المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 416213
يتصفح الموقع حاليا : 362

البحث

البحث

عرض المادة

كتمان الحكم تقية أو للتدرج

كتمان الحكم تقية أو للتدرج :

      3 ـ ومن الجعفرية من ذهب إلى التخصيص كذلك ، ولكن على أساس أن هذه المخصصات " هي المخصصات حقيقة ، ولا يضر تأخرها عن وقت العمل بالعام ، لأن العمومات المتقدمة لم يكن مفادها الحكم الواقعى ، بل الحكم هو الذي تكفل المخصص المنفصل ببيانه . وإنما تأخر بيانه لمصلحة كانت هناك في التأخير، وإنما تقدم العموم ليعمل به ظاهراً إلى أن يرد المخصص ، فيكون مفاد العموم حكماً ظاهرياً ، ولا محذور في ذلك ، فإن المحذور إنما هو تأخر الخاص عن وقت العمل بالعام إذا كان مفاد العام حكماً واقعياً لا حكماً ظاهرياً " ([1][119]) .

      ويوضح عالم آخر هذا الرأى فيقول : " العام يجوز أن يكون وارداً لبيان حكم ظاهرى صورى لمصلحة اقتضت كتمان الحكم الواقعى ، ولو لمصلحة التقية ، أو لمصلحة التدرج في بيان الأحكام كما هو معلوم من طريقة النبيصلى الله عليه وسلم في بيان أحكام الشريعة ، مع أن الحكم الواقعى التابع للمصالح الواقعية الثابتة للأشياء بعناوينها الأولية إنما هو على طبق الخاص . فإذا جاء الخاص يكون كاشفاً عن الحكم الواقعى ، فيكون مبيناً للعام ومخصصاً له ، وأما الحكم العام الذي ثبت أولاً ، ظاهراً وصورة ، إن كان قد ارتفع وانتهى أمره ، فإنه إنما ارتفع لارتفاع موضوعه، وليس هو من باب النسخ " ([2][120]) .

      ثم يعقب على هذا بقوله : " وإذا جاز أن يكون العام وارداً على هذا النحو من بيان الحكم ظاهراً وصورة : فإن ثبت ذلك كان الخاص مخصصاً ، أي كان كاشفاً عن الواقع قطعاً . وإن ثبت أنه في حدود بيان الحكم الواقعى للمصالح الواقعية الثابتة للأشياء بعناوينها الأولية ، فلا شك في أنه يتعين كون الخاص ناسخاً له . وأما لو دار الأمر بينهما ، إذ لم يقم دليل على تعيين أحدهما ، فأيهما أرجح في الحمل ؟ فنقول الأقرب إلى الصواب هو الحمل على التخصيص " ([3][121]).

      ومع هذا الترجيح فقد رأى غيره أن هذه الحالة لا يجوز حملها إلا على  النسخ ([4][122]) .

      وكتمان الحكم الواقعى تقية هذا أمر غير معروف عن النبيصلى الله عليه وسلم وما أظن الشيعة يقولون به ، فما يجوز لمسلم أن يعتقده ، فلعلهم أرادوا التقية بالنسبة للأئمة ؛ بمعنى أن الإمام يكتم هذا الحكم ، لأنه لو أظهره خشى على نفسه وعلى شيعته ، ومن هنا تكون التقية . وهذا الرأى وإن كان غير مقبول أصلاً ، إلا أنه يتمشى مع عقيدة الجعفرية .

      أما التدرج في بيان الأحكام الذي يعتقده الجعفرية فيوضحه عالمهم المشهور محمد الحسين آل كاشف الغطاء بقوله : " يعتقد الإمامية أن لله بحسب الشريعة الإسلامية من كل واقعة حكما حتى أرش الخدش ، وما من عمل من أعمال المكلفين من حركة أو سكون إلا ولله فيه حكم من الأحكام الخمسة : الوجوب ، والحرمة ، والندب ، والكراهة ، والإباحة .وما من معاملة على مال ، أو عقد نكاح ، ونحوها إلا وللشرع فيه حكم صحة أو فساد . وقد أودع الله سبحانه جميع تلك الأحكام عند نبيه خاتم الأنبياء ، وعرفها النبي بالوحى من الله أو الإلهام ، ثم إنه ـ سلام الله عليه ـ حسب وقوع الحوادث أو حدوث الوقائع أو حصول الابتلاء ، وتجدد الآثار والأطوار ، بين كثيرا منها للناس ، وبالأخص لأصحابه الحافين به ، الطائفين كل يوم بعرش حضوره ، ليكونوا هم المبلغين لسائر المسلمين في الآفاق ]  لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا  [ ([5][123]) وبقيت أحكام كثيرة لم تحصل الدواعى والبواعث لبيانها ، إما لعدم الابتلاء بها في عصر النبوة ، أو لعدم اقتضاء المصلحة لنشرها .. والحاصل أن حكمة التدرج اقتضت بيان جملة من الأحكام ، وكتمان جملة ، ولكنه ـ سلام الله عليه ـ أودعها عند أوصيائه ، كل وصى يعهد به إلى الآخر لينشره في الوقت المناسب له حسب الحكمة من عام مخصص ، أو مطلق مقيد ، أو مجمل مبين ، إلى أمثال ذلك ، فقد يذكر النبي عاماً ويذكر مخصصه بعد برهة من حياته ، وقد لا يذكره أصلا ، بل يودعه عند وصيه  إلى وقته " ([6][124]) .

      من الواضح البين بعد هذا أن ما ذكره الجعفرية بالنسبة للقرآن الناطق- أي الإمام ـ أثر من آثار عقيدتهم في الإمامة ، فأقوالهم هنا لا تصح إلا بصحة عقيدتهم حتى يكون للإمام ما للنبى صلى الله عليه وسلم من البيان والتخصيص والتقييد ، بل النسخ، وحتى لا ينتهى التدرج بانقطاع الوحى وانتقال صاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم  إلى الرفيق الأعلى ، وإنما يبقى دور لمن جعلوهم شركاءه صلى الله عليه وسلم في الرسالة .

      وما ذكره الشيعة هنا ليس مسألة نظرية ، وإنما يبين أصول التفسير ، والتشريع أيضاً ، وسنرى تطبيقاً عملياً لها في كتبهم التي تناولت بالدراسة كتاب الله تعالى ، وعند الحديث عن كتبهم سنرى ثلاثة كتب في التفسير ظهرت في القرن الثالث الهجري ، وأن هذه الكتب جعلت كتاب الله تعالى أشبه بكتاب من كتب الشيعة ،  فأكثر الآيات خاصة بالأئمة وولايتهم ، وكفر من ينكر هذه الولاية ، إلى غير ذلك من الغلو والضلال كما سيتضح ، وسنرى هذا في عشرات من كتب التفسير الشيعى الأخرى .

      والجعفرية لم يبدأوا التفكير في علم الأصول إلا في القرن الرابع الهجري ، ولم يدخل هذا العلم دور التصنيف والتأليف إلا في القرن الخامس ([7][125]). إذا عرفنا هذا أمكن القول بأن ما ذكره الشيعة هنا من علم الأصول إنما كان استنتاجاً من تلك الكتب الثلاثة ، أو تبريراً لها ، حيث إنها كانت تعتمد على روايات تزعم نسبتها للأئمة .

 

  ([1][119])  المرجع السابق 4 / 274 .

  ([2][120])  أصول الفقه المظفر 1 / 144 .

  ([3][121])  المرجع السابق 1 / 144 .

  ([4][122])  انظر الآراء المختلفة والترجيحات في الحاشية على الكفاية 2 / 198 : 199 ، وفوائد الأصول 4 / 273 ، وأجود التقريرات ص 506 : 512 والبيان ص 424 : 428 .

  ([5][123])  143 : سورة البقرة .

  ([6][124])  أصل الشيعة وأصولها ص 145 ـ 146 .

  ([7][125])  راجع  التصنيف في علم الأصول ص 54 وما بعدها من كتاب المعالم الجديدة للأصول .

  • الاثنين AM 01:37
    2021-04-26
  • 800
Powered by: GateGold