المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 415457
يتصفح الموقع حاليا : 223

البحث

البحث

عرض المادة

فلافيـوس ميثراديتـس - بيكـو ديـللا ميرانـدولا (1463-1494)

فلافيـوس ميثراديتـس (القرن الخامس عشر)

Flavius Mithradites

هو صمويل بن نسيم الفراج من صقلية. تَنصَّر وتَسمَّى باسم جوليلموس (أي الصقلي) علَّم العربية والعبرية والآرامية في إيطاليا وفرنسا وألمانيا، وكان أحد مُعلمي بيكو ديللا ميراندولا. عُيِّن أستاذاً في روما وقام بترجمة عدة كتب من العربية والعبرية واليونانية إلى اللاتينية (وضمن ذلك أجزاء من القرآن). كما ترجم لديللا ميراندولا بعض التفاسير اليهودية للتوراة (المكتوبة بالعبرية)، وكتاباً لموسى بن ميمون عن البعث، وبعض الأعمال القبَّالية. وألقى موعظة أمام البابا عن عذاب المسيح على الصليب مستخدماً المدراش وبعض المصادر اليهودية. يُعدُّ ميثراديتس شخصية مهمة في تعريف العالم الغربي بالقبَّالاه ووضع أسس القبَّالاه المسيحية.

بيكـو ديـللا ميرانـدولا (1463-1494)

Pico della Mirandola

مفكر إيطالي من عصر النهضة، ويُعدُّ أبا القبَّالاه. وُلد لأسرة إقطاعية كانت تحكم مقاطعة ميراندولا وكونكورديا في شمال إيطاليا. درس العربية والعبرية على يد مُعلمين يهود، فترجم له دبلميديجو كتاب ابن رشد ، وتعلَّم العربية والآرامية على يد فلافيوس ميثراديتس، الذي ترجم له أيضاً عدداً لا بأس به من الكتابات القبَّالية، والتي تُعدُّ المصدر الأساسي لكتـابات ديللا ميراندولا القبَّالية. وديللا ميراندولا له كتاب في القبَّالاه، يُسمَّى استنتاجات قبَّالية حسب رأيه الخاص.

قضى ديللا ميراندولا جزءاً كبيراً من حياته في فلورنسة حيث أصبح، مع فيشينو، عضواً في أكاديمية فلورنسة الأفلوطينية وهناك قابل سافونا رولا. أهم أعماله كتاب الخطب (1486) وأهم الخطب خطبة عن كرامة الإنسان (باللاتينية: أورايتو دي هومينيس ديجنيتاتي oratio de hominis dignitate).

وفي عام 1486، قدَّم ديللا ميراندولا 900 أطروحة استقاها من كل فروع المعرفة للدفاع عن المسيحية، ودعا إلى مناظرة عامة بشأنها، وكان كثير من الأطروحات ذا نزعة قبَّالية واضحة. وقد أحست الكنيسة أن هذه الأطروحات مُهرطقة فمنعت المناظرة. وتُعدُّ هذه الأطروحات البداية الحقيقية للقبَّالاه المسيحية. وفي كتابه عن كرامة الإنسان ضم 13 أطروحة من هذه الأطروحات التي رفضتها الكنيسة. وتقول إحدى الأطروحات: "ليس بإمكان علم أن يجعلنا أكثر إيماناً بألوهية المسيح أكثر من القبَّالاه".

ويظهر أثر القبَّالاه اليهودية كذلك في كتابه هيبتايلوس (1489) وهو تفسير من سبعة مستويات للخلق، وكتابات ديللا ميراندولا مليئة بالإشارات إلى مؤلفين يهود مثل عزرا وليفي بن جرشوم.

كان ديللا ميراندولا لا يؤمن بأن كل الأساطير والمدارس الفلسفية واللاهوتية تحتوي على جزء من الحقيقة العالمية (الطبيعية)، وتستحق الدراسة والدفاع عنها (وهو ما يُسمَّى باللاتينية: بريسكوس ثيولوجوس priscus theologus). ولذا، كانت كتاباته تشير إلى كثير من المصادر مثل كتابات الهرمسية والأورفية والقبَّالية وكتابات فيثاغورث وأرسطو وأفلاطـون وزرادشـت وابن رشـد وابن سـينا (وغيرهما من الفلاسفة العرب). وكان ديللا ميراندولا يرى أنها كلها غير متناقضة، ومن ثم كان يبذل قصارى جهده للتوفيق بينها كلها في ديانة طبيعية عقلية عالمية واحدة، ولذا كان اهتمام ديللا ميراندولا ينصب في واقع الأمر إما على الكتابات الحلولية بالدرجة الأولى (مثل النصوص الهرمسية) أو على الجوانب الحلولية في النصوص التي يدرسها.

وديللا ميراندولا، شأنه شأن فيشينو، كان يرى أن أفلاطون تعلَّم الحكمة من الكتابات الهرمسية والزرادشتية والأورفية وغيرها من المصادر الشرقية. فالأفلاطونية بالنسبة له (وكما هو الحال بالنسبة لكثير من كُتَّاب عصر النهضة) هي في واقع الأمر أفلوطينية غنوصية. وتوجُّهه الحلولي يُفسِّر اهتمامه العميق بالهرمسية وبالكتابات القبَّالية اليهودية. وقد لاحظ ديللا ميراندولا التشابه بين الكتابات الهرمسية والقبَّالاه في فكرة الخلق من خلال الكلمة، فزاوج بين هذه الكتابات والقبَّالاه، فبدأ بذلك التقاليد الهرمسية/القبَّالية والحلولية الكمونية الواحدية التي تجمع بين اليهودية والمسيحية وأية عقيدة توحيدية أو وثنية حديثة أو قديمة (وهذا هو جوهر فكرة اللاهوت القديم). ولكن ديللا ميراندولا هو أول عالم مسيحي يستخدم أدبيات القبَّالاه اليهودية وإطارها المعرفي في تفسير النصوص المقدَّسة وفي رؤيته للعالم. بل كان ديللا ميراندولا يؤمن بأن الكتابات القبَّالية تحتوي على معرفة سرية ثمينة، فالقبَّالاه في تصوُّره تنبع من روايات شفوية قديمة موغلة في القدم تعود إلى أيام موسى (كان الظن السائد في عصر النهضة أن موسى وهرمس هما شخص واحد أو أن أحدهما تعلَّم من الآخر)، ولذا فالقبَّالاه ـ بالنسبة له ـ كانت ذات حجية تماثل حجية كتابات هرمس وزرادشت والكتاب المقدَّس. بل يمكن القول بأن القبَّالاه، لأنها «أصلية»، أقدم من الكتاب المقدَّس. ولأنها سرية، بمعنى أنها تحمل المعنى الباطني بشكل مباشر، ولذا فهي أكثر حجية من الكتاب المقدَّس نفسه. وقد حاول ديللا ميراندولا أن يُبيِّن أنه لا يوجد أيُّ فارق واضح بين القبَّالاه واللاهوت المسيحي (شأنها في هذا شأن العهد القديم). وأنه يمكن النظر للقبَّالاه باعتبارها رؤية تُبشر بالعقيدة المسيحية وبرهاناً على صدقها. وقد وضع بذلك الأساس للقبَّالاه المسيحية التي دافع عنها كثير من المفكرين المسيحيين في القرن السادس عشر وبعد ذلك.

ويتضح أثر القبَّالاه في بيكو ديللا ميراندولا في تفسيره للعهد القديم، فهو يستخدم التفسيرات الرقمية (الجماتريا) ويستخلص المعنى الباطني من النص بأن يُحل كلمة محل أخرى، شريطة أن تكون قيمتهما الرقمية واحدة. كما أنه يعطي الكتاب المقدَّس معاني تتماثل مع أجزاء الكون المختلفة (وثمة تقابل بين العالم وجسد الإنسان في القبَّالاه، وهنا أصبح التقابل بين العالم والكتاب المقدَّس). ويُلاحَظ هنا كيف أن الحلولية أصبحت النقطة التي تلتقي فيها اليهودية بالمسيحية ويذوبان سوياً (مع أية تيارات وكتابات دينية أخرى) ويصبحان ديانة طبيعية علمانية واحدة!

وتظهر رؤية ديللا ميراندولا الحلولية في رؤيته للإنسان والكون، فالطبيعة بالنسبة له هي كلٌ متصل تسري فيه الحياة (كما هو الحال عند جيوردانو برونو)، وأجزاء الكون هي أجزاء من الكل الكوني وحسب ليس لها وجود مستقل، والإنسان جزء لا يتجزأ من الكون تسري فيه القوة الكونية.

هذه الرؤية الحلولية تترجم نفسها دائماً إما إلى تمركُّز حول الموضوع (تأليه الطبيعة) أو تمركُّز حول الذات (تأليه الإنسان). وهي تأخذ الشكل الثاني في حالة بيكو ديللا ميراندولا. فالإنسان، لأنه جزء من الكون تسري فيه القوى الكونية، قادر على اختراق كل طبقات السماء من خلال قواه ليصل إلى المصدر الإلهي لكل الحياة. وهو، لهذا، يستطيع إعادة صياغة العالم وإعادة صياغة ذاته، فالإنسان يمكنه أن يصبح ما يريد وأن يشغل المكان الذي يريد في الكون حسب مقدرته ومن خلال معرفته الغنوصية (كان ديللا ميراندولا يؤمن تماماً بالمقدرات السحرية للنصوص القبَّالية والغنوصية).

وينسـب ديلـلا ميراندولا إلى الإله هـذه الكلمـات في خطـابه لآدم: «إرادتك حرة لا تحدها حدود. أنت الذي ستُقرر لطبيعتك حدودها. أنت صاحب المقدرة على أن تهبط إلى أدنى أشكال الحياة، وأنت أيضاً صاحب المقدرة على أن ُتولَد من جديد في أسمى الأشكال العليا ـ الإلهية». أي أن الإنسان من خلال مقدرته يمكنه أن يصبح إلهاً. وهو المنطق الهيجلي الحلولي نفسه الذي يزيل أي حاجز بين المقدَّس والزمني أو الدنيوي.

وقد لاحظ كاسيرر أن إنسان ديللا ميراندولا ليس سليل آدم (أعطاه الإله المعرفة) وإنما هو سليل بروميثيوس الذي سرق النار (والمعـرفة) من الآلهـة، أي أنه سـوبرمان وليـس إنساناً. ولكن، في الواقع، يمكن القول بأن ما يظهر هو ثنائية السوبرمان (ما فوق الإنسان) والسبمان (ما دون الإنسان). فالذين يصلون إلى المصدر الإلهي ومصاف الآلهة ويتألهون ليس كل البشر وإنما نخبة من أصحاب العرفان، أما بقية البشر فيعيشون في الطبقات الدنيا وعليهم الإذعان والامتثال لأصحاب الغنوص. ويغيب في ثنايا كل هذا الإنسان الإنسان، الثنائي المركب.

  • السبت AM 11:34
    2021-04-24
  • 865
Powered by: GateGold