المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 414278
يتصفح الموقع حاليا : 170

البحث

البحث

عرض المادة

توطين أعضاء الجماعات اليهودية في الأرجنتين

توطين أعضاء الجماعات اليهودية في الأرجنتين
Settlement of the Members of the Jewish Communities in Argentina
ترتبط أمريكا اللاتينية بتجربة يهودية في الاستيطان الزراعي هي قيام البارون هيرش بتوطين عدة آلاف من اليهود في الأرجنتين ضمن محاولته تحويل الفائض البشري اليهودي عن أوربا وتوجيهه إلى بقعة أخرى في العالم، حيث يمكن تحويلهم من عناصر طفيلية هامشية ضارة (كما كان يُقال آنذاك) إلى عناصر إنتاجية نافعة. وقد ارتبطت الإنتاجية بالزراعة لأنها كانت كذلك في التراث الشعبي والفكر الشعبوي الروسي الذي تأثر به أعضاء الجماعات اليهودية (ومنهم الصهاينة). وقد أشرفت عدة وكالات يهودية على عملية التوطين من أهمها رابطة الاستيطان اليهودي (إيكا) التي قامت بتوطين اليهود في الأرجنتين وجمهورية الدومينكان وبوليفيا، وهي دول كانت تحتاج إلى مهاجرين للعمل في الزراعة حيث كانت تتوافر فيها أراض زراعية تُعطَى للوافدين الجدد بتسهيلات ائتمانية مريحة. وكانت نسبة اليهود الذين يعملون بالزراعة عام 1935، أي قبل الحرب العالمية الثانية، هي: 4.3% من يهـود بولندا، و4.2% من يهـود روسـيا، و2.2% من يهـود الولايات المتحدة، و5.8% من يهود الأرجنتين، وكانت هذه أعلى نسبة في العالم. وكانت النسبة قبل ذلك أعلى كثيراً، فقد وصلت إلى 22% عام 1920، ولكن العدد انخفض وتضاءل حتى أنه لم يزد في الستينيات على 2%. والواقع أن العدد آخذ في التضاؤل حتى أن كل ما تبقى من التجربة هو آثارها وبعض الظواهر التي تتسم بالطرافة مثل ظاهرة الكاوبوي اليهودي في هذه المستوطنات. ويعود فشل التجربة في الأرجنتين إلى عدة أسباب مرتبطة بحركيات المجتمع الأرجنتيني وخصوصيته ولا علاقة لها بما يُسمَّى «التاريخ اليهودي» ولا بأية حركيات اجتماعية مقصورة على أعضاء الجماعة اليهودية ولا بطبيعة اليهود الأزلية التي تنفر ـ كما يقول العنصريون ـ من الزراعة:


1 ـ كانت الهيئات التوطينية اليهودية هيئات غير حكومية ليست لها صلاحيات كافية، كما أنها كانت تقوم بتوطين اليهود في أي مكان متاح في العالم، الأمر الذي كان يعني أن هذه الهيئات لم تكن مهتمة كثيراً بالأوضاع المحلية، وكانت تدرس الظروف الصالحة للتوطين من الناحية المادية والخارجية الظاهرة دون اعتبار كبير للأبعاد الثقافية الكامنة الداخلية الخاصة بجماعة المهاجرين اليهود. وقد كانت هذه الوكالات جاهلة تماماً بالظروف الثقافية المحلية وبظروف يهود شرق أوربا وبالتوترات التي يمكن أن تنجم عن توطين اليهود في أمريكا اللاتينية.

2 ـ كان يهيمن على هذه الهيئات يهود فرنسا المندمجون. وهؤلاء كانوا يرون أن الهدف من نشاطهم التوطيني ليس إنقاذ اليهود وحسب وإنما دمجهم في مجتمعاتهم تماماً كما اندمجوا هم في مجتمعهم الفرنسي اندماجاً كاملاً. وقد بذلوا جهوداً متطرفة في هذا المضمار. وهم، إلى جانب هذا، كانوا يكنون احتقاراً عميقاً ليهود اليديشية من شرق أوربا وثقافة الشتتل المتدنية. ولذا، كانوا يرون أنها ثقافة لا تستحق الحفاظ عليها. وقد قاومت هذه الهيئات فكرة إنشاء نظام تعليمي خاص باليهود، خشية أن يحافظوا على هويتهم اليديشية الشرق أوربية مع أن مثل هذا النظام التعليمي، بسبب طبيعته المختلطة، حيث يتضمن مقررات دراسية مختلطة أرجنتينية ويهودية شرق أوربية، يشكل عادةً وسيلة مهمة من وسائل التأقلم والدمج.

3 ـ هذه الهيئات لم تشرك المهاجرين في صنع القرارت الخاصة بهم والتي تحدد مصيرهم، وهو ما زاد تفاقم كثير من المشاكل.

4 ـ تم توطين المهاجرين اليهود في ضياع صغيرة (بالأسبانية: «ميني فونديا minifundia») وليس في الضياع الكبيرة (بالأسبانية: «لاتيفونديا latifundia») ذلك لأن المؤسسات اليهودية التوطينية لم يكن لديها إمكانات مالية لشراء ضياع كبيرة، كما أنها كانت ترى ضرورة ألا يحقق اليهود بروزاً أو تركزاً غير عادي في أي من المناطق. ومع هذا، يوجد الآن مزارعون يهود يملكون ضياعاً أصغرها حجماً تصل إلى ثمانية آلاف هكتار، اشتراها المستوطنون الناجحون الذين راكموا بعض الثروات، كما أن بعض اليهود استخدم ما حصل عليه من تعويضات ألمانية لشراء ضياع كبيرة. وأخيراً، هناك أعضاء الطبقة الوسطى الذين اشتروا ضياعاً كبيرة لاكتساب قدر من المكانة والهيبة.

5 ـ أدَّى ارتفاع أسعار الأراضي إلى قيام كثير من المستوطنين ببيع أرضهم واستثمار النقود في الصناعة والتجارة، وهو أمر كان يسيراً بالنسبة لهم بسبب الميراث الاقتصادي.

6 ـ كانت المؤسسات التوطينية تتكفل بتوطين المهاجرين الجدد وحسب وكانت ترفض المساهمة في دعم أبناء المستوطنين وتزويدهم بالأرض اللازمة للاستمرار في الزراعة. ولذا، لم يكن أمام أبناء المستوطنين من مفر من أن يعملوا أقناناً أو فلاحين بالأجر أو يهاجروا إلى المدينة.

7 ـ من المُلاحَظ أن كثيراً من الأراضي التي اشترتها الهيئات اليهودية لم تكن من أجود الأراضي الزراعية، وربما يعود هذا إلى انعدام خبرة القائمين على هذه الهيئات.

8 ـ أدَّى صغر حجم الضياع وتفرُّقها وتباعدها إلى صعوبة الحفاظ على الحياة اليهودية الجماعية التي تتركز حول المعبد والطعام الشرعي والمدرسة الدينية والمدفن.

9 ـ كان للمدن جاذبية خاصة بالنسبة لأعضاء الجماعات اليهودية المهاجرة بسبب أصولهم الحضارية في شرق أوربا وعدم خبرتهم بالزراعة. وكذلك وجد اليهود في المدينة تلك المؤسسات اليهودية اللازمة لحياتهم اليهودية والتي لم توفرها لهم الهيئات التوطينية. كما أن أعضاء الجماعة كانوا أساساً جماعة حضرية لها طموحات حضرية مثل الرغبة في الأمن الاقتصادي وتحقيق الحراك الوظيفي، كما كان لها أسلوب حياة يركز على الإنجاز في مجال التعليم ذي الآفاق الواسعة، وهي أمور كان يمكن تحقيق بعضها في سياق حضري ولا يمكن تحقيقها في بيئة ريفية.

10 ـ إلى جانب العناصر السابقة الخاصة بالمؤسسات اليهودية والتكوين الحضاري الشرق أوربي لليهود، وميراثهم الاقتصادي، هناك عناصر خاصة بالمجتمع الأرجنتيني نفسه من بينها أن القطاع الزراعي في الأرجنتين والعالم بأسره كان قد بدأ يفقد شكله التقليدي ويصبح جزءاً من النظام الرأسمالي العالمي والاقتصادي النقدي والميكنة الزراعية. وكان القطاع الزراعي، كذلك، آخذاً في الانكماش أو لم يَعُد فيه مجال للمزارع الصغيرة.

11 ـ لم تدعم الحكومة الأرجنتينية جماعات المهاجرين التي اشتغلت بالزراعة كما لم تغيِّر نظام ملكية الأرض بشكل يتيحها للمهاجرين، ولم تقم الحكومات كذلك بتوفير البنية التحتية اللازمة للانتشار الزراعي من مدارس وغيرها.

لكل هذا، تساقط الاستيطان الزراعي اليهودي في الأرجنتين تماماً كما تساقط كثير من المستوطنات غير اليهودية ونزحت أعداد كبيرة متجهة إلى الصناعات. وبذا، أصبحت المستوطنات مجرد محطات استراحة للمهاجرين تكيفوا أثناءها مع الحضارة المحيطة بهم واصطبغوا بالصبغـة الأرجنتينيـة وأصـبحوا مهيئين بشـكل أفضل للاستقرار في المدن.

  • الاربعاء PM 02:20
    2021-04-21
  • 799
Powered by: GateGold