المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413302
يتصفح الموقع حاليا : 319

البحث

البحث

عرض المادة

الأيام الأخيرة في حياة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب واستشهاده رضي الله عنه - في أعقاب النهروان

أولاً: في أعقاب النهروان:

كان قتال أمير المؤمنين رضي الله عنه لهذه الفرقة الخارجة المارقة دليلاً قوياً وحجة ظاهرة في أنه مصيب في قتاله لأهل الشام، وأنه أولى بالحق من معاوية، فقد جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «تمرق مارقة عند فرقة من المسلمين يقتلها أولى الطائفتين بالحق»[1]فالقارىء يتوقع أن الجيش سيكون أشد عزيمة في قتال أهل الشام لما تيقن لديهم هذه البراهين وغيرها مما سبق، كمقتل عمار بن ياسر رضي الله عنه إلا أنه بالرغم من ذلك فالذي حدث عكس ما هو متوقع منهم، فالخطة التي رسمها أمير المؤمنين علي رضي الله عنه هي الذهاب إلى الشام بعد الانتهاء من قتال الخوارج، لأن إدخال الشام تحت خلافته وإعادة وحدة الأمة هدف يجب تحقيقه وغاية يسعى إلى الوصول إليها، وما حربه للخوارج إلا تأمين للجبهة الداخلية خشية أن يقعوا بمن في العراق من الذراري أثناء غيابه - كما ذكر في خطبته - ولكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن، إذ لم يستطع رضي الله عنه، غزو الشام حتى استشهد[2] فلقد كان لخروج الخوارج أثر في إضعاف جيش أمير المؤمنين علي رضي الله عنه كما أن الحروب في الجمل وصفين والنهروان، تسببت في ملل أهل العراق للحرب ونفورهم منها، وخاصة أهل الشام في صفين، فإن حربهم ليس كحرب غيرهم، فمعركة صفين الطاحنة لم تفارق مخيلتهم، فكم يُتّمت أطفال ورملت نساء، بدون أن يتحقق مقصودهم، ولولا الصلح أو التحكيم الذي رحب به أمير المؤمنين علي وكثير من أصحابه لكانت مصيبة على العالم الإسلامي لا يتخيل آثارها السيئة، فكان هذا التخاذل عن المسير مع علي رضي الله عنه إلى الشام مرة أخرى أحب إليهم وتميل إليه نفوسهم، وإن كانوا يعلمون أن عليّاً على حق[3]، ومن المعضلات التي أوهنت جانب أمير المؤمنين علي رضي الله عنه خروج فرقة تغالي في تعظيم أمير المؤمنين علي وترفعه إلى مقام الألوهية، حتى بدا للبعض أن هذا رد فعل للخوارج الذين يتبرؤون من علي ويكفرونه[4]. ولكن هؤلاء كان مقصدهم سيئاً وهو إدخال معتقدات فاسدة على المسلمين وإضعاف المسلمين عامة، وليس جيش علي فقط[5]، ولقد تصدى لهم أمير المؤمنين علي رضي الله عنه - كما بينّا - بحزم وقوة. ولا شك أن مباينة الخوارج وقتلهم أضعف جانب علي كثيراً، ثم تتابعت الفتوق على علي من بعد، فخرج الخريت بن راشد، وقيل اسمه الحارث بن راشد في قومه من بني ناجية، وكان من ولاة علي على الأهواز، فدعا إلى خلع علي، فأجابه خلق كثير واحتوى على البلاد وجبى الأموال، فبعث إليه جيشاً بقيادة معقل بن قيس فهزمه وقتله[6] وطمع أهل الخراج في ناحية علي في كسر الخراج، وانتقض أهل الأهواز، ولا بد أن عليّاً واجه من أجل ذلك بعض الصعوبات المالية والعسكرية، وقد روي عن الشعبي في هذا الخصوص قوله: لما قتل علي أهل النهروان، خالفه قوم كثير، وانقضت عليه أطرافه، وخافه بنو ناجية، وقدم ابن الخضرمي البصرة وانتقض أهل الأهواز، وطمع أهل الخراج في كسره وأخرجوا سهل بن حنيف عامل علي بن أبي طالب من فارس[7].

وفي الجانب الآخر كان معاوية رضي الله عنه يعمل بشتى الوسائل سراً وعلانية على إضعاف جانب أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، واستغل ما أصاب جيشه من تفكك وخلاف، فأرسل جيشاً إلى مصر بقيادة عمرو بن العاص رضي الله عنه سيطر عليها وضمها إليه، وقد ساعده على ذلك عدة عوامل منها:

* انشغال أمير المؤمنين علي رضي الله عنه بالخوارج.

* عامل أمير المؤمنين علي رضي الله عنه على مصر محمد بن أبي بكر لم يكن على قدر من الدهاء كسلفه قيس بن سعد بن عبادة الساعدي الأنصاري، فدخل في حرب مع المطالبين بدم عثمان، ولم يسايسهم كما كان يصنع الوالي السابق فهزموه.

* اتفاق معاوية مع المطالبين بدم عثمان في مصر في الرأي فساعده في السيطرة عليها[8].

* بعد مصر عن مركز أميرالمؤمنين علي رضي الله عنه، وقربها من الشام.

* طبيعتها الجغرافية فهي متصلة بأرض الشام عن طريق سيناء وتمثل امتداداً طبيعيًّا، وقد أضافت مصر لمعاوية رضي الله عنه قوة بشرية واقتصادية كبيرة، وكذلك أرسل معاوية بعوثه إلى شمال الجزيرة العربية، ومكة والمدينة وإلى اليمن، ولكن لم تلبث هذه البعوث أن ردّت على أعقابها عندما أرسل أمير المؤمنين عليّ من يصدها[9].

وعمل معاوية رضي الله عنه، على استمالة كبار أعيان القبائل وعمال علي رضي الله عنه فقد حاول سحب قيس بن سعد رضي الله عنه عامل علي على مصر إليه فلم يستطع، ولكنه استطاع أن يثير شك حاشية علي ومستشاريه فيه فعزله[10]، وكان عزل سعد بن قيس مكسباً كبيراً لمعاوية، كما حاول سحب زياد ابن أبيه عامل علي رضي الله عنه على فارس ففشل في ذلك[11] وقد استطاع معاوية رضي الله عنه، أن يؤثر على بعض الأعيان والولاة بسبب ما يمنيهم ويعدهم به، ولما يرونه من علو أمر معاوية، وتفرق أمر علي رضي الله عنه إذ يقول في إحدى خطبه: إلا أن بسراً قد اطلع من قبل معاوية، ولا أرى هؤلاء القوم إلا سيظهرون عليكم باجتماعهم على باطلهم وتفرقكم عن حقكم، وبطاعتهم أميرهم ومعصيتكم أميركم، وبأدائهم الأمانة وبخيانتكم، استعملت فلاناً فغل وغدر وحمل المال إلى معاوية، واستعملت فلاناً فخان وغدر وحمل المال إلى معاوية، حتى لو ائتمنت أحدهم على قدح خشيت على علاقته، اللّهم إني أبغضتهم وأبغضوني فأرحهم مني وأرحني منهم[12].

 

[1]مسلم (2/ 745، 746)                 

 

[2]خلافة علي بن أبي طالب، عبد الحميد علي، ص (345).

 

[3]المصدر نفسه (345)

 

[4]نظام الخلافة في الفكر الإسلامي، ص (15، 16) مصطفى حلمي.

 

[5]خلافة علي بن أبي طالب، عبد الحميد علي، ص (350).

 

[6]تاريخ الطبري (6/27-47).

 

[7]المصدر نفسه (6/53).

 

[8]مصنف عبد الرزاق، الطبقات لابن سعد (3/83) خلافة علي بن أبي طالب، عبد الحميد علي، ص (351) سنده صحيح.

 

[9]تاريخ خليفة، ص (198) بدون سند.

 

[10]ولاة مصر، (45-46).

 

[11]الاستيعاب (2/525-526).

 

[12]التاريخ الصغير للبخاري (1/125) بسند منقطع وله شواهد.

 

  • الاربعاء AM 08:34
    2020-12-09
  • 2131
Powered by: GateGold