المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 415577
يتصفح الموقع حاليا : 331

البحث

البحث

عرض المادة

عبد اللـه بــن سـبأ (القرن السابع الميلادي)

عبد اللـه بــن سـبأ (القرن السابع الميلادي(
Abdallah Ibn Saba
ويُسمَّى أيضاً ابن السوداء. وهو عربي يهودي من أهل صنعاء في اليمن. وقد ادَّعى ابن سبأ بعد موت الرسول (صلى الله عليه وسلم) أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) هو الماشيَّح الذي سيرجع مرة أخرى، فكان يقـول: "العـجب ممن يزعم أن عيـسى يرجع، ويكذِّب برجوع محمد". وقد أيَّد رأيه بآية من القرآن: "إن الذي فرض عليك القرآن لرادُّك إلى معاد" (القصص 85) ومن ثم فإن محمداً أحق بالرجوع من عيسى. وقال أيضاً إنّ في التوراة أنّ "لكل نبي وصياً، وإن علياً (زوج ابنة الرسول صلى الله عليه وسلم) هو وصيه، ولذا فعليٌّ هو خاتم الأوصياء بعد محمد خاتم النبيين". بل يُقال إنه لما بويع علي قام إليه ابن سـبأ فقـال لـه:"أنت خلقت الأرض وبسطت الرزق".


وقد ذهب عبد الله بن سبأ إلى القول بالتناسخ. وبحسب قوله، فإن روح الرسول (صلى الله عليه وسلم) لم تمت مع محمد بل استمرت حية تتعاقب في ذريته، فروح الله التي تبعث الحياة في الرسل تنتقل بعد وفاة أحدهم إلى آخر، وأن روح النبوة بصفة خاصة انتقلت إلى عليّ واستمرت في عائلته، ومن ثم فعليّ ليس مجرد خلف شرعي للخلفاء الذين سبقوه، وهو ليس في مستوى واحد مع أبي بكر وعمر اللذين اندسا مغتصبين بينه وبين الرسول (صلى الله عليه وسلم) وأخذا الخلافة بغير وجه حق، إنما هي «الروح القدسية» تجسدت فيه وهو وريث الرسالة، ومن ثم فهو بعد وفاة محمد الحاكم الوحيد الممكن للأمة، تلك الأمة التي يجب أن يكون على إمامتها مثل حيّ لله. وقد استطاع ابن سبأ تكوين خلايا سرية في عديد من الأمصار الإسلامية التي مرَّ بها (الحجاز والبصرة والكوفة والشام ومصر)، وجرت بينه وبين أعضاء هذه الخلايا مكاتبات، وحاك ابن سبأ المؤامرات ووضع مخططات للثورة. وبعد مقتل عليّ رضي الله عنه عام 661، أنكر عبد الله أن علياً قد قُتل، زاعماً أن من قُتل هو في واقع الأمر شيطان يشبه علياً وأن علياً نفسه فيه الجزء الإلهي وأنه هو الذي يجئ في السحاب، وأن الرعد صوته والبرق سوطه، ولذا كان أتباعه يقولون عند سماع الرعد: "السلام عليك يا أمير المؤمنين". وأنه لابد أن ينزل إلى الأرض فيملأها عدلاً كما مُلئت جوراً.

وقد أسَّس ابن سبأ الطائفة السبئية التي تقول بألوهية عليّ. ويُقال للسبئية «الطيارة» لزعمهم أنهم لا يموتون وإنما موتهم طيران نفوسهم في الغَلَس (قبيل انبلاج النهار). ويُقال إن عبد الله بن سبأ جاء إلى الإمام عليّ (رضي الله عنه) مع جماعته وقالوا له « أنت الله» فأحرقهم بالنار، فجعلوا يقولون: "الآن صحَّ عندنا أنه الله لأنه لا يعذِّب بالنار إلا رب النار".

وقد انشغل المؤرخون المسلمون (في الماضي والحاضر) بقضية هل كان عبد الله بن سبأ شخصية حقيقية وُجـدت فعلاً أم شخصية مُختَلَقَة، وهي في الواقع قضية قد تكون على قدر من الأهمية ولكنها تترك المسألة الأساسية، أي بنية أفكار ابن سبأ (وهي أفكار كان هناك من يحملها ويروجها بغض النظر عن وجود ابن سبأ نفسه). ولنضرب مثلاً لنوضح ما نرمي إليه: ينتشر كثير من الأفكار الرومانتيكية وتتبناها جماعات من الناس في أنحاء العالم دون أن يطلعوا بالضرورة على كتابات الشعراء أو الفلاسفة الرومانتيكيين في الغرب، وحتى دون أن يعرفوا بوجود شيء يُسمَّى «الحركة الرومانتيكية». والواقع أن القضية هي بنية هذه الأفكار ومدى تأثيرها في سلوكهم ومدى تأثيرهم فيمن حولهم بعد حَمْلهم هذه الأفكار، وهكذا. أما قضية الأصول والتأثير والتأثر، وهل اطلع هؤلاء بالفعل على النصوص الأساسية للحركة الرومانتيكية الغربية أم لا، فهي قضية ثانوية رغم أهميتها، وخصوصاً أن كثيراً من الأفكار الإنسانية تتوالد من داخل العقل الإنساني، دون حاجة لتأثير خارجي. والأفكار الحلولية (التي تشكل الإطار الذي تتحرك داخله المنظومة السبئية) أمر كامن في تجارب الإنسان الأولى.

ويمكن القول بأن النسق الفكري الذي يُنسَب إلى اسم بن سبأ نسق حلولي غنوصي كامل يستحق الدراسة من هذا المنظور:

1 ـ فهو نسق يفترض الحلول الدائم للإله في الطبيعة والتاريخ، ولذا فالرعد هو صوت عليّ والبرق سوطه، فالإله يتجسد في الطبيعة. كما أن ثمة إيماناً بأن روح الإله تنتقل من رسول إلى آخر ولابد أن يكون هناك إمام هو مثل حيّ (تَجسُّد ـ حلول) للإله في التاريخ. ويُلاحَظ أنه في الأنساق الحلولية، لابد أن يكون هناك تجسُّد دائم ومستمر للإله في الطبيعة وتناسخ دائم عبر التاريخ، حتى يظل الإله دائماً متجسداً في الزمان والمكان كامناً فيهما لا متجاوزاً أو مفارقاً لهما. والإله، في هذه المنظومة، جزء لا يتجزأ من الطبيعة والتاريخ ويُردُّ إليهما لملء كل الفراغات والمجالات والثغرات بحيث يتصل الزمان بالمكان في وحدة وجود روحية لا تبقى للإله من الألوهية سوى الاسم.

2 ـ ويتضمن النسق الديني الحلولي إلغاء فكرة محمد خاتم المرسلين، وهي الفكرة التي تتضمن أن التاريخ أصبح المجال الذي يتفاعل فيه الإنسان مع الإله وأن التاريخ هو الرقعة التي يختبر الإله فيها الإنسان، وبإمكان الإنسان أن يخطىء ويصيب فيها (فهو حرّ الإرادة). بدلاً من ذلك يطرح النسق السبئي الحلولي فكرة نهاية التاريخ. كما يتضمن النسق الحلولي إلغاء فكرة الضمير الشخصي ووجود الإنسان الفرد.

3 ـ يمكن أن يتحقق الحلول الإلهي في شخص بدرجة مركزة بحيث يصبح هذا الشخص إلهاً لا يموت، وهذه هي صفات عليّ (رضي الله عنه) في النسق السبئيّ أو صفات محمد (صلى الله عليه وسلم) الذي لابد أن يعود أو صفات من يتحقق فيه الحلول الإلهي عبر التاريخ.

4 ـ يُلاحَظ أن الحلول الإلهي مسألة متوارثة في مجموعة من الناس، فكأن الإله بحلوله في عائلة ما يصبح جزءاً عضوياً يجري في عروقها، وكأن الربانية أصبحت صفة بيولوجية وليست صفة تعبر عن نفسها في أعمال أخلاقية تتبدَّى من خلالها التقوى. والنظم الحلولية نظم عضوية، والإنسان الذي يتمتع بالحلول يتجاوز الخير والشر. وهذه صفات موجودة في النسق السبئي. ولم تذكر المصادر التي توافرت لنا شيئاً عن سلوك السبئيين وما إذا كانوا قد انغمسوا في ممارسات جنسية داعرة تعبر عن الحلول الإلهي العضوي في أجسادهم أو تعبِّر عن سقوط القيم الأخلاقية.

5 ـ المنظومة الحلولية تتسم بعدم النضج المعرفي، فهي تنحو نحو اختزال الكون في عناصر سببية بسيطة، فالإمام سيملأ الدنيا عدلاً بعد أن امتلأت جوراً، أي أن كل الثغرات ستُسد ويظهر عالم واضح عضوي مصمت، لا ثغرات فيه، عالم متأيقن تماماً، السبب مرتبط تماماً فيه بالنتيجة. أما من الناحية النفسية فالإنسان الحلولي يرفض الحدود ويفضل البقاء في حالة سيولة كونية رحمية (نسبة إلى الرَحم)، ومن ثم يرفض أن يكبح جماح غرائزه بل يرفض الموت، الحد الأكبر المفروض على الإنسان والنتيجة الطبيعية لإيمان الإنسان بالإله الواحد. ويتبدَّى هذا أيضاً في المنظومة السبئية حيث تُرفَض فكرة الموت بالنسبة لعليّ (رضي الله عنه) ولمن يرث الروح الإلهية. فكأن النسق الحلولي يعد أتباعه بأنهم سيصيبون الأزلية في الدنيا، أي سيصبحون آلهة. بل يمكن القول بأن تحديد المنظومة السبئية لعليّ (رضي الله عنه)، كنقطة للحلول الإلهي، هو بحث عن نقطة فردوسية (غنوصية) طاهرة تماماً لا يوجد فيها أي تركيب أو تناقض، نقطة الوحدة الحقّة للوجود.

6 ـ تفترض المنظومة الحلولية تداخل كل الأشياء وترابطها من خلال الحلول الإلهي المستمر. وهذه الرؤية هي التي أدَّت إلى ظهور الإسرائيليات في الإسلام حيث افترض بعض المفسرين وجود استمرار بين التوراة التي بين أيدينا وبين القرآن. وكما أشرنا من قبل، تستند المنظومة السبئية إلى مقدِّمات وردت في التوراة تُستخلَص منها نتائج إسـلامية، فكأن ثمة اسـتمراراً بين التـوراة والقرآن وبين الإسـلام واليهودية.

هذه بعض ملامح المنظومة السبئية الحلولية المتطرفة، وهي منظومة كان لها تابعوها وتأثر بها العديدون. وقد ظهرت هذه المنظومة بأشكال أخرى بين جماعات أخرى لها أسماء أخرى، ومن ثم يكون هذا الانشغال المتطرف بشخصية ابن سبأ انشغالاً شاذاً إلى حدٍّ ما.

ويمكننا الآن أن نسأل: ما مصدر هذه الحلولية؟ وما جذورها التاريخية وربما البيئية؟ وللإجابة عن هذا السؤال، قد نحتاج إلى بحث مكثف. ويمكن أن نذهب هنا إلى أن المنظومة ذات أصول يمنية، ولعل المؤرخين الذين جعلوا عبد الله بن سبأ يمنياً كانوا يشيرون إلى هذا. وفي هذه الحالة، لابد أن ندرس بتعمق أنماط اليهودية التي كانت منتشرة آنذاك في جنوب الجزيرة العربية، ومدى اختلاطها بعناصر وثنية من العبادات العربية المجاورة، وهو أمر متوقع تماماً لسببين: أولهما أن يهودية الجزيرة العربية كانت منعزلة إلى حدٍّ كبير عن المراكز والحلقات التلمودية سواء في فلسطين أو بابل. كما أن الطبيعة الجبلية لليمن تضمن استمرار كثير من العبادات والعادات ذات الطابع البدائي الجيولوجي المتحجر (وهذه طبيعة المناطق الجبلية كما هو الحال في الشام وبلاد شبه جزيرة القوقاز). ويُلاحَظ أن الفرس قد احتلوا اليمن لبعض الوقت، والفكر الحلولي سمة أساسية في العبادات الفارسية. ولعلنا لو اكتشفنا قوة الطبقة الحلولية داخل اليهودية الموجودة في اليمن لأمكننا إلقاء مزيد من الضوء على الإسرائيليات وعلى تطوُّر اليهودية نفسها.

والواقع أن التشابه بين المنظومة السبئية والمنظومة الغنوصية تشابه يثير التساؤل ويدعم نظريتنا القائلة بأن الغنوصية ليست مجرد حركة ظهرت في زمان ومكان معينين (الشرق الأدنى في القرن الأول الميلادي) وإنما هي رؤية كامنة في داخل الإنسان وتظهر في كثير من الحضارات وتعبِّر عن فشل الإنسان في تجاوز الوثنية والحواس، كما تعبِّر عن الرغبة في الذوبان في السيولة الكونية الأولية للوصول إلى عالم الواحدية الكونية، حيث لا حدود ولا هوية، ولا أعباء أخلاقية أو نفسية، ولا مسئولية من أي نوع. ولعل هذا الخطاب الغنوصي الكامن هو الذي يفسر التشابه بين حركة مثل السبئية نشأت في القرن السادس الميلادي في الجزيرة العربية وانتشرت في ربوع العالم الإسلامي وحركة مثل البهائية نشأت في إيران في القرن الثامن عشر وانتشرت منها في أنحاء العالم المختلفة.

  • الثلاثاء AM 07:25
    2021-04-27
  • 1404
Powered by: GateGold