المتواجدون الآن

انت الزائر رقم : 412520
يتصفح الموقع حاليا : 371

البحث

البحث

عرض المادة

ادعاء تأثر العقيدة الإسلامية بعقائد البلاد المفتوحة

                               ادعاء تأثر العقيدة الإسلامية بعقائد البلاد المفتوحة (*)

 

مضمون الشبهة:

 

يدعي بعض الحاقدين أن العقيدة الإسلامية تأثرت بثقافات وديانات البلاد التي فتحها المسلمون، وأنها لم تقو على مقاومة هذه الموروثات التي كانت سائدة في ربوع تلك الأقطار؛ مما أنتج عقيدة مشوهة مرقعة بالبدع والخرافات والأساطير.

 

وجها إبطال الشبهة:

 

1)  العقيدة الإسلامية عقيدة واضحة، وهي عقيدة الفطرة، وهي عقيدة وسطى ثابتة بالدليل والبرهان.

 

2) لم تتأثر عقيدة المسلمين بموروثات وأساطير الأقطار التي فتحوها؛ لأنهم فتحوا هذه البلاد ليحرروا أهلها من الأساطير والأوهام والضلال.

 

التفصيل:

 

أولا. العقيدة الإسلامية عقيدة واضحة فطرية وثابتة بالدليل والبرهان:

 

إن من يدعي أن العقيدة الإسلامية ليست بالقوة الكافية لصد تأثير الأساطير والموروثات الدينية التي كانت سائدة في البلاد والأقطار التي فتحوها، فإنه يجهل طبيعة وخصائص تلك العقيدة الغراء، وما حمله على هذا الادعاء إلا جهله المركب بعقيدة التوحيد التي تناهض وتناقض كل عقائد الشرك في جميع صوره، فكيف هي تناقض الشرك والإلحاد ثم تتأثر بهما؟ ثم كيف تستمر صافية كما هي طوال هذه القرون المديدة عبر التاريخ ثم يقال: إنها عقيدة ضعيفة تتأثر بالموروثات الدينية من حولها؟ أليست هذه العقيدة التي بين أيدينا هي عقيدة التوحيد التي أنزلت على محمد - صلى الله عليه وسلم - لم يتغير منها شىء؟ فكيف يدعى أنها يمكن أن تتأثر بغيرها من العقائد المحرفة الفاسدة؟ وكيف تنتشر هذا الانتشار السريع قديما وحديثا وتسيطر على قلوب العباد ونفوسهم، ثم يأتي مدع ويقول: إنها عقيدة ضعيفة يمكن أن تتأثر بغيرها من الموروثات الدينية للبلاد التي فتحها المسلمون؟

 

ولو افترضنا - جدلا - أن عقيدة التوحيد يمكن أن تتأثر بغيرها، فما هو الجديد الذي جد عليها وتأثرت به ولم يكن موجودا فيها، ولم ينبه عليه العلماء الذين جعلهم الله حراس العقيدة وحماتها فينفون عنها كل زيغ وضلال وينقونها من كل بدعة وفساد؟

 

من أجل هذا بقيت عقيدة التوحيد نقية صافية خالصة حتى يومنا هذا، وذلك يعود لسببين:

 

أولهما: أن الله تعالى قيض لهذه العقيدة من العلماء من يصححها وفق منهج الكتاب والسنة كلما عظم الخطب أو اشتدت المحنة كما حدث في محنة خلق القرآن وغيرها.

 

ثانيهما: عقيدة الإسلام تنفرد عن غيرها من العقائد بخصائص ومزايا عديدة لا تتوافر لغيرها من العقائد فهى:

 

  • عقيدة واضحة: بسيطة لا تعقيد فيها ولا غموض، تتلخص في أن وراء هذا العالم البديع المنسق المحكم ربا واحدا خلقه ونظمه، وقدر كل شىء فيه تقديرا، وهذا الإله أو الرب ليس له شريك ولا شبيه ولا صاحبة ولا ولد: )وقالوا اتخذ الله ولدا سبحانه بل له ما في السماوات والأرض كل له قانتون (116)( (البقرة). وهذه عقيدة واضحة مقبولة، فالعقل دائما يطلب الترابط والوحدة وراء التنوع والكثرة، ويريد أن يرجع الأشياء دوما إلى سبب واحد، فليس في عقيدة التوحيد ما في عقائد التثليث[1] أو الثنوية ونحوها من الغموض والتعقيد الذي يعتمد دائما على الكلمة المأثورة عند غير المسلمين: "اعتقد وأنت أعمى" وهي عقيدة الفطرة ليست غريبة عنها ولا مناقضة لها، بل هي منطبقة عليها انطباق المفتاح المحدد على قفله المحكم، وهذا هو صحيح القرآن: )فأقم وجهك للدين حنيفا فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون (30)( (الروم). وصريح الحديـث النبـوى: «كـل مولـود يولـد على الفطــرة - أي الإسلام - فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه»[2]. فدل هذا الحديث على أن الإسلام هو فطرة الله، فلا يحتاج إلى تأثير من الأبوين، أما الأديان الأخرى من يهودية ونصرانية ومجوسية فهي من تلقين الآباء والأمهات.

 

  • عقيدة ثابتة: لا تقبل الزيادة والنقصان، ولا التحريف والتبديل، فليس لحاكم من الحكام، أو مجمع من المجامع العلمية، أو مؤتمر من المؤتمرات الدينية، أن يضيف إليها أو يحور فيها، وكل شىء مضاف أو محور مردود على صاحبه، والنبى صلى الله عليه وسلم يقول:«من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد»[3]. أي: مردود عليه، والقرآن يقول مستنكرا: )أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله( (الشورى:21). وعلى هذا فكل البدع والأساطير والخرافات التي دست في بعض كتب المسلمين، أو أشيعت بين عامتهم باطلة مردودة لا يقرها الإسلام، ولا تؤخذ حجة عليه.

 

  • عقيدة مبرهنة: لا تكتفي من تقرير قضاياها بالإلزام المجرد والتكليف الصارم، ولا تقول كما تقول بعض العقائد الأخرى: "اعتقد وأنت أعمى"، أو: "آمن ثم اعلم"، أو: "أغمض عينيك ثم اتبعنى"، أو: "الجهالة أم التقوى"، بل يقول كتابها صراحة: )وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين (111)( (البقرة)، ولا يقول من علمائها ما قاله أحد القديسين الفلاسفة المسيحيين: "أومن بهذا لأنه محال"! بل يقول علماء العقيدة الإسلامية: إن إسلام المقلد لا يقبل". وكذلك لا تكتفي بمخاطبة القلب والوجدان والاعتماد عليهما أساسا للاعتقاد، بل تتبع قضاياها بالحجة الدامغة، والبرهان الناصع والتعليل الواضح، الذي يملك أزمة العقول، ويأخذ الطريق إلى القلوب، ويقول علماؤها: إن النقل الصحيح لا يخالف العقل الصريح، فنرى القرآن في قضية الألوهية يقيم الأدلة في الكون ومن النفس ومن التاريخ على وجود الله وعلى وحدانيته وكماله. وفي قضية البعث يقيم الأدلة على إمكانه بخلق الإنسان أول مرة وخلق السموات والأرض وإحياء الأرض بعد موتها، ويدلل كذلك على حكمته بالعدالة الإلهية في إثابة المحسن وعقوبة المسىء: )ولله ما في السماوات وما في الأرض ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى (31)( (النجم).

 

  • عقيدة وسط لا إفراط فيها ولا تفريط: فهي وسط بين من ينكرون كل ما وراء الطبيعة مما لا تصل إليه حواسهم، وبين الذين يثبتون للعالم أكثر من إله، بل يحلون روح الإله في الملوك والحكام! بل وفي بعض الحيوانات والنبات مثل الأبقار والأشجار! فقد رفضت الإنكار الملحد، كما رفضت التحديد الجاهل، والإشراك الغافل، وأثبتت للعالم إلها واحدا، لا إله إلا هو: )قل لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون (84) سيقولون لله قل أفلا تذكرون (85) قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم (86) سيقولون لله قل أفلا تتقون (87) قل من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه إن كنتم تعلمون (88) سيقولون لله قل فأنى تسحرون (89)( (المؤمنون).

 

وهي عقيدة وسط في صفات الإله فليس فيها الغلو في التجريد الذي جعل صفات الإله مجرد صفات سلبية لا تعطي معنى، ولا توحي بخوف أو رجاء - كما فعلت الفلسفة اليونانية - فكل ما وصفت به الإله أنه ليس بكذا وليس بكذا... من غير أن تقول: ما صفات هذا الإله الإيجابية؟ وما أثرها في هذا العالم؟ ويقابل هذا أنها خلت من التشبيه والتجسيم الذي وقعت فيه عقائد أخرى كاليهودية، التي جعلت الخالق كأحد المخلوقين من الناس، ووصفته بالنوم والتعب والراحة، والتحيز والمحاباة والقسوة وجعلته يلتقي ببعض الأنبياء فيصارعه فيغلبه ويصرعه، فلم يتمكن الرب من الإفلات منه حتى أنعم عليه بلقب جديد!

 

ثانيا. كيف تتأثر عقيدة المسلمين بموروثات وأساطير البلاد التي فتحوها، وهم ما فتحوا هذه البلاد إلا ليحرروا أهلها من هذه الأساطير والأوهام؟

 

وإذا كان المسلمون الأوائل أمام تحد وهم يجوبون العالم شرقه وغربه فاتحين، فهو تحدي تخليص العالم من عبودية العباد إلى عبودية رب العباد، ورد كرامة الإنسان إليه. والذي يوضح هذا ويبينه أوضح بيان قول ربعي بن عامر - رضي الله عنه - في رده على ملك الفرس قائلا: "إنما ابتعثنا الله لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة[4].

 

والقرآن الكريم نزل على فترة من الرسل، اختلط فيها الباطل بالحق بين معتنقي اليهودية والنصرانية، فلم يكن بد من تصحيح المسار الإنساني الديني بالقرآن الكريم الدائم والناسخ لبعض ما سبقه من الشرائع المخالفة له، فلقد جمع القرآن بين صفحاته كل العقائد السابقة مبينا الحق منها والباطل، فصحح العقيدة، وكان ذلك من أجل خير الإنسانية عامة وبلاد العرب خاصة حيث تكثر فيها الملل والديانات المتناحرة، وفي سبيل ذلك أخذ القرآن الكريم ينوع أسلوبه من الأسلوب الذي يناسب العامي، أي الأسلوب المحسوس البحت المجسم، ثم إلى الأسلوب الذي يجمع بين المحسوس والمعقول الذي يخاطب أواسط الناس في الطبيعة العقلية، والذين لهم ملكات تؤهلهم لفهم المعقول ولكن بالتعانق مع المحسوس، ثم إلى الفئة الثالثة وهم أولو الألباب، وما يتناسب معهم من أدلة عقلية خالية من الحس، وهذه الفئة أعلى من سابقتيها في الملكات العقلية.

 

فلم يكن ظهور الإسلام في الجزيرة العربية أثرا مفاجئا، بل كانت هناك مقدمات ممهدة له، هيأت النفوس لاستقباله؛ فقد انتهت العرب إلى حال شديدة من الفساد والضلال، الأمر الذي دفع بفريق منهم ومن أهل الكتاب إلى البحث عن دين أو معتقد بجوار المعتقدات السائدة التي أهمها عبادة الأوثان، ولقد عالج القرآن الكريم كل هذا من خلال:

 

  1. إثبات وجود الخالق - عز وجل - على وجه مستمد من دليل الحس، لا يبعد عما يشاهدونه من كائنات الطبيعة الحية كالأنعام التي يزعمونها، والصامتة كالجبال التي من حولهم؛ فينبه بذلك حواشهم وأذهانهم جميعا في غير تعقيد ولا جدال، على نحو ما نجده في قوله عز وجل: )أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت (17) وإلى السماء كيف رفعت (18)( (الغاشية).

 

  1. والقرآن الكريم يخلص فكرة الألوهية من الشرك والضلال، فبعد أن أثبت القرآن الكريم أن هناك خالقا هو إله هذا الكون، بدأ في تنقية فكرة الألوهية، وفي سبيل ذلك تحدث عن معبودات لا تتصف بصفة الحياة، كالشمس في قصة سبأ، وقد حكى الله - عز وجل - عن الهدهد قوله: )إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم (23) وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون (24) ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السماوات والأرض ويعلم ما تخفون وما تعلنون (25) الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم (26)( (النمل)، حيث يستنكر القرآن عبادة الشمس في هذه الآيات، وقد هدم القرآن الكريم عبادة الكواكب كما ورد في قصة سيدنا إبراهيم مع قومه، إلى جانب اهتمام القرآن بإبطال عبادة الأصنام التي كانت منتشرة في جزيرة العرب، وكانوا لا يعدلون بها، فكانوا كلما اعتنقوا دينا سرعان ما عادوا إلى عبادة الأصنام، ولذلك تصدى القرآن الكريم للرد على تلك العبادة في أكثر من موضع[5].

 

وبهذا البيان اتضح أن عقيدة المسلمين لم تتأثر بموروثات وعقائد وأساطير البلاد التي فتحوها، بل إن هذا الفتح كان لتحرير أهل هذه البلاد من تلك الأساطير والأوهام، وكتب التاريخ الصحيحة تحتوي على ما يعضد هذه الحقيقة ويثبتها.

 

الخلاصة:

 

  • للعقيدة الإسلامية مزايا عديدة لا تتوافر لغيرها من العقائد، فهي عقيدة واضحة بسيطة لا تعقيد فيها ولا غموض، كذلك هي عقيدة الفطرة، ليست غريبة عنها ولا مناقضة لها، كما أنها عقيدة ثابتة محدودة لا تقبل الزيادة ولا النقصان، ولا التحريف ولا التبديل، فليس لأحد - مهما كان - أن يضيف إليها أو يحور فيها، وهي عقيدة مبرهنة لا تكتفي في تقرير قضاياها بالإلزام المجرد والتكليف الصارم، وإنما تأتي بالبرهان على ذلك، وهي أيضا عقيدة وسط لا إفراط فيها ولا تفريط.

 

  • لذلك لم تتأثر العقيدة الإسلامية بموروثات وعقائد وأساطير البلاد التي فتحوها، ولكنهم فتحوا البلاد ليحرروا أهلها من هذه الأساطير، ولقد أكرم الله من دخل في الإسلام بالتخلص من تلك الأساطير والأوهام بمجرد دخولهم في الإسلام.

 

 

 

 

(*) الإسلام في تصورات الغرب، د. محمود حمدي زقزوق، مكتبة وهبة، القاهرة، ط1، 1407هـ/ 1987م.

 

[1]. التثليث: عند النصارى: القول بوجود ثلاثة أقانيم في الذات الإلهية: الآب والابن والروح القدس.

 

[2]. أخرجـه البخــاري في صحيحـه، كتـاب الجنائـز، بـاب مـا قيـل في أولاد المشركيــن (1319)، وفي مواضع أخرى، ومسلم في صحيحه، كتاب القدر، باب معنى كل مولود يولد على الفطرة (6926).

 

[3]. أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود (2550)، ومسلم في صحيحه، كتاب الأقضية، باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور (4589).

 

[4]. انظر: العقيدة الإسلامية وأثرها في حماية الفرد والمجتمع، د. فتحي إبراهيم منصور، دار البيان، القاهرة، 2006م.

 

[5]. العقيدة الإسلامية وأثرها في حماية الفرد والمجتمع، د. فتحي إبراهيم منصور، دار البيان، القاهرة، 2006م، ص20،21 بتصرف

  • الاثنين AM 04:23
    2020-11-23
  • 1517
Powered by: GateGold