ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ
شٌبهات وردود
المكتبة المرئية
خَــيْـرُ جَــلـيـسٌ
المتواجدون الآن
حرس الحدود
مجتمع المبدعين
البحث
عرض المادة
مراتب الحديث
الإخباريون من الجعفرية ـ وهم قلة قليلة ـ لا علم لهم بمصطلح الحديث ، فهم يتلقون بالقبول كل ما ورد عن أئمتهم في كتب الحديث المعتمدة عندهم ، بل يرون تواتر " كل حديث وكلمه بجميع حركاتها وسكناتها الإعرابية والبنائية وترتيب الكلمات والحروف " ([1][39]) وكتب الحديث هذه أربعة ظهرت في القرنين الرابع والخامس ، وأصحابها يرون صحة ما أثبتوا في كتبهم .
والجعفرية الاثنا عشرية ظلوا قرابة ثلاثة قرون بعد ظهور هذه الكتب لا يفترقون كثيراً عن النزعة الإخبارية ، فأول من وضع مصطلح الحديث وبين مراتبه عندهم هو الحسن بن المطهر الحلى الملقب بالعلامة الذى توفى سنة 726 هـ ([2][40]).
والحديث عند جمهور الجعفرية ينقسم إلى متواتر وأخبار آحاد . وأثر عقيدتهم الباطلة يظهر في المتواتر باشتراطهم " أن لا يكون ذهن السامع مشوباً بشبهة أو تقليد يوجب نفى الخبر ومدلوله " ([3][41]) وندرك الأثر هنا عندما نراهم يقولون : " بهذا الشرط يندفع احتجاج مخالفينا في المذهب على انتفاء النص على أمير المؤمنين رضي الله عنه - بالإمامة " ([4][42]) فإذا ما نقل بالتواتر أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم ينص على إمامة أحد من بعده فالاتهام يوجه إلى السامعين ، وبذلك يصلون إلى هدفهم بعدم حجية هذا النقل . وعلى العكس من هذا نراهم يذهبون إلى تواتر حديث الثقلين والغدير ([5][43]) .
فعقيدة الإمامة توجههم في رفض الأخذ بالتواتر أو رفع غيره إلى مرتبته ، ما دام الخبر متعلقاً بهذه العقيدة .
وأخبار الآحاد عندهم تنقسم إلى أربع مراتب ، هي أصول الأقسام وإليها يرجع كل تقسيم آخر ، وهذه المراتب هي : الصحيح ، والحسن ، والموثق ، والضعيف . فأما الصحيح عندهم فهو " ما اتصل سنده إلى المعصوم بنقل العدل الإمامى عن مثله في جميع الطبقات حيث تكون متعددة " ([6][44]).
وزاد بعضهم في التعريف أن يكون العدل ضابطاً ، ورأى صاحب مقباس الهداية أن قيد العدل يغنى عن ذلك ، فمن ليس ضابطا فليس بعدل ([7][45]) أى أنهم متفقون على أن شروط الصحة هي :-
- اتصال السند إلى المعصوم بدون انقطاع .
02 أن يكون الرواة إماميين في جميع الطبقات .
03 وأن يكونوا كذلك عدولا ضابطين .
وأثر الإمامة هنا يبدو إلى جانب تحديد المعصوم - في اشتراط إمامية الراوى ، فالحديث لا يرقى لمرتبة الصحيح ما لم يكن الرواة من الجعفرية الاثنى عشرية في جميع الطبقات .
وأول واضع لأقسام الحديث عندهم يوضح سبب هذا الاشتراط بقوله : " لا تقبل رواية الكافر ، وإن علم من دينه التحرز عن الكذب ، لوجوب التثبت عند الفاسق ، والمخالف من المسلمين ، إن كفرناه فكذلك ، وإن علم منه تحريم الكذب - خلافاً لأبى الحسن لاندراجه تحت الآية ، وعدم علمه لا يخرجه عن الاسم ، ولأن قبول الرواية تنفيذ الحكم على المسلمين ، فلا يقبل كالكافر الذى ليس من أهل القبلة . احتج أبو الحسن بأن أصحاب الحديث قبلوا أخبار السلف كالحسن البصرى وقتادة وعمر بن عبيد ، مع علمهم بمذهبهم ، وإنكارهم على من يقول بقولهم ، والجواب المنع من المقدمتين ، ومع التسليم فنمنع الإجماع عليه وغيره ليس بحجة . والمخالف غير الكافر لا تقبل روايته أيضاً لاندراجه تحت اسم الفاسق " ([8][46]) .
ويقول الماماقانى ([9][47]) : " الموافق للتحقيق هو أن العدالة لا تجامع فساد العقيدة وأن الإيمان شرط في الراوى " . ويقول أيضاً : " وهو الذى اختاره العلامة في كتبه الأصولية وفاقاً للأكثر لقوله تعالى :-
] إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا [([10][48]) ولا فسق أعظم من عدم الإيمان ، والأخبار الصريحة في فسقهم بل كفرهم لا تحصى كثرة " .
يستفاد مما سبق : أن الإيمان شرط في الراوى ، وخبر الفاسق يجب التأكد من صحته ، وغير الجعفرى كافر أو فاسق ، فخبره لا يمكن بحال أن يكون صحيحاً ، وهنا لا يبدو أثر الإمامة فحسب بل يظهر التطرف والغلو والزندقة .
ويأتى بعد الصحيح : الحسن : ، وهو " ما اتصل سنده إلى المعصوم بإمامى ممدوح مدحاً مقبولا معتداً به ، غير معارض بذم ، من غير نص على عدالته ، مع تحقق ذلك في جميع مراتب رواة طريقة ، أو في بعضها . ([11][49])
ويستفاد من هذا النص أنهم يشترطون للحسن :
- اتصال السند إلى المعصوم بدون انقطاع .
- أن يكون جميع الرواة إماميين .
- وأن يكون ممدوحين مدحاً مقبولاً معتداً به ، دون معارضة بذم ، وبالطبع الذم غير المقبول لا يعتد به .
- ألا ينص على عدالة الراوى ، فلو كان الرواة عدولاً لأصبح الحديث صحيحا كما عرفنا من دراستنا للصحيح .
- تحقق ذلك في جميع مراتب رواة طريقه ، أو في بعضها . يفهم من هذا أن جميع الرواة غير ثابتى العدالة ، أو بعضهم كذلك والآخرين عدول ، فالمعروف أن الحديث يحمل على أدنى مرتبة في الرواة - فلو فقد شرطا آخر غير العدالة لما أصبح حسناً .
ويقول صاحب ضياء الدراية ( ص 24 ) :
" ألفاظ المدح على ثلاثة أقسام " :
- ما له دخل في قوة السند ، مثل صالح وخير .
- ما له دخل في قوة المتن لا في السند ، مثل فهيم وحافظ .
- ما ليس له دخل فيهما ، مثل شاعر وقارئ .
فالأول يفيد في كون السند حسنا أو قويا ، والثانى ينفع في مقام الترجيح ، والثالث لا عبرة له في المقامين ، بل هو من المكملات " .
ويقول عن الجمع بين القدح والمدح ( الصفحة ذاتها ) :
" القدح بغير فساد المذهب قد يجامع المدح لعدم المنافاة بين كونه ممدوحاً من جهة ، ومقدوحاً من جهة أخرى " .
وأثر عقيدة الإمامة في هذا النوع يبدو فيما يأتى :
- اشتراط إمامية الراوى .
- قبول رواية الإمامى غير ثابت العدالة ، ورفض رواية غير الإمامى كائناً من كان ، وبالغاً ما بلغ من العدالة والتقوى والورع .
- قبول رواية الإمامى الممدوح المقدوح أحياناً بشرط ألا يكون القدح بفساد المذهب ، وفساد المذهب يعنى الخروج عن الخط الجعفرى : فهذا قدح لا يغتفر ([12][50]).
ويأتى بعد الحسن الموثق ، وهو : " ما اتصل سنده إلى المعصوم بمن نص الأصحاب على توثيقه ، مع فساد عقيدته ، بأن كان من أحد الفرق المخالفة للإمامية ، وإن كان من الشيعة ، مع تحقق ذلك في جميع رواة طريقه أو بعضهم مع كون الباقين من رجال الصحيح " ([13][51]).
وهذا التعريف يفيد اشتراط ما يأتى :
- اتصال السند إلى المعصوم .
- أن يكون الرواة غير إماميين ، ولكنهم موثقون من الجعفرية على وجه الخصوص .
- أو يكون بعضهم كذلك ، والآخرون من رجال الصحيح ، حتى لا يدخله ضعف آخر ، فيكفى أن دخل في الطريق من ليس بإمامى .
وأثر عقيدة الإمامة هنا يبدو فيما يأتى :-
- جعل الموثق بعد الصحيح والحسن لوجود غير الجعفرية في السند .
- التوثيق لا يكون إلا من الجعفرية أنفسهم ، ولذلك قال صاحب ضياء الدراية : ([14][52]) " توثيق المخالف لا يكفينا ، بل الموثق عندهم ضعيف عندنا ، والمدار في الموثق إنما هو توثيق أصحابنا " .
ويوضح المامقانى توثيق أصحابه بقوله :
" يمكن معرفة غير الإمامى الموثق بأن يكون الإمام قد اختاره لتحمل الشهادة أو أدائها ، في وصية ، أو وقف ، أو طلاق ، أو محاكمة ، أو نحوها ، أو ترحم عليه أو ترضاه ، أو أرسله رسولاً إلى خصم له أو غير خصمه ، أو ولاه على وقف أو على بلدة ، أو اتخذه وكيلاً ، أو خادماً ملازماً ، أو كاتباً ، أو أذن له في الفتيا والحكم أو أن يكون من مشايخ الإجازة ([15][53]) أو تشرف برؤية الإمام الثانى عشر الحجة المنتظر أو نحو هذا " ([16][54]) .
فالتوثيق إذن لا يخرج عن النطاق الجعفرى الاثنى عشرى .
- مع هذا النوع من التوثيق لا يدخل السند مع الموثقين إلا رجال الصحيح ، وعلى الرغم من ذلك يبقى هذا القسم في المرتبة الثالثة .
وبعد الموثق يأتى : الضعيف ، وهو " ما لم يجتمع فيه شرط أحد الأقسام السابقة ، بأن اشتمل طريقة على مجروح بالفسق ونحوه ، أو على مجهول الحال ، أو ما دون ذلك كالوضاع " ([17][55]) .
وفى الحديث عن الصحيح رأينا كيف أنهم اعتبروا غير الجعفرى كافراً أو فاسقاً فروايته ضعيفة غير مقبولة . ولا تقبل من غير الجعفرى إلا من نال توثيق الجعفرية .
وعلى هذا الأساس يرفضون الأحاديث الثابتة عن الخلفاء الراشدين الثلاثة وغيرهم من أجلاء الصحابة ، والتابعين ، وأئمة المحدثين والفقهاء ، ما داموا لا يؤمنون بعقيدة الإمامية الاثنى عشرية . فالروايات التي يدخل في سندها أى من هؤلاء الصديقين الصالحين الأئمة الأعلام الأمناء ، تعتبر روايات ضعيفة في نظر هؤلاء القوم الذين لا يكادون يفقهون حديثا ([18][56]) .
([1][39]) تنقيح المقال في أحوال الرجال ص 183 .
([2][40]) انظر ضياء الدراية : ص23 .
([3][41]) المرجع السابق : ص 17 .
([4][42]) انظر حاشية الصفحة السابقة من نفس المرجع .
([5][43]) انظر الأصول العامة للفقه المقارن : ص 196 .
([6][44]) مقباس الهداية في علم الدراية ص 33 ، وضياء الدراية ص 21 .
([7][45]) انظر الموضع السابق من مقباس الهداية .
([8][46]) تهذيب الوصول إلى علم الأصول ص 77 - 78 .
([9][47]) هو صاحب كتاب تنقيح المقال في علم الرجال ، وكتاب مقباس الهداية في علم الدراية وله مكانته عند الجعفرية وعلى الأخص في هذا المجال ، والنقل من كتابه الأول ص 207 .
([11][49]) مقباس الهداية : ص 34 ، ضياء الدراية : ص23 .
([12][50]) أنظر في ألفاظ الذم والقدح ، والمذاهب الفاسدة في نظر الجعفرية : ضياء الدراية : ص 50 : 53 .
([13][51]) مقباس الهداية : ص 35 ، وراجع ضياء الدراية : 24 -25 .
([15][53]) قد جرى على ألسنة أهل الفن وصف بعض الرجال بكونه شيخ الإجازة وآخر بأنه شيخ الرواية ، وفرق صاحب التكملة بينهما بأن الأول من ليس له كتاب يروى ولا رواية تنقل ، بل يجيز برواية كتاب غيره ، ويذكر في السند لمجرد اتصال السند قال : فلو كان ضعيفاً لم يضر ضعفه . والثانى : هو من تؤخذ الرواية منه ويكون في الأغلب صاحب كتاب بحيث يكون هو أحد من تستند إليه الرواية وهذا تضر جهالته في الرواية وتشترط في قبولها عدالته ، وانظر كذلك ضياء الدراية ص 57 : 59 .
([16][54]) انظر : تنقيح المقال : ص 210 ـ 211 .
([17][55]) مقباس الهداية : 35 ، وراجع ضياء الدراية : ص 25 .
([18][56]) وجدنا من شيعة اليوم من يرى النظر إلى ذوات الرواة لا إلى مذاهبهم ولكنهم لما يغيروا شيئاً . نسأل الله تعالى أن يوفقهم للعمل بما ينفع الإسلام والمسلمين .
-
الثلاثاء AM 10:09
2021-04-27 - 1033