المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412566
يتصفح الموقع حاليا : 310

البحث

البحث

عرض المادة

دعوة الحق لا تموت بموت رائدها

 

دعوة الحق لا تموت بموت رائدها

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.

 أما بعد :

 فقد تعهَّد سبحانه بحفظ دينه  فقال: ( إنَّا نّحًنٍ نّزَّلًنّا پذٌَكًرّ وإنَّا لّهٍ لّحّافٌظٍونّ (9) ) [الحجر: 9]

 وهذا الحفظ تعــدى الكـتـاب إلى السُّنَّة  ولـذلك لمـا قـيــل لابـن المـبـارك - رحمه الله -: ما بال هذه الأحاديث الموضوعة  قال: تعيش لها الجهابذة. وقد حفظ ربنا جلَّ وعلا أيضًا من يقوم بهذا الدين كاملاً غير منقوص  فلا تخلو الأرض من قائم و بحجة  ويبعث الله على رأس كل مئة عام من يُجدد لهذه الأمة شبابها  ويحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عن دين الله تحريف الغالين  وانتحال المُبطلين وتأويل الجاهلين  وهذه الأمة شأنها كشأن المطر لا يدرى أوله خير أم آخره خير  ولا يزال الله يغرس فيها غرسًا يستعملهم في طاعته.  وقد ثبتت الأخبار عن الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم «أنه لا تزال طائفة من الأمة ظاهرة على الحق لا يضرهم من خالفهم أو خذلهم حتَّى يأتي أمر الله وهم على ذلك»  وفي بعض الروايات : «يُقاتلون على الحق ظاهرين». والجهاد ماض في الأمة لن يبطله جور جائر ولا عدل عادل  حتَّى يُقاتل آخر رجل من الأمة المسيح الدجال  ويُخطئ من يظن أنَّ الدعوة إلى الإسلام تموت بموت حاملها أو رائدها  فقد مات عبد الله الغلام - المذكور في قصة أصحاب الأخدود - ونطق الناس وقالوا: آمنا بالله رب الغلام  فكان قتله ومصرعه سببًا في ظهرر الحق ودخول الناس في دين الله. وقصَّة أصحاب الكهف  وصاحب يس  ومؤمن آل فرعون دالة على ذلك  فقد تواصلت دعوتهم مع دعوة الأنبياء والمرسلين  واستمر بهم الأمر رغم أنهم كانوا مغمورين  خلَّد القرآن ذكراهم  وكانوا عظة وعبرة لكل من جاء بعدهم  بل كانوا دعوة حال حياتهم وبعد مماتهم. ومن المعلوم أنَّ البشرية قد ابتدأت بنبيّ مُكَلّم وهو نبيّ الله آدم    ثم تتابع الرسل لتعبيد الخلق للحق جلَّ وعلا ( وإن مٌَنً أٍمَّةُ إلاَّ خّلا فٌيهّا نّذٌيرِ <24> ) [فاطر: 24]

  ( رٍسٍلاْ مٍَبّشٌَرٌينّ ومٍنذٌرٌينّ لٌئّلاَّ يّكٍونّ لٌلنَّاسٌ عّلّى پلَّهٌ حٍجَّةِ بّعًدّ پرٍَسٍلٌ ) [النساء: 165] .

 ويموت الرسل وينهض الأتباع بدعوتهم فيأتي صاحب يس من أقصى المدينة يسعى ( قّالّ يّا قّوًمٌ  تَّبٌعٍوا المٍرًسّلٌينّ <20>  تَّبٌعٍوا مّن لاَّ يّسًأّلٍكٍمً أّجًرْا وهٍم مٍَهًتّدٍونّ <21> ومّا لٌيّ لا أّعًبٍدٍ الذٌي فّطّرّنٌي وإلّيًهٌ تٍرًجّعٍونّ <22> أّأّتَّخٌذٍ مٌـن دٍونٌهٌ آلٌهّةْ إن يٍرٌدًنٌ پرَّحًمّنٍ بٌضٍرَُ لا تٍغًنٌ عّنٌَي شّفّاعّتٍهٍمً شّيًئْا ولا يٍنقٌذٍونٌ <23> إنٌَي إذْا لَّفٌي ضّلالُ مٍَبٌينُ <24> إنٌَي آمّنًتٍ بٌرّبٌَكٍمً فّاسًمّعٍونٌ <25> )  [يس: 20 - 25].

  أخـذوه فـقتـلوه  فنصـحهم ميتًا كما نصحهم حيًا ( قّالّ يّا لّيًتّ قّوًمٌي يّعًلّمٍونّ <26> بٌمّا غّفّرّ لٌي رّبٌَي وجّعّلّنٌي مٌنّ المٍكًرّمٌينّ <27> ) [يس: 26  27].

  ثم لما قتلوه هانوا على ربهم  فدمّرهم تدميرًا ( ومّا أّنزّلًنّا عّلّى" قّوًمٌهٌ مٌنً بّعًدٌهٌ مٌن جٍندُ مٌَنّ پسَّمّاءٌ ومّا كٍنَّا مٍنزٌلٌينّ <28> إن كّانّتً إلاَّ صّيًحّةْ واحٌدّةْ فّإذّا هٍمً خّامٌدٍونّ <29> )  [يس: 28  29] .

  وكان هلاكهم نصرة لصاحب يس   ( وكّانّ حّقَْا عّلّيًنّا نّصًرٍ المٍؤًمٌنٌينّ <47> ) [الروم: 47]

وبقيت كلماته هادية  تدل على طريق الله. وكم من كلمة عاشت وبقيت حية بموت صاحبها في سبيلها  وربما كانت مغمورة ومهملة حال حياته  شأنها كشأنه  ثم وكأن الكلمات والمواقف تنفخ فيها الروح بعد الوفاة. فإذا انتقلت إلى أصحاب الكهف وجدتهم آية حال حياتهم وبعد مماتهم  رغم أنهم فتية صغار السن  إلاَّ أنهم كانوا هداة مهتدين ( ومّا يّعًلّمٍ جٍنٍودّ رّبٌَكّ إلاَّ هٍوّ )  [المدثر: 31]. قصة تبعث حرارة الإيمان في النفوس  وتستحث الكبار قبل الصغار على مواصلة الطريق  وبذل كل غالي ورخيص في سبيل هذا الدين. ولما رأى شهداء أُحُد ما أعدَّه ربنا لمن قُتل في سبيله  قـالوا: مـن يُبـلّغ عنَّا قومنـا أنَّا لقــينا ربنا فرضي الله عنَّا ورضيـنا عنه  فكان هذا البلاغ المبين  الذي يتنهض الهمم:  ( ولا تّحًسّبّنَّ الذٌينّ قٍتٌلٍوا فٌي سّبٌيلٌ پلَّهٌ أّمًوّاتْا بّلً أّحًيّاءِ عٌندّ رّبٌَهٌمً يٍرًزّقٍونّ <169> فّرٌحٌينّ بٌمّا آتّاهٍمٍ پلَّهٍ مٌن فّضًلٌهٌ ويّسًتّبًشٌرٍونّ بٌالَّذٌينّ لّمً يّلًحّقٍوا بٌهٌم مٌَنً خّلًفٌهٌمً أّلاَّ خّوًفِ عّلّيًهٌمً ولا هٍمً يّحًزّنٍونّ <170> ) [آل عمران: 169  170] .

وأرواح الشهداء في حواصل طير خضر تسرح من الجنة حيث شاءت  وحياتهم البرزخية أتم وأكمل من حياتنا الدنيوية. وللشهيد عند الله ستّ خصال  يُغفر له في أول دفعة من دمه  ويُجار من عذاب القبر  ويأمن الفزع الأكبر  ويُحلى حلية الإيمان  ويُزوّج من الحور العين  ويُشفّع في سبعين إنساناً من أقاربه. وقد وُجد شهداء أحد على النحو الذي ماتوا عليه  وذلك بعد أكثر من عشرين سنة من وفاتهم  كما وُجد الغلام بعد مئات السنين - زمن عمر ابن الخطاب   - على النحو الذي مات عليه  يده على صدغه كلما أزاحوها انبثق الدم من جرحه  وهذا من فعل الله بأوليائه  ومن إكرامه لهم  فحياتهم آية  وموتهم آية.  وواهم من يظن أنَّ دعوة الحق تموت بموت حامليها؛ إذ هي دعوة موصولة بالسماء  يمدها سبحانه بمدد من عنده  لا تموت بموت أحد  ولا تحيا بحياته.  ولو ماتت هذه الدعوة لماتت بموت النَّبيّ صلى الله عليه وسلم؛ إذ من المعلوم أنه الذي بلّغ الرسالة وأدَّى الأمانة  ونصح الأمة  فتح الله به أعينًا عميًا  وآذانًا صمًا  وقلوبًا غلفًا  هداهم به من الضلالة  وبصرهم به من العمى  فلو كانت حياته صلى الله عليه وسلم لازمة لاستمرارية هذه الدعوة لما قبضه الله إليه. وكانت وفاته صلى الله عليه وسلم صدمة وهزَّة عنيفة  ولكن سرعان ما حُسمت بكلمات أبي بكر الصديق   على المنبر: «من كان يعبد محمدًا  فإن محمدًا قد مات  ومن كان يعبد الله فإن الله حيٌّ لا يموت» . وتلا قوله تعالى:

 ( ومّا مٍحّمَّدِ إلاَّ رّسٍولِ قّدً خّلّتً مٌن قّبًلٌهٌ پرٍَسٍلٍ أّفّإن مَّاتّ أّوً قٍتٌلّ  نقّلّبًتٍمً عّلّى" أّعًقّابٌكٍمً ومّن يّنقّلٌبً عّلّى" عّقٌبّيًهٌ فّلّن يّضٍرَّ پلَّهّ شّيًئْا وسّيّجًزٌي پلَّهٍ پشَّاكٌرٌينّ <144> )  [آل عمران: 144].

 وردد قوله تعالى: ( إنَّكّ مّيٌَتِ وإنَّهٍم مَّيٌَتٍونّ <30> ) [الزمر: 30]

وكأنهم يسمعونها لأول مرة . وما دُفن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلاَّ بعد أن تولى أبو بكر   الخلافة من بعده  وأنفذ بعث أسامة    وقال قولته المشهورة لمن خالفه في ذلك - وكان قد ارتد من ارتد من العرب - : «والله لو جرت الكلاب بأرجل أمهات المؤمنين ما حللت لواءً عقده رسول الله صلى الله عليه وسلم » .  وقال: «أينقص الإسلام وأنا حيّ» . نعم رائد الدعوة وحاملها له قيمة في نفوس أتباعه  نفتديه ونحميه بما وسعنا من الأسباب  ونتخوف عليه من كل سوء وشر  كما فعل أبو بكر   مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الهجرة؛ إذ كان يسير أمام النَّبيّ صلى الله عليه وسلم تارة وخلفه تارة أخرى  يتحول عن يمينه ثم عن شماله  يدخل الغار ويسد شقوقها خشية أن يُصاب النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بأذى  ولسان حاله ينطق كما نطق أبو طلحة   يوم أُحُد: «يا رسول الله نحري دون نحرك». فإذا قُدر ومات صاحب الدعوة  فعلينا أن نسترجع  وأن نُقيم واجب العبودية ونُحسن المسير إلى الله كما أحسن  ولا ننقطع  فما أجمل ما قاله أنس بن النضير   يوم أُحُد: «علام الحياة بعده  قوموا فموتوا على مثل ما مات عليه».  ثم قال: «واهٍ لريح الجنة  إني لأجد ريح الجنة من دون أُحُد» وكان أنس قد سمع بوفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم  فتبرأ إلى الله مما جاء به المشركون  واعتذر إليه سبحانه مما فعله أصحابه  وغيّرت كلمة أنس «قوموا فموتوا على مثل ما مات عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم» منهج حياة. تولّى عمر الخلافة بعد أبي بكر رضى الله عنه وكانت خلافة على منهاج النبوة كما أخبر الصادق المصدوق صلوات الله وسلامه عليه  ثم ما لبث أن طُعن بيد المجوسية الأثيمة  وعلم ابنه عبد الله من أخته أم المؤمنين حفصة رضى الله عنه أنَّ أباه عمر لن يستخلف  فبات مهمومًا  فلما أصبح دخل عليه  فسأله عمر عن أحوال الناس فأجابه  ثم قال له عبد الله: أرأيت لو كان عندك راعٍ له غنم فتركها وارتحل  أترى أنه قد ضيع  يقول ابن عمر رضى الله عنه : فأطرق ساعة يُفكر  ثم رفع رأسه وقال: إن أنا استخلفت  فإنَّ أبا بكر قد استخلف  وإن أنا لم أستخلف فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يستخلف  وإن الله يحفظ دينه. فهذا الدين هو دين الله والله غالب على أمره ومُتم نوره ولو كره الكافرون  وأسباب الحفظ وصوره كثيرة وعديدة  ولا تستبعد أن يُستدرج الكفرة لذلك  فإنَّ الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر  وبأقوام لا خلاق لهم  ومن تتبع كيف ساعد المشركون على نشر هذه الدعوة في بداية الأمر عندما وقفوا على مشارف الطرق  وقابلوا وفود الحجيج يُحذرون من رسول الله صلى الله عليه وسلم ... فكان صدهم وتنفيرهم سببًا في دخول الناس في دين الله وهذا من عجائب التدبير. ومن تأمل كيف تربَّى نبيُّ الله موسى   في قصر فرعون  وعلى سريره  وأكله من طعامه  ثم كانت هلكة فرعون على يد نبي الله موسى    لعلم أنَّه لا ينفع حذر من قدر  وأن كيد الكفار دائمًا يرتد إلى نحورهم  وأن تدبيرهم تدميرهم. ولا تستبعد أن يكون قتل حامل الدعوة سببًا في إيقاظ الهمم  وتحمل الجميع للمسئولية  وغليان روح الإيمان في النفوس  الأمر الذي تستأصل به شأفة الكفرة الظلمة  فالدماء الطيبة لا تذهب هدرًا  وما علينا إلاّ أن نثق في وعد الله وأن نعلم أنَّ النصر من عندنا  فالأمر إن لم يكن بنا فبغيرنا ( وإن تّتّوّلَّوًا يّسًتّبًدٌلً قّوًمْا غّيًرّكٍمً ثٍمَّ لا يّكٍونٍوا أّمًثّالّكٍمً ) [محمد: 38]

 والمستقبل للإسلام بغلبته وظهوره على الأديان كلها  بإذن الله تعالى. ستعود خلافة على منهاج النبوة بعد الملك العاض والجبرية  وسيتم فتح بيت المقدس  وستنتصر هذه الأمة على الروم  وسيُقاتل المسلمون اليهود  ويختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر  فيقول الحجر أو الشجر: يا مسلم  يا عبد الله هذا يهودي خلفي تعالَ فاقتله  إلاَّ الغرقد فإنه من شجر اليهود  سيظهر المهدي يصلحه ربنا في ليلة  يملأ الأرض عدلاً بعد أن مُلئت ظلمًا وجورًا  وينزل المسيح   من السماء حكمًا عدلاً مُقسطًا يكسر الصليب  ويقتل الخنزير ويضع الجزية  ويحكم بحكم الإسلام...  كل ذلك وغيره يحدث كما أخبر الصادق المصدوق صلوات الله وسلامه عليه   فلمَ اليأس ( إنَّهٍ لا يّيًأّسٍ مٌن رَّوًحٌ پلَّهٌ إلاَّ القّوًمٍ الكّافٌرٍونّ <87> ) [يوسف: 87].

 إنَّ هذا الأمر سيبلغ منتهاه بعز عزيز أو بذل ذليل  عزًا يُعز الله به الإسلام  وذلاً يُذل به الكفر  فابذلوا وسعكم وأنيبوا إلى ربكم  واصبروا وصابروا ورابطوا  واتقوا الله لعلّكم تُفلحون فما عنده سبحانه من نصر وعز وتمكين وخير وبركة لا نناله إلاَّ بطاعتنا له ( ويّوًمّئٌذُ يّفًرّحٍ المٍؤًمٌنٍونّ (4) بٌنّصًرٌ پلَّهٌ يّنصٍرٍ مّن يّشّاءٍ ) [الروم: 4  5] .

 اللهم مَكِّن لدينك في الأرض  وافتح له قلوب الناس .

وآخر دعوانا أن الحمد و رب العالمين.

  • الاثنين PM 03:40
    2021-03-29
  • 1839
Powered by: GateGold