المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 414140
يتصفح الموقع حاليا : 173

البحث

البحث

عرض المادة

اليهود الجدد أو الأمريكيون اليهود (1945-1970)

اليهود الجدد أو الأمريكيون اليهود (1945-1970)
(Neo-Jews or Jewish Americans (1945-1970
تخلت الولايات المتحدة في هذه المرحلة تماماً عن سياستها الانعزالية وأصبحت قائد العالم الغربي بلا منازع. وازداد المجتمع الأمريكي علمانية وازدادت العلمانية شمولاً، وتم فصل الدين عن الدولة تماماً إذ وضعت المحكمة الدستورية العليا عام 1947 أسس هذا الفصل الحاد، فقد أعلنت المحكمة أن الحكومة الفيدرالية أو المحلية ليس بإمكانها أن تصدر قوانين من شأنها مساعدة أيٍّ من الديانات، ولا أن تُفضِّل ديانة على الديانات الأخرى. وترسخت فكرة الحقوق المدنية، وبدأت الأقلية السوداء تطالب بحقوقها مع أوائل الستينيات، وظهرت حركة الحقوق المدنية. وتُسمَّى هذه الفترة «فترة الوفرة» التي اتسمت بضعف الأواصر الاجتماعية والقيم الدينية، وتزايد معدلات العلمنة، وتوجُّه المجتمـع الأمريكي، بشـكل حـاد وبدون أي تردد، نحو اللذة والمنفعة.


وقد تحوَّلت الجماعة اليهودية إلى جماعة أمريكية تماماً، المولودون فيها أكثر من المهاجرين إليها، وأصبحوا أساساً أعضاء في الطبقة الوسطى الأمريكية التي تسكن الضواحي، وذابت كل علامات التميز الحضاري. ويرى علماء الاجتماع أن ثمة تقسيماً ثلاثياً يحكم المجتمع الأمريكي وهو أنه مجتمع تحكمه ديانات ثلاث، هي: البروتستانتية والكاثوليكية واليهودية، وهو ما يعني عمق قبول اليهودية.

ومع نهاية الحرب العالمية الثانية، استمرت الحكومة في رفض السماح لأيٍّ من المهاجرين الجدد بدخول الولايات المتحدة. ومع هذا، صدر تشريع يسمح لبعض المُرحَّلين اليهود بالاستقرار. ودخل بالفعل ثلاثة وستون ألف يهودي، وكانت مجموعة غير متجانسة صغيرة العدد. ولذا، فإنها لم تُغيِّر الطابع العام الذي اتسمت به الجماعة اليهودية التي كانت قد تحدَّدت سماتها الأساسية واستقرت. وكان مجموع المهاجرين في الفترة من 1944 حتى 1959 لا يزيد على 191.693 إلى أن تم إلغاء القوانين التي تحد من الهجرة عام 1965. وبلغ عدد المهاجرين في الفترة من 1960 إلى 1968 نحو 73 ألف مهاجر يهودي، معظمهم جاء من إسرائيل بعد عام 1957، ومن الشرق الأوسط وكوبا، وإن كان الجميع ينتمون لأصل أوربي.

ارتفـع عـدد أعضاء الجماعة اليهودية إلى 5.200.000 عام 1957، ووصل إلى 6.000.000 عام 1970، وهذا يعني أن عدد أعضاء الجماعة اليهودية كان آخذاً في التناقص بالنسبة لعدد السكان، وأن زيادتهم الطبيعية في الفترة من 1945 حتى عام 1969، أي خلال نحو خمسة وعشرين عاماً، لم تزد عن نحو 700 ألف (وذلك بطرح عدد المهاجرين). وتسبب هذه الاتجاهات السكانية، التي أصبحت اتجاهات ثابتة، كثيراً من القلق في الأوساط اليهودية، وخصوصاً إذا تمت رؤيتها في سياق معدلات الاندماج المتزايدة والزواج المُختلَط.

وتوجد معظم الجماعات اليهودية في المدن الكبرى، ذلك أن أربعين بالمائة من كل اليهود يعيشون في نيويورك وحولها كما كان الحال منذ عام 1900. وبلغ عدد اليهود الذين يعيشون في نيويورك العظمى أي في نيويورك والضواحي المحيطة بها وشمال شرق نيوجرسي، وفي المدن التسع الكبرى (لوس أنجلوس ـ شيكاغو ـ فيلادلفيا ـ بوسطن ـ ميامي ـ واشنطن ـ كليفلاند ـ بلتيمور ـ ديترويت) نحو 75% من كل أعضاء الجماعة اليهودية.

ويُلاحَظ أن أعضاء الجماعة اليهودية لا يسكنون المدن نفسها وإنما يقطنون خارجها في الضواحي، وهذا من علامات الثراء المتوسط إذ لا يسكن المدن الكبرى سوى الفقراء (من السود والبورتوريكيين) أو كبار الأثرياء من المليونيرات. ولا توجد ضواح مقصورة على اليهود فما يحدد موقع السكنى في الوقت الحاضر مقياسان ماديان أحدهما الدخل والآخر لون الجلد، ولم يَعُد الانتماء الديني أساساً للتصنيف. والواقع أن أعضاء الجماعة اليهودية يُصنَّفون ضمن الأقليات البيضاء في الولايات المتحدة، وتنتمي أغلبيتهم إلى شريحة عليا من الطبقة الوسطى.

ومن الاتجاهات الجديدة التي شهدتها هذه الفترة زيادة عدد أعضاء الجماعة اليهودية في لوس أنجلوس، ففي عام 1945 كان عددهم يبلغ 150 ألفاً، زاد إلى 510 آلاف عام 1968. والشيء نفسه ينطبق على ميامي إذ زاد العدد من 7500 عام 1937 إلى 40 ألفاً عام 1948 و150 ألفاً عام 1970، وإن كان معظم اليهود هناك من العجائز. وحركة أعضاء الجماعة اليهودية إلى كاليفورنيا وميامي ليست مقصورة علىهم وإنما كانت جزءاً من اتجاه قومي أمريكي عام، حيث هاجر الكثيرون من وسط القارة الأمريكية إلى السواحل. ولذلك، نجد أن يهود شيكاغو قد انخفض عددهم من 333 ألفاً عام 1946 إلى 285 ألفاً عام 1969.

وفيما يخص الهيكل الوظيفي والمهني لأعضاء الجماعة اليهودية، فقد شهدت الفترة بعد عام 1945 تَعمُّق الاتجاهات التي شاهدنا ظهورها في المرحلة السابقة، إذ زاد عدد اليهود المشتغلين بالمهن في الطب والتدريس بالجامعات وداخل البيروقراطية الحكومية في جهاز الموظفين وتناقص عدد العمال المهرة وغير المهرة بنسبة كبيرة بحيث لا يكاد يوجد أي يهود بين عمال النقل وعمال المناجم. كما لا يوجد يهود في صناعة الأخشاب والتعدين والنقل كما كان الحال في الماضي، وتناقص عدد الفلاحين اليهود بحيث كاد ينعدم، كما تناقص عددهم في صناعة الملابس، أي أن ميراثهم الاقتصادي الأوربي اختفى تماماً. ويمكن القول بأن ظهور المهني اليهودي هو السمة الأساسية لهذه الفترة. فعلى سبيل المثال، زاد عدد المهنيين في إحدى المدن الأمريكية (تشارلستون) أربعة أضعاف بين منتصف الثلاثينيات وعام 1948، وزاد عدد المهنيين في لوس أنجلوس في الفترة من 1941 إلى 1959 من 11% إلى 25%. ويظهر هذا في بروز شخصيات يهودية في مجالات التربية والعلوم والقضاء والمحاسبة، وفي زيادة عددهم في مجالات الترفيه والإعلام والنشر. وزاد عدد أعضاء الجماعة اليهودية الذين يعملون كوسطاء في مجالات تجارة القطاعي والبناء والعقارات في المدن الكبرى والترفيه وعالم المال والأسهم والسندات والصناعة وقطاع الإعلام والسينما والمسرح (نشر ـ معاهد موسيقية ـ مراكز ثقافية). وبينهم عدد من كبار أصحاب المزارع والمصانع في قطاع الصناعة الزراعية. ويُلاحَظ تركُّز الرأسماليين من أعضاء الجماعة اليهودية في الخدمات الاستهلاكية وفي الصناعات الخفيفة وصناعات القطاع الوسط (صناعة الملابس وصناعة الفراء والمجوهرات والمشروبات الروحية وصناعة السينما). وهذا يدل على أن ميراثهم الاقتصادي اليديشي ووضعهم كمهاجرين لا يزال له أثر في نمط حراكهم. و« يسيطر » الرأسماليون من أعضاء الجماعة اليهودية على بعض هذه الصناعات. ولكن إلى جانب هذا يُلاحَظ غياب الرأسماليين من أعضاء الجماعة اليهودية عن الصناعات الثقيلة، إذ تظل هذه الأخيرة (الفحم والفولاذ والمصارف والنفط والسيارات والسفن ووسائل المواصلات) في أيدي الواسب، أي البروتستانت البيض، وهم أعضاء النخبة الاقتصادية والسياسية الذين يتحكمون في العصب الأساسي للاقتصاد الأمريكي الذي يشكل مصدر النفوذ السياسي الحقيقي. وقد يكون من المفيد أن نذكر، في هذا المضمار، أن المصارف الكبرى في الولايات المتحدة، وعددها خمسة وأربعون، لا يشغل اليهود المناصب العليا فيها إلا في خمسة مصارف. ويظل أغلبية اليهود ميسوري الحال أعضاء في الطبقة الوسطى من أصحاب الياقات البيضاء ممن يسكنون المدن أو ضواحيها، وهـو ما يعني بروزهم ولمعانهم دون أن تكـون لهـم قوة اقتصـادية حقيقـية.

ويمكن القول بأن الهرم الوظيفي بالنسبة ليهود أمريكا مختلف عن الهرم الوظيفي القومي الأمريكي. ففي عام 1960، بلغ عدد المهنيين بين اليهود 25% (مقابل 23% بين الأمريكيين ككل) و بلغ عدد الملاك والمديرين وأصحاب العمل 30% (مقابل 10.7% بين الأمريكيين ككل)، و25% كانوا يعملون في الوظائف الكتابية وعمليات البيع. أما الـ 20% الباقية، فثلاثة أرباعهم كانوا عمالاً مهرة وغير مهرة وحرفيين. ويُلاحَظ زيادة عدد المهنيين اليهود، وهو ما يعني زيادة اقتراب الجماعة اليهودية من السلطة ومن صانع القرار، إذ نجد عدداً كبيراً منهم في واشنطن مسـتشـارين للحكومـة ولأعضاء الكونجـرس وفي عديد من اللجان والوظائف. ويبدو أن متوسط دخل الفرد اليهودي أعلى من متوسط دخل أعضاء المجموعات الدينية والإثنية الأخرى.

ولكن أعضاء الجماعة اليهودية بغض النظر عن مدى فقرهم أو ثرائهم أو تميُّزهم الوظيفي أو مدى صهيونيتهم أو عدمها، أصبحوا جزءاً عضوياً من الاقتصاد الأمريكي. فالرأسماليون الأمريكيون اليهود لا يشكلون رأسمالية يهودية لها حركية مستقلة، وهم ليسوا رأسماليين يهوداً وإنما هم رأسماليون أمريكيون يهود (أو رأسماليون أمريكيون من أعضاء الجماعة اليهودية) ويشكلون جزءاً من الاقتصاد الأمريكي وينحصر ولاؤهم في رأس المال، وهذا الولاء هو الذي يحدد سلوكهم. وما يحدِّد حركية رأس المال الذي يملكه اليهود ليس تطلعاتهم الدينية أو الصهيونية وإنما حركية الاقتصاد الرأسمالي الأمريكي العامة والمنظومة القيمية المادية النفعية.

وكذلك أيضاً المهني اليهودي، فمما لا شك فيه، كما بيَّنا، أن زيادة عدد المهنيين من أعضاء الجماعة اليهودية يعني في واقع الأمر ازدياد أعضاء الجماعة اقتراباً من السلطة وصانع القرار وتأثيراً فيها. ولكنهم، مع هذا، يظلون أقلية عددية صغيرة، وهو ما يعني أن هيمنتهم تظل محدودة. وحينما يصل أحد أعضاء الجماعة اليهودية إلى القمة، فإن الطريق يكون مفتوحاً أمامه وهو يمارس نفوذه في دولة لها إستراتيجيتها العامة ولها مؤسساتها الثابتة وقوانينها المستقرة وأجهزتها التنفيذية ذات السطوة، وهو ما يعني أنه سيظل أساساً جزءاً من الكل الأمريكي حتى في مكانه القيادي. وهو سيحقق البروز وسيصل إلى مكانة قيادية بمقدار ما يخدم مصالح المؤسسة. إن الرأسمالي اليهودي، مثل المهني اليهودي، يشكل كل منهما نقطة في مجتمع يشبه البحر الضخم المتلاطم ذا الحركية المستقلة الواضحة. ومن الصعب على أعضاء أية أقلية، أياً ما بلغ نفوذها وقوتها، الهيمنة عليه وتوظيفه لخدمة مصالحها، وخصوصاً إن تعارضت هذه المصالح مع الاتجاه العام. لكن هذا لا يعني انعدام المقدرة على التأثير، وخصوصاً فيما يخص التفاصيل، وهو أمر يختلف عن التوظيف الكامل وتغيير الاتجاه.

وقد طُرحت قضية الصهيونية على الجماعة اليهودية المندمجة وتم حسمها بعد عام 1948 لصالح الصهيونية، وحسب شروط يهود أمريكا الجدد الذين اعتنقت أغلبيتهم الصهيونية، ولكنها لم تكن على أية حال الصهيونية الاستيطانية ذات الجذور الشرق أوربية التي تطلب من اليهود التخلي عن وطنهم والهجرة إلى فلسطين والاستيطان فيها. إنها صهيونية توطينية تترجم نفسها إلى دعم مالي وسياسي للمُستوطَن الصهيوني، وتكتفي بممارسة الضغط السياسي على الحكومة الأمريكية لصالح دولة إسرائيل (وإن كانت المسألة لا تستدعي ضغطاً كبيراً). وقد سارعت الحكومة الأمريكية إلى تأييد قرار التقسيم ثم الاعتراف بالدولة، وهي تراها الآن حليفاً إستراتيجياً وتدفع معونات ضخمة لها. ولا تترجم هذه الصهيونية نفسها إلى هجرة أو استيطان إلا في القليل النادر، فهي تترجم نفسها إلى رموز إثنية تشبه من بعض الوجوه الرموز الإثنية لأعضاء الأقليات الأخرى.

وقد شبَّه آرثر هرتزبرج علاقة يهود الولايات المتحدة بإسرائيل بعلاقة الرجل بعشيقته، فهو لا يراها إلا لفترات متباعدة، ولذا فإنها تظل بعيدة مشبعة بالرومانسية ومزينة، وهو يغدق عليها الأموال ولكنه يحتفظ بمسافة بينه وبينها، وحينما تحين لحظة الاختيار فإنه يختار زوجته وأولاده وأسرته.

ومن ناحية الأطر التنظيمية، يُلاحَظ بدايات محاولة الوصول إلى إطار تنظيمي يضم سائر المنظمات المختلفة على أن تحتفظ كل منظمة أو جماعة باستقلالها. والواقع أن محاولة التنظيم هي تعبير عن تَزايُد التجانــس بين أعضـاء الجماعـة اليهودية. أما طريقة التنظيم نفسها، فهي انعكاس للطريقة الفيدرالية الأمريكية في التنظيم. ولقد تأسَّست لجان قومية مهمتها التنسيق بين المعابد اليهودية أو بين اللجان الصهيونية المختلفة أو لجان الدفاع المختلفة أو الجباية. وكما أسلفنا، أُسِّست جماعة النداء اليهودي الموحَّد عام 1939، وسندات إسرائيل عام 1950، والنداء الإسرائيلي الموحَّد عام 1950. كما أن هناك، في كل جماعة يهودية كبيرة، ممثِّلين لمختلف المنظمات اليهودية التي تسيطر عليها الصهيونية، أكثر التنظيمات اليهودية تنظيماً.

ومن أهم القضايا التي أثيرت في هذه المرحلة قضية علاقة الدين بالتعليم إذ أن أعضاء الجماعة اليهودية كانوا يقفون وراء المطالبة بعدم تقديم العون للمدارس الدينية بحجة أن هذا خرق للدستور الأمريكي الذي يفصل بين الدين والدولة. ولكن معظم هذه المدارس كان الملجأ الوحيد لأبناء الأسر الكاثوليكية المهاجرة الفقيرة، الأيرلنديين والإيطاليين والبورتوريكيين، حيث يمكنهم أن يتلقوا تعليماً جيداً، فالقيم الأخلاقية في نظام التعليم العام الأمريكي قد ضعفت وبحدة، كما أن طريقة تمويل المدارس من الضرائب المحلية تجعل مستوى المدارس في الأحياء الغنية التي يوجد فيها اليهود مرتفعاً إذ يستطيع أهل الحي أو المدينة أن يموِّلوا جميع النشاطات المدرسية. أما في الأحياء الفقيرة، فلا تتاح هذه الفرصة. ولذا، فقد اكتسبت قضية الدعم الحكومي للمدارس نبرات إثنية، وخصوصاً أن معظم أعضاء الجماعة اليهودية يقفون أيضاً ضد تدريس القيم الأخلاقية والروحية للأطفال باعتبار أن هذا قد يُستخدَم ستاراً لتدريس القيم الدينية. ولا تزال هذه القضية مصدراً أساسياً للتوتر في العلاقات بين أعضاء الجماعة اليهودية وأغلبية سكان الولايات المتحدة.

ومما يجدر ذكره أن اليهود الأرثوذكس يتخذون موقفاً مشابهاً لموقف الكاثوليك، فهم يودون الحفاظ على نظام التعليم اليهودي الخاص بهم، الأمر الذي يجعلهم في حاجة إلى دعم حكومي.

ويبدو أن الهوية الدينية اليهودية في الولايات المتحدة ضَعُفت بشكل سريع جداً. ففي إحدى الإحصاءات (عام 1945)، جاء أن 18% من اليهود يرتادون دور العبادة الخاصة بهم مرة واحدة على الأقل في الشهر مقابل 65% من البروتستانت و83% من الكاثوليك، وهو ما يدل على أنهم من أكثر القطاعات علمنة في المجتمع الأمريكي. واستمرت النسبة كما هي عليه عام 1958 ولكنها انخفضت قياساً إلى بقية المجتمع، فأصبحت 40% من البروتستانت و74% بالنسبة إلى الكاثوليك.

ولكن نسبة 18% قد يكون مُبالغاً فيها إذ أن الكثير من يهود أمريكا يلصقون بأنفسهم صفة «يهودي» دون أية ممارسات دينية. وقد بيَّنت إحدى الإحصاءات أن نحو 10% أو 20% فقط من اليهود يقيمون الشعائر الخاصة بالاحتفال بالسبت والطعام الشرعي والصلوات اليومية. ويظهر ضعف المؤسسات الدينية في أن المعبد اليهودي أصبح ذا دور ثانوي تماماً بالنسبة لدور النادي الاجتماعي اليهودي. ويمكن القول بأنه، مع ضعف الهوية الدينية، يتمسك اليهود ببعض المظاهر الإثنية للحفاظ على الهوية المتميِّزة. ومن هنا تزايدت قوة الصهيونية، فالصهيونية هي اليهودية الإثنية بعد تجريدها من أي مضمون ديني.

ومن دلائل الاندماج المتزايد، اختفاء العبرية كأداة للتعبير الأدبي، وكذلك اتجاه اليديشية نحو الاختفاء الكامل. ويمكن اعتبار تزايد الزواج المختلط (بمعدلاته المرتفعة التي تصل في بعض الولايات إلى ما يزيد على 60%) مؤشراً آخر. ويظهر الاندماج أيضاً في غربة الأجيال اليهودية الجديدة عن أسرها البورجوازية، فقد انخرطت أعداد كبيرة منهم في صفوف حركة الحقوق المدنية وحركة اليسار الجديد في الستينيات. ولكن يمكن القول بأن أعضاء الجماعة اليهودية، باعتبارهم أقلية مهاجرة في المدينة تدين بالولاء للحزب الديموقراطي،كان لهم دائماً اتجاه ليبرالي وكانوا يطالبون بقدر من التدخل من جانب الحكومة ضد الاحتكارات ومن أجل الرفاه الاجتماعي.

ومن الظواهر المهمة في هذه المرحلة، استمرار بروز أعضاء الجماعة اليهودية وتميُّزهم في المجتمع الأمريكي، وخصوصاً في الحياة الثقافية والأدبية. ويتضح بروز أعضاء الجماعة أيضاً في تزايد عدد اليهود من أعضاء هيئة التدريس في الجامعات (10% من مجموع الأساتذة يهود) موزعين في جميع التخصصات، وخصوصاً الفيزياء وعلم الاجتماع وعلم النفس. كما يُلاحَظ بروزهم من خلال العدد الكبير من الكتاب والنقاد الأمريكيين اليهـود، مثل: سـول بلو، وفيليـب روث، وبرنارد مالامـود، وليونيل ترلنج، وإرفنج هاو، ولسلي فيدلر، ووليام فيلبس. ولكن من الملاحَظ أن كثيراً من هؤلاء المثقفين لم تكن هويتهم يهودية بشكل محدَّد ولم يهتموا بالقضايا الإثنية أو الدينية اليهودية إذ أن انتماءهم كان أمريكياً بالدرجة الأولى.

  • الاربعاء PM 02:45
    2021-04-21
  • 761
Powered by: GateGold