المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412441
يتصفح الموقع حاليا : 385

البحث

البحث

عرض المادة

الزعم أن تعذيب العصاة يوم القيامة ينافي الرحمة الإلهية

                                   الزعم أن تعذيب العصاة يوم القيامة ينافي الرحمة الإلهية(*)

 

مضمون الشبهة:

 

يزعم بعض المغالطين أن ما قرره الإسلام في أمر العصاة من عذاب يوم القيامة إنما يتنافى مع ما يتصور في جناب الألوهية من رحمة ورأفة، وأن ترتيب عذاب الخلد للكافرين على ذنب محدود الزمان في الدنيا هو أدنى إلى التساؤل عن رحمة الله - عز وجل - بعباده.

 

وجها إبطال الشبهة:

 

1) لا يدخل أحد الجنة بعمله، بل بفضل من الله - عز وجل - ولا يدخل أحد النار إلا بعمله وجزاء ما كسبت يداه في الدنيا.

 

2)  مبدأ الثواب والعقاب عام في التصورات الدينية، وعام كذلك في النظم التربوية والاجتماعية.

 

التفصيل:

 

أولا. فضل الله - عز وجل - في الجزاء على العمل:

 

إن الله خلق الإنسان لعبادته - عز وجل - وخلق للإنسان كل شىء، فلا ينبغي للإنسان أن يشغل بما خلق له عما خلق من أجله، قال سبحانه وتعالى: )وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون (56)( (الذاريات).

 

فمهمة الإنسان وغاية وجوده عبادة الله - سبحانه وتعالى - فإن تشاغل الإنسان عنها حق عليه العذاب.

 

ونعيم المتقين في الجنة فضل من الله - عز وجل - وليس حقا عليه، ولا بسبب أعمالهم، روى أبو هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: «لن يدخل أحدا عمله الجنة قالوا ولا أنت يا رسول الله قال: لا ولا أنا. إلا أن يتغمدني الله بفضل ورحمة فسددوا وقاربوا»[1].

 

حتى الرسول - صلى الله عليه وسلم - لن يدخل الجنة بعمله، إلا أن يتغمده الله برحمته، فالنعيم من الله فضل، والعذاب منه عدل، والإنسان ملك لله تعالى فإن شاء عذبه، وإن شاء رحمه.

 

وليس معنى ذلك اتصاف الله بالعبثية، فقد أرسل إلى البشر الأنبياء والمرسلين؛ ليوضحوا للبشرية طريق الهداية: )لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل( (النساء:165)، وذلك بعد أخذ الميثاق الأول )وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى( (الأعراف: 172).

 

فمن زاغ عن السبيل الصحيحة الواضحة، أو عاند واستكبر كان العذاب له حقا، وكانت النار له عدلا، ومبدأ الثواب والعقاب مبدأ طبيعي للغاية، أليست الدولة تضع ذلك المبدأ لمواطنيها؟ أليست الأم تضع عقابا لأبنائها الصغار حتى يفرقوا بين الصواب من الخطأ؟ إذن فوجود المبدأ (الثواب والعقاب) في حد ذاته ضمان لعدم انحراف حرية الاختيار، ولهذا لا يمكن أن نجد ثوابا وعقابا على أمر لا اختيار فيه، وما دام الإنسان مختارا فلا بد أن يتحمل نتيجة اختياره.

 

إذن، فوجود مبدأ الثواب والعقاب أمر ضروري للغاية مع وجود الاختيار، ما دام الإنسان مختارا لأن يفعل أو لا يفعل، فلا بد إذن من وجود الثواب والعقاب، وإلا فسدت حرية الفعل.

 

ثانيا. العدالة الحقة تقتضي أن يكون هناك حساب وجزاء:

 

والمراد بالحساب والجزاء، أن يقف كل إنسان منا أمام الحق - عز وجل - فيعرفه بأعماله التي عملها، وأقواله التي قالها، وما كان عليه في حياته الدنيا من إيمان أو كفر، واستقامة أو انحراف، وطاعة أو عصيان، وما يستحقه على ما قدم من إثابة وعقوبة، وأخذ للكتاب باليمين، إن كان صالحا وبالشمال إن غلبت عليه شقوته.

 

إن العدالة الحقة لا تكون في هذه الدنيا، فكيف يأخذ الضعيف حقه؟

 

إن الإنسان المستقيم في حياته، كأنه في سجن مظلم، والإنسان المجرم يفسق ويعربد في هذه الحياة، ويتلذذ ويتمتع، كما قال تعالى: )والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم (12)( (محمد)، )أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا (44)( (الفرقان).

 

فأين تكون متعة المستقيم؟ إن الآخرة تصويب للأوضاع، ورد للاعتبار، وتحقيق للعدالة، والله - عز وجل - يختبر الناس بتأخيرالفصل بينهم، هذا الغبن جزء من نظام الدنيا، وهو من امتحاناتها الصعبة، ولا بد من أخذه في الاعتبار، ولذلك جاء في الحديث القدسي، في إجابة دعوة المظلوم «وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين»[2]. فتبارك الله: )الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا( (الملك: 2).

 

إن العبد الذي سعى لتحقيق الغاية التي خلق من أجلها عبادة الله لا يستوي، ولا ينبغي أن يستوي، مع العبد الذي أفرط على نفسه في العصيان، فضلا عن أن يتساوى مع المجرم الذي أنكر وجود الله - مثلا - أو أشرك مع الله غيره، أو جحد فرضا من فروض الله تعالى.

 

ولذا فإن الله تعالى قال في الحديث القدسي: «وعزتي لا أجمع على عبدي خوفين ولا أمنين، إذا خافني في الدنيا أمنته يوم القيامة، وإذا أمنني في الدنيا أخفته يوم القيامة»[3]. )فأما من طغى (37) وآثر الحياة الدنيا (38) فإن الجحيم هي المأوى (39) وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى (40) فإن الجنة هي المأوى (41)( (النازعات). فمن خاف الله في الدنيا، فامتثل أوامره واجتنب نواهيه كان من الآمنين يوم القيامة، ومن عصى الله وأمن عقابه في الدنيا خوفه الله يوم القيامة.

 

فأين العدل؟ هل هو في تصوركم أم في التصور الإسلامي الحق؟

 

إن الله قد جعل الدنيا دار عمل وابتلاء، والآخرة دار حساب وجزاء؛ فمن عمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن عمل مثقال ذرة من شر سيجدها.

 

هذا ما يحكم به المنطق والعدل والحق، فلماذا تعجبون أيها المتوهمون، من تعذيب الكافرين أو المجرمين بالنار؟ إن هذا ما جنوه لأنفسهــم: )ذلك بمــا قدمـت يـداك وأن الله ليــس بظــلام للعبيــــد (10)( (الحج). وقد أخبر الله عن عدله المطلق؛ فلا تظلم نفس شيئا، قال تعالى: )ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين (47)( (الأنبياء).

 

وأما أهل التوحيد والإيمان الذين خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا، فإن عدل الله يقتضي أن يعذبهم بمقدار ذنوبهم، ثم يئول أمرهم إلى النعيم المقيم، جزاء إيمانهم وطاعتهم وعملهم الصالح، ومع ذلك فأمرهم مفوض إلى الله، فقد يخفف عنهم العذاب، وقد يتجاوز عنهم فلا يعذبهم: )وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم( (التوبة: 102)، ذلك ومن أراد الدنيا أعطاه الله منها ما أراده له، ومن أراد الآخرة، وسعى لها سعيها، وهو مؤمن، فأولئك كان سعيهم مشكورا: )من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا (18) ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا (19) كلا نمد هؤلاء وهــؤلاء من عطـــاء ربــك ومــا كـان عطــاء ربــك محظــــورا (20)( (الإسراء).

 

الخلاصة:

 

  • الله أرحم بالناس من الأم بولدها، ولكنه يعذب من استحق العذاب حتى لا تتحول الدنيا غابة للوحوش يأكل القوى فيها الضعيف.

 

  • إنه لا يدخل الجنة أحد بعمله، فالنعيم فضل من الله يمتن به على المؤمنين، والعذاب عدل من الله يعاقب به الظالمين الغاشمين.

 

  • من أشد أنواع الظلم ظلم النفس، ومنه الشرك بالله: )يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم( (لقمان) ومن الظلم الرغبة عن دين الله، كما فعلت قريش مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - أو التبديل والتحريف في كتبه - عز وجل - المنزلة كما فعلت اليهود والنصارى.

 

  • الحياة الدنيا ليست محلا للعدل والجزاء، فلا بد من الآخرة لتصحيح الأوضاع وتحقيق العدل والجزاء.

 

 

 

 

 

 

(*) النظر في الأدلة العقلية حول إثبات الذات الإلهية. Nadyelfiker. net

 

[1]. أخرجـــه البخـــاري في صحيحــه، كتــاب المرضـى، بــاب نهـي تمنـي المريـــض الـمـوت (5349)، وفي مواضع أخرى، ومسلم في صحيحه، كتاب صفة القيامة والجنة والنار، باب لن يدخل أحد الجنة بعمله بل برحمة الله تعالى (7291).

 

[2]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند المكثرين من الصحابة، مسند أبي هريرة رضي الله عنه (8030)، والترمذي في سننه، كتاب صفة الجنة، باب صفة الجنة ونعيمها (2526)، وصححه الأرنؤوط في تعليقه على المسند.

 

[3]. صحيح: أخرجه ابن حبان في صحيحه، كتاب الرقاق، باب حسن الظن بالله تعالى (640)، والبيهقي في شعب الإيمان (1/ 482) برقم (777)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (2666).

  • الاثنين AM 04:36
    2020-11-23
  • 1509
Powered by: GateGold