المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 415413
يتصفح الموقع حاليا : 296

البحث

البحث

عرض المادة

الشـعب المختـار - أمــــــة الــــــروح

الشـعب المختـار
Chosen People
مصطلح «الشعب المختار» ترجمة للعبارة العبرية «هاعم هنفحار»، ويوجد معنى الاختيار في عبارة أخرى مثل: «أتَّا بحرتانو»، والتي تعني «اخترتنا أنت»، و «عم سيجولاه»، أو «عم نيحلاه» أي «شعب الإرث» أي «الشعب الكنز». وإيمان بعض اليهود بأنهم شعب مختار مقولة أساسية في النسق الديني اليهودي، وتعبير آخر عن الطبقة الحلولية التي تشكلت داخل التركيب الجيولوجي اليهودي وتراكمت فيه. والثالوث الحلولي مُكوَّن من الإله والأرض والشعب، فيحل الإله في الأرض، لتصبح أرضاً مقدَّسة ومركزاً للكون، ويحل في الشعب ليصبح شعباً مختاراً، ومقدَّساً وأزلياً (وهذه بعض سمات الإله). ولهذا السبب، يُشار إلى الشعب اليهودي بأنه «عم قادوش»، أي «الشعب المقدَّس» و«عم عولام» أي «الشعب الأزلي»، و«عم نيتسح»، أي «الشعب الأبدي». وقد جاء في سفر التثنية (14/2) "لأنك شعب مقدَّس للرب إلهك. وقد اختارك الرب لكي تكون له شعباً خاصاً فوق جميع الشعوب الذين على وجه الأرض". والفكرة نفسها تتواتر في سفر اللاويين (20/24، 26): "أنا الرب إلهكم الذي ميَّزكم من الشعوب... وتكونون لي قديسين لأني قدوس أنا الرب. وقد ميَّزتكـم من الشعـوب لتكونوا لي". ويشـكر اليهــودي إلهه في كل الصلــوات لاختيــاره الشعب اليهودي. وحينما يقع الاختيار على أحد المصلين لقــراءة التــوراة عليه أن يحمد الإله لاختياره هذا الشعـب دون الشعـوب الأخــرى، ولمنحه التوراة عـلامة على التميز.


وقد حاول كثير من حاخامات اليهود وكثير من فقهائهم ومفكريهم تفسير فكرة الاختيار، فجاءوا بتفسيرات كثيرة. ولكن، وبغض النظر عن مضمون التفسير، فإن فكرة الاختيار على وجه العموم تؤكد فكرة الانفصال والانعزال عن الآخرين (تعبير عن القداسة الناجمة عن الحلول الإلهي في الشعب). وقد جاء في التلمود أن جماعة يسرائيل يُشبَّهون بحبة الزيتون لأن الزيتون لا يمكن خلطه مع المواد الأخرى، وكذلك أعضاء جماعة يسرائيل يستحيل اختلاطهم مع الشعوب الأخرى. وقد كانت عملية التفسير هذه ضرورية، في الواقع، لأن أعضاء الشعب المختار المقدَّس، الذي يفترض أن الإله قد حل فيه، وجدوا أنهم من أصغر الشعوب في الشرق الأدنى القديم وأضعفها، ولم يكونوا بأية حال أكثرهـا رقياً أو تفوقاً، كما حـاقت بهـم عدة هزائم انتهت بالسـبي البابلي.

وقد وردت تفسيرات عدة للاختيار، هي في نهاية الأمر تعبير عن درجات متفاوتة من الحلول، فإن ازدادت النزعة الحلولية زادت القداسة في الشعب، ومن ثم زادت عزلته واختياره:

1 ـ الاختيار كعلامة على التفوق:

أ) لم يختر الإله اليهود بوصفهم شعباً وحسب، بل اختارهم كجماعة دينية قومية توحِّدها أفكارها وعقائدها، وقد عُرضت الرسالة على شعوب الأرض قاطبة، فرفضت هذه الشعوب حملها، وحملها الشعب اليهودي وحده. وقد حوَّلهم هذا الاختيار إلى مملكة من الكهنة والقديسين، وإلى أمة مقدَّسة تتداخل العناصر الدينية والقومية فيها. واختيار الإله لليهود هو جوهر العهد أو الميثاق المبرم بينه وبين إبراهيم (ولنقارن هذه الفكرة الحلولية، بالتصور الإسلامي التوحيدي العالمي، فقد عُرضت الرسالة على السماوات والأرض والجبال فأبيَّن أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان).

ب) يدل الاختيار على تفوق اليهود عرْقياً، فقد اختير إبراهيم لنقائه، واختير اليهود لأنهم من نسله. وقد جاء في التلمود ما يلي: "كل اليهود مقدَّسون.. كل اليهود أمراء.. لم تُخلَق الدنيا إلا لجماعة يسرائيل.. لا يُدْعى أحد أبناء الإله إلا جماعة يسرائيل.. لا يحب الإله أحداً إلا جماعة يسرائيل".

جـ) ويدل الاختيار على تفوق اليهود الأخلاقي، فقد اختار الإله الشعب اليهودي لأنه أول شعب يعبده وحده، أي أنه اختار الشعب لأن الشعب اختاره. وقد جاء في التلمود هذه الكلمات: "لماذا اختار الواحدُ القدوسُ تباركَ اسمُه جماعةَ يسرائيل، لأن... أعضاء جماعة يسرائيل اختاروا الواحد القدوس تبارك اسمه وتوراته".

ويمكن أن تنحسر النزعة الحلولية قليلاً بحيث يصبح الاختيار علامة على التفرد وحسب (لا على التفوق). وقد قلَّص أحد المفكرين الإسرائيليين نطاق فكرة الاختيار بحيث جعلها تنصرف إلى علاقة الشعب بالإله وحسب، لا إلى علاقة اليهود بكل البشر.

2 ـ الاختيار كتكليف ديني:

اختار الإله الشعب اليهودي حتى يكون خادماً له بين الشعوب، وليكون أداته التي يُصلح بها العالم ويوحد بها بين الشعوب. وهذا يعني أن الاختيار ليس ميزة وإنما هو تكليف إلهي يعني زيادة المسئوليات والأعباء: "إياكم فقط عرفت من جميع قبائل الأرض لذلك أعاقبكم على جميع ذنوبكم" (عاموس3/2)، وبالتالي يصبح اليهود "خدام الإله الطيعين". وكثيراً ما يُلاحَظ أن الأنبياء كانوا يعنفون الشعب لفساده الأخلاقي ولاتباعه طرق الشعوب الوثنية الأخرى، وفي هذا تأكيد للفكر التوحيدي. ومع هذا، يُلاحَظ أن الأنبياء، حتى في لحظات نقدهم للشعب اليهودي، كانوا ينطلقون من مقولة اصطفاء الشعب (وفي هذا تأكيد للرؤية الحلولية).

3 ـ الاختيار كأمر رباني وسر من الأسرار:

وأكثر التفسيرات تواتراً، على الأقل على المستوى الوجداني، هو أن الاختيار غير مشروط ولا سبب له، فهو من إرادة الإله التي لا ينبغي أن يتساءل عنها أي بشر، الإله الذي اختار الشعب ووعده بالأرض، وليس لأي إنسان أن يتدخل في هذا. وهذا هو تفسير راشي الذي كان متأثراً بالفكر الإقطاعي الغربي الوسيط والفكر المسيحي، فالاختيار هنا أمر ملكي على العبد الإذعان له وهو سر من الأسرار يشبه الأسرار المسيحية.

والاختيار، حسب هذا التفسير، لا علاقة له بالخير أو الشر، ولا بالطاعة أو المعصية، فهو لا يسقط عن الشعب اليهودي، حتى ولو أتى هذا الشعب بالمعصية، إذ أن حب الإله للشعب المختار يغلب على عدالته، ولذلك لن يرفض الإله شعبه كلية، في أي وقت من الأوقات مهما تكن شرور هذا الشعب. بل يدَّعي أحد المفسرين أن الإله هو الذي اختار الشعب اليهودي، فالاختيار مُـلزم له هو وحده وليس ملزماً للشعب (وهذا بخلاف المفهوم الإسلامي للاختيار حيث جعل الاختيار مشروطاً بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما أنه ليس اختياراً عنصرياً أو عرْقياً بل هو اختيار أخلاقي غير مقصور على أمة بعينها).

ورغـم أن أتباع كل جمـاعة دينية يرون أن ثمة علاقة خاصة تربطهم بالإله، وأنهم مختارون بشكل ما، فإن هذا التيار قد تعمق في اليهودية بشكل متطرف، وفَقَد الاختيار أي مضمون أخلاقي واكتسب أبعاداً عرْقية قومية، وتحوَّلت التجربة الدينية عند اليهود من تجربة فردية عمادها الضمير الفردي إلى تجربة جماعية عمادها الوعي القومي. ثم هيمنت القبَّالاه بالتدريج بحيث حولت الشعب اليهودي من مجرد شعب مختار إلى شعب يُعَدُّ جزءاً عضوياً من الذات الإلهية، فهو الشخيناه (التجسيد الأنثوي للحضرة الإلهية) التي تجلس إلى جواره على العرش وتشاركه السلطة.

وقد كانت النزعة الحلولية كامنة في داخل النسق الديني اليهودي، ولكن تحوُّل اليهود إلى جماعة وظيفية تعمل بالتجارة والربا زاد إحساسهم باختيارهم. فالجماعات الوظيفية، بسبب وضعها، يكون لديها دائماً إحساس بما يُسمَّى «مُركَّب الشعب المختار» لتبرر وضعها غير الإنساني كجماعة بشرية توجد داخل مجتمع ما ولا تنتمي إليه، فهي فيه وليست منه، تتعامل مع جماهير تُكِّن لها البغض والكراهية، لأنها تمثل مصالح النخبة الحاكمة. كما أن إحساس الجماعة الوظيفية بأنهم مقدَّسون وأن الآخر مدنَّس مُباح يُعمق الإحساس بالاختيار. وقد عبَّر التلمود عن هذا الوضع بمقارنة جماعة يسرائيل بخَدَم الملك. وهناك الكثيرون ممن يكرهون الملك، ولكنهم عاجزون عن الهجوم عليه، ولذا فهم يلومون خادم الملك ويهجمون عليه. فقد اختار الإله جماعة يسرائيل خادماً له، ولذا أصبحت محط حقد الأغيار الذين يهجمون عليها.

ولقد عززت أسطورة الشعب المختار من النزعة المشيحانية في الفكر الديني اليهودي، فكل عضو في أمة الكهنة والقديسين هو تجسيد حي للإله، وصوته من صوت هذا الإله، أي أنه نبي أو شبه نبي بالضرورة. وقد عززت فكرة الاختيار أيضاً الإحساس الزائف لأعضاء الجماعات اليهودية بوجودهم خارج التاريخ وبأن القوانين التاريخية التي تسري على الجميع لا تسري عليهم. ومن المعروف أنه كلما كانت تزداد حال الجماعات اليهودية سوءاً، كان أعضاؤها يزدادون إصراراً على فكرة الاختيار.

وفي العصر الحديث، حاول بعض المفكرين اليهود التخفيف من حدة مفهوم الشعب المختار. فقال ليو باييك إن كل شعب يتم اختياره ليكون له نصيب من تاريخ البشرية، ولكن حظ اليهود من هذا التاريخ أكبر من أي نصيب آخر. وقد تمرَّد دعاة حركة التنوير اليهودية، واليهودية الإصلاحية، على مفهوم الاختيار بمعناه العنصري والأخلاقي، وأحلوا محله فكرة الرسالة، ومفادها أن الإله شتَّت اليهود في أنحاء الأرض لا عقاباً لهم وإنما لينشروا رسالته وليصبحوا أداته في تحقيق السلام والخلاص. وقد تخلَّى التجديديون تماماً عن فكرة الاختيار. أما اليهـودية المحافظـة والأرثوذكسـية، فأبقت هذا المفهوم الديني وعمقته.

وتسيطر فكرة الشعب المختار، بعد علمنتها، على الفكر الصهيوني بجميع اتجاهاته. وقد أكد آحاد هعام، منطلقاً من المفاهيم النيتشوية الخاصة بالسوبرمان، أن اليهود أمة متفوقة («سوبر أمة» على حد قوله). وتحدَّث المفكر الصهيوني الاشتراكي نحمان سيركين عن اليهودي بوصفه البروليتاري الأزلي. أما لويس برانديز، فقد تحدَّث عنه بوصفه الديموقراطي الأزلي، أي أن اليهودي قد اختير منذ القدم ليؤدي رسالة أزلية اشتراكية عند الصهيوني الاشتراكي، وأزلية ديموقراطية ليبرالية عند الصهيوني الديموقراطي الليبرالي.

وقد صرح بن جوريون أن دولة إسرائيل تضم الشعب الكنز، ولهذا فإن بوسعها أن تصبح منارة لكل الأمم. وبإمكان المرء، حسب تصوُّر بن جوريون، أن يشير إلى ثلاثة عناصر فعالة في الدولة الصهيونية تلمح إلى المقدرة الأخلاقية والفكرية الكامنة في اليهود:
أ) الاستيطان العمالي للأرض.


ب) جيش الدفاع الإسرائيلي.

جـ) رجال العلم والفن والأدب، أي العبقرية اليهودية.

وبطبيعـة الحال، لم يذكر بن جوريون شـيئاً عن اغتصاب الصهاينة للأرض الفلسطينية وعن الإرهاب الصهيوني لأهلها. بل إن فلسفة بوبر الحوارية هي تعبير مصقول عن فكرة الاختيار، فالحوار الحق ممكن بين الإله واليهود، أساساً بسبب التشابه بينهما، وهو أمر ليس متاحاً لكل الأمم.

ومرة أخرى، تظهر فكرة الاختيار كسر من الأسرار الدينية في لاهوت موت الإله ولاهوت ما بعد أوشفيتس، الذي يجعل الإبادة النازية حدثاً كونياً لا يمكن سَبْر أغواره، ويجعل الدولة الصهيونية نقطة الخلاص التي يتجسد من خلالها الشعب المقدَّس. ولا يزالون في إسرائيل، وفي الأوساط الصهيونية، يتحدثون عن ذكاء اليهود، وعن النسبة غير العادية من اليهود الحاصلين على جوائز نوبل، باعتبار أن هذه الصفات الإيجابية نابعة من الخصوصية اليهودية أو الجوهر اليهودي أو الطبيعة اليهودية داخل الأفراد.

ولكن ثمـة تـياراً داخل الصهيونية يرى أن هدفها هو تطبيع اليهودي، أي تحويله من إنسان مقدَّس إلى إنسان سوِّي عادي يعيش في دولة قومية شأنه شأن الشعوب الأخرى.

وقد ساهمت فكرة الاختيار هذه في نشر كثير من الأوهام والشائعات عن أعضاء الجماعات اليهودية، مثل: بروتوكولات حكماء صهيون، والمؤامرة اليهودية الكبرى أو العالمية. وقد ظهر مؤخراً لاهوت التحرير الذي يقلِّص النزوع الحلولي. وبالتالي، يتحول مفهوم الاختيار من مفهوم مطلق وسر من الأسرار إلى عملية تكليف ديني وإلزام خُـلقي.

أمــــــة الــــــروح
Nation of the Spirit
«أمة الروح» بالعبرية «عم هاروَّح»، وهو مصطلح يطلقه اليهود على أنفسهم باعتبار أنهم أمة لا تعيش على أرض مشتركة، ولا تتحدث لغة واحدة، وإنما تتمركز حول التوراة والتراث اليهودي. وهي الصياغة الفريسية لليهودية التي استمرت منذ أن قام تيتوس بهدم الهيكل. ومفهوم أمة الروح مرتبط تماماً بمفهوم الشعب المختار والشعب اليهودي، وتستند الصهيونية الثقافية إلى هذا المفهوم. ولكن، رغم الزعم بأن الروح اليهودية تتمركز حول التوراة، إلا أن قارئ كتابات آحاد هعام ومارتن بوبر يُلاحظ أن العناصر الإثنية تشكل أساساً لهذه الروح، فالروح هنا هي روح الشعب العضوي اليهودي (فولك) التي لا تتحقق أو تعبِّر عن نفسها تاريخياً إلا في الأرض المقدَّسة. وهذه الأفكار تعود إلى كتابات الرومانسيين الألمان. ولذا، فليس من الغريب أن نجد بوبر يتحدث، مثل النازيين تماماً، عن التربة والدم والعرْق باعتبارها قيماً روحية مطلقة.


 

  • الخميس PM 09:52
    2021-04-22
  • 959
Powered by: GateGold