا يكون القدح بفساد المذهب ، وفساد المذهب يعنى الخروج عن الخط الجعفرى : فهذا قدح لا يغتفر ([12][50]).

     ويأتى بعد الحسن الموثق ، وهو : " ما اتصل سنده إلى المعصوم بمن نص الأصحاب على توثيقه ، مع فساد عقيدته ، بأن كان من أحد الفرق المخالفة  للإمامية ، وإن كان من الشيعة ، مع تحقق ذلك في جميع رواة طريقه أو بعضهم مع كون الباقين من رجال الصحيح " ([13][51]).

      وهذا التعريف يفيد اشتراط ما يأتى :

  1. اتصال السند إلى المعصوم .
  2. أن يكون الرواة غير إماميين ، ولكنهم موثقون من الجعفرية على وجه الخصوص .
  3. أو يكون بعضهم كذلك ، والآخرون من رجال الصحيح ، حتى لا يدخله ضعف آخر ، فيكفى أن دخل في الطريق من ليس بإمامى .

     وأثر عقيدة الإمامة هنا يبدو فيما يأتى :-

  1. جعل الموثق بعد الصحيح والحسن لوجود غير الجعفرية في السند .
  2. التوثيق لا يكون إلا من الجعفرية أنفسهم ، ولذلك قال صاحب ضياء الدراية : ([14][52])  " توثيق المخالف لا يكفينا ، بل الموثق عندهم ضعيف عندنا ، والمدار في الموثق إنما هو توثيق أصحابنا " .

     ويوضح المامقانى توثيق أصحابه بقوله :

     " يمكن معرفة غير الإمامى الموثق بأن يكون الإمام قد اختاره لتحمل الشهادة أو أدائها ، في وصية ، أو وقف ، أو طلاق ، أو محاكمة ، أو نحوها ، أو ترحم عليه أو ترضاه ، أو أرسله رسولاً إلى خصم له أو غير خصمه ، أو ولاه على وقف أو على بلدة ، أو اتخذه وكيلاً ، أو خادماً ملازماً ، أو كاتباً ، أو أذن له في الفتيا والحكم أو أن يكون من مشايخ الإجازة ([15][53]) أو تشرف برؤية الإمام الثانى عشر الحجة المنتظر أو نحو هذا " ([16][54]) .

     فالتوثيق إذن لا يخرج عن النطاق الجعفرى الاثنى عشرى .

  1. مع هذا النوع من التوثيق لا يدخل السند مع الموثقين إلا رجال الصحيح ، وعلى الرغم من ذلك يبقى هذا القسم في المرتبة الثالثة .

     وبعد الموثق يأتى : الضعيف ، وهو " ما لم يجتمع فيه شرط أحد الأقسام السابقة ، بأن اشتمل طريقة على مجروح بالفسق ونحوه ، أو على مجهول الحال ، أو ما دون ذلك كالوضاع " ([17][55]) .

      وفى الحديث عن الصحيح رأينا كيف أنهم اعتبروا غير الجعفرى كافراً أو فاسقاً فروايته ضعيفة غير مقبولة . ولا تقبل من غير الجعفرى إلا من نال توثيق الجعفرية .

     وعلى هذا الأساس يرفضون الأحاديث الثابتة عن الخلفاء الراشدين الثلاثة وغيرهم من أجلاء الصحابة ، والتابعين ، وأئمة المحدثين والفقهاء ، ما داموا لا يؤمنون بعقيدة الإمامية الاثنى عشرية . فالروايات التي يدخل في سندها أى من هؤلاء الصديقين الصالحين الأئمة الأعلام الأمناء ، تعتبر روايات ضعيفة في نظر هؤلاء القوم الذين لا يكادون يفقهون حديثا ([18][56]) .

 

   ([1][39])   تنقيح المقال في أحوال الرجال ص 183 .

  ([2][40])  انظر ضياء الدراية : ص23 . 

  ([3][41])   المرجع السابق : ص 17 .

  ([4][42])   انظر حاشية الصفحة السابقة من نفس المرجع .

  ([5][43])  انظر الأصول العامة للفقه المقارن : ص 196 .

  ([6][44])  مقباس الهداية في علم الدراية ص 33 ، وضياء الدراية ص 21  .

  ([7][45])  انظر الموضع السابق من مقباس الهداية .

   ([8][46])  تهذيب الوصول إلى علم الأصول ص 77 - 78 .

  ([9][47])  هو صاحب كتاب تنقيح المقال في علم الرجال ، وكتاب مقباس الهداية في علم الدراية وله مكانته عند الجعفرية وعلى الأخص في هذا المجال ، والنقل من كتابه الأول ص 207  .

  ([10][48])  6  : الحجرات .

  ([11][49])  مقباس الهداية : ص 34 ، ضياء الدراية : ص23 .

  ([12][50])  أنظر في ألفاظ الذم والقدح ، والمذاهب الفاسدة في نظر الجعفرية : ضياء الدراية :    ص 50 : 53 .

  ([13][51])  مقباس الهداية : ص 35 ، وراجع ضياء الدراية : 24 -25 .

  ([14][52])  حاشية 24 .

  ([15][53])  قد جرى على ألسنة أهل الفن وصف بعض الرجال بكونه شيخ الإجازة وآخر بأنه شيخ الرواية ، وفرق صاحب التكملة بينهما بأن الأول من ليس له كتاب يروى ولا رواية تنقل ، بل يجيز برواية كتاب غيره ، ويذكر في السند لمجرد اتصال السند قال : فلو كان ضعيفاً لم يضر ضعفه . والثانى : هو من تؤخذ الرواية منه ويكون في الأغلب صاحب كتاب بحيث يكون هو أحد من تستند إليه الرواية وهذا تضر جهالته في الرواية وتشترط في قبولها عدالته ، وانظر كذلك ضياء الدراية ص 57 : 59 .

  ([16][54])  انظر : تنقيح المقال : ص 210 ـ 211 .

  ([17][55])  مقباس الهداية : 35 ، وراجع ضياء الدراية : ص 25 .

  ([18][56])  وجدنا من شيعة اليوم من يرى النظر إلى ذوات الرواة لا إلى مذاهبهم ولكنهم لما يغيروا شيئاً . نسأل الله تعالى أن يوفقهم للعمل بما ينفع الإسلام والمسلمين .

  • الثلاثاء AM 10:09
    2021-04-27
  • 1033
Powered by: GateGold