المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 414236
يتصفح الموقع حاليا : 146

البحث

البحث

عرض المادة

هويات أعضــاء الجماعـات اليهودية في أمريكا اللاتينيــة

هويات أعضــاء الجماعـات اليهودية في أمريكا اللاتينيــة
Identities of the Members of the Jewish Communities in Latin America
من القضايا المهمة، التي تثيرها دراسة أوضاع الجماعات اليهودية في أمريكا اللاتينية، قضية الهوية. ونحن نذهب إلى أنه لا توجد هوية يهودية عالمية واحدة وإنما توجد هويات يهودية مختلفة غير متجانسة، كما أن كل هوية يهودية تختلف إلى حدٍّ ما عن المحيط الثقافي المحيط بها (ومصدر الاختلاف عادةً ما يكون عناصر إثنية حملها معهم المهاجرون من أعضاء الجماعة اليهودية من مجتمعهم القديم). ولكن اختلاف الهويات اليهودية، كلٌّ مع محيطها الثقافي، لا يعني اتفاقها الواحدة مع الأخرى، فكل هوية يهودية رغم اختلافها عن محيطها الثقافي تكتسب معظم سماتها منه وتتحدد من خلاله. وقد شبهنا هذا الوضع بالتركيب الجيولوجي الذي يحوي طبقات جيولوجية متراكمة أو متجاورة، ولكنها لا تتفاعل الواحدة مع الأخرى.


وتتبدَّى خاصية التركيب الجيولوجي التراكمي في الجماعات اليهودية التي هاجرت إلى أمريكا اللاتينية، فهناك اليهود الإشكناز من شرق أوربا (يهود اليديشية)، وهناك يهود بوزنان (في سلفادور وجواتيمالا)، وهناك يهود بيساربيا والمجر في نيكارجوا، وهناك يهود بولندا في كوستاريكا وغيرها من البلاد، وهناك كذلك اليهود الروس واليهود الليتوانيون والجاليشيون. والعلاقات بين الجماعات السابقة لا تتسم بالمودة، فالليتوانيون والجاليشيون في حالة صراع دائم مع بعضهم البعض. أما اليهود الروس الذين يظنون أنهم يتحدثون اليديشية بطريقة أفضل، فهم يتعالون على الفريقين السابقين. وهناك، كذلك، اليهود الألمان الذين لا يعتبرهم يهود شرق أوربا يهوداً على الإطلاق، فهم مازالوا يكنون احتقارهم الألماني التقليدي للسلاف والذي يتبدَّى في شكل احتقار يهود شرق أوربا (إيست يودين). ولا نعرف الكثير عن موقف يهود فرنسا ويهود إنجلترا من هؤلاء جميعاً. ولكن بناءً على معلوماتنا عن أمريكا اللاتينية، فإنهم يحتفظون بكل تأكيد بهويتهم الفرنسية والإنجليزية على التوالي، وإن كان من المحتمل أيضاً أنهم قد انضموا إلى إحدى المجموعات السالفة الذكر باعتبار أن معظمهم من أصل شرق أوربي (يديشي). وفي مقابل كل هؤلاء الإشكناز، هناك السفارد الذين يتحدثون اللادينو، وهؤلاء يعتبرون أنفسهم أرستقراطية حقة، فثقافتهم إسبانية وجذورهم أيبيرية، ولذا فإنهم يعزلون أنفسهم عن الإشكناز وعن يهود البلاد العربية الذين يتحدثون العربية، وينقسمون بدورهم إلى يهود حلب ويهود دمشق، كما توجد مجموعة جاءت من المغرب. وكل هذه المجموعات تنقسم إلى أقسام مختلفة، فمنهم المتدين ومنهم الملحـد ومنهـم منْ تخفَّـف من عقيدته دون أن يدير لهـا ظهره تماماً. وقد بدأت تظهر في صفوفهم اليهودية المحافظة واليهودية الإصلاحية.

وينقسم أعضاء الجماعات اليهودية إلى جماعات إثنية مختلفة لا يربطها رابط. ويتبدى عدم التجانس بين الجماعات والهويات اليهودية بشكل مثير وجلي في أمريكا اللاتينية، فإدراكهم لأنفسهم ليس موحداً، وسلوكهم تجاه أنفسهم وتجاه اليهود الآخرين وتجاه الأغلبية تحدده خلفيتهم الإثنية. ولكن، من المفارقات أننا نجد أن مجتمع الأغلبية مازال يسميهم «اليهود»، وهي تسمية تفترض الوحدة حيث لا توجد وحدة.

وتظل ظاهرة التركيب الجيولوجي لهويات الجماعات اليهودية في أمريكا اللاتينية قائمة، بينما نجد أن الهويات اليهودية المختلفة قد اختفت في الولايات المتحدة وذابت وظهرت هوية جديدة واحدة. ذلك أن أمريكا اللاتينية لم تظهر فيها (كما حدث في الولايات المتحدة) مُثُل عليا علمانية قومية مركزية منفتحة تمنح المرء الشرعية بمقدار تحقيقه النجاح (المادي) في الحياة، أي من خلال مراكمة الثروة أو أية إنجازات مادية أخرى. ويستطيع المهاجر أن يتخلى عن هويته الإثنية أو القومية الأصلية ويكتسب هوية جديدة من خلال البوتقة التي ينصهر فيها الجميع معاً بحيث يتحوَّلون جميعاً إلى مادة بشرية أمريكية.

وحين ظهرت استحالة تحقيق هذه الفكرة العضوية المتطرفة بسبب ظهور أقليات كثيرة غير بيضاء وغير بروتستانتية، اتسع نطاق الفكرة قليلاً في الستينيات فسمحت بشيء من التنوع داخل الوحدة بحيث أصبح بإمكان الأمريكي أن يحتفظ ببعض عناصر من تراثه القومي الأصلي يؤكد من خلالها هويته، شريطة ألا تتناقض إثنيته هذه مع ولائه الأمريكي الكامل، فأصبـح المواطن الأمريكي أمريكياً بشرطـة (بالإنجليزية: هايفينيتيد أمريكان Hyphenated American)، فهو عربي/أمريكي أو بولندي/أمريكي أو يهودي/أمريكي، ثم تحوَّل الجميع بمرور الوقت إلى أمريكي/عربي أو أمريكي/بولندي أو أمريكي/يهودي، أي أن الجميع كان يتم صهرهم مع السماح لهم بالحفاظ على قشرة إثنية سطحية تساعد في واقع الأمر على مزيد من الاندماج وتخبئ الانصهار الفعلي. والفكرة القومية الأمريكية، سواء في صورتها الأولى أو في صورتها الثانية، تشجع المهاجر على الاندماج. وقد ساعد ذلك على تذويب الفروق بين أعضاء الجماعات اليهودية بحيث حققوا الوحدة بينهم من خلال المجتمع الأمريكي وبسببه لا رغماً عنه.

أما الفكرة القومية في أمريكا اللاتينية، فلم تكن قط فكرة اندماجية على النمط الأمريكي. كما أن المثل الأعلى لم يكن قط علمانياً متطرفاً تستند الشرعية فيه إلى النجاح في الحياة وإلى مراكمة الثروات. بل إننا نجد أن ثمة عناصر أرستقراطية دخلت عليه، وأن الكاثوليكية كانت عنصراً أساسياً في تكوين الشخصية اللاتينية على مستوى الممارسة وعلى مستوى الصورة المثالية، وكان لهذا الوضع نتيجتان متناقضتان ولكنهما متلازمتان:

1 ـ تحوَّلت المجتمعات اللاتينية إلى مجتمعات مغلقة بالنسبة لليهود، وخصوصاً الإشكناز من ذوي الثقافة الغربية والألمانية، وبالتالي أصبح الانتماء الكامل مستحيلاً.

2 ـ وكعادة أعضاء الجماعات اليهودية والأقليات كافة، فإنهم يختلفون عن مجتمعهم في بعض النواحي ويتشبهون به في كثير من النواحي الأخرى. ولذا، فكما أن الكاثوليكية هي مصدر الهوية لشعوب أمريكا اللاتينية، فإن اليهودية أصبحت مصدر الهوية بالنسبة إلى يهود هذه البلاد. وحيث إن اليهودية ليست كلاًّ متجانساً، فهي تركيب جيولوجي تراكمي، وحيث إن معظم أعضاء هذه الجماعات لم يكن لديهم انتماء ديني يهودي قوي، فقد عاد كل منهم إلى تراثه الإثني اليهودي، وهو متنوع بعدد المجتمعات التي أتوا منها فأصبحت يهوديتهم مصدر فُرقة وتنوع لا مصدر وحدة وتجانس، الأمر الذي أضعف هويتهم بشكل كبير.

وقد ساهمت عناصر أخرى في إضعاف هذه الهوية، من بينها أن تنوع اليهود وفرقتهم وعدم تجانسهم انعكست في التنظيمات التي تضمهم وفي مؤسـساتهم اليهـودية، فلا يوجد تنظيـم واحـد يضمهم جميعاً، وهناك تنظيمات تقوم على أسس دينية (محافظة وإصلاحية مقابل الأرثوذكس)، أو على أسس إثنية ( إشكناز مقابل سفارد)، أو على أسس سياسية أو طبقية (البوند والشيوعيون وغيرهم مقابل الرأسماليين). كما توجد داخل كل جماعة إثنية عشرات الجماعات. وحتى عندما ظهرت تنظيمات لادينية تستند إلى الإثنية اليهودية، فإنها لم تنجح في ضم كل اليهود. ففي بلد مثل المكسيك، على سبيل المثال، يوجد ثلاثة وستون تنظيماً تتبع لجنة مركزية واحدة، منها عشرة تنظيمات دينية وتسعة اجتماعية وثمانية ثقافية وعشرة للرعاية الاجتماعية وعشرة صهيونية وعشرة للشباب وستة لمهام مختلفة.

وتوجد مؤسسات لإدارة شئون الجماعات اليهودية يُطلَق عليها اصطلاح «قهال» وقد أصبحت هذه المؤسسات ساحة قتال بين أعضاء الجماعات اليهودية المختلفة (وبخاصة بين الإشكناز والسفارد). ومن أهم نشاطات القهال الإشراف على أمور مثل الزواج والطعام والدفن. وقد أصبح الدفن بالذات من أهم نشاطات القهال، وأصبحت رسوم الدفن، التي يجأر أعضاء الجماعات اليهودية بالشكوى منها،من أهم مصادر تمويل القهال (والواقع أن سيطرة القهال على المدافن تشبه سيطرة الكنيسة الكاثوليكية على الخلاص، فلا خلاص خارج الكنيسة، ولا دفن خارج القهال). وتسيطر الحاخامية الأرثوذكسية على القهال وتأخذ موقفاً متشدداً من كثير من القضايا، الأمر الذي يعني استبعاد أعداد كبيرة من اليهود الذين تمت علمنتهم. ويتبع القهال عدد من الموظفين والحاخامات الذين لا يتمتعون بأية مكانة اجتماعية، فمكانة الحاخام في أمريكا اللاتينية أقل من مكانة الحاخام في الولايات المتحدة (مع أن هذا الأخير قد فَقَد كثيراً من أهميته).

والقيادات السياسية اليهودية منعزلة عن الشباب. وحينما اجتاحت الموجة اليسارية شباب أمريكا اللاتينية، وضمنهم الشباب اليهودي، وجد هؤلاء أن قيادتهم اليهودية التقليدية لا علاقة لها بهم ولا يمكنها أن تعمِّق هويتهم، كما لا يمكنها أن تتحدث بلغتهم. ولا توجد قيادة يهودية شابة الآن إذ أن كثيراً من العناصر الشابة تنزح إما إلى أمريكا الشمالية بأعداد كبيرة أو إلى إسرائيل. ومن الواضح أن الشباب منصرفون عن المؤسسات اليهودية، ففي انتخابات عام 1969 لم يشارك سوى ثلث اليهود، وكان معظمهم من كبار السن. ولا شك في أن نسبة المشاركين في هذه الأيام قد قلت عن ذي قبل.

وقد ارتبطت القيادات اليهودية في أمريكا اللاتينية بالمنظمات اليهودية الأمريكية وتحاول التأثير على الحكومات التي تتبعها من خلال هذه المنظمات. وهو تدخُّل قد يأتي بنتيجة إيجابية مباشرة ولكنه يأتي بأثر عكسي على المدى الطويل، إذ يُقوي الإدراك المحلي لأن يهود أمريكا اللاتينية يربطهم رباط خاص بالولايات المتحدة، الأمر الذي يزيد هامشية أعضاء الجماعات اليهودية ويزيد انصراف الشباب اليهودي عنها.

وينعكس الوضع نفسه على تعليم أعضاء الجماعات اليهودية، فأمريكا اللاتينية، على عكس الولايات المتحدة، لا يوجد فيها نظام تعليمي علماني إجباري مجاني قوي، وإن وُجدت مدارس حكومية فهي ذات توجه كاثوليكي قوي، وتوجد مدارس كثيرة تتبع الكنيسة. وقد انعكس هذا الوضع على نظام تعليم اليهود إذ أنشأت الجماعات اليهودية مدارس يهودية، فأنشأ السفارد مدارس تكميلية بحيث يستطيع الطالب اليهودي الانخراط في المدرسة الحكومية الأرجنتينية ثم يدرس المواد اليهودية في المدرسة اليهودية. وحينما يصل إلى مرحلة الجامعة فإنه يدخل الجامعة مع غيره من الشباب. أما الإشكناز، فأسسوا مدارس لتعليم المناهج الدراسية الأرجنتينية والإسبانية واليديشية والعبرية. وقد هاجمتهم العناصر القومية باعتبار أن مثل هذه المدارس لن تعمِّق ولاء اليهود وانتمائهم لوطنهم. ولكن المدارس اليهودية، مع هذا، لم يمكنها أن تصبح مصدراً من مصادر الهوية اليهودية. وقد أدَّى تزايد معدلات العلمنة في الأرجنتين وشيلي والبرازيل إلى اختفائها، فمثل هذه المدارس تملأ فجوة زمنية بين وصول المهاجرين بميراثهم اللغوي والثقافي وبين الاندماج الكلي لأحفادهم من أبناء الجيل الثالث أو الرابع. كما أن مثل هذه المؤسسات تساعد المهاجرين على استيعاب الصدمة الحضارية، وهي تشبه في هذا اليديشية، لغة الشارع اليهودي، التي استمرت في الولايات المتحدة حتى الأربعينيات، وفي أمريكا اللاتينية حتى الخمسينيات، واختفت تماماً بعد ذلك.

ويُلاحَظ أن أحداً لا يُقبل على تَعلُّم العبرية. ولا تختلف أمريكا اللاتينية في هذا عن الاتحاد السوفيتي أو الولايات المتحدة. وقد بدأت البرتغالية والإسبانية تحلان محل أية لغات أخرى جاء بها أعضاء الجماعة اليهودية. كما يُلاحَظ أن المدارس اليهودية لا تزدهر إلا في البلاد التي لا تتمتع بمعدلات علمنة عالية والتي تسود فيها المثل الكاثوليكية كما هو الحال في بيرو، أي أن انتشار المدارس اليهودية ليس مؤشراً على مدى تَقبُّل المجتمع لليهود وتسامحه معهم أو مدى نفوذهم وسطوتهم وإنما هو مؤشر على عدم تقبُّلهم وعزلتهم. وبهذا المعنى، يمكن القول بأن الكنيسة الكاثوليكية أكبر مصادر الهوية اليهودية، وهذه مفارقة كبرى، فما يحدد مدى نجاح أو فشل المدارس اليهودية حركيات المجتمع وليس حجم الميزانيات المخصصة كما تتصور المنظمات اليهودية في أمريكا اللاتينية. ولعل هذا يجعلنا نعيد النظر في الاتهام الذي كان يوجه إلى الاتحاد السوفيتي بأنه قضى على اليديشية وعلى المدارس اليهودية. فالواقع أن معدلات العلمنة والتصنيع وإتاحة فرص الحراك الاجتماعي أمام اليهود هي التي أدَّت إلى القضاء على اليديشية وعلى المدارس اليهودية، فمع تَزايُد الفرص المتاحة أمام أعضاء الجماعة اليهودية أصبح من صالح الأسر اليهودية أن تُلحق أولادها بالمدارس الحكومية كي يتعلموا الخبرات اللازمة للاستفادة تماماً من الفرص المتاحة، كما حدث في الأرجنتين وشيلي والبرازيل، وهي البلاد التي تضم الأغلبية العظمى من يهود أمريكا اللاتينية.

وكان يمكن للانتماء الديني اليهودي أن يقوي الهوية اليهودية، ولكن جماعات المهاجرين اليهودية كانت، كما أسلفنا، قد فقدت انتماءها الديني. ولذا، فإنها حولت الرموز الدينية إلى رموز إثنية، وأصبحت العبادة شكلاً من أشكال التضامن الإثني. وجمعيات الدفن التي تُعَد أهم المؤسسات اليهودية، بل المعابد اليهودية نفسها، ليست لها علاقة كبيرة بالدين أو بمعدلات الإيمان إذ يتم تأسيسها لأسباب إثنية. ومن هنا نجد أن كل جماعة يهودية لها معبدها، فالمعبد في أمريكا اللاتينية الكاثوليكية هو المعادل البنيوي لمراكز أو نوادي الجماعة في الولايات المتحدة. وبالتالي، لا يعتبر عدد المعابد اليهودية مؤشراً على الانتماء الديني إذ أن وجود المعابد لا يعني وجود العابدين. وعلى سبيل المثال، يوجد في سنتياجو عدة معابد يهودية لا يستكمل أي منها النصاب (المنيان) المطلوب لإقامة الصلاة اليهودية وهو عشرة أشخاص. وفي بيونس أيرس، يوجد خمسون معبداً يهودياً ولا يوجد حاخامات إلا في أقل من نصفها فقط. وفي عام 1970، لم يكن يوجد في أمريكا اللاتينية سوى خمسة وأربعين حاخاماً كلهم من أوربا. ولم تكن توجد مدارس لاهوتية لتخريج الحاخامات. وقد أُسِّست أخيراً مدرسة شبه لاهوتية تُدرَس فيها بعض المقررات الدينية. ولكن، لكي يُرسَّم الخريج حاخاماً، فلابد أن يدخل مدرسة لاهوتية في نيويورك أو القدس. والمدرسة اللاهوتية آنفة الذكر تابعة لليهودية المحافظة الآخذة في الانتشار في أمريكا اللاتينية.

ومما يساهم في إضعاف الانتماء الديني أن الحاخامات الأرثوذكس هم المسيطرون على المؤسسات الدينية، وهم يرفضون إدخال أية تجديدات ويرفضون عقد أي زواج مُختلَط رغم تزايد عدد الزيجات المُختلَطة. وبطبيعة الحال، يتزايد الانصراف عن الدين في صفوف الشباب، فقد أعلن 55% من الطلبة اليهود الجامعيين في الأرجنتين أنهم لا يؤمنون بالإله (ملحدون ولاأدريون). ولا يحضر الصلاة سوى 4% من الشباب. وتوجد نسبة كبيرة من الشباب اليهودي الذي لا يعرف كيف يؤدي الشعائر اليهودية ومن بينها شعيرة الصلاة. ويمكن القول بأن الموقف السائد هو موقف عدم الاكتراث من الدين وهو على أية حال النمط السائد في المجتمعات العلمانية.

ويبدو أن معدلات العلمنة قد ارتفعت بشكل مذهل. فقد قال أحد الحاخامات إن يهود أمريكا اللاتينية يكرسون أنفسهم لملذاتهم الدنيوية بطريقة متطرفة، بحيث يبدو سكان تل أبيب (المشهورون بالانفتاح المتطرف) كما لو كانوا من الرهبان مقارنةً بهم. وقال الحاخام مازحاً: لقد دخلت النساء عصر ما بعد البكيني (على غرار ما بعد الأيديولوجيا وما بعد الحداثة) إذ يلبسن مايوهات صغيرة جداً تُسمَّى «دنتال فلوس dental floss»، وهو الخيط الرفيع الذي يستخدم لتنظيف ما بين الأسنان.

وقد بدأت مؤسسة جديدة تحل محل جمعيات الدفن والقهال أو المعبد، وهي النادي الرياضي، والنادي مؤسسة معروفة في معظم أنحاء أمريكا اللاتينية تؤسسها الجماعات المهاجرة، وهذه النوادي لا تشتغل بالدين أو السياسة ولا تحاول تغذية الإثنيات اليهودية المختلفة، وهي مؤسسات ضخمة كل منها عبارة عن نادي كبير فيه حمامات سباحة وقاعات ديسكو ومطاعم تقدم الطعام المباح وغير المباح شرعاً.

وقد رصدنا حتى الآن عنصرين أحدهما انغلاق المجتمعات الكاثوليكية، وهو عنصر كان من المفروض أن يؤدي إلى إثراء الهوية اليهودية ولكنه أدَّى في واقع الأمر إلى تفتتها إلى هويات إثنية مختلفة. أما العنصر الثاني، فهو ضعف الهوية اليهودية الذي أدَّت إليه عناصر كثيرة مثل تزايد معدلات العلمنة وتساقط النظام التعليمي. ويمكننا الآن أن نشير إلى عنصرين آخرين ساهما في هذه العملية: العنصر الأول هو الثراء الحضاري لأمريكا اللاتينية، فلتراثها امتداد تاريخي ينعكس في الموسيقى واللغة والأدب والرموز الحضارية. ويقوم الشباب من أعضاء الجماعات اليهودية بمقارنة ذلك كله بميراثهم الحضاري الإشكنازي أو السفاردي فيكتشفون مدى ضآلته، كما أنهم ينظرون إلى الصهيونية باعتبارها إطاراً للتعامل مع الواقع يزودهم بالمعنى، فيجدون أنها لا تجيب على أي من أسئلتهم. ولذا، فهم يكتسبون الهوية اللاتينية بأعداد متزايدة. كما أن حضارة أمريكا اللاتينية قد تكون رموزها الكاثوليكية مغلقة إلا أنها لم تعارض قط الزواج المُختلَط. ولذا، فإن أعضاء الجماعات اليهودية إن كانوا لا يندمجون، فإنهم ينصهرون من خلال هذا الطريق، وتقوم أمريكا اللاتينية بهضمهم بكفاءة شديدة.

ويُلاحَظ أن أعضاء الجماعات اليهودية لا يوجدون، كما أسلفنا، بين الفلاحين بتراثهم الكاثوليكي، ولا بين العمال الذين تنتظمهم إما جماعات اشتراكية أو نقابات عمال كاثوليكية، وإنما يوجدون في المدن الكبيرة بين أعضاء الطبقة الوسطى التي تزداد بينها معدلات العلمنة، وبالتالي يتزايد الزواج المخـتلط الذي وصـل إلى 50% في المدن الكبرى. ولكن حيث إن حجم الجماعات اليهودية في المناطق الريفية صغـير، نجد أن نسـبة الزواج المختلط تزيد عن مثيلتها في المدن الكبرى. وتوجد أعداد متزايدة من أعضاء الطبقات الوسطى يعارضون المؤسسة الدينية ويؤسسون جماعات معادية للكنيسة والكهنوت. وينخرط أعضاء الجماعات اليهودية في مثل هذه الجماعات، وخصوصاً في المحافل الماسونية التي تُعَد من أهم مواضع التقاء أعضاء الجماعات اليهودية بأعضاء الطبقة الوسطى اللاتينية التي تعلمنت.

وفيما يتصل بالمنظمات اليهودية في أمريكا اللاتينية، فيوجد فرع للمؤتمر اليهودي العالمي على مستوى القارة مقره بيونس أيرس، وأهم الهيئات في الأرجنتين هي ديليجاسيون ديس أسوسيانيس إسرائيليتاس أرجنتيناس. (الهيئة التمثيلية للمنظمات اليهودية الأرجنتينية) Delegacion des Associanes Israelitas Argentinas، واختصارها دايا DAIA، وهي التي تتحدث باسم الجماعة أمام الحكومة وتمثل يهود الأرجنتين في المؤتمر اليهودي العالمي والقهال الإشكنازي. كما توجد عدة منظمات سفاردية أهمها: جمعية يهود السفارد في بيونس أيرس. أما أهم المنظمات في البرازيل فهي كونفدريساو إسرائيليتا دو برازيل (الاتحاد الإسرائيلي للبرازيل Confederacao Israelita do Brasil)، واختصارها CIB ومقرها ساو باولو. وهي المنظمة المركزية التي تضم جميع الاتحادات اليهودية المحلية في البرازيل، وهي التي تمثل يهود البرازيل في المؤتمر اليهودي العالمي. وتنشط المنظمة الصهيونية في صفوف المنظمات والاتحادات اليهودية.

  • الاربعاء PM 02:17
    2021-04-21
  • 850
Powered by: GateGold