المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 408995
يتصفح الموقع حاليا : 427

البحث

البحث

عرض المادة

صفة الكفر بالطاغوت

صفة الكفر بالطاغوت أو الكفر بما يعبد من دون الله.
اعلم - رحمك الله - أن لله حقاً خالصا لا يشاركه فيه أحد من مخلوقاته، مهما كانت مرتبته عند الله، فالله سبحانه وتعالى هو المتفرد بالخلق والرزق والملك والحكم والسيادة والتدبير، وكل ما سواه مخلوق مربوب عبد خاضع له وحده، قد أسلم له من في السماوات والأرض طوعا وكرها، فكما أن الخلق والملك والأمر والحكم والهيمنة والسيادة لله وحده ينبغي أن تكون العبادة له وحده دون سواه.

قال تعالى: ( أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ)." آل عمران:83
فمِن حقِّ الله الخالص أن يُعبد وحده ولا يشرك به شيئا، وأساس العبادة الحب مع التعظيم والإجلال والرغبة والرهبة والتذلل والخضوع، ولا ينبغي ذلك إلا لله وحده. ومن العبادة الدعاء والصلاة والذبح والنذر والطواف والاعتكاف والخوف والرجاء والتوكل والإنابة، والحكم بما أنزله، والتحاكم إليه
ومن حقه سبحانه أن يكون الدين خالصا له وحده، قال تعالى: ( وَقَالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ * وَلَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِباً أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ)." النحل:51 :52". فقوله تعالى: ( وَلَهُ الدِّينُ وَاصِباً) أي له الطاعة والإخلاص دائما ثابتا واجباً، وقال تعالى: ( قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ)." الزمر:11".

وقد فسر الدين بالطاعة غير واحد من الصحابة ومن بعدهم، فليس لأحد حق في أن يُدان له، ويُطاع ويُستسلم لأمره وحكمه إلا الله الواحد القهار
ومن حقه سبحانه أن يكون الحكم له وحده، يأمر عباده بما يشاء، وينهاهم عما يشاء، ويحلل لهم ويحرم عليهم ما يريد، لا معقِّب لحكم، ولا راد لقضائه، ولا معارض لأمره، ولا مشرع من دونه، قال تعالى: ( أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ)." لأعراف: من الآية:54". وقال: (أَلا لَهُ الْحُكْمُ)." الأنعام: من الآية:62". وقال سبحانه: ( وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً)." الكهف: من الآية:26". وقال عز وجل: (وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ)(الرعد: من الآية41).(وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (الأنعام:115
فليس لأحد من خلق الله من الأمر من شيء، قال تعالى مخاطبا نبيه صلى الله عليه وسلم : ( لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ)." آل عمران: من الآية:128". وقال عز وجل: ( قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي)." يونس: من الآية:15". وقال: ( إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ)." الشورى: من الآية:48
وليس لأحد أن يغير شيئاً من شريعة الله، ولا أن يحلل ما حرمه الله أو يحرم ما أحله، أو يسقط ما أوجبه، أو يشرع شيئا لم يأذن به سبحانه، أو يحكم بغير ما أنزله.:p>:p>
وكل ما كان حقا خالصا لله فلا يجوز أن يشاركه فيه أحد من مخلوقاته، لا نبيٌ ولا مَلَك ولا شيخ ولا ولي ولا أمير ولا حاكم ولا عالم 
وأشد الطواغيت خطراً على دين الله بعد الشيطان الرجيم العلماء والشيوخ المحللون لما حرم الله والمحرمون لما أحله، الذين يُفتون الناس بما يخالف دين الله، ويصدونهم عن الرجوع إلى الكتاب والسنة، ويلبسون على الناس دينهم، ثم الحكّام المغيرون لشريعة الله، المحاربون لدينه، والذين يبغونها عوجاً، والمشرعون لما لم يأذن به الله، والحاكمون بغير شريعته من القوانين الوضعية وأحكام أهل الكفر والإلحاد والجاهلية، والله أعلم.
فالعبادة لله وحده، وكل ما عُبد من دونه فهو طاغوت وجب الكفر به
والطاعة لله وحده، وكل متبوع ومطاع فيما يخالف أمره وشرعه فهو طاغوت وجب الكفر به
والدين لله وحده، وكل من دان له الناس واستسلموا له من دون الله فهو طاغوت وجب الكفر به:
والحكم والتشريع والأمر والنهي لله وحده، وكل مشرع سواه، أو حاكم بغير شريعته، أو آمر بمعصيته ومخالفة دينه، فهو طاغوت وجب الكفر به.
والتحليل والتحريم لله وحده، وكل محلل لما حرم الله، أو محرم لما أحله، فهو طاغوت وجب مخالفته والكفر به.
وعلم الغيب لله وحده، وكل من ادعى أنه يعلم شيئا من علم الغيب، فهو طاغوت وجب تكذيبه والكفر به

ولعل السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو :

كيف يتم الكفر بما يعبد من دون الله
والجواب على ذلك جاء واضحاً جلياً في كتاب الله فكان فيه غُنية عما سواه
قال تعالى: (وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ)(النحل: من الآية36) وقال عز وجل: ( وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا )(الزمر: من الآية17) وقال سبحانه: ( يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ)(النساء: من الآية60) فهذه الآيات تدل على أن الكفر بالطاغوت هو اجتناب عبادته
وقال تعالى: ( قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ)." الممتحنة: من الآية4".
ففي هذه الآية بيان واضح لما ينبغي أن يكون عليه كل مسلم تجاه الكفار والمشركين ومعبوداتهم من دون الله
فالركن الأول من شهادة التوحيد وهو الكفر بالطاغوت أو بما يعبد من دون الله، يتحقق بما يأتي:

  اعتقاد بطلان عبادة غير الله، وكل معبود سوى الله

ترك عبادة غير الله وبغضها وإنكارها
البراءة ممن عبد غير الله
وإليك شرح هذه الأمور الثلاثة
الأمر الأول : اعتقاد بطلان عبادة غير الله، وكل معبود سوى الله
أن تعتقد أن كل معبود غير الله عز وجل باطل لا يستحق شيئا من العبادة بل هو عبد مخلوق لله الواحد القهار، وتعتقد أن كل عبادة صُرفت لغير الله باطلة وضلال وشرك بالله عز وجل، وتعتقد أن كل منهج ودين يخالف دين الإسلام، وكل تشريع لم يأذن به الله فهو كفر بالله عز وجل وضلال وجاهلية
والدليل قوله تعالى: ( ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ)." لقمان: من الآية:30
وقوله تعالى: ( فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ)." يونس: من الآية:32
وقال عز وجل: ( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)." آل عمران:85
وقال تعالى: ( أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ)." المائدة: من الآية:50". فكل حكم سوى أحكام الله فهو حكم الجاهلية
وقال: ( ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ)." الجاثـية:18". فما كان من عند الله فهو شريعة الله ودينه الذي ارتضاه، وما سواه فأهواء قوم لا يعلمون
ومثال المعبودات والمناهج الباطلة في واقعنا المعاصر
الأضرحة والقبور والمشاهد التي يعتقد في أهلها الولاية والشفاعة والنفع والضر وتدعى مع الله ويذبح لها ويتبرك بها ويستشفى ويستسقى بها ويصرف لها ما هو من حق الله الخالص
الحكام المبدلين لشريعة الله المشرعين لما لم يأذن به.
القوانين الوضعية التي يحتكم إليها من دون شريعة الله والتي جُعلت ندا لأحكام الله
الأديان المخالفة للإسلام كالعلمانية والديموقراطية واليهودية والنصرانية والماركسية والبوذية وغير ذلك
فلا بد من اعتقاد أن كل ما عبد من دون الله باطل وعبادته كفر بالله، وأن ما خالف دين الإسلام باطل واتباعه أو الرضا به كفر بالله
الأمر الثاني: ترك واجتناب عبادة غير الله وبغضها وإنكارها
فلا يكفي اعتقاد بطلان عبادة غير الله بل لابد من اجتنابها والابتعاد عنها بالكلية وبغضها وإنكارها بالقلب بغضا شديدا
قال تعالى: ( قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ)." الأنعام: من الآية19". ففيها البراءة من الشرك
وقال تعالى: ( وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ)." النحل: من الآية:36". فيها الأمر باجتناب ما يعبد من دون الله
وقال تعالى: (وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ) الزمر:17
وفيها أن اجتناب الطاغوت يعني اجتناب عبادته
وقال سبحانه: ( وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ)." المدثر:5". الرجز: الأصنام، وهجرها تركها والبراءة منها.
وعن جَابِرُ بن عبد اللَّهِ قال سمعت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول ((من لَقِيَ اللَّهَ لَا يُشْرِكُ بِهِ شيئا دخل الْجَنَّةَ وَمَنْ لَقِيَهُ يُشْرِكُ بِهِ دخل النَّارَ)) رواه مسلم . وفيه تحذير شديد من الوقوع في عبادة شيء من دون الله وهو معنى (يشرك به
وقال عز وجل: ( قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ)." آل عمران: من الآية:64".

وفيها اشتراط ترك الشرك ليكون الرجل مسلما
وذكر الله عز وجل من حال المشركين أنهم يكْبُر ويَعْظُم عليهم ترك الشرك بالله؛ لأنهم يحبونه أشد الحب وتنشرح له صدورهم وقد اعتادوه وألفوه عن آبائهم وأجدادهم
قال تعالى: ( كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ)." الشورى: من الآية:13
وقال تعالى: ( وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ)." الزمر:45
فلا يكره التوحيد ويبغضه ويستبشر بالشرك ويفرح به إلا مشرك كافر. فلابد من بغض الشرك بجميع أنواعه بغضاً شديداً أشد من بغض ما سواه من المحرمات
وكذلك لابد من تركه واجتنابه بالكلية، وقد جاءت جميع الرسالات السماوية بالدعوة إلى ترك عبادة غير الله واجتناب ما يعبد من دونه، ولهذا كان التوحيد هو لب الخلاف بين الرسل وقومهم الذين ردوا هذه الدعوة ولم يؤمنوا بها وأصروا على الاستمرار على عبادة غير الله
كما قال تعالى عن قوم نوح: ( وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلا سُوَاعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً)." نوح:23". فود وسواع ويغوث ويعوق ونسرا أسماء رجال صالحين ماتوا على التوحيد ولكن لغلو قومهم فيهم عبدوهم مع الله، فدعاهم نوح عليه السلام للكفر بهذه الألهة واجتناب عبادتها فأبوا واستكبروا وأصروا على عبادتها من دون الله إلا قليل ممن آمن مع نوح
وقال قوم هود: ( أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا)." لأعراف: من الآية:70". وقالوا: ( وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ)." هود: من الآية:53". فتأمل هاتين الآيتين تجد أن الرسل كانوا يدعون قومهم لترك عبادة غير الله والتوجه بالعبادة لله وحده وهو حقيقة قول لا إله إلا الله
وقال كفار قريش: (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً)." صّ: من الآية:5". فهم دائما ينكرون التوحيد (توحيد الألوهية) الذي لا يتحقق إلا بترك عبادة غير الله والكفر بألوهية ما سواه
فلا يكفي اعتقاد بطلان عبادة غير الله، بل لابد من بغضها، وإنكارها وتركها واجتنابها بالكلية. وبغير ذلك لا يصح إسلام أحد أبداً
فمن فعل شيئاً من هذا الشرك الأكبر وتوجه بعبادة لغير الله فقد حبط عمله وصار من المشركين، قال تعالى: ( وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)." الزمر:65
وقال تعالى: {وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِّنَ الظَّالِمِينَ } يونس106 ، أي المشركين
الأمر الثالث : البراءة ممن أشرك بالله فعبد معه غيره
مادام الكفر بما يعبد من دون الله هو الركن الأول في كلمة التوحيد، وعرفنا أنه يعني اعتقاد بطلان كل معبود غير الله وأن عبادة غير الله كفر وشرك بالله، ويعني اجتناب هذا الشرك والابتعاد عنه وبغضه وإنكاره؛ فالذي يشرك بالله ويتخذ من دونه معبودا لم يأتِ بهذا الركن بل أتى بنقيضه تماما فكيف يكون مؤمنا بلا إله إلا الله؟! بل الحقيقة أن كافر بها ولو كان ممن يقولها بلسانه ويدعي أنه مؤمن بها، فالإيمان بلا إله إلا الله لا يكون بغير معرفة واعتقاد وقول وعمل
فمن عبد غير الله واتخذ من دونه إلها وجبت البراءة منه ومما يعبده ويدين به، ولا يتحقق الكفر بما يعبد من دون الله بدون الكفر والبراءة من عابديه
وتتحقق هذه البراءة بتكفير من أشرك بالله، ولم يأتِ بالتوحيد ودان بغير دين الإسلام، وبغضهم ومعاداتهم
فلا يصح الإيمان بلا إله إلا الله بغير الكفر بألوهية ما عبد من دون الله، ومن المعلوم أن كل معبود من دون الله له من يعبده ويُصرف له ما لا ينبغي أن يصرف إلا لله وبهذه العبادة صار إلها مع الله،

 وإذا كان الشرط الأول للإيمان بلا إله إلا الله هو الكفر بهذه المعبودات، فإن الكفر بها لا يتحقق إلا بالبراءة التامة منها ومما يصرف لها من العبادة وممن يعبدها مع الله، يعني لابد من البراءة من المعبود ومن عبادته ومن عابديه، ولا تتحقق واحدة منها دون الأخرى
فلا يستقيم ولا يصح البراءة من المعبود دون البراءة من عبادته
ولا يستقيم أيضا ولا يصح البراءة من المعبود وعبادته دون البراءة ممن جعله معبودا وصرف له العبادة من دون الله
وليست البراءة من المعبود بأولى من البراءة من العابد، وهل يصير العبد المخلوق إلها معبودا إلا بوجود من أشركه مع الله وعبده معه؟
بل إن الله عز وجل قدم البراءة من العابد على البراءة من المعبود في أكثر من آية من آيات كتابه البينات، قال تعالى: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ)(الممتحنة: من الآية4
وقال تعالى: (وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي)(مريم: من الآية48
وقال تعالى: (فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ )(مريم: من الآية49
وقال عز وجل: (وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ)(الكهف: من الآية16
وكما قلنا لايصير العبد المخلوق إلها يعبد مع الله إلا بوجود من يؤلهه ويعبده مع الله، وكمثال لذلك الآلهة التي كانت موجودة في قوم نوح فما هي إلا تماثيل نحتها أناس ربما لم يصلوا إلى الشرك في ذلك الوقت يوم أن نحتوها وبعد موت هؤلاء اتخذها من بعدهم آلهة تعبد كما يعبد الله الواحد القهار، ولولا أولئك المشركون لما صارت آلهة معبودة مع الله ولبقت مجرد تماثيل ترمز لرجال صالحين كانوا فبادوا فلو أن رجلا في عهد نوح سمع بما يدعو إليه نوحا عليه السلام فأراد أن يتبعه فترك عبادة غير الله واعتقد أن ما كان يعبده باطل لا يستحق العبادة وأن الله وحده هو المستحق للعبادة، فهل تراه يعتبر نفسه أنه كان على حق في عبادة غير الله؟! هذا لا يستقيم أبدا
بل الصواب سيعتبر نفسه أنه كان على باطل وضلال في شركه بالله وأن الحق هو توحيد الله وإفراده بالعبادة، وبالتالي سيعتبر من لم يوحد الله واستمر على عبادة غيره أنهم على ضلال وباطل، وسوف يتبرأ منهم كما تبرأ من آلهتهم ودينهم. وهذا ما نقصده بالبراءة من المشركين
ومثال آخر هذه القبور التي تعبد اليوم من دون الله فلولا ما يفعله المشركون عندها وما يعتقدونه فيها لما زاد عن كونها قبورا لأناس كانوا أحياء يأكلون ويشربون ويحتاجون لما يحتاج إليه البشر الضعفاء فماتوا وقُبروا في هذه القبور وهي كغيرها من سائر القبور الأخرى، ولكن المشركين عظموها وغلوا في محبة أصحابها حتى عبدوهم مع الله فصارت آلهة تعبد مع الله الواحد الأحد وطواغيت تقدس من دون الله فهل تستقيم البراءة منها دون البراءة ممن اتخذها وصيرها آلهة من دون الله؟
هل يصح في الفطر السليمة والعقول المستقيمة والملة الحنيفية أن نعتقد أن هذه القبور آلهة باطلة لا تستحق شيئا من العبادة وأن عبادتها كفر وشرك بالله تناقض الإسلام وتبطله، ولا نعتقد كفر وضلال من عبدها، بل نجعلهم في زمرة الموحدين ونساويهم بمن يعبدون الله وحده ولا يشركون به شيئا ويكفرون بما يعبد من دونه؟
هل يستوي من يكفر بهذه القبور مع من يعبدها؟
كلا والذي رفع السماء بغير عمد، لايستوي دين من وحد الله وكفر بما يعبد من دونه مع دين من جهل التوحيد وجعل مع الله آلهة أخرى
قال تعالى: (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ أَإِنَّكُمْ لَتَشْهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ آلِهَةً أُخْرَى قُلْ لا أَشْهَدُ قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ) (الأنعام:19
وقال تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ)." الأنعام: من الآية:159
كيف يكون المشرك الذي جعل العبادة شِرْكَةً بين الله وبين خلقه مسلما على دين إبراهيم عليه السلام والأنبياء جميعا؟؟
لقد أعلن جميع رسل الله براءتهم من كل من عبد غير الله وكفروا بهم وأبغضوهم وعادوهم، قال تعالى: (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ)(الممتحنة: من الآية4).
والله عز وجل أمرنا بإتباع ملة إبراهيم، وجعله للناس إماماً، واتخذه خليلاً، وملة إبراهيم هي الحنيفية وهي البراءة من الشرك والمشركين
كما قال تعالى:(وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُون َ* إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ)." الزخرف:27:26
وقال عز وجل:(وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ)." الأنعام:74". فحكم على أبيه وقومه بالضلال البين؛ لعبادتهم الأصنام من دون الله
وكذلك قوله:(أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ * فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ)." الشعراء: من الآية:75: 77:76
وبرَّأ خليليه إبراهيم ومحمدا عليهما السلام، من كل من خالف دين الإسلام ولم يأتِ بالتوحيد، من اليهود والنصارى والوثنيين.
قال تعالى: ( مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلا نَصْرَانِيّاً وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)." آل عمران:67
وقال تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ)." الأنعام: من الآية:159
وقال عز وجل: ( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ)." يوسف:108
فكل من أشرك بالله وعبد معه غيره فالله ورسله بريئون منه وكذلك سائر المؤمنين
والله عز وجل لا يقبل غير الإسلام دينا، ولا يصح إسلام بلا توحيد، فكل من لم يعبد الله وحده مخلصا له الدين فليس من المسلمين، فوجب البراءة منه ومما يدين به، والحكم عليه بأنه من المشركين قال تعالى: ( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإسْلامُ)." آل عمران: من الآية:19". وقال سبحانه: (فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا)." آل عمران: من الآية:20
وقال تعالى: ( فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا)." البقرة: من الآية:137". فأصل الدين واحد لا يتغير، وكل مسلم لابد أن يأتي بهذا الأصل الذي اتفقت عليه جميع الرسالات وإلا لم يكن من المهتدين
قال تعالى: ( وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)." الأنعام: من الآية:88". فلا يصح مع الشرك عمل ولا عبادة ولا دين
وقال سبحانه: ( الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ)." الأنعام:82". فلابد في صحة الدين من إيمان صحيح لا يخالطه شرك
وقال تعالى: ( وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً)." النساء: من الآية:125". وهذا هو الإسلام دين الله، لأنه ليس لله إلا دين واحد، وهو أحسن الأديان، فدل على أن من استسلم لله وحده واتبع ما جاءت به رسله وكان على الحنيفية ملة إبراهيم متبرئاً من الشرك وأهله فهو المسلم؛ وما سواه فمشرك كافر
الشرك والتوحيد ضدان لا يجتمعان أبدا ، فترك الشرك الأكبر كله شرط في صحة الإسلام، ولا يجادل في هذا من عرف الله وما جاءت به رسله
وقد أمر الله عز وجل نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم أن يتبرأ من الكافرين، وأن يصارحهم بهذه البراءة،
فقال تعالى: ( قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ * لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ* وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ* وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ * وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ * لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ)." الكافرون:6:1
وهذه السورة يسميها العلماء سورة التوحيد، فهي براءة من الشرك والمشركين
وفيها مصارحتهم ومخاطبتهم بأنهم كافرون بالله: ( قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ)
البراءة من عبادتهم وهي الشرك بالله ومن معبوداتهم: ( لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُون).( وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُم

وصفهم بأنهم لا يعبدون الله، ولو زعموا أنهم يعبدونه وأنهم على دينه: (وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ
فعبادة المشرك باطلة كلها غير مقبولة حتى ما كان منها لله، لأن شركه بربه وخالقه قد أحبط عمله كله، وأخرجه من دين الله الذي لا يقبل سواه
وإذا تأملت قوله تعالى: ( وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ)." لقمان: من الآية:32". علمت أن المشرك يعبد الله ويعبد غيره، فلا يكون عابداً لله ولا مسلما له، لأن العبادة والإسلام لا يصح إلا بترك الشرك والبراءة منه، فتأمل هذا جيداً
وختم الله عز وجل هذه السورة بقوله تعالى: ( لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ). فدين من وحد الله فَعَبَدَه وحده ولم يشرك به شيئا هو الإسلام، ولا يمكن أن يجتمع مع من أشرك بالله على دين واحد أبداً، ولا يمكن أن يستويان أبداً، بل كل واحد منهما متبرئ مما عليه الآخر، ولا يشاركه فيه، فلا يمكن أن يكون الموحد عابد لغير الله، ولا يمكن أن يكون المشرك عابداً لله وحده.
فكيف يصح مع هذا كله القول بأن البراءة من المشركين ليس من أصل الدين ويمكن أن يتحقق الإسلام من غير هذه البراءة؟
وكيف يقبل العقلاء القول بأن الحكم بالإسلام لمن عبد غير الله وجعل معه آلهة أخرى لا يعارض الإسلام الذي بعث الله به رسله وأنبياءه؟!!
لا والله ، لا يصح هذا ولا يُقبل ، وليس هذا من دين الله في شيء.
هذه هي حقيقة الكفر بما يعبد من دون الله، وهي الصفة الشرعية للكفر بالطاغوت الركن الأول في التوحيد، وشطر كلمة الإخلاص لا إله إلا الله.
وقد جعل الله عز وجل الكفر بالطاغوت شرطا لصحة وقبول الإيمان بلا إله إلا الله، فقال تعالى: ( فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى)." البقرة: من الآية:256
وقال عليه السلام فيما يرويه مسلم عن أبي مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ عن أبيه أَنَّهُ سمع رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول (من قال لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَكَفَرَ بِمَا يُعْبَدُ من دُونِ اللَّهِ حَرَّمَ اللَّهُ مَالَهُ وَدَمَهُ وَحِسَابُهُ على اللَّهِ

والخلاصة فيما سبق أن:

 صفة الكفر بالطاغوت تتحقق بخمسة أشياء قد استخلصها الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى وهي:-

اعتقاد بطلان عبادة غير الله: فالمستحق للعبادة وحده هو الله سبحانه وتعالى وهذا بالعموم تركها:أى يترك عبادة الطاغوت ويتحقق الترك بالاجتناب وعدم الطاعة والمتابعة ,كما تقدم بيانه .

بغضها :أى يبغض جنس  كل طواغيت الأرض الذين تجاوزا الحد فى الظلم والطغيان والكفر والشرك

تكفير أهلها :الذين ثبت كفرهم  بيقين لاشك فيه فوجب تكفيرهم والكفر بهم وتحذير الناس منهم

معاداتهم في الله: والمعاداة ضد الموالاة والنصرة والحب والتأييد فيعاديهم فى الله لالهوى ولاحظوظ نفس والدليل قوله تعالى:- {قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا بُرَءاءُ منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدًا حتى تؤمنوا بالله وحده} إذاً فمن لم يحقق هذه الصفة لم يكن مؤمنا بالله كافراً بالطاغوت بل العكس لأن الإيمان بالطاغوت والإيمان بالله ضدان لايجتمعان في قلب إنسان أبداً إذ لايمكن أن يوصف الشخص بأنه مشرك وموحد في نفس الوقت بل لابد له من أحد الوصفين لامحالة إذ لا ثالث لهما لقوله تعالى:- {هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن}وقوله {إنا هديناه السبيل إما شاكرا ًوإما كفوراً} .

فهذا الطاغوت الذي أُمرنا أن نكفر به ونجتنبه وهذه عبادته التي نهينا عنها وأمرنا بتركها وتكفير أهلها ومعاداتهم.قَالَ تَعَالَى {وَلَقَد بعثنَا فِي كل أمة رَسُولا أَن اعبدوا الله وَاجْتَنبُوا الطاغوت فَمنهمْ من هدى الله وَمِنْهُم من حقت عَلَيْهِ الضَّلَالَة فسيروا فِي الأَرْض فانظروا كَيفَ كَانَ عَاقِبَة المكذبين}النحل

وَقَالَ تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ} [النساء: 60] .فَكَأَنَّ هَؤُلَاءِ قَدْ أَقَرُّوا بِالتَّحْكِيمِ، غَيْرَ أَنَّهُمْ أَرَادُوا أَنْ يَكُونَ التَّحْكِيمُ عَلَى وَفْقِ أَغْرَاضِهِمْ; زَيْغًا عَنِ الْحَقِّ، وَظَنًّا مِنْهُمْ أَنَّ الْجَمِيعَ حَكَمٌ، وَأَنَّ مَا يَحْكُمُ بِهِ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ أَوْ غَيْرُهُ مِثْلَ مَا يَحْكُمُ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَجَهِلُوا أَنَّ حُكْمَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ حُكْمُ اللَّهِ الَّذِي لَا يُرَدُّ، وَأَنَّ حُكْمَ غَيْرِهِ مَعَهُ مَرْدُودٌ إِنْ لَمْ يَكُنْ جَارِيًا عَلَى حُكْمِ اللَّهِ، فَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى: {وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا} [النساء: 60] ; لِأَنَّ ظَاهِرَ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا نَزَلَتْ فِيمَنْ دَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ; لِقَوْلِهِ: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ} [النساء: 60] كَذَا إِلَى آخِرِهِ، وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ قَالُوا: إِنَّمَا نَزَلَتْ فِي رَجُلٍ مِنَ الْمُنَافِقِينَ، أَوْ فِي رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ}

و صفة الكفر بالطاغوت فهو  أن تعتقد بطلان عبادة غير الله، وتتركها وتبغضها، وتكفر أهلها، وتعاديهم.وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلى اللَّهِ لهُمُ الْبُشْرَى} (الزمر: من الآية 17

ويدخل في الكفر بالطاغوت بُغْضُهُ وكراهتُه، وعدمُ الرضى بعبادته بوجه من الوجوه.

قال شيخ الإسلام رحمه الله: وقد علم بالاضطرار من دين الرسول صلى الله عليه وسلم واتفقت عليه الأمة أن أصل الإسلام، وأول ما يؤمر به الخلق شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، فبذلك يصير الكافر مسلمًا، والعدو وليًا، والمباح دمه وماله معصومَ الدم والمال، ثم إن كان ذلك من قلبه، فقد دخل في الإيمان، وإن قاله بلسانه دون قلبه، فهو في ظاهر الإسلام دون باطن الإيمان، وفيه البداءة في الدعوة والتعليم بالأهم فالأهم، واستدل به من قال من العلماء: إنه لا يشترط في صحة الإسلام النطق بالتبري من كل دين يخالف دين الإسلام، لأن اعتقاد الشهادتين يستلزم ذلك ... ، وفي ذلك تفصيل.وفيه: أنه لا يحكم بإسلام الكافر إلا بالنطق بالشهادتين.

قال شيخ الإسلام: فأما الشهادتان إذا لم يتكلم بهما مع القدرة فهو كافر باتفاق المسلمين، وهو كافر باطنًا وظاهرًا عند سلف الأمة وأئمتها، وجماهير علمائها.

أن اجتناب الطواغيت فرض وحق على العباد، كما أن عبادة الله فرض وحق على العباد، ولا يتم التوحيد إلا باجتناب الطواغيت، كما قال تعالى عن إمام الحنفاء: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ, إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ} . [الزخرف: 26،27] . وقال تعالى: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} . [الممتحنة:4] .

 هذا بل الكفر بالطواغيت مقدم على الإيمان بالله عقلاً ونقلاً،

 أما النقل؛ فقد قال تعالى: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انْفِصَامَ لَهَا}[البقرة:  وأما العقل؛ فمعلوم بالضرورة أن الصبغ لا يؤثر في المتدنس والمتوسخ من كل نوع حتى ينظف، أما ترى الصفارين والصباغين أكثر جهدهم في زوال الأعراض المانعة من الصبغ؟ وهي الأدناس والأوساخ، فكذلك الدين والإيمان ينبغي أن يزال عن القلوب الأوساخ التي وقعت عليها، من عبادة الطواغيت، وحبها أولاً، ثم يصبغ بصبغة الله تعالى وهو التوحيد والإخلاص، قال تعالى: {صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً} . [البقرة: 138]

من آمن بالله ورسوله وما أنزل إليه حقًّا وصدقاً لم يتحاكم إلى الطاغوت ومن تحاكم إليهم من الكهنة والسحرة وأشباههم مطمئناً بهم مصدقاً قولهم فليس بمؤمن ويدل على ذلك قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ} . [النساء: 60] . وذلك لزعمه أن حكم الطاغوت أصلح ولا يعلم المطبع على قلبه أن غير الحق هو الإفساد ويدل على ذلك قوله: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} . [البقرة: 11] . وقوله: {وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا} . [الأعراف: 56] . وذلك لأنه رغب عن حكم الإسلام الذي ارتضاه الله في آخر الزمان وبغى حكم الجاهلية قوله: {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ} . [المائدة: 50

وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى: (ومعنى الكفر بالطاغوت أن تبرأ من كل ما يعتقد فيه غير الله، من جني أو انسي أو شجر أو حجر أو غير ذلك، وتشهد عليه بالكفر والضلال وتبغضه ولو كان أباك وأخاك. فأما من قال؛ أنا لا أعبد إلا الله، وأنا لا أتعرض السادة والقباب على القبور وأمثال ذلك، فهذا كاذب في قول لا إله إلا الله ولم يؤمن بالله ولم يكفر بالطاغوت)

وقال أيضاً رحمه الله: (فأما صفة الكفر بالطاغوت: فأن تعتقد بطلان عبادة غير الله وتتركها وتبغضها وتُكفر أهلها وتُعاديهم، وأما معنى الإيمان بالله فأن تعتقد أن الله هو الإله المعبود وحده دون ما سواه، وتخلص جميع أنواع العبادة كلها لله، وتنفيها عن كل معبود سواه، وتُحب أهل الإخلاص وتواليهم وتبغض أهل الشرك وتُعاديهم، وهذه: ملة إبراهيم التي سفه نفسه من رغب عنها، وهذه: هي الأسوة التي أخبر الله بها في قوله: {قد كانت لكُم أُسوةٌ حسنةٌ في إبراهيم والذين معهُ إذ قالوا لقومِهم إِنا بُرءاؤُا منكُم ومِّما تَعبُدون مِن دون الله كفرنَا بِكُم وبدا بيننا وبينَكُم العداوة والبغضاء أبَداً حتى تؤمنوا بالله وحده} (الممتحنة: 4) (1).

وقال أيضا ً رحمه الله تعالى :"وأنت يا مَن مَنّ الله عليه بالإسلام , وعرف أن ما من إله إلا الله , لا تظن أنك إذا قلت : هذا هو الحق , وأنا تارك ما سواه , لكن لا أتعرض للمشركين , ولا أقول فيهم شيئا ً , لا تظن : أن ذلك يحصل لك به الدخول في الإسلام , بل : لابد من بغضهم , وبغض من يحبهم , ومسبتهم , ومعاداتهم كما قال أبوك إبراهيم والذين معه:]إنا برءاء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبد ا ً حتى تؤمنوا بالله وحده [ وقال تعالى :] فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى[ الآية وقال تعالى : ] ولقد بعثنا في كل أمة ٍ رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت[ ولو يقول رجل : أنا اتبع النبي r وهو على الحق , لكن : لا أتعرض اللات والعزى , ولا أتعرض أبا جهل , وأمثاله , ما علي منهم , لم يصح إسلامه ". [ الدرر السنية : 2 /

وقال الشيخ سليمان بن سحمان: (والمراد من اجتنابه أي الطاغوت هو بغضه وعداوته بالقلب وسبه وتقبيحه باللسان وإزالته باليد عند القدرة ومُفارقته، فمن ادعى اجتناب الطاغوت ولم يفعل ذلك فما صدق) .

ضلال الخوارج وأهل الغلو فى معنى الاجتناب

ومن أهل الغلو من يوسع معنى الاجتناب الذي يرونه شرطا لصحة الإسلام فيدخلون فيه اجتناب العمل في حكومات الطواغيت ولو فيما لا يحرم، بل أدخل بعض الحمقى في ذلك اجتناب الوقوف على إشارات مرورهم واجتناب مراعات شواخصهم المرورية واجتناب تسعيرات مواصلاتهم ونحوها .. فما رحموا أمة محمد وما رحموا أنفسهم من هذا الزيغ والضلال ,إذ معنى الكفر بالطاغوت ومعنى اجتنابه الشرعي الذي هو مطلوب رب العالمين لا مطلوب أهل التنطع والغلو؛ يُفهم ويُعرف على ضوء معرفة معنى حقيقة عبادته أو اتخاذه ندا وشريكا ,ومعلوم من تعريفه أنه كل من عبد من دون الله - وهو راض - بأي نوع من أنواع العبادة التي يكفر من صرفها لغير الله تعالى، فمن صرف إليه عبادة الصلاة أو الطواف أو الذبح أو النذر أو الدعاء أو الطاعة في التشريع أو اعتقد أن له الحق في ذلك فقد عبده واتخذه ربا وطاغوتا .. فمثل هذا لا يكون مسلما حتى يكفر بعبادته أو اعتقاد ربوبيته وألوهيته والكفر به هنا لا يعني تكفيره وإن كان ذلك لازما من اللوازم أو واجبا من الواجبات؛ وإنما يعني البراءة من عبادته وطاغوتيته والكفر بألوهيته وربوبيته وكونه مستحقا لأن يصرف إليه أي نوع من أنواع العبادة؛ وهو المعبر عنه باجتناب عبادة الطاغوت في قوله تعالى: ((والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وأنابوا إلى الله لهم البشرى ) وهذا مفسر مبين لقوله تعالى المجمل: ((ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت)) ولا يصح ما يفعله بعض المتسرعين من أخذ هذه الآية وحدها والفرح بإطلاق لفظ اجتناب الطاغوت فيها بمعزل عمّا يفسرها في الآية الأخرى .. فهذه من طريقة أهل الزيغ الذين يتبعون ما تشابه منه، ولا يردونه إلى أم الكتاب من النصوص المبينة المفسرة له فقد بين علماؤنا أن النص المجمل إذا أخذ بمعزل عن مبينه صار متشابها وكذا النص العام أو المطلق إذا أخذ بمعزل عن مخصصه أو مقيده فقد صار متشابها وإنما يفعل ذلك الذين في قلوبهم زيغ ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله كما ذكر الله تعالى في مطلع سورة آل عمران ..

قال الشاطبي: (إن ذوي الاجتهاد لا يقتصرون على التمسك بالعام حتى يبحثون في مخصصه وعلى المطلق هل له مقيّد أم لا؟ فالعام مع خاصه هو الدليل، فإن فقد الخاص، صار العام - مع إرادة الخصوص فيه - من قبيل المتشابه، وصار ارتفاعه - أي الخاص - زيفاً وانحرافاً عن الصواب.

ولأجل ذلك عدت المعتزلة من أهل الزيغ حيث اتبعوا نحو قوله تعالى: ((اعملوا ما شئتم)) [فصلت: 40] وتركوا مبينه وكذلك الخوارج حيث اتبعوا قوله تعالى: ((إن الحكم إلا لله)) [يوسف: 40]، وتركوا مبينه: ((يحكم به ذوا عدل منكم))، وقوله: ((فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها)).

واتبع الجبرية قوله: ((والله خلقكم وما تعملون)) [الصافات: 96]، وتركوا بيانه، وهو قوله: ((جزاء بما كانوا يكسبون)) [التوبة: 82].وهكذا سائر من اتبع هذه الأطراف من غير نظر فيما وراءها، ولو جمعوا بين ذلك ووصلوا ما أمر الله به أن يوصل، لوصلوا إلى المقصود. فإذا ثبت هذا فالبيان مقترن بالمبين، فإذا أخذ المبين من غير بيان صار متشابهاً، وليس المتشابه في نفسه، بل الزائغون أدخلوا فيه التشابه على أنفسهم فضلوا عن الصراط المستقيم" اهـ مختصراً.

قلت: ومن ذلك ما يفعله بعض الغلاة من فهم مطلب اجتناب الطاغوت - الذي هو ركن التوحيد وشطره - وتفسيره بمطلق الاجتناب؛ فيُدخلون فيه اجتناب العمل عند الحكومات الكافرة ولو بوظيفة لا حرمة فيها؛ وهذا لو كان على وجه الاستحباب فلا غبار عليه ونحن ندرسه وندعوا إليه؛ ولكنهم يجعلون ذلك شرطا للتوحيد والإسلام من أخل به فعمل بأي وظيفة، أو أطاع الحكومة أو الطواغيت بأي شيء ولو كان من المباحات؛ كان كافرا لأنه لم يجتنب الطاغوت عندهم ولم يحقق التوحيد.

والحق الذي لا مرية فيه أن المراد باجتناب الطاغوت اجتناب عبادته بأي نوع من أنواع العبادة التي يكفر من صرفها لغير الله، وكذا اجتناب توليه ونصرته وإنما قيدنا بقولنا: (التي يكفر من صرفها لغير الله) لأن بعضهم أطلق العبادة وأخذها بمعناها اللغوي لا الاصطلاحي الشرعي فأدخل في ذلك عبادة الهوى والشيطان بمعنى متابعته وطاعته والتي منها ما هو كفر ومنها ما هو معصية .. فصار العصاة عنده كفارا فنزع إلى مذهب الخوارج في هذا شاء أم أبى.

فمن أطاع الحكومات أو الطواغيت بمعصية كفر عندهم لأن مطلق الطاعة عندهم عبادة مكفرة ..

بل من الحمقى من جعل طاعتهم ولو بالمعروف عبادة مكفرة؛ وفلسف لذلك وسفسط أوصافا مكفّرة ما أنزل الله بها من سلطان، حتى لو أمروه بشيء من الواجبات الشرعية كالصلاة المفروضة ونحوها فأطاع أمرهم؛ لكان بذلك مشركا غير مجتنب للطاغوت، ولم يراعوا في ذلك تفصيلا أو تأويلا ,ولا شك أن هذا من الضلال المبين وإنما أوصلهم إلى مثل هذه المآزق سوء تأصيلهم، وخلطهم بين التعريفات الاصطلاحية واللغوية وتقديم الأخيرة في كثير من الإطلاقات جعلهم يبتدعون دينا وتوحيدا جديدا ما أنزل الله به من سلطان حتى صيّروا بأفهامهم السقيمة اجتناب عبادة الطاغوت معضلة من المعضلات خصوصا في هذا الزمان؛ لا يقدر على تحقيقه خواص الخواص من الدعاة والمجاهدين وأهل الثغور، فضلا عن العوام من الشيوخ والعجائز وقصروا بذلك دين الله على أفراد معدودين على أصابع اليد الواحدة ممن هم على شاكلتهم، شاءوا أم أبوا فهذا هو مضمون مقالاتهم وحقيقتها والحق الذي لا معدل عنه .. أن عبادة الطاغوت تكون كفرا بصرف نوع من أنواع العبادات له؛ والتي إن صرفت لغير الله صارت شركا مخرجا من الملة.

وأن طاعته تكون كفرا  إذا أطيع في أي نوع من أنواع المكفرات لا في مطلق المعاصي والمحرمات.

وتكون شركا إذا كانت في تحليل ما حرم الله أو تحريم ما أحل الله أو تشريع ما لم يأذن به الله ..

وفي مثل هذا يتنزل تفصيل شيخ الإسلام في الذين تابعوا أحبارهم ورهبانهم وأطاعوهم من دون الله؛ حيث جعلهما قسمين:(أحدهما: أن يعلموا أنهم بدلوا دين الله فيتبعونهم على التبديل، فيعتقدون تحليل ما حرم الله، وتحريم ما أحل الله اتباعا لرؤسائهم، مع علمهم أنهم خالفوا دين الرسل فهذا كفر، وقد جعله الله ورسوله شركا - وإن لم يكونوا يصلون لهم ويسجدون لهم والثاني: أن يكون اعتقادهم وإيمانهم بتحريم الحلال وتحليل الحرام ثابتا، لكنهم أطاعوهم في معصية الله،

كما يفعل المسلم ما يفعله من المعاصي التي يعتقد أنها معاص، فهؤلاء لهم حكم أمثالهم من أهل الذنوب .. ) أهـ من مجموع الفتاوى ج7 الإيمان.

ويبيّن هذا التفصيل ويجلّيه تفسير النبي صلى الله عليه وسلم لمعنى اتخاذهم أربابا من دون الله، وتحديده للطاعة التي كانت عبادة مكفرة للأحبار والرهبان؛ وحصرها بطاعتهم في تحليل الحرام وتحريم الحلال؛ أو في التشريع الذي لم يأذن به الله، لا في مطلق الطاعة ولذلك قال تعالى: ((اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا)) فجعل الوصف المعتبر في شركهم (اتخاذهم أربابا) أي طاعتهم المطلقة لا مطلق طاعتهم، فقال ((اتخذوا)) ولم يقل: أطاعوا أحبارهم ورهبانهم .. فلا بد من قيد (الاتخاذ) في التكفير في طاعة الطواغيت، والذي يدل على الطاعة المطلقة في كل باب، فمن اتخذهم محلّلين محرّمين مشرّعين فيما لم يأذن به الله وصرف لهم الطاعة المطلقة فذلك المشرك الذي اتخذهم أربابا، بخلاف المطيع لهم بالمعصية المجردة .وذلك لأن حال الطائع في الحرام الذي لم يصرح بقصده؛ محتمل يدور بين المعصية المجردة وبين الاستحلال، فلزم النظر في حاله والتفصيل في الحكم بين هذا وهذا ..

وعليه فكل من اجتنب عبادة الطاغوت واجتنب توليه ومتابعته على دينه الكفري أو طاعته في تشريعه الكفري فهو مجتنب للطاغوت رغم أنف الغلاة ولو لم يُكفّره، وإن أطاعه في المعصية دونما استحلال

وأن من عبده أو أطاعه وتابعه على شيء من ذلك فهو كافر لم يجتنب عبادة الطاغوت ولو كان يُكفّره وهذا هو أعلى وأجل أنواع التفسير؛ أن يفسر كلام الله المجمل بكلامه المبين؛ فيرد قوله تعالى: ((اجتنبوا الطاغوت)) إلى قوله: ((والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها))؛ فيدل على أن مطلب اجتناب الطاغوت مفسر باجتناب عبادته وكذا قوله تعالى: ((فمن يكفر بالطاغوت)) يفسر بذلك، وبقوله تعالى أيضا: ((يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به)فدل على أن التحاكم إلى الطاغوت يناقض ويضاد الكفر به، وكذا عبادته، وكذا توليه لقوله تعالى: ((ومن يتولّهم منكم فإنه منهم)) ونحوها من الآيات المكفرة لمن تولى الكفار هذا ما دلت عليه النصوص الصريحة؛ وهذه أوجه دلالاتها أما تفسير الكفر والاجتناب بالتكفير وحده وجعله شرطا لصحة الإسلام، فغير سديد ولا دقيق؛ بدليل أننا مأمورون بأن نكفر بعبادة كل من سوى الله تعالى ولو لم يكن طاغوتا؛ كعيسى ابن مريم والملائكة والصالحين ممن عبد من دون الله ولسنا مأمورين بتكفيرهم ..

وكذلك الأصنام فإنها طواغيت عبدت من دون الله فيجب اجتناب عبادتها والبراءة من ألوهيتها وهذا هو الكفر بها وليس تكفيرها فإنها جمادات لا تعقل ولا تكسب حتى تكفُر وتكفّر ..

كمالا يصح ما يُؤصّله البعض؛ من أن من لم يُكفّر الطواغيت ويعرف أنها طواغيت؛ لا يعقل اجتنابه لها وكفره بها إذ كيف يحقق البراءة منها وهو لا يعرف أنها طواغيت لأن المقصود لتحقيق ما لا تكون النجاة إلا به من التوحيد الذي هو حق الله على العبيد، والمطلوب كي يدخل المرء في البشرى التي وعد الله بها عباده؛ أن يحقق الإيمان بالله تعالى ويجتنب عبادة كل من سوى الله من الطواغيت وغيرهم على وجه الإجمال ويجتنب توليهم ولو لم يُسميهم؛ وهذه هي حقيقة البراءة من كل ما يعبد من دون الله، ولا يلزم قطعا أو يشترط لذلك أن يُصرّح ببراءته من طاغوت معين لا يعرفه ولم يسمع به حتى يظن أنه كان مشركا به أو عابدا له؛ وإلا كان مشركا لم يبرأ من الطواغيت .. !

فمن كان عنده أصل الإسلام أو أظهر خصائصه أو أركانه ومبانيه ولم يظهر منه شيء من نواقض الإسلام وقواطعه الظاهرة؛ لم يجز أن يتوقف في إسلامه حتى ينظر ويمتحن ويسأل عن قائمة معينة من الطواغيت هل كفر بهم أم لا!! وتطول هذه القائمة وتتفرع وتتعقد على المسكين بحسب تخبط أفهام الغلاة وتنوعها في تحديد معنى الطاغوت!!

فالكفر بجنس الطاغوت يكون بالقلب، واللسان، والجوارح:

1 - الكفر بجنس الطاغوت بالقلب: وهو أن تعتقد بطلان عبادته، وتبغضها، وتبغضه، وتعاديه، وتنفر منه، وتتمنى زواله، وهذا لا يسقط حتى في حالة الإكراه.

2 - الكفر بجنس الطاغوت باللسان: وهو أن تُصرح بأن الطاغوت كافر، وأنه باطل، وأن عابديه كفار، وهذا يسقط بالعجز الحقيقي، والدليل قوله تعالى: (فاتقوا الله ما استطعتم) [التغابن: 16].

3 - الكفر بجنس الطاغوت بالجوارح: وهو أن تترك عبادته، وتعمل على تحطيمه وإزالته، وهذا واجب مع الاستطاعة، والدليل قوله تعالى: (ولا نكلف نفسًا إلا وسعها) [المؤمنون: 62]، فهذه هى صفة الكفر بالطاغوت

الفصل الخامس

أنواع الطواغيت

إن الواجب على الإنسان الكفر بعموم جنس (أي: كل) طاغوت لأن هذا شرط الإسلام، فلا يُعقد له عقد الإسلام، ولا تتم له عصمة الدم والعرض والمال إلا بذلك، وإن لم يعرف أفراده أو يرى أعيانه إذا اعتقد الكفر بما يعبد من دون الله، والدليل على وجوب الكفر بالطاغوت؛ قوله تعالى: (يُرِيدُون أَنْ يتحاكموا إلى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا به) [النساء: 60]، وقوله تعالى: (فمن يكفر بالطاغوت ويُؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم) [البقرة: 256]، وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (من قال لا إله إلا الله، وكفر بما يُعبد من دون الله، حرم ماله ودمه وحسابه على الله)، ويجب التفريق في العذر بالجهل بين عدم الكفر بجنس الطاغوت والجهل ببعض أنواعه وأفراده، فلا عذر بالجهل لمن لا يكفر بجنس الطاغوت، وأما من جهل بعض أنواعه وأفراده يُعذر بجهله

أنواع الطواغيت وعددهم

 كثيرون ورؤوسهم خمسة: إبليس لعنه الله، ومن عبد وهو راض، ومن دعا الناس إلى عبادة نفسه، ومن ادعى شيئاً من علم الغيب، ومن حكم بغير ما أنزل الله [وقد أمرنا الله أن نكفر بها ونجتنب عنها ونكون من المسلمين]  .

قوله تعالى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 256]  وقوله تعالى {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36] 

وقوله تعالى: {قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ}المائدة 60أن الطاغوت قد يكون من الجن، وقد يكون من الإنس.

من اعتقد أن غير هدي النبي صلى الله عليه وسلم أكمل من هديه، أو أن حكم غيره أحسن من حكمه، كالذين يفضلون حكم الطاغوت على حكمه، فهو كافر.

فقد قال ابن القيم في إعلام الموقعين 1: {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ} 2، فقسم الأمر إلى أمرين لا ثالث لهما: إما الاستجابة للرسول، وإما اتباع الهوى ... وذكر كلاماً في تقرير ذلك - إلى أن قال - ثم أخبر سبحانه أن من تحاكم أو حاكم إلى غير ما جاء به الرسول، فقد حكّم الطاغون وتحاكم إليه، يعني: الآيات في النساء: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ} 3، قال: والطاغوت: كل ما تجاوز به العبد حده، من معبود أو متبوع أو مطاع؛ فطاغوت كل قوم: من يتحاكمون إليه غير الله ورسوله، أو يتبعونه على غير بصيرة من الله، أو يطيعونه فيما لا يعلمون أنه طاعة لله. فهذه طواغيت العالم، إذا تأملتها، وتأملت أحوال الناس معها، رأيت أكثرهم ممن أعرض عن طاعة الله ومتابعة رسوله، إلى طاعة الطاغوت ومتابعته. وهؤلاء لم يسلكوا طريق الناجين من هذه الأمة، وهم الصحابة ومن تبعهم، قال الله: {فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ}الَّذين آمنُوا يُقَاتلُون فِي سَبِيل الله. وَالَّذين كفرُوا يُقَاتلُون فِي سَبِيل الطاغوت فَقَاتلُوا أَوْلِيَاء الشَّيْطَان إِن كيد الشَّيْطَان كَانَ ضَعِيفا} .

قال رحمه الله: [والطواغيت كثيرون] الطواغيت: جمع طاغوت، والطاغوت يطلق على الجمع والمفرد، لكن جمعه هنا باعتبار أجناسه، فأجناس ما يحصل به الطغيان كثيرة، وليست نوعاً واحداً كما سيبين المؤلف رحمه الله أصول ما يحصل به الطغيان في قوله رحمه الله: [ورءوسهم خمسة] ، والأصل أن يطلق ذلك على كل مجاوزة للشرع ولو لم تكن كفراً، وبه نفهم أن ما يحصل به الطغيان والطاغوت ليس على درجةٍ واحدة، فمنه ما هو كفر، ومنه ما هو شرك، ومنه ما هو معصية، ومنه ما هو بدعة.

أكبر الطواغيت وأولهم

قال رحمه الله: [ورءوسهم خمسة] أي: رءوس الطواغيت.

وقوله: [رءوسهم] الرءوس: جمع رأس، والرأس في كل شيء أعلاه.

فقوله: [ورءوسهم خمسة] أي: أعلى ما يحصل به الطغيان ويصدق عليه وصف الطاغوت خمسة أمور، واعلم أن قوله رحمه الله: [خمسة] ليس تحكماً من قبل نفسه، إنما هو بالاستقراء، وإلاّ فلو طلبت دليل ذلك في الكتاب والسنة لم تقف على دليل معين، إنما جاء ذلك بالاستقراء، وبتتبع ما قاله أهل العلم في بيان معنى الطاغوت تبين أنه يرجع إلى خمسة أمور، وهذا كثير في كلام أهل العلم، يذكرون أعداداً في أمور شرعية، وهذه الأعداد لم يرد بها نص، إنما عُرف هذا العدد وتُوصل إليه بالتتبع والاستقراء والنظر في الأدلة، وهذا شيء يستعمله كثير من أهل العلم والمحققين، ولا إشكال فيه.

قال رحمه الله في بيان هذه الرءوس الخمسة:

إبليس لعنه الله هذا أول الطواغيت، واعلم أن إبليس هو أكبر الطواغيت وأعظمها شراً، وأخطرها أمراً، وأشدها طغياناً.

أما من أين للمؤلف رحمه الله أن إبليس من رءوس الطواغيت فنقول: إن جماعةً من السلف فسروا الطاغوت بالشيطان، ففي مثل قوله تعالى: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ} [البقرة:256] ورد تفسير معنى الطاغوت عن جماعة من الصحابة بأن الطاغوت هو الشيطان، وكذلك في قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} [النساء:51] ، وقوله تعالى: {يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ} [النساء:60] ، وورد تفسير الطاغوت في هذه الآيات بأنه الشيطان عن ابن عباس، وعن غيره من السلف، ولا شك أن إبليس هو أصل الطغيان، كما قال الله جل وعلا حاكياً عنه: {قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} [ص:82] ، فقد تكفل وتعهد وأقسم بعزة الله عز وجل أن يضل بني آدم، وإضلالهم من الطغيان، ولا يكون إضلال إلاّ بطغيان، فهذا الرأس الأول، وهو أصل ما بعده من الطواغيت والشرور.

من رءوس الطواغيت الذي يعبد من دون الله وهو راض

الثاني: قال رحمه الله: [ومن عُبد وهو راضٍ] ، فكل من صرفت له العبادة بطلب منه أو بغير طلب منه وهو راضٍ عن هذه العبادة فإنه طاغوت؛ لأنه مما يحصل به التجاوز، وذلك أن العبد لا يصلح أن يكون رباً، ولا يصلح أن تصرف إليه أنواع العبادة، فمن صرف إلى غير الله عز وجل شيئاً من العبادة فقد تجاوز به الحد وطغى فيه، فلذلك كان طاغوتاً، ودليل ذلك قوله تعالى: {قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ} [المائدة:60] ، وقوله: {وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ} معطوف على {مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ} ، وليس معطوفاً على {وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ} فتنبه.

فهؤلاء وصفهم الله عز وجل بأنهم عبدوا الطاغوت، وكذلك في قوله: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} [النساء:51] ، فهؤلاء زكوا عبادة المشركين، فكل من عُبد من دون الله وهو راضٍ بهذه العبادة فإنه طاغوت، وقد جاء في الصحيحين عن أبي هريرة في نبأ المحشر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ينادي منادٍ يوم القيامة: ألا ليتبع كل أحد ما كان يعبد في الدنيا) ثم قال: (فيتبع من كان يعبد الطّواغيت الطّواغيت) ، وهذا يشمل كل معبود من دون الله، فكل من عبد من دون الله وهو راضٍ فإنه طاغوت بنص الكتاب والسنة، ومن حيث المعنى موافق ومطابق؛ لأنه تجاوز بالعبد عن حده، وعن قدره الذي يناسبه.

من دعا الناس إلى عبادة نفسه فهو من رءوس الطواغيت

الثالث: قال رحمه الله: [ومن دعا الناس إلى عبادة نفسه] .

هذا ثالث الطواغيت، سواءٌ أطاعوه أم لم يطيعوه، فإنه طاغوت؛ لأنه تجاوز بنفسه عن حده -وهو العبودية- إلى أن يكون معبوداً، ولا يلزم أن يُوافق وأن يُطاع، ولكن كل من ادعى الربوبية وكل من ادعى الألوهية فإنه طاغوت، ولذلك ورد تسمية فرعون بالطاغوت؛ لأنه قال كما حكي الله عنه-: {فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [النازعات:24] ، وقال: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص:38] ، فجاء وصفه بهذا الاسم.

مدعي معرفة الغيب رأس في الطغيان

الرابع من الطواغيت: قال رحمه الله: [من ادعى شيئاً من علم الغيب] .

علم الغيب هو: ما استأثر الله سبحانه وتعالى به دون خلقه من العلم وهو نوعان: غيب مطلق، وغيب نسبي فالغيب المطلق لا يعلمه أحد إلا الله، ومفاتحه خمسة، وهي في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِير ٌ} [لقمان:34] ، فهذه هي مفاتح الغيب كما فسرها النبي صلى الله عليه وسلم، فمن ادعى علم شيء من هذه الأمور فإنه كافر بالقرآن العظيم؛ لأن الله عز وجل قال: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} [النمل:65] ومعنى قوله: {وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} أي: لا يعلمون متى يبعثون، وكذلك قال سبحانه وتعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} [الجن:26-27] ، فعلمه سبحانه وتعالى بالغيب المطلق مما اختص به هو جل وعلا دون غيره، أما الغيب النسبي فهذا كثير، وقد يعلمه بعض الناس؛ إذ كل ما غاب عنا مما علمه غيرنا فهو غيب بالنسبة لنا، وعلم بالنسبة لمن علمه، فالغيب النسبي هو بالنسبة إلى أشخاص دون أشخاص، وإلى أناسٍ دون أناس، فمن ادعى علم شيءٍ من ذلك فإن كان تحصيله بأسبابٍ معلومةٍ كأن يسأل ويتوصل فهذا لا إشكال فيه، لكن الإشكال في ادعاء علم الغيب المطلق الذي فيه الإخبار عن المستقبل فهذا هو رابع رءوس الطواغيت؛ لأن هذا طغى وتجاوز حده، والله سبحانه وتعالى قد أعلمنا وأخبرنا في كتابه أنه لا يعلم الغيب إلاّ هو جل وعلا، فكل من ادعى علم الغيب فقد تجاوز حده وطغى، فهو طاغوت، هذا من حيث المعنى، أما من حيث النقل فقد فسر جماعة من السلف -منهم سعيد بن جبير وأبو العالية - الطاغوت في قوله تعالى: {يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ} [النساء:60] بالكاهن، والكاهن هو الذي يخبر عن المغيّبات في المستقبل، فعلى هذا يكون كل من أخبر عن المغيبات في المستقبل طاغوتاً بتفسير السلف.

باب قول الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ} [النساء: 60] [النساء: 60] ": قوله {يَزْعُمُونَ} [النساء: 60] يدل على أنهم كذبة، فلا يجتمع الإيمان مع إرادة الحكم والتحاكم إلى الطاغوت، قوله: (يريدون) هذا ضابط مهم، وشرط في نفي أصل الإيمان عمن تحاكم إلى الطاغوت، فإن من تحاكم إلى الطاغوت قد يكون بإرادته - وهي الطواعية والاختيار والرغبة في ذلك وعدم الكراهة -، وقد يكون بغير إرادته، بأن يكون مجبرا على ذلك، وليس له في ذلك اختيار، وهو كاره لذلك، فالأول هو الذي ينتفي عنه الإيمان، إذ لا يجتمع الإيمان بالله وبما أنزل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وما أنزل من قبله مع إرادة التحاكم إلى الطاغوت، فالإرادة شرط؛ لأن الله - جل وعلا - جعلها في ذلك مساق الشرط، فقال: {يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ} [النساء: 60] و {أَنْ يَتَحَاكَمُوا} [النساء: 60] هذا مصدر، يعني: يريدون التحاكم إلى الطاغوت، والطاغوت. اسم لكل ما تجاوز به العبد حده من متبوع، أو معبود، أو مطاع - كما تقدم بيانه -.

ولاحظوا قوله:" {وَاجْتَنِبُوا} "، ما قال: اتركوا عبادة الطاغوت؛ لأن "اجتنبوا" أبلغ؛ يعني: اتركوا كل الوسائل التي توصِّل إلى الشرك 4 والاجتناب أبلغ من الترك، فالاجتناب معناه: أننا نترك الشيء ونترك الوسائل والطرق التي توصِّل إليه، فهذه الآية فيها: أن الرسل بُعثوا بالتّوحيد، الذي هو عبادة الله وترك عبادة الطاغوت، من أولهم إلى آخرهم.

والإيمان بالطاغوت: يكون بتصديقه فيما ادعاه من حق الله. أو تصديق ما نسب إليه من ذلك حتى لو لم يعمل به.

وعبادة الطاغوت: تكون بالعمل بموجب ذلك التصديق، بصرف شيء من العبادة له كالصلاة أو الدعاء أو الرجاء ... ونحو ذلك.

والكفر بالطاغوت: يكون باعتقاد بطلان عبادة غير الله، وتكذيب ما يدّعون أو ما ينسب إليهم من حق الله.

ويدخل في ذلك بغض الطواغيت وأتباعهم ومللهم وكراهتهم والبراءة منهم ومما يعبدون وعداوتهم1 وقد بين الله تعالى أهمية الكفر بالطاغوت وكيفيته وممن يكون في سياق واحد في سورة الممتحنة فقال: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ

الخامس الحاكم بغير ما أنزل الله رأس في الطغيان والجور ، لمجاوزته حكم الله تعالى وإعراضه عنه ، واستبداله بحكم وشرائع الجاهلية الأخرى .
قال تعالى : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ)[المائدة 44]                   

  وقال : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ)[المائدة: 45] ،                     

  وقال (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُون َ)[المائدة: 50] .            وكل حكم غير حكم الله فهو حكم الجاهلية ، والآية تشمله وتطاله، وكل من يبغي حكماً غير حكم الله فهو ممن يبغي حكم الجاهلية .
وممن ينالهم مسمى الطاغوت وصفته لعدم حكمهم بما أنزل الله ، قضاة المحاكم الوضعية ، ونحوهم مشايخ العشائر والقبائل الذين يحكمون بالعادات السائدة ، وبالأعراف والأهواء ، وسواليفهم الباطلة ، يقدمونها على شرع الله تعالى فالحاكم بغير ماأنزل الله طاغوتا لأمور كثيرة  .
منها : أن الله تعالى قد سمى الحاكم بغير ما أنزل الله طاغوتاً، في قوله تعالى :
)يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ ([النساء: 60
ولا شك أن الطاغوت الوارد ذكره في الآية يشمل الحاكم بغير ما أنزل الله .وقد أثر عن بعض السلف أن المراد بالطاغوت الوارد في هذه الآية هو كعب بن الأشرف اليهودي ، لكونه يحكم بغير ما أنزل الله …
ومنها : أن الحاكم بغير ما أنزل الله يُعبد من جهة التحاكم والطاعة من قبل المتحاكم إليه ، وقد تقدم أن التحاكم عبادة لا تُصرف إلا لله تعالى ، فمن تحاكم إلى غيره فهو متأله لهذا الغير وعابد له .
ومنها : أن الذي يحكم بغير ما أنزل الله ، يُخرج أولياءه ومتابعيه الراضين به ، من نور الوحي وعدل الإسلام وهو الحكم بما أنزل الله، إلى ظلمات الشرك والكفر والجاهلية وهو الحكم بغير ما أنزل الله ، وهو المراد من قوله تعالى : )وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمْ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنْ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ([البقرة: 257].
ومنه يعلم أن الحاكم بغير ما أنزل الله يُجرى عليه مسمى الطاغوت ، اسماً وصفة ومعنى ، ولا محالة

 كفر الحاكم المبدل لدين الله المغير للشريعة

 دليل ذلك من كتاب الله:

قال تعالى: {إنِ الحُكْمُ إلاَّ لِلَّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إلاَّ إيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ} [يوسف: 40]

وقال سبحانه: {وهُوَ اللَّهُ لا إلَهَ إلاَّ هُوَ لَهُ الحَمْدُ فِي الأُولَى والآخِرَةِ ولَهُ الحُكْمُ وإلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [القصص: 70]

وقال سبحانه: {إِنْ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلْ الْمُتَوَكِّلُونَ} [يوسف: 67].

وقال سبحانه: {أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ} [الأنعام: 63].

وقال سبحانه: {وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا وَلَئِنْ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنْ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا وَاقٍ} [الرعد: 37].

وقال سبحانه: {وَلا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا} [الكهف: 26].

فعبادة الله تعالى تقتضي إفراده عز وجل بالتحليل والتحريم،                                       

حيث قال سبحانه: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ ورُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللَّهِ والْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ ومَا أُمِرُوا إلاَّ لِيَعْبُدُوا إلَهاً واحِداً لاَّ إلَهَ إلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}.

- منزلة الحكم بما أنزل الله من الدين: فرض الله تعالى الحكم بشريعته، وأوجب ذلك على عباده، وجعله الغاية من تنزيل الكتاب،

 فقال سبحانه: {وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه} [البقرة، 213، وقال تعالى: {إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله} [النساء، آية 105].

-وبين سبحانه اختصاصه وتفرده بالحكم، فقال: {إن الحكم إلا لله يقص الحق وهو خير الفاصلين} [الأنعام، آية 57]،

 وقال سبحانه: {إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه} [يوسف، آية 40]،

 وقال عز وجل: {له الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم وإليه ترجعون} [القصص، آية 70]،

وقال سبحانه: {وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله} [الشورى، آية 42].

وجاءت الآيات القرآنية مؤكدة على أن الحكم بما أنزل الله من صفات المؤمنين، وأن التحاكم إلى غير ما أنزل الله (وهو حكم الطاغوت والجاهلية). من صفات المنافقين.

 قال سبحانه: {وَيَقُولُونَ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (47) وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (48) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49) أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (50) إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51) وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (52) } [النور، آية 47 – 51].

وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (59) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا (61) فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا (62) أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا (63) وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا (64) فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (65)النساء،

 الآيات تثبت الحكم لله وحده وتنفيه عن غيره سبحانه ، كقوله تعالى على لسان يوسف عليه الصلاة والسلام و على وجه الحصر: (يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ } -يوسف
وقال سبحانه على لسان أبيه يعقوب:  وَقَالَ يَا بَنِيَّ لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنكُم مِّنَ اللّهِ مِن شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ} -يوسف-
وقوله سبحانه:  قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَكَذَّبْتُم بِهِ مَا عِندِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ} -الأنعام -
وقوله سبحانه بعد ذلك بآيات: ثُمَّ رُدُّواْ إِلَى اللّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ أَلاَ لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ } -الأنعام-
وقوله سبحانه في سورة القصص:  وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} -القصص-
وقوله بعد ذلك  في نفس السورة:  وَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} -القصص-
-و الآيات التي تثبت أن الأمر لله وحده , الذي ينازع فيه المشرعون وأتباعهم،كثيرة , فمن ذلك

 قوله تعالى:  أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} –الأعراف

وقوله: وَلِلّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} -هود -
وقوله سبحانه:  الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ} –الروم

و الآيات التي تنفي التعقيب على حكم الله سبحانه وتتوعد من يخالف ذلك وتصفه بالشرك وتنفي عنه الإيمان كثيرة جدا
كقوله سبحانه:  أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللّهُ يَحْكُمُ لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} -الرعد-
وقوله:  وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} –القصص-
وقوله:  وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُّبِيناً } –الأحزاب-
فماذا يفعل المشرعون في برلماناتهم إلا الاختيار من أحكام الشريعة ومن غيرها من أحكام طواغيت الشرق والغرب ؟
-و الآيات التي تثبت أن المشرعين قد جعلوا أنفسهم أربابا من دون الله وسمى أتباعهم بالمشركين، وهذه ربوبية طاعة وليست ربوبية نسك كما بين النبي صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم لما سأله عن قوله تعالى:  اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهاً وَاحِداً لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} –التوبة-
وقد قال تعالى أيضا:  قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}
وقال أيضا:  وَلاَ يَأْمُرَكُمْ أَن تَتَّخِذُواْ الْمَلاَئِكَةَ وَالنِّبِيِّيْنَ أَرْبَاباً أَيَأْمُرُكُم بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ} -آل عمران-
فدلت هذه الآيات على أن طاعة المشرعين في التحليل والتحريم تعني اتخاذهم أربابا ومخالفة دين الإسلام وكفر بالله العظيم ، نسأل الله حسن البصيرة في دينه وكتابه.
و الآيات التي تنفي الشريك في حكمه سبحانه وتصف المشرعين بالشرك والشركاء كثيرة منها
قوله تعالى:  قُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثُوا لَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً (26)} –الكهف-
وقوله سبحانه:  أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ وَلَوْلَا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } –الشورى-
وقوله سبحانه لا شريك له:  وَجَعَلُواْ لِلّهِ مِمِّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالأَنْعَامِ نَصِيباً فَقَالُواْ هَـذَا لِلّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَـذَا لِشُرَكَآئِنَا فَمَا كَانَ لِشُرَكَآئِهِمْ فَلاَ يَصِلُ إِلَى اللّهِ وَمَا كَانَ لِلّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلَى شُرَكَآئِهِمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ * وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلاَدِهِمْ شُرَكَآؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُواْ عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ * وَقَالُواْ هَـذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لاَّ يَطْعَمُهَا إِلاَّ مَن نّشَاء بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَامٌ لاَّ يَذْكُرُونَ اسْمَ اللّهِ عَلَيْهَا افْتِرَاء عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِم بِمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ * وَقَالُواْ مَا فِي بُطُونِ هَـذِهِ الأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِن يَكُن مَّيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاء سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حِكِيمٌ عَلِيمٌ * قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُواْ أَوْلاَدَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُواْ مَا رَزَقَهُمُ اللّهُ افْتِرَاء عَلَى اللّهِ قَدْ ضَلُّواْ وما كانوا مهتدين ) 

                           والآيات التى تتعلق بالإنكار على من ابتغى غير دين الله وحكمه،كثيرة                        

كقوله تعالى:  أفَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ } -آل عمران-
وقوله سبحانه:  أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ } –المائدة-
وقوله سبحانه:  أَفَغَيْرَ اللّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ } –الأنعام-
والدين هو الطاعة فهل المشرعين في طاعة الله أم في طاعة شياطينهم ووساوسهم؟
-والآيات التى تتعلق بالتحليل والتحريم وآحاد التشريعات. المخالفة لدين الله وأن من حماقة الجهمية والمرجئة أنهم يكفرون العامي إذا استحل محرما أو حرم حلالا، ويجادلون في حكم من يجعل ذلك شرعا عاما ويلزم الناس به،ويعاقب كل من خالفه ,ويحارب كل من يطالب  بتحكيم شرع الله وقد قال تعالى وهذا من أصرح الأدلة: إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُحِلِّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً لِّيُوَاطِؤُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللّهُ فَيُحِلُّواْ مَا حَرَّمَ اللّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ } –التوبة-
والنسيء عين التشريع وهو كفر مزيد بنص الآية ولو لم تكن إلا هذه لكفتنا فكيف بها مع غيرها.
قال تعالى:  الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } –البقرة-
فهم خالدون في النار لأنهم أصروا على قولهم إنما البيع مثل الربا وهذا عين ما نعيشه اليوم في بلاد المسلمين كما قال العلامة الشيخ عبد الرحمن الدوسرى رحمه الله .
وقال تعالى أيضا:  مَا جَعَلَ اللّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ وَلَـكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ } –المائدة-
وقال تعالى:  وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَـذَا حَلاَلٌ وَهَـذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ }النحل- والذي لا يفلح مطلقا هو الكافر
وقد وصف الله متبعي المشرعين بالشرك فمن باب أولى المشرعين أنفسهم.
قال سبحانه:  وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ } –الأنعام-
وقال أيضا:  إنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ * فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ } –محمد-
-وأخيرا نذكر الآيات التي تأمرنا بقتالهم حتى يكون الدين كله لله وهي أشد الآيات على الجهمية والمرجئة لأنهم يكرهون الجهاد وأهله ويحبون القعود وأهله.
قال تعالى:  قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ * وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ * اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهاً وَاحِداً لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ }  
وقال أيضا:  وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ} –البقرة-
ومثلها في سورة الأنفال:  وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} –الأنفال-ومعلوم أن القتال منوط بالقدرة والاستطاعة والتمكن                                                                       فهذه الآيات تدل على أن الحاكمية عبادة كأي نوع آخر من العبادات مثل الصلاة، والصيام، والذبح، والدعاء، والنذر، و... و... لا فرق بينهم أبداً و أنها من توحيد العبادة أي "توحيد الألوهية"، وأن الذي يشرك مع الله في حكمه كالذي يشرك في أي نوع من أنواع العبادة

قال الشنقيطي: (الإشراك بالله في حكمه، والإشراك في عبادته كلها بمعنى واحد، لا فرق بينهما البتة، فالذي يتبع نظاماً غير نظام الله، وتشريعاً غير تشريع الله، كالذي يعبد الصنم ويسجد للوثن، لا فرق بينهما البتة بوجه من الوجوه، فهما واحد، وكلاهما مشرك بالله) [7/162].                                                                    وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله بعد أن ذكر النصوص الدالة على كفر محكّمي القوانين: (وبهذه النصوص السماوية التي ذكرنا يظهر غاية الظهور أن الذين يتبعون القوانين الوضعية التي شرعها الشيطان على ألسنة أوليائه مخالفة لما شرعه الله جل وعلا على ألسنة رسله صلى الله عليهم وسلم، أنه لا يشك في كفرهم وشركهم إلا من طمس الله بصيرته وأعماه عن نور الوحي مثلهم
 ويقول رحمه الله تعالى أيضاً: (ويفهم من هذه الآية {ولا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً…} أن متبعي أحكام المشرعين غير ما شرعه الله أنهم مشركون بالله، وهذا المفهوم جاء مبيناً في آيات أخر، كقوله فيمن اتبع تشريع الشيطان في إباحة الميتة بدعوى أنها ذبيحة الله ولا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وإنَّهُ لَفِسْقٌ وإنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وإنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ) فصرح بأنهم مشركون بطاعتهم، وهذا الإشراك في الطاعة، وإتباع التشريع المخالف لما شرعه الله تعالى، هو المراد بعبارة الشيطان في قوله تعالى: {أَلَمْ أَعْهَدْ إلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ * وأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ}. وقوله تعالى عن نبيه إبراهيم: {يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِياً) [أضواء البيان 4/83

     

ومن أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم  
حديث الصحيحين أن عمرو بن عامر الخزاعي يجر قصبه في النار، وكان أول من سيب السوائب، وبحر البحيرة وغير دين إبراهيم عليه السلام؟
حديث عدي بن حاتم الذي سبق الإشارة إليه في الأرباب والعبادة والتحليل والتحريم؟
حديث الرجل الذي تزوج امرأة أبيه فبعث النبي صلى الله عليه والبراء بن عازب لقتله وعقد له لواء كأنه ذاهب للحرب، لأنه استحل ما حرم الله على مسمع من رسوله صلى الله عليه وسلم؟

 الإجماع على كفر مبدل الشريعة بقوانين وضعية عامة وألزم الناس بالتحاكم إليها   

 قال ابن تيمية: (والإنسان متى حلل الحرام - المجمع عليه - أو حرم الحلال المجمع عليه أو بدل الشرع المجمع عليه كان كافراً مرتداً باتفاق الفقهاء) [22

]. وقال في الفتاوى (35/372): (ومتى ترك العالم ما علمه من كتاب الله وسنة رسوله واتبع حكم الحاكم المخالف لحكم الله ورسوله كان مرتدا كافرا، يستحق العقوبة في الدنيا والآخرة)
وذلك لأن التشريع خالص حق الله تعالى وهو من أخص خصائص ألوهيته سبحانه،         

    كما قال تعالى: {ولا يشرك في حكمه أحداً}، وكما قال سبحانه على سبيل الحصر والقصر:  {إن الحكم إلا لله}. فهو حق لا يمنح لغير الله، ولا يعطى لأحد سواه فمن زعم هذا الحق لنفسه أو ادعاه لمخلوق غيره فقد جعل من نفسه أو من ذاك الغير شريكاً مع الله في حكمه وأمره، كما قال تعالى: {أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله}. فسمى المشرعين شركاء، وحكم على من منحهم حق بأنهم مشركون، كما قال تعالى: {وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون)
والأدلة من الكتاب والسنة مطبقة على دمغ المشرعين من دون الله بالشرك والكفر،فأيما امرئ اغتصب هذا الحق في التحليل والتحريم فهو باتفاق الأمة مرتد مارق ليس له في الإيمان نصيب.
قال الشيخ سليمان العلوان حفظه الله: (كما نقل الإجماع على ذلك إسحاق والإمام ابن حزم والحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى في المجلد الثالث من "البداية والنهاية" في ترجمة "جنكيز خان". قوله تعالى: {ومَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أنْزَلَ اللهُ فأولئكَ همُ الكَافِرون}...                             

 والمروي عن ابن عباس "كفر دون كفر"؛ هذا لا يصح عنه، رواه الحاكم في المستدرك من طريق هشام بن حجير عن طاووس عن ابن عباس، وهشام بن حجير ضعيف ضعفه أحمد ويحيى وطوائف، وقد خولف في الإسناد، فرواه عبد الله بن طاوس عن أبيه عن ابن عباس بغير ما رواه هشام، وعبد الله بن طاوس أوثق من هشام، فرواية هشام منكرة لا يحتج بها).               

 وعبارة كفر دون كفر لاتقال فى الحاكم المبدل لدين الله ,الذى نحى شريعة الله ,وغير حكم الله بقوانين وضعية وجعلها قانونا عاما ,وألزم الناس بالتحاكم إليها,وعاقب كل من يخالفها ,وحارب كل من يطالب بتحكيم الشريعة,فهذا كافر مرتد خرج من الإسلام من أكثر من باب فردته مغلظة وكفره مزيد,ولكنها إن ثبتت فيقصد بها الحاكم  المسلم الملتزم أصلا بتحكيم شرع الله فلا يحكم إلا بالكتاب والسنة ولايحيد عنهما ,ولكنه يحكم فى قضايا معينة لاتتكرر ولايجعلها قانونا عاما ملزما ,يحكم أحيانا بغير الشرع للهوى أو للرشوة  أو لغير ذلك مع التزامه بحكم الله وبتحكيم شرع الله فى كل مناحي الحياة وسياتى بحث هذه المسألة وتحقيق هذه المقالة وضعف ثبوتها وعدم صحتها.                                                        

  وقال ابن حزم رحمه الله تعالى: (من حكم بحكم الإنجيل مما لم يأت بالنص عليه وحي في شريعة الإسلام فإنه كافر مشرك خارج عن ملة الإسلام) [الأحكام في أصول الأحكام 5/153].                               وقال ابن تيمية: (والحكم بما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم هو عدل خاص وهو أكمل أنواع العدل وأحسنها، والحكم به واجب على النبي صلى الله عليه وسلم وكل من اتبعه، ومن لم يلتزم حكم الله ورسوله فهو كافر) [منهاج السنة ج 5/131].                               

  وقال رحمه الله: (ومعلوم أن من أسقط الأمر والنهى الذى بعث الله به رسله فهو كافر باتفاق المسلمين واليهود والنصارى) [مجموع الفتاوى ج 8/ص 106] .                          

 وقال: (وقد يقولون إن الشرائع قوانين عدلية وضعت لمصلحة الدنيا، فأما المعارف والحقائق والدرجات العالية فى الدنيا والآخرة فيفضلون فيها أنفسهم وطرقهم على الأنبياء وطرق الأنبياء، وقد علم بالاضطرار من دين المسلمين أن هذا من أعظم الكفر والضلال) [مجموع الفتاوى 2/232].

وقال رحمه الله تعالى: (ومعلوم بالاضطرار من دين المسلمين وباتفاق جميع المسلمين أن من سوغ إتباع غير دين الإسلام أو إتباع شريعة غير شريعة محمد فهو كافر، وهو ككفر من آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض الكتاب) [مجموع الفتاوى 28/524].

قال ابن القيم: (ثم أخبر سبحانه أن من تحاكم أو حاكم إلى غير ما جاء به الرسول فقد حكّم الطاغوت وتحاكم إليه, والطاغوت كل ما تجاوز به العبد حدَّه من معبود أو متبوع أو مطاع، فطاغوت كل قوم من يتحاكمون إليه غير الله ورسوله أو يعبدونه من دون الله أو يتبعونه على غير بصيرة من الله أو يطيعونه فيما لا يعلمون أنه طاعة له) [أعلام الموقِّعين 1/85].

يقول ابن كثير رحمه الله تعالى في معرض تفسير قوله: {أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقومٍ يُوقنون}: (يُنكر الله تعالى على من خرج عن حكم الله المحكم المشتمل على كلّ خيرٍ الناهي عن كلّ شرٍّ، وعَدَل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والاصطلاحات التي وضعها الرجال بلا مستند من الشريعة... كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجهالات... فمن فعل ذلك منهم فهو كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله، فلا يحكم سواه في قليل أو كثير).

وقال رحمه الله تعالى - بعد أن نقل عن الجويني نتفاً من الياسق أو الياسا التي كان يتحاكم إليها التتار -: (فمن ترك الشرع المحكم المنزل على محمد بن عبد الله خاتم الأنبياء وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة كفر، فكيف بمن تحاكم إلى الياسا وقدمها عليه؟ من فعل ذلك كفر بإجماع المسلمين) [البداية والنهاية 13/128].

وقال عبد اللطيف بن عبد الرحمن آل الشيخ رحمه الله تعالى: (من تحاكم إلى غير كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد التعريف فهو كافر) [الدرر السنية 2/241].

ويقول الشيخ عبد الله بن حميد رحمه الله تعالى: (ومن أصدر تشريعاً عاماً ملزماً للناس يتعارض مع حكم الله فهذا يخرج من الملة كافراً) [أهمية الجهاد ص 196] ..

وقال الشيخ عبد العزيز بن باز-رحمه الله تعالى - (مجموع الفتاوى 1/305

في رسالته (نقد القومية العربية ص 39) قال عمن اتخذ أحكاما وضعية تخالف القرآن:     

 (وهذا هو الفساد العظيم والكفر المستبين والردة السافرة كما قال تعالى: "فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما"،         

  وقال تعالى: "أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون"...)،                             إلى أن قال الشيخ رحمه الله: (... وكل دولة لا تحكم بشرع الله ولا تنصاع لحكم الله فهي دولة جاهلية كافرة ظالمة فاسقة بنص هذه الآيات المحكمات، يجب على أهل الإسلام بغضها ومعاداتها في الله، وتحرم عليهم مودتها وموالاتها حتى تؤمن بالله وحده وتحكم شريعته) اهـ

وقال الشيخ حمد بن عتيق رحمه الله :

[ ولا يكون المسلم مظهراً لدينه ، حتى يخالف كل طائفةٍ بما اشتهر عندها ، ويصرح لها بعداوته ، والبراءة منه . فمن كان كفره بالشرك فإظهار الدين عنده : التصريح بالتوحيد ، أو النهي عن الشرك ، والتحذير منه ] 1.هـ سبيل النجاة والفكاك ص92

فإن الذي اشتهر في وقتنا الحاضر هو طاغوت الحكم والتشريع ، فقد انتشرت القوانين المخالفة لشرع الله ، وانتشرت في بعض القبائل أحكام الجاهلية .

قال سليمان بن سحمان رحمه الله :

[ الطاغوت ثلاثة أنواع : طاغوت حكم ، وطاغوت عبادة ، وطاغوت طاعة ومتابعة. والمقصود في هذه الورقة هو طاغوت الحكم ، فإن كثيراً من الطوائف المنتسبين إلى الإسلام ، قد صاروا يتحاكمون إلى عادات آبائهم ويسمون ذلك الحق بشرع الرفاقة ، كقولهم شرع عجمان ، وشرع قحطان ، وغير ذلك ، وهذا هو الطاغوت بعينه ، الذي أمر الله باجتنابه ] 1.هـ  الدرر السنية 10/503 رسالة مهمة في الطاغوت فلتراجع     

    (ومن أراد المزيد من الأدلة  وأقوال أهل السنة على كفر الحاكم الذى يحكم بغير ماأنزل الله  ,ونحى شريعة الله ,وسن قوانين وضعية وبدل الشريعة  وألزم الناس بالتحاكم إلى هذه القوانين الوضعية ,وقام بحراستها وحمايتها وتقديسها ,وعاقب كل من خالفها ,وطارد وحارب كل من يطالب بتحكيم شرع الله,فليراجع كتابنا (فصل الكلام فى الحاكمية والحكام )والمسألة الثانية من كتابنا (التنبيهات المختصرة على المسائل الخلافية المنتشرة )وهى مسألة (الحكم والتحاكم وأحوال المتحاكمين) وغير ذلك مما كتبه علماء أهل السنة حتى يقف بنفسه على انحراف و تدليس بعض الدعاة  وطلبة العلم عندما يدافعون عن  هؤلاء الحكام ويصفونهم بولاة الأمور الموحدين  وإن بدلوا الدين وغيروا الشريعة واعتنقوا العلمانية وعبدوا الديمقراطية!فليتق الله الدعاة  الذين يضلون الأمة ويلبسون على الشباب دينهم ويسوغون الكفر والشرك بدفاعهم عن الحكام المرتدين المبدلين للدين المغيرين حكم الله الحاكمين بغير شريعته ويحكمون لهم بالإسلام باسم السلفية وأنصار السنة ,مخالفين بذلك الكتاب والسنة والإجماع  وفهم الصحابة وكبار العلماء وشيوخ الإسلام,فلا تكتموا الحق وأنتم تعلمون ,فإن عجزتم عن قول الحق فاصمتوا ولا تقولوا الباطل أسلم لدينكم وأتقى لربكم,أما أن تقولوا بقول المرجئة والجهمية وتقيدوا كفر المشرع والمبدل لدين الله بالإستحلال والجحود والإعتقاد  فهذا هو الضلال بعينة وسببه أنكم لم تفرقوا بين الحاكم والقاضي وبين المشرع ,وكذلك لم تفرقوا بين الحاكم الملتزم بالشريعة المحكم لها فى كل شيء فهذا حكمه حكم أهل المعاصي والكبائر ولا يكفر مرتكب المعصية إلا بالإستحلال خلافا للخوارج وأهل الغلو فى التكفير ,أما فى حالة الكفر الأكبر فلا يشترط الاستحلال ولا الجحود ولا الإعتقاد ,وهذا ماعليه أهل السنة والجماعة خلافا للمرجئة والجهمية أدعياء السلفية الذين يقيدون الكفر بالجحود والاستحلال واعتقاد القلب وقصد الكفر وهذا مايدندن  حوله كثير من دعاة الفضائيات هذه الأيام ويحذرون من الخوارج الذين يكفرون المسلمين ويخرجون على الحكام وولاة الأمر ويقومون بحملة إعلامية  مكثفة  فى وصف حكام هذا الزمان بأمراء المؤمنين  وولاة أمر المسلمين ووصفهم بحماة الدين وعباد الله الموحدين !!وكل ذلك تحذيرا من الخروج عليهم ,وهذه طامة كبرى وبلية عظمى إذ لاعلاقة بين كفر الحاكم المبدل للشريعة وبين الخروج عليه ,فإن الخروج منوط بالقدرة والمنعة والاستطاعة وهذا يكاد أن يكون محل إجماع بين أهل السنة والجماعة بعد عصر الصحابة والتابعين مع مراعاة المصالح والمفاسد فى حالة الخروج مع أن أعظم مصلحة هى التوحيد  والعمل به والدعوة إليه ,ولا توجد  مفسدة أعظم من  مفسدة  الشرك والكفر وظهوره وانتشاره بين المسلمين ,فليس خارجيا ولا تكفيريا ولا من الفئة الضالة من يقول بكفر الحاكم المبدل لدين الله ,المشرع من دون الله ,وليس مبتدعا من يقول بكفر تارك الصلاة ,وليس من الخوارج من يكفر عباد القبور الذين يصرفون العبادة التى هى حق لله ,لغير الله .فمن التلبيس والتدليس  والكذب البهتان رمى أهل التوحيد والسنة بهذه التهم ليشوهوا دعوة التوحيد  ويصورونهم للناس والعوام أنهم خوارج وتكفير ,مع أن منهج ومذهب  أهل التكفير والهجرة والتوقف والتبين وغيرهم من أهل الغلو يختلف تماما عن أهل السنة والجماعة وأصولهم المخالفة بالكلية لأصول أهل السنة والجماعة من تكفير الناس بالعموم وتكفير المجتمع  والتكفير بالجملة والتكفير بالمعصية والظن والشبهة والتأويل  والاحتمال ,وغير ذلك من الأهواء والبدع التى عصم الله أهل السنة والجماعة  منها,فأصول الخوارج وأهل الغلو فى التكفير  واضحة ومع ذلك  فهي مباينة ومخالفة لأصول أهل السنة والجماعة ,فليتنبه طالب العلم لذلك   

بحث وتحقيق قول (كفر دون كفر) والرد على الحلبى ومرجئة العصر أدعياء السلفية

سبق وقلنا أن مقولة كفر دون كفر لاتُقال إلا فى الحاكم الملتزم أصلا بدين الله وبتحكيم شرع الله فى كل مناحى الحياة فلم يغير ولم يبدل ولم يسن ويشرع قوانين وأنظمة تخالف دين الله ويلزم الناس بالتحاكم إليها ,ولكن خالف حكم الله لهوى أو لرشوة أو لقرابة ولم يجهل ذلك قانونا عاما للناس فهذا الذى يقال فيه كفر دون كفر أى كفر أصغر وكبيرة من الكبائر ومعصية من المعاصى التى هى دون الكفر الأكبر ,وهو عظيمة لأن معصية سماها الله كفرا أعظم عند الله من معصية لم يسمها الله كفرا ولايكفر المسلم بالمعاصى التى هى دون الكفر الأكبر  إلا بالاستحلال والاعتقاد مع أن

مسألة كفر دون كفر مبنية على الأثر المروي عن ابن عباس رضي الله عنه , ومن أراد الحق فليعلم أن زيادة كفر دون كفر زيادة منكرة , وكثير من الناس اليوم يتعصب لعلماء زلوا في هذه المسألة و يقولون (( هل أنتم أعلم أم الشيخ فلان و المحدث علان )) وهذا باطل من كل وجه وهو أقبح و الله من المذهبية , فعلى الأقل المذهبية يتعصبون للشافعي وهو من هو , أو لأحمد وهو من هو , وغيرهم من الأئمة , أما مذهبية العصر فهي و الله أقبح من السابقة فيتعصب شباب اليوم لشيخ(( فاضل لديه علم )) ويقولون كل يأخذ من قوله ويرد .... ولكن لا يطبقونها في شيوخهم , فيرفعونهم إلى درجة العصمة , فهو يسلم لك أنه ليس معصوم ولكن في الحقيقة لا يسمح لأحد أن يخطئ شيخه ولو بشيء صغير و تبدأ المقارنة الجاهلية  هل أنتم أعلم أم العلامة فلان ؟ ونحن نختصر ونقول لهم هل الإمام فلان أو الشيخ علان  أعلم من الصحابة؟... و الله المستعان ,

 وقد كتب الشيخ أبو مروان السوداني بحثاً في جمع طرق هذا الأثر و بيان الصحيح من الضعيف من المدرج كما ضعف هذا الأثر الشيخ العلامة المحدث سليمان العلوان والعلامة المحدث الشيخ عبد الله السعد والعلامة حمود بن عقلا الشعيبى ,والشيخ الخضير وغيرهم كثير من علماء السلف الصالح فعليك ياطالب العلم  اتباع الحق و ليس القائل فلا يهم من يقول الحق المهم هو الحق نفسه , و لا تقلد تقليد الأعمى الذي لو قدته لجنة تبعك أو قدته لجهنم ما اعترض عليك
 إنا نرى التقليـد داء قاتـلا حجب العقول عن الطريق الأرشد
جعل الطريق على المقلد حالكا فترى المقلد تائهـا لايهتدي
لذا بدأنا في اجتثـاث جذوره من كل قلـب خائف متردد
ولسوف ندمل داءه وجراحه بمراهم الوحي الشريف المرشد

ذكر الطرق التي جمعها علي الحلبي في رسالته والكلام عليها .
الطريق الأولى والثانية :
قال أبو مروان :قال ابن جرير الطبري: حدثنا هناد حدثنا وكيع، وحدثنا ابن وكيع قال: حدثنا أبى عن سفيان عن معمر بن راشد عن ابن طاووس عن أبيه عن ابن عباس في قوله تعالى: ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الكافرون. قال هي به كفر، وليس كفرا بالله وملائكته وكتبه ورسله .
قلت: هذا إسناد صحيح. والظاهر من هذه الطريق أن الكلام كله من قول ابن عباس رحمه الله. وقد اغتر بها الكثير لصحة الإسناد، وخفي عليهم الإدراج الذي بينته رواية عبد الرزاق الآتية:
قال الإمام عبد الرزاق: اخبرنا معمر عن ابن طاووس عن أبيه قال: سئل ابن عباس عن قوله (..فأولئك هم الكافرون) قال: هي به كفر.
قال ابن طاوس: وليس كمن كفر بالله وملائكته وكتبه ورسله.
فثبت من هذه الرواية الصحيحة التصريح بأن قوله: وليس كمن كفر بالله وملائكته وكتبه ورسله مدرجة من قول ابن طاوس لا من كلام ابن عباس كما قد يفهم من ظاهر رواية - سفيان عن معمر
قال الحافظ الذهبي: المدرج هو ألفاظ تقع من بعض الرواة متصلة بالمتن لا يبين للسامع إلا أنها من صلب الحديث ويدل دليل علي أنها من لفظ راوي ، يأتي الحديث من بعض الطرق بعبارة تفصل هذا من هذا.
وما قرره الذهبي في هذه القاعدة واضح في أثرنا هذا وهو خير مثال لها. فطريق سفيان عن معمر توهم السامع أن الكلام كله لعبد الله بن عباس ولكن دل دليل آخر وهو طريق عبد الرزاق عن معمر أن هناك ألفاظ مدرجة وهي قوله قال ابن طاوس: وليس كمن كفر بالله وملائكته و... فجاءت هذه العبارة تفصل هذا من هذا .
أضف إلى ذلك أن عبد الرزاق أثبت وأتقن الناس في معمر، بل القول قوله عند الاختلاف.
قال يعقوب بن شيبة: (عبد الرزاق أثبت في معمر جيد الإتقان
وقال ابن عسكر: سمعت أحمد بن حنبل يقول: (إذا اختلف أصحاب معمر فالحديث لعبد الرزاق
فكان علَى علِي الحلبي أن يتنبه لذلك فإنه واضح لا يخفى على طلبة هذا الفن. فإن صحة الخبر لا تتوقف على عدالة الرواة وضبطهم، إنما تعرف بجمع الطرق والروايات ثم النظر في العلل مثل الاختلاف في الوصل والقطع والرفع والوقف أو دخول حديث في حديث إلي غير ذلك.
يقول الحافظ العراقي: وتدرك العلة بتفرد الراوي ومخالفته غيره مع قرائن تنضم إلي ذلك يهتدي الجهبذ- أي الناقد- بذلك إلي اطلاعه على إرسال في الموصول أو وقف في المرفوع أو دخول حديث في حديث أو وهم واهم أو غير ذلك.
قال الإمام السخاوي- عن أسباب العلل: تدرك بعد جمع طرق الحديث والفحص عنها بالخلاف من راوي الحديث لغيره ممن هو أحفظ وأضبط وأكثر عدداً عليه والتفرد بذلك وعدم المتابعة عليه مع قرائن قد يقصر التعبير عنها تضم لذلك يهتدي بمجموعها جهبذها أي الحاذق في النقل في النقد من أهل هذه الصناعة- لا كل محدث- إلى إطلاعه على : تصويب إرسال- يعني خفي- ونحوه لما قد وصل أو تصويب وقف مما كان يرفع أو تصويب فصل متن أو بعض متن دخل درجا في متن غيره وكذا بإدراج لفظة أو جملة ليست من الحديث فيه ...
فهذه هي طرائق المحدثين ومنهجهم وقواعدهم لمعرفة صحة الحديث وسقمه، ليس الاكتفاء بترجمة رجال الإسناد ومعرفة مراتبهم فإن هذا معرفته هينة لأن الثقاة والضعفاء قد دونوا في كثير من التصانيف وقد اشتهرت بشرح أحوالهم التواليف.
قال أبو مروان: فالأمر في هذا الأثر ليس كما قال علي الحلبي: (وقد وردت هذه الجملة من كلام ابن عباس نفسه في السند الآتي)
بل قد ثبت أن قول ابن عباس هو: هي به كفر. أما باقي الألفاظ فهي من كلام عبد الله بن طاوس كما ثبت ذلك باتباع طرق أئمتنا ومحدثينا، وهذا لا يخفى على من له أدنى علم بهذا الفن. والله تعالى أعلم بالصواب.
الطريق الثالثة:
قال الحافظ ابن نصر: حدثنا محمد بن يحي حدثنا عبد الرزاق عن سفيان عن رجل عن طاوس عن ابن عباس في قوله ( .. فأولئك هم الكافرون ) قال : كفر لا ينقل عن الملة.
والإسناد ضعيف لإبهام الرجل .
أما قول علي الحلبي: (لكنه حسن في الشواهد) ليس بحسن منه لأنه حاد عن قواعد المحدثين في ذلك وكما قدمنا أن البحث لا يقتصر على تراجم الرجال ولكنه البحث عن العلل وهذا هو عمل أهل هذا الفن. فقد ورد هذا الأثر من رواية أخرى مخالفة لهذه الطريق:
قال ابن جرير الطبري حدثنا الحسن بن يحي قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا الثوري عن رجل عن طاوس في قوله تعالى (... فأولئك هم الكافرون) قال كفر لا ينقل عن الملة.
فجعلها من كلام طاوس لا من كلام ابن عباس؛ فكان على علي الحلبي أن يأتي بهذه الرواية في رسالته فإنه لم يشر إليها. ثم عليه الترجيح فيما هو الثابت من هذا الاختلاف، مع أننا نعلم انه قد وقف على هذه الرواية لأنه ذكر في رسالته رواية قبلها ورواية بعدها من تفسير ابن جرير الطبري، فمن الأمانة العلمية أن يثبتها في رسالته لأنها ترد على قوله (لكنه حسن في الشواهد) أو نعتذر له بأنها خفيت عليه لاستعجاله في النشر.
قال أبو مروان: والاختلاف الحاصل في الطريقين إما أن يكون من عبد الرزاق رواه مرة من كلام ابن عباس ومرة من كلام طاوس وإما أن يكون من الذين سمعوا الأثر من عبد الرزاق على كلٍ فكلا الإسنادين ضعيف لنفس العلة. ولعل الصواب ترجيح الطريق التي فيها أن الأثر من كلام طاوس لا من كلام ابن عباس، وقد ثبت ذلك مبيناً بإسنادٍ صحيح.
قال ابن جرير الطبري: حدثنا هنادٌ قال ثنا وكيع وحدثنا ابن وكيع قال ثنا أبي عن سفيان عن سعيد المكي عن طاوس في قوله تعالى ( .. فأولئك هم الكافرون ) قال: ليس بكفرٍ ينقل عن الملة .
وهذا إسناد صحيح ولعل الرجل المبهم في رواية عبد الرزاق هو سعيد المكي نفسه وهو ابن حسان المخزومي وثقه ابن معين والنسائي وأبو داود.
فثبت من ذلك أن الكلام لـ طاوس رحمه الله وليس لابن عباس كما هو واضح . أما قول علي الحلبي: (فمن الممكن أنه تلقاه عمن سمعه منه ثم أفتى به) فكأنه جعل الأثر مروياً من طريقٍ عن ابن عباس ثم من طريق أخرى عن طاوس. فإن من الخطأ أن يدرس إسناداً من هذه الأسانيد مستقلاً كما فعل. ثم حكم الحلبي على أنه صحيح عن طاوس وجعل إسناد عبد الرزاق الأول حسناً في الشواهد!! وهذا خطأ يقع فيه الكثير من الباحثين. إذ أن الحديث لكي يصح يلزم- فضلاً عن صحة إسناده- السلامة من العلل كما قدمنا، فإن هذا الأثر مخرجه واحد وألفاظه واحدة فوصله إلى ابن عباس ووقفه على طاوس من العلل القادحة في الأثر كما قدمنا من منقولات أهل العلم وهي كثيرة فعلى العالم العارف بالعلل أن يرجح الصواب من هذا الاختلاف.
ولكن كما قلنا أن رسالته هذه لا تمِتُّ لعلم العلل بصلة، بل هي تراجم لرواة الإسناد .
الطريق الرابعة:
قال الحافظ ابن نصر: حدثنا يحي ابن يحي ثنا سفيان بن عيينة عن هشام- بن حجير- عن طاوس عن ابن عباس في قوله تعالى (فأولئك هم الكافرون) قال : ليس الكفر الذي يذهبون إليه.
وهذا الإسناد رجاله ثقاتٌ غير هشام بن حجير المكي. فقد ضعفه الأئمة الجبال:
قال علي بن المديني قرأت على يحي بن سعيد: ثنا بن جريج عن هشام بن حجير حديثا، قال يحي بن سعيد: خليق أن أدعه. قلت: أضرب على حديثه؟ قال: نعم.
قال بن عدي كتب إلي محمد بن الحسن: ثنا عمرو بن علي سمعت يحي سئل عن حديث هشام بن حجير فأبى أن يحدث به ولم يرضه.
قال عبد الله بن أحمد: سألت يحي عن هشام بن حجير فضعفه جداً.
وقال سمعت أبي يقول: هشام بن حجير مكيٌ ضعيف الحديث.
قال أبو حاتم: يكتب حديثه.
وذكره العقيلي في الضعفاء.
ومع تضعيف هؤلاء الجبال الرواسي لـ هشام بن حجير تعلق البعض بتوثيق بعض الأئمة له، فمن هؤلاء الأئمة ابن حبان، وابن سعد،وابن شاهين والعجلي.
أما ابن سعد فلا يعتمد توثيقه إذا خالف الأئمة لأنه يعتمد على الواقدي ومادته في الطبقات منه في الغالب والواقدي ليس بمعتمد.
وأما ابن حبان والعجلي فمشهوران بالتساهل في توثيق المجاهيل ويؤخذ بتوثيقهم لغير المجاهيل لكنهما في هشام قد خالفا أئمة الجرح والتعديل وأساطين هذا الفن وركائز علم العلل ومعرفة الرجال. لذا قال عنه الحافظ ابن حجر: (صدوق له أوهام) ولم يجعله في مرتبة من يقبل حديثه لو انفرد، فكيف يعارض بقول ابن حبان والعجلي وابن شاهين في رجلٍ ضعفه أحمد بن حنبل، ويحي بن معين، وتركه يحي بن سعيد، وضرب علي بن المديني على حديثه. وتمسك البعض بأنه من رجال الصحيحين وهذا تمسك فاسد لأنه لم يروِ له البخاري ولا مسلم إلا مقروناً بغيره من الثقات ولم يحتجا به في الأصول فالقول فيه ما قاله الإمام أبو حاتم: (يكتب حديثُهُ). أي ليتابع به، فإن حديثه يصلح في الشواهد. أما في هذا الأثر فالراجح أنه لم يتابع عليه بل انفرد بهذه الرواية لأنا لم نجد من يتابعه ولم نجزم بذلك إلا بعد أن وقفنا على قول الإمام سفيان بن عيينة في روايته عن هشام.
روى العقيلي في الضعفاء عن ابن عيينة قال: لم نأخذ منه إلا ما لا نجد عند غيره.
أي كل ما رواه سفيان عن هشام فهو من ما انفرد به وإلا لأخذه من غيره فثبت بذلك ضعف قول علي بن حسن الحلبي: (وعلى هذا فإن الأخبار الأخرى الواردة عن ابن عباس بالأسانيد الثابتة في معني الخبر نفسه تقوي خبره هذا ولا ترده كما سيأتي فهو حسن لغيره على أقل الأقوال
ثم رد الحلبي على بعض الأفاضل الذي أرسل إليه رداً على تصحيحه للأثر بأن قال: (لكن لي عليه بعض الملاحظات أهمها أنه- حفظه الله- لم يشر إلى مسألة الشواهد الواردة في معنى هذا الخبر الذي اجتهد في تضعيفه
ونقول بل هو الذي اجتهد في تصحيح هذا الأثر فقد بحث وبحث ليخرج له شواهد يَتَعَضَّدُ بها فإليك هذه الشواهد التي ذكرها بعد أن قال: (كما سيأتي
الطريق الخامسة:
روى الحاكم من طريق علي بن حرب عن سفيان به بلفظ: (إنه ليس بالكفر الذي يذهبون إليه، إنه ليس كفراً ينقل عن الملة (فأولئك هم الكافرون) كفر دون كفر). وزاد بعضهم (وظلم دون ظلم وفسق دون فسق
وهذه الطريق أيضا من رواية هشام بن حجير، وهي ضعيفة كما قدمنا، ولا أدري بعد أن جعلها طريقا آخر خامسا للأثر أجعلها شاهداً للطريق الرابعة أم لا ؟! فإنه قال: (كما سيأتي). فإن كان كذلك فيكون هذا من الطرائف أن يشهد ابن حجير لابن حجير!!
ثم إن هذه الرواية ملفقة من عدة روايات مما يدل على الوهم والخطأ الذي وقع فيها فإنها جمعت كل الألفاظ سابقة الذكر.
الطريق السادسة:
قال ابن جرير الطبري حدثنا المثنى ثنا عبد الله بن صالح قال ثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى (فأولئك هم الكافرون) قال من جحد ما أنزلت فقد كفر ومن أقر به ولم يحكم فهو ظالم فاسق.
عبد الله بن صالح هو: ابن محمد بن مسلم الجهني المصري كاتب الليث بن سعد وهو ضعيف.
قال عبد الله بن أحمد: سألت أبي عن عبد الله بن صالح كاتب الليث بن سعد فقال كان أول أمره متماسك ثم فسد بآخره وليس هو بشيء،
قال ابن المديني: لا أروي عنه شيئاً،
وقال النسائي: ليس بثقة،
قال أحمد بن صالح: متهم ليس بشيء،
قال صالح جزرة: كان ابن معين يوثقه وهو عندي يكذب في الحديث،
قال أبو زرعة: لم يكن عندي ممن يتعمد الكذب وكان حسن الحديث.
قال أبو حاتم: صدوق أمين ما علمته.
وقد كثر الكلام في عبد الله بن صالح منهم من جعله كذابا ومنهم من ضعفه ومنهم من حسن حديثه، وجامع القول فيه ما قاله الإمام ابن حبان- وهو من أهل الاستقراء التام-: كان في نفسه صدوقا إنما وقعت له مناكير في حديثه من قبل جار له فسمعت ابن خزيمة يقول: كان له جار بينه وبينه عداوة كان يضع الحديث على شيخ أبي صالح ويكتبه بخط يشبه خط عبد الله ويرميه في داره بين كتبه فيتوهم عبد الله أنه خطه فيحدث به. ولذلك قال عنه الحافظ ابن حجر: صدوق كثير الغلط ثبت في كتابه فيه غفلة.
وقال عنه الذهبي: فيه لين.
وفي الإسناد كذلك علي بن أبي طلحه: واسمه سالم بن المخارق الهاشمي.
قال احمد بن حنبل: علي بن أبي طلحه له أشياء منكرات.
قال النسائي: ليس به بأس.
قال العجلي: ثقة. وذكره ابن حبان في الثقات.
قال الآجرى عن أبي داود: هو إن شاء الله مستقيم الحديث.
قال يعقوب عن سفيان: ضعيف الحديث منكر ليس مجود المذهب. وقال شامي ليس هو بمتروك ولا حجة. وأما عن روايته عن ابن عباس فهي منقطعة فإنه لم يسمع منه قال ابن أبي حاتم: سمعت أبي يقول سمعت دحيماً يقول: أن علي بن أبي طلحة لم يسمع من ابن عباس التفسير.
قال ابن حبان: روى عن ابن عباس ولم يره.
وقال الحافظ بن حجر: أرسل عن ابن عباس ولم يره.
قال ابن أبي حاتم: سمعت أبي يقول: علي بن أبي طلحة عن ابن عباس مرسل إنما يروي عن مجاهد والقاسم بن محمد وراشد بن محمد ومحمد بن يزيد.
وقال الذهبي: أخذ تفسير ابن عباس عن مجاهد فلم يذكر مجاهدا بل أرسله عن ابن عباس. فإن صح أنه أخذ هذا الأثر عن مجاهد فقد يكون موصولاً. أما محاولة الحلبي جعل هذه الطريق شاهدا لطريق هشام بن حجير فهذا بعيد جدا لضعفها الشديد.
الطريق السابعة والثامنة:
ثم ذكر علي بن حسن الحلبي طريقين ليقوى بهما طريق هشام بن حجير فإنه قال (كما سيأتي)
عن ابن عباس قال: نعم القوم أنتم إن كان من حلو فهو لكم وما كان من مرٍ فهو لأهل الكتاب، كأنه يرى أن ذلك ليس في المسلمين (فأولئك هم الكافرون)
قال الحلبي: ولم أقف على سنده!!
والطريق التي ختم بها الحلبي رسالته هي:
ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون.. الظالمون.. الفاسقون قال ابن عباس إنما أنزل الله في اليهود خاصة.
قال الحلبي : ولم أقف على سنده!!
وإيراده لهذين الطريقين من باب الحشو وتكثير الطرق حتى يوهم القراء أن لهذا الأثر طرقٌ عدة فبمجموعها يصير الأثر صحيحا. كما لبس عليهم آنفا بقوله (وعلى هذا فإن الأخبار الأخرى الواردة عن ابن عباس بالأسانيد الثابتة!! في معنى الخبر نفسه تقوي خبره هذا ولا ترده كما سيأتي!! فهو حسنٌ لغيره على أقل الأحوال).
وهذان الطريقان لم يقف على إسناديهما كما قال فلا يدخلان في قوله (الأسانيد الثابتة) ولا يُقَوى بهما خبر هشام بن حجير المتقدم فأين هذه (الأسانيد الثابتة) التي جعلت الخبر حسناً لغيره!! فهو مطالبٌ بإيراد هذه (الأسانيد الثابتة) أو حتى الضعيفة التي تصلح أن تقوي خبر هشام بن حجير وإلا ضرب بقوله هذا عرض الحائط.
خاتمة :
في بيان ما ثبت عن ابن عباس في تفسير هذه الآية
اعلم أخي وفقني الله وإياك أنه لم يثبت عن عبد الله بن عباس في تفسير هذه الآية إلا ما رواه الإمام عبد الرزاق قال:
أخبرنا معمر عن بن طاوس عن أبيه قال: سئل ابن عباس عن قوله تعالى: (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) قال: هي به كفر.
وأن كل الألفاظ التي تنسب إليه ما عدا ذلك لم تثبت بأسانيد صحيحة، أو أن تكون مدرجة من أقوال الرواة كما بيناها في أصل هذا الجزء.
وبهذا نكون قد أتممنا بحمد الله وعونه بيان ضعف هذه المقولة التي نسبت له، ورفعنا الإلتباس الذي وقع لبعض الناس وبينا ما جاء في رسالة علي بن حسن المسماة بـ (القول المأمون) من الأخطاء الحديثية وفق منهج المحدثين وما قرروه من القواعد الثابتة الصحيحة . والله أعلم بالصواب .

.من شروط الإيمان الكفر بالطاغوت

السؤال: إذا كان الطاغوت يطلق على الحاكم بغير ما أنزل الله، فكيف تكون عبادته؟ وكيف يكون الكفر به؟ الجواب: إذا اتخذ قوانين تخالف شرع الله، وعمل بها، واعتاض بها عن شرع الله، فهذه هي عبادته، وليست العبادة فقط ركوعاً وسجوداً.

وأما الكفر به فيكون في تركه والابتعاد عنه مع بغضه، والله جل وعلا يقول: {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ} [البقرة:256] ، فقدم الكفر بالطاغوت على الإيمان بالله، مما يدل على أن هذا شرط في صحة الإيمان.

  • الاربعاء AM 07:16
    2020-12-09
  • 6334
Powered by: GateGold