ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ
شٌبهات وردود
المكتبة المرئية
خَــيْـرُ جَــلـيـسٌ
المتواجدون الآن
حرس الحدود
مجتمع المبدعين
البحث
عرض المادة
موقف الطبري من الإسرائيليات
وقبل أن نختم هذه الكلمة الموجزة عن تفسير الطبري نريد أن نعرف موقفه من الإسرائيليات .
ولعل أحسن ما نثبته هنا هو ما قاله أستاذنا العلامة الشيخ محمود محمد شاكر- رحمه الله ، الذي قضى سنوات من عمره المبارك في تحقيق هذا الكتاب . فبعد أن وصل أستاذنا مع الطبري إلى الآية الثلاثين من سورة البقرة ، وانتهى من قول الطبري في تأويل قوله تعالى " خليفة " ، والأخبار التي ذكرها في هذا التأويل كتب أستاذنا الكلمة التالية:
تبين لي مما راجعته من كلام الطبري ، أن استدلال الطبري بهذه الآثار التي يرويها بأسانيدها ، لا يراد به إلا تحقيق معنى لفظ ، أو بيان سياق عبارة . فهو قد ساق هنا الآثار التي رواها بإسنادها ليدل على معنى " الخلافة " ، و " الخليفة " ، وكيف اختلف المفسرون من الأولين في معنى " الخليفة " . وجعل استدلاله بهذه الآثار ، كاستدلال المستدل بالشعر على معنى لفظ في كتاب الله . وهذا بين في الفقرة التالية للأثر رقم : 605 ، إذ ذكر ما روى عن ابن مسعود وابن عباس ، وما روى عن الحسن في بيان معنى " الخليفة " ، واستظهر ما يدل عليه كلام كل منهم . ومن أجل هذا الاستدلال ، لم يبال بما في الإسناد من وهن لا يرتضيه . ودليل ذلك أن الطبري نفسه قال في إسناد الأثر : 465 عن ابن مسعود وابن عباس، فيما مضى ص : 353 " فإن كان ذلك صحيحا ، ولست أعلمه صحيحا ، إذ كنت بإسناده مرتابا … " ، فهو مع ارتيابه في هذا الإسناد ، قد ساق الأثر للدلالة على معنى اللفظ وحده ، فيما فهمه ابن مسعود وابن عباس ـ إن صح عنهما ـ أو ما فهمه الرواه الأقدمون من معناه . وهذا مذهب لا بأس به في الاستدلال . ومثله أيضا ما يسوقه من الأخبار والآثار التي لا يشك في ضعفها ، أو في كونها من الإسرائيليات ، فهو لم يسقها لتكون مهيمنة على تفسير أي التنزيل الكريم ، بل يسوق الطويل الطويل ، لبيان معنى لفظ ، أو سياق حادثة ، وإن كان الأثر نفسه مما لا تقوم به الحجة في الدين ، ولا في التفسير التام لآى كتاب الله .
فاستدلال الطبري بما ينكره المنكرون ، لم يكن إلا استظهارا للمعانى التي تدل عليها ألفاظ هذا الكتاب الكريم ، كما يستظهر بالشعر على معانيها . فهو إذن استدلال يكاد يكون لغويا . ولما لم يكن مستنكرا أن يستدل بالشعر الذي كذب قائله، ما صحت لغته ؛ فليس بمستنكر أن تساق الآثار التي يرتضيها أهل الحديث ، والتى لا تقوم بها الحجة في الدين ، للدلالة على المعنى المفهوم من صريح لفظ القرآن ، وكيف فهمه الأوائل ـ سواء كانوا من الصحابة أو من دونهم .
وأرجو أن تكون هذه تذكرة تنفع قارىء كتاب الطبري ، إذا ما انتهى إلى شىء مما عده أهل علم الحديث من الغريب والمنكر . ولم يقصر أخى السيد أحمد شاكر في بيان درجة رجال الطبري عند أهل العلم بالرجال ، وفى هذا مقنع لمن أراد أن يعرف علم الأقدمين على وجهه ، والحمد لله أولا وآخرا . " 1 / 453 ، 454 " . ا . هـ .
وفى الآية الكريمة ذاتها عند قول الطبري في تأويل قوله جل ثناؤه خبرا عن ملائكته : ] قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء [ .
ذكر الطبري خبراً فيه كثير من الإسرائيليات ([1][94]) ، ثم نقده ، فعقب أستاذنا بقوله : نقد الطبري دال أيضا على ما ذهبنا إليه من الاستدلال بالآثار كاستدلال المستدل بالشعر . وأنت تراه ينقض هذا الخبر نقضا ، ويبين الخطأ في سياقه ، وتناقضه في معناه . وهذا بين إن شاء الله ([2][95]) .
ثم قال الطبري : " وأخشى أن يكون بعض نقلة هذا الخبر هو الذي غلط على من رواه عنه من الصحابة " وبين الطبري بعد هذا تأويل الخبر ، ثم قال :
" وهذا الذي ذكرنا هو صفة منا لتأويل الخبر ، لا القول الذي نختاره في تأويل الآية " فعقب أستاذنا أيضا بقوله :
" وهذا أيضا دليل واضح على أن استدلال الطبري بالأخبار والآثار ، ليس معناه أنه ارتضاها ، بل معناه أنه أتى بها ليستدل على سياق تفسير الآية مرة ، وعلى بيان فساد الأخبار أنفسها مرة أخرى ؛ وقد أخطأ كثير ممن نقل عن الطبري في فهم مراده وتحامل عليه آخرون لم يعرفوا مذهبه في هذا التفسير "([3][96]) .
ومما يؤيد ما ذكره أستاذنا الشيخ شاكر ما يأتى :
في تأويل قوله تعالى : ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا [ ([4][97])، نرى الطبري يذكر أخبارا ، ولكنه لا يأخذ بها ([5][98]) .
وفى تأويل قوله عز وجل] إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا [ ([6][99]) ، نرى الطبري في ذكره للمراد بالأمانة يثبت أخبارا مختلفة، ثم يأخذ بغير الإسرائيليات ([7][100]) .
ومثل هذا ما ذكرناه من قبل عند بيان منهجه في قبول الأخبار أو رفضها.
ومع هذا كله نراه أحيانا يذكر الإسرائيليات ولا يرفضها ، مثل الإسرائيليات التي ذكرها عند تأويل قول الحق تبارك وتعالى] وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَينَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدً اً [ ([8][101]) .
ويمكن أن يقال هنا ما قلناه عند الحديث عن زواج الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأخذ الطبري بأخبار لا تصح .
والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب .
******
([1][94]) انظر الخبر رقم 607 ج 1 ص 458 ، 460 ، وقول الطبري بعده .
([3][96]) تفسير الطبري ـ الحاشية 1 / 462 .
([5][98]) انظر تفسيره 22 / 50 وما بعدها .
([7][100]) انظر تفسيره 22 / 54 وما بعدها .
([8][101]) 34 : سورة " ص " ، وانظر تأويلها في تفسير الطبري 23 / 156 وما بعدها . ورفض الحافظ ابن كثير هذه الإسرائيليات ـ انظر تفسيره 4 / 34 ـ 36 .
-
الاثنين AM 01:19
2021-04-26 - 1579