المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 414130
يتصفح الموقع حاليا : 263

البحث

البحث

عرض المادة

علاقة الجماعة اليهودية في الولايات المتحدة بالأمريكيين السود

علاقة الجماعة اليهودية في الولايات المتحدة بالأمريكيين السود
Relationship between the Jewish Community in the U.S.A. and Afro-Americans
حينما استوطن اليهود في الولايات المتحدة وفي غيرها من بلاد العالم الجديد، فإنهم جاءوا باعتبارهم مستوطنين غربيين بيضاً هاجروا إليها في إطارالتشكيل الاستعماري الاستيطاني الغربي (الأنجلو ساكسوني على وجه التحديد)، وهو تشكيل غربي أبيض يحاول غزو العالم وإخضاع سكانه من غير البيض. ولكن كان هناك علاقة خاصة بين أعضاء الجماعة اليهودية والسود تتحدد في أن كثيراً من تجار الرقيق كانوا من اليهود الذين قاموا بالاشتراك في عملية نقل السود من أفريقيا وتوطينهم في الولايات المتحدة.


وقد نشأ في الجنوب الأمريكي نظام المزارع (بالإنجليزية: «بلانتيشنز plantations»). وهو نظام زراعي تجاري شبه إقطاعي شبه عبودي يهدف إلى إنتاج السلع الزراعية بهدف الربح من خلال استخدام العمالة السوداء المكثفة التي كانت تُستجلَب من أفريقيا. وكان أعضاء الجماعة اليهودية جزءاً لا يتجزأ من التشكيل الاستيطاني الأبيض في الجنـوب الأمريكي، وخصوصاً أن أسـاس التصنيف فيه كان اللون وحسب، على عكس الشمال حيث كان التصنيف فيه يتم على أساس كلٍّ من اللون والدين. وقد امتلك أعضاء الجماعة العبيد وتاجروا فيهم، شأنهم في هذا شأن مختلف أعضاء المجتمع. وحينما اندلعت الحرب الأهلية الأمريكية أو حرب تحرير العبيد، كانت مشاركة القيادات اليهودية في الدعاية ضد الرقيق باهتة خافتة للغاية. ففي الجنوب، أيدت المؤسسة اليهودية (الدينية والاجتماعية) موقف الجنوب المطالب بالاستمرار في الحفاظ على مؤسسة الرق. وفي الشمال، لم تظهر شخصيات يهودية كثيرة معارضة لنظام الرقيق، باستثناء حالات فردية، وهو ما أثار حنق الأوساط الليبرالية ضدهم. ويُلاحَظ أن أهم شخصية يهودية آنذاك، وهو الحاخام إسحق وايز، لزم الصمت تماماً تجاه هذه القضية. ويبدو أنه، بعد إلغاء نظام الرق بشكل رسمي، وُضع السود (بعد تحريرهم) في أماكن دنيا من المجتمع الأمريكي بحيث أصبحوا بروليتاريا رخيصة لا يحق لها التعبير عن ثقافتها أو وجودها الحضاري، ومن ثم لم يكن هناك صراع مباشر أو خاص بين أعضاء الجماعة اليهودية البيض والأمريكيين السود.

ورغم وجود أسباب قوية للصراع بين الفريقين (لأسباب سنوضحها فيما بعد)، فإنه حينما بدأت حركة الحقوق المدنية في أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات، للدفاع عن حقوق الأمريكيين السود، كان هناك وجود يهودي ملحوظ فيها على مستوى القيادات والكوادر. ولعل هذا يعود إلى أن الجماعة اليهودية، شأنها في هذا شأن معظم الأقليات المهاجرة التي تعيش في المدن، تدين بالولاء للحزب الديموقراطي وتنحو منحىً ليبرالياً. كما أن أبناء الجيل الثالث من الأسر اليهودية المهاجرة كانت ولا شك قد تمت أمركتها وعلمنتها، ومن ثم فإنها بدأت تشعر بأزمة المعنى وتحاول العثور على حلٍّ لها، ولكنها لم تجده داخل الإطار اليهودي الذي كان قد تَبنَّى القيم البورجوازية الأمريكية، فانخرط الشباب اليهودي في صفوف اليسار وحركات حقوق الإنسان.

ولكن، مع أواخر الستينيات، بدأ التوتر يظهر بين أعضاء الجماعة وبين قيادات حركة السود الشابة، مثل اليهود السود والمسلمين السود والقوة السوداء، وأخذت الأمور في التدهور بحيث يمكن القول بأن العلاقة بين المؤسسة السوداء والمؤسسة اليهودية علاقة لا يمكن وصفها بأنها ودية. وثمة أسباب عديدة بنيوية لهذا التوتر وهذا العداء:

1 ـ من المعروف أن كلاًّ من الأمريكيين السود وأعضاء الجماعة اليهودية يتركزون في المدن الكبرى (الساحلية) جنباً إلى جنب، وهو ما يعني قدراً كبيراً من الاحتكاك ومن ثم التوتر.

2 ـ وهناك نمط أساسي للحراك الاجتماعي في الولايات المتحدة وهو أن قطاعات كبيرة من الجماعات المهاجرة تقطن أحياء فقيرة في المدن السـاحليـة بعض الوقـت، إلى أن تثبت أقدامها وتحقق الحراك الاجتماعي، فتترك الجيتو وقاع المدينة المظلم وتنتقل إلى أحياء الطبقة الوسطى في الضواحي المنيرة. وهذا ما حدث للمهاجرين اليهود (سواء من أصل ألماني أم من أصل يديشي) وهو أيضاً ما حدث للإيطاليين وغيرهم. وقد أدَّى استقرار أعضاء الجماعة اليهودية في الضواحي إلى إضعاف علاقتهم ببقية أعضاء الأقليات وتقوية علاقتهم بالنخبة الحاكمة، وقد فَقَدت الجماعة اليهودية ليبراليتها التقليدية وتضامنها مع الأقليات المضطهدة. ولا شك في أن الحراك الذي حققه أعضاء الجماعة اليهودية ولَّد كثيراً من المرارة في نفـوس السـود لأنهـم حضروا قبـل المهاجرين اليهود. ومع هـذا، فبينما ساعدت المؤسسات الأمريكية البيضاء اليهود على الحراك، باعتبارهم بيضاً، فإنها بذلت أقصى جهدها للتمييز ضد السود حتى أصبح السود جماعة وظيفية بلا وظيفة، طبقة بلا دور ولا هوية، وذلك باعتبار أن الهوية الأمريكية البيضاء موصدة دونهم.

3 ـ ومما يجدر ذكره أن أعضاء الجماعة اليهودية ليسوا الهدف الأول للعنصرية الأمريكية حيث توجِّه هذه العنصرية طاقاتها وسمَّها نحو السود (وربما العرب المسلمين) وهي لا تتوجه نحو اليهود إلا في بعض الأوساط العنصرية الهامشية المتطرفة. ومع هذا، لاحَظ الزعماء الأمريكيون السود أن أعضاء الجماعة اليهودية عندهم حساسية بالغة تجاه أية ملاحظات قد تُشتم منها معاداة اليهود. إنَّ هذا الاتجاه عند بعض أعضاء الجماعات اليهودية نحو احتكار دور الضحية الأزلية، وإنكار هذا الدور على أعضاء الأقليات الأخرى، ساهم ولا شك في تصعيد التوتر. فالإعلام الأمريكي، الذي يتسم بوجود يهودي ملحوظ فيه، يركز على الإبادة النازية ليهود أوربا وكأنها عملية اضطهاد وإبادة تمت بالأمس أو منذ دقائق، دون أي اكتراث بما تم بعد ذلك من مذابح واستغلال وإهانة لأعضاء الأقليات الأخرى، ودون أي اهتمام بالأمريكيين السود الذين يعيشون داخل المجتمع الأمريكي، وعلى بُعد خطوات من استوديوهات التليفزيون التي تتجاهلهم.كما يشير الزعماء الأمريكيون السود إلى أن السينما الأمريكية التي لعب بعض أعضاء الجماعة اليهودية دوراً ملحوظاً في تأسيسها ثم الهيمنة عليها، ساهمت في ترويج الصور الإدراكية السلبية عن السود باعتبارهم كسالى ومحبين للهو.

4 ـ وحينما حقق أعضاء الجماعة اليهودية الحراك الاجتماعي، تركوا حياً مثل هارلم، فشغله الأمريكيون السود، حتى أصبح السكان من السود بينما ظل أصحاب العقارات وصغار الملاك وأصحاب محلات الرهونات في الأحياء السوداء من أعضاء الجماعة اليهودية، أي أن اليهودي أصبح الممثِّل الأساسي للمؤسسة البيضاء في أحياء السود، وهذا يؤدي بطبيعة الحال إلى درجة غير عادية من الاحتكاك يلعب فيها اليهود دور المستغل المباشر وهو ما يُولِّد الكثير من التوتر.

5 ـ ظهرت جماعات المسلمين السود والقوة السوداء ممن يرون أن أعضاء الجماعة اليهودية يشكلون قطاعاً مهماً في المؤسسة الحاكمة المستغلة. بل إنهم يذهبون إلى أن اليهود يشكلون جسماً استغلالياً غريباً أبيض يقوم بامتصاص دم الجيتو الأسود وتصدير فائض القيمة خارجه، ومن ثم يعوقون ظهور رأسمالية أمريكية سوداء. والواقع أن رؤية هذه الجماعات السوداء لليهود لا تختلف كثيراً عن رؤية العرب لإسرائيل.

6 ـ وجدت القيادات السوداء أن أعضاء الجماعة اليهودية يحاولون الحفاظ على مواقعهم المتقدمة التي شغلوها في المجتمع، وعبَّروا عن مخاوفهم من أن واقع تحسين أحوال السود سيكون على حسابهم. وقد تجلَّى ذلك في مدارس نيويورك حينما تقرر أن يُفتَح الباب لتجنيد أعداد أكبر من المدرسين السود، فنظم اتحاد المدرسين الذي كان يضم أغلبية يهودية ساحقة إضراباً للاحتجاج على هذه الخطوة. ويمكن القول بأن القطيعة أخذت شكلها النهائي عام 1966 حين صوت 55% من يهود نيويورك ضد تشكيل لجنة تحقيق بشأن نشاط رجال الشرطة وسلوكهم بينما أيدت ذلك أغلبية السود. واستمر هذا النمط وهيمن وازداد حدة، فنجد أن قيادة الجماعة اليهودية تعارض نظام النصاب في التعليم، أي تخصيص نسبة معيَّنة للأقليات التي أضيرت من التمييز ضدها في الماضي، كما ترفض نظام المعاملة الأفضل لأعضاء الأقليات في التعيين في الوظائف، وهو ما يُسمَّى «العمل الإيجابي» (بالإنجليزية: الأفيرماتيف آكشن affirmative action)، وذلك بحجة أن نظام النصاب والمعاملة الأفضل هو شكل من أشكال التمييز العنصري لصالح السود وضد اليهود.

7 ـ في أعقاب أحداث لوس أنجلوس، أشار بنيامين هوكس، مدير الجمعية الوطنية للارتقاء بالملونين، إلى التحول الذي طرأ على النظام الرأسمالي الذي انتقل في تصوُّره من التركيز على الصناعة والإنتاج إلى رأسمالية المضاربات بما تؤدي إليه من بطالة. وقال: مهما كان الرأسماليون قساة في الماضي، فإنهم كانوا على الأقل يشيدون السكك الحديدية ويصنعون البواخر ويقطعون الغابات ويصنعون شيئاً.. أما الآن فليس لدينا سوى حفنة من فناني النصب في وول ستريت ممن يتاجرون بالنقـود جيئة وذهاباً ويكسـبون بلايين الدولارات على حساب صغار النـاس.

وقد يبدو هذا الحديث وكأنه حديث عام عن تحوُّل الرأسمالية الأمريكية، من رأسمالية صناعية إلى رأسمالية مالية، وهو بالفعل كذلك، ولكن يجب فك شفرة هذا الخطاب من داخل النسق الأمريكي نفسه. فرأسمالية المضاربات هذه يتركز فيها أعضاء الجماعات اليهودية بشكل واضح. ولعل بنيامين هوكس قد أحجم عن ذكر ذلك مباشرةً حتى لا يُتَهم بمعاداة اليهود، السيف المصلت، ولكن كل من يقرأ هذه الكلمات ويدرك المعاني بين السطور يعرف تماماً معناها الحقيقي.

8 ـ تزامن ذلك مع تزايد الهيمنة الصهيونية التي تطرح كل شيء من منظور يهودي ضيق، والتي تؤكد اقتران مصالح اليهود بمصالح إسرائيل وبالتالي تُبعد أعضاء الجماعة اليهودية عن القضايا التي تمس الطوائف الأخرى، كما تبعدهم عن أية تحالفات ذات طابع ثوري قد تتعارض مع مصلحة إسرائيل. ومعظم التحالفات ذات التوجه الاجتماعي الثوري، أو شبه الثوري، عادةً ما تكون ضد سياسة الحرب الباردة وضد تصعيد التسلح، كما أنها تقف ضد محاولة فرض السلام الأمريكي على العالم لأن مثل هذه السياسة تعني توجيه معظم الاعتمادات للتسلح وللمعونات الأجنبية للحكومات «الصديقة» (أي التي تساعد على تنفيذ سياسة الولايات المتحدة الخارجية) وتقليص الاعتمادات اللازمة لتنفيذ برامج الرفاه الاجتماعي. ومن ثم، فإن هذه التحالفات تتبنَّى سياسات خارجية تتناقض موضوعياً مع مصلحة إسرائيل التي تستمد وجودها من الحرب الباردة، ومن كون الولايات المتحدة قوة إمبريالية عظمى تسعى إلى أن تلعب دوراً نشيطاً مهيمناً في كل أنحاء العالم.

9 ـ بدأت الأقلية السوداء في الولايات المتحدة ترى هويتها في سياق أفريقي ينحاز إلى العالم الثالث. ولذا، أصبح منظورها السياسي مختلفاً تماماً عن المنظور الصهيوني الذي يتبناه أعضاء الجماعة اليهودية، وخصوصاً أن الدولة الصهيونية من أكثر الدول تعاوناً مع جنوب أفريقيا. كما أن تَزايُد التعاطف في صفوف الأمريكيين السود مع الفلسطينيين، وخصوصاً بعد الانتفاضة، يزيد حدة التوتر. وقد تَفجَّر هذا التوتر حين صرح الزعيم الأفريقي مانديلا بأنه يساند حق الشعب الفلسطيني في دولة مستقلة.

10 ـ تزايد نفوذ الأقلية السوداء، حيث أصبحت تطالب بنصيب في السلطة يتناسب مع قوتها العددية، الأمر الذي يهدد مكانة أعضاء الجماعة اليهودية.

11 ـ كانت حركة الحقوق المدنية، من الناحية الأساسية، حركة سوداء يقودها اليهود مع بعض السود. ومع نضج أعضاء الجماعة السوداء في الولايات المتحدة، حاولت الحركة أن تتولى قيادة نفسها بنفسها وهو ما كان يعني تنحية اليهود عن قيادتهم، وخصوصاً بعد ظهور قيادات شابة جديدة (مثل جيسي جاكسون وفراخان) غير متعاطفة مع القيادات القديمة التي كانت تؤيد المؤسسة الليبرالية البيضاء وإسرائيل دون مناقشة (مثل بايارد راستين). وربما كان أندرو يونج نموذجاً جيِّداً لهذه القيادات الشابة، فقد أخذ بزمام المبادرة حين كان رئيساً للوفد الأمريكي في هيئة الأمم المتحدة، وقام بترتيب مقابلة مع مندوب منظمة التحرير الفلسطينية، ولكنه فقد منصبه في أعقاب ذلك بضغط من الجماعة اليهودية، الأمر الذي أثار حفيظة الجماعة السوداء.

12 ـ تزامن ذلك مع ظهور الجمعيات الأصولية المسيحية (الرجعية البيضاء) التي تجعل إسرائيل (الشعب والدولة) محور رؤيتها للخلاص، وترى قيام الدولة الصهيونية إحدى العلامات على اقترابه. وتفسر هذه الجمعيات الكتاب المقدَّس تفسيراً حرفياً ضيقاً، ومستخلصةً من ذلك برنامجاً سياسياً صهيونياً مؤيداً لإسرائيل وإن كان داخله كره عميق لليهود ورفض لهم. وإذا أضفنا إلى ذلك سياسة إسرائيل المؤيدة لأمريكا في عصر نيكسون وريجان، واشتراكها بنشاط في الحرب الباردة (باعتبار أن أي انفراج دولي قد يؤثر في أهميتها الإستراتيجية للغرب ويزيد أهمية العرب ويخلق رقعة مشتركة بين العرب والولايات المتحدة)، فيمكن فهم أسباب ابتعاد الجماعة اليهودية تدريجياً عن الأقليات الأخرى وعن القيم الليبرالية واكتساب سمات رجعية ومحافظة حتى فَقَد اليهود ليبراليتهم التقليدية. وأصبحت مجلة كومنتاري التي تصدرها اللجنة الأمريكية اليهودية (وهي مجلة ذات تراث ليبرالي) منبراً للمدافعين عن الحرب الباردة وسياسة التشدُّد مع الاتحاد السوفيتي.

وليس من المتوقع أن يزول الصراع بين الجماعتين، فقد تخف حدته، وقد تُعقَد اجتماعات تنتهي بإصدار بيانات ودية، ولكن إزالة أسباب هذا الصراع مسألة غير ممكنة فهو يشكل جزءاً من بنية المجتمع الأمريكي. وقد وقعت عدة حوادث في المدن الأمريكية التي تضم أعداداً كبيرة من الأمريكيين اليهود والسود تبيَّن أن الاتجاه العام يميل إلى تَصاعُد التوتر بل الصدام.

  • الاربعاء PM 02:55
    2021-04-21
  • 1076
Powered by: GateGold