المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 415457
يتصفح الموقع حاليا : 227

البحث

البحث

عرض المادة

الجولم

الجولم

Golem

««الجولم» في التراث الديني اليهودي هي الصورة الحية أو تلك الصورة التي مُنحت الحياة كنتيجة لاستخدام كلمات ذات قيمة سحرية وحلولية. وقد ظهر المُصطلَح في التوراة (الإصحاح 129/16) بمعنى المادة الجنينية غير المُشكَّلة. وبهذا المعنى يدعو التلمود آدم بالاسم «جولم» في ساعاته الأولى قبل أن تُنفَخ فيه الروح، وهذه المرحلة توصف بأنها المرحلة الثالثة في خلق آدم.

 

وتتم صناعة أو تخليق الجولم بصياغة المادة الخام أو الأرض أو الأدمة على الهيئة التي يرغبها الصانع ثم تُكتَب «الكلمة» أو «اسم الإله » على الرأس أو الموضع الأعلى، ومن ثم تكتسب المادة الخام القدرة على الحياة.

 

وحسبما جاء في الأساطير الشعبية للجماعات اليهودية في وسط أوربا وشرقها، يقوم الجولم بحمايتهم ومساعدتهم على التخلص من كثير من المصاعب، وهو الخادم المطيع الذي يسمع أوامرهم وينفذها، فالجولم لا يستطيع الكلام أو التعبير ولكنه مُنفِّذ لأوامر سيده. وثمة ارتباط بين كلٍّ من أسطورة الجولم ورؤى «الأبوكاليبس» ونهاية العالم، فمثلاً نلاحظ ازدهار الأساطير الجولمية في الوقت نفسه الذي ازدهرت فيـه رؤى الأبوكاليبـس والتبشـير بالخلاص. ففي نهاية العـصور الوسطى، مع ازدياد الإيمان بالسحر وازدياد الحاجة للخلاص وبداية تصاعد الحمى المشيحانية، انتشرت وسط جماعات يهود اليديشية أساطير الجولم وقدرة الخلق باستخدام الاسم أو الكلمة وقيل إن إلياهو الشلمي (وهو رجل دين عاش في القرن السادس عشر) قد خلق جولم باستخدام «اسم الإله الأعظم» حتى أنه لُقِّب بـ «سيد الاسم» أو «بعل شيم».

 

ومن أهم الشخصيات اليهودية المرتبطة بأسطورة الجولم في تاريخ يهود اليديشية الحاخام يهودا لوف البراغي (1513 ـ 1609). وقد ساعد هذا الجُولم الذي خلقه هذا الحاخام، كما تقول الحكايات، على إنقاذ اليهود من متاعب كثيرة وفضح كذب تهمة الدم التي وجهت إليهم. وقيل إن الحاخام قد خلق هذا الجولم بأمر إلهي، وكشف له في المنام عن الصيغة المقدَّسة لصياغة الجولم مع الأمر بأن تُشطَب تلك الصيغة عن الرأس يوم الجمعة لكيلا يُدنِّس الجولم السبت المقدَّس. ويُقال إن بقايا هذا الجولم ما زالت مدفونة تحت أنقاض معبد براغ القديم. ومن أشهر الذين قيل إنهم قاموا بتخليق الجولم كلٌّ من إلياهو (فقيه فلنا)، وإسرائيل بعل شيم طوف مؤسس الحسيدية.

 

ومن الملاحَظ أن الأدب الجولمي أو أدب الشخصيات المخلقة قد انتشر في نهاية القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين في وسط أوربا وشرقها (أي موطن يهود اليديشية) ونذكر على سبيل المثال قصة الجولم للبافاري جوستاف ميرينك وقصة «دراكيولا» ذات الأصل الترانسفالي وقصة فرانكنشتاين ذات الأصل البومراني (النسبة إلى مقاطعة حدودية تقع بين تشيكوسلوفاكيا وألمانيا وبولندا).

 

وقد ارتبط انتشار قصص الجولم وأساطير تخليقه بفترة ازدياد الاتجاه للعلمنة. فقبل القرن السادس عشر كان الجولم مجرد أسطورة تفسيرية، لكن الجولم تحوَّل بعدئذ إلى واقع متخيَّل. فهو تجسيد أسطورة الخلق العلمانية، فبالإمكان استخدام الاسم الأعظم أو «الكلمة» (أي المعرفة العلمية أو «القانون العلمي») لتكوين المخلوق، وهو الاتجاه نفسه الذي كان سائداً في أوربا منذ بداية عصر الإصلاح الديني حيث بدأ يسود الاعتقاد بأن الفرد (لا الكنيسة) هو موضع الحلول الإلهي وهو منقذ ذاته ومخلصها، وهي الفكرة التي أصبحت في السياق العلماني الإيمان بأن الإنسان مكتف بذاته وأنه العبد والمعبود والمعبد، وهو ما يمكن تسميته «تأله الإنسان». والجولم يعبِّر عن هذا الجانب من الحلم العلماني ولكنه يعبِّر في الوقت نفسه عن جانب آخر، وهو خوف الإنسان العلماني (وشكوكه العميقة) من هذه القوة التي ينسبها إلى نفسها. ولذا، فإن الجولم، شأنه شأن فرانكنشتاين، يمثل ازدواجية المنقذ المدمر. وهو، بالتالي، يتيح له إسقاط مخاوفه ومتاعبه على هذه الشخصية المُخلَّقة ويعطيه هذا إحساساً بالتجاوز وأيضاً إحساساً بالقدرة على الإنجاز في فترات عدم الإنجاز والانهيار الشامل. إن الجولم يجسد لكل فرد إمكانية أن يكون صانعاً للجولم في يوم ما أو أن يكون الإله أيضاً، وهو في الوقت نفسه الوسيلة التي يفرغ بها الإنسان مخاوفه من هذا الطريق الشيطاني. والجولم، بهذا المعنى، معادل وظيفي دنيوي للأيقونة المنقذة المدمرة، أو تلك الدمية التي يصنعها الساحر أو الشامان ويخزها ليدمر الآخر أو ينثر حولها البخور والقرابين ليقوي الذات ويُقدِّم رشوة للآلهة فيمكنه أن يسلبها قوتها أو يُسخِّرها لإرادته.ومن ثم يُمثِّل الجولم دعم الذات ودمار الآخر.وتُصبح الأسطورة في ذاتها مُولِّدة لأساطير أخرى ترتبط بها ويتم من خلالها تفسير سلوك الآخر في نظر الذات أو تفسير سلوك الذات في نظر الآخر.

  • السبت AM 11:28
    2021-04-24
  • 1403
Powered by: GateGold