ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ
شٌبهات وردود
المكتبة المرئية
خَــيْـرُ جَــلـيـسٌ
المتواجدون الآن
حرس الحدود
مجتمع المبدعين
البحث
عرض المادة
القرآن الصامت والقرآن الناطق
ذكرنا من قبل قول الجعفرية بأن الإمام كالنبى في عصمته وصفاته وعلمه،ولذلك فهم يشيرون إلى القرآن الكريم والإمام بقولهم : ذلك القرآن الصامت وهذا القرآن الناطق ، فالإمام هو ـ في رأيهم ـ القرآن الناطق ([1][108]) ، ودوره بالنسبة للقرآن الصامت كدور النبي صلى الله عليه وسلم سواء بسواء .
وما دام القرآن الكريم صامتاً فلابد من الرجوع إلى القرآن الناطق حتى يوضح مراد الله تعالى ، ولهذا قال الإخباريون من الجعفرية ([2][109]) : لا يجوز العمل
بظاهر القرآن الكريم !! وقال جمهور الجعفرية ـ وهم الأصوليون ـ بحجية الظواهر ولكنهم قالوا : لا يجوز الاستقلال في العمل في بظاهر الكتاب بلا مراجعة الأخبار الواردة عن الأئمة . [3][110]
وناقش الأصوليون الإخباريين فيما ذهبوا إليه : قال صاحب فوائد الأصول بعد أن بين حجية الظواهر :
" نسب إلى الإخباريين عدم جواز العمل بظاهر الكتاب العزيز ، واستدلوا على ذلك بوجهين ، الأول : العلم الإجمالى بتقييد وتخصيص كثير من المطلقات والعمومات الكتابية ، والعلم الإجمالى كما يمنع عن جريان الأصول العملية ، يمنع عن جريان الأصول اللفظية من أصالة العموم والإطلاق التي عليها مبنى الظهورات . الثاني : الأخبار الناهية عن العمل بالكتاب .
ولا يخفى ما في كلا الوجهين ، أما الأول فلأن العلم الإجمالى ينحل بالفحص عن تلك المقيدات والمخصصات ، والعثور على مقدار منها يمكن انطباق المعلوم بالإجمال عليها … وأما الثاني فلأن الأخبار الناهية عن العمل بالكتاب وإن كانت مستفيضة ، بل متواترة ، إلا أنها على كثرتها بين طائفتين : طائفة تدل على المنع عن تفسير القرآن بالرأى والاستحسانات الظنية ، وطائفة تدل على المنع عن الاستقلال في العمل بظاهر الكتاب من دون مراجعة أهل البيت الذين نزل الكتاب في بيتهم صلوات الله عليهم ، ولا يخفى أن مفاد كل من الطائفتين أجنبى عما يدعيه الإخباريون " ([4][111]) .
فالإخباريون يمنعون العمل بظاهر الكتاب ، والأصوليون يمنعونه كذلك إلاَّ بعد الرجوع إلى أقوال الأئمة ، ويندرج تحت هذا الظاهر مثل العام والمطلق وغيرهما مما هو ظاهر في معنى ومحتمل لمعنى آخر ، فالعام ظاهر في العموم مع احتمال التخصيص ، والمطلق ظاهر في الإطلاق مع احتمال التقييد ([5][112]) فيرون إذن وجوب الرجوع إلى الأئمة وما روى عنهم بمعرفة مراد الله عزوجل.
قال أحد علمائهم المعاصرين ([6][113]) : " لا يجوز العمل بالعام قبل الفحص عن المخصص " ، ويوضح هذا بقوله : " لا شك في أن بعض عمومات القرآن الكريم والسنة الشريفة لها مخصصات منفصلة شرحت المقصود من تلك العمومات ، وهذا معلوم من طريقة صاحب الشريعة ، والأئمة الأطهار ـ عليهم الصلاة والسلام . حتى قيل ما من عام إلا وقد خص . ولذا ورد عن أئمتنا ذم من استبدوا برأيهم في الأحكام ، لأن في الكتاب المجيد والسنة عاماً وخاصاً ، ومطلقاً ومقيداً ، وهذه الأمور لا تعرف إلا من طريق آل البيت ، وصاحب البيت أدرى بالذى فيه .
وهذا ما أوجب التوقف في التسرع بالأخذ بعموم العام قبل الفحص ، واليأس من وجود المخصص ، لجواز أن يكون هذا العام من العمومات التي لها مخصص موجود في السنة أو الكتاب لم يطلع عليه من وصل إليه العام . وقد نقل عدم الخلاف بل الإجماع على عدم جواز الأخذ بالعام قبل الفحص واليأس ". ا. هـ .
والسنة ـ عند الجعفرية تتسع لتشمل أقوال أئمتهم ، وهم مجمعون على الأخذ بما ورد من كلام الأئمة مخصصا لكثير من عمومات القرآن الكريم ، ومقيداً لكثير من مطلقاته ، وما قام قرينة على صرف جملة من ظواهره ، ويعتبرون هذا من الأمور القطعية التي لا يشك فيها أحد ([7][114]) . ولكن المخصصات التي ترد عن الأئمة أتعتبر من باب النسخ أم التخصيص ؟ خلاف وقع بين الجعفرية !
([1][108]) انظر الشيعة والتشيع ص 45 ، ويزعمون أن الإمام علياً قال : " ذلك القرآن فاستنطقوه فلن ينطق لكم ، أخبركم عنه . إن فيه علم ما مضى وعلم ما يأتى إلى يوم القيامة ، وحكم ما بينكم ، وبيان ما أصبحتم فيه مختلفين . فلو سألتمونى عنه لأخبرتكم عنه لأنى أعلمكم " . ( ص 3 من مقدمة تفسير القمي ، وانظر الكافى 1 / 61 ، 8 / 50 ) . ويزعمون كذلك أن الإمام الصادق قال : " إن الكتاب لم ينطق ولن ينطق " وأن أباه الباقر قال : " القرآن ضرب فيه الأمثال للناس ، وخاطب الله نبيه به ونحن ، فليس يعلمه غيرنا " . ( تفسير القمي 2 / 295 ، 425 ) .
([2][109]) ينقسم الجعفرية إلى أصوليين وإخباريين : الأصوليون يعتمدون على الاستنباط والاجتهاد وإعمال العقل ، فهم يبحثون ويفكرون بذهنية أصولية ، وهم أصحاب علم أصول الفقه عند الجعفرية . والإخباريون لا يعتمدون إلا على متون الأخبار التي تروى عن أئمتهم . ويرى الأصوليون أن الحركة الإخبارية ظهرت في أوائل القرن الحادى عشر على يد الميرزا محمد أمين الاسترابادى ، واستفحل أمرها بعده وبخاصة في أواخر القرن الحادى عشر وخلال القرن الثاني عشر ، على حين يرى الإخباريون أن الاتجاه الإخبارى كان هو الاتجاه السائد بين الفقهاء الإمامية إلى نهاية عصر الأئمة ولم يتزعزع هذا الاتجاه إلا في أواخر القرن الرابع وبعده ـ*
[3][110]*حين بدأ جماعة من علماء الإمامية ينحرفون عن الخط الإخبارى ، ويعتمدون على العقل في استنباطهم ، ويربطون البحث الفقهى بعلم الأصول تأثراً بالطريقة السنية في الاستنباط ، ثم أخذ هذا الانحراف ـ كما يقولون ـ في التوسع والانتشار . والإخباريون الآن قلة قليلة بالنسبة للأصوليين ، والقسم الكثير منهم في البحرين ، وهم أيضاً عدد قليل ( انظر المعالم الجديدة للأصول ص 76 ـ 82 ، وفقه الشيعة الإمامية 1 / 48 ـ 50 وانظر كذلك موقف الإخباريين من علم الأصول في الحاشية للقمى 2 / 211 ) .
([4][111]) فوائد الأصول 3 / 48 ، وانظر كذلك الأصول العامة للفقه المقارن ص 102 ـ 105 وأصول الفقه للمظفر 3 / 130 : 134 ، 138 ، 141 .
([5][112]) تحدث أحد علمائهم عن الأصول اللفظية وحددها بخمسة هي : أصالة الحقيقة ـ أي الأصل أن تحمل الكلام على معناه الحقيقى ، وأصالة العموم ، واصالة الإطلاق ، وأصالة عدم التقدير ، والأصل الخامس هو أصالة الظهور ، وقال عن هذه الأصالة : " موردها ما إذا كان اللفظ ظاهراً في معنى خاص لا على وجه النص فيه الذي يحتمل معه الخلاف ، بل كان يحتمل إرادة خلاف الظاهر ، فإن الأصل حينئذ أن يحمل الكلام على الظاهر فيه . وفى الحقيقة أن جميع الأصول المتقدمة راجعة إلى هذا الأصل ، لأن اللفظ مع احتمال المجاز ـ مثلاً ـ ظاهر في الحقيقة ، ومع احتمال التخصيص ظاهر في العموم ، ومع احتمال التقييد ظاهر في الإطلاق ، ومع احتمال التقدير ظاهر في عدمه ، فمؤدى أصالة الحقيقة نفس مؤدى أصالة الظهور في مورد احتمال التخصيص ، وهكذا في باقى الأصول المذكورة ، فلو عبرنا بدلاً عن كل من هذه الأصول بأصالة الظهور كان التعبير صحيحاً مؤدياً للغرض ، بل كلها يرجع اعتبارها إلى اعتبار أصالة الظهور ، فليس عندنا في الحقيقة إلا أصل واحد هو أصالة الظهور " . ( أصول الفقه للمظفر ، 1 / 31 ـ 32 ) .
([6][113]) هو الشيخ محمد رضا المظفر ، من كبار علمائهم . انظر كتابه أصول الفقه 1 / 136 . وهو الذي نقلنا عنه الأصول اللفظية آنفاً .
-
الاثنين AM 01:23
2021-04-26 - 3803