المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413335
يتصفح الموقع حاليا : 260

البحث

البحث

عرض المادة

تعريف الإيمان عند السلف الصالح, أهل السنة والجماعة

قد تكلمنا عن حقيقة الإيمان بالتفصيل فى التنبيهات وهنا نقول باختصار أن الإيمان عند أهل السنة يتركب من أركان ثلاثة الاعتقاد والقول والعمل باعتقاد القلب وقول اللسان وعمل بالجوارح والأعمال من الإيمان وركن فيه ومن الأعمال ما يزول الإيمان بزوالها ومنها مالا يزول الإيمان بزوالها لأنه مراتبه ثلاثة أصل الإيمان والإيمان الواجب والإيمان المستحب ولا يزول الإيمان إلا بزوال أصله فهو أصل وشعب وكما جاء فى القرآن الكريم والسنة الصحيحة أنة يزيد وينقص والقول قولان قول القلب وقول اللسان ، والعمل عملان عمل القلب وعمل الجوارح وهذا هو قول أهل السنة خلافاً للمرجئة والخوارج والمعتزلة والشاعرة الذين يخالفون أهل السنة فى تعريف الإيمان وحقيقته

حقيقة الإيمان عند أهل السنة والجماعة

(من أصول الاعتقاد فى ملة الإسلام , الذى قامت عليه دلائل الكتاب ؛والسنة , والإجماع من الصحابة –رضى الله عنهم –فمن بعدهم من التابعين لهم بإحسان - : أن ((حقيقة الإيمان )) :

((قول وعمل ؛ يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية وذلك دين القيمة مضت الأمة على ذلك إلى مائة عام من الهجرة , ونحو عقدين من صدر القرن الثاني , مضوا على ذلك اعتقاداً؛ وواقعاً , علماً وعملاً, كما رباهم النبي –صلى الله عليه وسلم – على ذلك كما قال بعضهم : كنا مع النبي –صلى الله عليه وسلم – ونحن غلمان حزاورة –الحزور : الغلام الفطن – فتعلمنا الإيمان , قبل أن نتعلم القرآن , فازددنا به إيماناً )) رواه ابن ماجه : (برقم /61 ) وعبد الله بن الإمام أحمد فى ((السنة)) : (1/97 )

وكان الواحد منهم إذا سئل عن الإيمان أجاب بنصوص الوحيين الشريفين .

فهذا أبو ذر , والحسن بن على – رضى الله عنهم – سئلا عن الإيمان فأجابا بقول الله تعالى (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177) الآية (البقرة 177 ) وانظر : (( فتح الباري)) : ( 1/50).

وتارة يكون الجواب بالحديث , كما أجاب النبي –صلى الله عليه وسلم – بذلك جبريل ((عليه السلام ))ووفد عبد القيس . كما فى حديث الإسلام والإيمان والإحسان , المشهور .

وحديث((الإيمان بضع وسبعون شعبة : أدناها إماطة الأذى عن الطريق )).

وعلى ذلك توافرت كتب السنة فى أصول الملة  بأقلام  سلفها الأمناء ,

مثل : ((السنة )) لا بن الإمام أحمد , والالكائى , وابن بطة ,وغيرهم .

كان الناس على ذلك المعتقد الصافي:

من أن (( الإقرار )) ركن الإيمان.

وأن ((القول )) ركن الإيمان .

وأن ((الفعل )) ركن الإيمان وأن الإيمان ((يزيد وينقص )) .

عقيدة سهلة ميسورة , وعمل دؤوب , حتى أن بعضهم يقول فى تعبيره ((الدين : قول وعمل )) . والآخر يقول : ((الإيمان قول وعمل )) .

إنه الاعتقاد الجازم , والعمل الجاد , بلا اصطلاحات منطقية ,ولا تكلفات فلسفية.   

فهم بذلك لا يحتاجون إلى تعريف أو بيان , كيف يعرفون أمراً يعيشونه اعتقاداً , وعلماً ,وعملاً, ودعوة , وجهاداً .

يقول الإمام الحجة أبو عبد الله البخاري – رحمة الله تعالى - :

((لقيت أكثر من ألف رجل من أهل  العلم : أهل الحجاز , ومكة , والمدينة , والكوفة , والبصرة , وواسط , وبغداد , والشام , ومصر,  لقيتهم كرات قرناً بعد قرن – أى طبقة بعد طبقة – أدركتهم , وهم متوافرون منذ أكثر من ست وأربعين سنة –ثم أخذ فى تعدادهم على البلدان – وقال : فلما رأيت واحداً منهم يختلف فى هذه الأشياء  :

(( أن الدين : قول وعمل . . . )) .

مضت الأمة على ذلك المعتقد , لا يختلف فيه اثنان قط – وعلى المدعي الدليل – ثم إنه من محدثات الأمور : أن فاه بعض العباد, والفقهاء بالكلام فى (( حقيقة الإيمان )) فكان أول من حرك هذه الفتنة :

حماد بن أبى سليمان المتوفى سنة 120 هـ, شيخ أبى حنيفة , وعنه أخذ به.

وقيل : أول من فاه بها : قيس الماصر.

وقيل : ذر بن عبد الله الهروى . 

عندئذٍ ابتدرهم جماعة المسلمين بالرد , وأكذبوهم , وأبطلوا دعواهم , فصاروا بذلك ((أهل السنة والجماعة )).

ثم تشعبت بعد الفرق المتكلمة فى حقيقة الإيمان :

فالمرجئة الفقهاء , وابن كلاب اختزلوا ركنه الأعظم ((العمل )) .

والجهمية , والأشعرية , والماتريدية : اختزلوا (( القول والعمل )) .    

  والغسانية : اختزلوا ركنية الإعتقاد بالجنان فهو باللسان والجوارح  فقط .

والكرامية : قصرته علي " اللسان " فقط .

أما الخوارج , والمعتزلة, فقالوا عن حقيقة الإيمان هي :

" إعتقاد , وقول , وعمل " لكن لا يزيد بالطاعة , ولا ينقص

 بالمعصية .

ثم افترقوا :

فقالت الخوارج :يكفر صاحب الكبيرة .

    وقالت المعتزلة : هو بمنزلة بين المنزلتين .

وعلي الرغم من اتساع دائرة هذه الأهواء الهادرة , والفتن المتعددة ,

فقد ثبت الله الذين آمنوا " أهل السنة والجماعة " علي أصل الملة ,

حقائقها الشرعية من أن الإيمان : " قول , وعمل , ونية  , وسنة , يزيد

بالطاعة , وينقص بالمعصية "

وعليه : فلإيمان إذا كان قولاً بلا عمل , فهو كفر .

وإذا كان قولاًَ وعملاً بلا نية , فهو نفاق 

وإذا كان قولاً وعملاً ونية بلا سنة , فهو بدعة

كما قال سهل بن عبد الله التستري , والأوزاعي , والشافعي , وغيرهما .

 "وهنا ينبغي التنبيه علي أمر مهم , وهو أن ما ورد عن كثير من التابعين , وتلامذتهم , في ذم الإرجاء , وأهله , والتحذير من بدعتهم إنما المقصود به هؤلاء المرجئة الفقهاء – الذين يقولون : الإيمان التصديق والقول – فإن جهماً لم يكن قد ظهر بعد , وحتى بعد ظهوره كان

 بخراسان , ولم يعلم عن عقيدته بعض من ذم الإرجاء من علماء العراق , وغيره , الذين ما كانوا يعرفون إلا إرجاء فقهاء الكوفة , ومن اتبعهم, حتى أن بعض علماء  الغرب كابن عبد البر لم يذكر إرجاء الجهمية بالمرة " .

وبعد أن بين شيخ المفسرين ابن جرير الطبري –رحمه الله تعالى – معنى ((الإرجاء)) وأنه التأخير , ساق بسنده عن ابن عيينة , أنه سئل عن الإرجاء فقال : ((الإرجاء على وجهين : قوم أرجوا أمر على وعثمان , فقد مضى أولئك . فأما المرجئة اليوم : فهم يقولون : الإيمان قول بال عمل . فلا تجالسوهم , ولا تؤاكلوهم , ولا تشاربوهم , ولا تصلوا معهم , ولا تصلوا عليهم .

ثم قال الطبري –بعد نقل آثار عنهم – :

(( والصواب من القول فى المعنى الذى من أجله سميت مرجئة , أن يقال : إن الإرجاء معناها ما بينا قبل من تأخير الشيء .

فمؤخر أمر على وعثمان –رضى الله عنهما -  وتارك ولايتهما , والبراءة منها مرجئاً أمرهما فهو مرجئ.

ومؤخر العمل والطاعة عن الإيمان , مرجئهما عنه , فهو مرجئ .

غير أن الأغلب من استعمال أهل المعرفة بمذاهب المختلقين فى الديانات فى دهرنا , هذا الاسم , فيمن كان من قوله : الإيمان قول بلا عمل , وفيمن كان مذهبه , , أن الشرائع ليست من الإيمان وأن الإيمان ,إنما هو التصديق بالقول دون العلم المصدق بوجوبه )انتهى .

وعليه :فإذا رأيت وصف الراوي بأنه ((مرجئ )) فنظر فى ترجمته ,وروايته وصفه بالإرجاء ,فأين قيد بإرجاء أمر الشيخين أو إرجاء صاحب الكبيرة , ...وإلا فهو عند الإطلاق ينصرف إلى الرمي بالإرجاء , إرجاء الفقهاء , الذين يؤخرون العمل عن حقيقة الإيمان .

ولا تغتر بعد بتمحلات اللكنوى فى ((الرفع والتكميل )), ومن بعده الكوثرى , ثم فرح أبى غده بمنحهما , فما هى إلا مخارج بالحيل الباطلة , وصرف لتاريخ الراوي , وكلا م النقاد عن وجهه السليم المسلم به.

وفى نقد ((المرجئة ))الذين يؤخرون العمل عن حقيقة الإيمان  عقد البخاري –رحمه الله تعالى –فى كتاب الإيمان من ((صحيحة ))قوله (( باب خوف المؤمن من أن يحبط عمله وهو لا يشعر )) .فساق فيه مجموعة أثار للرد على ((مرجئة الفقهاء )).وهذا ((الإرجاء :تأخير العمل عن حقيقة الإيمان أخطر باب لإكفار الأمة , وتهالكها فى الذنوب,والمعاصي , والآثام , وما يترتب عليه من إنحسار فى مفهوم العبادة , وتميع التوحيد العملي ((توحيد الأولهيه )),وكان من أسوء أثاره فى عصرنا ((شرك التشريع )) بالخروج على شريعة رب الأرض والسماء , بالقوانين الوضعية فهذه على مقتضى أهل الإرجاء , ليست كفراً .

ومعلوم أن الحكم بغير ماأنزل الله معاندة لشرع , ومكابرة لأحكامه ومشاقة لله ورسوله[1] .). أ.هـ

 قال شيخ الإسلام بن تيمية –رحمه الله- فى العقيدة الواسطية
(وَمِنْ أُصُولِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ أَنَّ الدِّينَ وَالإِيمَانَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ، قَوْلٌ الْقَلْبِ وَاللِّسَانِ، وَعَمَلُ الْقَلْبِ وَاللِّسَانِ وَالْجَوَارِحِ. وَأَنَّ الإيمَانَ يَزِيدُ بِالطَّاعَةِ، وَيَنْقُصُ بِالْمَعْصِيَةِ.)                                    وهذا أمر مجمع عليه ، قال البخاري رحمه الله (طفت الأمصار وأدركت نحو ألف من علماء المسلمين علماء الأمصار كلهم يقول الإيمان قول وعمل يزيد وينقص) ولهذا يقال إن البخاري رحمه الله لم يُخَرِّجْ في صحيحه إلا لمن قال إن الإيمان قول وعمل .
وهذا القَدْرْ مُجْمَعٌ عليه بين أهل السنة وهو أن الإيمان قول عمل .
وبعض الأئمة كأحمد وغيره يزيد ويقول (قول وعمل ونية) .
و(القول والعمل) اثنان و(قول وعمل ونية) ثلاثة ولكنها ترجع إلى الاثنين كما سيأتي .
فتعدد عبارات السلف في بيان أركان الإيمان كلها ترجع إلى معنى واحد ، فليس ذلك من الخلاف كما سيتضح عند بيان كلام الشيخ رحمه الله .

قال من أصولهم (أَنَّ الدِّينَ وَالإِيمَانَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ) الدين يشمل مراتب الدين الثلاثة : الإسلام والإيمان والإحسان ، وعَطْفْ الإيمان عليه من باب عطف الخاص على العام وذلك للاهتمام به ولأن الكلام كان في الإيمان .
فالإيمان إذن قول وعمل ، فصَّل ذلك فقال :
(قَوْلٌ الْقَلْبِ وَاللِّسَانِ)
القول يرجع إلى القلب وإلى اللسان ، والقلب له قول واللسان له قول :
- أما القلب فقوله اعتقاده ، لأنه باستحضار أنه ينطق في قلبه بهذه المعتقدات أو يقولها قلبا.
- واللسان بتكلمه بالشهادتين .
- وعمل القلب هو النية .
- وعمل اللسان هو ما يجب أن يتكلم به المرء في عباداته بلسانه من مثل الفاتحة والأذكار الواجبة إلى غير ذلك مما يجب .
- والجوارح عملها بما يتصل بعمل اليدين والرجلين وسائر جوارح ابن آدم أو سائر جوارح المكلفين
هذا من حيث الجملة في صلة هذه الكلمات .
فإذن رَجَعَ أن (القول والعمل والنية) هو القول والعمل .
فإذا قلت إن الإيمان (قول وعمل) عند أهل السنة فالعمل هو عمل القلب واللسان والجوارح وعمل القلب هو نيته .
فإذن من قال هو (قول وعمل ونية) فَصَّلَ العمل فأخرج عمل القلب فنص عليه وقال هو النية .
ومعلوم أن عمل القلب أوسع من النية يدخل فيه أنواع عبادات كثيرة كما سيأتي بيانه ، إنما أردت بذلك أَنَّ تَنَوُعْ العبارات في هذا راجع إلى شيء واحد وإنما هو تفصيل لبعض المجملات ، فمنهم من فصّل ومنهم من قال قول وعمل واكتفى بذلك والكل صحيح موافق للأدلة .
هذه مقدمة لبيان تنوع العبارات في الإيمان .
والإيمان من الألفاظ التي لها استعمال في اللغة ولها استعمال في الشرع .
لها استعمال في الكتاب والسنة ولها استعمال في اللغة .
فالإيمان لغة مشتقٌ من الأَمْنْ (أمِنَ يأمنُ أمانا) واشتُقَ منه (إيمان) .
فالإيمان من حيث الاشتقاق راجع إلى الأمن .
ومعنى الإيمان في اللغة : التصديق والاستجابة .

التصديق الجازم والاستجابة إذا كان فيما صُدِّقَ استجابة له بعمل ، بل إن التصديق في الحقيقة في اللغة وفيما جاء في القرآن لا يطلق إلا على من استجاب .
ولهذا بعض أهل العلم يقول : الإيمان في اللغة هو التصديق الجازم ولا يذكر قيد الاستجابة وذاك لأن التصديق لا يقال له تصديق حتى يكون مستجيبا في ما كان يحتاج إلى الاستجابة في أمور التصديق .
وقد قال جل وعلا في قصة إبراهيم مع ابنه إسماعيل قال ?فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا? ومعلوم أن إبراهيم عليه السلام كان مصدِّقا للرؤيا لأنه هو الذي رآها فلم يكن عنده شك من حيث اعتقاد أنه رأى ، ورأى هذا الشيء الذي رآه ، ولكن سمي مصدقا للرؤيا لما استجاب بالفعل ?وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا? متى ؟
لما ?أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ? .
فإذن التصديق الجازم في لغة العرب :
* تارة يكون من جهة الاعتقاد .
* وتارة يكون من جهة العمل .
فما كان من الأخبار فتصديقه باعتقاده وما كان من الأوامر والنواهي يعني من الإنشاءات فتصديقه بامتثاله ، هذا من جهة دلالة اللغة وكذلك جاءت في استعمال القرآن .
لهذا نقول إن الإيمان يقال عنه في اللغة التصديق الجازم هذا صحيح واشتقاقه من الأمن كما قرر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب الإيمان وغيره من أهل العلم .                                    والأوضح أن يقال التصديق والاستجابة ، الإيمان التصديق والاستجابة ، وذلك لأنه يعدى في القرآن باللام ، يعدى الإيمان اللغوي في القرآن باللام كما أنه في اللغة أيضا قد يعدى باللام ، قال جل وعلا ?فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ? عَدَّى الإيمان باللام لأن الإيمان هنا تصديق واستجابة ، وقال جل وعلا ?وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ? ?مَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا? عداه باللام لأن الإيمان هنا هو التصديق ، وقال جل وعلا أيضا في قصة موسى في سورة الدخان ?وَإِنْ لَّمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ? يعني التصديق معه الاستجابة ، هذا الإيمان اللغوي ، في هذه الآيات الإيمان اللغوي ، فضابط استعمال الإيمان اللغوي في القرآن أنه يُعدى باللام غالبا.
وأما إذا عُديَ الإيمان في القرآن بالباء فإنه يراد منه الإيمان الشرعي المخصوص ?آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ? هذا بالباء (آمن بكذا) هذا الإيمان الشرعي ، ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ? بالباء ، والآيات في تعدية الإيمان بالباء كثيرة.
لماذا عُدِّي الإيمان في تلك المواضع باللام ؟
عُدِّي لأنه مُضَمَّنٌ معنى الاستجابة أو لأن معناه التصديق والاستجابة ، والاستجابة في اللغة تُعَدَّى باللام ?فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ? (استجاب لفلان) (سمع الله لمن حمِده) لأن السماع هنا مُضَمَّن معنى الإجابة يعني (أجاب لمن) وهذا يوضح أن لفظ الإيمان في اللغة تصديق معه الاستجابة .
فإذن في اللغة الإيمان اعتقاد واستجابة .
وفي الشرع صار الإيمان بأشياء مخصوصة ، اعتقاد خاص واستجابة خاصة ، وزيادة مراتب وشروط وأركان .

إذا تبين ذلك فإن الإيمان الشرعي له صلة كما ذكرنا بالإيمان اللغوي ، والإيمان اللغوي منه العمل ، منه الاستجابة ، حتى التصديق لا يقال إنه صدق الأمر حتى يمتثل في اللغة .
يعني التصديق الجازم متى ؟
إذا امتثل ، ?وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا? متى صار مصدقا ؟ لما ?أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ? .
الإيمان عند أهل السنة والجماعة أخذوا أركانه بما دلت عليه النصوص فقالوا إن الإيمان قول وعمل واعتقاد يزيد وينقص ، وهذه هي الجملة التي ذكرها شيخ الإسلام هنا فقال :
(مِنْ أُصُولِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ أَنَّ الدِّينَ وَالإِيمَانَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ قَوْلٌ الْقَلْبِ وَاللِّسَانِ، وَعَمَلُ الْقَلْبِ وَاللِّسَانِ وَالْجَوَارِحِ. وَأَنَّ الإيمَانَ يَزِيدُ بِالطَّاعَةِ، وَيَنْقُصُ بِالْمَعْصِيَةِ)
قول وعمل (قَوْلٌ الْقَلْبِ وَاللِّسَانِ) هذا ركن القول .
* قول القلب واللسان :
* أما قول القلب فهو جملة الاعتقادات التي تكون في القلب :
- الاعتقاد بالله وملائكته وكتبه ورسله
- الاعتقاد بجميع الأخبار الاعتقاد بالتزام جميع الأوامر والتزام جميع النواهي ونعني بكلمة (التزام) أنه يعتقد أنه مُخاطَبٌ بذلك غير اعتقاد الوجوب ،لا ، اعتقاد الالتزام ، قول القلب جملة الاعتقادات .
* قول اللسان الذي يدخله في الإسلام وهو أن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله.
* ثم عمل القلب :
أعمال القلب كثيرة متنوعة فأول الأعمال وأعظمها النية والإخلاص .
النية والإخلاص مترادفان تارة وأحدهما يفارق الآخر تارةً أخرى .
النية تارة تستعمل لتمييز العبادة عن غيرها ، وتارة تستعمل النية في إخلاص القصد ، إخلاص العمل لله .
فإذا قلنا إن عمل القلب يدخل فيه النية والإخلاص فنعني :
- بالنية تمييز العبادة عن غيرها حتى يكون يتعبد وقد ميَّزَ هذا العمل من غيره .

- والإخلاص أن يكون قصد وجه الله جل وعلا وحده بإسلامه بالعمل الذي يعمله باعتقاداته إلى آخر ذلك .
يدخل في عمل القلب الصبر والتوكل والإنابة والمحبة والرجاء والخشية والرغب والرهب إلى آخر أنواع أعمال القلوب وهي واجبات .
* وعمل اللسان الواجب : يعني ما كان امتثاله من الأوامر راجعا إلى اللسان .
أُمِرَ بأن يقول كذا في الصلاة فقوله لتلك الأشياء في الصلاة هذا عمل اللسان الواجب ، أُمِرَ أن يقول كذا حين يهل بالحج هذا من عمل اللسان الواجب .
* وعمل الجوارح يعني امتثال الأوامر واجتناب النواهي الراجعة إلى أعمال الجوارح يعني غير اللسان.
والمقصود بعمل الجوارح هنا عند أهل السنة والجماعة جنس الأعمال لا كل عمل ولكن جنس الأعمال هي التي تدخل في ركن الإيمان .
فلو تُصُوِّر أن أحدا لم يعمل عملا البتة ، يعني لم يمتثل أمرا ولم يجتنب نهيا ما عمل شيئا البتة فهذا لم يأت بهذا الركن من أركان الإيمان الذي هو العمل ، لأن العمل لا بد فيه : قلب ولسان وجوارح جميعا .
لكن لو تُصُوِّر أنه أتى ببعض الطاعات وترك بعضا ، امتثل أمرا ، أمرين ، ثلاثة ، عشرة ، أو امتثل التحريم يعني النهي عن فعل ، فعلين ، ثلاثة ، فهذا يدخل في الإيمان وقد أتى بهذا الركن عند أهل السنة والجماعة .
في مسألة الصلاة خلاف ، هل هذا العمل هو الصلاة أم غير الصلاة ؟
هذا فيه خلاف بين أهل السنة والجماعة .
هل العمل المشترط هو الصلاة أم غير الصلاة ؟
والبحث هنا يكون هل ترك الصلاة تهاونا وكسلا يخرج به من الإيمان أم لا ؟
ومنهم من قال يخرج به من الإيمان يكفر ، ومنهم من قال لا .
من قال إنه لا يخرج من الإيمان بترك الصلاة فإنه يقول لو ترك جنس العمل لخرج من الإيمان . يعني لو كان لم يعمل خيرا قط لم يصل ولم يزك ولم يحج ولم يصم ولم يصل رحمه طاعتة لله ولم يبر بوالديه طاعة لله ولم يترك الزنا طاعة لله يعني فُرِض أنه لم يوجد شيء البتة فهذا خارج من اسم الايمان لم يأت بهذا الركن بالاتفاق ، ثم في الصلاة الخلاف المعروف عندكم .
فإذن صارت أركان الإيمان بصيغة أخرى قول وعمل واعتقاد .
ولهذا تعرفون العبارة المشهورة أن الإيمان عند أهل السنة والجماعة (قول اللسان واعتقاد الجنان وعمل بالجوارح والأركان يزيد بطاعة الرحمن وينقص بطاعة الشيطان) .
فشمل الإيمان عندهم هذه الخمسة أشياء ، والعمل ركن من أركان الإيمان وذلك لأن الله جل وعلا سمى الصلاة عملا فقال سبحانه ?وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ? والإيمان هنا كما هو معروف في سبب نزول هذه الآية هو الصلاة لأنها لما نزلت آيات تحويل القبلة قال بعض الصحابة ما شأن صلاتنا حين توجهنا إلى بيت المقدس ، وقال آخرون ما شأن الذين ماتوا قبل أن يدركوا القبلة الجديدة ؟ ضاعت أعمالهم ؟
فأنزل الله جل وعلا قوله ?وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ? وجه الاستدلال : أنه سمى الصلاة إيمانا ، وتسمية الشيء أو إطلاق الكل وإرادة الجزء دال على أنه من ماهيته يعني ركنا فيه كما هو مقرر في الأصول .
وبهذه القاعدة استدل أهل العلم على أن القراءة في الصلاة واجبة بقوله تعالى ?وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا? والمراد بالقرآن هنا الصلاة فسمى الصلاة قراءة فأطلق عليها ذلك لأنها جزؤها فهذا دليل من دلائل الركنية .

فإذن دليلُ أنَّ العمل ركن من أركان الإيمان قوله جل وعلا ?وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ? ومن الأدلة على ذلك قوله عليه الصلاة والسلام لوفد عبد القيس (آمركم بالإيمان بالله وحده ، أتدرون ما الإيمان بالله وحده ؟ شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله و إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج بيت الله الحرام وأن تؤدوا الخمس من المغنم) وفي بعضها إسقاط الحج فأدخل أداء الخُمُس وأدخل الصلاة والزكاة في الإيمان في تفسير الإيمان وهذه أركان الإسلام بالاتفاق : الصلاة والزكاة والصيام . أركان الإسلام وجعلها تفسيرا للإيمان فدل على أنها ركن له .
ولهذا عند أهل السنة أن الآيات التي عُطِفَ فيها العمل على الإيمان أنه من باب عطف الخاص على العام ، قال جل وعلا ?إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ? وقال ?إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا? فعطف العمل على الإيمان وهذا من عطف الخاص على العام
لا يعني أنه ليس بركن كما استدل به المرجئة قالوا هو خارج عن الماهية بل هذا من عطف الخاص على العام .
هل يعطف الخاص على العام ؟
نقول نعم يُعطفُ الخاص على العام كما أن العام يعطف على الخاص ، قال جل وعلا ?مَن كَانَ عَدُوًّا لِّلّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ? قال ?مَن كَانَ عَدُوًّا لِّلّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ? ثم قال ?وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ? وجبريل وميكال من الملائكة ومن الرسل أيضا يعني من رسل الملائكة إلى البشر ، نريد من هذا تقرير أدلة أهل السنة والجماعة على مثل هذه المسائل .
فالإيمان عندهم هو قول وعمل واعتقاد يزيد وينقص .

أما الزيادة والنقصان فإن أدلتها كثيرة ، والأدلة للزيادة هي أدلة النقصان قال جل وعلا ?إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ? وجه الاستدلال أن في الآية حصرا ، قال ?إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ? فحصر وصف المؤمنين بأنهم ?إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا? فإذن دل على أن صفة الإيمان بالحصر يكون فيها الزيادة وإذا كانت فيها الزيادة فإنه يكون فيها النقصان لأن الاسم ليس شيئا واحدا وإنما هو متفاوت فما كان فيه من زيادة فإنه إذا تركت الزيادة أو ذهبت الزيادة رجع إلى نقص ، قال جل وعلا ?لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ? .
فأهل السنة والجماعة عندهم زيادة الإيمان ثابتة في الأدلة ، وكل دليل فيه زيادة الإيمان فيه حجة على نقص الإيمان ، يعني على أن نقص الإيمان داخل في المسمى ، يعني أن الإيمان يزيد وينقص ، فعرَّفوا الإيمان بما دلت عليه الأدلة ، عندهم الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية .
من أهل السنة من قال (هو يزيد ولا ينقص) وذلك لأن الأدلة دلت على زيادته ولم تدل على نقصانه وهذا ليس بجيد لأن الشيء إذا زاد فإذا ذهب عنه ما كان سببا في الزيادة فإنه ينقص ، وما كان قابل للزيادة فإنه قابل للنقصان كما قرره العلماء .
نرجع إلى تلخيص الكلام في هذه المسألة وذلك بأن نقول :
إن الايمان جَمَعَ ثلاثة أشياء مهمة : القول والاعتقاد والعمل ، وأنه يزيد وينقص .
في كل واحدة من هذه الثلاث القول والعمل والاعتقاد خالَفَ فيها من خالَفَ .
فمن الناس ، من الطوائف المنتسبة إلى القبلة :
* من خالفوا في العمل ، فقالوا (الايمان قول واعتقاد) وهؤلاء الذين يُسَمَّونْ المرجئة ، أرجؤوا العمل عن مسمى الايمان ، فقالوا الايمان قول واعتقاد وأما العمل فليس من مُسَمَّى الايمان وإنما هو لازم له - يعني لابد أنه يعمل لكن لو لم يعمل ما خرج عن اسم الايمان - فجعلوا العمل مرجَأً عن اسم الايمان ، فقالوا الايمان قول واعتقاد فقط وهؤلاء هم مرجئة الفقهاء .
ومن الطوائف التي تدخل في ذلك الماتوريدية والأشاعرة : هم يقولون إن الايمان قول واعتقاد إذا قال لا إله إلا الله محمد رسول الله واعتقد الاعتقاد الصحيح يعني أركان الايمان فإنه مؤمن ولو لم يعمل خيرا قط .

فقالوا العمل ليس داخلا في المسمى ، هو خارج عنه ، فهذه أول مخالفة .
هؤلاء يجعلون الكفر هو منافاة القول والاعتقاد ، لا يجعلون الكفر راجعا إلى العمل (يعني نقض الايمان ، نقض ذلك العقد بنقض القول أو بنقض الاعتقاد) .
فالعمل لمَّا لم يكن من مُسَمَّى الايمان فإنه لا يتصور أن يُنْقَضَ الايمان بعمل ، لم ؟
لأنه ليس داخلا عندهم في مسماه فليس ركنا من أركانه فلذلك لو تُرِكَ العمل أو جاء بعمل يقضي على أصل الاستسلام فإنه ليس داخلا في نواقض الايمان ولا رافعات الايمان لأنه غير داخل في الايمان أصلا .
* الطائفة الثانية من المرجئة الذين أرجؤوا الاعتقاد مع العمل جميعا ، قالوا (هو قول فقط) .
وهؤلاء هم الكَرَّامية (طائفة ذهبت ، وإن كان كثير من أهل العلم لا يطلق عليهم اسم الارجاء لكن في الواقع هم أرجؤوا الاعتقاد والعمل) لم ؟
قالوا لأن المنافقين اكْتُفِىَ منهم بالقول مع أن اعتقادهم باطل وعمل أولئك باطل وحصل منهم القول فقط وسماهم أو دخلوا في الخطاب ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا? ودخلوا بالخطاب بالإسلام فدل ذلك على أنه يُكتفي في الاسلام والايمان بالقول فقط .
* ومن المرجئة وهم الغلاة من قالوا : الايمان (اعتقاد فقط) يعني لا قول ولا عمل ، لا القول يُحتاج إليه ولا العمل يُحتاج إليه ، وإنما هو اعتقاد فقط ، اعتقاد الجَنان ، وهؤلاء هم الجهمية ومن وافقهم
وهؤلاء انقسموا : هل الاعتقاد يكون معرفة فقط ؟ أو اعتقاد بعقد القلب على صحة ذلك الشيء؟
* فغلاة الجهمية يقولون بالمعرفة فقط ويتبعهم في ذلك غلاة الصوفية ، يقولون يصح الايمان أو يبقى اسم الايمان بالمعرفة ، فيُطْلَقُ على من عرف أنه مؤمن ، فإبليس على لازم كلامهم مؤمن ، وفرعون على لازم كلامهم مؤمن لأنه أتى بالمعرفة .

* والذين قالوا إن الايمان هو الاعتقاد لا يُكتفي بالمعرفة فقط ، قالوا إن إبليس عنده معرفة ولم يسمى مؤمنا وفرعون عنده معرفة ولم يسمى مؤمنا فلهذا لا يصح إطلاق المعرفة فقط بل فلا بد من الاعتقاد ، أما القول والعمل فإنهما لازمان للاعتقاد ، فإنه إذا اعتقد اعتقادا جازما فلا بد له أن يقول ولابد له أن يعمل ، فصار القول عندهم والعمل من لوازم الاعتقاد الصحيح ، كما أن المرجئة - يعني مرجئة الفقهاء - قالوا إن العمل من اللوازم ، هؤلاء قالوا حتى القول أيضا من اللوازم لا يدخل في أصل الكلمة ، واستدلوا على ذلك على بأن أصل الايمان في اللغة هو التصديق الجازم ، وقالوا في الشرع لم يُنقَل إلى شيء آخر بل هو التصديق الجازم الذي هو الاعتقاد .
فهؤلاء جميعا خالفوا أهل السنة في هذه المسائل .
من المسائل المتصلة بالايمان أيضا أن الخلاف في الايمان مع المرجئة خلاف جوهري وليس خلافا صُوْرِياً .
ونقول ذلك لأن صاحب الطحاوية والشارح ابن أبي العز رحمهما الله جل وعلا قالوا إن العمل من لوازم الايمان وليس بداخل في أصله ، هذا قاله الطحاوي ، وشارح الطحاوية قال : إن الخلاف مع الذين يجعلون العمل من الايمان خلاف شكلي ، وليس خلافا حقيقيا ، خلاف صوري
والجواب عن هذا :
* أن الخلاف حقيقي ، وذلك أن الأدلة دلت على أن العمل جزء من الايمان ، على أن العمل ركن من أركان الإيمان ، فإذا أَخرَجَ أحد هذا الركن عن حقيقة الايمان صار مخالفا في فهم الدليل ، وإذا خالف في فهم الدليل وترك فهم أهل السنة والجماعة للدليل فإنه خالف أهل السنة والجماعة في حقيقة تعريف الايمان .
* الثاني : أنه لو تُصُوِّرَ أن أحدا أتى بالقول والاعتقاد ولم يعمل شيئا البتة ، لا صلاة ولا زكاة ، لم يعمل خيرا البتة فهل هذا ينجو أم لا ينجو ؟
عندهم ينجو لأنه مؤمن ، وعند أهل السنة والجماعة هو كافر مخلد في النار .

* الثالث : أن نفي دخول العمل في مسمى الايمان قد يلزم منه أن لا يُجْعَل الخروج من الايمان بعمل ، وأهل السنة أخرجوا من الايمان بعمل ، بل إن الحنفية الذين قالوا إن الايمان قول واعتقاد ولم يجعلوا العمل من مسميات الايمان كفَّروا وأخرجوا من الايمان بأشياء يسيرة من العمل :
فجعلوا من قال مسيجد ومصيحف ونحو ذلك ، جعلوا هذا كفرا - هذا من جهة الأقوال - وجعلوا من عمل عملا كُفريا مثل إلقاء المصحف في قاذورة أو السجود لصنم ، جعلوه أيضاً كفرا ، مخرجا من الملة ، الجهة عندهم انهم كفَّروه بالعمل لمناقضته لأصل الاعتقاد .
نقول قد يلزم من جعل عدم العمل من الايمان ، من جعل عدم العمل والخلاف فيه صوريا مع أهل السنة قد يلزم منه الخلاف في التكفير ، وهذا قد حصل فعلا .
ولهذا نقول إن الخلاف الذي ذكره صاحب شرح الطحاوية من انه صوري وليس بحقيقي أن هذا ليس صوابا بل الصواب أن الخلاف حقيقي ولهذا صنف أهل السنة كتب الايمان وجعلوا فيها الأدلة على أن العمل من الايمان .
من أصول أهل الإرجاء أنهم يقولون لا يضر مع الايمان ذنب كما أنه لا تنفع مع الكفر طاعة .
لا يضر مع الإيمان ذنب يعني أن الإيمان شيء واحد يستوي فيه الناس جميعا فايمان أبي بكر وعمر وآحاد المؤمنين واحد ، كله واحد لأنه هو التصديق الجازم .
والتصديق الجازم اعتقاد وهذا لا يقبل المفاضلة ، فالتفاضل جاء بالعمل ، والعمل خارج عن مسمى الايمان عندهم فلهذا قالوا لا يضر مع الايمان ذنب .
فإذا وجدت الذنوب فإن أصل الايمان لا يتغير لأنه عندهم قول واعتقاد .
وهذا يدل على أن الخلاف معهم خلاف حقيقي وليس صوريا ، لأن من لوازم إخراج العمل عن مسمى الايمان أن يُجْعَلَ الذنب غير مؤثر في الايمان .
وفي هذا القدر كفاية . ( من شرح الواسطية للشيخ  صالح آل الشيخ )

 

[1] تحريف النصوص من مآخذ أهل الأهواء فى الاستدلال للشيخ العلامة بكر أبو زيد- رحمه الله-ص118- 124بعنوان مبحث مهم عن  حقيقة الأيمان,. هذه خلاصة لمبحث الإرجاء بأنواعه , وحقيقة كل نوع , وانقسام الناس فيه , مستخلصة من ((مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيميه ))الجزء الرابع و لا سيما الصفحات 387,351,307,181,171,ومن كتاب ((الإرجاء )) لشيخ سفر ابن عبد الرحمن الحوالى .

  • الجمعة AM 05:20
    2020-12-11
  • 6919
Powered by: GateGold