معتدلو الشيعة يتصدون لحركة الغلاة - مشروع الحصن ll للدفاع عن الإسلام والحوار مع الأديان والرد على الشبهات المثارة ll lightnews-vII

المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 442569
يتصفح الموقع حاليا : 104

البحث

البحث

عرض المادة

معتدلو الشيعة يتصدون لحركة الغلاة

معتدلو الشيعة يتصدون لحركة الغلاة :

      هذه حركة من حركات التشكيك والتضليل قام بها غلاة الشيعة الاثنى عشرية، وسنعود للحديث عن بعض هؤلاء الغلاة عند تناولنا لكتبهم ، ولكن المهم هنا هو أن المعتدلين – إلى حد ما - من إخواننا الجعفرية قد تصدوا لهذه الحركة قديماً وحديثاً، وكشفوا القناع عن هذا الباطل ، وفندوا مزاعم القائلين بالتحريف ، وبينوا أن ما ذكر من روايات منسوبة لأهل البيت ـ تمسك بها القائلون بالتحريف ـ منها ما يحتمل التأويل ولا يفيد وقوع التحريف ، والباقى يضرب به عرض الحائط . وأشهر من تصدى منهم لحركة التضليل في القديم محمد بن بابويه القمي ، الملقب بالصدوق صاحب كتاب " من لا يحضره الفقيه " ، أحد كتب الحديث الأربعة المعتمدة عند الجعفرية ، والسيد الشريف المرتضى ، وتلميذه الشيخ الطوسى : صاحب تفسير التبيان ، وصاحب كتابين من كتب الحديث الأربعة السابقة ، وشيخ مفسرى الجعفرية أبى على الفضل بن الحسن الطبرسي ([1][152]) .

      ومما ذكره السيد المرتضى قوله : " القرآن معجزة النبوة ، ومأخذ العلوم الشرعية ، والأحكام الدينية ، وعلماء المسلمين قد بلغوا في حفظه وحمايته الغاية حتى عرفوا كل شىء اختلف فيه من إعرابه وقراءته وحروفه وآياته ، فكيف يجوز أن يكون مغيراً أو منقوصاً مع العناية الصادقة والضبط الشديد " ([2][153]) .

      وقال : " إن القرآن كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مجموعاً مؤلفاً على ما هو عليه الآن ، واستدل على ذلك بأن القرآن كان يدرس ويحفظ جميعه في ذلك الزمان حتى عين على جماعة من الصحابة في حفظهم له ، وأن كان يعرض على النبي صلى الله عليه وسلم ويتلى عليه ، وأن جماعة من الصحابة مثل عبد الله بن مسعود وأبى بن كعب وغيرهما ختموا القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم عدة ختمات ، وكل ذلك يدل بأدنى تأمل على أنه كان مجموعاً مرتباً غير مبتور ولا مبثوث ، وذكر أن من خالف في ذلك من الإمامية والحشوية لا يعتد بخلافهم ، فإن الخلاف في ذلك مضاف إلى قوم من أصحاب الحديث نقلوا أخبارا ضعيفة ظنوا صحتها لا يرجع بمثلها عن المعلوم المقطوع على صحته " ([3][154]) .

      وقال الشيخ الطوسى : " أما الكلام في زيادته ونقصانه فمما لا يليق به أيضاً، لأن الزيادة فيه مجمع على بطلانها ، والنقصان منه فالظاهر أيضاً من مذهب المسلمين خلافه ، وهو الأليق بالصحيح من مذهبنا ، وهو الذي نصره المرتضى ، وهو الظاهر في الروايات . غير أنه رويت روايات كثيرة ، من جهة الخاصة والعامة ، بنقصان كثير من أي القرآن ، ونقل شىء منه من موضع إلى موضع ، طريقها الآحاد التي لا توجب علماً ولا عملا ، والأولى الإعراض عنها ، وترك التشاغل بها ، لأنه يمكن تأويلها . ولو صحت لما كان ذلك طعنا على ما هو موجود بين الدفتين ، فإن ذلك معلوم صحته ، لا يعترضه أحد من الأمة            ولا يدفعه "([4][155]) .

      وقال الصدوق : " اعتقادنا أن القرآن الذي أنزله الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم هو ما بين الدفتين : وهو ما في أيدى الناس ، وليس بأكثر من ذلك … ومن نسب إلينا أنا نقول أنه أكثر من ذلك فهو كاذب " ([5][156]) .

      هذا موقف المعتدلين نسبيا  في القديم ، أما في الحديث فأكثر شيعة اليوم يتفقون في الظاهر مع جمهور المسلمين في أن القرآن الكريم هو ما بين الدفتين بلا زيادة أو نقصان ، ومن شذ برأيه منهم ، حتى كاد يخرج عن الإسلام ، فلا يعتد به، ولذا قال  محمد الحسين آل كاشف الغطاء : يعتقد الشيعة الإمامية " أن الكتاب الموجود في أيدى المسلمين هو الكتاب الذي أنزله الله إليه ـ أي إلى محمد صلى الله عليه وسلم ـ للإعجاز والتحدى ، ولتعليم الأحكام ، وتمييز الحلال من الحرام ، وأنه لا نقص فيه ولا تحريف ولا زيادة ، وعلى هذا إجماعهم ، ومن ذهب منهم أو من غيرهم من فرق المسلمين إلى وجود نقص فيه أو تحريف فهو مخطئ بنص الكتاب العظيم ]  ‌‌‌إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [ ، والأخبار الواردة من طرقنا أو طرقهم الظاهرة في نقصة أو تحريفة ضعيفة شاذة ، وأخبار آحاد ، لا تفيد علماً ولا عملاً ، فإما أن تؤول بنحو من الاعتبار ، أو يضرب بها الجدار " ([6][157]) .

      وعندما خرج صاحب فصل الخطاب بكتابه تصدى له كثير من علماء الشيعة وسفهوا رأيه ، وبينوا خطأ ما جاء به جملة وتفصيلاً . منهم ـ على سبيل المثال ـ السيد أبو القاسم الخوئى مرجعهم السابق بالعراق ([7][158]) والشيخ محمد جواد البلاغى النجفى ([8][159]) والشيخ محمد تقى الحكيم ([9][160]) . فلسنا في حاجة إذن إلى ذكر شبهات الضالين ، وبيان بطلانها ، فقد تكفل إخواننا الجعفرية بهذا ، بل إن الإخباريين الذين يرون صحة جميع الأخبار الواردة عن أهل البيت ، ولذا ذهبوا إلى القول بالتحريف ، وجدنا منهم من ينكر هذا التحريف . قال مرجعهم السابق بالكويت : " مذهبنا ـ ومذهب كل مسلم ـ بأن القرآن الكريم المتداول بين أيدينا ليس فيه أي تحريف بزيادة أو نقصان ، وما ذكر في بعض الأحاديث بأن فيه تحريفاً ونقصاناً فهو مخالف لعقيدتنا في القرآن الذي هو الذكر المحفوظ ، والذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه " ([10][161]) .

    هذا اتجاه طيب ، وهداية مرجوة ، فلعل الله عزوجل يهدى باقى إخواننا الجعفرية الصراط المستقيم ، وإن كان هؤلاء الذين يمثلون جانب الاعتدال إلى حد ما في المذهب الجعفرى عز عليهم أن يكون الغلاة الضالون القائلون بالتحريف جعفريين ، ولذا حاولوا إبعاد هذه التهمة عمن له مكانة عالية بينهم ، وإلصاقها بجمهور المسلمين ! ومن المقطوع به أن جمهور المسلمين ليس منهم من يقول بالتحريف.

    فلا نعرف أحداً من جمهور المسلمين يقول بأن الصحابة الكرام أسقطوا شيئاً من القرآن الكريم كما قال غلاة الجعفرية ،  والجعفرية يدركون هذا تماماً ولذا حاولوا نسبة هذا الجرم الشنيع لغيرهم بقولهم بأن القول بنسخ التلاوة قول بالتحريف، ليصلوا من هذا إلى أن أكثر أهل السنة قائلون بالتحريف !

      ونسخ التلاوة يعنى أن آيات نزلت ، ثم أمر الله تعالى برفعها ، وقد أتى الله تعالى بمثلها أو بخير منها  ] مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا     [   " 106 : البقرة " أي أن الشارع الحكيم هو الذي أمر بهذا الرفع. فهذا النسخ لو سلمنا بوجوده فإنه كما يقول أستاذنا الجليل المرحوم الدكتور مصطفى زيد " لا يعتبر مطعناً ولا شبه مطعن في القرآن الكريم الذي تكفل الله ـ عزوجل ـ بحفظه من التغيير والتبديل ، وهو الذي جمع بين دفتى المصحف ، ولا يعتبر مطعناً ولا شبه مطعن كذلك في الوحى الذي تنزل به جبريل على قلب محمد ، ما دام المرفوع منه قد رفع في عهد التنزيل ، ولم ترفع منه كلمة واحدة بعد أن انتقل الرسول صلى الله عليه وسلمـ إلى الرفيق الأعلى  . " النسخ في القرآن الكريم 1 / 282 : 283 " .

   فما بين الدفتين هو القرآن الكريم الذي أمرنا بتلاوته وتدبره ، وتنفيذ أحكامه ، بغير زيادة أو نقصان ، فكيف يقال بأن النسخ تحريف ؟

على أن الجعفرية الذين تصدوا لحركة التضليل في الماضى قائلون بهذا النسخ ، بل مدافعون عنه ، فكيف غاب هذا عن شيعة اليوم وهم يخلطون بين النسخ والتحريف ليصلوا إلى مأربهم !

      ولنذكر مثلاً شيخ الطائفة الطوسى ، قال في تفسيره التبيان " 1 / 13 " : " لا يخلو النسخ في القرآن الكريم من أقسام ثلاثة ، أحدها : نسخ حكمه دون لفظه .. الثاني ما نسخ لفظه دون حكمه كآية الرجم ، فإن وجوب الرجم على المحصنة لا خلاف فيه ، والآية التي كانت متضمنه له منسوخة بلا خلاف وهى قوله ( والشيخ والشيخة إذا زنيا ) .. والثالث : ما نسخ لفظه وحكمه ، وذلك نحو ما رواه المخالفون عن عائشة أنه كان فيما أنزل الله عشر رضعات " .

      وقال في موضع آخر " 1/ 394 " : " وقد أنكر قوم جواز نسخ القرآن ، وفيما ذكرناه دليل على بطلان قولهم ، وجاءت أخبار متظافرة بأنه كانت أشياء في القرآن نسخت تلاوتها ".

      والنوع الثالث لأن روايته عن المخالفين ـ أي غير الجعفرية ـ قال عنه الطوسى بأنه " مجوز وإن لم يقطع بأنه كان " ، أما النوع الثاني فإنه يؤيده برواية الشيخ والشيخة ، ويقول بأنها رواية مشهورة ، فهذه الرواية من روايات الجعفرية كذلك ، ورواها أيضا على بن إبراهيم القمي الذي ينسب رواياته إلى الإمامين الباقر والصادق " انظر تفسيره 2 / 95 ، وانظر كذلك مجمع البيان 1 / 180 ـ 181 لترى اتفاق الطبرسي مع الطوسى في النسخ " .

      ولسنا بهذا نؤيد إمكان وقوع هذا النسخ أو عدم إمكانه ، ولكنا نبين لإخواننا الجعفرية أن شيخ طائفتهم الذي دافع عن القول بعدم التحريف ، دافع عن القول بنسخ التلاوة ، لأن النسخ من الشارع الحكيم والتحريف من البشر بعد عصر التنزيل ، فالنسخ والتحريف مختلفان تماماً ، فكيف إذن يغيب هذا عن مرجع الجعفرية السابق بالعراق فيقول : " غير خفى أن القول بنسخ التلاوة هو بعينه القول بالتحريف والإسقاط " " البيان ص 244 " ثم يستمر ليقول : " وعلى ذلك فيمكن أن يدعى أن القول بالتحريف هو مذهب أكثر علماء أهل السنة ! لأنهم يقولون بجواز نسخ التلاوة " ثم يقول في ص 225 : " قد عرفت أن القول بعدم التحريف هو المشهور ، بل المتسالم عليه بين علماء الشيعة ومحققيهم ! " ويشير إلى ما ذكره الطبرسي في مجمع البيان " ج 1 ص 15 " من الاستدلال على بطلان القول بالتحريف . ولو استمر مرجع الجعفرية إلى ص 180 لوجد استدلال الطبرسي كذلك على نسخ التلاوة ! وما الرأى عند السيد فيمن ذكروا من الضالين القائلين   بالتحريف ؟ أليسوا من علماء الشيعة ؟ أولا يعد أكثرهم عند الشيعة من المحققين ؟ كالقمى ، والعياشى ، والكلينى ، والنعمانى ، والمجلسى وغيرهم .

    أفلا يذكر السيد الخوئى ما ذهب إليه في كتابه معجم رجال الحديث             " ج 1 ص 3 - 64 " من صحة تفسير على بن إبراهيم القمي ، شيخ الكلينى ، وأن روايات كتاب التفسير هذا " ثابتة وصادرة من المعصومين عليهم السلام ، وأنها انتهت إليه بوساطة المشايخ والثقات من الشيعة " ؟ أو لم يقرأ السيد تلك الروايات ليرى فيها النص على القول بتحريف القرآن الكريم ؟ وقد حكم هو بصحتها !

    وإذا صدر هذا منه فماذا تنتظر من غيره ؟! ([11][162])

    وبعد : فقد أوجزت هنا سائلاً الله تعالى ألا أكون تركت ما يجب ذكره ، أو ذكرت ما يجب تركه .     

            

 

  ([1][152])  وفاة هؤلاء على الترتيب : 381 ، 436 ، 460 ، 548 هـ .

  ([2][153])  مقدمة مجمع البيان ص 15 .

  ([3][154])  المقدمة السابقة ص 15 وانظر رأى الطبرسي في الصفحة ذاتها .

  ([4][155])  التبيان 1 / 3 .

  ([5][156])  رسالته في الاعتقادات : ص 93 .

  ([6][157])  أصل الشيعة وأصولها ص 133 .

  ([7][158])  انظر كتابه البيان ص 215 ـ 278 وبعد بحثه قال تحت عنوان " النتيجة "  ص 278 : " ومما ذكرناه : قد تبين للقارئ أن حديث تحريف القرآن حديث خرافة وخيال ، لا يقول به إلا من ضعف عقله ، أو من لم يتأمل في أطرافه حق التأمل ، أو من ألجأه إليه بحب القول به ، والحب يعمى ويصم ، وأما العاقل المنصف المتدبر فلا يشك في بطلانه وخرافته " .

  ([8][159])  انظر مقدمته لتفسير شبر ص 16 : 19 .

  ([9][160])  راجع كتابه الأصول العامة للفقه المقارن ص 107 : 117 .

  ([10][161])  تعليق على مقال ص 13 .

  ([11][162]) بعد قليل يأتى الحديث عن تفسيرى القمي والعياشى الضالين ، وانظر ما كتبته عن الكافى للكلينى في كتاب أثر الإمامة في الفقه الجعفرى وأصوله .

  • الاثنين AM 10:48
    2021-04-26
  • 1278
Powered by: GateGold