المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 413601
يتصفح الموقع حاليا : 217

البحث

البحث

عرض المادة

هل اختلف المتقدمون في حجية السنة؟

إن حجية السنة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم مما عُلم من الدين بالضرورة، لتظاهر الأدلة على ذلك، وهي مرتبطة ارتباطا مباشرا بأصول العقيدة، فإنها الترجمة الحقيقية للإيمان برسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ولذلك فإنه لم يقع نزاع حولها بين المسلمين قاطبة ممن يعتد به في الخلاف والوفاق، وهي مسألة أعظم وأجل من أن يتنازع عليها أو يختلف حولها، بل إنها لم تكن مجال بحث ودرس باعتبارها من قطعيات الدين ومسلماته الأساسية وبدهياته الأولى، ولهذا فإن المصنفين لم يجعلوا من أغراضهم أن يتناولوها بالتقرير والبيان والاستدلال، جاء في كتاب مسلم الثبوت وشرحه فواتح الرحموت: "إن حجية الكتاب والسنة والإجماع والقياس من علم الكلام، لكن تعرض الأصولي لحجية الإجماع والقياس؛ لأنهما كثر فيهما الشغب من الحمقى من الخوارج والروافض، خذلهم الله تعالى، وأما حجية الكتاب والسنة فمتفق عليها عند الأمة ممن يدعي التدين كافة، فلا حاجة إلى الذكر"([1]).

وقال السعد التفتازاني: "فإن قلت فما بالهم يجعلون من مسائل الأصول إثبات الإجماع والقياس ولا يجعلون منها إثبات الكتاب والسنة كذلك؟ قلت: لأن المقصود بالنظر في هذا الفن هي الكسبيات المفتقرة إلى الدليل، وكون الكتاب والسنة حجة بمنزلة البديهي؛ لتقرره في الكلام وشهرته بين الأنام، بخلاف الإجماع والقياس"([2])، ونصَّ أهل العلم على أنها ضرورة دينية([3]).

وقد قرر هذه المسألة المؤلفون في أصول الفقه من أمثال ابن حزم والباجي والغزالي والآمدي والبزدوي وغيرهم، ونصوا على إجماع أمة الإسلام عليها، ولم يذكروا في كتبهم تصريحا ولا تلميحا وجود خلاف في حجية السنة، وهم الذين استقصوا كتب السابقين ومذاهبهم، وتتبعوا الاختلافات المعتبرة والشاذة، واعتنوا بالرد عليها.

وكيف يتصور أن يكون نزاع بين المسلمين في مسألة هي من أصول الدين، ومما علم من دين الإسلام بالضرورة، والمنازع فيها مرتد خارج عن الملة.

وقد تقدم معنا قول الإمام الشافعي في جماع العلم من كتاب الأم: "لم أسمع أحداً نسبه الناس أو نسب نفسه إلى علم يخالف في أن فرض الله عز وجل اتباع أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، والتسليم لحكمه، بأن الله عز وجل لم يجعل لأحد بعده إلا
اتباعه، وأنه لا يلزم قول بكل حال إلا بكتاب الله أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن ما سواهما تبع لهما، وأن فرض الله علينا وعلى من بعدنا وقبلنا في قبول الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم واحد".

أما مناظر الإمام الشافعي في أمر السنة فإنّ الشافعي لم يبين لنا نحلته فيما ساقه من المناظرة في كتاب جماع العلم من الأم([4])، وقد حقق الدكتور عبد الغني عبد الخالق المسألة وبين أنّ مناظر الإمام الشافعي لم ينكر أصل حجية السنة، وإنما كان يناظر في إمكان ثبوتها عن النبي صلى الله عليه وسلم على سبيل الإنكار، وهذا أيضاً جرم عظيم وقول باطل مردود بقطعيات الدين ودلالات الكتاب والسنة، غير أنه يختلف عن قول من أنكر أصل الاحتجاج بالسنة.

وعلى فرض التسليم بأن مناظر الشافعي ينكر أصل الحجية فإنه يكون حينئذ زنديقاً ينتمي لأحد الفرق الخارجة عن الملة.

أما الفرق المنسوبة إلى الملة فإنها وإن انحرفت عن الحق وضلت في هذه المسألة إلا أنها لم تتجرأ على رفض حجية السنة من حيث المبدأ لعلمها بأن ذلك مخرج عن الملة، فإن الخوارج مثلا لا يرفضون أصل السنة، ولكنهم لا يقبلون الأحاديث إلا عمن يتولونه من الصحابة.

وكذا الشيعة غير الغلاة فإنهم قبلوا الأحاديث الواردة من طريق أئمتهم عمن لم يكفروه من الصحابة وردوا ما عداها.

وقد ضل الفريقان في هذا الباب، ونتج عن ذلك ضلالهم معتقدا وسلوكا.

أما غلاة الشيعة من الرافضة فإنهم كفار خارجون عن الملة لاعتقادهم أن النبوة لعلي وأن جبريل أخطأ في نزوله إلى محمد صلى الله عليه وسلم([5])، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا.

وأختم هذا المبحث بقول الحافظ ابن حزم: "لما بينا أن القرآن هو الأصل
المرجوع إليه في الشرائع نظرنا فوجدنا فيه إيجاب طاعة ما أمرنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووجدناه عز وجل يقول فيه واصفا لرسوله صلى الله عليه وسلم:
{وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحي}([6])، فصح لنا بذلك أن الوحي ينقسم من الله عز وجل إلى رسوله صلى الله عليه وسلم على قسمين:

أحدهما: وحي متلو مؤلف تأليفا معجز النظام، وهو القرآن.

والثاني: وحي مروي منقول غير مؤلف ولا معجز النظام ولا متلو، لكنه مقروء، وهو الخبر الوارد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو المبين عن الله عز وجل مراده منا، قال تعالى: {لتبين للناس ما نزل إليهم}([7])، ووجدناه تعالى قد أوجب طاعة هذا القسم الثاني كما أوجب طاعة القسم الأول الذي هو القرآن ولا فرق، فقال تعالى: {وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول}([8])، فكانت الأخبار التي ذكرنا أحد الأصول الثلاثة التي ألزمنا طاعتها في الآية الجامعة لجميع الشرائع أولها عن آخرها، وهي قوله تعالى:

- {ياأيها الذين آمنوا أطيعوا الله}، فهذا أصل وهو القرآن.

- {وأطيعوا الرسول}، فهذا أصل ثان، وهو الخبر عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم.

- {وأولي الأمر منكم}([9])، فهذا ثالث، وهو الإجماع المنقول إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حكمه.

فلم يسع مسلما يقر بالتوحيد أن يرجع عند التنازع إلى غير القرآن والخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا يأبى عما وجد فيهما، فإن فعل ذلك بعد قيام الحجة عليه فهو فاسق، وأما من فعله مستحلا للخروج عن أمرهما وموجبا لطاعة أحد دونهما فهو كافر لا شك عندنا في ذلك"([10]).

 

المراجع المساعدة

  • حجية السنة 245- 277.
  • السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي 127، 143.
  • مفتاح الجنة للسيوطي 6.
  • دفاع عن السنة 13.
  • السنة المفترى عليها 18، 19.
  • الحديث والمحدثون 20 _21.
  • السنة للسلفي 47، 87.

أسئلة التقويم الذاتي

  • بيّن اتفاق المسلمين قاطبة على حجية السنة؟
  • استشهد لذلك بكلام الأصوليين وواقع مصنفاتهم.
  • حقق القول في هوية مناظر الإمام الشافعي في موضوع السنة، وما حقيقة محل النزاع معه؟
  • لخص كلام ابن حزم في هذا الموضوع.
  • اكتب صفحتين بتعبيرك تلخص فيها ما استفدته من هذا المبحث.

 

 

 

 

 

 

([1]) مسلم الثبوت وشرحه 1/17 .

([2]) التلويح 1/138.

([3]) انظر : التحرير 305 ، التقرير 2/225 .

([4]) الأم 7/ 250 .

([5]) انظر : مفتاح الجنة 3 .

([6]) النجم : (3، 4) .

([7]) النحل : (44) .

([8]) المائدة : (92) .

([9]) النساء : (59) .

([10]) الإحكام فى أصول الأحكام 1/96 .

  • الاحد PM 01:27
    2020-11-29
  • 2070
Powered by: GateGold