المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 415830
يتصفح الموقع حاليا : 268

البحث

البحث

عرض المادة

الحاخـــام (بمعنى «القـــائد الدينـــي للجماعــة اليهوديـــة)»

الحاخـــام (بمعنى «القـــائد الدينـــي للجماعــة اليهوديـــة)»

(Hakham (as a Religious Leader of the Jewish Community

«حاخام» كلمة عبرية معناها «الرجل الحكيم أو العاقل». وكان هذا المُصطلَح يُطلَق على جماعة المعلمين الفريسيين «حاخاميم»، ومنها أُخذت كلمة «حاخام» لتدل على المفرد. ونستخدم في هذه الموسوعة كلمة «حاخام» للإشارة إلى الفقهاء اليهود الذين فسَّروا كتب المدراش وغيرها من الكتب وجُمعت تفسيراتهم في التلمود «التوراة الشفوية» وجعلوها الأساس الذي تستند إليه اليهودية والمحور الذي تدور حوله. ومن هنا تكون «اليهودية الحاخامية» أو «التلمودية» مقابل «اليهودية التوراتية»، وهو اصطلاح لم يستخدمه أحد وإن كان مُتضمَّناً في كتابات القرّائين.

 

ولكن المعنى الأكثر شيوعاً هو استخدام كلمة «حاخام» للإشارة إلى القائد الديني للجماعة اليهودية الذي كان يقوم بوظيفتين: أولاهما تفسير التوراة وتطوير الشريعة الشفوية، فقد كان فقيهاً ومفتياً، تماماً مثل الحاخامات، أي الفقهاء اليهود القدامى، ولكنه أصبح، إلى جانب ذلك، القائد الديني للجماعة اليهودية مهمته الإشراف على الصلوات في المعبد اليهودي، فكان يلعب دور المرتل (حزان). كما كان يقوم بشرح التوراة في كل من المعبد والبيت همدراش (المدرسة الملحقة بالمعبد)، وإصدار الفتاوى، والإشراف على التعليم الديني، ومراقبة تنفيذ الأوامر والنواهي (قوانين الطعام وإقامة شعائر السبت وغير ذلك). وكان يحضر حفلات الختان، كما كان يقوم بكتابة عقود الزواج ودفن الموتى إلى جانب القيام بدور الخاطبة أحياناً.

 

ومع أن الحاخام لا يلعب دور الكاهن التقليدي، نظراً لأنه لا يقوم بدور الوساطة بين الإله والإنسان، فإنه كان يشغل مركزاً قيادياً في الجماعة. والواقع أن الديانة اليهودية، بتشابك شعائرها وتدخُّلها في صميم الحياة اليومية اليهودية، كما هو الحال في قوانين الطعام، كانت تثير كثيراً من المشاكل لليهودي فيضطر إلى اللجوء للحاخام بشكل متكرر. ومما ساعد على تَداخُل الحياة الدينية واليومية أن كثيراً من الحاخامات كانوا يعملون في مهن مختلفة مثل الاشتغال بالأعمال المالية المصرفية والتجارية. فسامسون فرتايمر كان من أهم المصرفيين في النمسا والمجر، ثم عُيِّن في منصـب الحاخام الأكبر للمجر بعد ذلك. كما أن المفهوم الحلولي للشريعة الشفوية، الذي تنفرد به الديانة اليهودية بين الديانات التوحيدية الأخرى، دعَّم مركز الحاخامات وخلع عليهم ضرباً من القداسة لأنهم مبشرو هذه الشريعة وحملة رايتها. كما أن البنية الحلولية في اليهودية التي جعلت الشعب أهم من الإله والشريعة الشفوية أهم من الشريعة المكتوبة، أضفت أهمية قصوى على مركز الحاخام، إذ أصبح أهم من التوراة نفسها (ما دام قادراً على تغييرها). ومن ناحية أخرى، فإن تحوُّل الجماعات اليهودية في الغرب إلى جماعات وظيفية وسيطة، أدَّى إلى تزايد نفوذ الحاخامات. فالطبقة الحاكمة عادةً ما تُقوِّي نفوذ قيادات الجماعة الوظيفية حتى يَسهُل استخدامها وتوظيفها لأداء مهامها. ومن ثم، كان الحاخامات يُعفَون من الضرائب، كما كانوا يلعبون دوراً أساسياً في تقديرها وجمعها. ولم يكن يباح للحاخام أن يتقاضى راتباً نظير ما كان يقوم به، فلجأ الفقه اليهودي إلى «التحلة» وإلى ما أسمَوه «سيخَار بطَّالاه»، أي «بدل بطالة» أو «ديمِّي بطَّالاه» أي «رسوم بطَّالة»، وهو تعويض عن الوقت الذي يقضيه الحاخام في عمله الديني والإداري.

 

وفي العصر الحديث، يُعطَى الحاخام مكافأة سنوية أو شهرية عن أعماله، ولكن يُنَص في العقد على أنه يتقاضى الأجر عن الأعمال التي يؤديها خلال الأسبوع، وهي أعمال غير دينية، ولا يتقاضى أجراً عن يوم السبت، أي اليوم الذي يلقي فيه الموعظة.

 

وكان تنظيم الحاخامات في أي بلد يتبع الشكل السياسي السائد فيه. فإذا كان البلد مقسَّـماً إلى إمارات صغـيرة يكون لكل إمارة حاخامها، أما إذا كانت السلطة مركزية فإنه كان يُعيَّن حاخام أكبر مثل الحاخام باشي في الدولة العثمانية، أو الآرش سيناجوجوس في بعض البلاد الأوربية في العصور الوسطى. وكان يوجد في إسبانيا، بعد توحيد شـبه جزيرة أيبريا، منصـب راب دي لاكـورتي، أي حاخـام البلاط، كما يوجد في بريطانيا الآن حاخام أكبر بينما لا يوجد مثل هذا المنصب في الولايات المتحدة بسبب طبيعة التنظيم المركزي في بريطانيا على عكس التنظيم الفيدرالي في الولايات المتحدة.

 

وقد حدثت تحولات عميقة في تعليم الحاخامات وسلطتهم في الغرب، إذ بدأت أهمية الحاخامات كقيادات في التراجع خلال القرن السادس عشر. ومع ظهور الممولين اليهود كنخبة قائدة تزايدت ثروتهم ونفوذهم، الأمر الذي أدَّى إلى تناقص نفوذ الحاخامات، كما حدث في فترة يهود البلاط حين كان يهودي البلاط القائد الفعلي. ولما ظهرت الحسيدية حل التساديك الحسيدي محل الحاخام (وكان الحسيديون ينادون على قائدهم بلفظ «ربي»). كما طرح دعاة حركة التنوير أنفسهم في عصر الانعتاق والإعتاق باعتبارهم القيادة الحقيقية، ثم جاءت الدولة القومية المركزية فقلصت نفوذ أية قيادة يهودية، إذ اضطلعت هي بكـل وظائفـهم تقريباً ولم يبق سـوى الوظـائف ذات الطابع الديني المحض. وحتى هذا وُضع تحت الرقابة الشديدة حتى تضمن الدولة أن يتجه ولاء اليهود نحوها. وفي فرنسا، كان يُعطَى للحاخامات أحياناً مضمون المواعظ التي يلقونها، ويُطلَب إليهم أن يعلموا أعضاء الجماعة اليهودية الولاء الكامل للدولة. كما تحوَّل الحاخامات في بعض البلاد إلى موظفين تابعين للحكومة يتلقون رواتبهم منها.

 

وكان الحاخامات يتلقون في الماضي تعليماً دينياً صرفاً تلمودياً ثم قبَّالياً في معظمه، وكانوا يشكلون الأرستقراطية الثقافية في الجيتو. ولكن مع عصر الإعتاق، أصرت الحكومات الغربية على أن يتلقى الحاخامات تعليماً علمانياً إلى جانب التعليم الديني، حتى يتسنى إصلاح اليهود واليهودية. ومع أوائل القرن التاسع عشر، ظهر جيل جديد من الحاخامات تعرَّفوا الثقافة الدنيوية، وكان هذا أمراً جديداً تماماً على اليهودية في الغرب. وقد قام هؤلاء بمحاولة إصلاح اليهودية من الداخل، وهم الذين قادوا كل الحركات الإصلاحية وأسسوا حركات فكرية مثل علم اليهودية. وقد ظهر في روسيا ما يُسمَّى «حاخامات التاج» من خريجي المدارس الدينية التي أسستها الحكومة. ولم يكن هؤلاء الحاخامات يتمسكون بشعائر الدين، بل ساهموا بشكل فعال في تحديث اليهودية وتفكيكها من الداخل، وكان بعضهم عملاء للحكومة. ويوجد الآن حاخامات لم يتلقوا تعليماً دينياً يؤهلهم لإصدار الفتاوى الدينية أو القيام بالمهام الدينية الأخرى مثل عقد الزواج، ولذا فهم ليسوا قضاة شرعيين (ديَّانيم: جمع «ديَّان»). وتوجد مدارس عليا وكليات خاصة يلتحق بها من يريد أن يضطلع بوظيفة الحاخام. ويختلف الإعداد الفكري والديني للحاخامات، من بلد لآخر، ومن مذهب ديني لآخر (إصلاحي أو محافظ أو أرثوذكسي).

 

وقد ضاقت وظيفة الحاخام وأصبحت مقصورة على الأمور الدينية في أواخر القرن التاسع عشر، كما أن وظيفته انفصلت عن وظيفة المرتل (حزان) تماماً. ولكن، مع تزايد معدلات علمنة اليهودية والمعبد اليهودي، بدأت تتسع وظيفة المعبد وتأخذ شكل النادي الاجتماعي للجماعة اليهودية التي تبحث عن شكل من أشكال التضامن الإثني والاجتماعي. ومن ثم، زادت أنشطة الحاخام الاجتماعية والسياسية وتنوعت. ونتيجةً لذلك، اتسعت وظيفة الحاخام، ونجده الآن يقوم بالإشراف على وظائف اجتماعية كانت خارج نطاق سلطته في الماضي. فمن الوظائف المهمة التي أصبح يقوم بها استشارات الزواج، حين تظهر مشاكل زوجية ولا يحب الزوجان أن يذهبا إلى محلل نفساني أو مستشار زواج مدني. وقد أصبحت وظيفة الحاخام في هذا (باستثناء الحاخامات الأرثوذكس) مثل وظيفة الواعظ البروتستانتي الذي يعطي الموعظة يوم الأحد، ويشرف على الأنشطة الاجتماعية لأعضاء الأبرشية ولا علاقة له بالجوانب الشرعية، مثل: الزواج والطلاق والدفن. لكن اتساع نطاق وظيفة الحاخام لا يعني زيادة هيبته أو نفوذه أو هيمنته، فقد أصبح موظفاً معيناً من قبل المصلين بطريقة ديموقراطية ويدفعون هم راتبه.

 

ولا يوجد زي يهودي خاص للحاخامات، فحاخامات يهود اليديشية يرتدون الزي الحسيدي الأسود الذي أخذوه عن النبلاء البولنديين. أما في إنجلترا، فهم يرتدون ملابس قساوسة الكنيسة الأنجليكانية. وكان بعض كبار الحاخامات يرتدون زياً يشبه أزياء أساقفة الكنيسة الأنجليكانية، أما في فرنسا، فهم يرتدون زياً يشبه زي الواعظ البروتستانتي فيها. وكان الحاخامات في الدولة العثمانية يرتدون الجبة والعمامة مثل الشيوخ. ويرتدي الحاخامات الإصلاحيون الزي الأوربي العادي، وإن كان بعضهم يرتدي زياً مختلفاً. وقد حوَّلت الحركة الصهيونية الحاخامات إلى ممثلين لها بين الجماعات اليهودية المختلفة، يقومون بحثّ المصلين على التبرع للدولة الصهيونية، وعلى ممارسة الضغط السياسي لصالحها. وقد اشتكى جرسون كوهين من أن كثيراً من يهود أمريكا يتصورون الآن أن إسرائيل معبدهم اليهودي وأن رئيس وزرائها حاخامهم الأكبر.

 

أما في إسرائيل نفسها، فإن دور الحاخامات قد تغيَّر وتبدل بشكل جوهري، وهذا يرجع إلى طبيعة الدولة الصهيونية نفسها، فقد فقـدوا كثيراً من وظائفهـم التقليدية لأن المعبد لم يَعُد مركزاً للحياة اليهودية، كما هو الحال في جميع أنحاء العالم، باعتبار أن الدولة الصهيونية كلها مركز لهذه الحياة. فالزواج مثلاً يقوم به المسئولون عنه، وهم مفوضون من قبَل دار الحاخامية. والجنازات تقوم بها أيضاً مؤسسات خاصة بذلك. كما أن زيارة المرضى لم تَعُد من مهامهم. لكل هذا، نجد أن كثيراً من الحاخامات الذين هاجروا إلى إسرائيل يضطرون إلى تغيير وظيفتهم، وشغل مناصب ووظائف جديدة. ولا تعترف دار الحاخامية في إسرائيل بالحاخامات الإصلاحيين أو المحافظين، ولا بعقود الزواج، أو مراسيم التهود التي يشرفون عليها، الأمر الذي يثير مشكلة الهوية اليهودية. هذا، وقد بدأت بعض الفرق اليهودية الإصلاحية والمحافظة في الولايات المتحدة في السماح للإناث بالاضطلاع بهذه المهمة. كما رُسِّم بعض الشواذ جنسياً حاخامات.

  • الاحد PM 06:01
    2021-04-25
  • 1102
Powered by: GateGold