المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413865
يتصفح الموقع حاليا : 289

البحث

البحث

عرض المادة

الآثار السيئة للغلو

الغلو يمحق البركات  والرفق ما كان في شيء إلا زانه

يقول الشيخ جمال الدين القاسمي صاحب محاسن التأويل : ( من المعروف في سنن الاجتماع أن كل طائفة كثر سوادها ، لا بد أن يوجد فيها الأصيل والدخيل والمعتدل والمتطرف والغالي والمتسامح وقد وجد بالاستقراء أن صوت الغالي أقوى صدى وأعظم استجابة ؛ لأن التوسط منزلة الاعتدال ، ومن يحرص عليه قليل في كل عصر ومصر ، وأما الغلو فمشرب الأكثر ورغيبة السواد الأعظم وعليه درجت طوائف الفرق والنحل ، فحاولت الاستئثار بالذكرى ، والتفرد بالدعوى ولم تجد لاستتباع الناس لها إلا الغلو بنفسها وذلك بالحط من غيرها والإيقاع بسواها حسبما تسنح لها الفرص وتساعدها الأقدار إن كان بالسنان أو باللسان ) اهـ.

يقول الشيخ أبو محمد المقدسي كنت في زيارة لبعض الأفاضل فسألني عن أحد غلاة المكفرة الجهال الذين كانوا على معتقد الغلاة المضطرب الذي لا يقر على قرار ؛ ثم طوّروها وشنّعوها وأصولها على شيخ يدعى (ضياء الدين القدسي من غلاة التكفير فى الأردن) ممن يكفّرون عموم الناس بدعاوى متهافتة؛ ولا يراعون ما الناس فيه من تسلط للطواغيت واستضعاف ؛ نشر باطله الملبس بعناوين التوحيد والكلام بتكفير الحكام ليروّجه بذلك بين الأعاجم الذين لا يحسنون العربية ، وبين الجهال الذين لا يعرفون طرق الاستدلال ، فصارت كتاباته التي تعج بالباطل وتحمل في الوقت نفسه عناوين الدعوة للتوحيد والبراءة من الشرك والتنديد ؛ ونقولا لم يستوعبها ولا حقق معانيها انتقاها من كتب أئمة الدعوة النجدية ، فصارت كتاباته بذلك أشراكا وفخاخا لكل مبتدئ متحمس قليل العلم لا يميز بين المسائل ولا يعرف تحقيق المناط ولا تنقيحه ؛ فغدت كما قال شيخ الإسلام في وصف نظم رائق لبعض أهل البدع ؛ ( أخبث من لحم خنزير في صينية من ذهب ) !!

ثم صار ذلك التلميذ رأسا من رؤوس طائفة من الجهال عندنا ممن يكفرون عموم الناس بدعوى أنهم لا يظهرون براءتهم من الطواغيت ولا يعلنون تكفيرهم للحكام الذين يحكمون بغير ما أنزل الله .. فقصصت على مضيفي تاريخ القوم هذا ؛ وذكرت له شيئا من جهالاتهم وأقاويلهم وترهاتهم وأباطيلهم ؛ حتى أن صاحبه صار يكّفر من يدفع تسعيرة الباص كما حددتها الحكومة ؛ أو يدفع فاتورة الكهرباء لتضمنها الضريبة ،ويكفر من باب أولى من يستخرج رخصة أو جوازا ، أما من يشارك في الانتخابات جاهلا بحقيقتها ، أو يتحاكم إلى المحاكم ملجأً متأولا في ظل غياب حكم الشرع فهذا كفره عنده متقرر من زمان دون الحاجة للنظر في شروط التكفير أوموانعه .. إلى غير ذلك من أقاويلهم التي انزلقوا فيها دون ضوابط والتي فيها من الجهل والضلال ما لا يعلمه إلا ذو الجلال ..

ففاجأني بأن ذلك المسؤول عنه يعمل عنده في مزرعة أوكل إليه حراستها ورعاية شجرها ؛ وأنه لم يكن محتاجا لذلك ولكنه أوكل إليه هذا الأمر من باب الإحسان إليه كي يأويه وأولاده فيها ؛ ولكنه ومنذ أن آواه إلى مزرعته محقت بركاتها !!

 يقول صاحبي : لقد كانت مزرعتي في السنوات الخوالي تنتج لي ثلاث وسبعين (تنكة) من زيت الزيتون وكان جيراني من أصحاب المزارع الأخرى يصعقون وقت الحصاد في موسم عصر الزيتون ويكادون يحسدونني ؛ فمزرعتي لا تزيد شجيرات الزيتون فيها عن عدد الشجيرات في مزارعهم ومع ذلك تنتج ضعف إنتاجهم ، فكانوا يسألونني عن السر لعلي أسمي لهم سمادا معينا استعمله ؛ أو أدلهم على طريقة معينة أرعاها بها فيتبعونها ؛ فكنت أطلعهم على السر الحقيقي الذي ليس عندي سواه !! وذلك أني كان من عادتي كلما جئت إلى مزرعتي وسرت بين شجيراتها أتفقدها ؛ اعتدت دوما أن أقرأ وسط الشجيرات القرآن بصوت عال ، وأسبح بصوت عال ، وأؤذن بصوت عال ، وأهلل بصوت عال وهكذا أبقى أذكر الله بصوت عال ما كنت بين الشجر ، وكنت أوقن بأن لذلك أثر على الشجر ؛ وأن لهذا الشجر إراداة وتأثر بما يسمع ، فقد أخبر الله تعالى أن الشجر وكل شيء في هذا الكون يسبّح له ؛ وفي الحديث الصحيح أن جذعا حنّ لفراق النبي صلى الله عليه وسلم .. ولقد كنت قرأت دراسة لباحث عراقي أجرى دراسة لطيفة على تأثر الشجر بالأصوات وأنه وضع أعدادا من نفس الشجر في أماكن متشابهة بيئيا ولم يخالف بينها بشيء سوى الصوت الذي تسمعه فوضع عند بعضها شريطا للقرآن وعند بعضها أصواتا مزعجة وسبابا ولجاجا ، ولم يضع عند بعضها شيئا ؛ فكانت النتيجة نموا زائدا ملحوظا في تلك التي يتلى عليها القرآن ، ونموا طبيعيا بالتي لم تسمع شيئا ومحقا لتلك التي يسب عليها !! فهذا مما عزز ما أقوم به وأتعاهده بين شجيراتي وأنا أحس بآثاره وأجني ثماره .. فدمت على ذلك سنين ..إلى أن أويت هذا الرجل إلى مزرعتي المسكينة الأليفة ! يقول مضيفي : ففوجئت ومنذ أن أوى هذا الرجل إلى مزرعتي بمحق بركتها ؛ فصارت لا تنتج لي في الموسم أكثر من ثلاث (تنكات) زيت زيتون بعد أن كانت تنتج ثلاث وسبعين تنكة !! ولا شك أن هذا فرق كبير وواضح لفت نظري واستهجاني وأثار تعجبي واستغرابي قبل أن أعرف حقيقة الرجل وما يحمله من معتقد خبيث ..

ولقد أحضرت له مجموعة من الأغنام والدجاج والدواجن والأرانب ليرعاها ويأكل من بيضها وانتاجها ويشرب من لبنها هو وأولاده ، فصار كل يوم يتصل بي يخبرني بأن ديكا قد نفق أو أن عنزا قد هلكت أو أن أرنبا قد مات .. ومحقت بركات مزرعتي حتى المطر لم يعد يصلها ؛ وأصابها نوع جفاف .. وذات يوم كنت مقبلا على مزرعتي ومعي صديق وكانت السماء ملبدة بالغيوم وبدأت تمطر علينا ونحن مقبلين على المزرعة مطرا كأفواه القرب ؛ ففرحت فرحا عظيما واستبشرت خيرا ؛ ورأيت المنطقة التي فيها مزرعتي وأنا مقبل عليها عن بعد ؛ رأيتها في نطاق الغيم ؛ ولكن وما أن وصلت إليها حتى وجدتها مجدبة لم تصبها قطرة ماء واحدة !! فيما كانت المزارع طوال الطريق تفيض بمياه المطر ، فتيقنت ساعتها أن إيوائي لهذا المحدِث قد محق بركات مزرعتي ؛ وتذكرت حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي يرويه مسلم عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه مرفوعا ( .... لعن الله من آوى محدثاً ) فأي خير يبقى لي إن أصابتني وأصابة مزرعتي لعنة الله بشؤم إيوائي لهذا الرجل !! لقد كان من غلو ذاك الرجل أن جيراني في المزارع المجاورة كانوا يشكونه لي لأنه يأبى أن يؤمهم في مصلى لهم بين مزارعهم ؛ فهم عوام ويريدونه على الإمامة بهم فيمتنع ويصلي وحده ؛ فلما تبينت منه كان يأبى بحجة أنهم كفار وهو لا يصلي بكفار !!

فعلمت أن من شؤم الغلو أنه يقطع حتى علائق الدعوة مع الناس ، بل ومع عوام المسلمين .. ويتّخذهم وأموالهم غرضا لعداوته وغاراته ؛ فقد كانوا يشكُون من سرقة أغنامهم ، ثم يجدون بعضها عنده في مزرعتي !! فأي بركة تبقى لهذا المعتقد الخبيث؟ وأي دعوة ستعلو بهذه النحلة الضالة ؟ وأي جهاد سيقوم بهذا الفكر المتطرف ؟ كيف وقد قرأت لأحد رؤوس القوم ومنظريهم كلاما يقول منكرا على المجاهدين مجهّلا لهم : لماذا تجاهدون الأمريكان ؟ أتدفعونهم عن دار الكفر ؟! أتجاهدونهم دفاعا عن المشركين ؟ (ويقصد عموم المسلمين) فأي خير يرتجى وأي بركة تنتظر للدعوة والجهاد من هذا الفكر الخبيث..ولا أدري ما هو برنامج هؤلاء القوم ولو النظري لإقامة دولة الإسلام !!

أرأيتم كيف تسلّط ثمرات هذه العقيدة الخبيثة الكفار المحليين بل والخارجيين على بلاد المسلمين ، وتخذل المسلمين وتسلمهم لهم ، فهؤلاء الذين يملأون البلاد والفجاج ، وتعج بهم المساجد والصلوات ليسوا بمسلمين عند هؤلاء القوم ، ومن ثم فلا ينطبق عليهم حديث ( المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يُسلمه .. )

وللعلم فالثمرات ذاتها التي تنتجها عقيدة غلاة المكفرة ؛ تراها نفسها وعينها عند غلاة المرجئة !!

ففي مقابل هؤلاء الغلاة في التكفير ، نشاهد آثار محق البركات نفسها أو أختها عند غلاة المرجئة في زماننا ..

فإن لم يكنها أو تكنه فإنه *** أخوها غذته أمه بلبانها

فهم لغلوهم في التجهم والإرجاء يحرّمون تكفير الطواغيت ويبدعون من يكفرهم فيصفون أهل التوحيد المكفرين للطواغيت المتبرئين من شركياتهم وقوانينهم بالخوارج والتكفيريين !! بل ويحرمون غيبة كفرة الحكام – فضلا عن الخروج عليهم - بدعوى وجوب مناصحة ولاة الأمور بالسر !

وليت الأمور وقفت عند هذا الحد من الفساد الفكري والانحطاط العقدي ؛ فبينما يكّفون ألسنتهم عن الطواغيت بل يطلقونها ويسخرونها في الدفاع عنهم والترقيع لباطلهم والتهوين من كفرهم وشركهم ، ويرتّبون على ذلك ما يترتب بصورة طبيعية وإلزامية من موالاتهم ونصرتهم والبراءة ممن خرج عليهم ولو كان من خيار الموحدين وخلاصة المجاهدين ..

في الوقت نفسه يقابلون هذا الباطل بباطل مثله أو أشد منه في الاتجاه الآخر فيستسيغون غيبة المجاهدين المخلصين والدعاة الصادعين ويستسهلون الكذب والافتراء عليهم بحجة محاربة أهل البدع ! بل ويوجبون التبليغ عنهم ورفع الشكاوى عليهم للطواغيت ويعادونهم ويحاربونهم ويحرضون عليهم سلاطين القوانين بدعوى أنهم خوارج وتكفيريون !!

لا يفزعون إلى الدليل وإنما *** في العجز مفزعهم إلى السلطان

ويسعون في إبطال الجهاد وتدجين العباد والبلاد للطغاة ..

ويوالون ويعادون في مدح كتب مشايخهم وفي ذم كتب سيد قطب رحمه الله وأمثاله من الدعاة الذين أفادوا وأجادوا في وصف جاهلية العصر ونواقض الدين التي انتشرت في زماننا بصور عصرية مزخرفة مزوقة ؛ فيحرمون أنفسهم من خير عظيم ؛ ويصيبهم بذلك تبلد وتوعر في الأفهام ، وتتلوث عقولهم وموازينهم بالآفات والأسقام فتختل موازينهم ، وتضطرب مكايلهم ، فيَضلون ويُضلون ..

فتأمل كيف تلتقي ثمرات طائفتي الغلو الخبيثة رغم تناقضهما !! وتجتمع على التثبيط عن الجهاد وتخذيل المجاهدين والصد عن دعوة الحق ..

ورغم أنهم ما بين متشدد ومتساهل ، ومفْرط ومفَرّط ؛ إلا أن غلوهم جمعهم على التشديد والتعسير والتضليل بل والتكفير لدعاة الحق والجهاد والتوحيد !

وما أجمل ما قاله شيخ الإسلام عن أمثال هاتين الطائفتين وهو يصف ما كان عليه سلف هذه الأمة بقوله في الفتاوى: ( فمن دونهم مقصر ومن فوقهم مفْْرط ، لقد قصر دونهم أناس فجفوا ، وطمح آخرون فغلوا ، وإنهم – أي السلف - فيما بين ذلك لعلى هدى مستقيم )

وقال رحمه الله تعالى معلقا على قول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : ( من كان منكم مستناً فليستن بمن قد مات فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة أولئك أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم- كانوا أبرَّ هذه الأمةِ قلوباً ،وأعمَقَها علما وأقلها تكلفاً ، وأقوَمها هدياً ، قوم اختارهم الله تعالى لصحبة نبيه - صلى الله عليه وسلم- وإقامة دينه ، فاعرفوا لهم حقهم ، وتمسكوا بهديهم ، فإنهم كانوا على الهدي المستقيم )

قال شيخ الإسلام : ( فأخبر عنهم بكمال بر القلوب، مع كمال عمق العلم، وهذا قليل في المتأخرين، كما يقال‏:‏ من العجائب فقيه صوفي، وعالم زاهد ونحو ذلك‏.‏ فإن أهل برّ القلوب وحسن الإرادة وصلاح المقاصد يحمدون على سلامة قلوبهم من الإرادات المذمومة، ويقترن بهم كثيرًا عدم المعرفة، وإدراك حقائق أحوال الخلق التي توجب الذم للشر والنهي عنه، والجهاد في سبيل الله، وأهل التعمق في العلوم قد يدركون من معرفة الشرور والشبهات ما يوقعهم في أنواع الغى والضلالات، وأصحاب محمد كانوا أبر الخلق قلوبًا وأعمقهم علماً‏ …. إلى قوله : (.‏ وأصحاب محمد كانوا مع أنهم أكمل الناس علمًا نافعًا وعملاً صالحًا أقل الناس تكلفًا، يصدر عن أحدهم الكلمة والكلمتان من الحكمة أو من المعارف، ما يهدي الله بها أمة، وهذا من منن الله على هذه الأمة‏.‏ وتجد غيرهم يحشون الأوراق من التكلفات والشطحات، ما هو من أعظم الفضول المبتدعة، والآراء المخترعة، لم يكن لهم في ذلك سلف إلا رعونات النفوس المتلقاة ممن ساء قصده في الدين‏. )اهـ.

وأختم بوصية أحد أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم تناسب هذا الموضوع وهو ما ورد في صحيح مسلم في كتاب الإيمان من وصية ابن عمر رضي الله عنهما لمن حدثه عن بعض أهل البدع وبعض أقاويلهم فقال : ( فإذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريء منهم ، وأنهم براءُ مني ) ..

فنحن نعلنها ونقولها أيضا لغلاة المكفرة وغلاة المرجئة سواء بسواء ..

(إني بريء منهم ، وإنهم براءُ مني ) (فهذا قول من يُتهم بالغلو من أدعياء السلفية فأين  الإنصاف والعدل ؟إنه عزيز ولكن المرجئة يكذبون

الرد على من يرى كفر الشعوب المسلمة

 يقول الشيخ؛ عمر بن محمود (أبي قتادة الفلسطيني)من المسائل التي نخالف فيها غيرنا من أهل البدع؛ هي مسألة التكفير بالعموم أو اعتقاد أن الأصل في الناس؛ الكفر، أي إنهم عادوا بجملتهم وعوامهم وعامتهم إلى الكفر، وبالتالي يتعاملون مع هذه الشعوب على أنها شعوب كافرة.

وهذه من المسائل التي هي خلاف بيننا وبين غيرنا من الطوائف البدعية.

لأن الطوائف البدعية في هذا الباب من الغلاة؛

- إما أنهم يُكفرون بالعموم، ويرون أن الأصل في الناس هو؛ الكفر، ويتعاملون مع الناس في الأصل على أساس البراءة من الإسلام، وليس البراءة من الكفر والشرك، ولهذا عمدوا إلى استحلال الدماء والأموال الأعراض.

- وهناك طوائف أقل منهم سوءاً وشراً؛ توقفوا في الحكم على هذه الشعوب، فلم يحكموا لها بإسلام، ولم يحكموا لها بكفر - أي جعلوها في منزلة بين المنزلتين -

والذي نعتقده؛ أن هذه الطوائف من الطوائف الغالية.

نحن نعتقد؛ أن الأصل في أمتنا الإسلام.

فعندما تدخل بلداً من البلاد، تجد فيه المساجد ويُرفع فيه الآذان، والناس يذهبون فيه إلى الصلوات، ويُسمون الله على ذبائحهم، ويستقبلون القبلة، ويتشهدون بكلمة التوحيد، وهذه علامات الإسلام.

لقوله صلى الله عليه وسلم: (من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا؛ فذلك المسلم الذي له ذمة الله وذمة رسوله).رواه البخارى ,فهذه من علامات الإسلام.

وقد ذكر الكاساني في "بدائع الصنائع"؛ العلامات التي يُحكم على الرجل بالإسلام في "كتاب الجهاد"، وقال؛ إما بالنص - أي بكلمة التوحيد - وإما بالدلالة - أي بعمل من الأعمال التي يتميز بها أهل الإسلام عن غيرهم، وإما بالتبعية.

قال الكاساني رحمه الله: (الطرق التي يُحكم بها بكون الشخص مؤمنا؛ ثلاثة، نص، ودلالة، وتبعية، أما النص؛ فهو أن يأتي بالشهادة أو بالشهادتين، أو يأتي بهما مع التبرؤ مما هو عليه صريحا... وأما بيان ما يحكم به بكونه مؤمنا من طريق الدلالة؛ فنحو أن يصلي كتابي أو واحد من أهل الشرك في جماعة... وأما الحكم بالإسلام من طريق التبعية؛ فإن الصبي يحكم بإسلامه تبعا لأبويه - عقل أو لم يعقل -) [البدائع، كتاب السير، فصل: بيان ما يعترض من الأسباب المحرمة للقتال].

وشعوبنا عندها الكلمة - النص - والدلالة - الأعمال - والتبعية - آبائهم مسلمون وأمهاتهم مسلمات -فمن اعتقد أن الأمة - بمجملها وعامتها - قد عادت إلى الكفر والشرك؛ فهذا ضلال.

ولو أردنا أن نفصل سبب ضلالهم يطول الحديث، ولكن هم يعتقدون؛ أن الكفر قد حل بالبلاد - هكذا يقولون - فبعضهم يرى؛ أنه ما دام قد سميت هذه الدار بـ "دار كفر"، فقد أُطلق على أهلها أنهم كفار، وهذه قاعدة معروفة من قواعد أتباع فرق وطوائف الخوارج، أنه إذا كفر الإمام؛ كفرت الرعية، وصاروا جزءاً من طائفته!

والناس ليسوا جزءاً من الطائفة – الدولة – لأن هؤلاء مقهورون، محكمون.

وتعرفون فتوى شيخ الإسلام في "ماردين". وهى مدينة تقع بين رأس العين ونصيبين في شمالها، فيها قلعة عظيمة من الصخر، وكان يقال لها في المئة الرابعة من الهجرة؛ "الباز"، وكانت معقل أمراء بني حمدان، وهي اليوم تحت الحكم التركي، وفتوى الشيخ في المجموع: ج28/ص135.

وتعرفون؛ أن كثيراً من البلاد الإسلامية قد حُكمت بالكفر، كالأندلس، ومصر من قبل العبيدين، وماردين والعراق من قبل التتار، والشرق الإسلامي كله، ولم يحكم أهل الإسلام قط على أن الشعوب - بمجرد سقوط الدولة المسلمة الحاكمة عليهم - قد كفرت وأن الناس قد خرجوا من الإسلام، لم يقل أحدٌ من أهل الإسلام بهذا.

كان الخوارج يعتقدون؛ أن دارهم وطائفتهم هي دار الإسلام، وأن الديار المخالفة لهم - الذين لم يدخلوا في دينهم ولم يدخلوا في حكمهم - هي دار ردة، وبالتالي من دخل فيها فهو مرتد وكافر.

وهذا ضلال من ضلالتهم.

وبعضهم قال: أن هؤلاء الساكنين لهذا الديار لم يظهروا الكفر بالطاغوت! والأصل أنهم يعلنوا البراءة - لما يقرءوا من كلام أهل الإسلام؛ بأن البراءة يجب أن تُعلن، كما قال إبراهيم عليه السلام: {إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ} [الممتحنة: 4].

ولكنهم ينسون حديث النبي صلى الله عليه وسلم عند مسلم : (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان).

فسمى إنكاره بالقلب؛ إيمان، فكيف يُحكم على قلوب الناس بأنها رضيت أو أنكرت؟! لا بد بأن يأتوا بعمل ظاهر يدل على المتابعة(والقاعدة عند أهل السنة أن أحكام الدنيا تجرى على الظاهر من إسلام وكفر )وشعوبنا لم تتابع، ففي كل فرصة تُظهر هذه الأمة ولاءها للإسلام.

ولما جاء أهل البدع من الديمقراطيين، وقالوا للناس؛ "انتخبونا باسم الإسلام"! الشعوبُ أعطتهم ما يريدون، وهذا يدل على أن الشعوب تريد الإسلام.

ولو أُستنفروا لأي قضية باسم الإسلام؛ شعوبنا تُقدم وتُضحي.

هذا الشعب الأفغاني؛ بماذا سيق للجهاد؟ سيق براية "لا اله إلا الله"، بماذا اُستحث الشعب الجزائري للجهاد؟ باسم "لا اله إلا الله" قام وتحرك.

فمادة الإسلام في الشعوب قوية، والإسلام في قلوبهم، إذن الشعوب مسلمة.

وهذه الطوائف لا يمكن أن تكون من طوائف أهل السنة، ونحن لا نلتقي معهم.

طوائف أهل البدع تعتقد؛ أن هذه الأمة لا تصلح للتكليف، بينما نحن نعتقد أنها صالحه الآن للتكليف، بل والتكليف بذروة سنام الإسلام - وهو الجهاد -ولكن شعوبنا تحتاج إلى المعلم، وإلى المبين لهم، لأن شعوبنا ربما فهمت أن الجهاد يكون ضد "الأجنبي" فقط.

الفلسطينيون فهموا؛ أن الجهاد ضد اليهود، ومع هذا فالجهاد سارٍ فيهم، لكنهم يحتاجون إلى من يفهمهم؛ أن الجهاد ضد المرتدين أيضاً، ليقلبوا فوهة البندقية.

إذن الشعوب؛ شعوب مسلمة، فيها دلائل وإمارات الإسلام، ولا يُكفر واحد من هذه الشعوب إلا بدليل، أي أن يأتي بعمل مكفر، عندنا من الله عز وجل فيه برهان، ولا يجوز تكفير الأمة.

أمة الإسلام ما زالت كما هي.والنبي صلى الله عليه وسلم تعامل حتى مع الذين هم في آخر الزمان، تعامل معهم كأمة، ولم يتعامل معهم كشخوص.

أما جماعات التكفير؛ فبعضهم لا يرى إلا عشرة أو خمسة عشر فرداً هم المسلمون، والبقية كفرة، وبعضهم يرى؛ أن طائفته - وهم مئتان أو ثلاثمائة فرد – هم المسلمون فقط.

فمن هم هؤلاء الذين يقاتلون مع المهدي - وهم بالآلاف -؟! وأين الذين يقاتلون مع عيسى ابن مريم؟! إذا كان الذي بقي من أهل الإسلام مائة أو مائتين أو ثلاثمائة أو جماعة من الجماعات؟! أين أهل الإسلام الذين يقاتلون ثمانيين غاية تحت كل غاية ثمانيين ألفا ؟! أين هم هؤلاء؟!

وقد قال صلى الله عليه وسلم: (اعدد ستاً بين يدي الساعة؛ موتي، ثم فتح بيت المقدس، ثم موتان يأخذ فيكم كقعاص الغنم، ثم استفاضة المال حتى يعطى الرجل مائة دينار فيظل ساخطا، ثم فتنة لا يبقى بيت من العرب إلا دخلته، ثم هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفر فيغدرون، فيأتونكم تحت ثمانين غاية، تحت كل غاية اثنا عشر ألفا) [رواه البخاري].

ونحن، لأننا نعتقد بوجوب الجهاد على هذه الأمة؛ نخاطبها بهذا التكليف، فنقول لهم: "يا أمة الإسلام؛ أنتم مسلمون، عليكم أن تثوروا بالإسلام، وتجاهدوا من سلب حق الله جل وعلا في حكمكم وفي طاعتكم لهم".

نعم، يوجد في الأمة؛ جهل، ويوجد ضعف إيمان وضعف إرادة، ويوجد تلبيس من شياطين الإنس من المشايخ وعلماء السلطان والكهنة، ولذلك نقول؛ إن الأمة تحتاج إلى من يقودها.

حتى الحكام الكفرة؛ لأنهم يعلمون رصيد الإسلام في قلوب الناس، فإنهم إذا أرادوا أن يسوقوهم لعمل من أعمالهم؛ يسوقونهم باسم الإسلام.

هذا "صدام حسين"؛ لما أراد أن يقاتل الثورة الإيرانية بقيادة الشيعي الرافضي الخميني، استحثهم تحت راية "أهل السنة"، قال لهم؛ "يا أهل السنة قوموا فقاتلوا الشيعة الروافض"، وأدار المعركة بهذه الطريقة، ولذلك أيدته طوائف أهل السنة وأيده الناس؛ لأن "صدام" عندهم من أهل السنة.

حتى الخميني عندما قاتل "صدام"؛ استحثهم باسم الإسلام ومقاتلة "البعثيين" أيضاً.

وهكذا يستخدم الحكام الإسلام، مما يدل على أن شعوبنا ما زالت مسلمة وأن الراية التي تحركها حركة حقيقية صحيحة؛ هي راية الإسلام.

هذا أدلة واقعية، ولكن الدليل الشرعي واضح - كما ذكرنا في البداية - فهم يسمون على ذبائحهم، ويستقبلون القبلة.

ولا بد للمكفر لواحد من آحاد هذه الأمة؛ أن يأتي بالدليل الصريح الصحيح الواضح البرهان على تكفير هذا الشخص,إذن نحن نحكم لهذه الشعوب بالإسلام.

نعم، هناك طوائف من هذه الشعوب قد كفرت، كعبدة الأوثان.كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تقوم الساعة حتى تلحق فئام من أمتي بالمشركين، وحتى تعبد طوائف من أمتي الأوثان) رواه الإمام أحمد.نعم، يوجد من عباد القبور ومن عباد الأحجار ومن عباد الشيطان وممن دخلوا في طوائف الردة وناصروهم، وهؤلاء كلهم نحكم بحكم الله عليهم.ولكن عندما نتحدث عن المسلم الذي لم يأت بعمل مكفر – وهذا حال عامة شعوبنا - فهؤلاء عندهم الإيمان المجمل، وحكم الشرع الذي يجب علينا أن نحكم به عليهم؛ هو أنهم مسلمون.

- الطوائف الثانية، هي الطوائف التي تتوقف في الحكم على الناس:

وهذه بدعة جديدة، لا يُعرف عن أوائل هذه الأمة التوقف.ويحتجون بآية: {إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ} [الممتحنة: 10]، فقالوا؛ "إذن هذا امتحان، فقد توقف حكم الإسلام على الامتحان!".

نقول: ولكن الآية ضدكم، لأن الآية تقول: {إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ}، فحكم بحكم الإيمان عليهن قبل الامتحان، أي أنهن لو متن قبل أن يُمتحن؛ لوجب على المسلمين أن يصلوا عليهن.وهذه الجارية التي جاءت فامتحنها رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجل أن يعتقها، فقال: (من ربك؟)، قالت: (في السماء) فعن الشريد رضي الله عنه؛ أن أمه أوصت أن يعتق عنها رقبة مؤمنة، فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال: (عندي جارية سوداء - أو نوبية - فأعتقها؟)، فقال صلى الله عليه وسلم: (ائت بها)، فدعوتها فجاءت، فقال لها: (من ربك؟)، قالت: (الله)، قال: (من أنا؟)، فقالت: (أنت رسول الله صلى الله عليه وسلم)، قال: (أعتقها، فإنها مؤمنة) [رواه الإمام أحمد].

هل معنى هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يحكم بإسلامها؟! الجواب: لا، قد كان يحكم بإسلامها، ولكن جاء حكم يقتضي امتحان، وهذه مسألة أخرى، لا تعني التوقف في الحكم.

كما أن الأصل في الناس أنهم ثقات، ولكن ربما تأتي مسألة تحتاج إلى توثق زائد، كأن يكون الرجل مستور الحال فيُحتاج إلى توثق لترتفع درجته، فمستور الحال عند أهل الحديث لا يُقبل، مع أنهم لا يحكمون بأنه مجروح، ولكن لأن هناك عمل يحتاج إلى زيادة توثق، ولا يعني أنه غير ثقة، لأن الأصل فيه أنه عدل، ولكن جاءت مسألة تحتاج التوثق في هذا الباب.

فالآية حكمت بإيمان النساء المهاجرات؛ {إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ}، فسماهن بالحكم الظاهر، فأنهن مؤمنات، يعني مسلمات.

فجماعات التوقف؛ أتت ببدعة جديدة، لم يأت بها أحد من أهل السنة، ونحن نخالف هذه الطوائف.

وبفضل الله – فيما أعلم – أنه حتى طوائف التوقف والتبيُن؛ بدأت تتراجع عن هذه العقيدة، وأن مشايخهم الكبار – من دون أن أذكر أسماء – قد بدأوا يعودون، فبدأوا يصلون في مساجد المسلمين، ويصلون وراء المستور.ولا نقصد بـ "المستور" هنا؛ أنه غير معروف الإسلام والكفر! وإنما نقصد من ثبت له حكم الإسلام، ولكن لا يُعرف عن حاله؛ هل أتى بمكفر أم لم يأت بمكفر - أي بالمكفر الذي انتشر في بلده - فمثل هذا؛ مسلم، نصلي وراءه، ولا نمتحن الناس حوله، ولا نمتحنه من أجل الناس أو من أجل الصلاة وراءه، بل نصلي وراءه.أما من تبين كفره؛ فهذا نحكم له بالكفر، وهذا حكم الله عز وجل، ولا كرامة له، ولا نقدم على حكم الله عز وجل شيئاً من الأشياء ولا شخصاً من الشخوص - كائناً من كان –إذن هذه الشعوب هي شعوب مسلمة.(وسيأتى الرد على أهل التوقف)

- وهناك طائفة أخرى جديدة؛ حكمت على الشعب بأنه منافق!

والنفاق حين يكون حكماً - لا وصفاً -؛ يكون كفرا، فحين نحكم على رجل بأنه منافق، فنقول: هذا حكمه في دين الله أنه منافق، فمعناه في دين الله؛ أنه كافر ولكنه يُخفي على الناس كفره، وبان لنا، فهو يستر الكفر وظهر لنا، فنحكم عليه بأنه كافر، ولكن قلنا عنه أنه "منافق" لأنه يُخفي عن الناس هذا الكفر.أما وصف النفاق؛ فموجود.

أما الاحتجاج بكلام شيخ الإسلام؛ "بأن بعض الناس لم يتصور في الدنيا إلا مسلم وكافر، ولم يتصور النفاق".فهذا كلام عن الوجود، لا كلام عن الحكم، فهو يعني؛ أنه في الواقع يوجد مسلمون حقيقيون في الظاهر والباطن، وهناك مسلمون في الظاهر كفار في الباطن - وهم المنافقون - وهناك كفار في الظاهر كفار في الباطن، فهو يتكلم عن الوجود، لا عن الحكم.(وقد ورد ذكر ذلك فى كتاب الله فذكر فى أول البقرة المؤمن والكافر والمنافق ,وذكر فى التغابن المؤمن والكافر فقط)وأن تقول؛ هذا منافق، يعني أنه ليس كافراً فقط، بل كفره مغلظ، وهو أشد من الكافر، لأن أهل العلم لم يختلفوا في أن المرتد تقبل توبته لو تاب، ولكن اختلف أهل العلم والدين؛ في الزنديق، فجمهور العلماء لا يقبلون توبته، فهو أشد عندهم من المرتد في الظاهر والباطن.

فهؤلاء الذين يقولون؛ أن الشعب قد نافق لأنه لم يدخل في طوائفهم، قد جاءوا بجهل جديد.

ودعوى؛ أننا من أهل البدع، وأننا نكفر الشعوب؛ هذا كذب، فنحن الذين لا يمكن أن يُتصور بأننا ندعو هذه الشعوب للجهاد ولإسقاط هؤلاء الطواغيت، ثم نتصور وجود النفاق فيهم.

ولا يمكن أن نتصور الحكم بتكفير الشعوب؛ لأن تحريك الناس للجهاد هو حكم شرعي، فإذا اعتقدنا في الناس الكفر؛ حينئذ يجب أن نخاطبهم بالإسلام أولاً، فقبل أن نقول لهم؛ جاهدوا، نقول لهم؛ أسلموا، ونحن لا نقول لهم؛ أسلموا، بل نقول لهم؛ جاهدوا.فحين نقول للناس؛ جاهدوا، فواضح من كلامنا أننا لا نكفرهم، لأنا خاطبناهم بالحكم الشرعي، وفي الدنيا؛ الكافر لا يُخاطب بأحكام الشريعة - هو معذب في الآخرة على فروع الشريعة، على القول الصحيح، ولكن في الدنيا لا يُخاطب الكافر بالفروع، فلا يؤمر بالصلاة ولا بالزكاة ولا بالجهاد - بل إذا جاء ليجاهد؛ يُطرد!

لقوله صلى الله عليه وسلم: (فإنا لا نستعين بالمشركين على المشركين) ، رواه الإمام أحمد.ولقوله: (فلن استعين بمشرك). رواه مسلم.

إذن عندما نقول للناس؛ جاهدوا في سبيل الله، خاطبناهم بالإسلام.

قد يأتي ويقول المعارض - كما يقول أهل التوقف والتبين أو أهل فكر معارضة الأصل للظاهر -؛ أن الظاهر هو متابعة الطاغوت والأصل هو الإسلام، فهل نقوي الظاهر أم نقوي الأصل؟

وهذا خوض كلامي لا قيمة له، والأصل أن نتعامل مع الناس بالأصل، والظاهر الذي يُلغي الأصل؛ ينبغي أن يكون هو الظاهر المقطوع به لا الاحتمالي.والظاهر الذي يقول به "أهل التوقف" في هذا العصر؛ هو عدم المناوأة للطاغوت، لا المتابعة، فيقولون؛ لأن الناس لم يحاربوا الطاغوت ولم يعلنوا البراءة منه.

نقول: عدم الإعلان لا يعني عدم الوجود، لأن الحديث الذي قدمناه يقول: (فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان)، فسماه مؤمناً.لكن إذا وجدت المتابعة الحقيقية لهذا الطاغوت، بأن دخل الفرد في طائفته وآمن بدعوته ونصر الكفر الذي جاء به؛ يكون حينها أتى بعمل ينفي الأصل، وهذا هو الطروء الجديد الذي حل لهذا الحكم بدل الحكم السابق - الذي هو الأصل -

لكن هم لا يقولون بهذا، بل يقولون؛ تعارض الظاهر مع الأصل، ولكن أي ظاهر هذا؟ هو الظاهر المحتمل، وقول النبي صلى الله عليه وسلم؛ يقوي أن هذا الظاهر لا يدل على الباطن، وهذا الظاهر ليس دليلاً قوياً.فهم يقولون؛ الظاهر أنهم قد كفروا! كيف قد كفروا؟! ما الذي أتوا به؟!يقولون؛ لم يعلنوا البراءة من الطواغيت!لكن إعلان البراءة من الطواغيت ليس من أصل الإيمان، هو من الإيمان الواجب، ولكن ليس من أصل الإيمان- كما رأينا في الحديث - قال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن: (مسألة إظهار العداوة؛ غير مسألة وجود العداوة، فالأول: يُعذر به مع العجز والخوف، لقوله تعالى: {إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً}، والثاني؛ لا بد منه، لأنه يدخل في الكفر بالطاغوت) [الدرر: ج8/ص359].

وهكذا شبهات الذين يكفرون الشعوب ويكفرون الأمة، أو يقولون أن الأصل فيهم الكفر؛ في هذا الباب كثيرة.واتهام أهل السنة بأنهم على منهج أولئك الغلاة؛ فرية يفتريها الناس قديماً وحديثاً.

فالإمام أحمد اُتهم بأنه من الخوارج! - كما ذكر ابن تيمية في كتاب "الفتاوى الكبرى" - عندما دخل رجل من أتباع الإمام أحمد على الإمام أحمد وهو مستلق، فقال: (قال الإمام أحمد: (بلغني أن أبا خالد وموسى بن منصور وغيرهما، يجلسون في ذلك الجانب، فيعيبون قولنا، ويدّعون؛ أن هذا القول أن لا يقال مخلوق ولا غير مخلوق، ويعيبون من يُكفر، ويقولون؛ إنا نقول بقول الخوارج!)، ثم تبسم أبو عبد الله كالمغتاظ [الفتاوى الكبرى: ج5/ وابن تيمية إلى الآن يُتهم بأنه من الخوارج وأنه خارجي، وهكذا اتهمه معاصروه.وابن عبد الوهاب؛ اُتهم بأنه خارجي أيضاً.فلا غرو ولا عجب؛ أن يأتي في هذا العصر من يقول بأن هؤلاء الذين قالوا بأن الحكام قد كفروا وخرجوا من الدين - مستدلين بأدلة صحيحة على كفرهم -؛ بأنهم من الخوارج.ومثل هذه الألفاظ؛ ينبغي أن لا تُستعمل عند النقاش العلمي وعند الدخول في الدليل.

شيخ الإسلام بن تيمية يرد على أهل التوقف والتبين ويبطل شبهتهم باتفاق الأمة وإجماع الأئمة

وأهل التوقف والتبين فرقة  من فرق الغلو فى التكفير يتوقفون فى من ظهرت منه دلالات الإسلام الظاهرة مثل الصلاة والأذان والإقامة والوضوء ولا يصلون إلا خلف من يعرفون عقيدته وحاله ,أما مستور الحال الذى ظهرت عليه سمات الإسلام فيتوقفون فيه ولا يصلون خلفه بحجة أن الدار دار كفر ردة وظهور الشرك فى المجتمع دليل على تكفير المعين أو الناس بالعموم أو التوقف فيه ,وهذا باطل وضلال ومخالف لأهل الإسلام والصحابة الكرام والأئمة الأعلام وتكذيب بالنصوص القرآنية والسنة النبوية وإلغاء للأصل  وعدم الاعتبار بالظاهر وقد فصلنا ذلك مرار ا فيما كتبناه من قبل فى (التنبيهات المختصرة) و ( الوجاء من شبهات الخوارج والإرجاء ) وحذرنا من أهل الغلو وأبطلنا حججهم  الواهية  وقد سألنى أحد هؤلاء وهو مصرى من أبو كبير –شرقية ,وقال:

 إن أمه ماتت ولم يصل عليها وتهرب من آداء صلاة الجنازة عليها مع أنه إمام مسجد ,فقلت له هل كانت أمك تصلى ؟قال نعم كانت محافظة على الصلاة

قلت له :هل ظهر منها شرك ظاهر جلى ؟أو ارتكبت  ناقضا من نواقض الإسلام ؟  

قال لا ,لم تقع فى الشرك الأكبر لا قولاً, ولا عملاً. فقلت له : فبأي دليل امتنعت عن الصلاة عليها ؟ وبأي حجة تقابل الله يوم القيامة ؟ والأصل أن كل من ثبت له الإسلام بيقين لا يزول بالشك أو الظن المحتمل ، والصلاة من أقوى دلالات الإسلام وشعائره الظاهرة ، ولنا الظاهر لأن أحكام الدنيا تبني على الظاهر من إسلام وكفر ، فمن ظهر منه الإسلام حكمنا بإسلامه وقلنا أنه مسلم ، ومن ظهر منه الشرك والكفر حكمنا بكفره وقلنا أنه كافرمشرك ، ولم يكلفنا الله أكثر من ذلك ، وقد ظهر منها الإسلام ولم يظهر منها كفر ولا شرك ، والباطن والقلوب يعلمها علام الغيوب.

وبعد أن سقتُ له الأدلة من القرآن والسنة وأقوال الصحابة وكلام شيخ الإسلام ابن تيمية في من توقف في مستور الحال الذي ظهرت منه دلالات الإسلام فهو مبتدع ضال منحرف عن الحق ، ومخالف لمذهب أهل الحق أهل السنة والجماعة ، ونقل شيخ الإسلام الاتفاق على ذلك ؛ فقال إني تائب إلى الله من هذه البدعة وراجع عنها ، ولكن الشبهة كانت قوية وأهل قريتي ومن حولها على هذا المنهج المنحرف شبَّ عليه الصغير وشاب عليه الكبير ، ومن بدعتنا وضلالنا جعلوني إمامًا لهم في مسجد لا يصلي فيه إمام غيري ، لأننا لا نصلي خلف أحد لا نعرفه أو خارجًا عن جماعتنا ، قلت له : عرفت الحق فالزمه واعمل به وادعُ إليه ، فقال أخ له من جماعته وبلدته وعلى نفس البدعة لقد كنا في ضلال وانحراف والحمد لله الذي أكرمنا بك وعلمتنا الحق ، فقلت لهما: توبا إلى الله وعليكما بالدعوة إلى الحق ، وقلت للذي توقف في أمه : استغفر لها وادع لها ، قال : سأفعل ، ولم يستغفر لها ، وبعد فترة قصيرة ظهرت عداوتهما وبغضهما لنا ، ففهمت أنهما ما زالا على بدعتهما ، وقاما بنشر الشائعات عنا ، وهذا حال أهل البدع في كل زمان ومكان ؛ كذب وبهتان وفجر في الخصومة ، وبُعد عن أخلاق الإسلام ، والتعامل مع المسلمين بالتقية كالشيعة الروافض ، مع أن الله سترهم ، إلا أن العبد مع ستر الله عليه يأبى إلا أن يفضح نفسه فقام أحدهم واعتذر لنا في المصلى أمام الجميع وكذَّب نفسه في كل ما رمانا به ، وافترى علينا فيه ، مع أنني لم أرغب في ذلك ، وكنت أتمنى أن يعلنوا براءتهم من بدعة التوقف والتبين لأن في ذلك الصدق ،وأنفسنا لاشئ فعرضنا لدين الله فداء الشاهد من ذلك أن البدعة إذا تمكنت من الإنسان يصعب عليه التوبة منها وتبقى رواسبها في النفس - إلا من رحم الله تعالى - وهذه من الآثار السلبية الناتجة عن : البُعد عن العلماء والتلقي منهم والاستفسار عما أشكل ، وأما العكوف على الكتب والتلقي من الأصاغر حدثاء الأسنان ؛ نتج عنه الانحراف عن مذهب أهل السنة والجماعة والتمسك بالبدع والأهواء وتعلم كبار المسائل قبل صغارها فتجد أحدهم ([1]) يتكلم في الإيمان والكفر والتوحيد والشرك ، وهو يجهل الأصول الثلاثة ، ونواقض الوضوء ، وأصول الإسلام ، فأحد هؤلاء لا يعرف حكم قيام الليل ويجعله واجبًا تارة وسنة مؤكدة أخرى ، والثاني كان يُعلم أخًا جامعيًا من حملة كتاب الله معنى الدعاء في النوازل ، فقال هذا الجاهل الأحمق لحامل كتاب الله, تعالى أعلمك الفقه قبل العقيدة ، ومعنى الدعاء في النوازل أي : تدعو وأنت نازل إلى الركوع ، وتدعو وأنت نازل إلى السجود هذه هي النوازل - وشر البلية ما يضحك -وهكذا أهل البدع دائمًا ، نسأل الله أن يرزقنا الثبات على الحق وأن يتوفانا على مذهب الحق مذهب أهل السنة والجماعة.

 

([1])  وهو فلاح لم يكمل دراسته ، ولم يكلف نفسه بسؤال أهل العلم بل جعلوه إمامًا لهم على جهله وضلاله كما ترى ، والثاني : أُمي يعمل في الحياكة وهو بليد غبي بطيء الفهم أبله ومع كل ذلك يظن أنه على شيء ، وأراد هذا الأُمى  أن يعلم أخ جامعي الدعاء في النوازل ، والنوازل عنده هي النزول للركوع والسجود فى الصلاة فتأمل.

  • الاربعاء AM 07:36
    2020-12-09
  • 1527
Powered by: GateGold