المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412332
يتصفح الموقع حاليا : 275

البحث

البحث

عرض المادة

الزعم أن التوبة والغفران لا قيمة لهما إذا كانت جهنم موعدا للناس أجمعين

                             الزعم أن التوبة والغفران لا قيمة لهما إذا كانت جهنم موعدا للناس أجمعين(*)

 

مضمون الشبهة:

 

يدعي بعض المشككين أنه لا قيمة للتوبة والغفران ما دام مصير الناس إلى جهنم كما ورد في القرآن: )وإن جهنم لموعدهم أجمعين (43)( (الحجر) وإذا كانت طائفة واحدة من الطوائف الإسلامية هي التي ستخلص كما في الحديث «إلا واحدة» أفلا يكفي هذا لإثارة خوف سائر المسلمين من مصيرهم المحتوم؟! ويظنون أن ذلك مبعث قلق وخوف يكدران حياة المسلم ويفسدانها.

 

وجوه إبطال الشبهة:

 

1)  من مقررات العقيدة الإسلامية أن النار إنما هي مثوى وجزاء للكافرين وحدهم، لا يخلد فيها غيرهم.

 

2)  الآيات والأحاديث التي تعلق هؤلاء بها لا تشهد لدعواهم، والتفسير الصحيح يصوب أغاليطهم في ذلك.

 

3)  طريقة القرآن في الوعد والوعيد تحدث توازنا في نفسية المسلم، فلا تذهب إلى إفراط أو تغليب للخوف أو للرجاء.

 

التفصيل:

 

أولا. النار مثوى الكافرين:

 

إن النار مثوى الأشرار من الكفار، وليست مثوى كل الناس كما توهم الجاهلون، فهي دار الذين عصوا ربهم بعدما أمرهم بطاعته، ولم يتوبوا إليه ويستغفروه، قال الله عز وجل: )والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما (68) يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا (69) إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحـا فأولئـك يبـدل الله سيئاتهـم حسنات وكان الله غفــورا رحيمـا (70) ومن تاب وعمل صالحــا فإنه يتــوب إلى الله متابــا (71)( (الفرقان). وهي دار أعداء الله - عز وجل - قال تعالى: )ويوم يحشر أعداء الله إلى النار فهم يوزعون (19)( (فصلت)، وتنكيلا بهم يحشرون إلى النار على وجوههم: )الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم أولئك شر مكانا وأضل سبيلا (34)( (الفرقان).

 

ويزاد التنكيل بهم فيحشرون عميا لا يرون، وبكما لا يتكلمون، وصما لا يسمعون: )ومن يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد لهم أولياء من دونه ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا وبكما وصما مأواهم جهنم كلما خبت زدناهم سعيرا (97)( (الإسراء)، ويزيد بلاؤهم فيحشرون مع آلهتهم الباطلة وأعوانهم وأتباعهم )احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبـــدون (22) من دون الله فاهدوهــم إلى صـــراط الجحيــــم (23)( (الصافات)، والنار مثوى المتكبرين: )فادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فلبئس مثوى المتكبرين (29)( (النحل)، ومن تمام عدل الله، وحكمته - سبحانه وتعالى - أنه لا يأخذ أحدا جزافا من هذه الجموع التي لا تحصى والتي أحصاها الله فردا فردا، وإنما يعلم من هم أولى بها صليا، قال تعالى: )ثم لنحن أعلم بالذين هم أولى بها صليا (70)( (مريم) [1].

 

ثانيا. المفهوم الصحيح للآيات التي استدلوا بها:

 

إن مفهوم الآيات ليس كما زعموا، ولو تدبروا الآيات التي وردت في هذا الباب - ورود النار - ما احتجوا بها لو كانوا يعقلون، وعلى فرض صحه ما ادعوه وما فهموه؛ فإن ذلك يكون على سبيل الخوف والرجاء، من العبد لربه، وقد غيرت هذه الآية أحوال الصالحين، فأسهرت ليلهم وعكرت عليهم صفو العيش، وحرمتهم الضحك والتمتع بالشهوات[2].

 

وما فعلوا ذلك إلا لأنهم أساءوا الظن بالنفس حتى تأتي ما هو خير وتترك ما هو شر، ومعنى قوله تعالى: )وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا (71) ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا (72)( (مريم)، وهذا معناه أن ورود جميع الناس النار لا يعني تعذيبهم فيها، وإنما معناه مرورهم على الصراط الممدود على ظهر جهنم، فيقع فيها الظالمون حين يمرون على الصراط، وينجو المتقون - حسب أعمالهم - ويجوزون على الصراط، منهم من يمر كالبرق الخاطف، ومنهم من يمر كالريح العاصف، ومنهم كالفارس، وهكذا كل حسب عمله[3].

 

وفي مرور المتقين على النار دون عذاب، ثم نجاتهم منها فيه معرفة مقدار رحمة الله بهم وتفضله عليهم، فقد رأوا العذاب بأعينهم ونجاهم الله منه، ثم أدخلهم جنته، فالنجاة من العذاب نعمة ورحمة، والدخول في الجنة نعمة ورحمة: )كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز( (آل عمران: 185).

 

وفي الصحيح أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا يدخل النار إن شاء الله من أصحاب الشجرة أحد! الذين بايعوا تحتها قالت: بلى، يا رسول الله، فانتهرها، فقالت: حفصة: )وإن منكم إلا واردها( (مريم: ٧١)؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قد قال الله عز وجل: )ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا (72)( (مريم)» [4]، وأشار - صلى الله عليه وسلم - إلى أن ورود النار لا يستلزم دخولها، وأن النجاة من الشر لا تستلزم حصوله، بل تستلزم انعقاد سببه، فمن طلبه أعداؤه ليهلكوه ولم يتمكنوا منه يقال نجاه الله منهم.

 

ولهذا قال الله تعالى: )فلما جاء أمرنا نجينا صالحا( (هود: ٦٦)، )ولما جاء أمرنا نجينا شعيبا( (هود: ٩5)، ولم يكن العذاب أصابهم ولكن أصاب غيرهم، ولولا ما خصهم الله به من أسباب النجاة لأصابهم ما أصاب أولئك، وكذلك حال الواردين على النار، يمرون فوقها على الصراط ثم ينجي الله الذين اتقوا ويذر الظالمين فيها جثيا.

 

صفوة القول: أن الورود على النار ورودان:

 

الأول: ورود الكفار أهل النار، فهذا ورود دخول لا شك فيه، كما قال تعالى في شأن فرعون: )يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار وبئس الورد المورود (98)( (هود)، أي: بئس المدخل المدخول.

 

الثانى: ورود الموحدين، أي مرورهم على الصراط[5].

 

 وأما آية الحجر التي استدل بها الكاتب على أن جميع الناس يدخلون جهنم أبرارهم وأشرارهم فلا تدل - كما فهم - على ذلك، بل الضمير في قوله: )لموعدهم( (الحجر: 43) يعود على الغاوين الذين تبعوا إبليس. وهم المذكورون في الآية التي قبلها )إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين (42)( (الحجر) ثم قال سبحانه: )وإن جهنم لموعدهم أجمعين (43)( (الحجر) أي موعد هؤلاء الغاوين أجمعين، بدليل أنه قال بعد ذلك: )إن المتقيـن في جنـات وعيــون (45) ادخلوهـــا بســلام آمنيــن (46) ونزعنـا ما في صدورهـم مـن غل إخوانـــا على سرر متقابليـن (47) لا يمسهم فيها نصب وما هم منها بمخرجين (48)( (الحجر).

 

وأما الحديث الذي أشار إليه الكاتب من أن طائفة واحدة من المسلمين هي التي تنجو من النار، وبقية طوائف المسلمين في النار، وأن ذلك مما يبعث على الخوف في نظره، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: «افترقت اليهود على إحدى أو اثنين وسبعين فرقة، وتفرقت النصارى على إحدى أو اثنتين وسبعين فرقة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة»[6].

 

والحديث ضعفه بعض أهل العلم وصححه آخرون، وعلى فرض صحته، فإن الحديث ينبه إلى أن أصحاب الأهواء سيدسون في هذه الأمة فيفرقونها، كما حدث في الأمم السابقة، بل ما سيحدث في هذه الأمة من التفرق أكثر؛ نظرا لعمومها جميع الأمم والشعوب وخلودها على مر الزمن، فالتفرق واتباع الأهواء في داخلها كثير.

 

فالحديث ينبه إلى المنجي والمخرج من هذه الأهواء ويدل عليه، ألا وهو اتباع نهج النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه - رضي الله عنهم - وفي ذلك توعية وحض لها على التمسك بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه؛ ففيهما النجاة في الدنيا والآخرة.

 

ثالثا. الإسلام يبشر أهله ومتبعيه بالجنة وحسن المآب دائما:

 

إن الإسلام لا يقنط أهله من رحمه الله، وهو وإن خوفهم من النار وما فيها فإنما يريد أن يسلك بهم برا آمنا وطريقا غير طريق النار، وهذه رحمة أخرى، فلله الحمد على نعمة الإسلام وكفى بها نعمة.

 

والآيات التي تدل على ذلك أكثر من أن تحصى، من ذلك قوله تعالـى: )ألا إن أوليـاء الله لا خـوف عليهـم ولا هـم يحزنــــون (62) الذين آمنوا وكانوا يتقون (63) لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم (64)( (يونس). وقال تعالى: )وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم( (يونس: 2)، وقال عز وجل: )إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون (30) نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون (31) نزلا من غفور رحيم (32)( (فصلت).

 

فليس في حياة المسلم بعد هذه البشريات - وما أكثرها في القرآن الكريم وعلى لسان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خوف ولا حيرة كما يزعم المدعون[7].

 

الفرق بين حياة المسلم وحياة غير المسلم:

 

 حياة المسلم - وإن قدر عليه في الدنيا كان أقل الناس عبادة لله - هي خير وأعظم من حياة أحسن الناس في غير الإسلام؛ لأن بالإسلام والقرآن تطمئن النفس، ويهدأ البال، ويرضى كل واحد بما قسمه الله له، والحياة بعيدا عن الإسلام كلها نكد وكدر، وهذا ما يفسره لنا كثرة الانتحار في الحضارة الغربية المادية، فهؤلاء قد يئسوا من حياتهم، وليس لهم غاية يرجونها إلا التمتع بالدنيا، وحياة المسلم كلها خير، فإن أصابه خير شكر فهو خير له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له، وليس ذلك إلا للمؤمن كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - وسر سعادة المسلم أنه يؤمن بإله واحد - وهو الله - عز وجل - وأنه الذي خلقه, وأنه المستحق للعبادة وحده لا شريك له.

 

وإن القرآن الكريم ليرسم صورة فاتنة للكون كله، فيها كل شىء عابد، وكل كائن خاشع وقانت، وهو بذلك يستميل الإنسان للتجاوب مع الكون من حوله، وهذا الشعور وحده يكسب في النفس طمأنينة وسكينة لا تحس بها نفس الكافر الذي يبدو كأنه نشاز في كون متناسق، أو نبت مقطوع الأصول لا امتداد له ولا ثبات.

 

الخلاصة:

 

  • القرآن الكريم حافل بالآيات التي تعد المؤمنين الجنة وتوعد الكافرين بالنار، ولا يذهب أحد من المسلمين على تسوية المؤمن بالكافر في هذا، ومرجع هذا الزعم الفهم الخاطئ لطائفة من الآيات أفاض مفسرو المسلمين في شرحها وبيان حقيقة معناها.

 

  • حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - في نجاة فرقة واحدة لا يفيد أن سواها خالد في النار، بل هم كسائر من يخالفون سنته - صلى الله عليه وسلم - يعذبون بمقدار مخالفتهم، ثم يدخلون الجنة، على أن تنويه النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك إنما هو هداية وإرشاد، ومن كمال تبليغه صلى الله عليه وسلم.

 

  • فكرة الإسلام عن الوعد والوعيد، والموازنة القرآنية المترددة في شأن نعيم الأبرار وعذاب الفجار، كل ذلك مما ينعكس في حياة المسلم هدوءا واستقرارا، وينعكس في حياة غيره ضنكا وشقاء يظهران في شعور القلق والاضطراب النفسي، وفي الجرائم والشذوذ والإدمان، على نحو ما يرى في المجتمعات الغربية.

 

 

 

 

(*) هل القرآن معصوم؟ عبد الله عبد الفادي، موقع إسلاميات.

 

[1]. القيامة الكبرى، د. عمر سليمان الأشقر، دار السلام، مصر، 1426هـ/ 2005م، ص259، 260.

 

[2]. القيامة الكبرى، د. عمر سليمان الأشقر، دار السلام، مصر، 1426هـ/ 2005م، ص261.

 

[3]. تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، دار المعرفة، بيروت، 1400هـ/ 1980م، ج3، ص132.

 

[4]. أخرجه مسلم في صحيحه، كتاب فضائل الصحابة، باب من فضائل أصحاب الشجرة أهل بيعة الرضوان رضي الله عنهم (6560).

 

[5]. القيامة الكبرى، د. عمر سليمان الأشقر، دار السلام، مصر، 1426هـ/ 2005م، ص268.

 

[6]. صحيح: أخرجه أحمد في مسنده، مسند المكثرين من الصحابة، مسند أبي هريرة رضي الله عنه (8377)، وأبو داود في سننه، كتاب السنة، باب شرح السنة (4598)، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (203).

 

[7]. مقدمة الفرق بين الفرق، محيي الدين عبد الحميد، وذكرت بعض هذه الروايات في: الفرق بين الفرق،عبد القاهر بن طاهر البغدادي، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1405هـ/ 1985م، ص21: 23.

  • الاثنين AM 04:35
    2020-11-23
  • 1474
Powered by: GateGold