المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412581
يتصفح الموقع حاليا : 283

البحث

البحث

عرض المادة

مسألـة صلب المسيح بين الحقيقة والافتراء

الفصل الأول

السبب الوحيد للرواج

 

"بين الخالدين من الرجال"

منذ سنوات قليلة نشر المؤرخ وعالم الرياضيات الأمريكي "مايكل م. هارت" كتابا بعنوان الخالدون مئة هم القمم الشاهقة في التاريخ" وفي كتابه ذاك يذكر المؤلف أسماء مئة من الرجال، هم الأكثر تأثيرا في التاريخ، ويقدم لنا أسبابه بالنسبة للترتيب تبعا للمكانة التي يحتلها كل منهم في القائمة (أي أنه يرتبهم حسب تأثير وأهمية كل منهم علي تاريخ البشر وحياتهم). ومن عجب – وهو علي الأرجح مسيحي – أنه يذكر محمدا ، نبي الإسلام، عليه السلام، علي رأس المئة ولأسباب قوية. ولأسباب قوية أيضا يضع المؤلف عيسي عليه السلام وهو الذي يعتبر سيد البشر ومخلص البشرية من آثامها في نظر كل الأمريكيين من مواطنيه تقريبا، في المرتبة الثالثة.

 

المؤسس الحقيقي للمسيحية :

ورغم أنه يوجد الآن 1200 مليون مسيحي في العالم، وأكثر من 1000 مليون مسلم وفق الإحصاء الرسمي، فإن البروفيسور هارت يقسم فضل تأسيس المسيحية بين كل من القديس بولس، وبين عيسي عليه السلام، وهو يعزو الفضل الأكبر لبولس. ومن هنا كانت المرتبة الثالثة لعيسي عليه السلام. وكل مسيحي يعتد بديانته يعتبر أن المؤسس الحقيقي للمسيحية هو القديس بولس، وليس عيسي المسيح عليه السلام.

 

سبب الاختلاف :

وعلي أي حال فلو كان هنالك تمايز بين مسلم ومسيحي فيما يتصل بالتيقن أو العقيدة أو الأخلاق أو الفضيلة، فإن سبب هذا التمايز يمكن إرجاعه إلي قول أنشأه بولس، يمكن العثور عليه في رسائله إلى أهل كورنثوس، أو إلي أهل فيلبي، أو إلي أهل غلاطية، أو إلي أهل تسالونيكي .. الخ، كما (1) وردت بالإنجيل.

وبعكس تعاليم السيد المسيح من أن الخلاص يتحقق فحسب عند التحقق بما ورد بالوصايا (إنجيل متي 19: 16-17) فإن الخلاص عند بولس يتمثل في عملية الصلب (الرسالة إلي أهل كولوسي 2 : 14) وهو يذهب إلي أن الخلاص يمكن أن يتم بموت وبعث عيسى المسيح إذ يقول : "وإن لم يكن المسيح قد "قام" فباطلة كرازتنا وباطل أيضا إيمانكم" (الرسالة الأولي إلي أهل كورنثوس 15 : 14).

أهم رجال المسيحية :

وفي نظر القديس بولس فإن المسيحية لا يمكن أن تقدم للبشر ما هو أفضل من دم وآلام سفك دم يسوع. ولو لم يكن قد مات وقام من بين الموتى لما كان ثمة خلاص للبشرية في المسيحية ! "لأن كل أعمال برنا تكون كثوب خرقة". (أشعياء 64 : 6).

انتفاء الصلب نفي للمسيحية :

"إن وفاة عيسي علي الصليب هي عصب كل العقيدة المسيحية. إن كل النظريات المسيحية عن الله، وعن الخليقة، وعن الخطيئة، وعن الموت، تستمد محورها من المسيح المصلوب. وكل النظريات المسيحية عن التاريخ، وعن الكنيسة، وعن الإيمان، وعن التطهر، وعن المستقبل، وعن الأمل إنما تنبع من "المسيح المصلوب" فيما يقول البروفيسور جوردن مولتمان في كتابه عن "الإله (2) المصلوب".

ومجمل القول هو أن انتفاء الصلب انتفاء للمسيحية ! وتلك هي تجربتنا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  • من المعروف أن القديس بولس كانت له اليد الطولي في نشر المسيحية، وكانت له رسائله الشهيرة إلي أقوام كثيرين وهي الموجودة بالعهد الجديد : رسالة إلى أهل .. رسالة إلى أهل .. كما أشار المؤلف (المترجم).
  • يعتقد المسيحيون أن المسيح عيسي هو الله مجسدا – الله علي صورة الإنسان وحسب التصور المسيحي فإن عيسي يجب أن يموت لأن آلاف التضحيات لا يمكن أن تخلص الإنسان من آثامه. لكن تضحية المسيح وحدها هي التي تخلص البشرية من خطاياها. (المترجم).

 

 

نحن المسلمين الذين نعيش (3) في خضم المسيحية في جنوب إفريقيا، وتتنافس آلاف الطوائف المسيحية كل طائفة مع الأخرى لتخليص الوثني (4) من نار جهنم عندما يؤمن بصلب المسيح).

وعلي كل حال، في خضم هذا المعترك الفكري لن تجد قسا مسيحيا بروتستانتينيا، أو إنجيليا، من أهل البلاد، أو من خارجها، لن تجده يحاول أن يعلم مسلما شيئا عن مبادئ الصحة أو النظافة، لأن لنا – نحن المسلمين – أن ندعي أننا أكثر الناس نظافة (فيما يتعلق بالنظافة الشخصية). وهم لن يحاولوا أن يعلمونا الكرم، لأننا أكثر الشعوب كرما، ولن يحاولوا أن يعلمونا الأخلاق والفضائل لأننا أرقي الشعوب خلقا، وأكثر الشعوب فضائل (في مجمل القول) فنحن مثلا لا نشرب الخمر، ولا نقامر، ولا نتخاصم، ولا نرابى، ولا نرقص. ونحن نصلي خمس مرات في اليوم، ونصوم شهرا كاملا طوال شهر رمضان المعظم ويسر خواطرنا دائما أن نكون أناسا محبين للخير ورغم أوجه النقص (التي قد تعتري مسلك بعض المسلمين لضعف إيمان أو وهن عزيمة – فإنه يمكن لنا القول بأنه لا توجد جماعة من البشر يمكن أن يزعموا أنهم يستطيعون أن يضيئوا لنا شمعة في مجال الأخوة، أو التقوى، أو الورع، ليس في شموع الدين الإسلامي مثيل لها).

الدم من أجل الخلاص :

يقول لك المبشر المسيحي : "نعم . نعم :  ولكن لا خلاص لك لأن الخلاص إنما يتأتى فحسب من خلال دم ربنا يسوع. وكل أعمالك الصالحات إنما هو كثوب رث. (فلا تغتر بها إذ أنها ليست كافية لخلاصك من العذاب) ويقول : "لو أنكم أيها المسلمون تقبلون الاعتقاد بأن دم المسيح هو سبيل الخلاص، ولو اتخذتم يسوع "كمخلص شخصي" فإنكم أيها المسلمون تصبحون كملائكة تمشي علي الأرض".

إجابة شافية :

ماذا نقول كمسلمين إزاء مثل هذا الإدعاء المسيحي؟.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  • المؤلف من جنوب أفريقيا (المترجم).
  • يقصد غير المسيحي (المؤلف).

ليست هنالك – في نظري – إجابة أكثر إقناعا من قوله تعالي : (وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسي ابن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا إتباع الظن وما قتلوه يقينا).

(سورة النساء : الآية 157).

هل يمكن لأحد أن يكون أكثر وضوحا وأكثر تأكيدا وأكثر يقينا وأكثر رفضا للمساومة تجاه معتقد من معتقدات الإيمان عن هذه الإجابة؟ الإجابة هي : مستحيل ! إن الله هو وحده العليم القدير البصير مالك الملك. إنه الله سبحانه وتعالي.

ويؤمن المسلم أن هذه الإجابة الكاملة إنما هي من الله سبحانه وتعالي. ومن ثم لا يثير سؤالا ولا يتطلب دليلا. يقول المسلم : آمنا وصدقنا.

ولو كان المسيحيون قد قبلوا بالقرآن الكريم باعتبار أنه وحي الله لما ثارت مشكلة صلب المسيح. إنهم يعترضون بتعصب علي تعاليم القرآن ويهاجمون كل شيء إسلامي. إنهم كما يصفهم توماس كارلايل "قد دربوا أن يكرهوا محمدا ودينه".

 

****

 

 

 

 

 

 

 

الفصل الثاني

هاتوا شهداءكم

 

ترويج البضاعة :

في محاولة البرهنة علي معتقداتهم الراسخة، يبتكرون افتراضات مثيرة. والكتاب المعنون بعنوان "صلب المسيح – خدعة أم حقيقة تاريخية؟ " إنما هو من نماذج هذه المحاولات، ولا شك أنها محاولة مثيرة لكنها نابعة من أن المبالغة المسيحية تستخدم مفردات مسيحية.

ويحاول جارنر تد آرمسترنج،  وهو نائب مدير شركة نشر مجلة "الحقيقة الناصعة، بلين تروث" وهي مجلة مسيحية أمريكية، تفخر بكونها توزع 6 ملايين نسخة مجانية شهريا، يحاول جارنر تد آرمسترنج أن يحل هذا اللغز بأن يتساءل تحت عنوان "هل كانت قيامة المسيح خدعة ؟" (1). وهذه هي الطريقة الأمريكية لبيع معتقدات الدين. وهو يوضح أن افتراضه كما يلي : إن قيامة عيسي المسيح، إما أن تكون حقيقة تاريخية خالصة، وإما أن تكون تزييفا آثما موجها إلي أتباع المسيحية !!.

ويقول الشاب الأمريكي الغض الإهاب "بيلي جراهام" إن جوزيف ماكدويل يذهب في كتابه "موضوع قيامة المسيح بعد وفاته" يقول : "كنت مضطرا – بعد قراءة الكتاب المذكور – أن أصل إلي نتيجة، أن قيامة المسيح عيسي إما أن تكون أكبر خدعة، وأكثر الخدع ضررا وشرا يدمر الذهن البشري وإما أن تكون أروع وأجمل حقائق التاريخ" وحيث انه لا يمكن لي مقاومة طريقة الأمريكيين في المبالغة والتهويل، فإنني لا أجد غضاضة في أن أستعير كلماتهم فأجعل عنوان كتابي : "صلب المسيح هل هو خرافة أم حقيقة تاريخية ؟ أو "صلب المسيح بين الحقيقة والخيال".

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  • استبعاد كون قيامة المسيح خدعة يجعل منها بنظرهم حقيقة (المترجم).

 

 

اعتراض مسيحي :

إن المسيحي يعارض الاعتقاد الإسلامي بأن عيسي المسيح "ما قتلوه وما صلبوه" بقوله : "كيف يتسنى لرجل مثل محمد عليه السلام علي مبعدة آلاف الأميال من مسرح الحدث، وبعد 600 عام لوقوع الحدث أن ينفض ليروي عنه؟ " فيقول المسلم : "إن الكلمات التي قالها محمد صلي الله عليه وسلم، ليست كلماته كشخص من البشر، ولكنها كلمات أوحاها إليه العليم البصير" فيدفع المسيحي بأنه ليس مهيأ الذهن ليتقبل الوحي المحمدي خصوصا في أمر تحسمه في نظره شهادة "شهود العيان" ؟ (1) الذين رأوا بعيونهم وسمعوا بآذانهم ؟ ما حدث في نهاية الأسبوع منذ ألفي عام.

الزعم المسيحي واضح. ومنطقهم فيه لا بأس به. ولنتفحص وجهة نظرهم. فلنستدع شهودهم. ولنمحص شهادتهم لنكشف الحقيقة أو الزيف في الموضوع من ذات مصادرهم. إنهم يعترفون أن شهود القضية الرئيسيين هم : متي ومرقس ولوقا ويوحنا. أصحاب الأناجيل المنسوبة إليهم. ولكنهم جميعا قد ماتوا وهم في قبورهم. سيقول المسيحيون : "نعم هذا صحيح، ولكننا نملك إفادتهم الخطية المكتوبة".

فلنطلب الدليل :

وعندما نواجه – نحن المسلمين – بالادعاءات المعارضة المبالغ فيها من قبل اليهود والمسيحيين فيما يتعلق بدعاوي خلاصهم، فإن الله سبحانه وتعالي يأمرنا أن نطالب بدليل إذ يقول عز من قائل.

) قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين (  (سورة البقرة : 111).

ولقد جاءوا بدليلهم الوحيد في أكثر من خمسمائة لغة ! وفي إحدى عشرة لهجة للعرب وحدهم. فهل المطلوب منا أن نبتلع طعمهم كله؟ كلا ! من المعروف سلفا لدينا، أن الله سبحانه وتعالي عندما يأمرنا أن نطالب بدليل، فإن هذا يعني أنه سبحانه يطلب منا أن نمحص هذا الدليل عند تقديمه فورا. وإلا لما كان لطلب الدليل – أي دليل – معني عندما نقبل بدليل زائف !

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  • علامة الاستفهام تفيد أن المؤلف ينكر أنهم كانوا موجودين كشهود عيان كما سيتضح فيما بعد (المترجم).

الفصل الثالث

إقامة مملكة الله

وقرينة ثالثة في قولهم "وفقا لـ .."

الأمر المذهل فيما يتعلق بشأن تلك الإفادات والشهادات الموثقة (الكتابات المعزوة إلي متي ومرقس ولوقا ويوحنا) هو أن أيا منها ليست ظاهرة الصدق. ولا تحمل أي واحدة منها أي توقيع أو إمضاء أو علامة لمنشئها في تلك "الأصول" أو النسخ الأصلية المزعومة لها. إنهم الآن يفخرون بأن في حوزتهم أكثر من 500 نسخة أصلية (مع أنه) لا تتطابق أو تتماثل منها جميعا نسختان (لتزكي إحداهما الأخرى). أليس (1) هذا أمرا محيرا ! ومن الغريب أيضا أن المسيحيين أنفسهم يمايزون بين أناجيلهم بتدوين عبارة "الإنجيل وفقا لرواية القديس متي" ، أو "الإنجيل وفقا لرواية القديس لوقا" ... الخ.

وعندما يسأل المسيحيون لماذا يتم تكرار تعبير "وفقا لـ . ." في صدر كل إنجيل، فإن الرد الفوري هو أنها ليست "أتوجرافية" وإنما يفترض فحسب أنها أثرت عن أسماء الأشخاص التي تحملها الأناجيل اليوم، ولقد حذف مترجمو الطبعة العالمية للإنجيل هذه "الوفقا لـ " بدون أي اكثرات من الأناجيل الأربعة في أحدث ترجمة لها. ومن بين واضعي الإنجيل ويا للعجب وهم متي ومرقس ولوقا ويوحنا يمكن القول بأن خمسين بالمئة منهم لم يكونوا من الأثني عشر حواريا المعروفين كحواريي عيسي عليه السلام.

قضية يتم الفصل فيها لدي أول جلسة :

ويمكن أن أقول – بكل تواضع – أن مثل هذه الوثائق التي لا تثبت لتمحيص تنحي جانبا في أية محكمة في أية دولة متحضرة خلال دقيقتين. وأكثر من ذلك فإن أحد الشهود المزعومين وهو القديس مرقس يخبرنا أنه في أحرج لحظات الموضوع (أيام صلب المسيح المزعوم) كان "كل" نلاميذه "قد خذلوه وهربوا" كما جاء بإنجيل مرقس ( 14 : 50) وسل صديقك المسيحي هل "كل" تعني "كل" ومهما تكن لغته سيقول لك : "نعم".

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  • يحاول المسيحيون أن يشبهوا ذلك بوجود أكثر من ترجمة لمعاني القرآن الكريم ولكن يمكن الرد عليهم بأن أصل ترجمات القرآن واحد فضلا عن أنه معجز. (المترجم).

لماذا إذن لا يتذكرون هذه الجملة الواردة في الإنجيل بكل لغة كتب بها الإنجيل؟

وهكذا فإن من يزعمون أنهم كانوا "شهود عيان" للحدث لم يكونوا شهود عيان، وإلا كان القديس مرقس كاذبا في روايته الإنجيلية. وأيضا فمن المفروض أنه يتحدث تحت قسم أو يمين ! سوف توافق إذن أن هذه القضية المبنية علي مثل هذا الدليل الهش تطرحها المحكمة جانبا مرتين في دقيقتين، ولكن فكرة مسلما بها لدي المسيحيين طوال ألفي عام حتى الآن يتمثل فيها خلاص 1200 مليون مسيحي سوف تنهار. ولذا فإن الأمر يحتاج إلي حذر في التعامل معه أكثر وأكثر. وسوف "نفترض" أن شهادة متي ومرقس ولوقا ويوحنا صحيحة.

فمن أين نبدأ ؟

نبدأ من بداية مجري الأحداث ! مطبقين ما جاء في أول سفر التكوين "في البدء ..." بالضبط قبل 24 ساعة من تلك "الأحداث المفجعة، عدما هبت العواصف، وكسفت الشمس، ووقع الزلزال، وانشق الصخر، وتمزقت ستائر المعبد من أعلاها إلي أسفلها، وانشقت القبور لتمشي الهياكل العظمية في شوارع أورشليم" كما هو مأثور عن أولئك الشهود المسيحيين. يا له إذن من "سيناريو" يساوي مليون "دولار" ويحطم الرقم القياسي لدي إنتاجه "كفيلم سينمائي" !

ولا ينبغي لنا أن ننسي أن اليهود إنما هم في قفص الاتهام لأنهم متهمون بقتل عيسي المسيح ونحن المسلمين مكلفون بالدفاع عنهم ضد اتهام المسيحيين، لأن العدالة ينبغي أن تأخذ مجراها. ومهما تكن خطايا اليهود في تحريف كلام الله بالزيادة عليه والنقصان فيه، فإن الله سبحانه وتعالي قد برأهم من تهمة قتل المسيح إذ قال عز من قائل : ) وما قتلوه يقينا ( (سورة النساء 157).

اللعب ورقة توهم الصلب :

لقد كان العالم المسيحي يضطهد ويطارد ويقتل أبناء عمومتنا اليهود علي مدي حوالي ألفي عام، بسبب جريمة قتل لم يرتكبوها. هل هي شروع في قتل ؟.. يجوز لكنها ليست جريمة قتل. وبتخليصنا اليهود من جريمة قتل لم يرتكبوها فإننا نسحب الهواء من شراع أصحاب الأناجيل. وفي المعركة الدائرة علي قلوب وعقول البشر نجد توهم الصلب هو الورقة الوحيدة التي يلعب بها المسيحيون. حرره من هيامه وشغفه بها تكن قد حررت العالم الإسلامي من هوس العدوان التبشيري.

حول المائدة :

ليلة الشتاء الأخير كان عيسي وحواريوه الاثنا عشر يجلسون حول مائدة كبيرة مع مضيفهم، تلميذه الأثير، الذي يتصادف أن اسمه يوحنا. وكانت أسماء يوحنا ويسوع أسماء شائعة بين اليهود، حوالي عام 30 بعد الميلاد، كما أن أسماء توم، ديك، جون، جيمس شائعة الآن في القرن العشرين. كان هنالك إذن أربعة عشر (1) رجلا، يمكن لك أن تحصيهم حول المائدة. ولم يكونوا ثلاثة عشر رجلا كما يصر المسيحيون علي أنه كان عددهم، مع أنه رقم شؤم لديهم.

المجيء إلي أورشليم :

لقد دخل عيسي عليه السلام مدينة أورشليم منتصرا انتصار الملوك وراءه حاشية فرحة متحمسة، تساورها الآمال العريضة في إقامة "مملكة الله" ، جاء راكبا أتانا ليحقق النبوءة. "قولوا لابنة صهيون هو ذا ملكك يأتيك وديعا راكبا علي أتان .. والجمع الأكثر فرشوا ثيابهم في الطريق ... والأغصان فرشوها علي الطريق .. والجموع يصرخون (أوصنا) (2) لابن داود .. مبارك الآتي باسم الرب. "أوصنا" في الأعالي". (إنجيل متي 21 : 5 – 9).

مملكة السماء :

جاء بإنجيل لوقا : "أما أعدائي أولئك الذين لم يريدوا أن أملك عليهم فأتوا بهم إلي هنا واذبحوهم قدامي". (لوقا 19 : 27) ويقول أيضا ".. مبارك الملك الآتي باسم الرب. سلام في السماء ومجد في الأعالي". (لوقا 19 : 38) ويضيف يوحنا إلي ذلك أن الجمع فرحان صرخ قائلا : "أوصنا مبارك الآتي باسم الرب ملك إسرائيل". (يوحنا 12 : 13).

ويقول أيضا : "فقال الفريسيون .. انظروا إنكم لا تنفقون شيئا. هو ذا العالم قد ذهب وراءه" (يوحنا 12 : 19).

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  • المسيح + 12 حواريا + المضيف صاحب البيت = 14 رجلا. (المترجم).
  • كلمة معبرة عن الفرح مثل : مرحي أو Hullo (المترجم).

 

ويقول أيضا : "الآن دينونــة هذا العالم. الآن يطرح رئيس هذا العالم خارجا". (يوحنا 14 : 31).

"منذا الذي سيقاوم هذا النصر الوشيك الذي يتلاعب كالخمر بالرءوس؟ لا غرو إذن أن يغري ذلك عيسي بأن يطرد أولئك الذين كانوا يبيعون ويشترون داخل المعبد، وأن يقلب مناضد صيارفة النقود وأن يطردهم خارجه ضربا بالسوط كما روي يوحنا" (يوحنا 2 : 15).

ضربة وقائية :

كانت الإطاحة بسلطة اليهود علي معبدهم حدثا ضخما، وكانت الإطاحة بالحكم الروماني لتحل محله مملكة الله أمرا إدا فيا للأسى ! إن آماله الضخمة لن تتحقق. لقد انتهي العرض نهاية هزيلة ورغم هتافات "أوصنا" وهتافات التحية لابن داود "ملك إسرائيل" كان ذلك الأمل غير ناضج، يلزم لنضوجه سنوات وسنوات.

لم يستطع يسوع أن ينجو من تهديد الفريسيين بالقضاء علي تطاول تلاميذه. لقد أخطأ حساب المعركة. ويجب أن يدفع ثمن الفشل. إن أتباعه لم يكونوا مستعدين لأي تضحية رغم كل صياحهم الحماسي.

جدل يهودي :

احتج زعماء اليهود بأن هذا الرجل بمفرده قد خرب دولة. ولذلك فإنه من الملائم أن يموت رجل واحد من أجل أن تعيش الأمة (كما جاء بإنجيل يوحنا 11 : 50).

ولكن مع كل الصياح الهستيري المحيط به لم يكن من الملائم أن يتم اعتقال يسوع علنا. قرروا اعتقاله سرا ووجدوا في واحد من حوارييه هو يهوذا خائنا مستعدا أن يبيعه لهم في مقابل ثلاثين قطعة نقد فضية.

كان يهوذا متذمرا :

في نظر رجال الدين المسيحي، أن الذهب هو الذي أغري يهوذا بكي يقترف فعلته الوضيعة في الوشاية بيسوع. لكن حساسيته تجاه المال كانت بطبيعة الحال أكبر مما يصورها فيه رجال الدين المسيحي. وهو كمختص بالنواحي المالية للجماعة اليسوعية، كانت لديه فرص بلا حصر لاختلاس بعض المال باستمرارية منتظمة. فلماذا إذن يجازف بكل هذا من أجل ثلاثين قطعة فضية؟ وهنالك ما هو أكثر من ذلك تلحظه العين. كان يهوذا مستاء من دخول يسوع المظفر إلي أورشليم، تحيطه الصيحات الملتهبة تهتف حوله : "الآن حانت الساعة والآن يظهر ملك العالم – أنا سوف أحكم فيهم – أحضروهم هنا واسلخوا جلودهم أمامي". ولقد غدا ليسوع الآن أقدام ثابتة. ولو تم استفزاز يسوع، فإن رد فعله سيكون عبارة عن معجزات، وسيجلب النار والحمم من السماء على أعدائه وبالطبع سيستدعي كوكبة الملائكة، التي كان يفخر بأنهم تحت تصرفه ليمكنوه وأتباعه من أن يحكموا العالم.

ومن اتصاله الوثيق بمعلمه، كان يهوذا قد عرف أن يسوع كان رقيقا عطوفا محبا للناس. ولكنه لم يكن مرائيا ممالئا للناس متملقا لهم، لكن يهوذا لم يفهم الضربات القوية الملفوفة بالحرير، التي كان يجيدها يسوع. ولكن لو عورض يسوع، وأمكن استفزازه فإنه سوف يأتي بكل ما كان عنده .. وذاك هو ما كان يخطط له يهوذا.

وانكشف الخائن :

كشفت النظرات القلقة، وأظهر السلوك المريب يهوذا للمسيح عليه السلام. ولم يكن بحاجة إلي الوحي الإلهي ليعرف الترتيبات الخاطئة بذهن يهوذا. وحول المائدة في الحجرة التي كانت بالطابق العلوي، حيث يسوع وتلاميذه يتناولون العشاء الأخير لاحق يسوع يهوذا بقوله : "ما أنت تعمله فأعمله بسرعة أكثر" كما ورد بإنجيل يوحنا (يوحنا 13 : 27) وشرع يهوذا يضع اللمسات الأخيرة علي طعنته الغادرة في الظهر.

 

 

 

 

 

 


 

الفصل الرابع

الاستعداد للجهاد

تغيير في السياسة :

لن يظل يسوع جالسا كبطة قابعة إزاء الاعتقال في الخفاء الذي كان يعد له اليهود. وهاهو ذا يعد تلاميذه لتصفية الحساب التي لا مفر منها. وها هو ذا يثير بحذر غير مثير لمخاوفهم موضوع الدفاع. فيقول لهم : "حين أرسلتكم بلا كيس ولا مزود ولا أحذية هل أعوزكم شيء فقالوا لا. فقال لهم لكن الآن من له كيس فليأخذه ومزود كذلك ومن ليس له فليبع ثوبه ويشتر سيفا !" (لوقا 22 : 35 – 36).

هذا استعداد للجهاد أو الحرب المقدسة يهود ضد يهود. لماذا؟ ! لماذا هذا التحول في اتجاه الفكر؟ أليس هو الذي كان قد نصح لهم من قبل أن "يديروا الخد الآخر" وأن يسامحوا سبعين سبعا (7 x 70 = 490) ؟ ألم يكن هو الذي أوصي اثني عشر حواريا بقوله لهم : "ها أنا أرسلكم كغنم في وسط ذئاب، فكونوا حكماء كالحيات وبسطاء كالحمام" كما ورد بإنجيل متي (متي 10 : 16).

هيا إلي السلاح ! .. إلي السلاح ! :

إن الموقف والظرف قد تغيرا وكما هو الحال بالنسبة لأي قائد مقتدر وحكيم، فإن "الإستراتيجية" أيضا يجب أن تتغير، لم يكونوا قد غادروا الجليل صفر اليدين من السلاح. "فقالوا يا رب هوذا هنا سيفان. فقال لهم يكفي" (لوقا 22 : 38).

ولكي يستنقذ المبشرون صورة يسوع الوديعة المسالمة، فإنهم يصرخون بأن السيوف كانت سيوفا روحية !

ولو كانت السيوف سيوفا روحية، فإن الملابس أيضا كان ينبغي أن تكون ملابس روحية.

ولو كان الحواريون سيبيعون ملابسهم الروحية لكي يشتروا بثمنها سيوفا روحية، فإنهم في هذه الحالة يكونون غزاة روحيين !. وأكثر من هذا فإن الإنسان لا يستطيع أن يقطع آذان الناس الجسمية بسيوف روحية. فلقد جاء بإنجيل متي ما يلي : "وإذا واحد من الذين مع يسوع مد يده واستل سيفه وضرب عبد رئيس الكهنة فقطع أذنه (1) " (إنجيل متي 26 : 51).

إن الغرض الوحيد للسيوف والبنادق هو أن تصمى وتقتل. ولم يكن الناس يحملون السيوف لنزع قشر التفاح والموز في أيام المسيح عليه السلام.

لماذا (وكيف) يكفي سيفان ؟

لو كان هذا استعدادا للحرب فلماذا إذن يكون سيفان :كافيين"؟ السبب في ذلك أن يسوع لم يكن يتوقع معركة مع جنود الحامية الرومانية. وحيث أن صديقه يهوذا كان وثيق الصلة بسلطات المعبد، فإنه كان يتوقع عملية اعتقال في السر (بعيدا عن علم الحاكم الروماني) يقوم بها اليهود ليمسكوا به. وتكون المسألة بذلك مسألة يهود ضد يهود. وفي مثل هذه المعركة مع خدم المعبد من اليهود ومع حثالة المدينة فإن يسوع يمكن أن يسود المعركة منتصرا فيها. وكان علي يقين من ذلك. لقد كان معه بطرس المعروف بالصخرة، ويوحنا وجيمس المعروفان بأبناء الرعد، مع ثمانية آخرين، كل منهم مستعد أن يضحي بحريته أو بحياته من أجله. وكانوا جميعا من بلدة الجليل وكانوا جميعا معروفين بالبأس والإرهاب، والقدرة علي التمرد ضد الرومان.

وهكذا متسلحين بالعصي والحجارة والسيفين وبروح التضحية والفداء التي كانوا قد أظهروها لسيدهم كان يسوع واثقا من قدرته علي أن يلقي إلي الجحيم أي رعاع من اليهود يعترضون سبيله.

أستاذ التكتيك :

كأن يسوع قد جعل من نفسه بذلك مخططا استراتيجيا بارعا، واثقا من نفسه، لم يكن ذلك وقت يقبع فيه كالبط مع تلاميذه في تلك الحجرة بالطابق العلوي ! وهاهوذا يقود أتباعه إلي البستان بين أشجار الزيتون في منتصف الليل، وهو ساحة واسعة محاطة بأسوار علي مبعــدة خمســـة

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  • يريد المؤلف هنا أن يثبت التناقض الداخلي في سرد الأناجيل لقصة ما حدث بخصوص صلب المسيح عليه السلام. (المترجم).

 

 

أميال من المدينة.  وفي الطريق يبين لهم خطورة الموقف الذي تكتنفه أحقاد واندفاعات تلك الطغمة من يهود المعبد الذين سقطوا. وعليه الآن أن يتحمل نتيجة تضعضع القوي، وأن يدفع ثمن الإخفاق !

ولست بحاجة إلي عبقرية عسكرية، لكي تدرك أن عيسي يوزع قواته كأستاذ في فن التكتيك بطريقة تذكرنا بأي ضابط متخرج في كلية "ساند هيرست" الحربية البريطانية. إنه يعين لثمانية من الأحد عشر حواريا مكانهم في مدخل البستان وهو يقول لهم : "اجلسوا أنتم هنا بينما أذهب أنا لأصلي هناك".

والسؤال الذي يفرض نفسه علي أي مفكر هو : لماذا ذهبوا جميعا إلي ذلك البستان؟ ألكي يصلوا؟ ألم يكونوا يستطيعون الصلاة في تلك الحجرة العلوية ؟ الم يكونوا يستطيعون الذهاب إلي هيكل سليمان ولقد كان علي مرمي حجر منهم، وذلك لو كانت الصلاة هي هدفهم ؟ كلا ! لقد ذهبوا إلي البستان ليكونوا في موقف أفضل بالنسبة لموضوع الدفاع عن أنفسهم !

ولاحظ أيضا أن عيسي لم يأخذ الثمانية لكي يصلوا معه. انه يضعهم بطريقة إستراتيجية في مدخل البستان، مدججين  بالسلاح كما يقتضي موقف الدفاع والكفاح. يقول إنجيل القديس متي : "ثم أخذ معه بطرس وابني زبدي .. فقال لهم ... امكثوا ههنا واسهروا معي" . (إنجيل متي 26 : 37 – 38) إلي أين يأخذ بطرس ويوحنا وجيمس ؟ ليتوغل بهم في الحديقة ! لكي يصلي ؟ كلا لقد وزع ثمانية لدي مداخل البستان، والآن علي أولئك الشجعان الأشاوس الثلاثة مسلحين بالسيفين أن يتربصوا ويراقبوا وليقوموا بالحراسة ! الصورة هكذا مفعمة بالحيوية. إن يسوع لا يدع شيئا نعمل فيه خيالنا. وهاهوذا وحده بمفرده يصلي !

يسوع يصلي طلبا للنجدة :

يقول إنجيل متي : "وابتدأ يحزن ويكتئب. وقال لهم نفسي حزينة جدا حتى الموت ..." ثم تقدم قليلا وخر علي وجهه (بالضبط كما يفعل المسلم عند الصلاة) وكان يصلي قائلا يا أبتاه إن أمكن فلتعبر معي عني هذه الكأس. ولكن ليس كما أريد أنا بل كما تريد أنت". (إنجيل متي 26 : 37 – 39) ويقول إنجيل لوقا : "وإذا كان في جهاد كان يصلي بأشد لجاجة وصار عرقه كقطرات دم نازلة علي الأرض" (لوقا 22 : 44).

 

المسيح يبكي من اجل شعبه :

لماذا كل هذا العويل والتباكي ؟ أيبكي لينجو بنفسه؟ لو صح ذلك (وهو بالطبع غير صحيح) لما كان لائقا به أن يتباكى ! ألم ينصح للآخرين بقوله : "فإن كانت عينك اليمني تعثرك فاقلعها وألقها عنك. لأنه خير لك أن يهلك أحد أعضائك ولا يلقي جسدك كله في جهنم". (إنجيل متي 5 : 29 – 30).

إننا نغمط عيسي عليه السلام حقه لو صدقناه أنه كان يبكي كامرأة ن يهلك أحد أعضائك ولا يلقي جسدك كله في جهنمأن لينقذ جسده من عذاب بدني.

سيقولون : كان يبكي من أجل شعبه وليس من أجل نفسه.

نقول لهم : اليهود ؟ (كان يبكي من أجلهم ؟) إنه لمنطق غريب. ذلك أنهم لو نجحوا في قتل أي مسيح لكان هذا (إمكان قتله) دليلا علي أنه دعي دجال. لأن الله العلي القدير لم يكن ليسمح أبدا بقتل المسيح الحق كما ورد بسفر (التثنية 18 : 20) ومن هنا (أي لو صح قتل اليهود للمسيح فعلا) لصح إدعاء اليهود بأن عيسي بن مريم ليس هو المسيح الذي وعدوا به وهو الرفض الخالد الدائم الذي لا يكفون عنه.

نسج الخيال :

هذه القصة المبكية، وهذا النواح علي الدم المسفوح سيحرك العطف والشجن في أقسي القلوب وأشدها غلظة. والمتعصبون للإنجيل ليسوا غافلين عن إمكان استغلالها. وهاهم أولاء يقولون كان مقدرا علي يسوع أن يموت من اجل الخلاص من خطايا البشر (ليمكن للمنتصرين أن يعيشوا في الآخرة وقد طهرتهم سلفا دماء المسيح من خطاياهم) ولقد كان يسوع في نظرهم مهيأ لهذه التضحية المقدسة قبل بدء الخليقة. وحتى قبل البدء الفعل المادي للخليقة كان ثمة اتفاق بين الأب والابن، وأنه في عام 4000 بعد خلق آدم، فإن الله نفسه في شخص يسوع كأقنوم كان من أقانيم التثليث المسيحي قدر لنفسه أن يشنق ليخلص الجنس البشري مــن خطيئتــه الأولــي

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

يورد المترجم النص المشار إليه لأهميته وهو يقول : "وأما النبي الذي يطغي باسمي كلاما لم أوصه أن يتكلم به أو الذي يتكلم باسمه آلهة أخري فيموت ذلك النبي". (المترجم).

 

(قبل نزول البشر إلي الأرض) وكذا من خطايا الجنس البشري التي يقترفها أبناؤه بعد نزولهم إلي الأرض.

هل كان يسوع غير واع بذلك الاتفاق السماوي ؟

من الدعوة إلي "امتشاق السلاح" بتلك الحجرة العلوية، إلي الحنكة في توزيع القوات عند البستان، والصلاة الدامية لله الرحيم طلبا للنجاة، يبدو أن يسوع لم يكن يعلم شيئا عن ذلك الاتفاق السماوي الذي كان يقضي بصلبه. إن هذا التصور (الذي لا يمكن قبوله) يذكرنا بأبي الأنبياء سيدنا إبراهيم عليه السلام، وقد زعم الإنجيل أنه يأخذ ابنه إسماعيل عليه السلام لكي يذبحه، وهو يعلم أن الله سيفديه بذبح عظيم.

مضح علي الرغم منه :

لو كانت تلك (بزعمهم) هي خطة الله في التكفير عن خطايا البشر فإن الله – وحاشا لله- يكون (وفق زعمهم) قد تنكب الصواب. إن الممثل الشخصي (لله) قد كان حريصا ألا يموت. يتسلح ! يتباكى ! يعرق ! يجأر بالشكوى. علي النقيض من أشخاص مثل القائد الانجليزي لورد نلسون ، بطل الحرب الذي قال لشبح الموت (فيما يروي) : "شكرا لله، لقد أديت واجبي". وهنالك في بريطانيا من يهنئون أـنفسهم اليوم (نتيجة شجاعة قائدهم نلسون) ويقولون : "حمدا لله. لقد نصر الله الملكة !" لقد كان يسوع – كما يصورونه هم أنفسهم ضحية راغبة عن التضحية. ولو كانت تلك هي خطة الله أو مشيئته من أجل الخلاص، فإنها إذن خطة أو مشيئة لا قلب لها، كانت عملية اغتيال بالدرجة الأولي ولم تكن خلاصا قائما علي أساس من تضحية تطوعية.

ويصور الميجور (رتبة عسكرية : رائد) ييتس براون في كتابه "حياة قناص في البنغال" عقيدة الكفارة هذه في جملة واحدة عندما يقول في كتابه ذاك : "ولم تكن قبيلة من تلك القبائل الوثنية لتتفهم مثل هذه الفكرة الهائلة وفيها ما فيها من افتراض أن الإنسان كان قد جاء إلي الوجود ملطخا بالخطيئة، وأن هذه اللطخة (التي لم يكن مسئولا عنها) كانت بحاجة إلي من يكفر عنها : وأن خالق كل الأشياء كان عليه أن يضحي بابنه المولود من صلبه لكي يلاشى أثر هذه اللعنة الغامضة".

 

(فكرة) جيدة للتصدير :

"قبيلة من تلك القبائل الوثنية" علي حد قول ذلك البريطاني. لكن معظم أمم الغرب تعيش وتموت علي هذه "الفرية الوهمية". وهي إن لم تعد صالحة ملائمة لتتقبلها عقولهم فهي جيدة للتصدير ! وهاهم أولاء أكثر من 62000 مبشر، التبشير شاغلهم اليومي الوحيد (تتمثل فيهم الحملات الصليبية الحديثة) يثيرون الغبار في كل أنحاء العالم. مقلقين "للوثنيين" كما يدعونهم. وأكثر من 40% من أولئك الذين ولدوا من جديد (وهي التسمية التي يطلقونها علي المبشرين) إنما هم أمريكيون !

لكن الأمر العجيب في الرواية هو أن يسوع لدي فراغه من أية صلاة، كان يجد حوارييه وقد أخلدوا للنوم في أماكنهم. وكان يصيح بهم مرة تلو أخري : "لماذا لا ترقبون معي لساعة واحدة" (كما جاء بإنجيل متي26 : 40) ثم كان ينصرف مرة ثانية وكان يصلي ويقول نفس الكلمات. وعندما كان يعود كان يجدهم نياما مرة ثانية كما يحدثنا إنجيل القديس مرقس (14 : 39 – 40). لكن القديس مرقس يذهب إلي أن الحواريين لم يستطيعوا أن يقدموا سببا لتراخيهم وتناومهم. وهو يسجل عليهم أنهم حتى "لم يستطيعوا أن يجيبوه". لكن أكثرهم دقة، وهو القديس لوقا يخمن سببا لهذا التناوم فيقول : "ثم قام من الصلاة وجاء إلي تلاميذه فوجدهم نياما من الحزن".

جدل غير طبيعي :

والقديس لوقا علي الرغم من أنه لم يكن من الحواريين الاثنى عشر المختارين، فإنه يتميز بوضوح أكثر لدي المسيحيين. وهو يعد بينهم الأكثر قدرة علي التأريخ، والمفسر لطبيعة البشر فإن نظريته عن نوم الرجال بتأثير الحزن إنما هي نظرية فريدة. إن البكاء والعويل والدموع والحسرات كانت من الكثرة بالنسبة لتلك المسافة الضئيلة فيما بين أورشليم وبستان جيثسمين علي شفتي المسيح عليه السلام بحيث توقظ حواس أي شخص غير مخمور. لماذا كانت الظروف المحزنة تسلم الحواريين إلي النوم؟ هل كان تكوينهم النفسي مختلفا عن التكوين النفسي لإنسان العصر الحديث؟ إن أساتذة علم النفس يؤكدون أنه تحت تأثير الخوف والفزع والحزن، فإن الغدة التي تفرز الأدرينالين وتدفعه إلي مجري الدم علي نحو طبيعي يطارد ويطرد تماما النوم. أم أنه كان من المحتمل أن الحواريين كانوا قد أكلوا كثيرا وشربوا خمورا فأتخمتهم الأطعمة وأسكرتهم الخمر، خصوصا أن الطعام والخمر كانا هما – كما يقول الإنجليز – كل ما في البيت؟ .. ومن ثم تكون واحدة بواحدة.

الفصل الخامس

ذكاء أم شجاعة

وخطأ ثان في الحساب :

أخطأ يسوع في الحساب خطأ مزدوجا :-

  • الاعتداد والاعتماد علي الحماس البادي علي الحواريين بالحجرة التي بالطابق العلوي، مما هيأ له الاعتقاد بأن عليه فقط أن يناضل اليهود بنجاح لو حاولوا أن يقبضوا عليه في الخفاء.
  • كان اليهود مكرة خبثاء، أكثر مما كان يقدر ويحسب. لقد جاءوا في جانبهم بجنود الرومان.

ودارسوا اللاهوت المسيحي ليسوا أقل مكرا وخبثا في تفسيرهم للإنجيل. لقد حولوا عبارة "الجند الرومانيون" ببساطة إلي كلمة "الجنود" فقط ثم حرفوا كلمة "الجنود" إلي "مجموعة من الرجال" أو إلي "الحراس". يقول إنجيل يوحنا "فأخذ يهوذا الجند وخداما من عند رؤساء الكهنة والفريسيين. وجاء إلي هناك بمشاعل ومصابيح وسلاح" (يوحنا 18 : 3).

القبض عليهم نياما :

تم الإمساك بالحواريين في وضع غير ملائم، كما يقول الإنجيل أو بالأصح كانوا نائمين.وداس عليهم عدوهم بأحذية ثقيلة. وكان هنالك جندي واحد من جنود يسوع كان من الصحو وتيقظ الذهن، لدرجة أنه سأل " .. يا رب أنضرب بالسيف" (لوقا 22 : 49).

ولكن قبل أن يتمكن المسيح من محاولة الإجابة كان بطرس قد ضرب بالسيف ليقطع الأذن اليمني لواحد من الأعداء. لم يكن يسوع قد عمل حساب الجنود الرومان. وإذا تحقق أن منضدة إستراتيجيته قد قلبت رأسا علي عقب، فإن يسوع ينصح تلاميذه قائلا : " ... رد سيفك إلي مكانه لأن كل الذين يأخذون السيف بالسيف يهلكون" . (إنجيل متي 26 : 52).

تغيير في الإستراتيجية :

ألم يستجل المسيح وجه الحق في قوله السالف عندما كان قد أمر أتباعه أن يبيعوا ملابسهم ويشتروا السيوف ؟ بالتأكيد كان يعرف. لماذا التناقض الآن ؟ ليس هناك تناقض في الحقيقة ! إن الموقف قد تغير فمن اللازم تبعا لذلك أن تتغير الإستراتيجية. كان لديه من الإدراك ما يكفي لكي يتحقق أنه من الهلاك والانتحار بالنسبة لجنوده الناعسين أن يظهروا مجرد تظاهر بالمقاومة ضد جنود الرومان المسلحين المدربين.

... وأمير السلام ؟؟؟

لماذا لا يعطي المسيحيون المولعون بالجدل وثيقة تشريف ولماذا لا يمجدون "ربهم وإلههم" لهذا الفهم البسيط ؟ لأنهم كانوا مبرمجين لمدة تزيد علي ألفي عام، باعتبار أن يسوع في تصورهم إنما هو الحمل الوديع "أمير السلام" لا يمكن أن يؤذي ذبابة. وهم يتغاضون عن ذلك الجانب الآخر من طبيعته التي كانت تطلب الدم والنار ! ينسون أوامره إلي أتباعه أن يحضروا أعداءه الذين لا يقرون حكمه، لكي يتم ذبحهم قدامه. كما جاء بإنجيل لوقا (19 : 27) وكما جاء في إنجيل متي إذ يقول : "لا تظنوا أني جئت لألقي سلاما علي الأرض. ما جئت لألقي سلاما بل سيفا" (إنجيل متي 10 : 34) ويقول في إنجيل لوقا : "جئت لألقي نارا علي الأرض. فماذا أريد لو اضطرمت – أتظنون أني جئت لأعطي سلاما علي الأرض. كلا أقول لكم بل انقساما" (لوقا 12 : 49 ، 51).

ولو اعتمدنا هذه النصوص الموقرة، وصدقنا ثوراته علي علماء عصره (من اليهود) ولو ساد سيف بطرس، لشهدنا مذبحة دون رحمة مشابهة لتلك التي قام بها سلفه جيهوفا (يوشع) الذي دمر تماما كل ما كان في جريتشو أو كما جاء بسفر يوشع : "وحرموا كل ما في المدينة من رجل أو امرأة، من طفل أو شيخ، حتى البقر والغنم والحمير، بحد السيف" (سفر يوشع 6 : 21) ولن يدخر كتاب الإنجيل وسعا في اختلاق الكلمات علي شفتي يسوع كلمة كلمة لتحقيق النبوءات (إثر وقوع الأحداث) كما كان مأثورا عن "أبيه؟" داود.

الإخفاق والمحاكمة :

أخفقت المسيرة نحو أورشليم، والاعتصام داخل البستان وضح عدم جدواه. وكما أن هنالك ثمارا للانتصار فإن هناك ثمنا يلزم أن يدفع عند الاندحار. وكانت العواقب وخيمة ! فكانت المحاكمة، وكانت المحنة، وكان الاضطراب، وكان العرق، وكان الدم.

وسحب الجنود الرومانيون عيسي عليه السلام من بستان جيثسمين إلي أناس، ومن أناس إلي كايفاس، رئيس الكهنة، ومن ثم إلي السنهدرين (مجمع الأحبار) الذي يباشره أحبار اليهود للمحاكمة وتنفيذ الحكم.

بينما كانوا يتداولون يسوع بين أيديهم ويسوقونه نحو مصيره، أين كان صناديده الأبطال الذين كانوا يدقون بأيديهم علي صدورهم قائلين : نحن مستعدون يا سيد أن نموت من أجلك، ومستعدون أن نذهب إلي السجن فداء لك". يقول القديس مرقس وهو من أوائل من دونوا الإنجيل، دون خجل أو وجل يقول : "فتركه الجميع وهربوا" (مرقس 14 : 50).

ولم يستطع واضعو 27 إنجيلا تكون "العهد الجديد" أن يجدوا مثل هذا الغدر الجبان في كتاب اليهود المقدس (التوراة أو العهد القديم) لكي تتحقق النبوءة، ولو كان لمثل هذا الغدر نظير لأسرعوا في استغلاله.

الإعجاب بالهزيمة :

وخلال مناظرة بين الإسلام والمسيحية مذاعة بالتلفاز، قال أحد المشتركين الذين يدعون أنهم ولدوا من جديد (لاشتغالهم بالتبشير) : إنه يفخر بكلمة "أسلموه" وينطقها حرفا حرفا "أ س ل م و ه" مما يعني أنها كانت تعني الفخر والنصر عنده، ولا تعني مرارة الهزيمة وعارها. أن الحرفيين من أصحاب الإنجيل، قد ابتدعوا مرضا جديدا هو الافتتان بالخسة والعار. وكل منهم، ذكورا وإناثا، لن تعوزهم الحيلة كي ينسبوا خطاياهم وآثامهم وفسوقهم وسكرهم وعربدتهم إلي هذا المشجب. ويبدو أن الإنسان يلزمه أن يكون من حثالة البشر، ليكون عضوا في زمرة الذين ولدوا من جديد.

****

 

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(ثم يورد المؤلف ما نشرته جريدة "ديلي نيوز" بتاريخ 25 مارس عام 1975، من أن جثة سيدة عجوز تدعي سيكورسكي تغمز بعينها للحانوتي الذي تولي تجهيزها للدفن، بعد صدور شهادة طبية لوفاتها، مقدما صورة فوتوغرافية للموضع كما نشرته الجريدة المذكورة).

 

الفصل السادس

وقائع محاكمة يسوع

انصرفوا ساعة الحاجة إليهم :

لا يوجد في تاريخ العالم مثل هذا الخذلان المتخاذل والخيانة. لقد لقي عيسي عليه السلام استجابة هي أضعف التجاوب من حوارييه.

"كان تلاميذه المباشرون لا يفهمونه ولا يفهمون أعماله. كانوا يريدونه أن ينصب نفسه ملكا لليهود. كانوا يريدونه أن يستنزل النار من السماء. كانوا يريدون أن يجلسوا عن يمنه وعن يساره في ملكوته. كانوا يريدونه أن يريهم أباه، وأن يجعل الله مرئيا لعيونهم المجسمة، كانوا يريدونه أن يعمل، وكانوا يريدون هم أنفسهم أن يعملوا أي شيء وكل شيء يتعارض مع خطته الكبرى. تلك كانت الطريقة التي عاملوه بها حتى النهاية. وعندما حلت النهاية تركه الجميع وهربوا".

ولو كان محمد صلي الله عليه وسلم أعظم رجل في التاريخ كما قال مايكل م.هارت. ولو كان محمد عليه السلام هو أكثر الشخصيات الدينية نجاحا كما قررت الطبعة 11 من الإنسيكولوبيديا البريطانية. ولو كان محمد عليه السلام هو أعظم قائد في التاريخ علي مر كل العصور كما يؤكد جولز ماسرمان بمجلة "تايم". ولو كان محمد عليه السلام هو أعظم إنسان عاش علي وجه الأرض كما أكد لامرتين في كتابه "تاريخ الترك" فإنه يمكن أن يزعم من يشاء أن عيسي عليه السلام كان "أبأس الرسل حظا".

أساء حواريو المسيح عليه السلام فهمه. وحرف اليهود دائما ما ينطق به. وأتباعه الذين يزعمون أنهم أتباعه أساءوا دائما تطبيق تعاليمه حتى اليوم. ولو كان يسوع يابانيا بدل أن يكون يهوديا، لكان من المؤكد أن ينتحر بطريقة "الهاري كاري" بدلا من أن يتحمل زيغ وعدم إخلاص أتباعه.

حكم قضائي قبل نظر القضية :

إن مصير عيسي عليه السلام قد تم حسمه بالفعل. إن "كايفاس" رئيس الكهنة علي رأس السنهدرين (وهي الهيئة الدينية لأحبار اليهود) لا يمكن أن يكون له اعتبار بنظر أي محكمة للعدل متحضرة بسبب رأيه المسبق في المتهم. لقد كان بالفعل قد حكم علي عيسي بالموت دون استماع إليه (وإلي دفاعه). كان قد أوصى مجلسه حتى قبل نظر القضية بقوله ". . . ولا تفكرون (1) أنه خير لنا أن يموت إنسان واحد عن الشعب ولا تهلك الأمة كلها" (يوحنا 11 : 50).

وتميعت قضية يسوع ! لا بحث عن الصواب أو الخطأ. أو عن العدل أو الظلم، كان الأمر مبيتا ! وكانت المحاكمة مهزلة. بطريقة أو بأخرى، كانوا يريدون إدانة يسوع وانتهاء أمره .. وفي منتصف الليل، لو جاز لنا أن نعتبر الثانية صباحا في منتصف الليل، كان اليهود قد جهزوا شهود زور ليشهدوا ضد يسوع. وانعقاد المحكمة بعد منتصف الليل كان ضد معتقدات اليهود. لكن هذا الخروج عن الإجراءات لا يهم ورغم تشجيع وتعاطف المحققين والمحلفين للشهود فإن شهود الزور لم يستطيعوا أن يتفقوا في القرائن والوقائع التي يشهدون بها.

كان الموضوع فوق احتمال يسوع. لم يستطع أن يحتفظ بسلامه. كان عليه أن يعترض ويحتج. قال في دفاعه عن نفسه : "... أنا كلمت العالم علانية. أنا علمت كل حين في المجمع وفي الهيكل حيث يجتمع اليهود دائما. وفي الخفاء لم أتحدث بشيء" (يوحنا 18 : 20).

وفي جوهر أقواله أوضح أنه لم ينشر تعاليم سرية ولا عقائد خفية. لم يعلم شيئا في الخفاء لم يكن ليعلنه للجميع وهي القضية التي كان يمكن لليهود أن يجمعوا جيشا من الشهود ليشهدوا ضده. ولكن يا لها من مهزلة !

إن اليهود لم يستطيعوا أن يجدوا اثنين من الشهود تتطابق شهادتهما. كما ورد في إنجيل مرقس (14 : 59) وكانت حجته قوية، لدرجة أن ضابطا متعصبا بلغت به القحة إلي حد أن يضربه في صمت. هل أوهن من عزيمة يسوع؟ كلا. بدلا من أن تفل عزيمته توجه إلي متحديه قائل : ". . . إن كنت قد تكلمت رديا فاشهد علي الردى وإن حسنا فلماذا تضربني" (يوحنا 18 : 23).

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  • هكذا وردت بإنجيل يوحنا، في الموضوع المشار إليه، والصحيح لغويا أن يقال : "ولا تفكروا" (المترجم).

 

 

كانت الضحية تتفلت من بين أصابعهم. فرصتهم الآن أو لا فرصة لهم علي الإطلاق. من الناحية القانونية لم يستطيعوا أن يجرموه. الاختلاق المباشر كان ضروريا. يتدخل الكاهن الأكبر في المحاكمة قائلا "خبرنا إذن أأنت المسيح ابن المبارك فقال يسوع أنا هو .." (مرقس 14 : 61 - 62) (تقول إنك) "ابن الله" كفي تجديفا (1)

لم يكن ثمة كفر ولا خطيئة في إفادة عيسي عليه السلام البسيطة. إن كلمة "كرايست" هي الترجمة اليونانية للكلمة العبرية "مسيح" التي تعني الشخص الممسوح بالزيت. وها هنا ها هي ذي كلمة "كرايست" يتم خلطها بالله ومزجها معه. ويجب أن تفصل هذا المعني (الذي أنساق إليه اليهود أثناء محاكمة يسوع) عن الإشراك في العقيدة المسيحية فيما يتعلق بالتجسيد، حيث يتجسد الله في صورة إنسان. إن انتظار اليهود قدوم المسيح، لم يكن يوحد بين المسيح والله. حقا إن طبيعة التوحيد اليهودي كانت تتسع لكثير من أسباب الشرك. فتعتبر "ابن الله" تعبير كان جائزا في الديانة اليهودية. ويبدو أن الله كان عنده أطنان من الأبناء في كتاب اليهود المقدس ولكن لو كان المراد هو البحث عن مأزق فلا حاجة إلي الذهاب بعيدا. ستجده عند أقرب حنية. كان رئيس الكهنة فرحان تغمره النشوة. شعر أن سؤاله المباغت قد فتح الثغرات في دفاع يسوع. ولكي يضفي طابعا مسرحيا علي نصره الذي انتزعه من براثن الهزيمة أخذ يشق ثوبه وهو يقول حسب رواية مرقس : ". . . وما حاجتنا بعد إلي شهود . . . فالجميع حكموا عليه أنه مستوجب الموت" (مرقس 14 : 63 – 64).

مذنبا أو غير مذنب – "يجب أن يموت يسوع !"

حكم اليهود بغير حق، أن يسوع قد جدف علي الله وهو ما يشبه الخيانة العظمي فيما يتعلق بالناحية الروحية .. وموقف المسيحيين يتحد مع موقف اليهود في هذا الصدد معتبرين أنه لأنه إله فمن حقه أن يجدف علي الله ولا يكون ثمة تجديف. كلا الفريقين يهودا ومسيحيين يريدون يسوع المسكين أن يموت. يريده الفريق الأول (اليهود) أن يموت للتخلص منه (باعتبار أنه يدعي أنه المسيح كذبا) ويريده الفريق الثاني (المسيحيون) أن يموت ليتحقق لهم "أحلي خلاص" من الخطايا والآثام.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  • التجديف هو قول ما لا يليق بالنسبة لله سبحانه وتعالي. (المترجم).

كان الحكم سريعا وبالإجماع. وكان معدا وجاهزا. ولكن دونما مساندة من الرومان، لم يكن اليهود ليستطيعوا أن يشنقوه. أخذوا ضحيتهم في الصباح إلي يونتيوس بيلاطس لأنهم حسب قولهم : "لا يحق لنا قانونا أن نقتل أحدا" (يوحنا 18 : 31).

وبيلاطس يجيز اللعبة :

وعندما اكتشف بيلاطس أن يسوع من أهل الجليل، وهم أكثر طوائف الشعب شغبا، شعر بيلاطس أنه من الحكمة أن يجيز اللعبة فأحال قضية اليهود مع يسوع إلي مساعده هيرود. وأنتم تعرفون اللعبة الأزلية التي بدأت في الجنة، كما تقول كتابات المسيحية. لكن اللعبة لم تفلح. وبعد محاولة عقيم من هيرود للحصول علي تعاون يسوع (مع الحكم الروماني) أعاد هيرود القضية إلي بيلاطيس.

كان اليهود قد أدانوا "يسوع" بالتجديف علي ادعوا أنه رجل يزعم أنه إله. لكن هذا لم يكن يهم كان لديه في بلاده الأصلية (روما) الكثير من الرجال المتألهين عنده : جوبيتر وبلوتو وفلكان وإيروس ومارس ونبتون وأبولو وزيوس كأسماء قليلة لبعض آلهة البنثيون (1). وزيادة أو نقصان واحد لا يشكل أهمية لديه. وكان اليهود يعرفون هذا جيدا. ولذلك غيروا اتهامهم من التجديف إلي الخيانة. بدأوا اتهامهم بقولهم :

"إننا وجدنا هذا يفسد الأمة ويمنع أن تعطي جزية لقيصر قائلا إنه مسيح ملك" (لوقا 23 : 2).

وتهمة زائفة أخري :

كانت التهمة زائفة تمام الزيف. وفي مواجهة اتهامهم المزعوم قال فيما يتعلق بموضوع الضرائب : "أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله". (متي 22 : 21). أي ضير في هذا؟ كان اليهود مثلهم في ذلك مثل المسيحيين اخترعوا معني جديدا لكلمة "المسيح" إذ جعلوها تعني "الملك" لكي يبدو بسهولة كمعارض لسلطان ملك الرومان. وابتلع بيلاطس الطعم. لكن هذا الرجل المسكين البائس اليائسن، كان يبدو غير مسبب لأي خطر. إنه لم يكن يبدو مثل زيلوت المشاغب السياسي والإرهابي المعادي للنظام.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) معبد يتجمع فيه آلهة الرومان في عصرهم الوثني. (المترجم)

دفاع محكم وحكم عادل :

يسأل بيلاطس "يسوع" غير مصدق فيقول حسب رواية القديس يوحنا : "أنت ملك اليهود. أجابه يسوع . . مملكتي ليست من هذا العالم. ولو كانت مملكتي من هذا العالم، لكان خدامي يجاهدون لكيلا أسلم إلي اليهود. ولكن الآن ليست مملكتي من هنا" (يوحنا 18 : 33 – 36).

دفاع مقنع لا يستطيع مستشار الملك القانوني في بريطانيا العظمي أن يقدم أبرع منه. لم ينكر موقفه الديني. لكن مملكته كانت مملكة روحية وكانت رياسته لها كي ينقذ أمته من الرذيلة والانحلال. ولم يكن هذا الاعتبار يهم الحاكم الروماني. فيمضي بيلاطس إلي اليهود المنتظرين بالخارج ليرد لهم المتهم الذي لم يثبت عليه الاتهام وهو يقول "أنا لم أجد له علة واحدة" (يوحنا 18 : 38).

ورغم أنه من المفروض أن متي ومرقس ولوقا ويوحنا قد دونوا سجلات مستقلة، كل منهم عن الآخر – في موضوع حياة السيد المسيح عليه السلام فإنه لأمر مدهش أن نجد تلك الرؤية لأنصاف وأجزاء من الأمور، دون رؤية النصف الآخر أو الأجزاء الأخرى. إن الثلاثة الأول (متي ومرقس ولوقا) لم يكونوا قد سمعوا كلمات (المسيح عليه السلام التي تقول ) "مملكتي ليست من هذا العالم" علي الإطلاق. لو كان الله (سبحانه) قد أملي هذه الكلمات علي يوحنا وحده علي وجه القصر والإفراد، أو لو كان أحد الشهود قد أخبره بها، فمن اللازم أن هذه الكلمات قد تحركت بها شفتا "يسوع". إنها وجه دفع وبراءة هام جدا في دفاعه البارع ضد اتهام اليهود الزائف له. كيف وصلت هذه الكلمات إلي أي أذن، دون أن يكون يسوع قد فتح فمه؟.

. . . أم تكلم مغلق الفم ؟

لقد بح صوت المتحمسين للإنجيل يتغنون ويصيحون بأن يسوع اقتيد إلي الصليب "ولم يفتح فاه كشاة تساق إلي الذبح وكنعجة صامتة أمام جازريها فلم يفتح فاه". (أشعياء 53 : 7) فيا للأرواح المسكينة المضللة. والآن ها هو ذا واحد من الذين ولدوا من جديد (المبشرين) ينضم إلي الجوقة بتكرار نفس الهراء. ولنقتبس شيئا مما يقول حرفيا بكتابه لنجده يقول : إن أشعياء يخبرنا عن يسوع المسيح :

  • إن يسوع لم يشأ أن يدافع عن نفسه أثناء محاكمته "لم يفتح فمه".

وعندما تصادف شخصا واحدا من هؤلاء المغالطين سله : "هل تكلم عيسي مغلق الفم؟" وهو يقول :

  • أمام بونتياس بلاتوس "مملكتي ليست من هذا العالم". (يوحنا : 18 : 36).
  • أمام السنهدرين (عندما قال للحارس الذي بادره بالضرب : "إن كنت قد تكلمت رديا فاشهد علي الردى وإن حسنا فلماذا تضربني". (يوحنا 18 : 23).

جـ- أمام الله عندما كان في البستان إذ قال : "يا أبتاه إن أمكن فلتعبر معي عني هذه الكأس". (متي 26 : 39).

ونحن – المسلمين – نؤمن بالكثير الكثير من معجزات عيسي عليه السلام، ولكننا نحاذر أن نصدق أنه عليه السلام قد انغمس في لعبة "الكلام مع خفاء مصدر الصوت" لقد فتح عيسي عليه السلام فمه مرة إثر مرة أثناء محاكمته وفقا "للوثائق المكتوبة". أما فيما يتعلق بأولئك الذين يرفضون أن يروا أو أن يسمعوا نستطيع أن نقول إن عزاءنا في إنكارهم الحق ينبع من أقوال السيد المسيح عليه السلام إذ يقول : "لأنهم مبصرون لا يبصرون وسامعون لا يسمعون ولا يفهمون" (متي 13 : 13).

الابتزاز :

في القضية موضع الدراسة يجد بيلاطس أن يسوع ليس مذنبا ! لكن أعداء يسوع الحاقدين يلجأون إلي المساومة والابتزاز مع بيلاطس فيقولون : "إن أطلقت هذا فلست بمحبا لقيصر. كل من يجعل نفسه ملكا يقاوم قيصر" (يوحنا 19 : 12).

وأثناء إجراء المحاكمة ترسل زوجة بيلاطس إليه رسالة تقول "إياك وذلك البار لأني تألمت اليوم كثيرا في حلم من أجله" (متي 27 : 19).

ومع أن بيلاطس كان يحاذر أن يصدق علي حكم الإعدام علي أحد الرعايا الأبرياء غير الضارين، ورغم توسل زوجته العزيزة، فإنه لم يستطع أن يتغلب علي ضغط اليهود. وأجبر علي أن يستسلم لصياح اليهود خارج القصر صارخين :

"ليصلب . ." "أخذ ماء وغسل يديه قدام الجميع قائلا إني بريء من دم هذا البار" (متي 27 : 24) وقال لهم أنتم أبصر بهذا الاتهام الظالم. وأسلم إليهم يسوع لكي يصلب.

 

الفصل السابع

طرائق الصلب

أدوات الصلب :

كان الصلب طريقة مألوفة للتخلص من المجرمين السياسيين، والقتلة والمتمردين. ومنذ زمن طويل قبل مولد المسيح عليه السلام، كان الفينيقيون قد جربوا طرقا مختلفة للتخلص من الشخصيات المعارضة في المجتمع. كانوا قد جربوا الشنق واستخدام الخازوق والرجم والإغراق . . الخ. لكن كل هذه الطرق كانت سريعة في تأثيرها، وكان المتهون يتخلصون (من آلامهم) وفق  ما يشتهون. ولذا ابتدعوا الصلب نظاما يفضي إلي موت بطيء طويل المدى.

طريقتان للصلب :

اقتبس الرومان (عن الفينيقيين) نظام الصلب وأضافوا إليه. طوروا نظاما للصلب يحقق الموت السريع، ونظاما آخر يحقق الموت البطيء للتخلص من المحكومين.

ولقد احتار فنانو عصر النهضة الكبار (مثل مايكل آنجلو) ، لدي محاولتهم إنشاء لوحاتهم الفنية عن هذا المشهد الرهيب. وهم قد رسموا اللصين اللذين صلبا مع يسوع كزميلي صلب معه، أحدهم عن يمينه والآخر عن يساره، كما لو كان قد نفذ فيهما حكم الصلب بالطريقة السريعة، بينما رسموا يسوع نفسه كما لو كانت قد نفذت فيه طريقة الصلب البطيئة.

ولم يكن الرومان يخلطون أبدا بين طريقتي الصلب، ولم يكن يختلط عليهم الأمر كما اختلط علي الرسامين المسيحيين فيما بين الصلب السريع والبطيء. إن أساتذة الفن القدامى رسموا هجينا من طريقتي الصلب وخليطا منهما في لوحاتهم عن جسد يسوع علي الصليب. وعلي سبيل المثال (اختلفوا فيما يتعلق بوضع مسند أو عدم وضعه، كمسند للرأس والجسم.

واختلفوا أيضا فيما يتعلق بوسيلة تثبيت جسد يسوع علي الصليب، بين المسامير أو الأربطة الجلدية، كما اختلفوا بشأن وسيلة تثبيت الساقين، بين استخدام دعامة خشبية، أو الرزة، أو المسمار الكبير.

 

 

الإنجيل والبعد عن الحقيقة :

علي العكس من العقيدة السائدة، لم يسمر يسوع إلي الصليب مثل رفيقيه، بل ربط إليه، وفي ضوء المعلومات المتاحة يجب أن نعتبر أن سلسلة "ارتياب توماس" اختلاقا أثيما في الإنجيل، كتأثيمنا لامرأة متلبسة بالزنا. أنظر الصفحة رقم 32 من إحدى طبعات الإنجيل الحديثة، لتلاحظ الفصل الثامن الخاص بيوحنا يبدأ بالجملة رقم 12. هل يمكن أن تتصور أي فصل من فصول أي كتاب مقدس يبدأ بالجملة رقم 12 كأول جملة؟ والجمل من 1 – إلي 11 قد حذفت علي اعتبار أنها مدخولة ملفقة، بنظر ورأي 32 من أكبر أساتذة المسيحية، وأعظمهم اعتبارا يؤازرهم 50 تنظيما تابعا، وذلك بالنسبة لأحدث طبعات الإنجيل الذي يرمز له بالحروف : R.S.N. .

وكان تسرعهم نعمة مقنعة :

كان اليهود يتعجلون أقصي استعجال للتخلص من يسوع. ولنتذكر عقد المحكمة بعد منتصف الليل. وفي الصباح الباكر يجرونه إلي بيلاطس. ومن بيلاطس إلي هيرود. ومن هيرود إلي بيلاطس مرة ثانية. ووفقا لما ذكره المبشر الأمريكي المغامر، كانت هنالك ست محاكمات خلال اثنتي عشرة ساعة. وفي غضون هذا الوقت المشحون في مدينة أورشليم أيام عيد الفصح لدي اليهود، نعرف من رواة الإنجيل أن وجوه القوم كان تتحرق شوقا إلي ملاقاة يسوع، بالضبط كما يحدث خلال فيلم مثير تعلو خلاله صيحات هيا . . أسرع . . أسرع.

(ويورد المؤلف في صدر الصفحة الثانية والثلاثين من كتابه صورة فوتوجرافية كمستند لصحة ما أورده بشان الحذف الذي أشاروا إليه في الطبعة الحديثة من الإنجيل – المترجم). ويستطرد المؤلف بعدها سياق حديثة كما يلي :

ووفقا لما أورده كتاب الإنجيل المختصون، فغن اليهود والرومان قد نجحوا في وضع يسوع علي الصليب الساعة 6 وهي تعني 12 ظهرا. وعند الساعة 9 وهي تقابل الساعة 3 كان قد أسلم الروح؟ فيا لغرابة أولئك اليهود كما أنهم كانوا متسرعين في تعليق يسوع علي الصليب، ها هم أولاء متسرعون في إنزاله عن الصليب. هل يمكن لك أن تتصور السبب؟ إنها طقوسهم الدينية المتعلقة بيوم السبت. كانوا قد حذروا في اللوح الخامس من ألواح موسي كما جاء بسفر التثنية تحذيرا هذا نصه : "وإذا كان علي إنسان خطية حقها الموت فقتل وعلقته علي خشبة فلا تبت جثته بل تدفنه في ذلك اليوم. لأن المعلق ملعون من الله فلا تنجس أرضك التي يعطيك الرب إلهك نصيبا" (التثنية 21 : 23).

ولمسايرة الطقوس اليهودية (أو لأي سبب آخر) وللتعجيل بالموت علي الصليب، فإن الجلاد يستخدم آلة تسمي "كروي فراجيوم" وهي تشبه هراوة فظيعة تقطع بها الرجلان فيموت المحكوم عليه بالإعدام (من جراء النزف) في غضون ساعة. كانت تلك هي الطريقة السريعة من طريقتي الموت صلبا.

(وعلي الصفحة الثالثة والثلاثين يثبت المؤلف لوحة مرسومة للفنان تشارلز بيكارد. عليها تعليق جهة اليسار يلفت النظر إلي أن سيور الجلد هي التي استخدمت وليست المسامير. وجهة اليمين حذفت الدعامة التي تحفظ توازن الجسم من الخلف).

( المترجم )

 

 

 

 

الفصل الثامن

أساليب الله غير أساليبنا

هل أجاب الله دعاء عيسي عليه السلام؟ كان قد تضرع إلي الأب المحب في السماء طلبا للنجدة مع البكاء بالدموع. "وإذ كان في جهاد كان يصلي بأشد لجاجة وصار عرقه كقطرات دم نازلة علي الأرض" . (لوقا 22 : 44).

ماذا يمكن أن نتوقعه بالنسبة لهذه الصلاة النابعة من القلب والتوسل؟ يذكرنا أحد إخوته الأربعة أن "الصلاة بصدق وحماس لرجل صالح تحيي الكثير" (جيمس 5 : 16).

مثل هذه الصلوات النابعة من القلب، ومثل هذه الصيحات المخضبة بالدماء، ومثل هذه اللوعة، ومثل ذلك الأسى، تكاد تنادي الله فوق عرشه أن تحل عنايته.

ويستجيب الله لدعاء يسوع :

يؤكد القديس بولس، أن الدعاء لم يقع علي آذان صماء : "الذي في أيام جسده إذ قدم بصراخ شديد ودموع طلبات وتضرعات للقادر أن يخلصه من الموت وسمع له (1) من أجل تقواه". (العبرانيين 5 : 7).

ماذا يعني قوله : "وسمع له" ! يعني أن الله قد قبل دعاءه. إن الله جلت قدرته هو السميع دوما. لقد سمع (أي أنه استجاب) لدعوات يسوع كما سمع (واستجاب) لدعوات أبيه إبراهيم عليه السلام.

. . كان سيدنا إبراهيم عليه السلام – وقد تقدمت به السن – قد دعا أن يرزقه الله بغلام، فوهب الله له سيدنا إسماعيل عليه السلام، فولد له. أصبحت كلمات سيدنا إبراهيم لحما ودمـا (أي تحقق لـه الدعـاء) وتعني كلمـة "إسماعيل" حرفيا في اللغـة العبريـة أن الله قد سمـع.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  • أي تناقض أوضح من هذا؟ يدعو يسوع ربه أن ينقذه، وتؤكد نصوص الإنجيل أن الله استجاب لدعائه ثم يصرون علي أنه قد مات علي الصليب، وهو مناقض لاستجابة الله دعاء يسوع أن ينقذه. (المترجم).

 

وزكريا أيضا – عليه السلام – دعا الله في سن متقدمة أن يهبه غلاما ، وسمع الله دعاءه (استجاب له) وولد له يوحنا المعمدان (سيدنا يحيي عليه السلام). والآن ها هو ذا يسوع يجأر بالدعاء طلبا للنجاة "وقد سمع الله" (أي استجاب لدعائه) وجاء بإنجيل لوقا ما يلي : "وظهر له ملاك من السماء يقويه" (لوقا 22 : 43).

نعم يقويه إيمانا وأملا في أنه سينقذه. وهذا بالفعل هو ما يسأل عيسي الله أن يتمه له. متي وكيف يستقر وحده بين يدي الله. إن أساليب وكيفيات قدرة الله غير أساليبنا نحن البشر. ولنحص بركات الله (خلال محنة عيسي عليه السلام) لنجده :

  • التوكيد المطمئن من السماء.

(ب) يجده بيلاطس غير مذنب.

(ج) رؤيا زوجة بيلاطس وفيها تنبأ بأن عيسي يجب ألا يمسه أذي.

(د) لم تقطع ساقاه.

(ه) اليهود يتعجلون إنزاله عن الصليب.

ماذا أبقي للعظام :

الملحوظة الرابعة فيما ورد أعلاه التي تشير إلي أنهم "لم يقطعوا ساقيه" إنما كان تحقيقا لنبوءة، وردت بالمزمور الرابع والثلاثين تقول : "يحفظ جميع عظامه. واحد منها لا ينكس" (المزامير 34 : 20).

ولو حفظت عظام الضحية من الأذى، فإنها تكون نافعة له فحسب لو ظل حيا ! وبالنسبة لشخص مات فعلا، فإن سلامة عظامه لا تفيده بشيء. وسواء كانت قد قطعت أو هشمت، فهي لن تفيد الجسم الذي مات صاحبه. لن تفيد روحه. ولكن بالنسبة لأشخاص أحياء علي الصليب فإن تقطيع الرجلين يعني كل الفرق بين الموت والحياة. ولم يكن الرومان الوثنيون معنيين بكفالة تحقيق أي نبوءة. فهم كما يقول القديس يوحنا :

"وأما يسوع فلما جاءوا إليه لم يكسروا ساقيه لأنهم رأوه قد مات" (يوحنا 19 : 33).

"رأوا" كلمة بسيطة جدا. ولكن لنا أن نسأل : ماذا رأوا؟ هل لنا أن نتخيل أن ما حدث كان تحقيقا لقول المسيح : "ومبصرون تبصرون ولا تنظرون" (متي 13 : 14) وعندما يقول يوحنا الجنود "رأوه" فإنه يقصد أنهم "قدروه" لأنه لم يكن لديهم جهاز "استيذوسكوب" حديث للتحقق من الوفاة ولا كان أحدهم قد لمس جسده أو قاس ضغط دمه أو نبضه لكي يخلص إلي نتيجة أنه كان "قد مات فعلا". إنني أري في كلمة "رأوه" علامة أخري من علامات مشيئة الله في إنقاذه.

(ثم يورد المؤلف صورة فوتوغرافية لما تم نشره بجريدة "ويك إند وورلد"، وقد علق علي الرسم بقوله هذا الرجل لا يصلب، لكنه يمثل دور المصلوب. وتحت الصورة يوجد تعليق يقول إن السيد بيتر فان دير برج ينزل إلي الأرض (معني ذلك أنه لم يفارق الحياة) بعد أن علق علي صليب لمدة عشرين دقيقة. والسيد فان دير برج يعمل في حانة للخمر (بارمان) في مدينة نيوكاسل بنيتال سمح بأن يسمر إلي الصليب في الأسبوع الماضي، ليبرهن علي أن الإنسان يمكن أن يسيطر علي جسمه.

***

 

 

 

 

 

 

الفصل التاسع

عودة من الموت إلي الحياة يوميا

بكل أوجه التقدم في مجال الطب منذ المسيح عليه السلام، ومع كل الوسائل العلمية الحديثة المتاحة لنا، فإن مئات الناس تحرر لهم شهادات وفاة يوميا في كل أنحاء العالم. وبينما أنا مشغول بكتابة هذه السطور أجد انتباهي يشد نحو حادثة القتل القريبة العهد التي تعرض لها السيد : بارناباس، الذي حمل إلي مستودع الجثث بعد أن "أعلنت وفاته إكلينيكيا". ولم يكن هذا الإعلان من قبل الجنود الرومان في العصر القديم، ولكن هذا الإعلان قد تم من قبل رجال مؤهلين طبيا علي أعلي مستوي. وتناولت الصحف هذا الحدث باعتباره أنه صدمة عام 84 (1) وثمة أمر مدهش آخر تحت عنوان "صدق أو لا تصدق" تجده علي ص 81 من هذا الكتاب عن صحفي يتتبع الناس الذين عادوا من بين الموتى مع تقديم نبذة عن تاريخ حياتهم لتحقيق أعلي نسبة توزيع. وهاك قائمة كمجرد بداية لتقول رأيك :

بعث بعد موت أم مجرد انتعاش؟.

  • بنت صغيرة "ماتت" تحكي كيف عادت إلي الحياة بعد 4 أيام. (ديلي نيوز 15/11/55).
  • مات رجل لمدة ساعتين : لا يزال يعيش. معجزة تحير الأطباء. (سنداى تربيون 27/3/60).
  • مات لمدة 4 دقائق – توقف قلب الرجل لكنه يستمر في الحياة – (سنداى اكسبرس 23/7/61).
  • لا يعرف أنه مات لمدة 60 ثانية. (كيب آرجوس 16/3/61).
  • دكتور هتج عاد من بين الموتى. (كيب آرجوس 4/5/61).
  • وتحرك الكفن – أفلت الشاب من الدفن حيا. (سنداى تربيون 13/5/62).
  • عودة من عالم الموتى – بعد الاعتقاد بوفاته بيومين (بوست 25/7/65).
  • الجثة تغمز بعينها لمتعهد الدفن – وكتب الطبيب شهادة الوفاة (ديلي نيوز 25/3/75).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  • يوصي المؤلف بمراجعة ص 81 من هذا الكتاب. (المترجم).

 

  • ميت إكلينيكيا – لا يزال "تودلر" حيا بعد معركة لمدة ساعة لإنقاذه. (ناتال مركوري 25/12/82).

(10) هل كان ميتا أم كان حيا؟ المعضلة التي تواجه زرع الأعضاء. (سنداء تربيون 17/7/83).

(11) يهز فيتحرك – بعد الإعلان عن وفاته إكلينيكيا "بسبب كثرة الشرب في عيد الكريسماس (ديلي نيور 3/1/84) هذه القائمة المحزنة لا تكتمل إلا إذا قام ناد أو جمعية يكون الشرط الوحيد للعضوية هو الموت والعودة من بين الموتى. ونقول لو أن كل شيء حدث "كما تقول الكتب المقدسة لدى المسيحيين" فإن يسوع يمكن أن يكون رئيس هذا النادي أو تلك الجمعية !.

وفي بقية الصفحة الثامنة والثلاثين يورد المؤلف صورة فوتوغرافية لناد للعائدين من بين الموتى يضم أحد اجتماعاتهم بفندق سافوي بلندن سبعة أشخاص .. الخ ..).

( المترجم )

 

***

 

 

 

 

 

 

 

 

الفصل العاشر

التعاطف مع يسوع

يعمل الله مشيئته بطريقة لا نعرفها. يبث في روع الجنود أن الضحية قد "مات بالفعل" كي لا يقطعوا ساقيه، ولكنه في نفس الوقت يجعل جنديا آخر يغزه بالرمح (للتأكد من الوفاة) في جنبه و . . " للوقت خرج دم وماء" (يوحنا 19 : 34).

من أفضال الله سبحانه وتعالي، أن الجسم الإنساني عندما لا يتحمل الألم والتعب أكثر من طاقته فإنه يدخل عالم اللاشعور. لكن انعدام الحركة والتعب ووضع الجسم بشكل مغاير لطبيعته ولراحته علي الصليب، كل ذلك جعل الدورة الدموية تبطئ. وغزة الرمح إنما جاءت لتنقذ. وبخروج شيء من الدم استطاعت الدورة الدموية أن تستعيد مسارها وعملها وإيقاعها. وتؤكد لنا دائرة معارف الإنجيل تحت "مادة الصليب" بالعامود رقم 960 أن "يسوع كان حيا عندما وجه إليه الرمح". وهذا أيضا يؤكد قول يوحنا فيما يتعلق "بالماء والدم" وأنهما انبعثا علي الفور. إذ أنه يقول "وعلي الفور، أو : وفي الحال" مما يعد دليلا مؤكدا علي أن يسوع كان حيا.

ولكن لماذا "الماء والدم" ؟ لقد أدلي الدكتور و . ب . بريمروز أخصائي التخدير بمستشفي جلاسجو الملكي برأيه من واقع خبرته كما أورده في دورية تنكرز دايجست الصادرة بلندن في شتاء عام 1949 عندما قال : "كان الماء ناتجا عن الإرهاق العصبي الواقع علي الأوعية الدموية الذي يرجع تحديدا إلي التأثير فوق الطاقة للضرب بالهراوات" وعندما كان يسوع قابعا ببستان جيثسمين تؤكد المصادر الطبية أيضا أن العناء الذي كابده يؤيد أيضا التفسير السابق.

البروتستانت لهم رأي آخر :

ليس كتاب الإنجيل متفقين فيما يتعلق بوقت وضع يسوع علي الصليب. لكن يوحنا يخبرنا أن عيسي عليه السلام كان موجودا في حضرة بيلاطس في مقر حكمه عند الساعة 12 ظهرا "وعند الساعة السادسة (بالتوقيت العبري) قال "خذوا ملككم". كما جاء بإنجيل يوحنا (19 : 14). وبعد جدل وشد وجذب، تم تسليمه ليصلب. تخيل التحرك المضطرب والصليب الثقيل الذي فرض علي يسوع أن يحمله بنفسه. والصعود الطويل إلي جبل جلجوثة (مكان الصلب) لا يمكن أن يتم في دقائق قليلة. وتجهيز القوائم الخشبية والربط والرفع يلزم أن يستغرق هذا وذاك كله بعض الوقت. ربما يعرضه البث التلفزيوني في 30 ثانية، ولكن في الواقع الفعلي لا ينجز كل ذلك بسرعة. ولم يوفق إنجيل يوحنا في تحديد وقت رؤية يسوع للملاك (الذي جاء ليشجعه ويشد أزره)، ولكن الشراح يتفقون أن ذلك إنما تم في "الساعة التاسعة" أي 3 بعد الظهر.

ويقول دين فارار بالصفحة 421 من كتابه "حياة المسيح" "كان يسوع علي الصليب لمدة ثلاث ساعات ثم أنزل عنه".

بونتياس بيلاطس يتعجب :

تحكي لنا كتب الإنجيل في مختلف الصيغ، انه بين الساعة السادسة والساعة التاسعة (12 ظهرا حتى 3 بعد الظهر) كان هنالك رعد وكسوف شمس وزلزال ! – هكذا دون قصد ؟ كلا. كان ذلك لتفريق الغوغاء بعد استمتاعهم بيوم عطلة رومانية. وكان ذلك لإطلاق يدي الرحمة المتمثلة في أتباعه المخلصين المسرين لاتجاهاتهم كي يهبوا لنجدته.

وذهب يوسف الذي كان من أريماتا في معية أحد جنود الرومان (قائد مئة) كان متعاطفا مع يسوع، وكان قد قال : "حقا كان هذا الإنسان ابن الله" كما ورد بإنجيل مرقس (15 : 39) ذهبا إلي بيلاطس وطلب يوسف جسد يسوع. "فتعجب بيلاطس أنه مات كذا سريعا فدعا قائد المئة وسأله هل له زمان قد مات" (مرقس 15 : 44). ماذا كان سبب تعجب بيلاطس ؟ كان يعرف بحكم تجربته وخبرته أن أي رجل لا يمكن أن يموت علي الصلب في غضون ثلاث ساعات ما لم تكن "الكوريفراحيوم" معدة لذلك وهو ما لم يحدث في حالة يسوع، وهو ما حدث بالنسبة لرفيقيه في الصلب اللذين بقيا أحياء.

سبب العجب :

من المعقول أن يواجه رجل جماعة إطلاق النار (عند تنفيذ حكم الإعدام رميا بالرصاص) وأن تصيب الطلقات جسمه فيموت، ولا يكون ثمة داع للعجب. ولو أخذ شخص إلي المقصلة وشنق ومات لا يكون ثمة داع للعجب.

ولكن عندما يبقون علي قيد الحياة حيث نتوقع بإدراكنا العام أن يموتوا، فلا مناص من بالغ العجب. وعلي العكس من ذلك نجد بيلاطس يتوقع أن حياء..

يكون عيسي حيا علي الصليب (لم يمت بعد) كما ينبئونه فإن تعجبه أيضا طبيعي. ولم يكن لديه سبب يجعله يتحقق من أن يسوع ميت أم حي. ولماذا يهتم لو كان يسوع حيا؟ ألم يجده بريئا من التهم الموجهة إليه من اليهود؟ ألم تحذره زوجته من إلحاق أي أذي بهذا الرجل العادل؟ ألم يضطر إلي الاستسلام لضغط اليهود عليه؟ فلو كان يسوع حيا فما أجدره بحظ حسن ! ويصرح بيلاطس ليوسف أن يأخذ الجسمان.

وهكذا كان لها أتباع مستترون :

إن أتباع يسوع، أولئك الذين أطلق عليهم قوله "إنهم أمي وإخوتي" ليصور منزلتهم في قلبه – اختفوا عن ناظريه، عندما كان في مسيس الحاجة إليهم. وكان ثمة أتباع آخرون – مثل يوسف الأريماتى ومثل نيكوديموس – لم يرد لهم من قبل ذكر حتى حان وقت شدة يسوع وحاجته إلي النجدة والمساعدة. كانا وحدهما هما اللذين تداولا جثمان يسوع بالإضافة إلي مريم المجدلية وأخريات متفرجات. ونزولا علي مقتضيات الطقوس الدينية لدي اليهود، فإن عملية غسل الميت والمسح عليه وتكفينه يلزم أن تكون قد استغرقت أكثر من ساعتين. ولو كانت هنالك أية آثار للحياة في أي عضو من أعضاء الجسد الملفوف فلم يكن أحد من المحيطين به من الحماقة بحيث يصيح في الجموع المتطفلة إنه حي. إنه حي. لقد كانوا يعرفون أن اليهود سيعاودون التأكد من أن روحه قد انتزعت من جسده.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الفصل الحادي عشر

لماذا علامتا التنصيص ؟؟ . . ,, . . ,,

ارتياب اليهود وقلقهم :

ليس لنا بحال أن نفترض أن يسوع تم دفنه علي عمق ستة أقدام. كان قبر يسوع ضخما كحجرة جيدة التهوية وليس قبرا. ويعطي "جيم بيشوب" (وهو عالم من كبار علماء المسيحية) في كتابه "يوم مات المسيح" مواصفات قبر المسيح كما يلي : الاتساع خمسة أقدام. الارتفاع سبعة أقدام. العمق خمسة عشر قدما. مع نتوء أو نتوءات بالداخل. ومأوي بهذه المواصفات يسعد أي واحد من سكان الأحياء الشعبية للإقامة فيه كمسكن له. وارتاب اليهود. كان كل شيء يدعو للارتياب.

  • كان طريق الاقتراب من المقبرة سهلا متاحا.

(ب) زميلاه علي الصليب لا يزالان أحياء.

(د) لم تقطع ساقاه بينما قطعت ساقا كل من رفيقه علي الصليب.

(هـ) التصريح السهل السريع الذي منحه بيلاطس للحصول علي جثمان يسوع.

ولهذه الأسباب ، ولأسباب أخري كانت لليهود شكوكهم. شعروا أنهم كانوا قد خدعوا. (وتساءلوا) : هل ما يزال يسوع "علي قيد الحياة" ! وهرعوا إلي بيلاطس.

أخطاء اليهود :

يقول القديس متي : "وفي الغد اجتمع رؤساء الكهنة والفريسيون إلي بيلاطس قائلين يا سيد قد تذكرنا أن ذلك المضل قال . . فمر بضبط القبر إلي اليوم الثالث لئلا . . فتكون الضلالة الأخيرة أشر من الأولي" (متي 27 : 2 – 64).

وهكذا يتحدث اليهود عن "الأولي" و "الأخيرة" غير مدركين أنهم في تعجلهم العصبي كانوا قد وقعوا في غلطة أو سقطة أخرى.

كانوا قد ذهبوا إلي بيلاطس في اليوم التالي فحسب. كانوا يريدون غلق الحظيرة علي الحصان بعد أن نجحوا في إدخاله إليها. وكان بيلاطس قد طفح به الكيل منهم ولذا قال لهم : "عندكم حراس. اذهبوا واضبطوه كما تعلمون" (متي 27 : 65) ولم يكن بيلاطس ليندفع مع هواهم. كان لديه أكثر من سبب لكي يكرههم.

هـــوس :

لا يهم ما فعله أو ما لم يفعله اليهود بعد رد بيلاطس الجاف عليهم. لقد كانوا قد فقدوا بالفعل يوما كاملا ! لكن المسيحيين المتعلقين بـأوهى الأسباب يحرفون تعبير "حرس المعبد" إلي "الجنود" ويجعلون هؤلاء الجنود "جنودا للرومان". ثم يملأون الصفحات مبالغين في كفاءة آلة الحرب الرومانية، ليخلصوا إلي إنها لا يمكن أبدا أن تضبط غافية غافلة أو تاركة لمكان الحراسة ! والنتائج محتومة لمن يساق إلي هذا المنزلق. هلي يعني ما كتبوه (عن عظمة وقوة آلة الحرب الرومانية) أن الجندي الروماني معصوم من الخطأ؟ وبينما يستغرق القارئ المسالم في مطالعة التفاصيل المتشعبة، يكون مستعدا مهيأ أن يبلع الطعم والسنارة. وهو خداع طوروه ليصبح فنا من الفنون !.

ما هو الخطأ الأول الذي وقع فيه اليهود في محاولاتهم التخلص من يسوع؟ كان الخطأ الأول أنهم سمحوا بإنزال يسوع عن الصليب دون كسر ساقيه تحت زعم أنه كان قد مات. وكان الخطأ الأخير لهم أنهم مكنوا لأتباع يسوع غير المعروفين علنا أن يقدموا المساعدة لرجلهم الجريح بعدم غلق المقبرة غلقا محكما. وأيضا وفي نفس الوقت بتأجيلهم الذهاب إلي بيلاطس إلي اليوم "التالي" الذي كان وقتا متأخرا لدرجة أن . . . ! يعمل الله قدرته بطريقة لا يعرفها البشر. إن أساليبه في إعمال قدرته غير أساليبنا وهو سبحانه وتعالي يقول وهو أعز القائلين في القرآن الكريم :

) ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين ( (آل عمران : 54).

وصباح يوم الأحد :

كان ذلك صباح يوم الأحد، أول أيام الأسبوع حسب التقويم اليهودي الذي يعتبر يوم السبت هو اليوم السابع في الأسبوع، عندما زارت مريم المجدلية بمفردها مقبرة يسوع (مرقس 16 : 9 ويوحنا 20 : 1).

والسؤال هو "لماذا ذهبت هنالك ؟" هل ذهبت هنالك كي تمسح عليه بالزيت، كما يخبرنا القديس مرقس (16 : 1).

والسؤال الثاني هو هل جري العرف بين اليهود أن يمسحوا جسد المتوفى بالزيت في اليوم الثالث لوفاته؟ الإجابة هي : " لا !" إذن لماذا أرادت المرأة اليهودية (مريم المجدلية) أن تدلك جسد المسيح بعد 3 أيام من إعلان وفاته؟ ونحن نعلم أنه خلال 3 ساعات يغدو الجسم متصلبا صلابة الأجساد الميتة. وفي غضون ثلاثة أيام يتحلل الجسم من الداخل. تنشطر وتتحلل خلايا الجسم. ولو حك أي شخص مثل هذا الجسد يتفتت أجزاء صغيرة. فهل يكون لتدليك الجسم إذن معني؟ الإجابة هي : لا !.

لكن هنالك معني، (ومعني كبير ومفهوم) لو كانت مريم المجدلية تبحث عن شخص حي. وأنت أيها القارئ الكريم تدرك أنها كانت بالقرب من الشخصين الوحيدين اللذين قاما بالطقوس الأخيرة لجثمان يسوع وهما يوسف الآريماتي ونيكوديموس. ولو كانت قد شاهدت أي دليل علي وجود دبيب للحياة في أي عضو من أعضاء جسد يسوع لما كان معقولا أن تصيح إنه حي ! إنها تعود بعد ليلتين ويوم عندما كان سبت اليهود قد انقضي لكي تعني بيسوع.

الكفن خال من الجسد – بعد إزاحة الحجر :

وعند وصولها إلي المقبرة استبدت بها الدهشة إذ وجدت أن شخصا ما كان قد سبقها بالفعل وأزاح الحجر (الذي يسد مدخل المقبرة) وبالدخول إليها تجد أن الملاءة التي يلف بها جسد الميت مطوية ملفوفة مكومة بالداخل. (بدل أن تكون ملفوفة حول الجسد الميت) هل ثمة مجل لأمثلة أكثر؟ نعم يثور ثمة سؤال يقول : لماذا أزيح الحجر (من باب المقبرة؟ ) الجواب علي ذلك أنه بالنسبة لشخص يعود إلي الحياة (بقدرة الله) شخص كان قد قهر الموت (بإرادة الله) ليس من الضروري أن يتزحزح الحجر كي يخرج (من المقبرة) كما لم يكن ضروريا للملاءة الملفوف بها جسده أن تلف لكي يخرج منها. الجواب علي ذلك أنه بالنسبة للروح لا تشكل جدران الحجارة سجنا ولا تحد قضبان الحديد قفصا.

إن تزحزح الحجر وانفلات الملاءة الملفوف فيها الجسد من ضرورات (تحرير) جسم مادي. كانت المقبرة الخالية تشكل قمة الإثارة التي لم تكن (مريم المجدلية) تتوقعها. ولذا فإن المرأة التي أصابتها الهستيريا (لدرجة أن القديس مرقس يقول إن يسوع كان عليه أن يخرج منها سبعة شياطين – 16 : 9) تنهار وتبكي. وكان يسوع يرقبها من مكان مجاور – ليس من السماء، ولكن من الأرض.

كانت المقبرة من ممتلكات يوسف الآريماتي الخاصة وكان واحدا من أثرياء اليهود ذوي النفوذ. وحول هذه المقبرة كانت ثمة مزرعة للخضروات.  وكان لمثل هذا الرجل اليهودي الموسر أن يجعل من مثل هذه المزرعة أو الحديثة أشبه ما يكون بالمنتجع الترويحي لنفسه ولأسرته لقضاء فترات من الراحة !.

مفارقة مضحكة :

كان يسوع هناك ! وكان يرقب مريم المجدلية إنه يعرف من تكون ويعرف لماذا هي موجودة بالمكان. يقترب خلفها ويجدها تبكي أو تصرخ لذلك فإنه يسأـلها :

". . . يا امرأة لماذا تبكين. من تطلبين" (يوحنا 20 : 15) وقبل أن تجيب (مريم المجدلية9 دعنى أتدخل فأثير سؤالا :

"لماذا يسأل يسوع أسئلة لا لزوم لها؟ ألا يعرف الأسباب الظاهرة؟ بالطبع – يعرف ! إذن لماذا يسأل؟ ".

الجواب علي ذلك أنها كانت أسئلة لها ما يبررها. نعم، إنه يعرف أنها كانت تبحث عنه، لكن خاب أملها (إلى حد الصدمة) بعدم عثورها عليه. ومن ثم كان نحيبها. لكنه أيضا يعرف أنها لن تتعرف عليه بسبب تنكره التام المتقن. ولذا فهو – علي نحو معقول – يستدرجها (إلي حالة السواء والاعتدال بالكلام إليها). وعند وصف هذه الجزئية يقول القديس يوحنا : "وهي إذ اعتقدت أنه البستاني قالت له" : والآن، لماذا تعتقد مريم أنه البستاني؟ هل العائدون من بين الموتى يلزم بالضرورة أن يشبهوا عمال البساتين؟ كلا !! إذن لماذا تعتقد أنه البستاني؟ الجواب هو أن يسوع كان متنكرا كبستاني ! ولماذا يتنكر كبستاني؟ الجواب : لأنه خائف من اليهود ! ولماذا يخاف من اليهود؟ لأنه لم يمت ولم يهزم الموت ! لو كان قد مات أو لو كان قد هزم الموت لما كان ثمة داع للخوف. ولم لا؟ لأن الجسم لا يموت مرتين ! من القائل بهذا؟ الكتاب المقدس يقول به. أين؟ في الرسالة إلي العبرانيين 9 : 27 يقول : ". . وكما وضع للناس أن يموتوا مرة ثم بعد ذلك الدينونة؟.

العودة من بين الموتى :

ولكن ماذا عن مئات الناس الذين عادوا من بين الموتى؟ إننا نقرأ  عنهم يوميا علي صفحات الصحف. أولئك الناس الذين صدرت شهادة طبية بوفاتهم بواسطة رجال لهم وظائف رسمية في مجال العمل بالصحة وعادوا بالصدفة إلي الحياة، لم يكونوا قد حضرتهم الوفاة في حقيقة الأمر بالمعني المعروف للوفاة والبعث بعد الوفاة. إن أطباءنا قد أخطأوا وسوف يستمرون في ارتكاب الأخطاء. ولا سبيل إلي تجنب ذلك. ولكنني أريدك أن تلحظ كلمة ميت الموجودة بصفحة 63 وكلمة "الجثة" الموجودة بصفحة 22 .

وكلمة "الصلب" الموجودة بصفحة 58 كل هذه الكلمة بين علامتي تنصيص أي شولات. وبهاتين العلامتين يوضح لنا رجل الصحافة الماهر أن "الميت" ليس بميت وأن "الجثة" ليست جثة ميت وأن عمليات "الصلب" ليست عمليات صلب فعلي ولكن عمليات تشبه الصلب وتمثله (كما في المسرح) لكنه ليس صلبا حقيقيا (كذاك الذي كان يمارسه الرومان تنفيذا لأحكام الإعدام) إنهم كانوا موتى "زعم موتهم" وكانوا "جثثا مزعومة" وكانوا "ممثلي عملية صلب". ولكن من وجهة نظر العاملين بالصحافة، فإن تعبير "مزعوم" يقلل من مبيعات الصحف. (أي أنهم ينشرون الخبر علي أساس أنه حقيقة ثم ليكتشف القارئ بعد ذلك ما يشاء) لكن الشغل شغل ! ولذلك يستخدمون " . . . "  الشولات. وفي حقيقة الأمر، لا يموت الإنسان مرتين. ولا يهم – إزاء هذه الحقيقة – عدد شهادات الوفاة التي تحرر له.

وتستمر الرواية :

وإذ تظن مريم المجدلية يسوع في تنكره، تظنه البستاني، فإنها تقول : "يا سيد إن كنت أنت حملته فقل لي أين وضعته . ." (يوحنا 20 : 15). إنها لا تبحث عن جثة. (لو كانت تبحث عن جثة لاستخدمت ضمير غير العاقل it في الانجليزية ولكنها استخدمت ضمير العاقل him ) وهي إذن تبحث عن إنسان حي. وهي تريد أن تعرف أين "أرقده" (وفعل يرقد شخصا ليستريح لا ليستخدم لغير الأحياء) وهي لم تقل له "أين دفنته؟ " (يوحنا 20 : 15).

تأخذه معها؟ أين؟ ماذا تفعل بميت (عندما تأخذه معها) ؟ كانت تستطيع فقط أن "تدفن" الميت. من يحفر القبر؟ إن حمل جثة قد يكون في مقدور امرأة أمريكية متحررة متجبرة، لكنه ليس في مقدور يهودية مرفهة كي تحمل جسما ميتا يزن مالا يقل عن مائة وستين رطلا. إن هذا الثقل بالإضافة إلي 100 رطل من المواد المصاحبة يصل إلي ثقل 260 رطلا.وحمل هذا الثقل شيء ودفنه شيء آخر. إن محاولة يسوع مداورة هذه المرأة قد ذهب إلي حد بعيد.

ولم تكن المرأة قد استطاعت أن تكتشف التنكر بعد. وكان يسوع في موقف يسمح له أن يضحك (لو شاء الضحك) لكنه لم يستطع أن يتمالك نفسه أكثر من ذلك. يندفع قائلا : "مريم ! " كلمة واحدة ! لكنها كانت كافية. فعلت كلمة مريم ما لم تفعله كل الكلمات السابقة. مكنت مريم من أن تتعرف علي " سيدها" ولكل امرئ طريقته في نداء الأقربين إليه. إن طريقة نطقه للحروف جعلت مريم تجيب "سيدي . سيدي" وتتقدم وقد أطار صوابها الفرح لتمسك بسيدها وتقدم بين يديه فروض تبجيلها له. لكن عيسي يقول لها : "لا تلمسيني".

أسئلة مطمئنة :

ولم لا؟ هل هو حزمة مكهربة، أو مولد كهربي لو تلمسه تصعق؟ كلا ! "لا تلمسيني !" لأنها ستسبب له ألما. ورغم أنه كان يبدو علي ما يرام من كل الوجوه إلا أنه كان قد خرج توا من تعامل جسمي وروحي عنيف. وربما يكون مؤلما إلي حد يفوق احتماله لو سمح لها (أن تتعامل مع المناسبة بكل عنفها مما ينعكس علي طريقتها معه) (1). ويستطرد يسوع في كلامه إلي مريم ويقول : ". . . لأني لم أصعد بعد إلي أبي" (يوحنا 20 : 17).

ولم تكن مريم المجدلية عمياء . . كانت تستطيع أن تري الرجل واقفا أمامها. فماذا يعني بقوله : "لم أصعد بعد" – يصعد إلي أعلي – عندما كان واقفا "علي الأرض" أمامها بالضبط؟ إنه في الحقيقة يقول لها إنه لم يبعث من بين الموتى وبلغة اليهود، وباستخدام تعبير اليهود : "لم أمت حتى الآن" إنه يقول : "إنني حي".

"فلما سمع أولئك (الحواريون) انه حي وقد نظرته (أي مريم المجدلية) لم يصدقوا". (مرقس 16 : 11).

 

 

 

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  • تصور حالة شخص مجروح اليد مثلا يصافحه شخص بحماس وهو لا يعرف أن يده مجروحة أو كم هو مريض أو مجروح. (المترجم).

 

الفصل الثاني عشر

ولم يصدق الحواريون

رحلة إلي عمواس :

وفي نفس ذلك اليوم في الطريق إلي بلدة عمواس، يرافق يسوع اثنين من تلاميذه ويتسامر معهم لمسافة خمسة أميال دون أن يتعرفوا عليه ! يا له من فن متقن ! وعندما وصلوا غاية طريقهم يقنعون السيد أن يتناول معهم الطعام. يقول القديس لوقا : "فلما (1) اتكأ معهما أخذ خبزا وبارك وكسر وناولهما" (لوقا 24 : 30).

ومن طريقته في تناول وكسر الخبز (أي الطريقة التي بارك بها الخبز) "تفتحت عيونهم"فهل كانوا قد مشوا من أورشليم إلي عمواس مغمضي العيون؟ كلا ! إننا نعلم من حيث يخبروننا أنهما تعرفا عليه فحسب من هذه البادرة (طريقته في مباركة الخبز). ويستمر لوقا في قصته وأنه عندما تعرفوا عليه "اختفي عن أنظارهم" فهل لعب يسوع لعبة الحاوي الهندي بالحبل؟ ومن فضلك لا تأخذ ا الأمر مأخذ الهزل والدعاية ! ماذا يعني أنه انصرف يعني أنه تواري عن أنظارهم.

تشكك غير معقول :

مضي رفيقا "يسوع" في الرحلة إلي "عمواس"، مضيا إلي تلك الحجرة العلوية حيث كان الحواريون "ذهب هذان وأخبر الباقين فلم يصدقوا ولا هذان" (مرقس 16 : 13).

ماذا دها أولئك الحواريين؟ لماذا يحاذرون أن يصدقوا؟ ما مشكلتهم؟ المشكلة أنهم يواجهون بالدليل علي أن يسوع حي ! وانه لم يبعث من موت. (وهو إذن في وجوده ليس ذا طبيعة روحية) ولكن الدليل علي أنه هو هو  نفس يسوع بجسمه الحي (الذي لم يمت) بلحمه وعظمه كأي منهم ! يأكل الطعام متنكرا – لكنه ليس ذا طبيعة روحية،ولا هو شبح من الأشباح. (وذلك بالتحديد) هو ما لم يصدقوه. ولو كانوا قد خبروا أن مريم المجدلية كانت قد شاهدت شبح

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  • من عجب أن تعبير : as he sat Eating لم يرد ما يقابلها في النص العربي بإنجيل لوقا في الموضع المشار إليه وإن كان قد ورد ما يماثله بذات الإصحاح الرابع والعشرين "فأخذ وأكل قدامهم" (لوقا 24: 43) المترجم.

يسوع، لكانوا قد صدقوا. ولو كان رفيقا يسوع قد أخبرا أنهما شاهداه كشبح ليسوع لكانوا بالتأكيد قد صدقوا ذلك. كانوا أناسا من أولئك الذين يزعمون أنهم شاهدوا الأشباح تتلبس الخنازير، وتحول ألفين منها إلي حطام. (مرقس 5 : 13)كانوا يزعمون أنهم كانوا قد رأوا الأشباح تدخل الأشجار وتصيبها بالجفاف من جذورها في غضون ليلة واحدة. (مرقس 11 : 20) كانوا وكأنهم قد شاهدوا "سبعة شياطين" تخرج من مريم المجدلية (مرقس 16 : 9) كل ذلك كان طبيعيا في عصرهم : الأرواح والأشباح والشياطين ! كانوا يستطيعون أن يصدقوا ما كان شائع القبول في ذلك الوقت وذلك العصر. ولكن يسوع علي قيد الحياة؟ يسوع ذو طبيعة بشرية؟ كرجل هرب من أربطة الموت؟ كان ذلك أثقل مما يمكن أن يتحمله ضعيف إيمانهم.

  • مريم المجدلية تشهد أن يسوع حي !.

(ب) التابعان رفيقا الطريق إلي عمواس يشهدان أنه حي !.

(ج) تقول الملائكة أن يسوع حي. (لوقا : 24 – 23).

(د) رجلان كانا يقفان (قرب النسوة في صحبة مريم المجدلية) يقولان لهن "لماذا تبحثن عن الحي بين الموتى؟ " ومعني ذلك أنه حي. (لوقا 24 : 4 – 5).

ومع كل ذلك لن يصدقوا !! فهيا لنري ماذا كانوا سيصدقون قول "ربهم وسيدهم" الخاص بهم في الفصل التالي.

***

 

 

 

 

 

 

 

الفصل الثالث عشر

ولم يكن يسوع شبحا

لغز حسابي :

"العمواسيان . . (1) قاما . . . ورجعا إلي أورشليم ووجدوا الأحد عشر مجتمعين هم والذين معهم – " (لوقا 24 : 33) أي "أحد عشر" ؟ وجدا "الأحد عشر". هل اعتبر الرجلان اللذان من بلدة عمواس شخصيهما ضمن الموجودين؟ حتى لو افترضنا ذلك فإن الحواريين المختارين حول يسوع لم يكن ممكنا أبدا أن يزيدوا عن 10 في مجموعهم لأنه في الزيارة الأولي منة قبل يسوع إلي تلك الحجرة العلوية لم يكن يهوذا ولا توما بين الحاضرين. لكن لوقا لم يكن شاهد عيان لهذا المنظر. إنه ببساطة ينقل حرفيا عن مرقس 16 : 14 الذي قال : " . . . ظهر للأحد عشر وهم متكئون . ." (2).

ولنستمع الآن للقديس بولس الذي نصب نفسه حواريا ثالث عشر ليسوع. إنه يقول إنه في اليوم الثالث بعد يوم السبت "إنه ظهر "لصفا" ثم للإثنى عشر. " (الرسالة الأولي إلي أهل كورنثوس 15 : 5) أي اثني عشر؟ كلمة "ثم" هنا تستبعد بطرس ! ولكن لو أضفته إليهم مع تمنيات حسن الحظ فإنك لا تصل إلي "الإثني عشر" مجتمعين ليشاهدوا "يسوع"، لأن يهوذا الخائن كان قد انتحر شنقا (متي 27 : 5) قبل وقت طويل من ادعاء بعث يسوع بعد الموت المزعوم.

إننا نتعامل هنا مع عقلية غريبة حيث أحد عشر لا يعني أحد عشرا. واثنا عشر لا تعني اثني عشرا وثلاثة بالإضافة إلي ثلاثة تعني اثنين وواحدا ! ويسوع سيواسينا بصدق عندما يقول لنا في أعمال الرسل (9 : 5) " . . صعب عليك أن ترفس مناخس" (وهو جبل).

وإذ يدخل يسوع :

وبينما كانا يخبران المستمعين المتشككين أنهما قد قابلا يسوع بجسمه الحي (كواحد يأكل الطعام معهما) يدخل يسوع. وتقفل الأبواب خوفا من اليهود.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  • الرجلان من بلدة عمواس. (المترجم).
  • وردت بالترجمة العربية كما أثبتناه أعلاه. (المترجم).

سيقول الجدليون المسيحيون : "كلا ! إن وثائقنا تشير فحسب إلي أنه وقف في بينهم" "إنه لم يمش داخلا إليهم". كانت المسألة مسألة الاختفاء من عمواس ومعاودة الظهور في أورشليم. مثل الرجل الخفي. مثل ساحر الحبل الهندي. أو كلعبة التنقل بين النجوم (من سفن الفضاء إلي النجوم وبالعكس) وأنت تستطيع أن تصادف بالفعل أناسا يعتقدون أن أناسا (من أهل الخطوة) يمكن أن تشاهدهم في مكان ويكونون موجودين بأجسامهم في مكان آخر في ذات الوقت.

وأمثال هؤلاء الناس ضحايا هلوستهم (وأمراضهم النفسية) (ربما) نتيجة مشاهدتهم أفلام السينما والتلفاز.

الأرنب والسلحفاة :

ولكن لماذا استغرق عيسي عليه السلام وقتا طويلا جدا لكي يصل إلي الحجرة العلوية. كان قد تلاشي قبل أن بدأ رفيقا رحلة إلي عمواس رحلتهما إلي أورشليم. ومع ذلك لم يسبقهما يسوع. تأخر في المجيء. وهذا يذكرنا بحكاية الأرنب والسلحفاة. هل كان من الممكن أن يكون يداوي جراحه في الطريق؟

إنهم يتصورون يسوع كان طافيا فوق الأرض يهيم من مكان إلي مكان (لا يمشي علي قدميه) يظهر ويختفي حسب المشيئة. ولقد أبدي جيفري هنتر وهو ممثل شاب كان يقوم بدور يسوع في فيلم "ملك الملوك" أبدي ملاحظة معقولة جدا بعد صعوده جبل صهيون لتمثيل مشهد "إغراء" الشيطان ليسوع. وبعد صعود وتعلق بالصخور مع تصبب العرق بشق النفس أثناء تسلق الجبل قال الممثل الشاب : "لأول مرة في حياتي تحققت كم كان يسوع ككائن بشري !".

ولم يستطع لوقا ولا يوحنا ممن سجلوا وقت زيارة يسوع لتلك الحجرة العلوية أن يقولا إنه ببساطة تسرب من ثقب المفتاح أو من شقوق الجدار. ولكن لماذا يضنان علينا بمثل هذه المعلومة الحيوية؟ السبب في ذلك أنه لم يحدث تسرب.

ولكن تبقي المشكلة : كيف دخل بينما كانت "الأبواب مغلقة". ومن المدهش أن لوقا أيضا وهو يسجل هذا الحدث لم يفكر جيدا وهو يضيف أن الأبواب "كانت مغلقة" (24 : 36) لم يكن من المهم بالنسبة له أن يدقق. لماذا؟ لأن التدقيق لم يكن متصلا بالموضوع !

 

 

الحجرة العلوية :

هذا المسكن موضوع البحث كان يشار إليه بـ "حجرة الضيوف" أو "الحجرة العلوية الضخمة". إنه ليس كل البيت. إنه جزء من المنزل، هل ينبغي لي أن أبرهن لكم علي ذلك؟ هل كان يمكن أن تكون هذه هي الحجرة الوحيدة بالدور العلوي" ولنأخذ في اعتبارنا أن هذه الحجرة كانت تحوي منضدة ضخمة تكفي لجلوس 14 شخصا علي كراسي بدائية. ويسوع مع 12 من الحواريين يشكلون رقم 13 ويوحنا، التابع الذي كان يسوع يحبه كان يكمل الأربعة عشر.

هل يمكن أن تتخيل حجم حجرة الضيوف هذه؟ بمخزن المؤن اللازم لها مع المطبخ. وغير ذلك من كماليات. وفي الطابق الأرضي حيث كان يقيم أفراد أسرة المالك وخدمه. كانت كقصر صغير ! وكان يسوع يألف هذا البيت. كان يزور أورشليم كثيرا لحضور عيد الفصح. ولنتذكر كيف وجه تلاميذه ليصلوا إلي المكان. (لوقا : 22 : 10).

إن مسكني الخاص له أربعة مداخل. وربما كانت حجرة الضيوف لدي يوحنا كان لها باب رئيسي من ناحيتين. ولكن هل كانت ثمة ضرورة لجعله مستقلا عن بقية البيت؟ بالنسبة لأي زائر كانت الأبواب الرئيسية كافية – دخولا وخروجا. والضيوف الشرقيون لا يدققون ويحملقون في الممرات والحجرات لمضيفيهم ! وهم في العادة شاكرون لكل مظهر من مظاهر إكرامهم. لكن يسوع لم يكن غريبا علي المنزل. كان كواحد من أهل منزل تلميذه الذي يحبه. ولم يكن بحاجة إلي أن يقرع الباب ويزعج أناسه. وكانت هناك أكثر من طريقة للدخول. ولو كانت هناك صعوبة لدي الحواريين في تقبل ظهوره المفاجئ بينهم فما كان أسرع ما يستطيع تبديده.

"قال لهم سلام عليكم . . . . فجزعوا وخافوا" (لوقا 24 : 36 – 37).

ردود فعل عكسية لدي التعرف عليه :

فلنتذكر تلك المرأة الوحيدة، مريم المجدلية في ذلك الصباح تكاد تجن من الفرحة عند التعرف عليه قرب المقبرة. كان من الضروري إيقافها عن احتضانه لكن هؤلاء الأبطال الذين كانوا كالسيوف المشرعة في نفس الحجرة كانوا هلعين عند التعرف علي سيدهم. لماذا كان هنالك رد فعل متعارض بين الرجال وبين المرأة؟ الرجال مرتاعون والمرأة غير خائفة؟ السبب هو أن المرأة كانت شاهدة عيان لكل الأحداث التي وقعت في مكان الصلب بينما لم يكن الرجال في مكان يسمح لهم بالرؤية. وبناء عليه ذهبت المرأة إلي المقبرة بقصد رؤية يسوع حيا فكان فرحها عند رؤيته. لكن العشرة لم يكونوا من شهود الأحداث ومن ثم كانت مزاعمهم عن مشاهدة شبح. كانوا جسما وعاطفة علي وشك الانهيار. يصف لوقا حالتهم بقوله : "فجزعوا وخافوا وظنوا أنهم نظروا روحا". (لوقا 24 : 37).

سبب الخوف :

سبب ذعرهم هو أنهم ظنوا أن الرجل الواقف في وسطهم لم يكن هو يسوع نفسه ولكن شبحه. سل المبشرين الذين يريدونك أن تقاسمهم مجد السماء : هل كان يبدو كشبح؟ ورغم كل شيء ستسمع إجابتهم : كلا : إذن لماذا ظن حواريو يسوع أنه كان شبحا مع أن يسوع يستحيل أن تكون له (1) ملامح الشبح؟ لن تجد إجابة. لا ينطقون. ساعدهم بالله عليك. حررهم من تحريفهم. وإلا سيرهقوننا ويرهقون أهلنا حتى يرث الله الأرض ومن عليها. سيسرقون أبناءنا (2) علي شكل إطعام الأطفال الجوعي وأحيانا بأموالنا.

هل رأيت الجماعة التبشيرية المسماة باسم "وورلد فجن" وأمثالها؟ الحملات الصليبية مرة أخري بغير أسلحة مرئية.

السبب في أن تلامذة يسوع كانوا خائفين، هو أنهم قد علموا سماعا أن سيدهم قتل بتثبيته علي الصليب – أي أنه كان قد صلب. وعرفوا عن طريق السماع، أنه كان قد أسلم الروح، وأنه قد توفي. كانوا قد علموا عن طريق السماع أنه "مات ودفن" لمدة ثلاثة أيام، ورجل عرف عنه كل ذلك كان من المتوقع أن يكون جثمانه قد تحلل في قبره. لأن كل معرفتهم كانت "معرفة سماع" – معرفة ناتجة عما كانوا قد سمعوه ! لأن واحدا منهم لم يكن هنالك ليشاهد ويشهد ما كان يحدث في الحقيقة ليسوع في جلجوثه. في أكثر منحنيات حياة يسوع حرجا كانوا "جميعا قد خذلوه وهربوا" (مرقس 14 : 50).

الأتباع العباقرة :

يتحدث مرقس عن "الإثني عشر" المختارين كصفوة. وهو لا يتحدث عن الأشياع المخلصين "المتخفين" أمثال يوحنا الآخر، ذلك الذي أخذ مريم أم المسيح (عليهما السلام) إلي المنزل ونيكوديموس ويوسف الآريماتي وأمثالهم. وبالنظر إلي التملص أو الهروب الجبان مـن

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  • إنهم يصورونه في لوحاتهم الفنية وسيما رائع القسمات. (المترجم).
  • يستشري المبشرون في النقاط الضعيفة من الكرة الأرضية كوسط أفريقيا وغيرها. المترجم).

جانب "الاثني عشر" فإنني أتحرج من تسمية أولئك بتلاميذ أو حواريي أو أتباع السيد المسيح عليه السلام. أم مرقس يكذب؟ عندما قال "كل" ألم يكن يعني "كل" ؟ لم تكن ثمة رجعة إلي مسرح الأحداث من أولئك الأبطال. ومؤلف الإنجيل الرابع يذكر قائمة بأسماء النساء المنتمين والمشايعين ليسوع. وكان بينهن ثلاثة يحملن اسم مريم "التلميذ الذي أحبه يسوع" وهو يكرر هذه العبارة دون تحديد فعلي له باعتبار أنه يوحنا المتفضل عليهم بكرمه في أورشليم. لماذا؟ لو كان ذلك "اليوحنا" هو المؤلف نفسه، فلماذا إذن لا يصرح بذلك. هل هو خجول متواضع جدا؟ لم يخجل عندما طلب من يسوع أن يجلسه وأخاه "أحدهما علي يمينه والآخر علي يساره في مملكته". السبب في إبهامه وعدم إيضاحه وإفصاحه ذاك هو أن "التلميذ المحبب إلي يسوع هو سميه !

وباقي التلاميذ أو الحواريين لم يعثر لهم علي أثر عندما كان يسوع في مسيس الحاجة إلي المساعدة. كانوا جميعا كما قال عنهم مرقس "قد خذلوه وهربوا" (مرقس 14 : 50).

***

 

 

 

 

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(وعلي بقية الصفحة السادسة والخمسين يورد المؤلف صورة فوتوغرافية لما نشرته صحيفة "ويك إند سنداي" بتاريخ 3 أغسطس 1969م تحت عنوان ماذا تسمي ذلك – صلب أم إيهام بالصلب؟ - الرجل المصلوب معلق علي الصليب).

(المترجم)

(وعلي الصفحة السابعة والخمسين يورد المؤلف صورة فوتوغرافية لما نشرته صحيفة "صنداي تربيون" بتاريخ 17 يوليو 1983، بعنوان "هل كان حيا أم ميتا؟ - المعضلة التي تواجه الأطباء بعد الحالة الغريبة للمدعو دنور أنطوني".

(وعلي جزء آخر من الصفحة يورد المؤلف صورة فوتوغرافية أخري لما نشرته نفس الصحيفة بتاريخ 27 مارس 1960 بعنوان : "مات رجل لمدة ساعتين ولا يزال يعيش. معجزة تحير الأطباء" ).

 

***

 

 

الفصل الرابع عشر

لم يبعث يسوع بعد موت

يسوع حي جسمانيا : (1)

بعد تحية "شالوم" المتوجبة يبدأ يسوع في تهدئة خوف تلاميذه لحسبانهم إياه شبحا. ويقول : "أنظروا يدي ورجلي إني أنا هو (أي أنني نفس الشخص، نفس الرجل) جسوني وانظروا فإن الروح ليس له لحم وعظام كما ترون لي.

وحين قال هذا أراهم يديه ورجليه. (لوقا 24 : 39 – 40).

ماذا كان الرجل يحاول أن يثبت؟ هل كان يحاول أن يثبت أنه كان قد بعث من بين الموتى؟ - وأنه كان شبحا؟ وماذا كانت علاقة اليدين والرجلين بالبعث؟ "إنه أنا نفسي" وأي شبح من الأشباح "لا يكون له لحم وعظام كما أنتم ترونه لي". هذه حقيقة مطلقة الصدق وواضحة بذاتها. وأنت لا تحتاج جهدا لتقنع بها أي شخص سواء كان هندوسيا أو مسلما أو مسيحيا أو يهوديا أو ملحدا أو غنوسيا. إن أي شخص سوف يعرف دونما أي دليل أن الشبح ليس له لحم ولا عظام.

لماذا توضيح الواضح ؟

لماذا يحتاج يسوع إلي توضيح الواضح؟ السبب في ذلك ببساطة أن الحواريين كانوا يعتقدون أن يسوع كان قد عاد من بين الموتى، وأنه كان قد بعث، ولو صح ذلك فقد كان من اللازم أن يكون في صورة روحية – أي يكون شبحا ! وهاهوذا يسوع يقول لهم أنه ليس كذلك – ليس شبحا – لم يبعث من بين الموتى ! وأقوال النصوص المقتبسة أعلاه من مصدرها الأصلي، في كل لغة، حيوية جدا، بسيطة جدا، وواضحة جدا لدرجة أنك لا تحتاج قاموسا ليفسرها لك.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  • لم نقل "جثمانيا" لأن الجثمان للمتوفي. (المترجم).

 

ولم لا تتذكر أيها القارئ الكريم نصا واحدا فحسب من هذه النصوص، في لغتك الأصلية – سواء الإنجليزية، أو العربية، أو لغة الزولو، أو اللغة الأفريكانية، وبمثل هذا النص وحده تستطيع أن تسحب الهواء الذي يملأ أشرعة المبشرين. وتستطيع أن "تكسر جمجمته" بالضبط كما فعل داود عليه السلام مع جولياث بحجر صغير. وستكون أنت المسرور. إن الله يعطيك الفرصة في هذا اليوم في هذا العصر أن تخلص الذهن المسيحي من أوهامه !

ولقد سألت عمالقة علماء المسيحية أن يخبروني ما إذا كان قول (الإنجيل علي لسان المسيح عليه السلام) "الروح ليس لها لحم ولا عظام" يعني أن للروح لحما وعظاما في لغتهم ! وفي مناظرات كنت طرفا فيها لم يجرؤ أي خصم من خصوم المناظرة أن يتعامل مع السؤال. كما لو كانوا يتظاهرون بأن كلمات السؤال لم تقل ولم ينطق بها أحد.

حيوية . . . أنا حي !

لو قلت لك باللغة الإنجليزية (ما معناه) : "لأنني لي لحم وعظام، إذن أنا لست شبحا أو عفريتا !" – فهل هذا المعني مفيد صحيح مستقيم في لغتك؟ تقول : "نعم !" (وهذا الحوار صحيح في أي لغة في العالم تحت الشمس) وبكلمات أخري نقول إن يسوع كان يخبر تلاميذه عندما قال لهم "أنظروا يدي ورجلي" أنه كان يريد لهم أن يروا الجسم. والإحساس باللمس لا يكون لجسم روحاني أو ذي طبيعة متغيرة أو ممكنة التغير أو الجسم بعث حيا بعد موته، لأن الجسم الذي يبعث حيا يصبح روحيا.

من القائل بهذا ؟

سيقول الصليبي المجادل "من الذي يقول إن الأشخاص الذين يبعثون من الموت سيكونون أرواحا؟ " وأنا أقول له : "يسوع !" فيسأل : "أين؟ " وأنا أقول له : "في إنجيل لوقا. ارجع إلي الوراء أربعة إصحاحات من حيث قال يسوع "ليس للروح لحم ولا عظام"، ارجع إلي لوقا 20 : 27 – 36 وستري . . . كان اليهود يعاودون يسوع المرة تلو الأخرى بالأسئلة والأحاجي مثل :

  • يا معلم، هل ندفع الجزية لقيصر أم لا؟ " (متي : 22 : 17).

(ب) "يا معلم هذه المرأة أمسكت وهي تزني في ذات المرة" (يوحنا 8 : 4).

(جـ) "يا معلم أية وصية هي أول الكل" (مرقس 12 : 28) وها هم أولاء اليهود يأتون إليه الآن بشأن امرأة يهودية كان لها سبعة أزواج. وحسب شرعة اليهود – لو أن رجلا مات بلا عقب فإن الأخ التالي للزوج يتخذها زوجة له، لتلد له. ولو أخفق في ذلك ومات يتزوج منها الثالث وهكذا دواليك. وفي القضية المعروضة أمام يسوع، تداول سبعة أخوة – علي النحو المشار إليه – هذه المرأة نفسها الواحد منهم تلو الآخر. وبمرور الوقت مات كل الإخوة السبعة. وبمرور الوقت أيضا ماتت المرأة. لم تكن ثمة مشكلة عندما كان كل منهم يحاول أن يؤدي مهمته. كان كل منهم (يتزوجها) بعد (أن يموت عنها) الآخر. ولكن سؤال اليهود كان يتخلص فيما يلي : عند البعث، من منهم سينالها لأن كلا منهم قد حظى بها هنا (في الحياة الدنيا) ؟! والصورة التي أراد أن يستحضرها اليهود أمام نظر يسوع هي : لو بعث الرجال السبعة دفعة واحدة عند البعث، وبعثت المرأة أيضا، فستكون ث3مة حرب في السماء بين الإخوة السبعة فكل منهم يطلب المرأة كزوجة له وحده لأنهم جميعا قد حظوا بالزواج منها". باختصار من منهم سيحظى بهذه المرأة كزوجة في السماء؟وكإجابة علي ذلك يقول يسوع : "لن يموتوا أكثر مما ماتوا" يقصد أن الناس المبعوثين من الموت سيكونون غير معرضين للموت : لا حاجة بهم إلي طعام أو مأوي أو ملبس أو إشباع للحاجة الجنسية أو راحة "لأنهم سيكونون مثل الملائكة" بمعني أن طبيعتهم ستماثل طبيعة الملائكة، متحولين إلي طبيعة روحية، كائنات روحية ! وفيما يتعلق به هو نفسه يقول : "ليس للروح لحم وعظام كما ترونه لي". – أنا لست روحا. أنا لست شبحا أنا لست عفريتا أنا لم أبعث بعد موت أنا نفس يسوع. حي. "وحين قال هذا أراهم يديه ورجليه" (لوقا 24 : 40).

عندما زال خوف الحواريين :

ابتهج الحواريون وعجبوا. ماذا عساه أن يكون قد حدث؟ كانوا قد ظنوه ميتا مضي. ولكن هاهوذا "معلمهم" يقف بينهم بلحمه وعظمه- بخصائص 100% للرجل الحي !

وليؤكد لهم أكثر،وليهدئ أعصابهم المهتزة يسأل : "هل عندكم هاهنا شيء من اللحم؟ " أو أي شيء يؤكل؟ "وأعطوه شيئا من لحم سمك وعسل وأخذه وأكله بالفعل أمامهم" ليثبت ماذا؟ (هل ليثبت) انه قد بعث إلي الحياة بعد وفاة؟ لماذا لم يقل لهم ذلك بدل أن يفعل ما من شأنه أن يثبت عكس ذلك؟ يقدم لهم جسمه ذا الطبيعة الجسمانية المادية للفحص، آكلا ماضغا "لحم السمك والعسل". هل هذا فصل تمثيلي؟ تظاهر؟ محاولة في الإيحاء بغير الحقيقة؟ "كلا !" كما يقول شليليير ماخر منذ مئة وخمسة وستين عاما مضت. ويقتبس عنه ألبرت شفايزر في كتابه "البحث عن يسوع تاريخيا" في صفحة 64 ما نصه كما يلي : "لو كان يسوع قد أكل ليثبت أنه كان يستطيع أن يأكل فحسب، بينما لم يكن بحاجة إلي التغذية فعلا، لكان الأمر خدعة وتظاهرا، وشيئا للملاطفة".

الخلاص السهل (من الآثام) :

ماذا دها إخوتنا المسيحيين؟ يقول يسوع إنه ليس للروح لحم وعظام، ويقولون للروح لحم وعظام ! سل بالله عليك أصدقاءك منهم أي الطرفين كاذب؟ المسيح أم أنتم أيها البليون من أتباعه المزعومين؟ إن هذه نتيجة ألفي عام من غسل المخ أو البرمجة، كما يقول الأمريكيون. الخلاص من الآثام رخيص الثمن في المسيحية ! لا يتعين علي المسيحي أن يصوم ويصلي ويستقيم في حياته كما يلزم بذلك المسلم. علي المسيحي فقط أن يؤمن والخلاص من الذنوب مضمون له. أما بالنسبة لنا – غير المسيحيين – فجميع أعمالنا كثياب خلقة كما يسميها المسيحي. ومن الأفضل أن "تعيد برمجته" وإلا فإنه سيبرمجك هو. إنه لن يرضي عنا. ولن يأبه لمدي جهدنا لهدايته. يقول عز وجل في القرآن الكريم : ) ولن ترضي عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم  (   (سورة البقرة : 120).

لا يخرج الأمر إذن عن احد اثنين : إما أن تغيرهم أو يغيرونك ! ولو شئت السلام السلام، فعليك بالإسلام !

(وفي بقية الصفحة يورد المؤلف صورة فوتوغرافية مما نشرته إحدى الصحف بجنوب إفريقيا فيما يبدو والعنوان الرئيسي يقول : هذا الرجل من جنوب إفريقيا، أتي بأحسن مما يأتي به الفلبينيون. في الصورة السفلي تعريف يقول : مسمار طوله أربع بوصات (15سم) يدق في يد السيد فإن دربرج لم يسبب خروج دم، بينما كان يدق في صليب خشبي. وفي الصورة العليا يتدلى المذكور علي الصليب). المترجم).

***

 

 

 

 

(يورد المؤلف صورة فوتوغرافية لما نشر بجريدة "الصنداي اكسبرس" يوم 23 يوليو 1961 بعنوان : "توقف قلب الرجل لكنه يظل يحيا".

وفي الجزء السفلي يود المؤلف صورة فوتوغرافية لما نشر بجريدة "ناتال مركوري" الصادرة بمدينة ديربان بجنوب إفريقيا يوم الأربعاء 10 ديسمبر 1982 والعنوان الرئيسي يقول : "ميت إكلينيكيا" – تودلر حي بعد ساعة طويلة في معركة لإنقاذ حياته).

(المترجم)

 

 

***

 

 

الفصل الخامس عشر

المعجزة الوحيدة الموعودة

نبوءة (ليست قبل ، وإنما) بعد (وقوع) الحدث :

المتحمسون للإنجيل والحرفيون لا يملون اقتباس نصوص يزعمون صدورها عن يسوع، مؤداها أنه كان ذاهبا إلي أورشليم ليموت، وأنه سيعود إلي الحياة في اليوم الثالث. وسوف يؤكد أي دارس للمسيحية أن الأناجيل إنما دونت كتابيا بعد قرون وحقب من وفاة المسيح عليه السلام. وفي حياته لم تكتب كلمة ولم يأمر أي شخص أن يكتب عنه كلمة ! ويستثني تايلور في شرحه لإنجيل القديس مرقس ص 437، يستثني من ذلك النبوءات المزعومة عن صلب المسيح كنبوءة بعد وقوع الحدث. ذلك أن كتاب الإنجيل اخترعوا كلاما وأقوالا وأجروها علي لسان يسوع كما لو كان قد تنبأ بوقوع الأحداث.

والمبشرون المسيحيون، البروتستانت، الصليبيون حريصون على الاستماع لأي دارس للمسيحية بصرف النظر عن إخلاصه أو منزلته – سواء كان تايلورأو شفايزر أو براندون أو أندرسون. ولو قالوا أي شيء لا يتفق مع أحكامهم المسبقة أو ما يريدون سماعه، فإنهم يتجاهلونهم جميعا باعتبار أنهم "مصادر خارجية" (لا يعتد بها) أو باعتبارهم "أقلية القرن العشرين المعارضة" ولذلك فإنني هنا أطبق المثل القائل "خذ الثور من قرينه إلي الحوض للشرب".

المطالبة بمعجزة :

كان اليهود قد أرهقوا موسي عليه السلام بجدلهم. وكانوا سببوا له كثيرا من المتاعب. وها هم أولاء الآن لا يقلون شغبا مع المسيح عليه السلام وفي خضم هوسهم بالأسئلة المحرجة يأتون إليه الآن، مظهرين كل أدب واحترام ليقولوا له : "يا معلم نريد أن نري منك آية" (متي 12 : 38).

كل ما بشر به وكل تعاليمه ومعجزاته لم تكن كافية، في نظرهم لتقنعهم أنه كان رجلا مرسلا من الله، وأنه كان المسيح المرسل إليهم. إنهم الآن يطلبون "آية" – معجزة – كالطيران كالطير في السماء، أو المشي في الماء، وباختصار يريدون منه أي شيء يبدو مستحيلا.

وقبل أن تتقدم أكثر من ذلك في مناقشة أي مسيحي، تأكد أيها القارئ الكريم أنه يفهم كلمة "آية" في النص السالف باعتبار أنها "معجزة". هذه الكلمة البسيطة الموجودة بالفعل في إنجيل الملك جيمس الذي ينقل عنه معظم مترجمي الإنجيل (عن الإنجليزية) تخلق صعوبة في حصر وفهم معناها. وفي الطبعة العالمية الجديدة من الإنجيل التي توافق عليها جميع الطوائف المسيحية كاثوليك وبروتستانت وإصلاحيين وغيرهم يتحدد معني كلمة "آية" ليصبح "آية إعجازية" وليس أي أية أو علامة مثل علامات المرور مثلا.

ومن الضروري بالنسبة لنا أيضا أن نحدد المقصود بكلمة "آية". وأبسط وأصدق تعريف "الآية" هو ذلك الذي قدمه الدكتور ليتلتون في كتابه "مكان المعجزات من الدين" بأنها "عمل فيما وراء (يفوق) قدرة الإنسان".

وهذا بالضبط هو ما كان يريده اليهود من عيسي عليه السلام. عمل لا يستطيعون بكل طوائفهم أن يأتوا به. وهو طلب يبدو في ظاهره سويا للغاية. ولكنه – في حقيقة الأمر – يدل علي عقلية مريضة تنبش لتعثر علي "الخدع" التي يألفها كل شكاك من الماديين.

آية واحدة ليس إلا :

ويرد عليهم عيسي عليه السلام بقوله : ". . . جيل شرير وفاسق يطلب آية ولا تعطي له آية إلا آية (1) يونان النبي" (متي 12 : 39).

ما هي "العلامة" أو المعجزة أو "الآية" التي أتيحت ليونان ويريد اليهود شبيها لها؟ !

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  • يقابله اسم يونس عليه السلام لدي المسلمين. ويطلق عليه اسم صاحب الحوت. (المترجم).

ولنتعرف علي هذه الآية، هيا نذهب إلي سفر يونان بالكتاب المقدس لدي المسيحيين. ولكن هذا السفر محير! إنه ورقة واحدة بها أربعة إصحاحات قصيرة. لكن كل طفل يعرف قصته.

خلفية للآية :

ولتنشيط ذاكرة قرائنا الكرام، أسمحوا لي أن أذكركم أن الله جلت قدرته يأمر يونان (عليه السلام) بالذهاب إلي مدينة نينوي، (وهي مدينة عظيمة كان تعداد سكانها يبلغ مائة ألف نسمة) ويحذرهم طالبا إليهم أن "يتوبوا إلي الله وأن يرتدوا المسوح الخشنة ويجلسوا علي الرماد". وذلك تحقيرا لأنفسهم أمام خالقهم ليتوب عليهم) وإلا يدمرهم.

ويشعر يونان باليأس والقنوط خشية ألا يطيعه أهل نينوي الماديون الغلاظ القلوب، فيسخروا منه. ولذلك فإنه بدلا من أن يذهب إلي نينوي، ذهب إلي جوبا ليبحر منها إلي بلدة نرشيش (ليركب البحر ضاربا الصفح عن الذهاب إلي نينوي مخالفا أمر ربه إليه) وتهب عاصفة فظيعة علي البحر. ووفقا لخرافات البحارة، فإن من يعصى لله أمرا يكون هو السبب في مثل هذه العاصفة. ويبدأون البحث فيعرف يونان أنه المذنب لأنه كنسي لله فهو من جنود الله. وكجندي لله كان يلزمه أن يطيع أمر الله إليه. لم يكن له الحق في أن يتصرف حسب هواه. ولذلك يتطوع بالرجوع عن غلطته. كان يخشى أن يكون الله يريد دمه. ولكي يقضي الله عليه، فإنه سبحانه يغرق القارب ويميت أناسا أبرياء. ويقترح يونان أنه من الأفضل أن يقذف به إلي البحر وبذلك تزاح هذه الكارثة التي حلت بهم وبسفينتهم.

إجراء قرعة :

هؤلاء الناس الذين عاشوا ثمانية قرون قبل المسيح كان لديهم إحساس بالعدالة والتحقق بها أكثر مما لدي إنسان العصر الحديث. شعروا أن يونان كان يريد أن ينتحر وربما كان بحاجة إلي عونهم ومساعدتهم. ولم يكونوا ليساعدوه في حماقته التي بدت لهم ولذلك فإنهم يقولون له إن لديهم نظاما يعرفون به الصواب من الخطأ، بعمل قرعة علي نحو ما (مثل إلقاء عملة معدنية) ووفقا لنظامهم البدائي ذاك كانت القرعة تستقر علي يونان. ولذلك أخذوه وألقوه إلي البحر !

ميت أم حي ؟

ويثار سؤال هو : عندما ألقوا يونان من ظهر المركب أكان ميتا أم حيا؟ لكي أجعل الإجابة سهلة دعنى أساعدك بالإشارة إلي أن يونان كان قد تطوع عندما قال : "خذوني واطرحوني في البحر فيسكن البحر عنكم لأنني عالم أنه بسببي هذا النوء العظيم عليكم". (يونان 1 : 12) وعندما يتطوع إنسان فليس ثمة حاجة إلي أن يصرعه أحد قبل القذف به، ليس ثمة حاجة إلي طعنه برمح قبل طرحه، ليس ثمة حاجة إلي ربط رجليه ويديه قبل إلقائه. وكل إنسان يوافق أن ذلك كذلك.

والآن فلنرجع إلي السؤال : هل كان يونان ميتا أم حيا، عندما ألقي به إلي البحر العاصف؟ الإجابة التي نحصل عليها هي أنه – كان حيا ! وتهدأ العاصفة. ربما بالصدفة. ويأتي حوت ويبتلع يونان. هل كان ميتا أم حيا؟ ومرة ثانية نقول جميعا : حي ! وفي جوف الحوت يسبح ويصلي لله طلبا لنجدته. فهل يسبح ويصلي الناس الموتى؟ كلا ! فهو إذن كان حيا. وفي اليوم الثالث يلفظه الحوت علي الشاطئ – ميتا أم حيا؟ الإجابة هي : "حي" مرة أخري !

إنها معجزة المعجزات ! يقول اليهود إنه كان حيا ! ويقول المسيحيون إنه كان حيا ! ويقول المسلمون إنه كان حيا ! ولنعجب بعض العجب أن عيسي عليه السلام اختار معجزة يونان (سيدنا يونس) كمعجزة وحيدة له. وهي معجزة يتفق عليها اليهود والمسيحيون والمسلمون، أصحاب الديانات الرئيسية الثلاث في العالم.

ولنلخص هذه المعجزة العظمي من سفر يونان بالإنجيل.

  • عندما تلقي رجلا في بحر هائج فإنه يموت. ولأن يونان لم يمت فإنها معجزة !
  • يأتي حوت ويبتلع الرجل، وكان يجب أن يموت. ولم يمت، ومن ثم فهذه معجزة مضاعفة الإعجاز !
  • بتأثير الحرارة والاختناق في بطن الحوت لمدة ثلاثة ألأيام، وثلاث ليال، كان من اللازم أن يموت.

ولم يمت. إنها إذن معجزة تتضمن معجزات

عندما تتوقع أن يموت رجل (لتوفر سبب الموت) ولا يموت، فإنها حينئذ تكون معجزة. ولو واجه رجل فرقة لضرب النار واستقرت ست رصاصات في جسمه عند الأمر بالضرب، ومات الرجل. هل تكون هذه معجزة؟ "لا" ولكن إذا عاش (الرجل) ساخرا مما حدث، فهل تكون هذه معجزة؟ بالطبع تكون معجزة. كنا نتوقع أن يموت يونان كل مرة (من المرات الثلاث) لكنه لا يموت، فهي إذن معجزة تتضمن معجزات.

 

يسوع مثل يونان :

ويسوع أيضا يفترض ويعتقد أنه بعد محنة (صلبه) أن يكون قد مات، أو كان يجب أن يكون قد مات. ولو كان قد مات لما كان ثمة معجزة. ولكن لو أنه عاش كما كان بنفسه قد تنبأ بذلك وبرهن عليه وفقا لما جاء "بالكتب المقدسة" لكانت هذه هي "الآية" أو المعجزة. وها هي ذي كلماته تقول : ". . لأنه كما كان يونان . . . (ويورد المؤلف ما يقابل هذا التعبير بلغات أخري) " أو كما ورد بإنجيل متي فإن يسوع يقول : "لأنه كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال – كذلك سيكون ابن الإنسان" (متي 12 : 40) وكيف كان يونان ببطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال – هل كان ميتا أم حيا؟ المسلمون والمسيحيون واليهود مرة ثانية يوافقون بحماس أنه كان حيا ! فكيف كان يسوع في المقبرة (طوال وقت يماثل في طوله بقاء يونان ببطن الحوت) – هل كان ميتا أم حيا؟ إن أكثر من ألف مليون مسيحي تابعي كل الكنائس الاكليروسات يجيبون بحماس بقولهم "ميت" ! أقول لهم : "فهل يكون بذلك "مثل" أم أنه "ليس مثل" يونان في لغتكم؟ " وكل من لا يعاني اختلاطا في عقله يقول إن ذلك مغاير تماما لما حدث ليونان.

ولقد كان يسوع قد قال إنه سيكون مثل يونان، وأتباعه المتحمسون يقولون إنه "لا يماثل" يونان. من يكذب من يسوع أم أتباع يسوع؟ أدع لكم الإجابة.

مهمة ضخمة :

لكن الدين مهنة مربحة. وباسم المسيح يستدرون المال منها. يقول الصليبيون إننا قد أخطأنا تناول المسألة. إنهم يقولون إنه عنصر الوقت فحسب هو ذلك الذي كان يؤكده يسوع فيما تنبأ به (بخصوص شبهة بيونان). ولا تتعلق النبوءة بكونه يكون حيا أو ميتا. ويقولون : "ألا تستطيعون أن تدركوا أنه كان يؤكد عل عامل الوقت؟ إنه يكرر كلمة "ثلاث" أربع مرات. إنهم رجال غرقوا ويحاولون التعلق بالقش ونساء غرقي كذلك ! ماذا قال يسوع؟ قال : "لأنه كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال، هكذا يكون ابن الإنسان في قلب الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليال". (متي 12 : 40).

ويسوع لم يكن بحال قرب "بطن الأرض". المفروض أنه كان بمقبرة كانت علي ارتفاع مناسب علي سطح الأرض. ومن إن كان يعبر تعبيرا تصويريا.

ثلاثة وثلاث قد كررت أربع مرات دون ريب، ولكن لا إعجاز هنالك فيما يتعلق "بعامل الوقت". كان اليهود يطلبون من يسوع معجزة، وليس ثمة شيء يجعل من ثلاثة أيام أو ثلاث ليال أو ثلاثة أسابيع أو ثلاثة شهور معجزة بأي حال.

وفي أول مرة سافرت إلي مدينة "الكاب" من مدينة ديربان منذ ثلاثين عاما، استغرقت الرحلة ثلاثة أيام وثلاث ليال لكي أصل إلي مدينة كيب تاون. فرحي، إنها معجزة ! ستقول لي : "هذه كلام فارغ. ليست هذه معجزة وسأكون مضطرا أن أوافق".

لكنه ليس سهلا علي المسيحي أن يوافق لأن خلاصه معلق بهذا الخيط. ولذا لابد له أن يتمسك بخيط الحياة. ونستطيع أن نكون خيرين. فلنحاول التسرية عنه ! نقول له : "إنه إذن عنصر الوقت ذلك الذي كان يسوع قد خرج لكي يحققه؟ " فيقول المسيحي : "نعم! " نقول : "ومتي "صلب" ؟ " ومعظم المسيحيين يعتقدون أن ذلك قد تم يوم الجمعة بعد الظهر منذ قرابة ألفي عام مضت.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الفصل السادس عشر

عمليات حسابية بسيطة

لماذا يوم الجمعة المبارك ؟ (1)

نستمتع في موطني بأربعة أيام إجازة تبدأ بيوم الجمعة المبارك. ما الذي يجعل يوم الجمعة المبارك مباركا؟ يقولون أن المسيح مات من أجل ذنوبهم في ذلك اليوم. وتناغما مع هذا (الحدث) يحتفل المسيحيون في كل الأقطار المسيحية بذكراه في انجلترا وفرنسا وألمانيا وأمريكا وليسوتو وسويسرا وزامبيا وزمبابوي. ولقد برهنت لكم بالفعل – فيما سبق أن المسيح لم يمكث علي الصليب أكثر من ثلاث ساعات – لو كان قد صعده (2) أصلا. ومع كل اندفاعهم وعجلتهم لم يستطيعوا أن ينزلوا يسوع إلي المقبرة قبل غروب شمس يوم الجمعة.

وأكثر من ألف نحلة ونحلة، وأكثر من ألف ملة وملة من نحل وملل المسيحية، المختلفين أشد الخلاف حول كل جزئية من جزئيات العقيدة يجمعون تقريبا علي أن يسوع المسيح يعتقد أنه كان بمقبرته يوم الجمعة ليلا. (أي الليلة العاقبة لنهار الجمعة). ومن المفروض أنه كان بداخل المقبرة يوم السبت. وليل يوم السبت. ولكن صباح يوم الأحد أول يوم في الأسبوع (في عرف اليهود) عندما زارت مريم المجدلية المقبرة وجدتها خاوية خالية من جثمان يسوع. ولاحظ أنني استخدمت تعبير (من المفروض. من المفروض. من المفروض) ثلاث مرات. أتعرف لم؟ ليس ذلك بالتأكيد محاكاة "للثلاث ثلاثات" التي ورد ذكرها في النبوءة. لكن السبب في ذلك هو أن السبعة والعشرين سفرا الموجودة  في العهد الجديد لم يسجل واحد منها وقت خروجه من المقبرة. ولم يسجل واحد من كتاب هذه السبعة والعشرين سفرا أنه كان شاهد عيان "لبعثه" المزعوم. وأولئك الأشخاص الذين كان يمكن أن يخبرونا ويكونوا مؤهلين لذلك قد أسكت صوتهم تماما.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  • يطلقون عليه يوم الجمعة الحزينة. (المترجم).
  • هناك من يعتقد بأن اليهود أخذوا شخصا غير عيسي عليه السلام إذ جعله الله يشبهه، صلبوا شبيهه ونجاه الله بقدرته. (المترجم).

 

وما لم يكتشف عربي آخر شيئا مثل "اللفائف الورقية التي عثر عليها قرب البحر الميت" لكنها تكون هذه المرة مكتوبة بخط يد يوسف الأريماتي ونيكوديموس شخصيا، فإن هذين الشخصين يستطيعان أن يخبرانا بحق كيف كانا قد أخذا معلمهما مباشرة بعد حلول ليل نفس ذلك اليوم من أيام الجمعة (الذي صلب فيه المسيح) إلي مكان أكثر ملائمة للراحة واسترداد العافية. أليس محيرا ومدهشا أن الشاهدين الوحيدين قد اسكتا (فلم يسمع لهما صوت أو تعرف لهما شهادة) إلي الأبد؟ "هل كان هذان التلميذان من أهل أورشليم يتبعان يسوعا آخر وإنجيلا آخر؟ " كما جاء في الرسالة الثانية إلي أهل كورنثوس (11 : 4).

عمليات جمع سهلة :

لو كان عامل الوقت هو ما كان يركز عليه يسوع في نبوءته موضع البحث، فهيا بنا إذن لنري ما إذا كان ذلك قد تحقق حسب النصوص المقدسة (الموجودة بالإنجيل) كما يفاخر المسيحيون.

عيد القيامة

في المقبرة

أيام

ليال

يوم الجمعة : وضع بالمقبرة عند غروب الشمس.

-

ليلة واحدة

يوم السبت : من المفروض أنه بالمقبرة

يوم واحد

ليلة واحدة

يوم الأحد : (1) (غير موجود بها)

-

-

المجمـــوع

يوم واحد

ليلتان

 

ستلاحظ أيها القارئ الكريم من الجدول أعلاه آن مجموع الوقت (الذي قضاه يسوع بالمقبرة) هو يوم واحد وليلتان. (2) وحاول ما استطعت، لن تجد أبدا ثلاثة أيام وثلاث ليال كما كان يسوع قد قال، وفقا لرواية "الكتب المقدسة لدي المسيحيين" وحتى اينشتاين، أكبر أساتـــذة الرياضيـات

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  • عندما ذهبت مريم المجدلية إلي المقبرة فجر يوم الأحد لم تجد جثمان يسوع كما يرددون ! (المترجم).
  • كان اليهود يحسبون أي يوم باعتبار أنه نهار وليل. (المترجم. وفقا لما أورده المؤلف).

 

لا يجدي نفعا في هذا ألا تري أن المسيحيين يكذبون كذبة مزدوجة، الكذب علي يسوع في هذه النبوءة وحدها. (هندما يزعمون) أن يسوع قال إنه سيكون مثل يونان !.

  • يزعم المسيحيون أن يسوع لم يكن مثل يونان. وأن يونان كان حيا (ببطن الحوت) لمدة ثلاثة أيام وثلاث ليال، بينما كان يسوع "ميتا" بالمقبرة؟
  • يقول يسوع إنه سيكون في المقبرة لمدة ثلاثة أيام وثلاث ليال بينما يقول المسيحيون إنه كان بها يوما وحدا وليلتين. (1) من الذي يكذب، يسوع أم المسيحيون؟ ندع الإجابة لهم.

العد تنازليا لحل المعضلة :

مع غزير علمهم تكون قد أمسكت بهم. وهم يعرفون ذلك ! ولا ينبغي لنا أن نلين. لأنهم قد شرعوا فعلا في ابتكار طريقة للخروج من خيوط المعضلة. لقد اخترعوا الآن نظرية يوم "الأربعاء المبارك" إن مجلة "الحقيقة الناصعة" ذات الستة ملايين نسخة للتوزيع، وتوزع كتبا مجانية في موضوع "الأيام الثلاثة والليالي الثلاث". وهناك مؤسسات أخري في جنوب إفريقيا مثل جمعية إحياء الإنجيل بمدينة جوهانسبرج تقدم كتبا مجانية تبرهن أن الصلب حدث يوم الأربعاء المبارك وليس يوم الجمعة المبارك.

والسيد روبرت فاهاي من تلك الدولة العظمي، أمريكا حيث يتكاثر أولئك المبشرون مثل أعضاء جمعيات: شهود جيهوفا (يهوا) والأدفتتست من أصحاب اليوم السابع، وعلماء المسيحية وغير أولئك وأولئك كثير، أدهش هذا "الروبرت فاهاي" سامعيه المسيحيين بالكثير من الأفكار في القصص. ومن هذه المعتقدات التي حاول ترويجها كان ذلك المعتقد الجديد عن يوم الأربعاء المبارك. أتفق 100% مع ما وصل إليه الكتاب المعاصرون من أن يوم الجمعة المبارك لم يكن يتوافق فعلا مع ادعاء يسوع بأنه المسيح. ولكي يحل المعضلة اقترح أن نحسب ونعد بطريقة تنازلية اعتبارا من الوقت الذي اكتشف فيه أن المسيح غير موجود بالمقبرة. وهذا يعني أنه صباح يوم الأحد ذاك (أول أيام الأسبوع) عندما ذهبت مريم المجدلية لتمسح جسد المسيح بالزيت. ولو قمنا بطرح ثلاثة أيام وثلاث ليال اعتبارا من البدء بيوم الأحد صباحا،

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  • ذلك ما يفهم من أقوالهم الواردة في نصوصهم المقدسة كما أوضح المؤلف. (المترجم).
  • يطلقون عليه "أربعاء أيوب". (المترجم).

 

سنجد أن يوم الأربعاء هو الإجابة الصحيحة. ولا صعوبة هاهنا أن تجد أيامك الثلاثة ولياليك الثلاث لتحل معضلة المسيحيين. ووافق المستمعون بحرارة علي ما قدمه لهم السيد : فاهاي.

الله أم الشيطان ؟ :

وفي لقاء شخصي للمناقشة، بعد نهاية الاجتماع والمحاضرة هنأت السيد فاهاي لنبوغه وسألته : "كيف أمكن طوال ألفي عام مضت أن العالم المسيحي لم يكن يعرف حسابات دينه لتكون أرقامهم مضبوطة؟ " حتى هذا اليوم، (نجد) معظم المسيحية تحتفي بيوم "الجمعة المبارك" وليس "بيوم الأربعاء المبارك" وقلت : "من ذا الذي خدع 1,200,000,000 من المسيحيين في العالم بمن فيهم الروم الكاثوليك، الذين يدعون وجود سلسلة متصلة الحلقات من الباباوات لديهم بدءا من القديس بطرس حتى اليوم، من ذا الذي خدعهم بخرافة تمجيد يوم الجمعة؟ ".

وأجاب السيد فاهاي دونما خجل : "الشيطان !" فقلت : "إذا كان الشيطان يستطيع أن ينجح في أن يضلل المسيحيين وأن يبقيهم في ضلالهم لمدة ألفي عام في أبسط مظاهر الإيمان، فكم يكون الأمر أسهل علي الشيطان ليضللهم فيما يتعلق بطبيعة الله؟ " وأحمر وجه السيد فاهاي ومشي مبتعدا. ولنا أيضا أن نتساءل : لو كان هذا هو اعتقاد واضعي أسس المسيحية أفليس لنا أن نسأل أليس الموت علي الصليب هو أكبر خدعة في التاريخ؟ أليس لنا الآن أن نطلق عليه "اختلاف الصلب أو توهمه أو الإيهام به" ؟

دليل ساطع كالبلور :

لقد قدمت بين يديك أيها القارئ الكريم قائمة تبين الدليل الحاسم من كتابات المسيحيين ونصوصهم المقدسة حيث يقال ويقال أن يسوع حي حي. ومع ذاك فإن الحواريين لم يصدقوا. فهل يصدق أتباعه اليوم؟ هل هم مستعدون أن يصدقوا معلمهم الذي كان قد قال : "كما كان يونان . . . كذلك سيكون ابن الإنسان؟ " ليس هذا جائزا ! لن يقتنعوا. هل تذكرون توما؟

 إنه أحد المنتخبين كحواريي للمسيح. الملقب لدي المسيحيين "بالتوأم" و "لم يكن معهم (الحواريون) حين جاء يسوع". (يوحنا 20 : 24) في أول مرة بالحجرة العلوية. وكنتيجة لذلك فإنه عندما شهد أولئك الحواريون أنهم قد تحسسوا ولمسوا وأكلوا مع يسوع، وأنهم قد رأوا "المعلم" (وليس الله وليس شبح يسوع ولكنه هو يسوع بنفسه وبلحمه وعظامه – حيا) قال لهم توما : "إن لم أبصر في يديه أثر المسامير وأضع إصبعي في أثر المسامير وأضع يدي في جنبه لا أومن" (يوحنا 20 : 25).

***

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(وعلي بقية الصفحة الرابعة والسبعين يورد المؤلف صورة فوتوغرافية لما نشرته صحيفة ووتشتور (لسان حال مملكة جيهوفا) بتاريخ 15 من أكتوبر 1983. وفيه تعجب الصحيفة من إدعاء صلب يسوع). (المترجم).

 

الفصل السابع عشر

تحريف الكلم عن موضعه

اسم جديد ولعبة قديمة :

كان مبشر يفخر كيف كان يختلس عشرة سنتات من طبق جمع النذور للكنيسة (قبل اشتغاله بالتبشير وانخراطه في سلك الدعاة إلي الدين) ليشتري لبنا بالفواكه، وكيف كان يربط أباه السكير في مخزن للحبوب بنفس المكان الذي كان يرعى فيه أمه راقدة في المكان الذي تقف فيه الأبقار لتجف جلودها بعد توفير الاستحمام لها – لضربها بشدة علي يدي والده (1). وهاهوذا الآن يمارس لعبة تحتاج ثقة كبيرة مع قرائه. إنه يقتبس ما ورد بإنجيل (يوحنا 20 : 25) من الطبعة الأمريكية دون الإشارة إلي مرجعها. وبعد عبارة "لا أومن" ثم يبدأ فقرة جديدة بقوله : "في هذه اللحظة قال يسوع لتوما" ويقتبس مرة ثانية من الإنجيل دون إشارة إلي مصدره في الاقتباس فيعطيه القديس يوحنا أكذوبة بقوله : "وبعد ثمانية أيام كان تلاميذه أيضا داخلا وتوما معهم فجاء يسوع (2) . . ." (يوحنا 20 : 26).

أكاذيب فنية :

ومتعصب آخر يدعي أنه محام من حيث المهنة، يشد أزر زميله المبشر الأمريكي بأكذوبة أخري. يقول علي صفحة 120 من كتابه المعنون بعنوان "الإسلام يناظر أو يجادل"، يقول إن ديدات قد أثار في الأيام الأخيرة ضجة بالغة بنشر كتيب له بعنوان "من حرك الحجر؟ " وفي كتابه ذاك يذهب إلي أن الحجر (الذي كان يغلق باب مقبرة يسوع) كان قد حرك بيدي اثنين من أتباع يسوع من اليهود الفريسيين – هما يوسف الأريماتي ونيكوديموس (ص 10) لكنه في كتابه المعنون بعنوان "هل تم صلب المسيح؟ " يذهب إلي أن امرأة خارقة للعادة (ص 25) مفترضا أنها هي مريم (3) المجدلية.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  • المبشر يحاول أن يوضح سوء حاله قبل انخراطه في سلك رجال الدين. (المترجم).
  • يقوم بعملية مونتاج للتلفيق. (المترجم).
  • يحاول المحامي الأمريكي أن يثبت أن العلامة أحمد ديدات قد وقع في تناقض في أقواله غير موجود كما يتضح في الفقرة التالية. (المترجم).

كيف لمبشر مسيحي ومحام عن القانون أن يكذب؟ ولكي يحظى بثقة ضحاياه فإنه يشير إلي رقم الصفحة "25" . لقد خرج الكتاب المذكور من المطبعة منذ وقت طويل ولو كان لديك نسخة فمن المحتمل أن تختبر وتكتشف كذبه بنفسك. إن المتعصب يبدو واثقا من نفسه. لكن – وحق الإنجيل – كانت الكلمات الحقيقية (التي وردت بكتابي) هي : "كانت (مريم المجدلية) مندهشة دهشة يخالطها السرور عند وصولها إذ وجدت الحجر وقد دحرج بعيدا".

فأين الاعتقاد بأنها هي مريم المجدلية (التي دحرجت الحجر) ؟ أين قررت أنا أنها كانت مريم المجدلية؟ لكن الأمر بالنسبة لأولئك المرضي سواء كانوا أمريكيين أو من جنوب إفريقيا هو أن كل خدعة، وحيلة في حقيبتهم مسموح بها للإمساك بأي شخص في الدين المسيحي، أو إلي الدين المسيحي. لقد "رميت القفاز" ولست مستعدا للرد علي كل اتهام زائف، وأريدك أيها القارئ الكريم – أن تفعل نفس الفعل، وتسلك نفس هذا المسلك. تؤدي رسالتك ببساطة علي أفضل نحو تستطيعه، ودع الباقي لله.

تلفيق :

يتجه شراح الإنجيل إلي نتيجة أن "توما الشكاك" وما يتعلق بشأنه إنما مثله مثل ما يتعلق بتك المرأة التي أمسكوا بها "متلبسة" كما ورد بإنجيل (يوحنا 8 : 1 – 11) باعتبار أن كليهما تلفيق واختراع. لكن الأرثوذكس لن يسمحوا بمثل هذا التحريف والحذف من إنجيلهم. وهم يجترئون أيضا علي أن ينظروا نفس النظر إلي ما ورد بالإنجيل بشأن "وضع الأصابع مكان المسامير (التي يفترض أنها دقت بجسم المسيح لتثبيته علي الصليب لأنها تثبت أن يسوع الحقيقى كان أمام الحواريين). وعلينا أن نعاملهم بما يستحقون. ولم يكن لدي الرومان أسباب خاصة ليكونوا متسامحين مع يسوع بالمقارنة مع زميلي صلبه لماذا يثبتون هذين بالأحزمة الجلدية وذاك بالمسامير؟ ولا يزعم المنكرون هذا الزعم فحسب، ولكن بعد ثمانية أيام يمضي يسوع إلي الحجرة العلوية ويجد "توما" هنالك هذه المرة . . وحسب رواية إنجيل يوحنا يأمر يسوع توما قائلا : "هات إصبعك إلي هنا وأبصر يدي وهات يدك وضعها في جنبي ولا تكن غير مؤمن بل كن مؤمنا" (يوحنا 20 : 27).

ويدرك توما الوضع المخزي الذي وضع نفسه به. لقد رفض بمفرده كل دليل يدل علي أن عيسي حي. وكل الحواريين بمن فيهم يهوذا الاسخريوطي الخائن قد شهدوا أنهم قد رأوه وتحسسوه وآكلوه الطعام، لكن توما لم يكن ليؤمن ! بم لم يؤمن توما؟ لم يؤمن بأن يسوع الحي الموجود معهم كان يجول هنا وهناك، ولم يكن شبح يسوع. والآن، والحقيقة المادية (الملموسة) لوجود يسوع تواجهه، وبالإشارة إلي جسد يسوع المادي الفسيولوجي كان توما مضطرا أن يقول : "ربي وإلهي" (يوحنا 20 : 28).

مم تحقق توما ؟

هل أدرك توما في تلك اللحظة وعند ذاك المنحني أن يسوع المسيح كان إلهه؟ هل خر له وخر رفاقه ساجدا مع سجد؟ كلا علي الإطلاق ! إن كلماته المشار إليها إنما كانت تعبيرا عن استعادة الإنسان لجأشه. نقول مثلها يوميا عندما نقول "يا إلهي ! لقد كنت في غفلة ! " فهل تخاطب المستمع إليك كما لو كان إلهك.

***

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(وعلي بقية الصفحة السابعة والسبعين يورد المؤلف صورة فوتوغرافية لما نشر بجريدة "ديلي نيوز" بتاريخ 17 أكتوبر 1955 عن فتاة ماتت أربعة أيام – فيما بدا للأطباء – ثم استيقظت). (المترجم).

 

الفصل الثامن عشر

ليس الناس عميانا

تزودوا . . الحقيقة تسطع في الآفاق:

دعنى – أيها القارئ الكريم – أقدم بين يديك موجزا سريعا للنقاط التي ناقشتاها حتى الآن بما في ذلك أن عيسي (يسوع) المسيح عليه السلام لم يقتل ولم يصلب، كما يزعم المسيحيون واليهود، ولكنه كان حيا (في الوقت الذي زعموا موته فيه). وتتلخص هذه النقاط فيما يلي :

  • كان عيسي عليه السلام حريصا ألا يموت !

وكان قد اتخذ ترتيبات للدفاع لدحر اليهود لأنه كان يريد أن يبقي حيا.

  • تضرع عيسي عليه السلام إلي الله كي ينقذه نعم، تضرع إلي الله العلي القديـــر أن

يحفظ حياته ليبقي حيا.

  • "يسمع" الله دعاءه :

وهو ما يعني أن الله قد استجاب لدعائه أن يظل حيا.

  • نزل إليه أحد الملائكة ليشد أزره. وكــان ذلك بإعطائـه الأمـل واليقـين بـأن الله

 سينقذه ليبقي حيا.

  • يجد (الحاكم الروماني) (1) بيلاطس أنه ليس مذنب. وهو سبب قوي لإبقائه حيا.
  • تري زوجة بيلاطس حلما ينبئها أنه لا يجب أن يلحق أذي بهذا الرجــل العادل.

بمعني أنه يجب أن يظل حيا.

  • الزعم بأنه بقي علي الصليب ثلاث ساعات فقط ، وحسب النظام المعمــول به لا

يمكن أن يكون أحد من المحكوم عليهم بالموت صلبا قد مات في مثل هذا الوقت القصير حتى لو كان قد ثبت علي الصليب. كان حيا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  • كان الحاكم الروماني بيلاطس هو القوة السياسية والعسكرية المناط بها التصديق علي الأحكام وتنفيذها. (المترجم).
  • رفيقا صلبه علي الصليب ظل كل منهما حيا. ولذا فإن عيسي عليه السلام، فـي ذات مدة البقاء علي الصليب ظل حيا.
  • تقول إنسيكلوبيديا (دائرة معارف) الإنجيل تحت عنوان "الصليب" أنه عندما غز يسوع بالرمح (1) فإنه كان حيا.
  • فور ذلك خرج دم وماء:

وكانت تلك علامة ودليلا يؤكد أن عيسي عليه السلام كان حيا.

(11) الساقان غير مقطوعتين – تحقيقا للنبوءة والساقان غير المقطوعتين يكون لهما نفع عندما يكون عيسي عليه السلام حيا.

(12) الرعد والزلزال وكسوف الشمس في غضون ثلاث ساعات

لإلهاء الجمهور المتطفل وليتمكن أتباعه السريون من مساعدته في أن يظل حيا.

          (13) اليهود ارتابوا في تحقق موته.

شك اليهود أنه قد نجا من الموت علي الصليب وأنه كان لا يزال حيا.

          (14) بيلاطس "يعجب" أن يسمع أن يسوع كان ميتا.

لقد كان يعرف بالتجربة أنه لا أحد يموت بسرعة هكذا علي الصليب وظن أن يسوع كان حيا.

          (15) حجرة ضخمة فسيحة (كمدفن) :

قريبة في متناول اليد ضخمة جيدة التهوية بحيث تشجع يدي المساعدة كي تأتي للنجدة. وامتدت يد المساعدة ليظل حيا.

          (16) الحجر (علي باب المقبرة) وملاءة الكفن أزيلا :

وهو ما يلزم حدوثه فحسب عندما يكون حيا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  • كان المناط به القيام بعملية الصلب يغز الضحية برمح للتأكد من موته. (المترجم).

 

(17) تقرير عن الملاءة المطوية :

أكد علماء ألمان من خلال تجارب معينة أن قلب يسوع لم يكن قد توقف عن العمل – أي أنه كان لا يزال حيا.

          (18) أتنكر في الأبدية !؟

التنكر يكون ضروري لو كان عيسي عليه السلام قد بعث بعد موت. لكنه ضروري في حالة واحدة فقط، عندما يكون حيا.

          (19) ويمنع مريم المجدلية أن تلمسه :

"لا تلمسيني" بسبب أن لمسه (ولم تكن جروحه قد التأمت) يسبب له ألما، لأنه كان حيا.

          (20) قوله : "لم أصعد إلي أبي بعد".

وكأنه في لغة اليهود واصطلاحهم يقول : "لم أمت بعد" أو يقول إنه كان حيا.

          (21) ولم تخف مريم المجدلية عندما تعرفت عليه.

لأنها كانت قد شاهدت علامات الحياة فيه (عند إنزاله عن الصليب) كانت تبحث عنه حيا.

          (22) يتحجر الحواريون (هلعا) عند رؤية يسوع بالحجرة.

كل معلوماتهم عن (حادث صلبه) إنما كانت بالسماع (ولم يكن أحدهم شاهد عيان حيث كانوا قد خذلوه جميعا وهربوا) ولذلك لم يستطيعوا أن يصدقوا أن عيسي عليه السلام كان حيا.

          (23) أكل الطعام مرة إثر مرة عند ظهوره بعد عملية الصلب.

والطعام ضروري فقط عندما يكون حيا.

          (24) لم يظهر نفسه أبدا لأعدائه (اليهود)

لأنه كان قد هرب من الموت (علي يديهم) بشق النفس وكان لا يزال حيا.

          (25) قام فحسب بجولات قصيرة :

(الأماكن التي تحرك إليها بعض الصلب معروفة بأنها في نطاق ضيق) لأنه لم يكن قد بعث من بين الموتى كروح، لكنه كان لا يزال حيا.

          (26) وشهادة رجال بجوار المقبرة (حيث قالوا)

"لماذا تبحثون عن الحي بين الموتى" (لوقا 24 : 4 – 5) ومعني ذلك بوضوح أنه لم يكن ميتا، كان حيا.

          (27) وشهادة ملائكة :

". . . الملائكة الذي قالوا إنه كان حيا" (لوقا 24 : 23) لم يقل الملائكة حسب رواية لوقا إن الملائكة قالوا إنه كان قد بعث بل جاء علي لسان الملائكة إنه كان حيا.

          (28) وتشهد مريم المجدلية :

يقول القديس مرقس : "ولما سمع أولئك أنه حي وقد نظرته لم يصدقوا" (مرقس 16 : 11) ولم تكن مريم المجدلية تبحث عن عفريت أو شيطان أو روح وإنما كانت تبحث عن "يسوع حيا". لكن الحواريين عجزوا أن يصدقوا أن معلمهم كان حيا.

          (29) ويشهد الدكتور بريمروز :

يشهد أن الدم والماء عند طعن جنب يسوع بالرمح إنما كان بسبب الإرهاق العصبي للأوعية الدموية من جراء الضرب بالعصي الغليظة. وهو ما يعتبر علامة مؤكدة تدل علي انه كان حيا.

          (30) تنبأ عيسي أن معجزته ستكون مثل معجزة (1) يونان.

وحسبما جاء بسفر يونان (بالعهد القديم) فإن يونان كان حيا بينما كان المتوقع أن يكون ميتا. وبالمثل إذ يتوقع أن عيسي عليه السلام كان ميتا (علي الصليب ولدي دفنه) فإنه عليه السلام كان حيا.

هذه النقاط الثلاثون وقضايا أخري كثيرة تم عرضها وبسطها علي الصفحات السابقة من هذا الكتاب. أرجو أن يقرأها القارئ الكريم وأن يعيد قراءتها مع من يشاء. وأرجو أن تتحقق له فائدة الاستمتاع وأدعو الله أن يتحقق لك فيها النجاح.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(ويورد المؤلف في بقية الصفحات الحادية والثمانين صورة فوتوغرافية لما نشرته جريدة "ديلي نيوز" بتاريخ 3 يناير 1984 عن تحرك كفن وتحرك جثة السيد : بارناباس عند إنزاله إلي القبر في بلدة نيروبي من جراء كثرة شرب الخمر. (المترجم).

  • هو يونس عليه السلام لدى المسلمين. (المترجم).

الفصل التاسع عشر

صلب أم لعب بالصلب

عجز اللغة :

كل كلمة إنما هي صورة مجمدة (ثبتت) للصورة التي تمثلها. لو أخذنا كلمة وتأملناها سنكون قادرين دون ريب أن نري (الشيء الذي تمثله) أو أن تجعله مرئيا في أذهاننا. جرب : "سفينة"، ستري سفينة في ذهنك. "حقيبة يد"، ستري حقيبة يد في ذهنك. "سيجارة" ، ستجد سيجارة في ذهنك. لكننا نتكلم بسرعة كبيرة جدا لدرجة أننا نتمثل في أذهاننا الكلمات كأفكار وتصورات ذهنية. والكلمات هي الأدوات التي من خلالها (بواسطتها) نوصل رسائلنا. وكلما زادت مفردات لغتنا، كلما كانت وسائل اتصالنا (بالآخرين) أوضح وأسهل. لكن الكلمات الخاطئة (المضللة التي تستخدم خطأ بقصد أو بغير قصد) يمكن أن تفسد الأفكار.

ذخائر اللغة :

اللغة العربية غنية جدا في التعبير عن الأفكار الروحية والتصورات، لكن اللغة الإنجليزية أغني في مجال العلم والتقنية. لكن اللغة الانجليزية تخذلني. يبدو أنه ليس فيها أفعال للأحداث التي لم تتم أو للأحداث التي بدأت المحاولة في القيام بها. وكمثال لذلك :

(1) رجل اقتيد إلي المشنقة ووضع الحبل حول عنقه، وتم شد الحبل ليموت ولكن تدخل القدر ولم يمت. وبعد عشرين عاما مات نفس الرجل غرقا. نريد كلمة إنجليزية واحدة تقول لنا ما إذا كان الرجل قد شنق أم لا؟ نريد فعلا واحدا أي كلمة واحدة.

(2) وكذلك الحال بالنسبة لرجل وضع علي كرسي كهربي ليموت صعقا بالكهرباء. يوضع علي الكرسي، ويتم توصيل الدائرة الكهربية، ومع ذلك لا يموت الرجل. وقبل غلق الدائرة مرة أخري يصدر عنه عفو، ويموت نفس الرجل بعد ذلك في حادث سيارة. هل كهرب الرجل أو لا في كلمة واحدة؟

(3) يسجل المؤرخ اليهودي يوسيفوس في كتابه "مأثورات قديمة" فيما يتعلق بحوادث الصلب التي حضرها بنفسه أن الرجال المحكوم عليهم بالموت صلبا تم إنزالهم عن الصليب. وظل واحد منهم علي قيد الحياة ! ماذا حدث لهذا الرجل علي الصليب؟ وهل صلب؟ مطلوب كلمة واحدة.

فيض من ألاعيب الصليب :

من الجائز أن يقال إن (الحالات الثلاث التي أوردناها) إنما هي حالات افتراضية. لكننا أمام تاريخ يصاغ. أنظر إلي ص 36 لتطلع علي ما أعدنا طباعته عن "ويك أند وورلد" بتاريخ 3 أغسطس 1969 لتشهد السيد : بيتر فان ديربرج، وهو عامل بحانة للخمور، "مصلوبا" يتلقى "الركلات" لمجرد الاستمتاع بالإثارة أو كما قال بنفسه لمجرد أن يثبت أن الإنسان يستطيع أن تكون له السيطرة علي جسده. صعد علي الصليب. ومضي يمارس كل ما في عملية الصلب. ولكي يتحمل كل ما حدث في جلجوثا (المكان الذي صلب فيه يسوع) تم إدخال ثلاثة مسامير طول كل منها 18 بوصة في إليتيه وهذا "البارمان" لا يزال حيا. هل صلب؟ نريد "فعلا" لا يوجد مثل هذا الفعل في اللغة الإنجليزية.

وعندما صاح اليهود مرددين صياحهم أمام بيلاطس "أصلبه ! أصلبه !" (لوقا 32 : 21 ويوحنا 19 : 6) فإنهم كانوا يقصدون : "اقتله علي الصليب. اقتله صلبا. ولم يقصدوا خذه في نزهة إلي الصليب. ثم إنه لو كان استعراض الصلب ذاك كاستعراض صلب السيد : فان دير برج، فإنه الرجل لم يمت من جراء الصلب. فماذا تقول عن ذلك الذي حدث؟ وأي فعل ذلك الذي ستستخدمه إن لم يكن موجودا في لغتك؟

صور من عجز اللغة ؟

انجليزي بجنوب إفريقيا وشريك له من أمريكا  يعترفان أنه "لو كانت كلمة يصلب تعني : يقتل علي الصليب، فإننا لا نجد كلمة تصور مجرد الصعود علي الصليب دون موت عليه." عار عليهم. إنهم يحاولون السخرية مني والعيب في لغتهم وفي عجزهم أن يجدوا الكلمة المناسبة.

ومع كل إيمانهم "بحلول الروح القدس" فيهم، فإن العالم المسيحي قد أخفق في أن يصك كلمة تكون لفظا لفعل ليصف "مجرد التثبيت علي الصليب". ولسوف انتشلهم من محنتهم إن شاء الله ! قبل أن ينتهي هذا الفصل من الكتاب، ولو كانت "يصلب" تعني فقط "يقتل" فهل يمكن لهم أن يقولوا لنا ماذا تعنيه أيضا الكلمة" إن قاموس أكسفورد يعطي للكلمة معني هو : "يقتل بالتثبيت علي الصليب". والمبشرون مؤلفو كتاب "الإسلام يحاور أو يعمد إلي المناظرات" لا يستطيعون أن يجدوا حلا للمشكلة. ولذلك سأقدم لهم الحل.

 

شيوع لعبة الصلب :

هنالك دائما شيء جديد قادم من الشرق. والآن من الشرق الأقصى، هاهم أولاء الفليبينيون وقد طوروا بدعة جديدة هي أن "يصلبوا". يريدون أن يحذوا حذو يسوع – (أنظر ص 85) لتجد صورة فوتوغرافية لما نشرته صحيفة "سبع داي نيوز" الصادرة في دار السلام بتاريخ 3 مايو 1981، إذ نشرت عما يسمي مضاعفات الصلب في الفلبين. وذكرت الصحيفة أن "سبع حالات صلب علي الأقل" تم النشر عنها في الصحف المحلية. ومن الممكن أن تكون عمليات صلب أخري قد تمت في الأقاليم ولم ينشر عنها شيء. من بين هذه العمليات عمليات أجرتها سيدة تدعي "لوشيانا ريز" التي وصفت بأنها أول امرأة يعرف أنها مارست "طقوس الصلب" ! وكإضافة جديدة لعناصر عملية الصلب هي دق مسامير في يدي المتقدمين للصلب بالصليب الخشبي.

أصلب مميت أم مسرحية عن الصليب ؟

لم يمت أي شخص بالصلب. وأغمي علي أحدهم. ونزل أحد المصلوبين ليدخن سيجارة بعد ربط يديه بضمادات شاش. وتمت عملية الصلب لأحدهم خمس مرات وكان قد نذر أن يصلب عشر مرات. تبدو المسألة كما لو كانت قصة خرافية. ولكن كان هنالك أكثر من 25,000 مشاهد لأربع عمليات صلب في مدينة واحدة. وبعضها تمت إذاعته مباشرة بالتليفزيون علي الهواء.

(وعلي الصفحة الخامسة والثمانين يورد المؤلف صورة فوتوغرافية لما نشرته مجلة "سن داي نيوز" الصادرة بدار السلام بعنوان : محاكاة يسوع).

(المترجم)

***

 

 

 

وللعالم المسيحي سمعة سيئة في استغلال يسوع لجمع المال. وكان كل فيلم من الأفلام عنه كصندوق لجمع المال يحطم الأرقام القياسية. لهم مسرحياتهم القومية والعاطفية، فلم لا يكون لهم مسرح الصليب.

ولقد حل ريج جراتون مراسل صحيفة "السن داي نيوز" المشكلة (أنظر ص 85 مرة ثانية) بجعل كلمات "الصلب" بين شولات مقلوبة (تلك التي تستخدم كعلامتي التنصيص الموضحتين لبدء ونهاية كلام شخص ما). ولقد استخدم في مقالته هذه الكلمة خمس مرات، وفي كل مرة تظهر هذه الكلمة كان يضعها داخل علامتي التنصيص. وبمعني آخر فإنه يقول : "الصلب المزعوم". أما وقد لصقت هذه الكلمة كلمة "صلب" كفعل و "الصلب" كمفعول مطلق، أما وقد لصقت هذه الكلمة  في ألسنة المبشرين أو ليس من الأفضل أن نستبدلها بتعبير "الصلب المزعوم؟ ".

الصلب أم الصلب المزعوم ؟

نستطيع الآن أن نقول دون أي حرج ذهني أن بيتر فان دير برج تحمل عملية الصلب بكل تفاصيلها ولم يمت. بمعني أنه ثبت علي الصليب (لتمثيل الصلب، لا ليموت صلبا).

وأكثر من ذلك نستطيع القول بأن المسيحيين في الفلبين لا يمارسون "الموت صلبا" ولكن يمارسون "لعبة الصلب" بكل إخلاص (يمكن تصوره للعبة). وممارستهم تلك ليس فيها خدع سينمائية، كما يفعلون في الأفلام. إنها الشيء الحقيقى، لكنه فقط بدون وفاة. ومن ثم فإن أي عرض من العروض علي الصليب حيث يحاول الضحية أن يقلد تجربة يسوع المزعومة لكنه لا يموت فعلا تلك "الميتة الفظيعة الملعونة" علي الصليب، يجعل لنا الحق كل الحق في أن تطلق عليها الاسم الصحيح.

(ثم يقترح المؤلف كلمات جديدة مثل "يلعب لعبة الصليب" بدلا من "يموت علي الصليب". "وموضوع علي الصليب" بدلا من "ميت علي الصليب" و "لعبة الصلب" بدلا من "الموت صلبا").

وهذا الاستخدام الصحيح للكلمات سوف يحطم "صليب" المسيحية الذي يجد نفسه في "مفترق الطرق" لا يعرف أي طريق يسلك. ولو استخدمنا الكلمات المشار إليها جيدا فإننا سنجدها قريبا في معاجم الانجليزية.

وبانتهاء هذه السطور نكون قد نشرنا مائة ألف نسخة أعدت للنشر مجانا كطبعة أولي. اقرأها عزيزي القارئ، وتبادلها مع أصدقائك أو مع خصومك لتمجيد الحق.

آمين (1).

 

 ***

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(وعلي بقية الصفحة يورد المؤلف رسما تخطيطيا لعملية صلب المسيح اقتبسه عن أحد الناشرين).

(المترجم)

  • مكتوبة بالحروف الإفرنجية كما ينطقها المسلمون العرب وليس كما ينطقها أصحاب اللغات الأخرى (أمن – (المترجم).

 

كلمـة ختـام

لقد كان موضوع صلب المسيح يقف في حلقي، من حيث اعتبار المسيحيين أنه المخلص الوحيد لبني البشر منذ أول اختلاط لي مع طلبة وقساوسة إرسالية "آدمز" عندما كنت لم أبلغ العشرين من عمري بعد. (أنظر مقدمة كتاب : هل الإنجيل كلمة الله).

ولما كنت شابا غير سهل الانقياد، فلقد حيرتني الحالة التي كنت ألحظها علي أولئك الشباب المؤمنين بالصلب كطريق وحيد لهم إلي الخلاص من الذنوب وما كانوا يبدونه من اهتمام وقلق لكوني سأعذب في النار لعدم التصديق والإيمان به.

وأصبح موضوع صلب المسيح الذي تعتمد عليه المسيحية موضوعا هاما لبحثي ودراستي. كنت أريد حقا أن أعرف علام كل هذه الضجة الكبرى. وبدأت أدرس ما بحوزتهم في الموضوع ألا وهو "العهد الجديد".

ولا أتوقع أن يسألني أي شخص عن عقيدتي كمسلم فيما يتعلق بموضوع الصلب. عقيدتي هي عقيدة القرآن كما وردت بدقة في الآية 157 من سورة النساء (1).

وأكرر مع كل تأكيد أن دراستي موضوع الصلب قد فرضت علي من أصحاب الإيمان المسيحي الذين كانوا يدعون أنهم خيرون محبون للخير لي. وأخذت اهتمامهم مأخذ الجد لكي أدرس واستذكر وأبحث بموضوعية مستخدما نفس مصادرهم. وستوافقني أن النتائج مذهلة.

وأود أن أشكر مئات المسيحيين الذين جاءوا يدقون علي بابي لمبادرتي بالتباحث في هذا الموضوع.

وما أسلفته في الصفحات السابقة – أيها القارئ الكريم – إنما هو حصيلة بحث ودراسة طوال سنوات وسنوات من عمري ثم إمضاء المؤلف : أحمد ديدات.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  • ) وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسي ابن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا لفي شك منه ما لهم به من علم إلا إتباع الظن وما قتلوه يقينا (  (سورة النساء : 157) – المترجم.

 

 

وتعقيب للمترجم

المؤلف : احمد ديدات :

من جنوب إفريقيا، حيث الديانة السائدة هي المسيحية، واللغة الرسمية هي الإنجليزية، والسياسة الرسمية هي التفرقة العنصرية، يرتفع صوت الداعية الإسلامي الكبير احمد ديدات.

كان والده قد هاجر من الهند إلي جنوب إفريقيا حيث ولد له أحمد ديدات، الذي نشأ وتربي في مدينة ديربان. وفي مستهل شبابه، وقبل أن يبلغ العشرين من عمره، عمل لدي دار نشر للكتب الدينية المسيحية. وكمسلم غض الإهاب، تعرض لسيل عارم من الأسئلة المتعلقة بموضوعات الدين الإسلامي، ومحاولات التنفير منه والترغيب في إدخاله في الدين المسيحي. يقول العلامة أحمد ديدات "إن رجلا أمريكيا أقام جامعة بجنوب إفريقيا وكرس حياته وإمكاناته للدعوة المسيحية، فكان ينظم الدورات الدراسية لتتولي تدريب المبشرين بالمسيحية من أهل جنوب إفريقيا. وهؤلاء المتدربون كانوا يأتون إلي لكي يمارسوا ما تعلموه من الإرسالية فكانوا يقولون إن محمدا (عليه الصلاة والسلام) له الكثير من الزوجات، فلا أستطيع الرد عليهم .  . . وقالوا لي إن محمدا عليه الصلاة والسلام كتب القرآن من اليهودية والمسيحية، فلم أرد. وقالوا لي إن محمدا نشر دينه بحد السيف فلم استطع الرد عليهم. ويستطرد العلامة أحمد ديدات قائلا : كانت تنقضي الحجة ولذلك لم أكن مهيأ للرد عليهم إذ كانت معظم تعاليم الإسلام مبهمة لي. كنت أقوم بأداء الفروض كما كان يؤديها والدي. كنت أصلي كما يصلي والدي. وكذلك الصوم. وكنت لا أشرب الخمر، ولا ألعب القمار، اقتداء بوالدي وأقاربي.

كان كل من حوله وكان كل ما حوله إذن يحفزه علي البحث والإطلاع فيما يتعلق بالدين والعقيدة : كرس درسته في تخصص يشبع نهمه وتطلعه إلي معرفة أسرار الأديان فتوجه إلي دراسة مقارنة الأديان وكانت النتائج مذهلة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أحمد ديدات في مقابلة صحيفة نشرتها جريدة "الجزيرة السعودية العدد (5671) بتاريخ 8 إبريل 1988.

 

 

 

أسلوب جديد وفريد، أسلوب ذلك الداعية الإسلامي العلامة "أحمد ديدات". وليس تفرد أسلوبه وجدته من حيث هو أسلوب من أساليب اللغة، ولكنه تفرد ولكنها جدة في أسلوب التفكير ومنهج الدعوة إلي العقيدة. وربما كان لطبيعة تكوينه الثقافي وسعة إطلاعه. واللغة الإنجليزية التي يجيدها كلغة أصلية أثره في تفرد أسلوبه الفكري، وجدة منهجه في الدعوة إلي العقيدة، وربما كان للوسط الذي نشأ فيه، وتفاعل معه بجنوب إفريقيا أثر أيما أثر في ذلك. وحسبنا أن نشير إلي أنه كان الطرف الممثل للإسلام في تلك المناظرة الشهيرة بين مسلم ومسيحي هو القس الأمريكي سويجارت، وغيره، وغيره.

أسلوبه ومنهجه :

استطاع العلامة أحمد ديدات أن يتبوأ مكانة رفيعة المستوي بين دعاة العقيدة الإسلامية. لقد أصبح بلا جدال عالمي الانتشار. ماذا يحدث عندما تريد جامعة من الجامعات تقويم ومعرفة القيمة العلمية لأحد أساتذتها؟ تطلب إليه أن يقدم إنتاجه العلمي وأبحاثه وكتبه ومؤلفاته لفحصها. ولو فعلنا ذلك بالنسبة للعلامة أحمد ديدات نجد له : -

(1) مناظرات مطبوعة علي أشرطة فيديو يناظر علي الطبيعة أكبر وأشد الخصوم من الديانات الأخرى بنجاح تام. وتذاع هذه المناظرات أيضا بالبث التلفازى المباشر.

(2) أشرطة كاسيت في كثير من الموضوعات الدينية.

(3) عشرات الكتب المطبوعة كل كتاب منها في موضوع معين من موضوعات العقيدة. منها علي سبيل المثال :

(1) ما يقوله الإنجيل عن محمد.

(2) المسيح في الإسلام. (1).

          (3) مسألة صلب المسيح. (2).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  • قمنا بنقل الكتابين إلي اللغة العربية. (المترجم).
  • موضوع هذا الكتاب وقد جعلنا عنوانه "مسألة صلب المسيح" حيث إنه يجوز التصرف بالعناوين لتكون أكثر تعبيرا عن الموضوع في كل لغة. (المترجم).

 

وغير ذلك كثير كثير. فهو إذن يستخدم أكثر وسائل التعبير فعالية وانتشارا في العالم. أطال الله بقاءه، وشد أزره، وسدد علي طريق الرشاد خطواته.

النصوص المقدسة تتكلم

ولعل أهم ما يميز كتابات المؤلف هو اعتماده علي "النصوص" لإثبات وجهة نظره. وتلك لعمري هي أهم مميزات الأسلوب العلمي الحديث في البحث والتمحيص إزاء أية موضوعات نريد دراستها دراسة علمية أو أدبية أو تاريخية. وعندما يتناول أحمد ديدات موضوعا ما من الموضوعات المتصلة بالدين المسيحي أو الإسلامي فإنه يعتمد تماما علي النصوص المعتمدة في كليهما. يتحدث إلي المسيحيين، فيقدم بين يدي الموضوع كل ما يتصل به من نصوص من واقع الأناجيل المعترف بها لديهم. ولدي المؤلف قدرة فذة علي اكتشاف ما يسمي بالتناقض الداخلي Interial Contradiction حالما يكون موجودا بصراحة ووضوح لا مزيد عليهما.

وكداعية مسلم له رأيه الذي يدلي به عندما يكون ذلك ضروريا، لا يلزم به أحدا، لكنه يعبر عنه بصراحة ووضوح ملتزما بأصول العقيدة الإسلامية. أنظر إليه وهو يدلي برأيه في خاتمة هذا البحث عن مسألة صلب المسيح فيقول : "ولا أتوقع أن يسألني احد عن عقيدتي كمسلم فيما يتعلق بموضوع الصلب، عقيدتي هي عقيدة القرآن كما وردت بدقة في الآية 157 من سورة النساء". (أنظر ص 88 من هذا الكتاب).

وليس من المعقول أن تذيع جميع وسائل النشر في العالم كله أعمال هذا الداعية وأفكاره علي شكل مناظرات أو كتب أو لقاءات صحفية، ونظل لا نعرف عنه شيئا. والقاعدة الشرعية معروفة تعبر عنها كثير من المأثورات مثل "ليس ناقل الكفر بكافر" وأيضا لدينا قولــه تعالــي ) لا إكراه في الدين ( وقوله تعالي : ) من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ( .

وليس عرض نظرية النشوء والارتقاء لدارون مثلا ملزما بالإيمان بها كما أن عرض عقيدة الهندوس ليس ملزما وليس متطلبا الإيمان بالهندوكية، هذه أمور واضحة ولا حاجة بنا إلي توضيح الواضح. وإن كان من المعروف أن مناقشة البديهيات هي أصعب أنواع المناقشات.

 

 

وثمة سؤال : وماذا بعد الصلب ؟:

ثمة سؤال فرض نفسه بعد أن انتهيت من ترجمة مؤلف الداعية العلامة أحمد ديدات عن مسألة صلب المسيح وهو : وماذا بعد صلب المسيح عليه السلام بصرف النظر عن كافة الآراء والاتجاهات والمذاهب المتعلقة بذلك سواء كان الصلب قد تم بالنسبة لشخص المسيح حقا، أو وقع بالنسبة لشبيه للمسيح، وسواء كان المسيح قد مات علي الصليب وأنزل عنه ميتا وتم دفنه ميتا أو كان ولم يمت علي الصليب ونزل عنه وهو ما يزال علي قيد الحياة، وهو ما أثبته العلامة أحمد ديدات وقدم عليه ثلاثين دليلا أجملها في الفصل الثامن عشر من هذا الكتاب، نعم، ماذا بعد الصلب؟ سؤال فرض نفسه بعد أن انتهيت من ترجمة الكتاب. وكنت لا أريد التعرض لإجابة هذا السؤال مكتفيا بأنني قد عانيت ما عانيت لإتمام الترجمة. ولكنني قد أحسست أن القارئ الكريم يريد أن يعرف، ومن حقه إذا شاء – أن يعرف. واتصلت بكثير من المراجع.

مناقشة عامة :

ومع أنني ككاتب مسلم لست حجة الإسلام، ومع أن محدثي وصديقي المسيحي الذي جرني إلي نقاش ديني ليس حجة المسيحية، فإن النقاش الذي شدني إليه يصلح إطارا عاما قبل إجابة سؤالنا.

قال صاحبي : ما رأيك في التثليث ؟ Christian Trinity

قلت : تناقض في الحدود. لا يمكن للثلاثة أن يكونوا واحدا.

قال : ألا تري الشمس أشعة وضوءا وحرارة.

قلت : ولكن لا يجوز لك أن تطلق علي الجزء ما تطلقه علي الكل. ليس ضوء الشمس هو الشمس. كما أن حرارة الشمس ليست هي الشمس. وواجب الوجود يتنافى مع وحدانيته أن يكون مكونا من أجزاء. فالأجزاء تحتاج إلي من يجمعها. ثم تعال إلي الوقت المحدود بميلاد وانتهاء حياة السيد المسيح عليه السلام علي الأرض. هل كان ثمة انقسام وانفصال في الذات الإلهية حسب مفهومك بحيث كان الأب في السماء والابن علي الأرض؟

قال : لا أعرف. أنا لست قسيسا. وربما كان القساوسة يعرفون.

قلت : من حقك أن تهرب كما تشاء.

قال فجأة. ودون مناسبة : لكن لا يوجد شيء اسمه الوحي.

قلت : فما الأناجيل عندكم.

قال : لم يكتب ولم يمل المسيح أي إنجيل. كتبها من بعده أتباعه وكل حكي الحكاية أو روي الرواية من وجهة نظره. ومن هنا اختلافها.

قلت : لماذا تسمونها إذن بالكتب المقدسة وتسمون الواحد منها بالكتاب المقدس والبشر قد يخطئون؟

قال : إنها مثل ترجمات القرآن الكريم إلي لغة أخري. لا تجد اثنين من المترجمين يتفقان علي صيغة واحدة.

قلت : ترجمة معاني القرآن الكريم ربما تختلف بين المترجمين. لكن أصل الترجمات موجود وهو نصوص القرآن الكريم. ولا يوجد لديكم أصل الأناجيل. وهذا فرق لو تدري كبير.

قال : أصل الأناجيل. مدفون في الفاتيكان.

قلت : إلي أن تستخرجه لا تستطيع الإدعاء بوجود نص أصلي للأناجيل. وأنا أستطيع أن أريك بعيني رأسك القرآن الكريم وفورا الآن.

قال : كيف استخرج لك النسخة الأصلية من الفاتيكان ؟

قلت : أقصد أنها لو كانت موجودة لتمت طباعة ملايين النسخ منها أفخر طباعة. ولكن اطمئن. ليست موجودة.

قال : ما قولك في معجزات السيد المسيح عليه السلام؟

قلت : معجزات رسول سبقه رسل وجاء بعده رسل أجراها الله علي يديه وأثبتها له لتكون دليلا علي صدق رسالته اعتبرتموها أدلة علي ألوهيته.

قال : لكن المسيح صلب وتعذب ومات علي الصليب لكي يفدي البشرية بدمه. نحن المسيحيين سندخل الجنة مهما كانت خطايانا أما أنتم فستدخلون النار مهما فعلتم. إن كل ما تعملون من أعمال صالحة إنما هي كثياب خرقة لا تنفع ولا تغني.

قلت : ذلك هو ما تعتقدون. وذلك هو ما يستهويكم. عندنا في الإسلام انه لا تزر وازرة وزر أخرى. ومن العدل أن يحاسب كل إنسان علي عمله.

قال : لكن المسيح صلب ومات علي الصليب ودفن ثلاثة أيام ثم قام.

قلت : ذلك هو ما تعتقدون أو بالأصح هو ما أرادوا لكم أن تعتقدوا . . هاك كتاب العلامة أحمد ديدات عن مسألة صلب المسيح، فرغت توا من نقله إلي اللغة العربية اقرأه لو شئت لتجده يقدم ثلاثين دليلا علي أن المسيح عليه السلام لم يمت علي الصليب،ولم يدفن ميتا، ولم يقض في المقبرة ثلاثة أيام وثلاث ليال بل مكث بها وهو علي قيد الحياة مدة من الزمن لا يمكن أن تزيد علي يوم واحد وليلتين.

قال : عندكم في القرآن الكريم أنه "وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم".

قلت : ولكنك قلت إنك لا تؤمن بالوحي.

قال : لزوم المناقشة فحسب. وبصراحة أنا أستريح إلي إجاباتك ولكن قل لي : كيف شبه لهم؟

قلت : شبه لمن ؟

قال : لليهود. إن اليهود من أكثر أمم الأرض فطنة. وكانوا حريصين علي قتل المسيح عليه السلام. وكثيرا ما حاوروه وجادلوه وناقشوه وقدموا له الأسئلة المحرجة. كيف يقعون في مثل هذا الخطأ الساذج فيأخذون شبيها للمسيح علي أنه المسيح؟

قلت : هل تشك في قدرة الله سبحانه وتعالي.

قال : كلا. حاشا لله. لا أشك في قدرة الله.

قلت : إذن، بالغا ما بلغت فطنة وبراعة اليهود، فإن الله جلت قدرته قادر علي أن يلبس عليهم ما يشاء لتنفذ إرادته ومشيئته كما يريد وكما يشاء. ألم تر إلي أكبر وأبرع العلماء يمكن أن يقعوا مجتمعين أو فرادي في خطأ بسيط ساذج. Silly Mistake هذا من جهة. ومن جهة أخري فإن التعبير القرآني يقول "ولكن شبه لهم" شبه لهم ماذا؟ انصرف معظم التفكير وانساق معظم أصحاب التفاسير إلي أن الله سبحانه وتعالي ألقي شبه المسيح علي شخص غيره. ذهب بعضهم إلي أنه يهوذا الإسخريوطي ولكن لماذا يكون هذا هو المعني؟ إن التعبير القرآني يسبقه مباشرة قوله تعالي ) وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم ( أقول : المعني الذي أجيزه بل أحبذه. هو انصراف التعبير القرآني إلي القتل والصلب. أي أنه وقع في روع اليهود أنهم قتلوا وصلبوا المسيح وكانت الحقيقة غير ذلك. لم يقتل ولم يصلب عندما يكون معني الصلب هو الموت علي الصليب. كان المسيح حيا، وهو ما أثبته العلامة أحمد ديدات وقدم عليه ثلاثين دليلا. دعنى الخص وأوجز لك. شبه لليهود أحد أمرين.

(أ) شخص المسيح. أخطأوا – ويجوز أن يخطئ البشر بالغا ما بلغ حذقهم – بالنسبة لشخصه فأخذوا غيره علي انه هو المسيح.

(ب) أخطأوا عندما ظنوا أن المسيح قد مات علي الصليب وهو لم يمت في حقيقة الأمر. وكلا الرأيين جائز. ) ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين (  (1) مكر اليهود بتدبيرهم قتل المسيح صلبا. وأنت تعرف كيف دبروا لذلك واستعانوا بجنود الرومان، واستعدوا حاكم الرومان بيلاطس عليه، وضغطوا، وهم بارعون في ممارسة الضغوط، ولكن "الله خير الماكرين".

قال : لماذا لا تعتبرون الإنجيل مثل القرآن الكريم؟

قلت : أنت اعترفت أنك لا تؤمن بالوحي. وطلبت استبعاد الوحي.

قال : اعتبره ذلك علي أنه كان موقفا جدليا. وأجب سؤالي.

قلت : أنت اعترفت أن المسيح لم يقل الإنجيل مباشرة. لم يمله. ولم يطلب تدوينه إلي أحد.

قال : هذا صحيح.

قلت : واعترفت أن كل واحد من الحواريين الذي ينسب إنجيل إلي أي منهم كتب ما شاء أن يكتب عن قصة المسيح من وجهة نظره بعد عديد السنين من وفاة المسيح عليه السلام.

قال : هذا صحيح.

قلت : واعترفت انه لا يوجد "أصل" لأية نسخة أصلية يمكن الرجوع إليها لحسم أي خلاف بين روايات الأناجيل.

قال : وهذا أيضا صحيح.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  • آل عمران – الآية 53.

قلت : القرآن الكريم أوحي إلي نبي الإسلام عليه السلام، وأملاه كاملا في حياته عليه السلام. أنتم تعتزون بما كتبه أصحاب الأناجيل مع أنهم لم يكتبوها مباشرة، بل كتبوها بعد زمن طويل من عهد المسيح عليه السلام، فلم لا نثق كل الثقة في وثيقة مكتوبة أصلية مأخوذة مباشرة من مصدرها بدون أي فاصل زمني؟ وأيضا نثق في القرآن الكريم ونؤمن بصدقه، ونؤمن بحفظ الله سبحانه وتعالي له لأنه نزل علي نبي أمي لا يعرف القراءة ولا الكتابة. وأيضا فإن إعجازه بداخله. لا يستطيع أحد ولم يستطع أحد ولن يستطيع أحد أن يأتي بمثله. وأيضا فإن إعجازه يتمثل في أنه قد حكي كل قصص الأنبياء والرسل السابقين وكأنه قد كرس كل هذه المعجزات لتكون ذخيرة إيمان للمسلمين. وهذا مالا يتاح لنبي أمي لا يقرأ ولا يكتب ويعجز عن معرفة بعض ما جاء في القرآن الذي أوحاه الله إليه كبار المؤرخين.

قال : ما رأيك بحديثنا هذا ونقاشنا في هذه الموضوعات ؟

قلت : لا بأس بها. أنت لا تمسك سيفا. وأنا لا أمسك سيفا. كان حديثنا ونقاشنا بالحسنى ومن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر. كل إنسان حر. وكل إنسان مسئول عن نفسه أمام خالقه. والإنسان مطالب أن يفكر. وإذا كان الإنسان يفكر في أمر زواجه أو أمر صفقة هامة يرجو منها ربحا، ألا يجدر بالإنسان أن يفكر في مصيره ذاته وفي الغاية من حياته كلها. وإذا كانت أمور الدنيا علي تفاهتها تستغرق من الإنسان كل هذا الاهتمام، ألا تكون الحياة الآخرة، وهي حياة الاستقرار ودوام المقام أولي وأحرى بالتفكير والتدبير؟

قال : سؤال أخير : ماذا حدث للمسيح بعد عملية الصلب؟

قلت : لقد وصلت إلي سؤال كنت أنوي ألا أعرض له في ختام كتاب "مسألة صلب المسيح" الذي وضعه العلامة أحمد ديدات. ولكن يبدو أن السؤال يفرض نفسه. ولكي أجيب دعني أوضح لك ما يلي :

أولا : أنا أجيب كإنسان مسلم من منطلق العقيدة الإسلامية كما أجتهد فهمها. ومن مزايا العقيدة الإسلامية أن فهمها ليس حكرا علي أحد.

ثانيا : كإنسان مسلم أعتمد في إجابتي علي ما ورد في القرآن الكريم والسنة الصحيحة وأجتهد فيهما قدر استطاعتي.

ثالثا : من المهم في ضوء تقدم مناهج البحث العلمي تحديد مصادر المعرفة بالنسبة لموضوع الدراسة. ومصادر المعرفة في موضوعنا القرآن الكريم والسنة كما سبق القول. يضاف إلي ذلك التواتر.

قال : ماذا تقصد بالتواتر ؟

قلت : ما أجمعت عليه آراء الثقاة من الرواة مستندا إلي وثائق لا يتطرق إليها الشك بحال. كيف نعرف أن الاسكندر الأكبر مثلا دخل مصر؟ التواتر والوثائق التاريخية. هذا ما أقصده.

قال : وماذا أيضا؟

قلت: العقل الذي يقبل أو يرفض، ويدقق ويمحص ويطلب الدليل المادي أو البرهان العقلي ويمحص كلا منهما. والعقل السليم أعدل الأشياء قسمة بين الناس، وهو يقبل الأفكار البسيطة الواضحة ما تيسر لها وتوافر فيها البساطة والوضوح.

قال : حددت ما يلزم تحديده. قل لي : ماذا حدث بعد عملية صلب المسيح؟

قلت : هل يلح عليك السؤال كثيرا هكذا؟

قال : نعم. لا أخفي عليك.

قلت: نستعرض الآراء الموجود أولا.

قال : إنها كثيرة متضاربة ومتعارضة.

قلت : ولكنها من شروط الدراسة العلمية. لابد أن تعرف ما هو موجود ومتاح من المعارف الإنسانية في موضوع دراستك. وأن تعمل النظر والعقل فيها لتري إن كنت تستطيع أن تضيف إليها.

قال : لا بأس ما دام هذا ضروريا للإجابة. فما هي؟

قلت : هناك رأي اليهود أولا، ورأي المسيحيين ثانيا ورأي المسلمين ثالثا، وللتبسيط قلت "رأي" ولم أقل آراء. يري اليهود كما تعرف أن المسيح لم يكن هو المسيح الذي كانوا ينتظرونه ولا حاجة لتفصيل رأيهم ذاك فهم، بإيجاز ينكرون المسيح ويعتقدون كذبه ويزعمون قتله علي الصليب، ويكون أمره قد انتهي بعملية الصلب المميت إذن. ويري المسيحيون أنه ابن الله وصلب صلبا مميتا وأنزل عن الصليب ميتا ودفن ميتا، وبعثه الله من بين الموتى بعد ثلاثة أيام وثلاث ليال فصار حيا وعاد إلي أبيه.

ويري المسلمون أن عيس نبي ورسول إلي بني إسرائيل بعثه الله إليهم ليصحح لهم عقيدتهم التي حرفوها، وأنه لم يقتل ولم يصلب ولكن شبه لهم وسواء كان الشخص الذي وضعوه علي الصليب شخصا آخر شبيها بالمسيح  عليه السلام أو كان هو المسيح وظنه اليهود وجنود الرومان ميتا علي الصيب وكان في الحقيقة لم يمت، فإن مصيره يكون بين يدي الله سبحانه وتعالي شأن رسل وأنبياء قبله ورسل وأنبياء بعده. ونحن كمسلمين لا نقبل بشأنه إلا ما يقوله لنا القرآن الكريم ولا نريد أن نعرف أكثر مما يخبرنا به القرآن الكريم. خصوصا أن المهم بالنسبة لرسالة أي رسول هو محتوي الرسالة ذاتها. فلم يكن عجبا أن يكون القرآن الكريم قد اكتفي بمسألة صلب المسيح عليه السلام. هذا طبيعي ومعقول جدا.

قال : ثمة نقطة هامة أرجو أن استوضحها.

قلت : ما هي؟

قال : جاء بالقرآن الكريم في سورة النساء قوله تعالي : ) بل رفعه الله إليه  ( (1) فما معني الرفع ؟

قلت : ماذا تفهم أنت ؟

قال : رفعه إليه أي رفعه جسما وروحا. وفيما تروونه في قصة الإسراء والمعراج أن النبي محمد عليه السلام قد مر به في السماء وتحدث معه.

قلت : ومر النبي محمد عليه السلام أيضا علي يحيي عليه السلام معه، ومر بغيره من الأنبياء والرسل عليهم السلام. هذا جائز. بل إننا نعتبره حقائق نعترف بها ولا نجادل فيها. ولكن مرور النبي عليه السلام بالسابقين من الأنبياء والرسل عليهم السلام لا يستلزم الصلب ولا الموت علي الصليب كما أنه ليس ملزما أن تكون طبيعتهم طبيعة جسمية. ولقد قلت عن معني الرفع :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

سورة النساء – الآية 158.

 

 

"رفعه جسما وروحا". وهناك رأي آخر وهو رأي أفضله، ومؤداه أن الرفع رفع "منزلة ومكانة" أما صعوده إلي السماء فهو جائز لا يجل عن قدرة الله، ولكن ليس ثمة ما يحتمه لأنه لم يرد ذكر للسماء. وقوله تعالي "بل رفعه الله إليه" "لم يرد بها ذكر للسماء. ومن المعروف أن السماء والأرض في عناية الله ورعايته. وقد ورد في القرآن الكريم تعبيرات مماثلة دون أن يفهم منها مثل الفهم. جاء في سورة العنكبوت قوله تعالي بالنسبة إلي لوط عليه السلام : ) وقال إني مهاجر إلي ربي ( (العنكبوت : 26) إذ ليس معناه إني مهاجر إلي السماء. بل معناه إني متحصن برعاية ربي وبالإيمان به. وكذلك قوله تعالي : ) ومن يخرج من بيته مهاجرا إلي الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره علي الله ( (النساء : 100) ومنه يتضح أن الرفع رفع منزلة ومكانة.

قال : ماذا حدث للسيد المسيح عليه السلام بعد عملية الصلب ؟

قلت : في ضوء ما سبق "رفعه الله إليه" سواء كان ذلك بالجسم والروح أو كان الرفع رفع منزلة ومكانة، وفي الحالة الثانية يكون أمر عيسي عليه السلام مع اليهود قد انتهي بمسألة الصلب لكنه وقد ثبت أنه لم يقتل علي الصليب، بل ساعده أتباعه المخلصون علي النجاة من أذاهم، أن استمرت به الحياة مكرما من الله محاطا بعنايته ورعايته، له منزلته ومكانته عند الله إلي اكتمال أجله فتوفاه الله سبحانه وتعالي. إننا نؤمن تماما بقدرته.

قال : ألا يشكل مصير المسيح بعد عملية الصلب أي أهمية بالنسبة لعقيدة المسلم ؟

قلت : كلا علي الإطلاق. نحن مطالبون أن نؤمن بما ورد به نص قرآني صريح وبالسنة المطهرة الثابتة ومسألة مصير السيد المسيح عليه السلام بعد عملية الصب، إنما هي مسألة غيبية لاتصالها بعالم الغيب، هل تعرف أنت أو أنا أو أي شخص متي تقوم القيامة؟ بالقطع كلا. علمها عند الله سبحانه وتعالي. ليست لدينا كبشر وسائل للمعرفة فيما يتعلق بموعد قيام الساعة. ومن العبث إذن أن يحاول أحد ادعاء المعرفة في مثل هذا الموضوع.

وهل تظن مثلا أنك وأنا وأي إنسان عندما نبعث أحياء يوم القيامة هل سيكون لنا نفس الطبيعة الجسمية كما عشنا في الحياة الدنيا؟ هل نعرق ونصاب بجروح أو أمراض؟ هل نأكل وتكون لطعامنا فضلات؟ بالقطع كلا؟ ولكن كيف إذن؟ لا علم لنا. هذه أمور غيبية تماما لا نعلم منها إلا ما شاء الله أن يطلعنا عليه بدليل قطعي. المهم أن مسألة مصير المسيح عليه السلام بعد الصلب ليست جزءا من العقيدة الإسلامية "يكفر" أو " لا يكفر" من ينكرها ويأخذ بها. ودعني أضع بين يديك ما ذكره الإمام الأكبر الأسبق المرحوم : محمود شلتوت، في ختام بحثه في هذا الموضوع.

سؤال مباشر إلي (1) فضيلة الإمام الأكبر :

وربما يكون من المناسب حسما لهذا السؤال أن أضع بين يديك إجابة الإمام الأكبر الأسبق المرحوم الأستاذ محمود شلتوت شيخ الجامع الأزهر.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  • انظر مجلة الرسالة – السنة العاشرة – العد (462).

 

 

 

 

رفع عيسي

ورد إلي مشيخة الأزهر الجليلة من حضرة عبد الكريم خان بالقيادة العامة لجيوش الشرق الأوسط سؤال جاء فيه :

هل (عيسي) حي أو ميت في نظر القرآن الكريم والسنة المطهرة ؟ وما حكم المسلم الذي ينكر أنه حي ؟ وما حكم من لا يؤمن به إذا فرض أنه عاد إلي الدنيا مرة أخرى؟.

وقد حول هذا السؤال إلينا فأجبنا بالفتوى التالية التي نشرتها مجلة الرسالة في سنتها العاشرة بالعدد 462.

* * *

القرآن الكريم ونهاية عيسي :

أما بعد، فإن القرآن الكريم قد عرض لعيسي عليه السلام فيما يتصل بنهاية شأنه مع قومه في ثلاث سور :

1-  في سورة آل عمران قولـه تعالـي : ) فلما أحس عيسي منهم الكفر قال من أنصاري إلي الله قال الحواريون نحن أنصار الله أمنا بالله واشهد بأنا مسلمون "52" ربنا أمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشهدين "53" ومكروا ومكر الله والله خير المكرين "54" إذ قال الله يعيسي إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلي يوم القيامة ثم إلي مرجعكم فأحكم بينكم فيما كنتم فيه تختلفون "55"  ( (1)

2-  وفي سـورة النسـاء قولـه تعالــي : ) وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسي ابن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا إتباع الظن وما قتلوه يقينا "157" بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزا حكميا "158" ( (2)

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  • الآيات من 52 : 55
  • الآيتان 157، 158.

3-  وفي سورة المائدة قوله تعالي : )وإذ قال الله يعيسي ابن مريم ءأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحنك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علم الغيوب "116" ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت علي كل شيء شهيد "117" (  (1).

هذه هي الآيات التي عرض القرآن فيها لنهاية شأن عيسي مع قومه.

والآية الأخيرة (آية المائدة) تذكر لنا شانا أخرويا يتعلق بعبادة قومه له ولأمه في الدنيا وقد سأله الله عنها. وهي تقرر علي لسان عيسي عليه السلام أنه لم يقل لهم إلا ما أمره الله به : )اعبدوا الله ربي وربكم ( ، وأنه كان شهيدا عليهم مدة إقامته بينهم، وأنه لا يعلم ما حدث منهم بعد أن (توفاه الله).

معني التوفي :

وكلمة (توفي) قد وردت في القرآن الكريم كثيرا بمعني الموت، حتى صار هذا المعني هو الغالب عليها المتبادر منها ولم تستعمل في غير هذا المعني إلا وبجانبها ما يصرفها عن هذا المعني المتبادر : ) قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم ( "2" ، ) إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم ( "3" ، ) ولو تري إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة ( "4" ، )  توفته رسلنا ( "5" ، )  ومنكم من يتوفى ( "6" ، ) حتى يتوفاهن الموت ( "7" ، )توفني مسلما وألحقني بالصالحين("8".

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  • الآيتان 116 ، 117.
  • الآية 11 من سورة السجدة.
  • الآية 97 من سورة النساء.
  • الآية 50 سورة الأنفال.
  • الآية 61 من سورة الأنعام.
  • الآية 5 من سورة الحج.
  • الآية 15 من سورة النساء.
  • الآية 101 من سورة يوسف

ومن حق كلمة "توفيتني" في الآية أن تجمل هذا المعني المتبادر وهو الإماتة العادية التي يعرفها الناس ويدركها من اللفظ والسياق الناطقون بالضاد. وإذن فالآية لو لم يتصل بها غيرها في تقرير نهاية عيسي مع قومه لما كان هناك مبرر للقول بأن عيسي حي لم يمت.

ولا سبيل إلي القول بأن الوفاة هنا مراد بها وفاة عيسي بعد نزوله من السماء بناء علي زعم من يري أنه حي في السماء، وأنه سينزل منها أخر الزمان، لأن الآية ظاهرة في تحديد علاقته بقومه هو لا بالقوم الذين يكونون آخر الزمان وهم قوم محمد باتفاق لا قوم عيسي.؟

معني "رفعه الله إليه" : وهل هو إلي السماء ؟

أما آية النساء فإنها تقول "بل رفعه الله إليه" وقد فسرها بعض المفسرين بل جمهورهم بالرفع إلي السماء، ويقولون : إن الله ألقي شبهه علي غيره ورفعه بجسده إلي السماء، فهو حي فيها وسينزل منها أخر الزمان، فيقتل الخنزير ويكسر الصليب، ويعتمدون في ذلك:

أولا : علي روايات تفيد نزول عيسي بعد الدجال، وهي روايات مضطربة مختلفة في ألفاظها ومعانيها اختلافا لا مجال معه للجمع بينها، وقد نص علي ذلك علماء الحديث. وهي فوق ذلك من رواية وهب بن منبه وكعب الأحبار وهما من أهل الكتاب الذين اعتنقوا الإسلام، وقد عرفت درجتهما في الحديث عند علماء الجرح والتعديل.

ثانيا : علي حديث مروي عن أبي هريرة اقتصر فيه علي الإخبار بنزول عيسي وإذا صح هذا الحديث فهو حديث آحاد. وقد أجمع العلماء علي أن أحاديث الآحاد لا تفيد عقيدة ولا يصح الاعتماد عليها في شأن المغيبات.

ثالثا : علي ما جاء في حديث المعراج من أن محمد – صلي الله عليه وسلم – حينما صعد إلي السماء، وأخذ يستفتحها واحدة بعد واحدة فتفتح له ويدخل، رأي عيسي عليه السلام هو وابن خالته يحي في السماء الثانية. ويكفينا في توهين هذا المستند ما قرره كثير من شراح الحديث في شأن المعراج وفي شأن اجتماع محمد صلي الله عليه وسلم بالأنبياء، وأنه كان اجتماعا روحيا لا جسمانيا "انظر فتح الباري وزاد المعاد وغيرهما".

ومن الطريف أنهم يستدلون علي أن معني الرفع في الآية هو رفع عيسي بجسده إلي السماء بحديث المعراج، بينما نري فريقا منهم يستدل علي أن اجتماع محمد بعيسي في المعراج كان اجتماعا جسديا بقوله تعالي : )بل رفعه الله إليه ( وهكذا يتخذون الآية دليلا علي ما يفهمونه من الحديث حين يكونون في تفسير الحديث، ويتخذون الحديث دليلا علي ما يفهمونه من الآية حين يكونون في تفسير الآية.

الرفع في آية آل عمران :

ونحن إذا رجعنا إلي قوله تعالي : )إني متوفيك ورافعك إلي( في آيات آل عمران مع قوله )بل رفعه الله إليه( في آيات النساء وجدنا الثانية إخبارا عن تحقيق الوعد الذي تضمنته الأولي، وقد كان هذا الوعد بالتوفية والرفع والتطهير من الذين كفروا، فإذا كانت الآية الثانية قد جاءت خالية من التوفية والتطهير، واقتصرت علي ذكر الرفع إلي الله فإنه يجب أن يلاحظ فيها ما ذكره في الأولي جمعا بين الآيتين.

والمعني أن الله توفي عيسي ورفعه إليه وطهره من الذين كفروا.

وقد فسر الألوسي قوله تعالي "إني متوفيك" بوجوه منها – وهو أظهرها _ إني مستوفي أجلك ومميتك حتف أنفك لا أسلط عليك من يقتلك، وهو كناية عن عصمته من الأعداء وما هم بصدده من الفتك به عليه السلام، لأنه يلزم من استيفاء الله أجله وموته حتف أنفه ذلك.

وظاهر أن الرفع – الذي يكون بعد التوفية – هو رفع المكانة لا رفع الجسد، خصوصا وقد جاء بجانبه قوله : (ومطهرك من الذين كفروا) مما يدل علي أن الأمر أمر تشريف وتكريم.

وقد جاء الرفع في القرآن الكريم بهذا المعني : ) في بيوت أذن الله أن ترفع (. ) نرفع درجات من نشاء (. ) ورفعنا لك ذكرك( )ورفعناه مكانا عليا(. )يرفع الله الذين آمنوا( . . . الخ.

وإذن فالتعبير بقوله (ورافعك إلي) وقوله (بل رفعه الله إليه) كالتعبير في قولهم لحق فلان بالرفيق الأعلى وفي (إن الله معنا) وفي (عند مليك مقتدر) وكلها لا يفهم منها سوى معني الرعاية والحفظ والدخول في الكنف المقدس. فمن أين تؤخذ كلمة السماء من كلمة (إليه) ؟ اللهم إن هذا لظلم للتعبير القرآني الواضح خضوعا لقصص وروايات لم يقم علي الظن بها – فضلا عن اليقين – برهان ولا شبه برهان !

الفهم المتبادر من الآيات :

وبعد. فما عيسي إلا رسول قد خلت من قبله الرسل، ناصبه قومه العداء، وظهرت علي وجوههم بوادر الشر بالنسبة إليه، فالتجأ إلي الله – شأن الأنبياء والمرسلين – فأنقذه الله بعزته وحكمته وخيب مكر أعدائه. وهذا هو ما تضمنته الآيات ) فلما أحس عيسي منهم الكفر قال من أنصاري إلي الله ( إلي آخرها، بين الله فيها قوة مكره بالنسبة إلي مكرهم، وأن مكرهم في اغتيال عيسي قد ضاع أمام مكر الله في حفظه وعصمته إذ قال ) يا عيسي إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا ( فهو يبشره إنجاءه من مكرهم ورد كيدهم في نحورهم، وأنه سيستوفي أجله حتى يموت حتف أنفه من غير قتل ولا صلب، ثم يرفعه الله إليه.

وهذا هو ما يفهمه القارئ للآيات الواردة في شأن نهاية عيسي مع قومه متي وقف علي سنة الله مع أنبيائه حين يتألب عليهم خصومهم، ومتي خلا ذهنه من تلك الروايات التي لا ينبغي أن تحكم في القرآن، ولست أدري كيف يكون إنقاذ عيسي بطريق انتزاعه من بينهم، ورفعه بجسده إلي السماء مكرا؟ وكيف يوصف بأنه خير من مكرهم مع أنه شيء ليس في استطاعتهم أن يقاوموه شيء ليس في قدرة البشر؟

ألا إنه لا يتحقق مكر في مقابلة مكر إلا إذا كان جاريا علي أسلوبه، غير خارج عن مقتضي العادة فيه. وقد جاء مثل هذا في شأن محمد صلي الله عليه وسلم ) وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون  ويمكر الله والله خير الماكرين (.

رفع عيسي ليس عقيدة يكفر منكرها :

والخلاصة من هذا البحث :

  • أنه ليس في القرآن الكريم، ولا في السنة المطهرة مستند يصلح لتكوين عقيدة يطمئن إليها القلب بأن عيسي رفع بجسمه إلي السماء وأنه حي إلي الآن فيها وانه سينزل منها آخر الزمان إلي الأرض.
  • أن كل ما تفيده الآيات الواردة في هذا الشأن هو وعد الله عيسي بأنه متوفيه أجله ورافعه إليه وعاصمه من الذين كفروا، وأن هذا الوعد قد تحقق فلم يقتله أعداؤه ولم يصلبوه، ولكن وفاه الله أجله ورفعه إليه.
  • أن من أنكر أن عيسي قد رفع بجسمه إلي السماء، وأنه فيها حي إلي الآن، وأنه سينزل منها آخر الزمان، فإنه لا يكون بذلك منكرا لما ثبت بدليل قطعي، فلا يخرج عن إسلامه وإيمانه، ولا ينبغي أن يحكم عليه بالردة، بل هو مسلم مؤمن، إذا مات فهو من المؤمنين، يصلي عليه كما يصلي علي المؤمنين، ويدفن في مقابر المؤمنين، ولا شبهة في إيمانه، إن الله بعباده خبير بصير.

قال : إجابة وأيم الحق شافية وافية.

قلت : وبهذه الإجابة الشافية الوافية ينتهي حديثنا عن مسألة صلب المسيح؟

(تم بحمد الله)

  • الاثنين PM 08:45
    2021-03-29
  • 3623
Powered by: GateGold