المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 414949
يتصفح الموقع حاليا : 229

البحث

البحث

عرض المادة

التدوين عند الشيعة

التدوين عند الشيعة

     تحدثنا من قبل عن تدوين السنة المطهرة ، وأثبتنا أن التدوين بدأ في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم ، ثم تتابع التدوين بعد ذلك وظل متصلا دون توقف حتى جاء ما عرف بعصر التدوين في القرن الثانى الهجرى .

     وكتب السنة التي بين أيدينا يرجع بعضها إلى القرن الأول الهجرى ، ووصلنا الكثير مما دون في القرن الثانى ، أما القرن الثالث فيعتبر العصر الذهبى لتدوين السنة المشرفة .

      والفرق التي ظهرت في تاريخ الإسلام ، ولها عقائد خاصة بها ، لم تظهر كتبها إلا بعد استقرار عقائدها ، ووضوحها لدى معتنقيها . وهذا أمر بدِهى ، أن الكتب إنما توضع لتأييد هذه العقائد ، والدعوة لها ، فلابد أن تسبق العقائد هذه الكتب .

       بل إن هناك مرحلة تلى العقائد وتسبق الكتب ، وهى وضع الأخبار وتناقلها والاحتجاج بها قبل أن تجمع في كتاب ، وقبل أن يوضع كتاب مرة واحدة .

      فبالنسبة للشيعة مثلا وجدنا بعد موت كل إمام حدوث تفرق جديد ، فكانت كل فرقة تحتج بأخبار تؤيد ما انتهت إليه في تلك المرحلة ، إلى أن تصل إلى الإمام الأخير الذى تستقر عنده آراؤها ، وما كانت أى فرقة لتضع أخباراً في إمام إلا بعد ولادته ، لأنها لا تعلم الغيب في واقع الأمر ، وإن زعم منها من زعم أنه يعلم مثل هذا العلم .

     وللبيان أثبت بعض ما جاء في كتاب من كتب الشيعة أنفسهم ، وهو كتاب فرق الشيعة للحسن بن موسى النوبختى ، وسعد بن عبدالله القمى ، والاثنان عاشا في القرن الثالث ، وأدركا بداية القرن الرابع .

     

      يبين الكتاب تفرق الشيعة بعد موت الإمام جعفر الصادق ، ومما جاء فيه : لما توفى أبو عبدالله بن محمد ، افترقت بعده شيعته ست فرق وكانت وفاته بالمدينة في شوال سنة ثمان وأربعين ومائة ، وهو ابن خمس وستين سنة ، وكان مولده في سنة ثلاث وثمانين ، ودفن في القبر الذى دفن فيه أبوه وجده في البقيع ، وكانت إمامته أربعا وثلاثين سنة إلا شهرين ، وأمه أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبى بكر بن قحافة .

      ففرقة منها قالت : إن جعفر بن محمد حى  لم يمت ، ولا يموت حتى يظهر ويلى أمر الناس ، وهو القائم المهدى ، وزعموا أنهم رووا عنه أنه قال : إن رأيتم رأسى قد أهوى عليكم من جبل فلا تصدقوا فإننى أنا صاحبكم ، وأنه قال لهم : إن جاءكم من يخبركم عنى أنه مرضنى وغسلنى وكفننى ودفننى فلا تصدقوه ،فإنى صاحبكم ، صاحب السيف ، وهذه الفرقة تسمى الناووسية ، وسميت بذلك لرئيس لهم من أهل البصرة يقال له فلان بن فلان الناووس .

      وفرقة  زعمت : أن الإمام بعد جعفر ابنه إسماعيل بن جعفر، وأنكرت موت إسماعيل في حياة أبيه ، وقالوا : كان ذلك على جهة التلبيس من أبيه على الناس ، لأنه خاف فغيبه عنهم ، وزعموا : أن إسماعيل لا يموت حتى يملك الأرض ، ويقوم بأمور الناس ، وأنه هو القائم لأن أباه أشار إليه بالإمامة بعده ، وقلدهم ذلك له ، وأخبرهم أنه صاحبهم والإمام لا يقول إلا الحق ، فلما أظهر موته علمنا أنه قد صدق ، وأنه القائم لم يمت . وهذه الفرقة هي الإسماعيلية الخالصة . وأم إسماعيل وعبدالله ابنى جعفر بن محمد هي فاطمة بنت الحسين بن الحسن بن على بن أبى طالب . وأمها أسماء بنت عقيل بن أبى طالب .

      وفرقة ثالثة زعمت : أن الإمام بعد جعفر هو ابنه محمد بن إسماعيل بن جعفر ، وأمه أم ولد ، وقالوا إن الأمر كان لإسماعيل في حياة أبيه ، فلما توفى قبل أبيه جعل جعفر بن محمد الأمر لمحمد بن إسماعيل ، وكان الحق له ، ولا يجوز غير ذلك لأن الإمامة لا تنتقل من أخ إلى أخ بعد الحسن والحسين ، ولا تكون إلا في الأعقاب ، ولم يكن لأخوى إسماعيل عبدالله وموسى في الإمامة حق ، كما لم يكن لمحمد بن الحنفية فيها حق مع على بن الحسين . وأصحاب هذه المقالة يسمون المباركية ، برئيس لهم كان يسمى المبارك مولى إسماعيل بن جعفر .

      فأما الإسماعيلية الخالصة فهم الخطابية أصحاب أبى الخطاب محمد بن أبى زينب الأسدى الأجدع . وقد دخلت منهم فرقة في فرقة محمد بن إسماعيل ، وأقروا بموت إسماعيل بن جعفر في حياة أبيه ، وهم الذين خرجوا في حياة أبى عبدالله جعفر بن محمد فحاربوا عيسى بن موسى بن محمد بن عبدالله بن العباس ، وكان عاملا على الكوفة ، فبلغه عنهم أنهم أظهروا الإباحات ، ودعوا إلى نبوة " أبى الخطاب " ، وأنهم مجتمعون في مسجد الكوفة قد لزموا الأساطين يرون الناس أنهم لزموها للعبادة ، فبعث إليهم رجلا من أصحابه في خيل ورجال ليأخذهم ويأتيه   بهم ، فامتنعوا عليه وحاربوه ، وكانوا سبعين رجلاً ، فقتلهم جميعاً فلم يفلت منهم إلا رجل واحد أصابته جراحات فسقط بين القتلى فعد فيهم ، فلما جن الليل خرج من بينهم فتخلص ، وهو أبو سلمة سالم بن مكرم الجمال الملقب بأبى خديجة . وذكر بعد ذلك أنه قد تاب ورجع ، وكان ممن يروى الحديث ، فحارب عيسى محاربة شديدة بالحجارة والقصب والسكاكين التي كانت مع أتباعه ، وجعلوا القصب مكان الرماح ، وقد كان أبو الخطاب قال لهم : قاتلوهم فإن قصبكم يعمل فيهم عمل الرماح والسيوف ، ورماحهم وسيوفهم وسلاحهم لايضركم ولا يعمل فيكم ، ولا يحتك في أبدانكم ، فجعل يقدمهم عشرة عشرة للمحاربة ، فلما قتل منهم نحو ثلاثين رجلا  ، قالوا له ياسيدنا ، ما ترى ما يحل بنا  من القوم ؟ وما ترى قصبنا لا يعمل فيهم ولا يؤثر ، وقد يكسر كله ، وقد عمل سلاحهم فينا وقتل من ترى منا ؟ فذكر رواة العامة أنه قال لهم إن كان قد بدا لله فيكم فما ذنبى ؟

      وقال رواة الشيعة أنه قال لهم : يا قوم قد بليتم وامتحنتم ، وأذن في قتلكم وشهادتكم ، فقاتلوا على دينكم واحسابكم ، ولا تعطوا بلدتكم فتذلوا مع أنكم لا تتخلصون من القتل ، فموتوا كراما أعزاء واصبروا فقد وعد الله الصابرين أجراً عظيما ، وأنتم الصابرون . فقاتلوا حتى قتلوا عن آخرهم ، وأسر أبو الخطاب ، فأتى به عيسى بن موسى ، فأمر بقتله فضربت عنقه في دار الرزق  على شاطئ الفرات وأمر بصلبه وصلب أصحابه فصلبوا ، ثم أمر بعد مدة بإحراقهم فأحرقوا ، وبعث برءوسهم إلى المنصور ، فأمر بها فصلبت على باب مدينة بغداد ثلاثة أيام ، ثم أحرقت .

      فلما فعل ذلك قال بعض أصحابه : إن أبا الخطاب لم يقتل ، ولا قتل أحد من أصحابه ، وإنما لبس على القوم وشبه عليهم ، وإنما حاربوا بأمر أبى عبدالله جعفر ابن محمد ، وخرجوا متفرقين من أبواب المسجد ولم يرهم أحد ، ولم يجرح منهم أحد ، وأقبل القوم يقتل بعضهم بعضا على أنهم يقتلون أصحاب  أبى الخطاب  ، وإنما يقتلون أنفسهم ، حتى جن عليهم الليل ، فلما أصبحوا نظروا في القتلى فوجدوهم كلهم منهم ، ولم يجدوا من أصحاب أبى طالب قتيلا ولا جريحا ، ولا وجدوا منهم أحدا . وهذه الفرقة هي التي قالت : إن أبا الخطاب كان نبياً مرسلاً ، أرسله جعفر بن محمد ، ثم إنه صيره بعد ذلك حين حدث هذا الأمر من الملائكة - لعن الله من يقول هذا . ثم خرج بعد ذلك من قال بمقالته من أهل الكوفة وغيرهم إلى محمد بن إسماعيل بن جعفر بعد قتل أبى الخطاب ، فقالوا بإمامته وأقاموا  عليها .

      وصنوف الغالية افترقوا بعده على مقالات كثيرة ، واختلفوا في رئاسات أصحابهم ومذاهبهم ، حتى تراقى بعضهم إلى القول بربوبيته ، وأن الروح التي صارت في آدم ومن بعده من أولى العزم من الرسل صارت فيه .

      وقالت فرقة منهم : إن روح جعفر بن محمد تحولت عن جعفر في أبى الخطاب ، ثم تحولت بعد غيبة أبى الخطاب في محمد بن إسماعيل بن جعفر ، ثم ساقوا الإمامة على هذه الصفة في ولد محمد بن إسماعيل  .

      وتشعبت منهم فرقة من المباركية ممن قال بهذه المقالة ، تسمى القرامطة ، وإنما سميت بهذا برئيس لهم من أهل السواد من الأنباط كان يلقب بقرمطويه ، وكانوا في الأصل على مقالة المباركية ثم خالفوهم وقالوا لا يكون بعد محمد صلى الله عليه وسلم وآله إلا سبعة أئمة : على بن أبى طالب وهو إمام رسول ، والحسن والحسين ، وعلى بن الحسين ، ومحمد بن على ، وجعفر بن محمد ، ومحمد بن إسماعيل بن جعفر وهو الإمام القائم المهدى ، وهو رسول . وزعموا  أن النبى صلى الله عليه وسلم وآله انقطعت عنه الرسالة في حياته في اليوم الذى أمر فيه بنصب على بن أبى طالب رضي الله عنه للناس بغدير خم ، فصارت الرسالة في  ذلك اليوم إلى أمير المؤمنين   وفيه ، واعتلوا في ذلك بخبر تأولوه ، وهو قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله : من كنت مولاه فعلى مولاه ، وأن هذا القول منه خروج من الرسالة والنبوة ، وتسليم منه ذلك لعلى بن أبى طالب بأمر الله عز وجل ، وأن النبى صلى الله عليه وسلم وآله بعد ذلك صار مأموما لعلى بن أبى طالب ، محجوجا به ، فلما مضى على رضي الله عنه صارت الإمامة في الحسن ، ثم صارت من الحسن في الحسين ، ثم صارت في على بن الحسين ، ثم في محمد بن على ، ثم كانت في جعفر بن محمد ، ثم انقطعت عن جعفر في حياته فصارت في إسماعيل بن جعفر كما انقطعت الرسالة عن محمد صلى الله عليه وآله في حياته . ثم إن الله عز وجل بدا له في إمامة جعفر وإسماعيل فصيرها في محمد بن إسماعيل ، واعتلوا في ذلك بخبر رووه عن جعفر بن محمد أنه قال : ما رأيت مثل بداء لله في إسماعيل ، وزعموا أن محمد بن إسماعيل حى               لم يمت وأنه غائب مستتر في بلاد الروم ، وأنه القائم المهدى ، ومعنى القائم   عندهم أنه عندهم أنه يبعث بالرسالة ، وبشريعة جديدة ينسخ بها شريعة محمد صلى الله عليه وآله ، وأن  محمد بن إسماعيل من أولى العزم ، وأولو العزم عندهم سبعة : " نوح ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى ، ومحمد صلى الله عليه وآله وعليهم ، وعلى رضي الله عنه ، ومحمد بن إسماعيل " على معنى أن السموات سبع ، وأن الأرضين سبع ، وأن الإنسان بدنه سبع : يداه ورجلاه ، وظهره ، وبطنه ، وقلبه ، وأن رأسه سبع : عيناه وأذناه ، ومنخراه ، وفمه وفيه لسانه وفمه بمنزلة      صدره الذى فيه   قلبه ، والأئمة سبع كذلك وقلبهم محمد بن إسماعيل ، واعتلوا في نسخ شريعة محمد صلى الله عليه وسلم وآله وتبديلها ، بأخبار رووها عن أبى عبدالله جعفر بن محمد أنه قال : لو قام قائمنا علمتم القرآن جديداً  " وأنه قال : إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود  غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء " ، ونحو ذلك من أخبار القائم ، وزعموا أن الله تبارك وتعالى جعل لمحمد بن إسماعيل جنة آدم ، ومعناها عندهم الإباحة للمحارم وجميع ما خلق في الدنيا ،وهو قول الله عز وجل] وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا [   (البقرة : 35 ) يعنى محمد بن إسماعيل وأباه إسماعيل ، ] وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ  [  (البقرة : 35 ) أى موسى بن جعفر بن محمد ،وولده من بعده ، ومن ادعى منهم الإمامة ، وزعموا أن محمد بن إسماعيل هو خاتم النبيين الذى حكاه الله عز وجل في كتابه ، وأن الدنيا اثنتا عشرة جزيرة في كل جزيرة حجة ، وأن الحجج اثنا عشر ، ولكل حجة داعية ، ولكل داعية يد ، يعنون بذلك أن اليد رجل له دلائل وبراهين يقيمها كدلائل الرسل ، ويسمون الحجة الأب ، والداعية الأم ، واليد الابن يضاهئون قول النصارى في ثالث ثلاثة ، أن الله الأب والمسيح الابن ، وأمه مريم ، فالحجة الأكبر هو الرب ، وهو الأب ، والداعية هي الأم ، واليد هو    الابن –- كذب العادلون بالله وضلوا ضلالا بعيداً  ، وخسروا  خسرانا مبينا . وزعموا أن جميع الأشياء التي فرضها الله تعالى على عباده ، وسنها نبيه صلى الله عليه وسلم   وآله ، وأمر بها ظاهر وباطن ، وأن جميع ما استعبد الله به العباد في الظاهر من الكتاب والسنة ، أمثال مضروبة ، وتحتها معان هي بطونها ، وعليها العمل ، وفيها النجاة ، وأن ما ظهر منها هي التي نهى عنها ، وفى استعمالها الهلاك والشقاء وهى جزء من العقاب الأدنى ، عذب الله بهم قوما ، وأخذهم به ليشقوا بذلك ، إذ لم يعرفوا الحق ، ولم يقوموا به ولم يؤمنوا .

     وهذا أيضاً مذهب عامة أصحاب أبى الخطاب - ومع ذلك استحلوا استعراض الناس بالسيف وسفك دمائهم ، وأخذ أموالهم ، والشهادة عليهم بالكفر والشرك على مذهب البيهسية والأزارقة من الخوارج ، في قتل أهل القبلة وأخذ أموالهم والشهادة عليهم بالكفر ، واعتلوا في ذلك بقول الله تعالى عز وجل ]  فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ  [ ( التوبة : 5 ) قالوا : إن قتلهم يجب أن يكون بمنزلة نحر الهدى وتعظيم شعائـر الله ، وتأولوا في ذلك قـول الله   ] ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوب [(الحج : 32) . ورأوا سبى النساء وقتل الأطفال ، واعتلوا في ذلك بقول الله تبارك وتعالى ] لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا  [  ( نوح : 26 ) ، وزعموا أنه يجب عليهم أن يبدأوا بقتل من قال بالإمامة ممن ليس على قولهم ، وخاصة من قال بإمامة " موسى بن جعفر " وولده من بعده ، وتأولوا في ذلك قول الله تعالى  ]قَاتِلُواْ الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلِيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً [  ( التوبة : 123) ، فالواجب أن يبدأوا بهؤلاء ثم بسائر الناس ، وعددهم كثير إلا أنه لا شوكة لهم ولا قوة ، وكانوا كلهم بسواد الكوفة واليمن أكثر ، ونواحى البحر واليمامة وما والاها ، ودخل فيهم كثير من العرب فقووا بهم وأظهروا أمرهم ، ولعلهم أن يكونوا زهاء مائة ألف .

      وقالت الفرقة الرابعة من أصحاب أبى عبدالله جعفر بن محمد : إن الإمام بعد جعفر ابنه محمد ، وأمه أم ولد يقال لها حميدة ، وهو موسى وإسحق بنو جعفر بن محمد لأم واحدة . وتأولوا في إمامته خبرا ، وزعموا أن بعضهم روى لهم أن محمد بن جعفر دخل ذات يوم على أبيه وهو صبى صغير ، فدعاه أبوه فعدا إليه فكبا في قميصه ، ووقع لحر وجهه ، فقام إليه جعفر وقبله ، ومسح التراب عن وجهه ، ووضعه على صدره ، وقال : سمعت أبى يقول : إذا ولد لك ولد يشبهنى ، فسمه باسمى ، فهو شبيهى وشبيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله وعلى سنته ، فجعل هؤلاء الإمامة في محمد بن جعفر ، وفى ولده من بعده . وهذه الفرقة تسمى  السميطية ، وتنسب إلى رئيسهم يقال له " يحيى بن أبى السميط " ، وقال بعضهم هم الشميطية لأن رئيسهم كان يقال له يحيى بن أبى شميط .

        والفرقة الخامسة منهم قالت : الإمامة بعد جعفر في ابنه عبدالله بن جعفر الأفطح ، وذلك أنه كان عند مضى جعفر أكبر ولده سنا ، وجلس مجلس أبيه بعده ، وادعى الإمامة بوصية أبيه ، واعتلوا أى الأفطحية بحديث يروونه عن أبيه وعن جده أنهما قالا : الإمامة في الأكبر من ولد الإمام : فمال إلى عبدالله والقول بإمامته جل من قال بإمامة أبيه ، غير نفر يسير عرفوا الحق وامتحنوا عبدالله بالمسائل في الحلال والحرام والصلاة والزكاة والحج وغير ذلك فلم يجدوا عنده علما ، وهذه الفرقة القائلة بإمامة عبدالله بن جعفر هي " الفطحية"  وسموا بذلك لأن عبدالله كان أفطح الرأس ، وقال بعضهم كان أفطح الرجلين ، وقال بعض الرواة أنهم نسبوا إلى رئيس لهم من أهل الكوفة يقال له عبدالله بن فطيح . ومال إلى هذه الفرقة عامة مشايخ الشيعة وفقهائها ، ولم يشكوا في أن الإمامة في عبدالله بن جعفر وفى ولده من بعده .

     فلما مات عبدالله ولم يخلف ذكراً ، ارتاب القوم واضطربوا وأنكروا الروايات الكثيرة عن على بن الحسين ومحمد بن على وجعفر بن محمد من أن الإمامة لا تكون في أخوين بعد الحسنين ، ولا تكون إلا في الأعقاب وأعقاب الأعقاب إلى انقضاء الدنيا ، فرجع عامة الفطحية عن القول بإمامته سوى قليل منهم ، إلى القول بإمامة موسى بن جعفر . وقد كانت جماعته من شيعة عبدالله قد رجعوا في حياته عن إمامته لروايات وقفوا عليها رووها عن جعفر أنه قال " إن الإمامة بعدى في ابنى موسى ، وأنه دل عليه ، وأشار إليه ، وأعلمهم في عبدالله أمورا لا يجوز أن تكون في الإمام ولا يصلح من كانت فيه للإمامة ، وروى بعضهم أن جعفر قال لموسى : يابنى إن أخاك سيجلس مجلسى ويدعى الإمامة بعدى فلا تنازعه ولا تتكلمن فإنه أول أهلى الذين لحقوا بى .

      فلما توفى عبدالله رجعت شيعته عن القول به ، وثبتت طائفة على القول بإمامته ثم بإمامة موسى بن جعفر من بعده . وعاش عبدالله بعد أبيه سبعين يوما أو نحوها .

       وقالت الفرقة السادسة منهم : إن الإمام هو موسى بن جعفر بعد أبيه ، وانكروا إمامة عبدالله ، وخطأوه في فعله وجلوسه مجلس أبيه وادعائه الإمامة . هذا هو التفرق الذى حدث بعد موت الإمام جعفر الصادق .

       وأضيف هنا ما جاء في الكتاب عن تفرق الشيعة بعد الإمام الحادى عشر ، وهو الحسن العسكرى :

       قال المؤلفان في بيان هذا التفرق :

      وتوفى ولم ير له خلف ولم يعرف له ولد ظاهر ، فاقتسم ما ظهر من ميراثه أخوه جعفر وأمه ، وهى أم ولد يقال لها عسفان ، ثم سماها أبوه حديثا ، فافترق أصحابه من بعده فرقا :

     ففرقة منها قالت : إن الحسن بن على حى لم يمت ، وإنما غاب ، وهو   القائم ، ولا يجوز أن يموت الإمام ولا ولد له ، ولا خلف معروف ظاهر ، لأن الأرض لا تخلو من إمام ، وقد ثبتت إمامة الحسن بن على ، والرواية قائمة أن للقائم غيبتين فهذه الغيبة إحداهما ، وسيظهر ويعرف ثم يغيب غيبة أخرى ، وذهبوا في ذلك إلى بعض مذاهب الواقفة على موسى بن جعفر . وإذا قيل لهذه الفرقة : ما الفرق بينكم وبين الواقفة ؟ قالوا إن الواقفة أخطأت في الوقوف على موسى لما ظهرت وفاته لأنه توفى عن خلف قائم أوصى إليه وهو الرضا رضي الله عنه ، ولأنه رحمه الله عليه توفى عن بضعة عشر ذكرا ، كل إمام ظهرت وفاته كما ظهرت وفاة آبائه وله خلف ظاهر معروف فهو ميت لا محالة ، وإنما القائم المهدى الذى يجوز الوقوف على حياته من ظهرت له وفاة عن غير خلف ، فيضطر شيعته إلى الوقوف عليه إلى أن يظهر ، لأنه لا يجوز موت إمام بلا خلف ، فقد صح أنه  غاب .

      وقالت الفرقة الثانية : إن الحسن بن على مات وعاش بعد موته ، وهو القائم المهدى ، واعتلوا في ذلك برواية اعتلت بها فرقة من واقفة موسى بن جعفر رووها عن جعفر بن محمد ، أنه قال : إنما سمى القائم قائما لأنه يقوم بعدما يموت ، فالحسن بن على قد مات ولا شك في موته ، ولا خلف له ، ولا وصى موجود ، فلا شك أنه القائم ، وأنه حى بعد الموت ، لأن الأرض لا تخلو من حجة ظاهر ، فهو رضي الله عنه غائب مستتر ، وسيظهر ويملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا . وإنما قالوا إنه حى بعد الموت ، وأنه مستتر خائف لأنه لا يجوز عندهم أن تخلو الأرض من حجة قائم على ظهرها ، عدل حى ظاهر أو خائف مغمور ، للخبر الذى روى عن على بن أبى طالب رضي الله عنه أنه قال في بعض خطبه : " اللهم إنك لا تخلى الأرض من حجة لك ظاهر أو مغمور ، لئلا تبطل حججك وبيناتك " . فهذا دليل على أنه عاش بعد موته . وليس بين هذه الفرقة والفرقة التي قبلها فرق أكثر من أن هذه صححت موت الحسن بن على رضي الله عنه ، وأن الأولى قالت إنه غاب وهو حى وأنكرت موته ، وهذه أيضاً شبيهة بفرقة من الواقفة على موسى بن جعفر رضي الله عنه . وإذا قيل لهم : من أين قلتم هذا ، وما دليلكم عليه ، رجعوا إلى تأول الروايات .

      وقالت الفرقة الثالثة : إن الحسن بن على توفى ولا عقب له ، والإمام بعده أخوه ، جعفر ، وإليه أوصى الحسن ، ومنه قبل جعفر الوصية وعنه صارت إليه الإمامة . فلما قيل لهم إن الحسن وجعفر ما زالا متهاجرين متصارعين متعاديين طول زمانهما ، وقد وقفتم على صنايع جعفر ومخلفى الحسن ، وسوء معاشرته له في حياته، ولهم من بعد وفاته في اقتسام مواريثه ، قالوا : إنما ذلك بينهما في الظاهر ، فأما في الباطن فكانا متراضيين ، متصافيين ، لا خلاف بينهما ، ولم يزل جعفر مطيعا له ، سامعا منه ، فإذا ظهر فيه شىء من خلافه فعن أمر الحسن ، فجعفر وصى الحسن ، وعنه أفضت إليه الإمامة . ورجعوا إلى بعض قول الفطحية في عبدالله وموسى وزعموا أن موسى بن جعفر إنما كان إماما بوصية أخيه عبدالله إليه ، وعن عبدالله صارت إليه الإمامة  لا عن أبيه ، وأقروا بإمامة عبدالله بن جعفر وثبوتها بعد إنكارهم لها وجحودهم إياها ، وأوجبوا فرضها على أنفسهم ليصححوا بذلك مذهبهم . وكان رئيسهم والداعى لهم إلى ذلك رجل من أهل الكوفة من المتكلمين يقال له على الطاحى الخزار ، وكان مشهورا في الفطحية ، وهو ممن قوى إمامة جعفر وأمال الناس إليه ، وكان متكلما محجاجا ،وأعانته على ذلك أخت الفارس بن حاتم بن ماهويه القزوينى ، غير أن هذه أنكرت إمامة الحسن بن على رضي الله عنه ، وقالت إن جعفرا أوصى أبوه إليه لا إلى الحسن .

      وقالت الفرقة الرابعة : إن الإمام بعد الحسن هو جعفر ، وأن الإمامة صارت إليه من قبل أبيه ، لا من قبل أخيه محمد ولا من قبل الحسن . ولم يكن محمد  إماما ، ولا الحسن أيضاً ، لأن محمدا توفى في حياة أبيه ، وتوفى الحسن ولا عقب له ، وكان مدعيا مبطلا ، والدليل على ذلك أن الإمام لا يموت حتى يوصى ويكون له خلف ، والحسن قد توفى ولا وصى له ، ولا ولد ، فادعاؤه الإمامة باطل ، والإمام لا يكون من لا خلف له ظاهر معروف مشار إليه ، ولا يجوز أيضاً أن تكون الإمامة في الحسن وجعفر لقول أبى عبدالله جعفر بن محمد وغيره من آبائه صلوات الله عليهم أن الإمامة لا تكون في أخوين بعد الحسن والحسين عليهما السلام ، فدلنا ذلك على أن الإمامة لجعفر ، وأنها صارت إليه من قبل أبيه لا من قبل أخويه .

      أما الفرقة الخامسة : فإنها رجعت إلى القول بإمامة محمد بن على المتوفى في حياة أبيه ، وزعمت أن الحسن وجعفر ادعيا ما لم يكن لهما ، وأن أباهما لم يشر إليهما بشىء من الوصية والإمامة . ولا روى عنه في ذلك شىء أصلا ، ولا نص عليهما بشىء يوجب إمامتهما ، ولا هما في موضع ذلك وخاصة جعفر : فإن فيه خصالا مذمومة ، وهو بها مشهور ، ولا يجوز أن يكون مثلها في إمام عدل . وأما الحسن فقد توفى ولا عقب له ، فعلمنا أن محمدا كان الإمام ، قد صحت الإشارة من أبيه إليه ، والحسن قد توفى ولا عقب له ، ولا يجوز أن يموت إمام بلا خلف ، ثم رأينا جعفر في حياة الحسن وبعد مضيه ، ظاهر الفسق ، غير صائن لنفسه ، معلنا بالمعاصى ، وليس هذا صفة من يصلح للشهادة على درهم ، فكيف يصلح لمقام النبى صلى الله عليه وسلم وآله ، لأن الله عز وجل لم يحكم بقول شهادة من يظهر الفسق والفجور ، فكيف يحكم له بإثبات الإمامة مع عظم فضلها وخطرها وحاجة الخلق إليها . وإذ هي السبب الذى يعرف به دينه ويدرك رضوانه ، فكيف تجوز في مظهر الفسق ، وإظهار الفسق لا يجوز تقية ، هذا ما لايليق بالحكيم عز وجل ، ولا يجوز أن ينسب إليه تبارك وتعالى ، فلما بطل عندنا أن تكون الإمامة تصلح لمثل جعفر ، وبطلت عمن لا خلف له ، لم يبق إلا التعلل بإمامة أبى جعفر محمد بن على أخيهما ، إذ لم يظهر منه إلا الصلاح والعفاف ، وإن له عقبا قائما معروفا ، مع ما كان من أبيه من الإشارة بالقول مما لا يجوز بطلان مثله ، فلابد من القول بإمامته وأنه القائم المهدى ، أو الرجوع إلى القول ببطلان الإمامة أصلا ، وهذا مما لايجوز.

       وقالت الفرقة السادسة : إن لحسن بن على ابنا سماه محمدا ، ودل      عليه ، وليس الأمر كما زعم من ادعى أنه توفى ولا خلف له ، وكيف يكون إمام قد ثبتت إمامته ووصيته ، وجرت أموره على ذلك ، وهو مشهور عند الخاص والعام ، ثم توفى ولا خلف له ، ولكن خلفه قائم وولد قبل وفاته بسنين ، وقطعوا على إمامته وموت الحسن ، وأن اسمه محمد ، وزعموا أن أباه أمر بالاستتار في حياته مخافة عليه ، فهو مستتر خائف في تقية من عمه جعفر وغيره من أعدائه وأنها إحدى غيباته ، وأنه هو الإمام القائم  ، وقد عرف في حياة أبيه ونص عليه ، ولا عقب لأبيه غيره ، فهو الإمام لا شك فيه .

       وقالت الفرقة السابعة : بل ولد للحسن ولد بعده بثمانية أشهر ، والذين ادعوا له ولدا في حياته كاذبون مبطلون في دعواهم ، لأن ذلك لو كان ، لم يخف كما لم يخف غيره ، ولكنه مضى ولم يعرف له ولد ، ولا يجوز أن يكابر في مثل ذلك ويدفع العيان والمعقول والمتعارف . وقد كان الحبل فيما مضى قائماً ظاهراً ثابتا عند السلطان ، وعند سائر الناس ، وامتنع من قسمة ميراثه من أجل ذلك ، فقد ولد له ابن بعد وفاته بثمانية أشهر ، وقد كان أمر أن يسمى محمداً . وأوصى بذلك وهو مستور لا يرى . واعتلوا في تجويز ذلك وتصحيحه بخبر يروى عن أبى الحسن الرضا رضي الله عنه ، أنه قال : ستبتلون بالجنين في بطن أمه والرضيع ، فهذا   هو .

       وقالت الفرقة الثامنة : أنه لا ولد للحسن أصلاً ، لأنا قد امتحنا ذلك وطلبناه بكل وجه وفتشنا عنه سرا وعلانية وبحثنا عن خبره في حياة الحسن بكل سبب فلم نجده ولو جاز لنا أن نقول في مثل الحسن بن على وقد توفى ولا ولد له ظاهر معروف أن له ولدا مستوراً لجازت مثل هذه الدعوى في كل ميت عن غير خلف ، ولجاز مثل ذلك في النبى صلى الله عليه وآله ، أن يقال خلف ابنا نبيا رسولا ، ولجاز أن تدعى الفطحية أن عبدالله بن جعفر بن محمد خلف ولدا ذكرا إماما ، وأن أبا الحسن الرضا رضي الله عنه خلف ثلاثة بنين غير أبى جعفر ، أحدهم الإمام ، لأن مجىء الخبر بوفاة الحسن بلا عقب ، كمجىء الخبر بأن النبى صلى الله عليه وسلم وآله لم يخلف ذكرا من صلبه ولا خلف عبدالله بن جعفر ابنا ولا كان للرضا أربعة بنين ، فالوالد قد بطل لا محالة . ومع ذلك فهناك حبل قائم ... فإنه لا يجوز أن يمضى الإمام ولا خلف له فتبطل الإمامة وتخلو الأرض من الحجة .

      واحتج أصحاب الولد على هؤلاء بالخبر الذى روى عن جعفر أن القائم يخفى على الناس حمله وولادته ، وقالوا أنكرتم علينا أمرا وقلتم بمثله قلتم إن هناك حبلا قائما . فإن كنتم اجتهدتم في طلب الولد فلم تجدوه فأنكرتموه لذلك فقد طلبنا معرفة الحبل وتصحيحه أشد من طلبكم ، واجتهدنا فيه أشد من اجتهادكم ، فاستقصينا  في ذلك غاية الاستقصاء فلم نجده ، فنحن في الولد لذلك أصدق   منكم ، لأنه قد يجوز في العقل والعادة والتعارف أن يكون للرجل ولد مستور لا يعرف في الظاهر ثم يعرف بعد ذلك ويصح نسبه .

      وقال المنكرون : الأمر الذى ادعيتموه منكر شنيع ينكره عقل كل عاقل ، ويدفعه التعارف والعادة مع ما فيه من كثرة الروايات الصحيحة عن الأئمة الصادقين ، أن الحبل لا يكون أكثر من تسعة أشهر ، وقد مضى للحبل الذى ادعيتموه سنون ، وأنكم على قولكم بلا صحة ولا بينة .

       وقالت الفرقة التاسعة : إن الحسن بن على قد صحت وفاته كما صحت وفاة آبائه بتواطؤ الأخبار التي لايجوز تكذيب مثلها ، وكثرة المشاهدين لموته وتواتر ذلك عن الولى له والعدو ، وهذا ما لا يجب الارتياب فيه ، وصح بمثل هذه الأسباب أنه لا خلف له فلما صح عندنا الوجهان ثبت أنه لا إمام بعد الحسن ابن على ، وأن الإمامة انقطعت وذلك جائز في المعقول والقياس والتعارف ، كما جاز أن تنقطع النبوة بعد محمد ، فلا يكون بعد محمد صلى الله عليه وسلم وآله نبى ، فكذلك جاز أن تنقطع الإمامة لأن الرسالة والنبوة أعظم خطراً وأجل والخلق إليها أحوج ، والحجة بها ألزم ، والعذر بها أقطع ، لأن معها البراهين الظاهرة والأعلام   الباهرة ، ومع ذلك فقد انقطعت ، فكذلك يجوز أن تنقطع الإمامة . واعتلوا في ذلك بخبر يروى عن الصادق أن الأرض لا تخلو من حجة ، إلا أن يغضب الله على أهل الأرض بمعاصيهم ، فيرفع عنهم الحجة إلى وقت ، فهذا عندنا ذلك الوقت ، والله يفعل ما يشاء ، وليس في قولنا هذا بطلان الإمامة . وهذا أيضاً جائز من وجه آخر كما جاز أن لا يكون قبل النبى صلى الله عليه وسلم وآله فيما بينه وبين عيسى رضي الله عنه نبى ، ولا وصى ، ولما رويناه من الأخبار أنه كانت بين الأنبياء فترات ، ورووا ثلاثمئة سنة وروى مائتا سنة ، ليس فيها نبى ولا وصى ، وقد قال الصادق رضي الله عنه : إن الفترة هي الزمان الذى لا يكون فيه رسول ولا إمام ، والأرض اليوم بلا حجة ، إلا أن يشاء اللع فيبعث القائم من آل محمد صلى الله عليه وسلم وآله ، فيحيى الأرض بعد موتها ، كما بعث محمداً صلى الله عليه وسلم وآله على حين فترة من الرسل ، فجدد ما درس من دين عيسى ودين الأنبياء قبله صلى الله عليهم ، فكذلك يبعث القائم إذا شاء عز وجل والحجة علينا إلى أن يبعث القائم - وظهوره : الأمر والنهى المتقدمان والعلم الذى في أيدينا مما خرج عنهم إلينا ، والتمسك بالماضى ، مع الإقرار بموته ، كما كان أمر عيسى رضي الله عنه ونهيه ، وما خرج من علمه واعلم أوصيائه ، والتمسك بالإقرار بنبوته وبموته ، والإقرار بمن ظهر من أوصيائه ، حجة على الناس قبل ظهور نبينا صلى الله عليه وسلم وآله .

     وهذه الفرقة لا توجب قيام القائم ، ولا خروج مهدى ، وتذهب في ذلك إلى بعض معانى البداء .

     وقالت الفرقة العاشرة : إن محمد بن على ، الميت في حياة أبيه ، كان الإمام بوصية من أبيه ، وإشارته ودلالته ونصه على اسمه وعينه ، ولا يجوز أن يشير إمام قد ثبتت إمامته وصحت على غير إمام ، فلما حضرت الوفاة محمدا لم يجز أن يوصى ولا يقيم إماما ، ولا يجوز له أن يوصى إلى أبيه ، إذ إمامة أبيه ثابتة عن جده ولا يجوز أيضاً أن يأمر مع أبيه وينهى ويقيم من يأمر معه ويشاركه . وإنما ثبتت له الإمامة بعد مضى أبيه ، فلما لم يجز إلا أن يوصى فقد أوصى إلى غلام لأبيه صغير كان في خدمته يقال له نفيس ، وكان عنده ثقة أمينا ، ودفع إليه الكتب والوصية ، وأمره إذا حدث به حدث الموت أن يؤدى ذلك كله إلى أخيه جعفر ، ما فعل الحسين بن على بن أبى طالب رضي الله عنه ، لما خرج إلى الكوفة ، فقد دفع كتبه والوصية وما كان عنده من السلاح وغيره إلى أم سلمة زوج النبى صلى الله عليه وسلم وآله واستودعها ذلك كله ، وأمرها أن تدفعه إلى على بن الحسين الأصغر إذا رجع إلى المدينة ، فلما انصرف على بن الحسين من الشام إليها ، دفعت إليه جميع ذلك ، وسلمته له ، فهذا  بتلك المنزلة في الإمامة لجعفر بوصية " نفيس " إليه عن محمد أخيه ، فإن نفيسا لما خاف على نفسه لما علم أهل الدار قصته وأحسوا بأمره وحسدوه ، ونصبوا له وبغوه الغوائل ، وخشى أن تبطل الإمامة وتذهب الوصية دعا جعفرا وأوصى إليه ، ودفع إليه جميع ما استودعه أخوه الميت في حياة أبيه ، ودفع إليه الوصية على نحو ما أمره ، وهكذا ادعى جعفر أن الإمامة صارت إليه من قبل محمد أخيه ، لا من قبل أبيه وهذه الفرقة تسمى النفيسية .

       وقالت فرقة من النفيسية أنكروا إمامة الحسن رضي الله عنه : لم يوص أبوه إليه ، ولا غير وصيته إلى محمد ابنه ، وهذا عندهم جائز صحيح ، فقالوا بإمامة جعفر من هذا الوجه وناظروا عليها . وهذه الفرقة تتقول على أبى محمد الحسن بن على رضي الله عنه تقولا شديداً ، وتكفره وتكفر من قال بإمامته ، وتغلو في القول في جعفر ، وتدعى أنه القائم ، وتفضله على أمير المؤمنين على ابن أبى طالب رضي الله عنه وتقدمه على الحسن والحسين وجميع الأئمة ، وتعتل في ذلك : أن القائم أفضل الخلق بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله . وأخذ نفيس ليلا وألقى في حوض كان في الدار كبير فيه ماء كثير ، فغرق فيه فمات وهذه الفرقة هي النفيسية الخالصة .

      وقالت الفرقة الحادية عشرة منهم : لما سئلوا عن ذلك وقيل لهم ما تقولون في الإمام : أهو جعفر أم غيره ؟ قالوا : لا ندرى ما نقول في ذلك أهو من ولد الحسن أم من إخوته فقد اشتبه علينا الأمر ولسنا نعلم أن للحسن بن على ولدا أم   لا ، أم الإمامة صحت لجعفر أم لمحمد ، وقد كثر الاختلاف ، إلا أنا نقول إن الحسن بن على كان إماما مفترض الطاعة ثابت الإمامة ، وقد توفى رضي الله عنه وصحت وفاته ، وأن الأرض لا تخلو من حجة ، ونحن نتوقف ولا نقدم على القول بإمامة أحد بعده إذ لم يصح عندنا أن له خلفا وخفى علينا أمره حتى يصح لنا الأمر  ويتبين ، ونتمسك بالأول كما أمرنا أنه إذا هلك الإمام ، ولم يعرف الذى بعده فتمسكوا بالأول حتى يتبين لكم الآخر ، فنحن نأخذ بهذا ونلزمه ، ولا ننكر إمامة أبى محمد ، ولا ننكر موته ، ولا نقول إنه رجع بعد موته ، ولا نقطع على إمامة أحد من ولد غيره ولا ننتميه حتى يظهر الله الأمر إذا شاء ويكشفه ويبينه لنا ، وهذه الفرقة لا تثبت لجعفر بن على إمامة أحد من ولده ولا من غيره ، بوجه من الوجوه ولا تثبت إمامة إمام إلا بوصية أبيه إليه ، ووصية ظاهرة ، ولم تثبت لجعفر وصية ظاهرة ولا باطنة ، وكل إمام اختلف المؤتمون به في مخرج إمامته ممن هي ، وممن أوصى إليه ، ومن أقامه فهى باطلة لا تثبت ، وأصحاب جعفر يختلفون في إمامة جعفر ومخرجها ، فبعضهم يقول إنها له بوصية أبيه إليه وإقامته ، وبعضهم يدعيها له من قبل أخيه محمد الميت في حياة أبيه ، وبعضهم يدعيها له عن أخيه .

      وقالت الفرقة الثانية عشرة : منهم وهم الإمامية : ليس القول كما قال هؤلاء كلهم ، بل الله عز وجل في الأرض حجة من ولد الحسن بن على بن محمد ابن على الرضا ، وأمر الله بالغ ، وهو وصى لأبيه قائم بالأمر بعده هاد للأمة مهدى على المنهاج الأول والسنن الماضية ، ولا تكون الإمامة في الأخوين بعد الحسن والحسين عليهما السلام ولا يجوز ذلك ، ولا تكون إلا في عقب الحسن بن على بن محمد إلى فناء الخلق وانقطاع أمر الله ونهيه ورفعه التكليف عن عباده متصلا ذلك ما اتصلت أمور الله . ولو كان في الأرض رجلان ، لكان أحدهما الحجة ، ولو مات أحدهما لكان الآخر الحجة ما اتصل أمر الله ، ودام نهيه في عباده وتكليفه قائما في خلقه . ولا يجوز أن تكون الإمامة في عقب من لم تثبت له إمامة ، ولم تلزم العباد به حجة ممن مات في حياة أبيه ، ولا في ولده ولا في وصى له من أخ ولا غيره ، ولو جاز ذلك لصح مذهب أصحاب إسماعيل بن جعفر ابن محمد ولثبتت إمامة ابنه محمد بن إسماعيل بعد مضى جعفر بن محمد ، وكان من قال بها من المباركية والقرامطة محقا مصيبا في مذهبه ، وهذا الذى ذكرناه هو المأثور عن الأئمة الصادقين مما لا دفع له بين هذه العصابة من الشيعة الإمامية ، ولا شك فيه عندهم ولا ارتياب لصحة مخرج الأخبار المروية فيه وقوة أسبابها ، وجودة أسانيدها وثقة ناقليها . ولا يجوز أن تخلو الأرض من حجة ، ولو خلت ساعة لساخت الأرض ومن عليها ولا يجوز شئ من مقالات هذه الفرق كلها ، فنحن متمسكون بإمامة الحسن بن على ، مقرون بوفاته ، معترفون بأن له خلفا من صلبه ، وأن خلفه هو الإمام من بعده ، حتى يأذن الله عز وجل له فيظهر ويعلن أمره ، كما ظهر وعلن أمر من مضى قبله من آبائه ، إذ الأمر  لله تبارك وتعالى  يفعل ما يشاء ، ويأمر بما يريد من ظهور وخفاء ، ونطق وصموت ، كما أمر رسوله صلى الله عليه وسلم وآله في حال نبوته بترك إظهار أمره ، والسكوت والإخفاء من أعدائه والاستتار وترك إظهار النبوة التي هي أجل وأعظم وأشهر من الإمامة ، فلم يزل كذلك سنين إلى أن أمره بإعلان ذلك ، وعند الوقت الذى قدره تبارك وتعالى ، فصدع بأمره وأظهر الدعوة لقومه ، ثم بعد الإعلان بالرسالة ، وإقامة الدلائل المعجزة والبراهين الواضحة اللازمة بها الحجة وبعد أن كذبته قريش وسائر الخلق من عرب وعجم ، وما لقى من الشدة ولقيه أصحابه من المؤمنين ، أمرهم بالهجرة إلى الحبشة ، وأقام هو مع قومه حتى توفى أبو طالب فخاف على نفسه وبقية أصحابه ، فأمره الله عند ذلك بالهجرة إلى المدينة ، وأمره بالاختفاء في الغار والاستتار من العدو ، فاستتر أياما ، خائفا مطلوبا ، حتى أذن الله له وأمره بالخروج ، وكما قال أمير المؤمنين رضي الله عنه : اللهم إنك لا تخلى الأرض من حجة لك على خلقك ظاهراً معروفا ، أو خافياً مغموداً كيلا تبطل حجتك وبيناتك . وبذلك أمرنا ، وبه جاءت الأخبار الصحيحة المشهورة عن الأئمة الماضين ، وليس للعباد أن يبحثوا عن أمور الله ويقفوا أثر ما لا علم لهم به ، ويطلبوا إظهاره ، فستره الله عليهم وغيبه عنهم وقال الله عز وجل لرسوله  ] وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ  [         ( الإسراء : 36 ) ، فليس يجوز لمؤمن ولا مؤمنة طلب ما ستره الله ، ولا يجوز ذكر اسمه ولا السؤال عن مكانه حتى يؤمر بذلك ، إذ هو رضي الله عنه مغمود خائف مستور بستر الله تعالى ، وليس علينا البحث عن أمره ، بل البحث عن ذلك وطلبه محرم ولا يحل ، لأن في طلب ذلك وإظهار ما ستره الله عنا وكشفه وإعلان أمره والتنويه باسمه معصية لله والعون على سفك دمه رضي الله عنه ودماء شيعته وانتهاك حرمته ، أعاذ الله من ذلك كل مؤمن ومؤمنة برحمته وفى ستر ذلك والسكون عنه حقنها وصيانتها وسلامة ديننا والانتهاء إلى أمر الله وأمر وأئمتنا وطاعتهم . وفقنا الله وجميع المؤمنين بطاعته ومرضاته بمنه ورأفته ، ولا يجوز لنا ولا لأحد من المؤمنين أن يختار إماما برأيه ومعقوله واستدلاله ، وكيف يجوز هذا وقد حظره الله جل وتعالى على رسله وأنبيائه وجميع خلقه ، فقال في كتابه إذ لم يجعل الاختيار إليهم في شىء من ذلك  ] وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ  [ ( الأحزاب : 36 ) ، وقال  ] وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ  [( القصص : 68 ) ، وإنما اختيار الحجج والأئمة إلى الله عز وجل وإقامتهم إليه فهو يقيمهم ويختارهم ويخفيهم إذا شاء ويظهرهم ويعلن أمرهم إذا أراد ويسترهم إذا شاء فلا يبديهم ، لأنه تبارك وتعالى أعلم بتدبيره في خلقه وأعرف بمصلحتهم ، والإمام أعلم بأمور نفسه وزمانه وحوادث أمور الله   منا . وقد قال أبو عبدالله الصادق رضي الله عنه : " وهو ظاهر الأمر ، معروف المكان ، لا ينكر نسبه ولا تخفى ولادته وذكره شائع مشهور في الخاص والعام : من سمانى باسم فعليه لعنة الله " ولقد كان الرجل من شيعته يلقاه في الطريق فيحيد عنه ولا يسلم عليه تقية ، فإذا لقيه أبو عبدالله شكره على فعله وصوب له ما كان منه وحمده عليه ، وذم من تعرف إليه وسلم عليه وأقدم عليه بالمكروه من الكلام . وكذلك وردت الأخبار عن أبى إبراهيم موسى بن جعفر رضي الله عنه من منع تسميته مثل ذلك ، وكان أبو الحسن الرضا يقول : لو علمت ما يريد القوم منى لأهلكت نفسى عندى بما لايوثق دينى ، بلعب الحمام والديكة وأشباه ذلك ، هذا كله لشدة التستر من الأعداء ولوجوب فرض استعمال التقية فكيف يجوز في زماننا هذا ترك استعمال هذا مع شدة الطلب وجور السلطان وقلة رعايته لحقوق أمثالهم ، ومع ما لقى رضي الله عنه من " صالح بن وصيف " لعنه الله ، وحبسه إياه ولأهل بيته ، والأمر بقتله ، وطلب الشيعة ، وما نالهم منه من الأذى والتعنت ، وتسميته من لم يظهر خبره ولا اسمه وخفيت ولادته . وقد رويت أخبار كثيرة : أن القائم تخفى على الناس ولادته ويخمل ذكره ولا يعرف اسمه ولا يعلم مكانه ولا يعرف إلا أنه لا يقوم حتى يظهر ويعرف أنه إمام ابن إمام ، ووصى ابن وصى ، يؤتم به قبل أن يقوم ، ومع ذلك فإنه لابد من أن يعلم أمره ثقاته وثقات أبيه ، وإن قالوا ، لأن الإشارة بالوصية من إمام إلى إمام بعده لا تصح ولا تثبت إلا بشهود عدول من خاصة الأولياء أقل ذلك شاهدان فما فوقهما ، إلا أن لا يكون للإمام الماضى إلا ولد واحد فيستغنى بذلك عن الإشارة إليه على ما يروى عن أبى جعفر محمد بن الرضا . ومع هذا فإن الرضا لم يدع الإشارة إليه ، والوصية والإشهاد على ذلك لأنه لابد منه ، إذ السنة جارية من رسول الله بذلك ، ومن الأئمة من بعده ، وإذ قد فعله أمير المؤمنين بالحسن وفعله الحسن بالحسين مع وصية رسول الله وإشارته إليه أن الإمامة في عقب الحسن بن محمد ما اتصلت أمور الله ولا ترجع إلى أخ ،  ولا عم ، ولا ابن عم ، ولا ولد ولد مات أبوه في حياة جده  ، ولا يزول عن ولد الصلب ، ولا يكون أن يموت إمام إلا ولد له لصلبه وله ولد . فهذه سبيل الإمامة ، وهذا المنهاج الواضح والفرض الواجب اللازم الذى لم يزل عليه الإجماع من الشيعة الإمامية الصحيحة التشيع عليه ، وعلى ذلك كان إجماعنا إلى يوم مضى الحسن بن على رضوان الله عليه .

      وقالت الفرقة الثالثة عشرة : مثل مقالة الفطحية ، والفقهاء منهم أهل الورع والعبادة ، مثل عبدالله بن بكير بن أعين ونظرائه ، فزعموا : أن الحسن بن على توفى ، وأنه كان الإمام بعد أبيه بوصية أبيه إليه ، وأن جعفر بن على هو الإمام بعده ، كما كان موسى بن جعفر إماما بعد عبدالله بن جعفر ، للخبر الذى روى : أن الإمامة فى الأكبر من ولد الإمام إذا مضى ، وأن الخبر الذى روى عن الصادق رضي الله عنه : أن الإمامة لا تكون في أخوين بعد الحسن والحسين عليهما السلام صحيح لا يجوز غيره ، وإنما ذلك إذا كان للماضى خلف من صلبه فإنها لا تخرج منه إلى أخيه ، بل تثبت في خلفه ، وإذا توفى ولا خلف له رجعت إلى أخيه ضرورة ، لأن هذا معنى الحديث عندهم ، وكذلك قالوا في الحديث الذى روى : أن الإمام لا يغسله إلا إمام ، وأن هذا عندهم صحيح لا يجوز غيره ، وأقروا أن جعفر بن محمد رضي الله عنه غسله موسى ، وادعوا أن عبدالله أمره بذلك لأنه كان الإمام بعد عبدالله ، فلذلك جاز أن يغسله موسى ، فهذه الأخبار بأن الإمام لا يغسله إلا الإمام صحيحة جائزة على هذا الوجه ، فهؤلاء الفطحية الخلص الذين يجيزون الإمامة في أخوين إذا لم يكن الأكبر منهما خلف ولدا ، والإمام عندهم " جعفر بن على " على هذا التأويل ضرورة ، وعلى هذه الأخبار والمعانى التي وصفناها ...

      مما سبق نلاحظ ما يأتى :-

  • ـ عندما وقفت الناوسية عند الإمام الصادق ، واعتبرته القائم المهدى ، بدأت في وضع الأخبار التي تؤيد عقيدتها ، ولم تستطع أن تقوم بهذا قبل موته .
  • ـ والإسماعيلية الخالصة قامت بمثل هذا بالنسبة لإسماعيل بن جعفر .
  • ـ والمباركية جعلت الإمامة لمحمد بن إسماعيل بن جعفر ، ويذكر التاريخ تفرقها بعد ذلك لعدة فرق ، ومنهم القرامطة الذين زعموا أن محمد بن إسماعيل هو خاتم النبيين ، واستباحوا المحارم وجميع ما خلقه الله !! ومع وضوح كفرهم استدلوا بما يؤيد عقيدتهم .
  • ـ والفرقة الرابعة التي قالت بإمامة محمد بن جعفر ، وفى ولده من بعده ، وضعت من الأخبار ما يدل على إمامته ، ولم تستطع أن تضع ما ينص على أسماء من يأتى بعده .
  • ـ والفرقة الخامسة وضعت أيضاً من الأخبار ما يدل على إمامة عبدالله بن جعفر ، ولم تستطع أن تضع ما ينص على أسماء من يأتى بعده . فلما مات ولم يخلف ذكرا حدث التفرق المذكور ، وأنكر القوم ما أنكروا من الروايات ، ووضعوا روايات جديدة تتفق مع العقيدة الجديدة ، وانظر مثلا إلى هذه الرواية:

     قال جعفر لموسى :  " يا بنى إن أخاك - يقصد عبدالله - سيجلس مجلسى ، ويدعى الإمامة بعدى ، فلا تنازعه ولا تتكلمن ، فإنه أول أهلى الذين لحقوا بى " .

    فهذه الرواية التي ذكرت للاستدلال على إمامة موسى بن جعفر لم توضع قبل موت عبدالله بن جعفر ، لأن الوضاعين من هؤلاء الشيعة لم يكونوا يعرفون من الذى سيموت قبل الآخر . 

  • ـ والفرقة السادسة التي قالت بإمامة موسى بن جعفر بعد أبيه صارت بعد وفاته خمس فرق .

      ولعل في هذا ما يكفى لبيان ما أردت بيانه .

      فالشيعة الاثنا عشرية التي نتحدث عنها كانت انبثاقا من إحدى الفرق الخمس السابقة ، وخمس الفرق كلها كانت إحدى الفرق الست السابقة . وكل فرقة من الفرق الخمسة افترقت بعد ذلك عدة فرق . وإذا واصلنا المسيرة نجد أن الشيعة اتباع الحسن العسكرى - الإمام الحادى عشر عند الاثنى عشرية - انقسمت  بعد موته إلى ما يقرب من عشرين فرقة ، وكل فرقة تضع من الأخبار ما يؤيد عقيدتها الجديدة ، ولا يمكن وضع هذه الأخبار قبل وفاة الإمام .

 

      ونلحظ أن كل هذه الفرق أكدت أن الحسن العسكرى لا خلف له ما عدا فرقة مع فرقة الإمامية .

 

      ومعنى هذا أن الشيعة الاثنى عشرية لم تبدأ في وضع الأخبار التي تتصل بالاثتى عشر إماما إلا بعد الحسن العسكرى  ، أى  في النصف الثانى من القرن الثالث . وبعد هذا تبدأ مرحلة الكتب .

       والواقع العملى يؤيد ما بينته هنا ، فكتب الحديث الأربعة المعتمدة عندهم أولها ظهر في القرن الرابع ، وهو الكافى ، ثم جاء بعده باقى الكتب .

  • الثلاثاء AM 10:01
    2021-04-27
  • 827
Powered by: GateGold