المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 409071
يتصفح الموقع حاليا : 365

البحث

البحث

عرض المادة

تعريف الطاغوت لغةً وشرعا

الطاغوت ليس علماً على شخص معين، بل هو أسم جنس يتناول كل من اتصف بصفة الطاغوت.

والطاغوت في أصل اللغة مشتق من الطغيان، وهو مجاوزة الحد، يقول العرب: (طغى السيل) إذا جاوز ماؤه حافتي الوادي وفاض من بين جوانبه، (وطغى الماء) إذا ارتفع مده وفيضانه عن قامة الإنسان بحيث يغرقه، كقوله تعالى {إِنَّا لَمَّا طَغَا الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ} .

 معنى الطاغوت في اللغة:

جاء في القاموس: "الطاغوت اللات، والعزى، والكاهن، والشيطان وكل رأس ضلال والأصنام، وكل ما عبد من دون الله ومردة أهل الكتاب للواحد والجمع "فعلوت" من طغوت، والجمع طواغيت طواغ، أو الجبت حيي بن أخطب والطاغوت كعب بن الأشراف وأطغاه جعله طاغياً والطغوة المكان المرتفع". أهـ.

وقال في المصباح المنير: "والطاغوت يذكَّر ويؤنَّث والإسم "الطغيان" وهو مجاوزة الحد وكل شيء جاوز المقدار والحد في العصيان فهو "طاغ" و"أطغيته" جعلته "طاغياً" "وطغى" السيل ارتفع حتى جاوز الحد في الكثرة "والطاغوت" الشيطان وهو في تقدير فعلوت بفتح العين لكن قدمت اللام موضع العين، واللام واو محركة مفتوح ما قبلها فقلبت ألفاً فبقي في تقدير فعلوت وهو من الطغيان"

وهو مشتق من طغا، وتقديره طغووت، ثم قلبت الواو ألفًا، قال النحويُّون: وزنه فعلوت، والتاء زائدة،

وقال الواحدي: قال جميع أهل اللغة: الطاغوت: كل ما عبد من دون الله، يكون واحدًا وجمعًا، ويذكر ويؤنث، قال تعالى: {يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ} [النساء: 60]، فهذا في الواحد.

وقال تعالى في الجمع: {وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ} [البقرة: 257].

وقال في المؤنث: {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا} [الزمر: 17]،

 قال: ومثله في أسماء الفلك يكون واحدًا وجمعًا ومذكرًا ومؤنثًا.

 قال الليث وأبو عبيدة والكسائي وجماهير أهل اللغة: الطاغوت كل ما عبد من دون الله،

وقال الجوهري: الطاغوت الكاهن والشيطان وكل رأس في الضلال،

وجاء في فتح المجيد: "الطاغوت مشتق من الطغيان وهو مجاوزة الحد" اهـ.

والذي نستفيده من هذه التعاريف اللغوية أن الطاغوت كل ما تجاوز حده فصار معبوداً من دون الله سواء كان إنساناً أو صنماً أو وثناً أو كان ما كان من أي شيء وسواء عبد بطاعة من عابديه أو بقهره لهم حتى عبدوه فهو طاغوت.

 

معنى الطاغوت اصطلاحاً:

روى ابن جرير وابن كثير بإسنادهما إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: "الجبت: السحر، والطاغوت: الشيطان.

قال ابن كثير: "ومعنى قوله "إنه الشيطان" قوي جداً فإنه يشمل كل شر كان عليه أهل الجاهلية من عبادة الأوثان والتحاكم إليها والإستنصار بها"اهـ.

وذكر ابن كثير: بإسناده إلى جابر بن عبد الله رضي الله عنه أنه سئل عن الطواغيت فقال: هم كهان تنزل عليهم الشياطين.

وقال مجاهد: الطاغوت الشيطان في صورة إنسان يتحاكمون إليه وهو صاحب أمرهم.

وقال الإمام مالك رحمه الله: "هو كل ما يعبد من دون الله عز وجل"1. وتعريف الإمام مالك يقيد بمن عبد من دون الله وهو راض ليخرج بهذا القيد من عبد وهو غير راض مثل المسيح ابن مريم عليه الصلاة والسلام، والملائكة فإنهم عبدوا من دون الله وهم غير راضين بذلك بل إنهم براء ممن عبدهم ومن عبادتهم.

وقال الواحدي: عند قوله ـ تعالى ـ {يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ والطَّاغُوْتِ}  "كل معبود من دون الله فهو جبت وطاغوت".

 وقال عبد الله بن عباس: "الجبت الأصنام والطاغوت الذين يكونون بين أيدي الأصنام يعبرون عنها الكذب ليضلوا الناس".

قال ابن جرير: وزعم رجال: أن الجبت الكاهن والطاغوت رجل من اليهود يدعى كعب بن الأشرف وكان سيد اليهود"

وقال بعض السلف: عند قوله ـ تعالى ـ {يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ}  إنه كعب بن الأشرف، وقال بعضهم: حيي بن أخطب، وإنما استحقا هذا الاسم لكونهما من رؤوس الضلال ولإفراطهما في الطغيان وإغوائهما الناس ولطاعة اليهود لهما في معصية الله فكل من كان بهذه الصفة فهو طاغوت" اهـ.

وقال مالك وغير واحد من السلف والخلف: كل ما عبد من دون الله فهو طاغوت،

وقال عمر بن الخطاب (وابن عباس رضي الله عنهما وكثير من المفسرين: الطاغوت الشيطان.

قال ابن كثير رحمه الله تعالى: وهو قول قوي جدًا، فإنه يشتمل كل ما عليه أهل الجاهلية من: عبادة الأوثان والتحاكم إليها والاستنصار بها.

وقال الواحدي عند قول الله تعالى: {يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ} [النساء: 51]:

كل معبود من دون الله فهو جبت وطاغوت؛

 قال ابن عباس في رواية عطية: الجبت الأصنام، والطاغوت تراجمة الأصنام الذين يكونون بين أيديها يعبرون عنه الكذب ليضلوا الناس، وقال في رواية الوابي: الجبت الكاهن، والطاغوت الساحر.

فتحصَّل من مجموع كلامهم رحمهم الله تعالى أن اسم «الطاغوت» يشمل كل معبود من دون الله، وكل رأس في الضلال يدعو إلى الباطل ويحسنه، ويشمل أيضًا كل من نصبه الناس للحكم بينهم بأحكام الجاهلية المضادة لحكم الله ورسوله، ويشمل أيضًا الكاهن والساحر وسدنة الأوثان إلى عبادة المقبورين وغيرهم بما يكذبون من الحكايات المضلَّة للجهَّال، الموهمة أن المقبور ونحوه يقضي حاجة من توجه إليه وقصده، وأنه فعل كذا وكذا مما هو كذب أو من فعل الشياطين، ليوهموا الناس أن المقبور ونحوه يقضي حاجة من قصده، فيوقعهم في الشرك الأكبر وتوابعه.

وأصل هذه الأنواع كلها وأعظمها الشيطان، فهو الطاغوت الأكبر

فكل من تجاوز حده المأمور به شرعاً والمخلوق لأجله فهو طاغوت،

فكل من شرع له من الدين ما لم يأذن به الله ودعا الناس إليه فهو طاغوت.

وكل من عبد من دون الله وهو راض فهو طاغوت، فإن كان المعبود حجراً أو شجراً أو قبر صالح، فالطاغوت الشيطان المزين لهم ذلك، والذي قد يتكلم ويخاطب الزائرين الداعين له أحياناً ليفتنهم فيه ويغويهم عن التوحيد.

وكذا من حكم بغير ما أنزل الله فهو طاغوت، ومن دعا إلى بدعة أو انتحل مذهباً أو مبدءاً مخالفاً لملة إبراهيم وشريعة سيد المرسلين فهو طاغوت.

وتزداد شناعة الحكم عليه بحسب قوته ودعوته إلى ذلك والتسلط على الناس لتنفيذ مذهبه وتعزيز مبدئه، أو تسلطه على الناس بتحليل ما حرم الله وعكسه بقوة القهر والدعاية المغررة، فهو طاغوت أيضا، وهكذا.

وهذه التعريفات المتقدمة عن السلف الصالح من باب توضيح الشيء ببعض أفراده

وإلا فالحد الجامع المانع لمعنى الطاغوت هو ما عرفه به ابن القيم رحمه الله ـ تعالى ـ فقد قال:"الطاغوت كل ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع فطاغوت كل قوم من يتحاكمون إليه غير الله ورسوله، أو يعبدونه من دون الله أو يتبعونه على غير بصيرة من الله أو يطيعونه فيما لا يعلمون أنه طاعة لله فهذه طواغيت العالم إذا تأملتها وتأملت أحوال الناس معها رأيت أكثرهم أعرض عن عبادة الله ـ تعالى ـ إلى عبادة الطاغوت، وعن طاعة رسول الله إلى طاعة الطاغوت ومتابعته"اهـ.

فلو تأملنا زمننا هذا واستعرضنا حالة أكثر المسلمين لوجدناها طبقاً لما قال هذا الإمام رحمة الله عليه إلا من رحم الله،

المراد بالطاغوت في خطاب الشارع:

فُسر الطاغوت بالشيطان، والساحر، والكاهن، والأصنام.

وهذا تفسير له ببعض أفراده، وإلا فالطاغوت يطلق على كل من طغى وتجاوز حده، وادّعى حقاً من حقوق الله التي تفرد بها.

قال ابن جرير -رحمه الله-: "والصواب من القول عندي في الطاغوت أنه كل ذي طغيان على الله فعُبد من دونه، إما بقهر منه لمن عبده، وإما بطاعة ممن عبده له، إنساناً كان ذلك المعبود أو شيطاناً، أو وثناً، أو صنماً كائناً ما كان من شيء" 2.

فالضابط إذاً لمعنى الطاغوت:

أنه كل مخلوق تجاوز حده وادّعى لنفسه أو لغيره شيئاً مما تفرد الله به4، أو نُسب إليه ورضي بذلك، أو كان في حكم الراضي.

ويخرج من هذا الأنبياء والملائكة وصالحوا الإنس والجن الذين عُبدوا في حياتهم أو بعد موتهم، أو أسند إليهم دون رضاهم شيء مما اختص الله به.

وذلك أنهم لم يدّعوا ذلك ولن يُقروا من ادعاه. وسيتبرؤون منه إن علموا به في حياتهم أو يوم القيامة كما قال تعالى مبيناً ذلك:{وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ} [سبأ:40، 41]

فهم لا يعبدونهم في حقيقة الأمر، إنما يعبدون الشياطين الذين زينوا لهم ذلك، والذين يتلاعبون بهم بما يظهرون لهم من خوارق العادات ونحوها.

ويدخل في مسمى الطاغوت الجمادات التي عُبدت من دون الله، كالقبور والأحجار والأشجار والعتبات والمشاهد، ونحوها.

وذلك أنه نُسب إليها وفُعل عندها ما لا يجوز إلا لله وحده، فهي في حكم الطواغيت. وسوف تُلقَى في النار مع من عبدها زيادة في تبكيت المشركين، كما قال تعالى: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ} [الأنبياء: 98] .

وقد استثنى الله عبادة الصالحين الذين عُبدوا من دونه من الدخول في جهنم وذلك أنه نُسِب إليهم ذلك زوراً وبهتاناً. فلم يدْعوا لذلك ولن يرضوا به، وسيتبرّؤون منهم يوم القيامة فقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ} [الأنبياء 101، 102] .

 

والذي نخلص إليه مما قدمنا ذكره

أن الطاغوت شامل لكل معبود دون الله وكل رأس ضلال يدعو إلى الباطل ويزينه لمتبعيه كما أنه يشمل كل من نصبه الناس للحكم بينهم فحكم بأحكام الجاهلية المنتنة المضادة لحكم رب العالمين وحكم رسوله الأمين صلى الله عليه وسلم، فالحاكم بغير ما أنزل الله طاغوت لأنه نصب نفسه منصب الإله المشرع، وهنا يظهر معنى مجاوزة الحد في معنى الطاغوت، فإن الحاكم ملزم بأن يتقيد بأحكام ـ الرب سبحانه ـ التي أنزلها لعبيده وأوضحها لهم فعليه أن يطبقها في غاية من الدقة والتحري سواءاً بسواء فإذا ما عدل عنها وحكم برأيه وهواه فإنه نزل نفسه منزلة الإله المشرع لخلقه وتجاوز حده المحدود له من كونه عبداً لله ينفذ أحكامه إلى إله مشرع يحكم بما يريد فتجاوز حد العبودية إلى منزلة الألوهية فصار بذلك طاغوتاً لتجاوزه حده الذي حد له، كما أنه يدخل في معنى الطاغوت الكاهن والساحر وسدنة الأوثان الداعين إلى عبادة المقبورين لأنهم ينسجون من الحكايات المضلة للجهال والموهمة بأن المقبور ونحوه يقضي الحاجات للذين يقصدونه ويتوجهون إليه وأنه فعل كذا وكذا مما هو كذب صريح، أو هو من فعل الشياطين.

وبمثل هذه الأكاذيب والأباطيل يوقعون الناس في الشرك الأكبر ولواحقه.

"فكل ما صرف الناس عن عبادة ربهم وطاعته فهو طاغوت. فالأوثان والمشاهد والأشجار والقباب التي تعبد من دون الله إنما هي طواغيت لأنها صرفت الكثير من الناس عن عبادة ربهم بحيث صرفوا لها كثيراً من أنواع العبادات وألهوها. وأصل أنواع الطواغيت كلها وأعظمها إبليس فهو الطاغوت الأكبر والعدو الأعظم لأنه يصرف الناس عن عبادة خالقهم ويغويهم فيعبدون غير الله ويسفكون الدماء ويحلون الحرام ويحرمون الحلال نسأله ـ تعالى ـ أن لا يجعل للشيطان علينا سبيلاً".

يقول الأستاذ سيد قطب -رحمه الله-:

 (إن الذين يحكمون على عابد الوثن بالشرك ولا يحكمون على المتحاكم إلى الطاغوت بالشرك ويتحرجون من هذه ولا يتحرجون من تلك.. إن هؤلاء لا يقرءون القرآن.. ولا يعرفون طبيعة هذا الدين.. فليقرءوا القرآن كما أنزله الله وليأخذوا قول الله بجد: {وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} .

إن كل من رضي بالقوانين والأحكام التي تصطدم مع شريعة الله (لحظة واحدة) فإنه يخرج من الإسلام في هذه اللحظة، سواء كان هذا الراضي بالأديان الجديدة حاكما، أو مقننا (مشرعا) ، أو مستشارا، أو قاضيا، أو من عامة الناس.

ً وفي ركب السلف الصالح جاء العلامة الشهيد الشيخ سيد قطب، ولكن الظروف كانت مختلفة، فقد عادت الأمة-إلا من رحم ربك- إلي الظلام مرة أخري، إلي جاهلية في العقيدة والتصور والسلوك و الأخلاق والعادات و التقاليد، جاهلية في كل شيء فلا حكم ولا ولاء ولا نسك، بل غابت الدولة الإسلامية عن الوجود، وأصبحت دولا علمانية تدين لغير الله بالحكم والولاء والنسك، وتقوم علي حماية هذا الوضع، دولة كل مؤسساتها محادة لله ورسوله، قائمة علي غير الإسلام.

فوقف العلامة الشيخ سيد قطب حيث زالت الخلافة وزال معها الإسلام الذي كان يحكم الأرض، وأصبح الشتات المبعثر يحكمه الغرب في كل شيء، فوقف سيد قطب-رحمه الله- معلنا العودة من جديد إلي الإسلام المحض، إلي ما أنا عليه وأصحابي، إلي الخلافة الراشدة، إلي الرشد في المفهوم، والرشد في المواجهة، فالبيان يواجهه البيان، أما القوي المادية فلابد من قوي مادية تواجهها، كان متميزا في المفهوم، متميزا في الواقع، متميزا في الحركة، حاول إحياء جيل جديد يستقي من نبع القرآن وحده كالجيل الأول جيل صحابة رسول الله صلي الله عليه وسلم، كان يريد صنع جيل خالص العقل، خالص التصور، خالص العقيدة، وهكذا صنع الجيل الأول، وهكذا يجب أن يصنع كل جيل - أرادها عودة إلي الحق، إلي منابعه الأولي، أرادها راشدة وبين الطريق إليها، وأعلنها مدوية عالية كما أعلنها محمد بن عبد الله رسول الله صلي الله عليه وسلم عالية مدوية تخترق الحجب، تصل إلي كل إنسان في الأرض أن لا إله إلا الله،

أى رد الحكم والسلطان لصاحبه الحقيقي ليحكم الأرض بحكمه، كما تحكم السماء بحكمه، لا إله إلا الله و حقيقتها رفض كل وضع أو سلطان يقوم علي اغتصاب حق الألوهية نسكا وولاية وحاكمية.

وسيد قطب ـ رحمه الله ـ ابتلي في سبيل هذه الشهادة - شهادة التوحيد - ابتلاء شديدا حيث امتد اعتقاله إلى أكثر من عشر سنوات .. إلى أن أصدر الطاغوت بحقه حكم الإعدام شنقاً .. وكان سيد رحمه الله بإمكانه أن يريح نفسه بكلمة اعتذار يخطها كما كان يتمنى الطاغوت ذلك منه ـ ولكن أبى سيد إلا أن يكون صادقاً مع الكلمة التي طالما كتب ودافع عنها ألا وهي شهادة التوحيد لا إله إلا الله .. وإن أدى ذلك إلى تعليقه على أعواد مشانق الطواغيت

قال سيد قطب-الذي عاش حياته (سيداً)، وغادر الدنيا (سيداً)، رافعاً رأسه، رغم أنف جمعية الرفق بالطواغيت، مرجئة العصر أدعياء السلفية ,المجادلين عن الطواغيت، أما سيدنا سيد فقد عاش في الدعوة (قطباً)، وغادرها (قطباً) -رحمه الله تعالى، وكفّر طواغيتهم، نسأل الله أن يتقبله عنده شهيداً-

قال في (ظلال القرآن) (1م292): "والطاغوت: صيغة من الطغيان، تفيد كل ما يطغى على الوعي، ويجور على الحق، ويتجاوز الحدود التي رسمها الله للعباد، ولا يكون له ضابط من العقيدة في الله، ومن الشريعة التي يسنها الله، ومنه كل منهج غير مستمد من الله، وكل تصور، أو: وضع، أو: أدب، أو: تقليد لا يستمد من الله، فمن يكفر بهذا كله، في كل صورة من صوره، ويؤمن بالله وحده، ويستمد من الله وحده فقد نجا، وتتمثل نجاته في استمساكه بالعروة الوثقى لا انفصام لها".

فعليه، فالطاغوت هو: كل سلطان لا يستمد من سلطان الله، وكل حكم لا يقوم على شريعة الله، وكل عدوان يتجاوز الحق، والعدوان على سلطان الله، وألوهيته وحاكميته هو أشنع العدوان، وأشده طغياناً، وأدخل في معنى الطاغوت لفظاً ومعنىً.

فالطاغوت: في الأصل كلمة مشتقة من (الطغيان) وهو: مجاوزة الحد، وقد اختلفت عبارات السلف في تحديد معناه بالتعيين قال عمر بن الخطاب-رضي الله عنه-: (الطاغوت: هو الشيطان)، وقال جابر بن عبد الله-رضي الله عنه-: (الطواغيت: كهان كانت تنزل عليهم الشياطين)، وقال مالك-رحمه الله-: (الطاغوت: كل ما عبد من دون الله)، فهذه مجرد بعض الأمثلة للطاغوت ليس إلا، ولا تحصر كل أفراده، وأضبط تحديد لمعنى الطاغوت ما ذكره ابن القيم، وعن ابن عبد الوهاب في السؤال الثاني بعد المائة.

فهذه طواغيت العالم من قانون مستورد، وشرعية دولية، وإرادة الأمة في الديمقراطية، وحرية التدين، وحرية التملك، وحرية الرأي للملحدين ليس إلا، وغيرها كثير في عصرنا، إذا تأملتها وتأملت أحوال الناس معها رأيت أكثرهم أعرض عن عبادة الله إلى عبادة الطاغوت، وعن طاعة رسول الله-صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-إلى طاعة الطاغوت، وما أكثرها فاللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث، كما أعوذ بك من الرجس والنجس، ومن الطاغوت الرجيم أين كان وأياً كان.

 صراع العلماء مع الطواغيت (الأستاذ الشيخ سيد قطب نموذجاً معاصراً)

إن في بذل العلماء والدعاة والمصلحين أنفسهم في سبيل الله حياة للناس، إذا علموا صدقهم؛ وإخلاصهم لله عز وجل.

ومن هؤلاء الدعاة والمفكرين .. " سيد قطب " رحمه الله، فقد كان لمقتله أثر بالغ في نفوس من عرفوه وعلموا صدقه، ومنهم اثنان من الجنود الذين كلفوا بحراسته وحضروا إعدامه.

يروي أحدهما القصة فيقول:

هناك أشياء لم نكن نتصورها هي التي أدخلت التغيير الكلي على حياتنا ..

في السجن الحربي كنا نستقبل كل ليلة أفرادا أو جماعات من الشيوخ والشبان والنساء، ويقال لنا:

هؤلاء من الخونة الذين يتعاونون مع اليهود ولابد من استخلاص أسرارهم، ولا سبيل إلى ذلك إلا بأشد العذاب، وكان ذلك كافيا لتمزيق لحومهم بأنواع السياط والعصي، كنا نفعل ذلك ونحن موقنون أننا نؤدي واجبا مقدسا، إلا أننا ما لبثنا أن وجدنا أنفسنا أمام أشياء لم نستطع لها تفسيرا، لقد رأينا هؤلاء " الخونة " مواظبين على الصلاة أثناء الليل وتكاد ألسنتهم لا تفتر عن ذكر الله، حتى عند البلاء!

بل إن بعضهم كان يموت تحت وقع السياط، أو أثناء هجوم الكلاب الضارية عليهم، وهم مبتسمون ومستمرون على الذكر.

ومن هنا  بدأ الشك يتسرب إلى نفوسنا  فلا يعقل أن يكون مثل هؤلاء المؤمنين الذاكرين من الخائنين المتعاملين مع أعداء الله.

واتفقت أنا وأخي هذا سرا على أن نتجنب إيذاءهم ما وجدنا إلى ذلك سبيلا، وأن نقدم لهم كل ما نستطيع من العون.

ومن فضل الله علينا أن وجودنا في ذلك السجن لم يستمر طويلا  وكان آخر ما كلفنا به من عمل هو حراسة الزنزانة التي أفرد فيها أحدهم، وقد وصفوه لنا بأنه أخطرهم جميعا، أو أنه رأسهم المفكر وقائدهم المدبر (هو سيد رحمه الله).

وكان قد بلغ به التعذيب إلى حد لم يعد قادرا معه على النهوض، فكانوا يحملونه إلى المحكمة العسكرية التي تنظر في قضيته.

وذات ليلة جاءت الأوامر بإعداده للمشنقة، وأدخلوا عليه أحد الشيوخ!! ليذكره ويعظه!! وفي ساعة مبكرة من الصباح التالي أخذت أنا وأخي بذراعيه نقوده إلى السيارة المغلقة التي سبقنا إليها بعض المحكومين الآخرين .. وخلال لحظات انطلقت بنا إلى مكان الإعدام .. ومن خلفنا بعض السيارات العسكرية تحمل الجنود المدججين بالسلاح للحفاظ عليهم ..

وفي لمح البصر أخذ كل جندي مكانه المرسوم محتضنا مسدسه الرشاش، وكان المسئولون هناك قد هيئوا كل شئ .. فأقاموا من المشانق مثل عدد المحكومين .. وسيق كل مهم إلى مشنقته المحددة، ثم لف حبلها حول عنقه، وانتصب بجانب كل واحدة " العشماوي " الذي ينتظر الإشارة لإزاحة اللوح من تحت قدمي المحكوم .. ووقف تحت كل راية سوداء الجندي المكلف برفعها لحظة التنفيذ.

كان أهيب ما هنالك تلك الكلمات التي جعل يوجهها كل من هؤلاء المهيئين للموت إلى إخوانه، يبشره بالتلاقي في جنة الخلد، مع محمد وأصحابه، ويختم كل عبارة بالصيحة المؤثرة: الله أكبر ولله الحمد.

وفي هذه اللحظات الرهيبة سمعنا هدير سيارة تقترب، ثم لم تلبث أن سكت محركها، وفتحت البوابة المحروسة، ليندفع من خلالها ضابط من ذوي الرتب العالية، وهو يصيح بالجلادين: مكانكم!

ثم تقدم نحو صاحبنا الذي لم نزل إلى جواره على جانبي المشنقة، وبعد أن أمر الضابط بإزالة الرباط عن عينيه، ورفع الحبل عن عنقه، جعل يكلمه بصوت مرتعش:

يا أخي .. يا سيد .. إني قادم إليك بهدية الحياة من الرئيس - الحليم الرحيم!!! - كلمة واحدة تذيلها بتوقيعك، ثم تطلب ما تشاء لك ولإخوانك هؤلاء.

ولم ينتظر الجواب، وفتح الكراس الذي بيده وهو يقول: اكتب يا أخي هذه العبارة فقط: " لقد كنت مخطئا وإني أعتذر ... ".

ورفع سيد عينيه الصافيتين، وقد غمرت وجهه ابتسامة لا قدرة لنا على وصفها .. وقال للضابط في هدوء عجيب: أبدا .. لن أشتري الحياة الزائلة بكذبة لن تزول!

إن الأصبع الذى يشير إلى توحيد الله وإفراده بالحكم والأمر والتشريع لايستطيع أن يكتب اعتذاراً عن العمل مع  الله ولدين الله,وهل يعتذر المؤمن عن العمل مع الله ؟!

قال الضابط بلهجة يمازجها الحزن: ولكنه الموت يا سيد ...

وأجاب سيد: " يا مرحبا بالموت في سبيل الله .. "، الله أكبر!! هكذا تكون العزة الإيمانية، ولم يبق مجال للاستمرار في الحوار، فأشار الضابط بوجوب التنفيذ.

وسرعان ما تأرجح جسد سيد رحمه الله وإخوانه في الهواء .. وعلى لسان كل منهم الكلمة التي لا نستطيع لها نسيانا، ولم نشعر بمثل وقعها في غير ذلك الموقف، " لا إله إلا الله، محمد رسول الله ..

وهكذا كان هذا المشهد سببا في هدايتنا واستقامتنا، فنسأل الله الثبات.

وأدعو كل مسلم منصف أن يضع نفسه مكان الشيخ سيد – رحمه الله – ويقارن بينه وبين كثير من دعاة اليوم ممن ينتسبون إلى السلف والسلفية ,أو غير ذلك من الجماعات العاملة للإسلام ليحكم بنفسه وليعلم كيف سما سيداً بعقيدته ومبادئه ومواقفه الخالدة التى لاتنسى  على مر السنين,إنه الإخلاص فى نصرة دين الله الذى يفتقده كثير منا  

كلمات مضيئة

 (قال سيد قطب رحمه الله تعالى)

(إنه ليست كل كلمة تبلغ إلى قلوب الآخرين فتحركها وتجمعها وتدفعها، إنها الكلمات التي تقطر دماء لأنها تقتات قلب إنسان حي. كل كلمة عاشت قد اقتاتت قلب إنسان، أما الكلمات التي ولدت في الأفواه، وقذفت بها الألسنة ولم تتصل بذلك النبع الإلهي الحي، فقد ولدت ميتة، ولم تدفع بالبشرية شبرا واحدا إلى الأمام، إن أحدا لن يتبناها لأنها ولدت ميتة. والناس لا يتبنون الأموات) ..

(إن كلماتنا ستبقى ميتةً أعراساً من الشموع لاحراك فيها جامدةً ,حتى إذا متنا من أجلها وسقيناها من دمائنا انتفضت حية وعاشت بين الأحياء )إنه الصدق والإخلاص فى نصرة دين الله فليست الثكلى كالمستأجرة.

(قليل هم الذين يحملون المبادئ ، و قليل من هذا القليل الذين ينفرون من الدنيا من أجل تبليغ هذه المبادئ ، و قليل من هذه الصفوة الذين يقدمون أرواحهم و دمائهم من أجل نصرة هذه المبادئ و القيم ، فهم قليل من قليل من قليل ، و لا يمكن أن يوصل إلى المجد إلا عبر هذا الطريق ، و هذا الطريق وحده ) }الشيخ  عبد الله عزام - رحمه الله{.

 

 

تعريف علماء السلف للطاغوت

اعلم ـ أرشدك الله ـ أن معرفة الله عز وجل هي أساس الدين كله، ولا يعرف الله من لا يقدره حق قدره، ولا يكون العبد عارفاً بربه مؤمناً به وحده حتى يميز بين ما هو من حق الله وحده ولا يشاركه فيه أحد من خلقه؛ وبين ما هو من صفات المخلوق الفقير الضعيف:
وإن أجهل الناس من سوَّى بين الرب الواحد القهار وأحد مخلوقاته، أو رفع مخلوقاً ضعيفاً إلى منزلة من بيده ملكوت كل شيء، أو ظن أن الله محتاجٌ إلى أحد من خلقه ليدبر ملكوته وينظم شئون عباده
فإذا عرفت ما تفرد به الله عن مخلوقاته، وعلمتَ حقه الخالص الذي لا يشاركه فيه أحد من خلقه، وعلمت الفرق بين الرب المعبود وبين المخلوق العبد المربوب، علمتَ بيسر وسهولة ما نفته كلمة التوحيد، ويمكنك الآن أن تعرف الطاغوت الذي جعل الله عز وجل الكفر به الركن الأول من التوحيد، ولا يصح للعبد توحيد بدونه حيث أن الطاغوت مشتق من الطغيان، وهو مجاوزة الحد، فكل ما سِوَى الله مخلوق مربوب لله وحده، ولا يمكن أن يخرج عن حد العبودية لخالقه، ويستحيل أن يشارك ربه في شيء من خصائصه، فمتى جاوز العبد هذا الحد، وادعى لنفسه شيئا من خصائص الإلهية، فهو الطاغوت الذي يجب الكفر به واجتناب عبادته,فكل معبود أو مطاع أو متبوع من دون الله وفي غير طاعة الله فهو طاغوت، إن كان قد رضي بالعبادة من دون الله ,

وقد عرف السلف الطاغوت بتعريفات  كثيرة  وقد تنوَّعت كلمات السلف وتعريفاتهم للطاغوت وأنواعه، نذكر هنا تعريفاً جامعاً:
هو كل معبود أو مطاع أو متبوع من دون الله وهو راضٍ بذلك، وكل ما صرف الناس وصدهم عن عبادة الله وإخلاص الدين له وحده، وكل من ادعى لنفسه شيئا من خصائص الله

فالطاغوت ؛ مشتق من الطغيان وهو مجاوزة الحد. وقد فسَّره السلف ببعض أفراده.

 قال عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ: الطاغوت: الشيطان.

 وقال جابر ـ رضي الله عنه ـ "الطواغيت: كهان كانت تنْزل عليهم الشياطين". رواهما ابن أبي حاتم.

وقال مجاهد: "الطاغوت: الشيطان في صورة الإنسان، يتحاكمون إليه وهو صاحب أمرهم".

 وقال مالك: الطاغوت: كل ما عبد من دون الله.(وهو راض بالعبادة حتى يخرج من عبده الناس من غير رضاه)

وقال شيخ الإسلام رحمه الله في تعريفه: (الطاغوت اسم جنس لما عبد من دون الله) ،

 وقال في موضع آخر: (الطاغوت اسم يطلق على كل ذي طغيان) ،

 وعرّفه أيضاً في موضع آخر فقال: (الطاغوت اسم جنس يدخل فيه الشيطان، والكاهن، والوثن، والدرهم والدينار) .

قال ابن القيم رحمه الله: مَعْنَى الطَّاغُوتِ: مَا تَجَاوَزَ بِهِ الْعَبْدُ حَدَّهُ من معبود، أو متبوع، أو مطاع] .

وأجمع ما قيل في تعريف الطاغوت أنه اسم جنس لما يعبد من دون الله، ولمن دعا الناس إلى ضلالة، سواءٌ أكان هذا الداعي من الشياطين أم من الإنس.

الذي يستخلص من كلام السلف -رضي الله عنهم-: أن الطاغوت كل ما صرف العبد وصده عن عبادة الله وإخلاص الدين والطاعة لله ولرسوله، سواء في ذلك الشيطان من الجن والشيطان من الإنس, والأشجار والأحجار وغيرها. ويدخل في ذلك بلا شك: الحكم بالقوانين الأجنبية عن الإسلام وشرائعه وغيرها من كل ما وضعه الإنسان ليحكم به في الدماء والفروج والأموال, وليبطل بها شرائع الله, من إقامة الحدود وتحريم الربا والزنا والخمر ونحو ذلك، مما أخذت هذه القوانين تحللها وتحميها بنفوذها ومنفذيها. والقوانين نفسها طواغيت, وواضعوها ومروجوها طواغيت. وأمثالها من كل كتاب وضعه العقل البشري ليصرف عن الحق الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم إما قصدا أو من غير قصد من واضعه، فهو طاغوت

وسئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء:

السؤال الثالث من الفتوى رقم (8008):

س: ما معنى الطاغوت عمومًا، مع الإشارة إلى تفسير ابن كثير لآية النساء: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا} [النساء: 60].

المراد هنا توضيح أمرين:

الأول: ما معنى الطاغوت عمومًا، وهل يدخل كما قال ابن كثير طاغوت كل قوم من يتحاكمون إليه دون الله لكي نصل إلى تفسير الحاكم والمتحاكمين إليه حال كونه لا يحاكم بشرعه سبحانه.

الثاني: معنى قوله {يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ} قال بعضهم الإرادة هنا لا تحصل إلاَّ بالباطن ولا يعلم أحد به لذا فلا يحكم بكفر المتحاكم إلاَّ بتوافر شرط العلم بالإرادة الباطنية وهو غير حاصل، الإرادة محمولة على المعنى الظاهرة، الاستدلال بحديث الرسول (بالرضا والمتابعة، أي: ذلك صواب.

الحمد لله وحده والصلاة والسَّلام على رسوله وآله وصحبه ... وبعد:

ج: أولاً: معنى الطاغوت العام: هو كل ما عبد من دون الله مطلقًا، تقربًا إليه بصلاة أو صيام أو نذر أو ذبيحة أو لجوء إليه، فيما هو من شأن الله، لكشف ضر، أو جلب نفع، أو تحكيمًا له بدلاً من كتاب الله وسنَّة رسوله (ونحو ذلك.

والمراد بالطاغوت في الآية: كل ما عدل عن كتاب الله تعالى وسنَّة نبيه (، إلى التحاكم إليه من: نظم وقوانين وضعية، أو تقاليد وعادات متوارثة، أو رؤساء قبائل ليفصل بينهم بذلك، أو بما يراه زعيم الجماعة، أو الكاهن. ومن ذلك يتبين: أن النظم التي وضعت ليتحاكم إليها مضاهاة لتشريع الله داخلة في معنى الطاغوت.

لكن من عبد من دون الله وهو غير راض بذلك كالأنبياء والصالحين لا يسمَّى طاغوتًا وإنما الطاغوت الشيطان الذي دعاهم إلى ذلك وزينه لهم من الجن والإنس.

ثانيًا: المراد بالإرادة في قوله تعالى: {يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ}: ما صحبه فعل، أو قرائن وأمارات تدل على القصد والإرادة، بدليل ما جاء في الآية التي بعد هذه الآية: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا} [النساء: 61]، ويدل على ذلك أيضًا: سبب النزول الذي ذكره ابن كثير وغيره في تفسير هذه الآية، وكذلك المتابعة دليل الرضا، وبذلك يزول الإشكال القائل: إن الإرادة أمر باطن فلا يحكم على المريد إلاَّ بعلمها منه وهو غير حاصل.

وبالله التوفيق، وصلَّى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلَّم.

اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

عضو ... عضو ... نائب رئيس اللجنة ... الرئيس

عبد الله بن قعود - عبد الله بن غديان - عبد الرزاق عفيفي  - عبد العزيز بن عبد الله بن باز

  • الاثنين AM 05:13
    2020-12-07
  • 9912
Powered by: GateGold