موقف الطبري من الإسرائيليات - مشروع الحصن ll للدفاع عن الإسلام والحوار مع الأديان والرد على الشبهات المثارة ll lightnews-vII

المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 442576
يتصفح الموقع حاليا : 105

البحث

البحث

عرض المادة

موقف الطبري من الإسرائيليات

موقف الطبري من الإسرائيليات :

      وقبل أن نختم هذه الكلمة الموجزة عن تفسير الطبري نريد أن نعرف موقفه من الإسرائيليات .

      ولعل أحسن ما نثبته هنا هو ما قاله أستاذنا العلامة الشيخ محمود محمد شاكر- رحمه الله ، الذي قضى سنوات من عمره المبارك في تحقيق هذا الكتاب . فبعد أن وصل أستاذنا مع الطبري إلى الآية الثلاثين من سورة البقرة ، وانتهى من قول الطبري في تأويل قوله تعالى " خليفة " ، والأخبار التي ذكرها في هذا التأويل كتب أستاذنا الكلمة التالية:

" تذكرة "

      تبين لي مما راجعته من كلام الطبري ، أن استدلال الطبري بهذه الآثار التي يرويها بأسانيدها ، لا يراد به إلا تحقيق معنى لفظ ، أو بيان سياق عبارة . فهو قد ساق هنا الآثار التي رواها بإسنادها ليدل على معنى " الخلافة " ، و " الخليفة " ، وكيف اختلف المفسرون من الأولين في معنى " الخليفة "  . وجعل استدلاله بهذه الآثار ، كاستدلال المستدل بالشعر على معنى لفظ في كتاب الله . وهذا بين في الفقرة  التالية للأثر رقم : 605  ، إذ ذكر ما روى عن ابن مسعود وابن عباس ، وما روى عن الحسن في بيان معنى " الخليفة " ، واستظهر ما يدل عليه كلام كل منهم . ومن أجل هذا الاستدلال ، لم يبال بما في الإسناد من وهن لا يرتضيه . ودليل ذلك أن الطبري نفسه قال في إسناد الأثر : 465 عن ابن مسعود وابن عباس، فيما مضى ص : 353 " فإن كان ذلك صحيحا ، ولست أعلمه صحيحا ، إذ كنت بإسناده مرتابا …  " ، فهو مع ارتيابه في هذا الإسناد ، قد ساق الأثر للدلالة على معنى اللفظ وحده ، فيما فهمه ابن مسعود وابن عباس ـ إن صح عنهما ـ أو ما فهمه الرواه الأقدمون من معناه . وهذا مذهب لا بأس به في الاستدلال . ومثله أيضا ما يسوقه من الأخبار والآثار التي لا يشك في ضعفها ، أو في كونها من الإسرائيليات ، فهو لم يسقها لتكون مهيمنة على تفسير أي التنزيل الكريم ، بل يسوق الطويل الطويل ، لبيان معنى لفظ ، أو سياق حادثة ، وإن كان الأثر نفسه مما لا تقوم به الحجة في الدين ، ولا في التفسير التام لآى كتاب الله .

 

      فاستدلال الطبري بما ينكره المنكرون ، لم يكن إلا استظهارا للمعانى التي تدل عليها ألفاظ هذا الكتاب الكريم ، كما يستظهر بالشعر على معانيها . فهو إذن استدلال يكاد يكون لغويا . ولما لم يكن مستنكرا أن يستدل بالشعر الذي  كذب قائله، ما صحت لغته ؛ فليس بمستنكر أن تساق الآثار التي يرتضيها أهل الحديث ، والتى لا تقوم بها الحجة في الدين ، للدلالة على المعنى المفهوم من صريح لفظ القرآن ، وكيف فهمه الأوائل ـ سواء كانوا من الصحابة أو من دونهم .

      وأرجو أن تكون هذه تذكرة تنفع قارىء كتاب الطبري ، إذا ما انتهى إلى شىء مما عده أهل علم الحديث من الغريب والمنكر . ولم  يقصر أخى السيد أحمد شاكر في بيان درجة رجال الطبري عند أهل العلم بالرجال ، وفى هذا مقنع لمن أراد أن يعرف علم الأقدمين على وجهه ، والحمد لله أولا وآخرا . "  1 / 453 ، 454 " . ا . هـ .

      وفى الآية الكريمة ذاتها عند قول الطبري في تأويل قوله جل ثناؤه خبرا عن ملائكته :  ]   قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء    [ .

      ذكر الطبري خبراً فيه كثير من الإسرائيليات ([1][94]) ، ثم نقده ، فعقب أستاذنا بقوله : نقد الطبري دال أيضا على ما ذهبنا إليه من الاستدلال بالآثار كاستدلال المستدل بالشعر . وأنت تراه ينقض هذا الخبر نقضا ، ويبين الخطأ  في سياقه ، وتناقضه في معناه . وهذا بين إن شاء الله ([2][95]) .

 

      ثم قال الطبري : " وأخشى أن يكون بعض نقلة هذا الخبر هو الذي غلط على من رواه عنه من الصحابة " وبين الطبري بعد هذا تأويل الخبر ، ثم قال :

      " وهذا الذي ذكرنا هو صفة منا لتأويل الخبر ، لا القول الذي نختاره في تأويل الآية " فعقب أستاذنا أيضا بقوله :

      " وهذا أيضا دليل واضح على أن استدلال الطبري بالأخبار والآثار ، ليس معناه أنه ارتضاها ، بل معناه أنه أتى بها ليستدل على  سياق تفسير الآية مرة ، وعلى بيان فساد الأخبار أنفسها مرة أخرى ؛ وقد أخطأ كثير ممن  نقل عن الطبري في فهم مراده وتحامل عليه آخرون لم يعرفوا مذهبه في هذا التفسير "([3][96]) .

      ومما يؤيد ما ذكره أستاذنا الشيخ شاكر ما يأتى :

      في تأويل قوله تعالى : ]   يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا   [ ([4][97])، نرى الطبري يذكر أخبارا ، ولكنه لا يأخذ بها ([5][98]) .

      وفى تأويل قوله عز وجل]  إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا    [ ([6][99]) ، نرى الطبري في ذكره للمراد بالأمانة يثبت أخبارا مختلفة، ثم يأخذ بغير الإسرائيليات ([7][100]) .

      ومثل هذا ما ذكرناه من قبل عند بيان منهجه في قبول الأخبار أو رفضها.

      ومع هذا كله نراه أحيانا يذكر الإسرائيليات ولا يرفضها ، مثل الإسرائيليات التي ذكرها عند تأويل قول الحق تبارك وتعالى]  وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَينَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدً اً [  ([8][101]) .

      ويمكن أن يقال هنا ما قلناه عند الحديث عن زواج الرسول صلى الله عليه وسلم  ، وأخذ الطبري بأخبار لا تصح .

      والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب .

 

******

 

  ([1][94])  انظر الخبر رقم 607 ج 1 ص 458 ، 460 ، وقول الطبري بعده .

  ([2][95])  1 / 462 بالحاشية .

  ([3][96])  تفسير الطبري ـ الحاشية 1 / 462 .

  ([4][97])  69 : الأحزاب .

  ([5][98])  انظر تفسيره 22 / 50 وما بعدها .

  ([6][99])  72 : الأحزاب .

  ([7][100])  انظر تفسيره 22 / 54 وما بعدها .

  ([8][101])  34 : سورة " ص " ، وانظر تأويلها في تفسير الطبري 23 / 156 وما بعدها . ورفض الحافظ ابن كثير هذه الإسرائيليات ـ انظر تفسيره 4 / 34 ـ 36 .

  • الاثنين AM 01:19
    2021-04-26
  • 1579
Powered by: GateGold