ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ
شٌبهات وردود
المكتبة المرئية
خَــيْـرُ جَــلـيـسٌ
المتواجدون الآن
حرس الحدود
مجتمع المبدعين
البحث
عرض المادة
معاني القرآن للفراء
معاني القرآن للفراء
الفراء وإملاء الكتاب :
الفراء وهو أبو زكريا يحيى بن زياد بن عبد الله بن منظور الديلمى ، ولد بالكوفة سنة 144 هـ ، ونشأ بها وتربى على شيوخها ، ومنزلته العلمية معروفة : لقب بأمير المؤمنين في النحو ، وكان زعيم الكوفيين بعد الكسائى . واستقر به المقام في بغداد ، وتوفى سنة 207 هـ .
وفى بداية الكتاب يقول راويه أبو عبد الله محمد بن الجهم بن هارون السمرى:
" هذا الكتاب فيه معاني القرآن ، أملاه علينا أبو زكريا يحيى بن زياد الفراء ـ يرحمه الله ـ عن حفظه من غير نسخة ، في مجالسه أول النهار من أيام الثلاثاوات والجمع في شهر رمضان ، وما بعده من سنة اثنتين ، وفى شهور سنة ثلاث ، وشهور من سنة أربع ومائتين . قال : حدثنا محمد بن الجهم ، قال : حدثنا الفراء ، قال :
تفسير مشكل إعراب القرآن ومعانية " ا . هـ .
الهدف والمنهج :
ومن العنوان الذي اختاره الفراء يتضح الهدف من أماليه ، فهو لا يريد تفسير القرآن الكريم آية آية ، وإنما يقف عند بعض الآيات الكريمة ليفسر مشكل الإعراب والمعانى . ولذلك رأينا الكتاب يزخر بمناقشات نحوية مستفيضة ، ووقفات لغوية .
وهذا التفسير يعتمد على تمكن صاحبه من اللغة ، ومعرفته بأساليبها ، وإمامته في النحو ، ومعرفته بلهجات العرب ، وبالقراءات المختلفة .
ولا نكاد نجد فيه اهتماماً بذكر الأخبار المروية عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، أو الصحابة أو التابعين .
ومثل هذا التفسير لا يعد من التفسير المأثور ، ولعله أول كتاب يصلنا في التفسير العقلى ، وقيمته العلميه تستند إلى مدى التزامه بالمنهج العلمى المقبول لمثل هذا النوع من التفسير ، وتمكنه من أدواته ووسائله . ولنذكر شيئا من هذا التفسير يوضح منهجه .
بعد قول الفراء السابق " تفسير مشكل إعراب القرآن ومعانيه " قال :
فأول ذلك اجتماع القراء وكتاب المصــاحف على حذف الألف من
] بسم الله الرحمن الرحيم [ وفى فواتح الكتب،وإثباتهم الألف في قولــه: ] فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ [ وأخذ يبين سبب هذا ، ثم انتقل إلى تفسير أم الكتاب فقــال : قوله تعالى : ] الْحَمْد للّهِ [ .
اجتمع القراء علـى رفع الحمـد . وأما أهل البدو فمنهم من يقـول : ]الْحَمْدَ للّهِ [ ومنهم من يقول] الْحَمْدِ للّهِ [. ومنهم من يقول] الْحَمْدُ للّهِ [ . فيرفع الدال واللام .
وقال : " فأما من نصب ... " وبين وجه كل من الحالات المذكورة .
ثم قال : " عليهُم " و " عليهِم " : وهما لغتان ، لكل لغة مذهب في العربية.
وفصل في بيان سبب ضم الهاء وكسرها ، ثم قال :
وقوله تعالى : ] غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ [ .
بخفض " غير " لأنها نعت للذين .
وبعد أن بين سبب ضبط كلمة " غير " قال :
وأما قوله تعالى : ] وَلاَ الضَّالِّينَ [ فإن معنى " غير " معنى " لا " ، فلذلك ردت عليها " ولا " … إلخ .
وهكذا سار الفراء في تفسيره لفاتحة الكتاب ([1][56]) .
وعند تفسير سورة النور قال :
ومن سورة النور بسم الله الرحمن الرحيم : قوله : ] سُورَةٌ أَنزَلْنَاهَا [ ترفع السورة بإضمار هذه سورة أنزلناها . ولا ترفعها براجع ذكرها لأن النكرات لا يبتدأ بها قبل أخبارها ، إلا أن يكون ذلك جواباً ؛ ألا ترى أنك لا تقول : رجل قام ، إنما الكلام أن تقول : قام رجل . وقبح تقديم النكرة قبل خبرها أنها توصل ثم يخبر عنها بخبر سوى الصلة . فيقال : رجل يقوم أعجب إلىّ من رجل لا يقوم : فقبح إذ كنت كالمنتظر للخبر بعد الصلة . وحسن في الجواب ؛ لأن القائل يقول : من في الدار ؟ فتقول : رجل ، وإن قلت : رَجُلٌ فيها فلا بأس ؛ لأنه كالمرفوع بالرد لا بالصفة .
ولو نصبت السورة على قولك : أنزلناها سورة وفرضناها كما تقول : مجرداً ضربته كان وجهاً . وما رأيت أحداً قرأ به ([2][57]) .
وفى سورة النمل قال الفراء :
وقوله : ] إِنِّي لَا يخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ [ ثم استثنى فقال : ] إِلَّا مَن ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ [ فهذا مغفور له . فيقول القائل كيف صُير خائفاً ؟ قلت : في هذه وجهان : أحدهما أن تقول : إن الرسل معصومة مغفور لها آمنة يوم القيامة . ومن خلط عملاً صالحاً وآخر سيئاً يخاف ويرجو : فهذا وجه . والآخر أن تجعل الاستثناء من الذين تُركوا في الكلمة ؛ لأن المعنى : لا يخاف المرسلون إنما الخوف على غيرهم .
ثم استثنى فقال : إلا من ظلم فإن هذا لا يخاف ، يقول : كان مشركاً فتاب وعمل حسناً فذلك مغفور له ليس بخائف .
وقد قال بعض النحويين : إن " إلا " في اللغة بمنزلة الواو ، وإنما معنى هذه الآية : لا يخاف لدى المرسلون ولا من ظلم ثم بدل حسناً ، وجعلوا مثله قول الله : ] لِئــلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ [ أي ولا الذين ظلموا . ولم أجد العربية تحتمل ما قالوا ، لأنى لا أجيز قام الناس إلا عبد الله ، وهوقائم ؛ إنما الاستثناء أن يخرج الاسم الذي بعد إلا من معنى الأسماء قبل إلا . وقد أراه جائزاً أن تقول : عليك ألف سوى ألف آخر ، فإن وضعت " إلا " في هذا الموضع صلحت وكانت " إلا " في تأويل ما قالوا . فأما مجردة قد استثنى قليلها من كثيرها فلا . ولكن مثله مما يكون في معنى إلا كمعنى الواو وليست بها .
قوله : ] خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ [ هو في المعنى : إلا الذي شاء ربك من الزيادة . فلا تجعل إلا " في منزلة " الواو ولكن بمنزلة سوى . فإذا كانت سوى في موضع إلا صلحت بمعنى الواو ؛ لأنك تقول : عندى مال كثير سوى هذا ، أي وهذا عندى ؛ كأنك قلت : عندى مال كثير وهذا . وهو في سوى أنفذ منه في إلا لأنك قد تقول : عندى سوى هذا ، ولا تقول : إلا هذا ([3][58]) .
وفى سورة سبأ :
وقوله : ] وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ [ " 17 " هكذا قرأه يحيى وأبو عبد الرحمن أيضاً . والعوام : ] وَهَلْ يُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ [ . وقوله : ] ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم [ موضع " ذلك " نصب بـ " جزيناهم " .
يقول القائل : كيف خص الكفور بالمجازاة والمجازاة للكافر وللمسلم وكل واحد ؟ فيقال : إن جازيناه بمنزلة كافأناه والسيئة للكافر بمثلها وأما المؤمن فيجزى لأنه يزاد ويتفضل عليه ولا يجازى . وقد يقال : جازيت في معنى جزيت ، إلا أن المعنى في أبين الكلام على ما وصفت لك ؛ ألا ترى أنه قد قال ] ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم [ ولم يقل ] جاَزَيْنَاهُم [ وقد سمعت جازيت في معنى جزيت وهى مثل عاقبت وعقبت ، الفعل منك وحدك . وبناؤها ـ يعنى ـ فاعلت على أن تفعل ويفعل بك ([4][59]) .
وأكتفى بهذا القدر ، ولعله ـ مع قلته ـ يبين منهج الفراء في تفسيره ، وقيمته العلمية .
-
الاثنين AM 12:56
2021-04-26 - 1027